مؤتمر إرفورت
مؤتمر إرفورت Congress of Erfurt (في 27 سبتمبر - 14 أكتوبر 1808) كان اجتماعاً بين الامبراطور ناپليون الأول من فرنسا والقيصر ألكسندر الأول من روسيا بغرض تأكيد التحالف المبرم بين البلدين في العام السابق في معاهدة تيلسيت التي تلت نهاية حرب التحالف الرابع.
لقد أعد نابليون لهذا المؤتمر بعناية فائقة كما لوكان يُعد لخوض حرب، فقد نادى جميع الملوك والدوقات التابعين له للحضور مع حاشياتهم بأبهة ملكية فخمة، فأتى عدد كبير منهم حتى حتى مذكرات تاليران المطبوعة ضمت ثلاث صفحات تحوي قوائم بهؤلاء الذين لبوا الدعوة(32)• واصطحب نابليون معه جميع أفراد أسرته، وليس هذا فحسب وإنما معظم جنرالاته وطلب من تاليران حتى يهجر معتزله وأن يساعد شامباني Champagny في توجيه المفاوضات وصياغة النتائج، وأصدر تعليماته للكونت دي ريموزا Remusat حتى ينقل إلى إرفورت Erfurt أفضل ممثلي المسرح الفرنسي بمن فيهم تالما Talma، وكل ما يلزم لإخراج التراجيديات الكلاسية في الدراما الفرنسية، ونطق نابليون أريد حتى أُبهر إمبراطور روسيا بمشاهد قوتي وسلطاني، فليس هناك مفاوضات أكثر عُرضة للفشل من تلك المفاوضات التي نحن مقبلون عليها(42).
ووصل نابليون إلى إرفورت Erfurt في 72 سبتمير، وفي اليوم التالي خرج لتحية اسكندر وحاشيته باستقبالهم على بعد خمسة أميال من المدينة، وجرى إعداد جميع الترتيبات لبعث المسرّة في نفس القيصر باستثناء شيء واحد وهوحتى نابليون تصرف على أنه المُضيف (صاحب الدار) في مدينة ألمانية كانت قد أصبحت جزءا من الإمبراطورية الفرنسية• ولم ينخدع إسكندر بالهدايا التي تلقاها والإطراء الذي كِيلَ له كَيْلا، فتظاهر هوأيضاً بكل ما يوحي بالصداقة أوبتعبير آخر كال لهم من الكيل نفسه، وقاوم محاولاً ألا يقع في شباك هذه المظاهر النابليونية ومما ساعده على ذلك حتى تاليران نصحه سراً حتى يدعم النمسا وأنقد يكون إليها أقرب منه إلى فرنسا، مقدماً له الدليل على حتى النمسا - وليس فرنسا هي مرتكز الحضارة الأوروبية (فيما يرى تاليران) التي دمرها نابليون، ونطق له تاليران ايضا إذا فرنسا متحضرة ولكن السلطة فيها ليست كذلك(52) وأكثر من هذا فكيفقد يكون من صالح روسيا دعم فرنسا والشد من أزرها،يا ترى؟ وعندما سعى نابليون لتوثيق التحالف بأن يتزوج من أخت إسكندر - الدوقة الكبيرة أنّا Anna، أشار تاليران على القيصر بعدم القبول وأجّل الروسي الماكر الإجابة عن هذا الاقتراح متحجّجاً بأن القيصرة هي صاحبة الرأي في هذه الأمور(62)• وقد كافأ اسكندر، تاليران بترتيب زواج ابن أخيه (أوابن أخته) من دوقة دينوDino وارثة دوقية كورلاند Courland، ودافع تاليران - في وقت لاحق - عن خيانته ذاكراً حتى شهية نابليون لابتلاع الأمم لن تتوقف باستنزاف أوروبا بالحروب فحسب وإنما ستؤدي إلى انهيار فرنسا وتقطيع أوصالها، وعلى هذا فخيانته لنابليون - فيما يقول - كانت وفاء لفرنسا وإخلاصاً لها(72)• لكن من الآن فصاعداً ستهجر تصرفاته الكيّسة انطباعا سيئاً (سُمعة رديئة) في جميع مكان•
الحفل مع گوته وڤيلاند
