خرافة العشرة بالمائة: هل نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا ؟

عودة للموسوعة

خرافة العشرة بالمائة: هل نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا ؟

خرافة العشرة بالمائة: هل نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا ؟

د.إيهاب عبد الرحيم محمد

لقد سلب إنسان ما معظم دماغك، من الممكن بدون حتى تدري بذلك حتى. حسنا، إنه لم يأخذ مخك من مكانه، تحديدا، لكنه قرّر أنّك لا تستخدمه. إنها تلك الخرافة القديمة التي سمعتها مرارا وتكرارا حول حتى الناس يستخدمون عشرة بالمائة فقط من أدمغتهم.وفي حين حتى ذلك قد يحدث سليما بالنسبة لأولئك الذين يكررون هذه المقولة، فنحن الباقين نستخدم تام أدمغتنا بسعادة!

عند الإجابة على سؤال: هل نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا،يا ترى؟ لابد من حتى نوضّح بصورة لا لبس فيها أنه ليس هناك ثمة مرشد فهمي على ذلك؛ وبحدثات أخرى، فإن مقولة أننا "نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا" هي قول خاطئ تماما؛ والحقيقة أنها خرافة، فنحن نستخدم دماغنا بالكامل. والآن، دعونا نلقي نظرة على الأصول المحتملة لهذه الخرافة والأدلة على أننا نستخدم جميع دماغنا.

أين بدأت خرافة العشرة بالمائة ؟

إنّ أصل الاعتقاد بأننا نستخدم فقط جزءا صغيرا فقط من دماغنا غير واضح؛ فربما كان ذلك الاعتقاد مشتقّا من الجدل الذي دار في أوائل القرن التاسع عشر بين من كانوا يؤمنون بإمكانية موضعة الوظائف المخية بمناطق بعينها من الدماغ، وأولئك الذين اعتقدوا بأنّ الدماغ يعمل ككلّ لا يتجزأ. وقد هجرّز هذا الجدل حول فرانز جوزيف جال (1757-1828) ويوهان شبورتسهايم (1776-1832) اللذين طوّرا حقل فهم الفراسة- الفرينولوجيا phrenology: وهوفكرة أنه بالإمكان الاستدلال على سلوكيات وخصائص بشرية معيّنة من نمط وحجم النتوءات الموجودة في الجمجمة. وبطبيعة الحال، فلم يقتنع جميع الفهماء مع برأي جال وشبورتسهايم. وعلى سبيل المثال، فقد كان ماري جين بيير فلورينس (1794-1867)، وهومنتقد صريح لفهم الفراسة، يعتقد بأنّه برغم حتى لكل من قشرة المخ والمخيخ وجذع الدماغ وظائف منفصلة، فكلّ هذه المناطق تعمل معا ككل موحد ("متساوي الجهد" ). دعم فلورينس نظرياته بتجارب أزال فيها مناطق من الدماغ (غالبا في طيور الحمام) وأظهر أنّ النقائص السلوكية كانت تزداد بزيادة حجم الجزء المستأصل. وبرغم حتى أبحاث جوستاف فريتش (1838-1927) ، وإدوارد هيتزيج (1838-1907)، وبول بروكا (1824-1888)، وكارل فيرنيكه (1848-1904) في أواخر القرن التاسع عشر زوّدتنا ببيانات قوية للقاءة نظريةتساوي الجهد equipotentiality ، فقد ظهر في أوائل القرن العشرين بعض الفهماء الذين يفضّلون فكرة حتى الدماغ يعمل ككلّ لا يتجزأ.

وقد أشار عدد من المشاهير إلى فكرة أننا نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا؛ فقد خط عالم النفس الأمريكي وليام جيمس في العام 1908: "نحن نستخدم جزءا صغيرا فقط من مواردنا العقلية المحتملة". كما حتى بعض المشاهير غير المتخصصين في فهم الأعصاب، مثل الفيزيائي ألبرت آينشتاين، وعالمة الأنثروبولوجيا مارجريت ميد، تُنسب إليهم مقولات حول استخدام البشر لجزء صغير فحسب من الدماغ.

وبغض النظر عن أصلها، فإن مقولة أننا نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا روّجت لها أجهزة الإعلام الشعبية طوال سنوات. وفي الحقيقة، قام الكثير من المعلنين باستغلال ذلك القول لبيع منتجاتهم؛ فحسب هذه الإعلانات، إذا قمنا بشراء المنتجات، أوالأدوات، أوالبرامج التي يروجون لها،فسنتمكن من الاستفادة من الطاقات المخية غير المستخدمة وإثراء حياتنا.

