روكوكو والكلاسيكية الحديثة الفرنسيتان

عودة للموسوعة

روكوكووالكلاسيكية الحديثة الفرنسيتان

تاريخ الفن الفرنسي

الفن الفرنسي - الصفحة الرئيسية
التصنيفات

الفترات التاريخية

قبل التاريخ
العصور الوسطى
النهضة وMannerism
الباروك والكلاسيكية
روكوكووالكلاسيكية الحديثة
القرن 19
القرن 20

فنانون فرنسيون

الفنانون (زمنياً)
الفنانون - الرسامون
المثالون - المعماريون
المصورون الفوتوغرافيون

حسب المواضيع

الحركات الفنية (زمنياً)
حركات فنية (تصنيف)
الصالونات والأكاديميات
متاحف الفن الفرنسي

الأكثر زيارة

انطباعية - تكعيبية
دادا - سريالية

بوابة الفن
تاريخ الفن الغربي
بوابة فرنسا
هذا الموضوع، كجزء من سلسلة تاريخ الفن الفرنسي، يغطي تاريخ الفن البصرية والتشكيلية في فرنسا من أواخر القرن 17 إلى أواخر القرن 18.

الروكوكوالفرنسي والكلاسيكية الحديثة هما تعبيران يستخدمان لوصف الفنون البصرية والتشكيلية والعمارة في اوروبا من أواخر القرن 17 إلى أواخر القرن 18.

الموسيقى

خط موتسارت من باريس في أول مايو1778: "من حيث الموسيقى أراني محاطاً بوحوش ضارية لا أكثر... سل أي إنسان شئت-شريطة ألاقد يكون فرنسي المولد-فإذا كان له أي فهم بالموضوع أجاب بهذا الجواب بالضبط.. سأكون شاكراً الإله القدير إذا هربت دون حتى يفسد ذوقي"(56). وهذا الحكم صارم ولكن جريم وجولدوني وافقا عليه(57). إلا حتى هؤلاء النقاد الثالثة كانوا كلهم أجانب. وقد عكس الذوق الموسيقي للباريسيين من علية القوم آدابهم، فمال إلى القصد في التعبير والرتابة في الشكل، وظل يردد أصداء عصر لويس الرابع عشر. ومع ذلك ففي هذه السنوات الأولى للحكم الجديد بالضبط فقد نصف الباريس قصدهم، وربما آدابهم، في وطيس المعركة الدائرة حول بكيني وجلوك. تأمل رسالة جولي ليسبيناس المؤرخة 22 سبتمبر 1774، "أنني أشاهد باستمرار "أورفي وأوريديتشي" وأنا تواقة إلى الاستماع مراراً وتكراراً في اليوم لذلك اللحن الذي يمزق نياط قلبي "لقد فقدت حبيبتي أوريديتشي"(58). حتى باريس لم تكن صماء لا تستطيب الموسيقى، وإن زاد ما استوردته منها على ما أنتجته.

وفي 1751 قدم فرانسوا-جوزف جوسيك، البالغ سبعة عشر ربيعاً، من موطنه هاينوإلى باريس يحمل خطاب تقديم إلى رامو. وحصل له الفنان العجوز على وظيفة قائد للأوركسترا الخاص الذي يديره ألكسندر-جوزف دلابويلنيير. وألف جوسيك لهذه "الفرقة" (1754 وما بعدها) سمفونيات سبقت سمفونية هايدن الأولى بخمس سنوات، وفي 1754 نشر رباعيات سبقت رباعية هيدن بسنة. وفي 1760 قدم في كنيسة سان روش "قداس الموتى" الذي استحدث فكرة العزف على آلات نفخ "التوبا" خارج الكنيسة. ولم يكن لإقدام جوسيك وتعدد مواهبه نهاية. ففي 1784 أسس "مدرسة الغناء الملكية"، التي أصبحت نواة كونسرفتوار باريس الموسيقي الذائع الصيت. وقد حقق نجاحاً متواضعاً في الأوبرا، الهازلة منها والجادة. ثم تكيف مع الثورة، وألف بعضاً من أشهر أغانيها، ومنها "ترنيمة للكائن الأعلى" لاحتفال روبسبيير (8 يونيو1794). وعمر بعد انحسار جميع الموجات السياسية، ومات في 1829 بالغاً من العمر خمسة وثمانين عاماً.