وخلال هذا المؤتمر نادى دوق ساكسه-ڤايمار أشهر رعاياه للحضور إلى إرفورت Erfurt، ففي 29 سبتمبر، طلب نابليون من الدوق - بعد حتى رأى اسم جوته في قائمة الذين سيصلون - ترتيب لقاء مع هذا الفيلسوف الشاعر، فاتى جوته سعيداً (في 2 أكتوبر) فقد كان من رأيه حتى العالم لم يشهد عقلية أعظم من عقلية نابليون(82) وكان موافقا تماماً (أي جوته) على توحيد أوروبا في ظل حكمه• والتقى جوته (جيته) بالإمبراطور نابليون على مائدة إفطار مع تاليران وبيرثييه Berthier وسافاري Savary والجنرال داروDaru، وقد خط تاليران في مذكراته، ما زعم أنه تسجيل دقيق لهذه المحادثة الشهيرة (فيلكس ميلر Felix Muler قاضي فيمار الذي كان مصاحباً لجوته قدم تقريراً عن هذه المحادثة مختلفاً قليلاً عن رواية تاليران):
نطق نابليون: السيد جوته، إنني مبتهج لرؤيتك. إنني أفهم أنك على رأس الشعراء المسرحيين في ألمانيا• - سيدي أنت تظلم بلدنا. فلابد حتى عظمتكم تعهدون شيلر Schiller ولسنج Lessing وفيلاند Wieland• - اعترف أنني لا أعهدهم إلا بالكاد. لقد رأيت عمل شيلر (حرب الثلاثين عاماً). أنت بشكل عام تعيش في ڤايمار. إنه المكان الذي يلتقي فيه معظم مشاهير أدباء ومفكري ألمانيا. - إنهم يتمتعون بحماية في فايمار أكثر من سواها، لكن بالنسبة للوقت الحالي فليس هناك إلا رجل واحد في فايمار حقق شهرة على مستوى أوروبا، إنه فيلاند Wieland•
سأكون مبتهجاً لرؤية السيد فيلاند Wieland.
- إذا سمحتُم لي عظمكتم حتى أطلب منه الحضور، عملتُ، فأنا متأكد من أنه سيحضر فورا... - هل أنت مُعجب بتاكيتوس Tacitus،يا ترى؟ - نعم يا سيدي أنا معجب به جداً. - حسنا إنني لستُ معجباً به، لكننا سنتحدث في هذا الموضوع في وقت آخر• اخط إلى السيد فيلاند ليأتي هنا• وسأرد له الزيارة في فيمار لأن دوقها نادىني(92)• وبينما كان جوته يغادر الغرفة قيل حتى نابليون أبدى ملاحظة لبرثييه Berthier وداروDaru بشأن جوته قائلاً: هذا هوالرجل حقا!(03) Voila un homme!. وبعد أيام قليلة استضاف نابليون جوته وفيلاند مع رهط من ذوي المكانة. وربما قد أنعشَ ذاكرته بالمعلومات في هذه الأيام لأنه راح يتحدث كناقد أدبي واثق من معلوماته: - السيد فيلاند، إننا نحب كتاباتك جداً في فرنسا. فأنت مؤلف أجاثون وأوبيرون Agathon and Oberon إننا نسميك فولتير ألمانيا. - سيدي إذا الإطراء يسعد المرء إذا كان يستحقه ... - أبلغني أيها السيد فيلاند، لما خطت أعمالك ديوجنيز Diogenes وآگاثون Agathon وپرگرينوس Peregrinus بأسلوب رمزي يحتمل أكثر من معنى تخلط فيه السرد الروائي بالتاريخ والتاريخ بالسرد الروائي• إذا رجلاً متفوقاً مثلك يجب حتى يفصل بين هذين النوعين من الكتابة•• لكنني أخشى حتى أتحدث كثيراً في هذا الموضوع لأنني أتحدث مع إنسان أكثر خبرة في هذه الأمور مني(13)•
وفيخمسة أكتوبر بتر نابليون حوالي خمسة عشر ميلاً إلى فيمار، وبعد حتى مارس رياضة القنص في يينا (جينا Jena) ومشاهدة مسرحية موت قيصر la Morte de Cesar في مسرح فيمار، جاء الداعون والمدعوون حفلاً راقصاً فأنستهم النسوة الجميلات المتألقات ذِكْر أشعار فولتير• وعلى أية حال فقد انسحب نابليون إلى أحد الأركان وطلب جوته وفيلاند Wieland، فحضرا ومعهما ثلّة من رجال الأدب، فتحدث نابليون موجها حديثه على نحوخاص إلى ڤيلاند، وكان موضوع حديثه يدور حول المجالين الأثيرين عنده: التاريخ وتاكيتوس Tacitus:
لابد من اعتبار المسرح التراجيدي الجيد مجالا لا يجدر إلا بالرجال المتفوقين• إنه فوق التاريخ إذا نظرنا إليه من وجهة نظر معينة• ففي أفضل وقائع التاريخ لا يمكن ان يُحدث إلا أثراً قليلا، فالإنسان إذا كان وحيداً لا يتأثر إلا قليلا، ويختلف الحال إذا كان في جَمْع، فهناقد يكون التأثير أقوى وأكثر ديمومة.
