حفصيون
الحفصيون هم سلالة بربرية حكمت في تونس، شرق الجزائر وطرابلس مابين 1229-1574 م. مقرها مدينة تونس.
ينتمي الحفصيون إلى قبيلة مصمودة البربرية، ومساكنها في جبال الأطلس. استمدت التسمية من أبوحفص عمر (1174-1195 م) أحد أجداد الأسرة ومن رجالات ابن تومرت الأوفياء. أصبح ابنه من بعده من عمال الموحدين على تونس. قام ابنه من بعده الأمير أبوزكريا يحي (1228-1249 م) بالاستيلاء على السلطة وأعرب استقلاله واستطاع حتى يؤسس دولة استخلفت الدولة الموحدية في المنطقة. قضى ابنه المستنصر (1249-1277 م) على الحملة الصليبية الثامنة (سنة 1270)، ثم اتخذ لقب أمير المؤمنين. بعد وفاته تنازع أولاده الحكم. وجرت حروب طاحنة بينهم.
في أواخر القرن الـ13 م انشق عن الأسرة فرعين، حكم أحدهما في بجاية والآخر في قسنطينة. في منتصف القرن الـ14 م استولى المرينيون على البلاد. بعد جلاء المرينيين استعادت الدولة الحفصية حيوتها ونشاطها مع حكم جميع من أبوالعباس أحمد (1370-1394 م)، أبوفارس عبد العزيز (1394-1434 م) ثم أبوعمر يحيى (1435-1488 م). عهدت هذه الفترة الاستقرار وعم الأمن أراتى الدولة. أصبحت العاصمة تونس مركزا تجاريا مهماً.
تاريخ تونس |
ما قبل التاريخ
التاريخ القديم
التاريخ الوسيط
التاريخ الحديث
الفترة المعاصرة
+/−
|
ابتداءا من سنة 1494 م بدأت فترة السقوط السريع، استقلت الكثير من المدن والمناطق. منذ 1505 م سيطر الأتراك عن طريق قادتهم عروج وخير الدين بربروسة على المنطقة. حاصر الإمبراطور الجرماني كارل الخامس (وملك إسبانيا باسم كارلوس الأول) تونس سنة 1535 م. آخر الحفصيين سقط بين الضغط المتزايد من القادة الأتراك، والذين استقروا في الجزائر من جهة، والإسبان من جهة أخرى. سنة 1574 م يفلح حاكم الجزائر في دخول تونس، تم خلع آخر السلاطين الحفصيين ودخلت بذلك تونس تحت سلطة العثمانيين.
كانت هزيمة الموحِّدين في معركة العقاب بالأندلس سنة (609 هـ = 1212م) نذيرًا بهبوط دولتهم وتدهور قوتهم، فلم تكن هزيمة تحل بدولة ثم ما تلبث حتى تسترد عافيتها، ولكنها كانت كارثة مدوِّية، فقدت الدولة زهرة شبابها وخلاصة جندها الشجعان، وخسرت روحها الفتية المقاتلة وعزيمتها الماضية، وسرعان ما دب الضعف في كيان الدولة المترامي الأطراف في المغرب والأندلس، وظهر خلفاء ضعاف لا يملكون الشخصية القوية والإدارة الحازمة، فانفلت منهم زمام الأمور، وضعفت قبضتهم على إدارة الدولة، وأخفقت محاولاتهم في إعادة الأمن والاستقرار للدولة، ونشأ عن ذلك حتى استغلت القبائل المغربية هذه الفرصة السانحة، وأقاموا عدة دول بسطت نفوذها وسلطانها في منطقة المغرب، فقامت دولة بني مرين بالمغرب الأقصى (668هـ – 896هـ = 1269 - 1465م)، ودولة بني زيان بالمغرب الأوسط - الجزائر وتلمسان - (637 - 962هـ = 1239 - 1555م)، والدولة الحفصية بأفريقية (تونس).