أما أبرز شخصية في أوبرا ذلك العهد الفرنسية فهوأندريه جريتري André Grétry. وكان أجنبياً ككثيرين غيره من أقطاب الموسيقى الفرنسية في القرن الثامن عشر، فقد ولد في لييج عام 1741 لعازف كمان. ويروى أنه في ألومرة تناول القربان طلب إلى الله حتى يدعه يموت لتوه ما لم يخط له حتىقد يكون رجلاً صالحاً وموسيقياً عظيماً. في ذلك اليوم سقطت عارضة خشبية على رأسه وجرحته جرحاً خطيراً، ثم تماثل للشفاء، واستنتج حتى السماء تعده بمستقبل سام(59). وكان منذ عامه السادس عشر يعاني دورياً من نزيف داخلي، يتقيأ فيه ستة أقداح من الدم في اليوم، وكان عرضة للإصابة بالحمى وبالهذيان ينتابه بين الحين والحين، وكاد أحياناً يجن لعجزه عن وقف نغمة موسيقية من التردد في رأسه دون توقف. ولعلنا نغتفر حتى الموسيقى الرديئة لرجل لقي جميع هذا العذاب واحتفظ رغم ذلك بابتهاجه طوال اثنتين وسبعين سنة.

وحين كان في السابعة عشرة ألف ست سيموفنيات كانت من الجودة بحيث حصلت له من كاهن إحدى الكاتدرائيات على المال اللازم لسفره إلى روما. وبتر الطريق كله على قدميه فيما روته "المذكرات" الجذابة التي نشرها عام 1797(60)، وخلال الأعوام الثمانية التي أقام فيها بروما حمله نجاح برجوليزي على تأليف الأوبرات الهازلة. فلما اتى باريس (1767) لقي التشجيع من ديدرو، وگريم وروسو. ودرس فن الآنسة كليرون المسرحي، واكتسب مهارة غير عادية في مواءمة موسيقاه لنبرات الحديث الدرامي وتغيراته، وحقق في أوبراته رقة ونعومة غنائيين كأنهما انعكاس لروح روسو، وللعودة إلى البساطة ورقة العاطفة في الحياة الفرنسية. وظل محتفظاً بشعبيته طوال الثورة، التي أمرت بنشر مؤلفاته على نفقة الحكومة، وكانت الجموع الثورية تتغنى بألحان من أوبراته. وقد منحه نابليون معاشاً. وقد أحبه الجميع لأن حظه من وصمات العبقرية كان ضئيلاً؛ فهورقيق القلب، ودود، أنيس، متواضع، يذكر منافسيه بالخير، ويؤدي ديونه. وقد أحب روسومع حتى روسوأساء إليه، واقتنى الإرميتاج في شيخوخته، وهوالكوخ الذي أقام فيه روسومن قبل. في ذلك الكوخ، في 24 سبتمبر 1813، بينما كان نابليون يحارب أوربا كلها، توفي جريتري.


الفن في عصر لويس السادس عشر

واصل "طراز لويس السادس عشر"، الذي بدأ تقريباً مع مولد لويس السادس عشر (1754)، انتقاضه على شذوذات الباروك المعقدة ورقائق الروكوك الأنثوية، وتحرك صوب الخطوط الرجولية والنسب السمترية لفن كلاسيكي محدث ألهمته حفائر هركولانيوم وحماسة فنحدثان للفن اليوناني-الروماني. وأشهر مثال على الطراز الجديد في العمارة هوا لبتي تريانو، ومن الطريف المسلي حتى تتفق مدام دوباري وماري أنطوانيت، على ما بينهما من عزوف عن المخالطة، في الاستمتاع بهذا التقدير المتواضع للنظام والبساطة الكلاسيكيتين. ومثال جميل آخر هو"قصر اللجيون دونور" الحالي، والذي بناه باسم "الأوتيل سالم" (1782) بيير روسوعلى ضفة السين اليسرى. وهناك نتاج أضخم لهذا الطراز هو"قصر العدالة" الذي أعيد بناؤه في 1776؛ بمصبعاته الفاخرة من الحديد المشغول في قابلة "الكوردمية". أما "مسرح الأوديون القومي" (1779) فقد اتخذ نمطاً دورياً قاتماً؛ وألطف منه المسرح الذي شاده في أميان (1778) جاك روسوبطراز جمع بين الطراز الكلاسيكي وطراز النهضة. وقد بنى فكتور لوي في بوردو(1775) على النمط الكلاسيكي مسرحاً ضخماً وصفه آرثر ينج بأنه "إلى حد كبير أفخم مسرح في فرنسا، ولم أر مسرحاً يدانيه"(61).