لماذا تستمر الخرافة؟

كما ذكرنا؛ فبطريقة ما، وفي مكان ما، بدأ إنسان ما هذه الخرافة، واستمرت وسائل الإعلام الشعبية في ترديد هذه المقولة الخاطئة؛ وسرعان ما افترض الجميع بصحتها بغض النظر عن الدليل. وحسب المؤمنين بهذه الخرافة، فإذا استخدمنا المزيد من قدراتنا المخية غير المستغلة ، فسيمكننا الحصول على ذاكرة خارقة ، وامتلاك غيرها من القدرات العقلية المتميزة- بل وحتى تحريك الأمور بمجرد التفكير في ذلك. ومرة ثانية، لا تتوفر أية بيانات تدعم أيا من هذه الافتراضات.


ماذا يعني استعمال عشرة بالمائة فقط من قدراتك الذهنية؟

ما هي البيانات التي استخدمت لتحديد هذه النسبة - 10%،يا ترى؟ هل يعني ذلك أنت ستكون طالما جيدة إذا أزيل 90 % من دماغك،يا ترى؟ وإذا كان مخ الإنسان المتوسط يزن 1,400 جراما، وأزلنا 90 % منه، فما يتبقى لا يزيد عن 140 جراما من النسيج المخي، وهوما يقترب من حجم دماغ الخروف. من المعروف حتى تأذي منطقة صغيرة نسبيا من الدماغ، مثل تلك الناتجة عن السكتة الدماغية، قد يسبب إعاقات مدمرة؛ كما حتى بعض الاضطرابات العصبية، مثل الشلل الرعاش- أي سقم باركنسون، تؤثر فقط على مناطق محددة من الدماغ، وبالتالي فإن التلف الناتج عن هذه الحالات أقل بكثير من تلف 90 % من الدماغ.

صور مختلفة من خرافة العشرة بالمائة

ليست هذه الخرافة مجرد معلومة مغلوطة ثابتة المعالم؛ بل إنها متعددة الأشكال، وهذه التكيفية تمنحها فترة حياة أطول بكثير مما تستحقه. في صورتها الأساسية، تدّعي الخرافة أنه قبل سنوات، اكتشف أحد الفهماء أننا لا نستخدم في الحقيقة سوى عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا. وتتمثل الصورة الثانية للخرافة في أنه لم يتم تخطيط سوى عشرة بالمائة من المناطق المخية، وبالتالي أسيء فهم هذه الحقيقة على أننا لا نستخدم سوى تلك العشرة بالمائة؛ وهناك نمط ثالث وصفه كريج كارجس ، والذي يرى حتى الدماغ مقسّم بعناية- بصورة ما- إلى جزأين: العقل الواعي الذي يُستخدم طوال عشرة إلى عشرين بالمائة من الوقت؛ والعقل الباطن (اللاشعور)، وفيه يكمن المتبقي من الدماغ (80-90%) في صورة غير مستغلة، ويظهر هذا الوصف سوء فهم عميق للأبحاث التي أجريت على الوظائف المخية. يكمن جزء من سبب بقاء الخرافة لهذه الفترة الطويلة في أنه إذا أمكن إثبات خطأ إحدى صورها، فبوسع المؤمن بها ، ببساطة ، حتى يعزوسبب اعتقاده بصحتها إلى صورة أخرى منها، بينما يبقى الاعتقاد نفسه سليما. ولذلك ، على سبيل المثال، إذا أظهرت لواحد منهم حتى التصوير الشعاعي بانبعاث الإلكترونات يصوّر نشاط في كافة أجزاء المخ، فقد يستمر في الانادىء بأن نسبة التسعين بالمائة إنما تشير إلى العقل الباطن، وبالتالي فإن نسبة العشرة بالمائة لا تزال سليمة في المقام الأول. وبغض النظر عن الصورة التي تسمعها بها، تنتشر الخرافة وتتكرر، بواسطة حسني النية والمخادعين على حد سواء. وبالتالي ، فإن الاعتقاد الذي يبقى، هوما أسماه روبرت صامويلسون :"حقيقة نفسية، أواعتقاد يؤخذ على أنه سليم ، برغم أنه غير مدعوم بدليل قاطع، لأن تكراره المستمر يغير الكيفية التي نعالج بها خبرات الحياة." فمن لا يعهدون أفضل منه سيكررونه مرارا وتكرارا، حتى يتم التصديق بصحة الانادىء على نطاق واسع، مثلما وقع مع التحذير من السباحة بعد الأكل مباشرة.