أصل الحفصيين
ينتسب الحفصيون إلى الشيخ أبي حفص يحيى بن عمروالذي ينتمي إلى قبيلة هنتانة، أعظم قبائل مصمودة التي عاشت بالمغرب الأقصى، واتخذت المعامل والحصون، وشيَّدت المباني والقصور، وامتهنت الفلاحة وزراعة الأرض، وكان للشيخ أبي حفص مكانة سامية في دولة الموحدين التي أقامها عبد المؤمن علي الكومي، وكان لأولاد أبي حفص وأحفاده منزلة رفيعة في الدولة، وعهد إليهم بمهام جليلة، وتقلَّبوا في مناصب الإدارة في المغرب والأندلس.
وبعد حتى تولَّى أمر الدولة الموحدية "أبومحمد العادل بن أبي يوسف يعقوب المنصور" سنة (621 هـ = 1224م) عهد بولاية إفريقية إلى أبي محمد عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص، وكان في صحبته أخوه أبوزكريا، وقام الوالي الجديد بإعادة الهدوء والاستقرار بعد حتى عكَّرت صفوها الفتن والثورات، وقام بحملات على الخارجين على سلطان الدولة، وما كادت الأمور تستقر حتى قفز على منصب الخلافة الموحدية أبوالعلاء إدريس المأمون سنة (624هـ = 1227م) بعد ثورة قادها ضد أخيه أبي محمد العادل، فرفض أبومحمد عبد الله الحفصي بيعته والدخول في طاعته، فما كان من الخليفة الجديد إلا حتى خط بولاية أفريقية إلى أبي زكريا يحيى، فقبلها على الفور وسارع من تونس إلى القيروان، وتغلَّب على أخيه أبي محمد عبد الله، وتولى أمر البلاد سنة (625 هـ = 1228م).
أبوزكريا الحفصي مؤسس الدولة
كانت سن أبي زكريا يوم بدأ حكمه سبعا وعشرين سنة هجرية، لكن ما أظهره من أول وهلة من براعة ومقدرة كان يشير على ما يتمتع به من نضج سياسي مبكر، ومهارة إدارية فذَّة، وسبق له حتى حكم في منطقة إشبيلية بالأندلس، حيث كان واليًا على بعض المقاطعات هناك.
وبعد قليل من ولايته خلع أبوزكريا طاعة أبي العلاء إدريس خليفة الموحدين، ولكنه لم يَدَع لنفسه بالأمر؛ تحسبًا للموحدين الذين كانوا في ولايته، واتخذ تونس عاصمة له، وبدأ في اكتساب محبة أهل أفريقية باتباع سياسة رشيدة، فأحسن معاملتهم، وخفَّف عنهم أعباء الضرائب، ونظر في أمورهم، وراقب عماله وولاته، واستعان بأهل الخبرة والكفاءة، وقرَّب الفقهاء إليه، فأسلت له البلاد قيادها ودانت له بالطاعة والولاء.
توسيع مساحة ولايته
ثم نهض أبوزكريا لإقرار سلطانه وبسط نفوذه في المناطق المجاورة، فزحف بجيشه إلى قسطنطينة بالجزائر، فدخلها دون صعوبة وخرج أهلها لمبايعته في (شعبان 626 هـ = 1229م)، ثم اتجه إلى بجاية ففتحها ودخلت في سلطانه، وبذلك خرجت الولايتان من سلطان دولة الموحدين، وأصبحتا تابعتين لأبي زكريا، ثم طاف بالنواحي الشرقية من ولايته، واستوثق من طاعة أهلها.
وكان ردُّ الخلافة الموحدية على توسعات أبي زكريا على حساب دولتها ضعيفًا للغاية، بل يكادقد يكون معدومًا، ولم يستطع الخلفاء الموحدون حتى يمنعوا تفكك دولتهم، أويقضوا على الحركات الانفصالية، فكانت الدولة مشغولة بالفتن والثورات التي تهب في الأندلس، بل في مراكش عاصمة دولتهم.
استقلال الدولة الحفصية
عاد أبوزكريا الحفصي إلى تونس بعد حملته المظفرة، وأعرب على رؤوس الملأ استقلاله بالملك، وانقطاع تبعيته للموحِّدين رسميًّا، وبايع لنفسه بيعة عامة سنة (634هـ = 1236م) وضرب السكَّة باسمه، وأمر حتى يُخطب له باسمه على جميع منابر بلاده، ثم والىلابنه أبي يحيى وليًّا للعهد سنة (638هـ = 1246م).