أما الزخرف الداخلي فقط احتفظ بالأناقة الفرنسية. وكان زي النسيج المزدان بالرسوم في طريقه إلى الزوال إلا لتغطية الكراسي ذات الذراعين والأرائك؛ وكان ورق الجدران المرسوم يصل من الصين، ولكنه استخدم أساساً في المخادع، وقسمت جدران الصالونات عادة إلى حشوات من الخشب المشغول، والمنقوش أوالمزين بأشكال أوزخارف نباتية عربية تضارع خير نظائرها في إيطاليا. وأبدع الأثاث المصنوع في فرنسا في عهد لويس السادس عشر صممه ونفذه ألمانيان هما جان-هنري رينزنر ودافيد رونتجن؛ وتحوي مجموعة ولسن نماذج رائعة صنعت لماري أنطوانيت والبتي تريانون.

وازدهر فن النحت، وامتد العمر ببيجال، وفالكونيه، وجان-جاك كافييري من أيام لويس الخامس. أما أوجستن باجو، الذي كان قد بدأ العمل في ذلك العهد، فقد نال الآن ما يستجقه من تقدير. وقام بتكليف من لويس السادس عشر بنقش الزخارف للباليه-رويال. وللباليه-بوربون. وفي تمثاله "هجران بسيخي"(62)حاول التوفيق بين عنصرين في العهد الجديد-العاطفة الرقيقة والشكل الكلاسيكي. ثم نقل فنه-وزوج ابنته-لكلوديون، ومسماه الحقيقي كلود ميشيل. وقد شق كلوديون طريقاً إلى الثراء بمجموعات من التيرا-كوتا (الطين التضيح) فيه شائبة من الشهوانية، وبلغ أوجه بتمثال لمونتسكيو(63). وكل نشوة الجسد تغني في تمثاله "الحورية والساطير" المحفوظ بمتحف المتروبولتان للفنون في نيويورك.

على حتى أعظم نحاتي العصر هوجان-أنطوان أودون. وكان أبوه بواباً، ولكن في مدرسة للفن. وإذا كانت فرساي مسقط رأس جان، فقد تنفس النحت من التماثيل التي بثها لويس الرابع عشر في حدائق لنوتر. وبعد حتى تفهم على بيجال فاز بجائزة روما وهوفي العشرين، فانطلق إلى إيطاليا (1760). وقد اغتبط البا حدثنت الرابع عشر بتمثال "القديس برونو" الذي نحته في روما اغتباطاً شديداً عملق عليه بقوله "إن القديس يود حتى ينطق لولا حتى قواعد رهبنته تفرض الصمت"(64). وفي باريس نحت أوصب سلسلة متعاقبة من تماثيل ديانا. وتمثال برونزي منها في مجموعة هنتنجتن يعد آية في القسمات الكلاسيكية والرشاقة الفرنسية. وأشهر منه تمثال "ديانا العارية" "البرونزي المحفوظ الآن باللوفر، وقد ضن عليه بمكان في "صالون" 1785، من الممكن (كما نطق ناقد) "لأنها كانت أكثر جمالاً وعرياً من حتى تعرض على الجماهير"(65)، وأرجح من هذا السبب حتى التمثال انتهك الفكرة التقليدية عن ديانا التي تصفها بالعفة.

وقد عثر أودون ككثيرين غيره من فناني القرن الثامن عشر في تصوير معاصريه ربحا حقيقياً يفوق تصوير الربات اللائي لا تنتهك حرماتهن. على أنه قرر حتىقد يكون منصفاً للحقائق وأن يظهر الشخصية لا الوجه. وكان ينفق ساعات كثيرة في حجرات التشريح بمدارس الطب لدراسة التشريح، وكان يقيس رأس من يصوره بعناية حدثا استطاع، ثم ينحت تمثاله أويصبه وفق هذه المقاييس، وحين أثير سؤال عن جثة نبشت في باريس وهل هي حقيقة جثة جون بول جونز كما قيل، قورن شكل الجمجمة ومقاييسها بشكل الصورة التي صبها أودون في 1781 ومقاييسها، وبلغ من توافق الشكلين حتى عد التطابق مؤكداً(66). وقد نحت من رخام التمثال الذي صنعه لميرابوجميع غارات الجدري، وأبرز جميع الظلال والتجاعيد، بل توقد العينين وعمقها، والشفتين تنفرجان استعداداً للكلام.

