بوابة:مسرح/مقالة مختارة

عودة للموسوعة

بوابة:مسرح/منطقة مختارة

"ثورة القتلى"..ِ

     عرض مسرحي: ضحل الخيال.. فقير الإبداع 


ختام مهرجان حمص المسرحي التاسع عشر, كان عرض مسرحية"ثورة القتلى" تأليف: اروين شوومن إخراج: سامر أبوليلى. وهذه الفرقة المسرحية تتبع نقابة الفنانين بحمص. والعنوان الأصلي للنص هو : ثورة الموتى. ومابين "ثورة الموتى" و"ثورة القتلى", فرقان اثنان, فرق لغوي بدهي بمعناه وتفسيره ودلالته, وفرق فني , مسرحي, وهذا ما يهمنا هنا. يدخل المشاهد إلى بهوالمسرح , فيعطونه بروشور العرض المسرحي. الذي يحدد فيه المخرج والفرقة معا, منطلقات وعوالم وهدف العرض المسرحي, والمخرج لا يخط حدثاته هو, بل يستعير قصيدة الفرنسي بول إيلوار, بترجمة ركيكة ومنفرة, يقول إيلوار وسامر أبوليلى بلسان واحد: كئيب هواسمي حين أستفيق كئيبة هي الصورة المسخ فيّ التي تنكدني المكشرة المبدعة للهوس.. أمام مرآة ليلي كئيب هوثقل ضلالي.. هونصفي البارد العفن قد يتوسع صفر كئيب وصغير وفائق الضخامة قادر حتى يستولي على الجزء الجوهري من الإنسان بهذه الركاكة والفجاجة والغربة يريد لنا المخرج حتى ندخل إلى صالة العرض. وندخل رغم الإزدحام الشديد, ونجلس في مقعدنا , فنصفع بلوحة تتصدّر خشبة المسرح, نارية الألوان , باردة الأحاسيس, حيادية, فهي لا تنتمي إلى العرض المسرحي لا من قريب أوبعيد, متجهمة بغموض , وعبثية بالتزام, أوفلنقل أنها ملتزمة بعبثية.وفي يمين مقدمة المسرح رفوش ملطخة بالدم , وبكرة من قماش استخدمت طوال العرض المسرحي, كشريط إخباري خصّ العرب وأخبارهم المعاصرة, أما خشبة المسرح , فقد كانت تروي لنا سيرة جنود أمريكيين يعانون ويلات حروبهم الطامعة والدنيئة, ويقاربها المخرج إلى الحرب الظالمة ,على العراق, وهي مقاربة خاوية من جميع معنى ومن جميع ذوق فكري أوجمالي, رغم جديتها و"تراجيديتها". يحار الضابط الأمريكي في أمر الجنود القتلى أوالموتى, لأنهم يرفضون حتى يدفنوا, ولأنهم عهدوا "بعد موتهم" حتى قتلهم كان مجانيا, وبلا هدف , رغم غسيل الدماغ الذي مورس عليهم من صنّاع الحرب وآلتهم الإعلامية الجبارة, يستشير الضابط قيادته في واشنطن, والقيادة تكاد حتى تتهمه بالجنون , ثم تقرر حتى الأمر خيال لا أكثر , فهوخيال المحارب المتوجس, المتوتر القلق. يقترح الضابط وبإصرار حتى تزور القيادة العسكرية الأمريكية, مكان القتلى الذين وقفوا وقبورهم ليعلنوا احتجاجهم على حرب خاضوها وقتلوا فيها. وتخضع الإدارة العسكرية فتزور المكان, مصطحبة ذوي القتلى من النساء ,ليكنّ أكثر تأثيرا على إقناع موتاهم ,بأن يستريحوا في قبورهم , فالجنّة في انتظارهم. لكن لقاء الأحبة والأهل يكشف عري المجتمع في الولايات المتحدة الأمريكية, ويكشف هشاشة تفكير شبابه, الذي تدفعه مصالحه الحياتية الصغيرة, وهمومه اليومية للحرب , لا لهدف وطني أوقومي نبيل, وإنما لينال في نهايتها دخلا إضافيا , أوجنسية أمريكية بعد حتى حلم طويلا, بأنقد يكون مواطنا أصيلا في بلاد العم سام. وإزاء إصرار القتلى, على بقاءهم موتى فوق الأرض , تتفتق العقلية الأمريكية, فتجعل منهم صرعة العصر , صرعة تعيش أياما بعنفوان هائل, فتباع ملايين القمصان وعليها صورهم الشخصية, وتصنع العطور باسمهم, وتنتج الأفلام الهوليودية , والمسلسلات التليفيزيونية, والألعاب الحاسوبية. هكذا يحوّل النظام الأمريكي احتجاج قتلاه إلى سلعة. والنظام الأمريكي(كنمط إقتصادي- إجتماعي)بارع في تسليع وتشييء جميع وأيّ شيء. هذه هي الفكرة الرئيسية لنص آروين شو. ولنلق نظرة على عرض سامر أبوليلى . قبل حتى ندخل في عناصر العرض المسرحي, لابد حتى نقف قليلا عند الرؤية الإخراجية, فمقولة النص على أهمية طرحها أمام الرأي العام الأمريكي وغير الأمريكي( والعربي خصوصا, الذي يقع عليه الظلم الأمريكي), مقولة النص التي تفصح عن نفسها: حتى لا للحرب , وتدين الحرب في جميع مكان , ومهما كانت أسبابها. يتعامل معها المخرج بطفولة ثورية ( وفنية), مطلقا لسخريته العنان من النظام الأمريكي, ومن ركنه العسكري تحديدا, مؤمنا بمقولة ماوتسي تونغ الشهيرة: "الإمبريالية نمر من ورق", لا بل عمد إلى الأسوأ حين قدّم لنا شخصيات القائمين على الحرب, كبهاليل, وأنصاف مجانين ومنادىة للسخرية , معتمدا المبالغة والتضخيم( الغروتيسك), مستعيرا كاراكتارات هي أقرب للهزل المجاني منها إلى النمط, فضاعت جدية هذه الشخصيات, والتي تخوض حربا جدية أيضا, وبالتالي أضاع علينا هدف العرض الجميل : حتى لا للحرب , وهوهدف يكتسب أهمية بالغة جدا ,إذا ماتمّ طرحه في المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص, والمجتمع الأوروبي والعالمي على وجه العموم. "ثورة القتلى" عرض تهويمات . خال من الصورة الفنية, ضحل الخيال, فقير الإبداع, بلا هوية أسلوبية, ينم عن مخرج خاوي الروح ,ضحل الثقافة. وقد سفح المخرج وقته ووقت ممثليه, ووقتنا بلا فائدة ترتجى , ولا متعة تسر الخاطر. رغم أننا نشد على أيدي ممثليه جميعا, لجهدهم الطيّب, لكنه الضائع أيضا.هل نتحدث عن بقية عناصر العرض المسرحي, الإضاءة, الموسيقى, الملابس, الديكور, الإكسسوارات, التي تآلفت جميعا, لتساهم بسقوط هذا العرض؟؟. إن سقوط العرض, وطول زمنه ,ولجوءه إلى دلالات فنية شتى, شتت انتباه أحد أعضاء اللجنة التحكيمية للمهرجان, فاقتعد وراء الميكروفون,وبدأ يدلي برأيه متلمظا حدثاته, تاركا فاصلا زمنيا قصيرا, بين حدثة وأخرى, معلنا, حتى هذا العرض ينتمي إلى المسرح الإنضمامي, وهوقول مستهجن ومستغرب, ويجافي الحقيقة. على حتى سؤالا يتبادر إلى الأذهان: لما تتفاوت قدرات بعض المخرجين المسرحيين في عروضهم؟،يا ترى؟ فأنت ترى عرضا مسرحيا مذهلا لذاك المخرج في ذاك العام, وترى عرضا رديئا لنفس المخرج في هذا العام. هل تشبه عروضنا المسرحية , سحابنا في سماءنا, في يوم صيفي قائظ؟؟ لماذاقد يكون الإبداع عندنا طفرة, نظرة , تمضي إلى غير رجعة؟؟. هل هونظام تفكيرنا؟،يا ترى؟ هل هوكسلنا وعجزنا؟،يا ترى؟ هل هوالركون إلى نصر صغير حصلنا عليه, وبه حصلنا على الأستاذية, وصار الباطل لا يدخل من خلفنا ولا من قّدّامنا, وكفى الله المؤمنين شر القتال؟؟. وهل نعتبر عرض "ثورة القتلى" كبوة؟،يا ترى؟ ومن القتلى؟؟هل هم أولئك الذين كانوا على الخشبة, أم أولئك الذين كانوا في قاعة مسرح الزهراوي؟؟. أخيرا.. ظل المخرجون المسرحيون في حمص, لسنوات طويلة, يجوّدون أعمالهم لجذب الجمهور , ولكي يصبح المسرح جزءا من حياة الناس,وهموم الناس, وأحلام الناس, ونجحوا في ذلك إلى حد مقبول, وحين صار لهيب الأكف لا يخبوفي مسارحنا, تناسى أولئك رسالتهم,واستراحوا في دفاترهم العتيقة,وحتى جلسات النقاش الحميمية مع الجمهور, ضرب المخرجون بها عرض الحائط, وأبوا واستكبروا على الناس, فمنهم من لوى عنقه , وأعرب ببرود : هذا عملي كما رأيتم, ومنهم من فقع الجمهور خطبة , أين منها خطب شيشرون, وحمل نبرته بخطاب تكفيري مسرحي, مهددا أنه لم يكتف هذا العام بإغضاب جمهوره, بل توعّد جازما بإغضابه في العام القادم.

