رينيه ديكارت

باروخ سبينوزا

غوتفريد لايبنتس

في الفلسفة، العقلانية هي النظرة المعهدية التي «تعد المنطق (العقل) مصدرًا رئيسيًا واختبارًا للفهم» أو«وجهة نظر تميل إلى اعتبار المنطق (العقل) مصدرًا للفهم أوالتبرير». بشكل أكثر رسمية، تعرّف العقلانية على أنها المنهجية أوالنظرية التيقد يكون معيار الحقيقة فيها فكريًا واستنباطيًا وليس حسيًا.

في خلاف قديم، كانت العقلانية تعاكس التجريبية، إذ آمن العقلانيون بأن الحقيقة لها هيكل جوهري منطقي. ولهذا السبب، جادل العقلانيون بوجود حقائق معينة وأن العقل يمكن حتى يفهم هذه الحقائق بشكل مباشر. وهذا يعني حتى العقلانيين أكدوا على حتى هناك بعض المبادئ المنطقية الموجودة في المنطق والرياضيات والأخلاقيات وما وراء الطبيعة والتي تكون سليمة أساسًا لدرجة حتى إنكارها يتسبب بوقوع الفرد في حالة من التناقض. امتلك العقلانيون ثقة عالية في العقل فقد اعتُبرت الإثباتات التجريبية والأدلة المادية غير ضرورية لتأكيد بعض الحقائق. بمعنى آخر، «هناك طرق هامة نكسب من خلالها مفاهيمنا ومعهدتنا بشكل مستقل عن التجربة الحسية».

تقود الدرجات المتنوعة من التأكيد على هذه الطريقة أوالنظرية إلى مجال من المواقف العقلانية، بدءًا من الموقف المعتدل الذي يفيد بأن «العقل له أفضلية على طرق اكتساب الفهم الأخرى» إلى مواقف أكثر تطرفًا تفيد بأن العقل «هوالطريق الفريد من نوعه إلى الفهم». نظرًا لفهم العقل السابق للحداثة، تعد العقلانية مطابقة للفلسفة، أوحياة التقصي السقراطية، أوالتفسير البحثي (التشككي) الواضح للسلطة (المنفتح على السبب المستبطن أوالأساسي للأشياء كما تظهر لحسنا باليقين). في العقود الأخيرة، سعى ليوشتراوس إلى إحياء «العقلانية السياسية التقليدية» بصفته نظامًا يفهم مهمة إعمال العقل على أنها طريقة سقراط وليس أساسًا.

في الجمهورية الهولندية في القرن السابع عشر، أدى ظهور العقلانية المبكرة في العصر الحديث -بصفتها مدرسة منهجية للغاية بحد ذاتها في الفلسفة لأول مرة في التاريخ- إلى ممارسة تأثير هائل وعميق على الفكر الغربي الحديث بشكل عام، بولادة النظامين الفلسفيين العقلانيين المؤثرين التابعين لديكارت (والذي قضى معظم حياته البالغة في الجمهورية الهولندية في الفترة بين عامي 1628-1649 وعلى الرغم من تنقله المتكرر، فقد خط جميع أعماله الكبرى خلال العشرين عامًا التي قضاها في الأنطقيم المتحدة)وسبينوزا –أي الديكارتيةوالسبينوزية. كان الفهماء العقلانيون أمثال ديكارت وسبينوزا ولايبنيتز هم من منح «عصر المنطق» اسمه ومكانته في التاريخ.

في السياسة، عُززت العقلانية تاريخيًا منذ عصر التنوير «سياسة المنطق» المتمحورة حول الاختيار العقلاني والنفعية والفهمانية واللادينية – خُففَت معاداة الألوهية في ذلك الأخير لاحقًا بتبني أساليب التفكير التعددية الممكنة عمليًا بغض النظر عن الإيديولوجية الدينية أواللادينية. فيما يخص هذا الأمر، لاحظ الفيلسوف جون كوتنغهام كيف من الممكن أن حتى العقلانية، كمنهجية، أصبحت تُخلَط اجتماعيًا بالإلحاد، وتفيد النظرة العالمية:

«في الماضي، وعلى وجه الخصوص في القرنين السابع عشر والثامن عشر، استُخدِم مصطلح عقلاني للإشارة إلى المفكرين الأحرار ذوي النظرة المعارضة لتدخل القساوسة والدين، واكتسبت الحدثة لفترة من الزمن قوة ازدرائية واضحة (وبالتالي تحدث ساندرسون عام 1670 باستخفاف عن عقلاني نقي، أي باللغة الإنجليزية البسيطة ملحد من النسخة الأخيرة...). إذا استخدام تعبير «عقلاني» لتمييز نظرة للعالم لا تقبل بالخوارق قد أصبحت أقل شيوعًا في يومنا هذا، ويبدوحتى مصطلحات مثل «إنساني» أو«مادي» قد شغلت مكانها إلى حد كبير. لكن الاستخدام القديم ما يزال قائمًا.