إنني أؤكد لك حتى المؤرخ تاكيتوس Tacitus الذي تستشهد دائما بفقرات من كتاباته لم يعلّمني أي شيء أيمكنك حتى تجد محررا ينتقص من قدر الجنس البشري مثله،يا ترى؟ بالإضافة إلى حتى أحكامه في بعض الأحيان غير عادلة فهويجد في جميع عمل - ولوكان بسيطاً - دافعاً إجرامياً• لقد أظهر الأباطرة كأجلاف أنذال، وعمّق هذه المعاني في نفس قارئه•• إذا حولياته ليست تاريخاً للإمبراطورية وإنما ملخصاً لسجلات سجن روما، إذا هذه الحوليات تتعامل دائماً مع تُهم وإدانات، ومع أناس يبترون أوردتهم في الحمامات•• يا له من أسلوب ملتوِ! يا له من غموض!•• ألستُ على حق أيها السيد فيلاند،يا ترى؟ لكن ... إننا لسنا هنا لنتحدث عن تاسيتوس• انظر، إلى أي حد يُتقن القيصر إسكندر فن الرقص••(23)
ولم يقتنع فيلاند فقد دافع عن تاكيتوس بشجاعة وتعاطف، فقد أشار إلى حتى سوتونيوس Suetonius وديوكاسيوس Dio Cassius قد روايا من الجرائم أكثر بكثير مما روى تاسيتوس لكن أسلوبهما تعوزه الحيوية، أما تاسيتوس فما أشد تأثير أسلوبه وفي غمزة جسورة نطق لنابليون: إنه بلمسة عبقريته، يمكن للمرء حتى يعتقد أنه لا مجال لأن يحب سوى الجمهورية•• لكنه عندما يتحدث عمن يحبهم من الأباطرة، والحرية والإمبراطورية، فإن المرء يشعر حتى فن الحكم يظهر له أجمل اكتشاف على ظهر البسيطة••• يا سيدي إذا كان حقا قولنا حتى تاكيتوس يُعاقب الأباطرة بتصويرهم على هذا النحوفحقاً أيضاً قولنا أنه كافأ الأمراء (الملوك) الصالحين عندما تتبّع أعمالهم وصورهم وأهداهم لمن يصنعون المجد في الزمن الآتي•
وكان المنصتون المتجمعون مبتهجين بهذا الجواب اللاذع والخاطرة السريعة، وحار نابليون جوابا ونطق: إذا لديّ حججا قوية جداً لمناقشتك والاختلاف معك أيها السيد فيلاند•• وأنت لم تُغفِل أي عنصر مما يدعّم رأيك•• لا أحب حتى أقول أنني هُزِمت في هذه المناقشة•• فمن الصعب حتى أتفق مع هذا الرأي• غداً أعود إلى إرفورت، وسنواصل مناقشاتنا(33) وليس لدينا كتابات عن هذه المناقشات التي تمت بعد ذلك•
وفيسبعة أكتوبر عاد معظم الزوّار إلى إرفورت، وحث نابليون جوته على الإقامة في باريس قائلاً له هناك في باريس ستجد دائرة أوسع لتنشر فيها أفكار ... ، ومادة هائلة لابداعاتك الشعرية(43). وفي 41 أكتوبر منح نابليون وسامَ صليب فيلق الشرفِ لكل من گوته وڤيلاند.
وفي هذه الأثناء وقَّع وزراء خارجية فرنسا وروسيا اتفاقية تُجدد التحالف بينهما ويتعهد جميع طرف بتقديم المساعدة للطرف الآخر طالما تعرضه لهجوم وأصبح اسكندر - بناء على الاتفاق - مُطلق اليد في الاستيلاء على ولاخيا ومولداڤيا، لكن ليس هجريا. وأصبح نابليون يستطيع التوجه إلى أسبانيا بمباركة قيصر روسيا وفي 21 أكتوبر تم توقيع وثيقة الاتفاق• وبعد ذلك بيومين غادر الإمبراطوران إرفورت، وقبل حتى يفترقا سارا للحظات جنبا إلي جنب وتعانقا وتعاهدا حتى يلتقيا ثانية• (لكن هذا لم يحدث) وعاد نابليون إلى باريس أقل تعطشاً للدماء لكنه قرر حتى يتوجه بجيش الأساسي (الجيش العظيم) إلى أسبانيا ليفرض أخاه جوزيف مرة أخرى على عرش اسبانيا رغم إرادة الأسبان.