كمون العمل: الأدلة (أوعدم وجودها)

عندما يستخدم الناس مقولة العشرة بالمائة، من الممكن يعنون حتى واحدة من بين جميع عشرة خلايا عصبية تكون ضرورية أوأنها تستخدم في أي وقت بعينه،يا ترى؟ كيف من الممكن أن يمكن تحديد مثل هذه النسبة،يا ترى؟ فحتى لولم تقم الخلايا العصبية بإطلاق كمونات العمل action potentials، فقد تكون منخرطة في تلقي إشارات من الخلايا العصبية الأخرى.

من المؤكد حتى هناك الكثير من السبل العصبية التي تقوم بوظائف مماثلة؛ وعلى سبيل المثال، هناك عدة سبل مركزية تستخدم للإبصار. يسمى هذا المفهوم "بالوفرة" redundancy ويوجد في كافة أراتى النظام العصبي. وقد يحدث وجود سبل متعددة لأداء نفس الوظيفة ضربا من آليات الأمان التي تستخدم في حالة فشل أحد السبل المستخدمة. وبالإضافة إلى ذلك ، فقد أظهرت دراسات التصوير الوظيفي للمخ حتى جميع أجزاء المخ تعمل. وحتى أثناء النوم، يبقى الدماغ نشطا؛ فهولا يزال "يستخدم"، لكن فقط في حالة مختلفة من النشاط.
وفي النهاية، يظهر حتى مقولة "استخدمها أوافقدها" تنطبق على الجهاز العصبي؛ فخلال النمو، تتشكل الكثير من الوصلات العصبية الجديدة (المشابك) . وفي الواقع حتى بعض الوصلات العصبية تزال لاحقا أثناء النمو؛ وتستمر فترة نمووإزالة المشابك هذه من أجل "الضبط الدقيق" لتوزيع ألياف الجهاز العصبي. وقد أظهر الكثير من الدراسات أنه إذا أزيلت مدخولات منظومة عصبية بعينها، فإن الخلايا العصبية في هذه المنظومة يفترض أن لن تعمل بشكل سليم. وقد ظهر هذا بشكل مثير تماما في الجهاز البصري:ففقدان البصر بالكامل يحدث إذا مُنعت المعلومات البصرية من تنبيه العينين (والمخ) خلال فترة مبكرة من النمو. وبالتالي فمن المعقول اقتراح أنه إذا لم يستخدم 90 % من الدماغ ، فإن الكثير من السبل العصبية ستفقد وظيفتها. وعلى أية حال، لا يظهر حتى الأمور تسير هكذا. ومن ناحية أخرى، فإن أدمغة الأطفال الصغار تتمتع بقدرة عالية على التكيف؛ فوظيفة المنطقة المعطوبة من دماغ طفل صغير يمكن حتى يقوم بها النسيج الدماغي المتبقي. وهناك أمثلة مدهشة على مثل هذا التعافي في الأطفال الصغار الذين أزيلت أجزاء كبيرة من أدمغتهم للسيطرة على النوبات التشنجية، بيد حتى هذا التحسن المُعجز بعد الجراحة المخية الكاملة نادر تماما في البالغين.

ولذلك ففي المرة القادمة التي تسمع فيها شخصا يقول بأننا نستخدم عشرة بالمائة فقط من أدمغتنا، تقدر حتى تقابله مباشرة ، وتقول له: "غير سليم ؛ فنحن نستخدم 100 % من أدمغتنا."

تاريخ النشر: 2020-06-04 05:28:40
التصنيفات:

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كلوب: ما فعله ماني سبب تراجع مستوى صلاح الموسم الماضي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:35
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

الفتح يضم حفيظ عبد الصادق للطاقم التقني للفريق 

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:32
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

الحب‏ ‏لاتغمره‏ ‏الأنهار

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:21:00
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

بند في عقد خابا يؤمنه من تهديدات العربي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:31
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

مدرب تونسي يلتحق بالبطولة

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:24
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

هداف بطولة الهواة خارج حسابات لسعد الشابي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:22
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

مركز شرطة القصيص يكرم مواطناً تقديراً لأمانته

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:41
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 53%

الممثلة الأميركية آن هيش في حال حرجة بعد تعرضها لحادث سير

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:43
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 54%

كنيسة العذراء بمرسي مطروح تقيم نهضة روحية بمناسبة صوم العذراء

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:20:59
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

ذهب لإطفاء الحريق فوجد عشرة قتلى هم أفراد عائلته

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:42
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

المورابيط يعود إلى أولمبيك آسفي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 65%

مونديال 2022.. جدول غير معهود وتداعيات على البطولات الأوروبية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:43
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

مالك ليدز يهدد برشلونة بقضية رأي عام عالمية بسبب رافينيا

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:28
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

الاتحاد الأوروبي يدين انتهاك موسكو «غير المسؤول» للسلامة النووية

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-08-06 15:19:41
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

تحميل تطبيق المنصة العربية