خلفية

تفسر العقلانية في كثير من الأحيان على أنها تقابل التجريبية، ولكن بنظرة أكثر عمومية، والإثنين ليسوا متنافيين. هنالك الكثير من الفلاسفة الذين يمكن تصنيفهم بالعقلانيين والتجريبيين.

يجادل بعض من مؤيدي العقلانية بأنه إذا بدأنا من قواعد أساسية كمسلمات الهندسة، فإنه من الممكن استنتاج جميع الفهم التي يمكن معهدتها. الفيلسوفان سبينوزا وليبنتز كانا أبرز من تمسك بهذا الفكر، ومحاولتهما لفهم المشاكل المعهدية والميتافيزيقية التي أثارها ديكارت أدت إلى تنمية النهج الأساسي للعقلانية.

سبينوزا وليبنتز نطقا من حيث المبدأ جميع الفهم بما فيها الفهم الفهمية يمكن الحصول عليها من الاستنتاج وحده، ولكن لاحظا حتى ذلك غير ممكن من حيث التطبيق للبشر ما عدا مواضيع معينة كالرياضيات. ولكن ليبنتز أقر بأن "كلنا تجريبيين في ثلاث أرباع أفعالنا".

الاستخدام الفلسفي

نظرية التبرير

نظرية التبرير هي ذاك القسم من نظرية الفهم الذي يحاول فهم مبررات الافتراضات والمعتقدات.

يهتم فهماء الفهم بالميزات المعهدية المتنوعة للمعتقد، والذي يتضمن أفكار التبرير والتسويغ والعقلانية والاحتمال. من بين هذه المصطلحات الأربعة، يعد التسويغ المصطلح الأكثر استخدامًا ونقاشًا في بدايات القرن الحادي والعشرين. يمكننا القول مجازًا إذا التبرير هوالسبب (غالبًا) وراء اعتناق الشخص لمعتقد ما.

إذا زعم «إيه» أمرًا، وألقى «بي» ظلال الشك عليه، ستكون المستوى التالية لـ «إيه» بديهيًا هي تقديم التبرير. إذا الطريقة الدقيقة التي يستخدمها الفرد لتقديم التبرير هي المكان الذي تُرسَم فيه الخطوط بين العقلانية والتجريبية (من بين الآراء الفلسفية الأخرى). يركز معظم النقاش في هذه المجالات على تحليل طبيعة الفهم وكيفية ارتباطها بالأفكار المتصلة مثل الحقيقة والإيمان والتبرير.

العقلانية قديما

سقراط (399-470 ما قبل الميلاد)

اعتقد سقراط بأن على البشر حتى يفهموا أنفسهم أولا قبل حتى يفهموا العالم، وأن التفكير العقلاني هوالطريق الوحيد لتحقيق ذلك.

علينا حتى نتطرق إلى فهم الإغريق للعالم، لكي نعي ما قصد سقراط. المرء بالنسبة لهم، يتكون من جزئين, الجسد والروح. الروح لها جزئين أساسيين، الجزء اللاعقلاني، وهوالخاص بالمشاعر والرغبات، والجزء العقلاني وهوالنفس.وهم يرون حتى في تجاربنا اليومية، الروح اللاعقلانية تنجذب إلى الجسد برغباته وتندمج الروح اللاعقلانية معه، فيصبح إدراكنا للعالم محدود بما تؤتينا به حواسنا الجسدية. الروح العقلانية هي أبعد من ادراكنا ولكن يمكن التواصل معها بالصور، الأحلام وخلافه.

مهمة الفيلسوف إذا، كما يرى سقراط، هي إصلاح، وفي نهاية المطاف استئصال الروح اللاعقلانية، وبالتالي الحاجة إلى الإصلاح الأخلاقي، وبعدها تفعيل الروح العقلانية كيقد يكون إنسان مكتمل يظهر الجوهر الروحاني الاسمي وهوما زال في جسده.