وسرعان ما أسعد الجبابرة الثورة حتى يجلسوا إليه ليصنع تماثيلهم، فنقلهم إلينا بأمانة أحالت الرخام والبرونز إلى لحم التاريخ وروحه. إلى غير ذلك نستطيع الآن حتى نرى فولتير، وروسو، وديدرو، ودالامبير، وبوفون، وطورجو، ولويس السادس عشر، وكاترين الثانية، وكاليوسترو، ولافاييت، ونابليون، وناي. وحين قدم فولتير إلى باريس عام 1778 خلق له أودون عدة تماثيل تصوره: منها تمثال نصفي برونزي محفوظ الآن في اللوفر، ويبدوفيه الإرهاق والكلال، وتمثال نصفي شبيه به في متحف فكتوريا وألبرت، وآخر في مجموعة ولس، ثم رأس مبتسم مهذب مثالي الشكل طلبه فردريك الأكبر، وأشهر الكل ذلك التمثال الذي قدمته مدام دني إلى الكوميدي-فرانسيز: تمثال فولتير جالساً في روب فضفاض، أصابع نحيلة تمسك بذراعي المقعد، وشفاه رقيقة، وفم أهتم، وفي العينين الحزينتين ما زالت آثاره من مرح-أنه واحد من التماثيل العظيمة في تاريخ الفن. وفي ذلك العام، حين سمع أودون بوفاة روسو، هرع إلى أرمنون-فيل وصب قناعاً لغريم فولتير الميت، ومنه خلق التمثال النصفي المحفوظ الآن باللوفر، وهوأيضاً آية من آيات الفن.

وكان هناك أبطال أمريكيون أيضاً، وقد خلق أودون رؤوساً تمثلهم نابضة بالحياة حتى حتى بتر العملة المسكوكة في الولايات المتحدة ما زالت تحمل صورة لواشنطن، وفرانكلين، وجفرسن. وحين عاد فرانكلين إلى أمريكا عام 1785 مضى أودون معه؛ وأسرع إلى مونت فرنون وأقنع واشنطن، الرجل المشغول النافذ الصبر، بأن يجلس إليه في فترات متبترة على مدى أسبوعين، إلى غير ذلك خلق التمثال الذي يزدان به مبنى برلمان الدولة في رتشموند، فرجينيا-رجل من الجرانيت، تجلله فوزات غالية وأعباء باقية. هنا أيضاً نجد ذلك الاتحاد بين الجسد والروح الذي هوعلامة فن أودون وخاتمه.

مثل هذا النحت كان من الجائز حتى يجعل التصوير بالقياس إليه ترفاً صغيراً لولا حتى جروز وفراجونار واصلا العمل هذا العهد وخلال الثورة، لولا حتى المصور جاك-لوي دافيد صعد إلى مقام الدكتاتورية على جميع الفنون في فرنسا في انطلاقة نيزكية كانطلاقة نابليون. وقد تفهم تقنيته من عمه البعيد فرانسوا بوشيه، وأصبح رساماً من الطراز الأول، وأستاذاً أتقن الخط والتأليف أكثر من إتقانه اللون. وقد استوعب بوشيه حتى تغير الأخلاق من بومبادور ودوباري إلى ماري أنطوانيت كان يقلص الطلب على الصور التي تبرز النهود والأرداف، ف نصح دافيد بأن يمضى ويلتقط الأسلوب الكلاسيكي المحدث البسيط في مرسم جوزف فيان، الذي كان يرسم الجند الرومان والنساء الأبطال. وفي 1775 وافق دافيد فيان إلى روما. وهناك أحس بتأثير فنحدثان ومنجز، والمنحوتات القديمة في متحف الفاتيكان، والأطلال التي كشف عنها في هركولانبوم وبومبي. وقد قبل مبادئ الكلاسيكية المحدثة، واتخذ النحت اليوناني نموذجاً يحتذيه في تصويره.