وفي (شوال 639هـ = 1242م) قام على رأس حملة ضخمة قدرها بعض المؤرخين بستين ألف مقاتل، فدخل تلمسان، وأجبر واليها "يغمراسن" على الدخول في طاعته، والخطبة باسمه، كما أدخل في طاعته القبائل العربية والبربرية في المناطق المحيطة.
وكان من أثر ازدياد قوته واتساع نفوذه حتى هادنة بنومرين في المغرب الأقصى، وأقيمت الخطبة باسمه في عدد كبير من بلاد الأندلس التي لم تقع في براثن الأسبان، واحتفظت بحريتها واستقلالها مثل: بلنسية، وإشبيلية، وشريش، وغرناطة.
علاقاته الخارجية
أصبحت الدولة الحفصية التي قام عليها مرهوبة الجانب، تسعى الدولة الأوروبية إلى كسب وُدِّها، خاصة التي تربطها بها مصالح اقتصادية وسياسية، فعقد مع البندقية، وبيزة، وجنوة معاهدات صداقة، وسلامة في الفترة ما بين سنتي (628هـ – 636هـ = 1231 -1239م)، وتضمنت هذه المعاهدات ضمان الأمن المتبادل للملاحة، ووضع لوائح للتبادل التجاري، ومنع فرص المسؤولية الجماعية بصورة آلية على النصارى ومصادرة هجراتهم، والاعتراف بقناصلهم.
مساندة مسلمي الأندلس
تطلَّع المسلمون في الأندلس إلى السلطان الحفصي؛ لحمايتهم من ضربات النصارى الأسبان، فاستنجد به (زيان من مردنيش) أمير بلنسية، بعد حتى تعرضت لحصار شديد من ملك أرجونة "خايم الأول" وبعث إليه سنة (635هـ = 1238م) بسفارة على رأسها وزيره ابن الأبار الأديب الأندلسي، فألقى بين يديه قصيدة مبكية، يستصرخه، فيها لنصرة الأندلس وحماية الدين، وهذا مطلعها:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا | إن السبيل إلى منجاتها درسا |
لها من عزيز النصر ما التمست | فلم يزل منك عز النصر ملتمسا |
عاش ما تعانيه حشاشتها | فطال ما ذاقت البلوى صباح مسا |
يا للجزيرة أضحى أهلها جرزا | للنائبات وأمسى جدها تعسى |
وقد تأثر أبوزكريا بهذه القصيدة، وثارت في نفسه أخلاق المروءة والنجدة فبادر بتجهيز أسطول شحنه بالسلاح، والأقوات، والملابس؛ لإنجاد الثغر الأندلسي، وأقلعت على جناح السرعة من ثغر تونس متجهة إلى بلنسية.
ولوقدر لهذه النجدة حتى تصل إلى المحصورين، وأن تمدهم بالسلاح والأقوات، لكان من الممكن حتى تثبت أقدام الشعب المحاصر وتطول مقاومته، لكن هذه النجدة ما كادت تقترب من مياه الثغر المحاصر حتى طاردتها السفن الأرجونية، ومنعتها من دخول الميناء؛ فاضطرت هذه السفن حتى تفرغ شحنتها في "دانية" وتعود أدراجها إلى تونس، ثم ما لبثت المدينة المحاصرة حتى استسلمت في (17 صفر 636هـ = 29 سبتمبر 1238م).
ازدهار الدولة الحفصية
كان لأبي زكريا عناية بشؤون الاقتصاد بتدبير المال، فامتلأت خزانة الدولة بالأموال حتى إنه هجر 17 مليون دينار عند وفاته للدولة.
وقد استقبلت دولته مسلمي الأندلس الفارين من غزوالنصارى، وكان من بينهم مهندسون وحرفيون، يحملون عناصر حضارة راقية، فنقلوا إلى الدولة الحفصية مكونات حضارتهم وثقافتهم، كما تولَّى بعض الأندلسيين المناصب القيادية في الدولة، مثل ابن الأبار الذي تولَّى الكتابة لأبي زكريا الحفصي.