العقلانية الحقيقية، بالنسبة لسقراط، هي ليست فقط عملية تفكير، وإنما تغيير في الوعي والطبيعة النوعية للمرء. الروح العقلانية تنظر إلى العالم بنظرة روحانية، ترى الأشكال الأفلاطونية، أوجوهر الأمور. فهم العالم بحاجة إلى حتى يعهد المرء روحه أولا، وبالتالي ' يفهموا أنفسهم أولا'.

سقراط لم ينشر أويخط أي من أفكاره، ولكنه كان دائما في مناقشات مع الآخرين. عادة كان يبدأ بطرح سؤال بلاغي، يوحي بأنه قابل للإجابة. بعد الاطلاع على الإجابات من الآخرين، يستمر في طرح الأسئلة حتى تحل جميع نقاط الخلاف أوحتى يقر الآخرين على عدم القدرة على إجابة السؤال. سقراط لم يدعي أنه يعهد الإجابة، ولكن هذا لم يمنع قدرته على تناول المشكلات بشكل عقلاني. كان هدفه حتى في النهاية طريقتنا الفكرية لفهم العالم معيبة ووجب تجاوز ذلك للحصول على فهم حقيقية لحقيقة الأمور.

العقلانية القارية

منذ عصر النهضة ارتبطت العقلانية بإدخال الطرق الرياضية إلى الفلسفة، كما هوالحال في أعمال الفلاسفة ديكارت, سبينوزا وليبنيز. يعد هؤلاء الفلاسفة أبرز الفلاسفة العقلانيين ويطلق على أفكارهم العقلانية القارية لأنها كانت سائدة في المدارس الفلسفية القارية في أوروبا، بينما في بريطانيا, التجريبية كانت سائدة.

رينيه ديكارت (1596-1650)

فهم الحقائق الخالده من وجهة نظر ديكارت، بما فيها الحقائق الرياضية والأسس المعهدية والميتافيزيقية للعلوم، يمكن الحصول عليها من العقل وحده. أما المعارف الأخرى، كالفهم الفيزيائية، بحاجة إلى التجربة مع العالم بالاعتماد على المنهج الفهمي.

جادل ديكارت بأنه بينما تبدوالأحلام كأنها حقيقية نابعة من حواسنا، ألا أنها لا يمكن حتى تعطي المرء الفهم، بما حتى حواسنا من الممكن حتى تخدعنا وتوهمنا فإن الحواس قابلة للشك. وهذا فإن السعي العقلاني للحقيقة يجب حتى يشكك في جميع الأفكار المسبقة عن الواقع. ويقول ديكارت في كتابه 'منطق عن المنهج', ص3

منهج التحقيق

في منطق عن المنهج، وضع منهج للحصول على الحقائق، ويتكون من أربع قواعد ويعهد المنهج كالآتي

أما القواعد الأربع، هم قاعدة اليقين، التحليل، التأليف والاستقراء التام، يعهدهم ديكارت في كتابه كما يلي:

إذاً, يمكننا حتى نلخص القواعد الأربع كالآتي:

1. اخضاع الأفكار المسبقة لمحاكمة العقل والتخلي عن تلك التي لا يتوافر فيها الوضوح والتمايز.
2. تقسيم المشكلة الكبيرة إلى أجزاء صغيرة
3. نبدأ بالمشاكل الأسهل أولا
4. نراجع بشكل دوري للتأكد من أننا لم نهمل نقطة ما أوأخطأنا في التفكير

منهج الشك

منهج الشك هي عملية عقلية تستخدم لاكتشاف أي من المسائل التي يمكن حتى نحصل على الفهم عنها بكل يقين. وهناك فرق بين الفهم والاعتقادات والآراء، لأن الفهم تعني اليقين بينما الاعتقاد والرأي يتحملان بعض درجات الشك.لأنه من غير الممكن لأي انادىء يحتمل الشك بأن يعبر عن فهم، وإنما من الممكن حتى يعبر عن اعتقاد أورأيه. ونستنتج من ذلك بأنه إذا لم يجد الشك طريقا إلى انادىء ما فإن هذا الانادىء يصبح فهم.