فلما قفل إلى باريس عرض سلسلة من الموضوعات الكلاسيكية المرسومة بصرامة: أندروماك تبكي على جثمان هكتور (1783)، وقسم الهوارتيين (1785)، وموت سقراط (1787)، وبروتس عائداً من الحكم بالموت على أنبائه (1789)(67). (وتقول الأسطورة التي رواها ليفي حتى لوشياس جونيوس بروتس، حين كان بريتوراً لجمهورية روما الفتية (509 ق.م)، حكم على أبنائه بالإعدام لتآمرهم على إعادة الملوك إلى عرش روما)، وكان دافيد قد رسم هذه الصورة الأخيرة في روما، فلما عرضها على الأكاديمية في باريس حظر عرضها، ولكن جمهور الفن احتج، وأخيراً عرضت اللوحة، فزادت من حمى العصر الثورية. ورأت باريس في هذه الرسوم، وفي الأخلاقيات الصارمة التي عبرت عنها، ثورة مزدوجة-على الروكوك الأرستقراطية والطغيان الملكي. وأصبح دافيد البطل الراديكالي لأستوديوهات باريس.

وقد أنتخب أثناء الثورة عضواً في المؤتمر، وفي يناير 1793 صوت بالموافق على إعدام الملك. ثم اغتال أحد المتشيعين للملكية عضواً آخر من نواب المؤتمر صوت بالموافقة مثل دافيد (20 يناير 1793)، فعرض جثمانه على الجماهير شهيداً جمهورياً، ورسم دافيد "آخر لحظات لبوليتييه". وعلق المؤتمر اللوحة في قاعته. وحين قتلت شارلوت كورداي مارا (13 يوليو1793) صور دافيد الميت راقداً في حمامه نصف مغمور في الماء، وندر حتى كان التصوير ممعناً في تصويره للواقع إلى هذا الحد، أوفي تعمده إثارة المشاعر. وقد أرست اللوحتان سجل شهداء الثورة. وعمل دافيد بحماسة لدانتون وروبسبير، ومكافأة له عين مديراً لجميع ضروب الفن في باريس.

فلما حتى تقلد نابليون زمام السلطة بلقب "القنصل" الروماني، رسم دافيد له بالذات الحماسة التي رسم بها لزعماء الإرهاب. فرأى في بونابرت ابن الثورة، الذي يقاتل ليمنع ملوك أوربا من رد ملك نظيرهم إلى عرش فرنسا. وحين نصب نابليون نفس إمبراطوراً (1804) لم يفتر إعجاب دافيد به، وعينه نابليون مصوراً للبلاط الإمبراطوري فرسم له المصور عدة صور مشهورة: نابليون يعبر الألب؛ نابليون يتوج جوزفين؛ وتوزيع النسور؛ وقد علقت هذه اللوحات الضخمة بعد ذلك على جدران حجرات قصر فرساي. وأظهر دافيد أثناء ذلك تعدد مواهبه بلوحتين رائعتين رسم فيهما مدام ريكامييه والبابا بيوس السادس(68). فلما رد آل بوربون نفي دافيد باعتباره من قتلة الملك، فاعتكف في بروكسل، حيث وافته زوجته لتشاركه منفاه (وكانت قد هجرته في 1791 لتحمسه للثورة). وعاد الآن إلى المواضيع الكلاسيكية، وإلى أسلوب التصوير النحتي الذي حبذه منجز.

وفي 1825 أختتم وهوفي السابعة والسبعين حياة من أروع ما عهد تاريخ الفن.

ومن لوحاته لوحة تصور مدام فيجيه-لبرون، التي رفضت الثورة وآثرت الملوك والملكات. وقد نشرت وهوتدنومن عامها السابع والثمانين (1755-1842) مذكرات تروي وصفاً لطيفاً لشبابها، وتذكر سيرة محزنة لزقابلا، ويوميات برحلتها الفنية الطويلة، وصورة لامرأة فاضلة يصدمها عنف التاريخ. وقد توفي أبوها وهي في الثالثة عشرة، وكان مصور أشخاص، ولم يهجر لها مالاً، ولكن إليزابث كانت تلميذة شديدة الذكاء، فاستطاعت وهي بعد في السادسة عشرة حتى تكسب دخلاً طيباً من صورها. وفي 1776 تزوجت مصوراً آخر اسمه بيير لبرون، وكان ابن أخ بعيد لشارل لبرون الذي كان مدير الفنون للويس الرابع عشر. وبدد زوجها ثروتها وثروته (كما تقول) "بشغفه الجامح بالنساء السيئات الخلق، وبولعه بالقمار"(69). وقد ولدت له ابنة، ثم هجرته بعد ذلك بقليل.