فأدَّى استقرار الدولة وزيادة مواردها المالية بحسن تدبير أبي زكريا إلى العناية بالشؤون الداخلية، فأنشأ أبوزكريا جامع القصبة وصومعته الجميلة في تونس، ونقش عليها اسمه، وأذَّن فيها بنفسه ليلة تمامها في (غرة رمضان 630هـ = 11 يونيو1223م)، وبنى مدارس كثيرة، وأنشأ سوق العطَّارين، وأنشأ مخطة قصر القصبة التي ضمت 36 ألف مجلد.
وفاة أبي زكريا
مما لا ريب فيه حتى أبا زكريا كان من أبرز رجال القرن السابع الهجري، أنشأ دولة قوية، ونشر الأمن في ربوعها، وقضى على حالة الاضطراب والفتن المزمنة التي لازمت هذه البلاد، وأقام ميزان العدل، وأحسن اختيار الرجال فطال عمرها، وتوالى على حكمها أبناؤه وأحفاده أكثر من ثلاثة قرون، وظلَّ أبوزكريا على شؤون الدولة متوفرًا عليها حتى لقي ربه في (25 جمادى الآخرة 647هـ =خمسة أكتوبر 1249م).
قائمة السلاطين
الحاكم | الحياة | الحكم | |
---|---|---|---|
1 | أبوزكريا يحيى بن حفص | ....-.... | 1228-1249 |
2 | أبوعبد الله محمد المستنصر | ....-.... | 1249-1277 |
3 | أبوزكريا يحيى الواثق | ....-.... | 1277-1279 |
4 | أبوإسحاق إبراهيم | ....-.... | 1279-1283 |
5 | أبوحفص عمر | ....-.... | 1284-1295 |
6 | أبوعبد الله محمد | ....-.... | 1295-1309 |
7 | أبويحي أبوبكر الشهيد | ....-.... | 1309-1309 |
8 | أبوالبقاء خالد | ....-.... | 1309-1311 |
9 | أبويحي زكرياء إبن اللحياني | ....-.... | 1311-1317 |
10 | أبودربة | ....-.... | 1317-1318 |
11 | أبويحي أبوبكر | ....-.... | 1318-1346 |
12 | أبوحفص عمر الثاني | ....-.... | 1346-1348 |
13 | أبوالعباس أحمد الفضل | ....-.... | 1350-1369 |
14 | أبوإسحاق إبراهيم الثاني | ....-.... | 1357-1357 |
15 | أبوالعباس أحمد | ....-.... | 1370-1394 |
16 | أبوفارس عبد العزيز | ....-.... | 1394-1434 |
17 | أبوعبد الله محمد المستنصر | ....-.... | 1434-1435 |
18 | أبوعمر عثمان | ....-.... | 1435-1488 |
19 | أبوزكرياء يحي الثالث | ....-.... | 1488-1489 |
20 | عبد المؤمن | ....-.... | 1489-1489 |
21 | أبويحي زكرياء الثاني | ....-.... | 1489-1494 |
22 | أبوعبد الله محمد الخامس | ....-.... | 1494-1526 |
23 | مولاي الحسن | ....-.... | 1526-1542 |
24 | أحمد أحميدة | ....-.... | 1542-1569 |
25 | مولاي محمد | ....-.... | 1569-1574 |
المصادر والمراجع
أحمد بن أبي الضياف - إتحاف الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان - الدار التونسية للنشر - تونس - 1990م.
عبد الرحمن بن خلدون - تاريخ ابن خلدون - مؤسسة جمال للطباعة والنشر - بيروت - 1399 هـ = 1979م
السيد عبد العزيز سالم – المغرب الكبير (العصر الإسلامي) – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – 1966م
حسين مؤنس - تاريخ المغرب وحضارته - العصر الحديث للنشر والتوزيع - بيروت - 1412هـ = 1992م
روباربر نشفيك – تاريخ أفريقية في العهد الحفصي – ترجمة حمادي الساحلي – دار الغرب الإسلامي – بيروت - 1988م
إسلام أون لاين: أبوزكريا الحفصي.. وقيام الدولة الحفصية تصريح
- Islam: Kunst und Architektur
- الحفصيون