لذا فإن مناهج ديكارت أحدثت تحول في نظرية الفهم والتساؤل عن ما يمكن معهدته، ويبقى كما رأى ديكارت، حتى العقل وحده يمكنه الحصول على الفهم بشكل مستقل عن حواسنا.

باروخ سبينوزا (1632-1677)

طور الفيلسوف سبينوزا في القرن السابع عشر فلسفة منهجية، منطقية وعقلانية. افترض سبينوزا أنه لا توجد إلا عقلانية واحدة شاملة للإنسان والطبيعة، ولذا سعي إلى تطبيق المنهج الهندسي (كما في كتاب إقليدس العناصر) في قضايا فلسفية مختلفة منها الإلوهية والأخلاق، حتى أننا نجده يعهد الله في أول (التعريف السادس) كتابه الأخلاق ويثبته بشكل رياضياتي بعدها من بضعة مسلمات. واتخاذه لمنهج الهندسة كان لعدة أسباب

• أن في ذلك الوقت، الهندسة كانت مثالا للفهم التام واليقيني وغير قابلة للاختلاف.
• اعتقاده حتى بالإمكان الوصول إلى الحقيقة (في الفلسفة) على غرار ما عمله اقليدس في الرياضيات من منهجية ودقة ووضوح.
• الحد من الاختلافات التي تتسم بها الفلسفية بتطبيق المنهج الهندسي باعتماده على البراهين التي تكون سليمة أوغير سليمة ولكن غير قابلة للاختلاف

غوتفريد ليبنتز (1646-1716)

النظرة العقلانية لدى ليبنتز تستند في استدلالاتها على مبدأين

1. مبدأ التناقض يتمثل بكون الانادىء كاذب إذا احتوي على تناقض، وأنه سليم إذا لم يحتوي على تناقض
2. مبدأ العلة الكافية وهوحتى لا يمكن لواقعة حتى تحدث، ولا أي انادىءقد يكون سليم إلا إذا عثر سبب كافي لذلك، لا شيئا آخر.

الحقائق بالنسبة إلى ليبنتز نوعين، حقائق العقل وحقائق الواقع.

حقائق العقل

حقائق العقل، كما يرى ليبنتز، هي الحقائق اللازمة والأبدية يحكمها مبدأ التناقض. ومنها يمكن الحصول على العلوم والتفسيرات العقلية، وجود الأمور، البشر والله والوعي على وجودنا.

ولكن مبدأ التناقض وحده لم يكن كافي لحل المشكلات الميتافيزيقية لتبرير وجود الموجودات، لأن مبدأ التناقض لا يثبت شيئا سوى حتى هذا الشئ ممكن الوجود،

وبما حتى حقائق العقل تخضع للتحليل المنطقي. حلم بتطوير حاسوب يمكنه فهم صحة الأفكار كما هوالحال في حساب الأرقام، ولكن بالرغم من عدم تحقيق حلمه إلا أنه كان أول من اخترع الحاسوب.

حقائق الواقع

حقائق الواقع هي الحقائق الجائزة (Contingent truths) يحكمها مبدأ العلة الكافية. ونلاحظ حتى ليبنتز لم يفرق بين الدليل الكافي على وجود الشئ والدليل الكافي على صحة معهدتنا به.

ولعل من أبرز الاختلاف بينه وبين سبينوزا، حتى ليبنتز يرى حتى من الممكن لبعض الأمور أوالأحداث حتى تتحقق بسبب ليس ضروري، ولكن بسبب كافي (مبدأ العلة الكافية). مثلا إذا قلنا حتى "عمروليس متزوجا" فهذا ليس ضروري، من الممكن حتىقد يكون العكس، أي متزوجا. هنا السبب الكافي ليس من قبيل الصدفة وإنما، كما يرى، الأفضل من جميع الاحتمالات الأخرى (وهنا العناية الإلهية هي التي اختارت أفضل العوالم الممكنة، ولذا نرى تبرير لوجود الموجودات بالعلة الكافية).

ليبنتز لا ينفي إمكانية حتىقد يكون مصدر الفهم من التجربة، ولا ينفي أيضا حتى حواسنا يمكن ان تلعب دورا في اكتشافنا للحقائق الأبدية والضرورية، بل من الممكن حتى معهدتنا بحقائق الرياضيات والمنطق اكتسبت عبر حواسنا. ولكن، تظل تلك الحقائق مستقلة عن التجربة.

مراجع