وفي 1779 رسمت صورة لماري أنطوانيت، التي بلغ إعجابها بها حتى جلست لها لترسمها في عشرين لوحة. وتوثقت الصداقة بين المرأتين فكانتا تشهجران في غناء الألحان الرقيقة التي كان جريتري يستدر بها العبرات من عيون باريس. وقد فتح جميع الأبواب أمام المصورة الجذابة هذا العطف الملكي وما تميز بها عملها من أناقة مهذبة، وما لبثت جميع سيدة ثرية حتى اشتاقت للجلوس إليها لتصويرها. وكانت تتقاضى أتعاباً يسر لها ارتفاعها الاحتفاظ بشقة غالية وصالون يختلف إليه خيرة موسيقيي باريس. وقد مضىت ثلاث مرات لتصور مدام دوباري في لوفسيين رغم صداقتهما للملكة. وفي المرة الثالثة (14 يوليو1789) سمعت قصف المدافع في باريس. فعادت إلى المدينة لتجد حتى الباستيل سقط، وأن جماهير الغوغاء الظافرة تحمل الرءوس النبيلة على أسنة الرماح الملطخة بالدماء. وفيخمسة أكتوبر بينما كان حشد آخر من الغوغاء يسير صوب فرساي ليأسر الملك والملكة، جمعت ما استطاعت جمعه من متاعها وبدأت ثلاثة عشر عاماً من النفي الاختياري. وقد رسمت في روما لوحتها المعروفة التي تصورها وتصور ابنتها(70). وفي نابلي رسمت الليدي هاملتن في صورة باخوسية(71). ورسمت في فيينا، وبرلين، وسانت بطرسبرج، وحين أنهت الثورة شوطها قفلت إلى فرنسا (1802). وهناك عمرت أربعين سنة أخرى بعد حتى انتصرت على غير الدهر كلها، وأحسنت صنعاً بموتها قبل حتى تندلع الثورة من جديد.


المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

  • André Chastel. French Art Vol III: The Ancient Régime ISBN 2-08-013617-8

انظر أيضاً

  • قائمة الفنانين الفرنسيين في القرن 18
تاريخ النشر: 2020-06-04 09:41:21
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, فن فرنسي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بعد 42 جريحاً.. فتح أبواب المسجد الأقصى وانسحاب الإسرائيليين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:44
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 89%

أعمال التجديد تبعد برشلونة عن ملعبه "كامب نو"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:35
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 95%

تمديد حظر الرحلات إلى 11 مطاراً روسياً حتى 7 مايو

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:17:11
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 87%

سيناتور روسي يسخر من التصريحات البولندية بشأن الغاز الروسي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:32
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 95%

42 جريحًا في صدامات جديدة في حرم المسجد الأقصى (الهلال الأحمر)

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:21
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 86%

السعودية: "الزكاة والضريبة" تُنفذ 10 آلاف زيارة تفتيشية خلال رمضان 

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:17:12
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 89%

إدارة بايدن تفضّل اتفاقاً مع إيران.. والجمهوريون: تنمون منافساً!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:59
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 92%

الـ"كاف" يستقر على ملعب نهائي دوري أبطال إفريقيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:34
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 100%

حكومة البيرو تخطط لشراء كامل محاصيل نبات الكوكا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:30
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 89%

حزب الله وانتخابات البقاع في لبنان.. ترهيب "وشحن مذهبي"

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:43
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 91%

مجلس الشيوخ النيجيري يمرر مشروع قانون يمنع دفع فدية الاختطاف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:31
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 87%

فولودين: زيلينسكي يقود البلاد إلى حفرة من الديون

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:28
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 92%

انهيار سقف مسجد في دولة عربية أثناء صلاة التراويح! (فيديو)

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:27
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 88%

كندي سافر إلى سوريا للانضمام إلى "داعش" يقر بأنه مذنب

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:27
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 100%

مليار لملياري دولار.. ثروة الأسد تثير زوبعة برقم مهول!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-29 09:16:56
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 90%

تحميل تطبيق المنصة العربية