بالأمس كانوا يبيعون بيوتهم لأجل المسرح.. واليوم يبيعون المسرح من أجل بيوتهم.

                                                                                            عبد الكريم عمرين
تاريخ النشر: 2020-06-04 04:36:14
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"ماتقيش ولدي" تدعو إلى ملتقى وطني من أجل التصدي للبيدوفياليا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:16
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

ذكرى فض رابعة: رغم مرور 10 سنوات، أحداث دامية لم يستطع كثيرون تخطيها

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 15:06:49
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 91%

عسكريو النيجر يطلبون دعم غينيا لمواجهة "التحديات المقبلة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

"ماتقيش ولدي" تدعو إلى ملتقى وطني من أجل التصدي للبيدوفياليا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:12
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

عسكريو النيجر يطلبون دعم غينيا لمواجهة "التحديات المقبلة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:58
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 66%

رسميا.. كيبا يعوّض كورتوا بدل بونو في ريال مدريد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:54
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 58%

ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية: "أشعر بالاختناق كلما تذكرت هذا اليوم"

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 15:06:47
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 93%

رسميا.. كيبا يعوّض كورتوا بدل بونو في ريال مدريد

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:24:57
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

لسعات العقارب: علاج 62 حالة بأزيلال خلال يوليوز الماضي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:10
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

لسعات العقارب: علاج 62 حالة بأزيلال خلال يوليوز الماضي

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 12:25:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 68%

حرائق الغابات: سكان جزيرة ماوي الأمريكية يستغيثون طلبا للمساعدات

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-14 15:06:51
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية