حتى لايصبح القذافى شهيدا (مقال)

عودة للموسوعة

حتى لايصبح القذافى شهيدا (منطق)


حتى لا يصبح القذافي شهيداً

للمحرر : مصطفى الوهيب

من رومانسية الثورة المصرية إلى دموية اقتلاع القذافي صناعة العقد الاجتماعي الليبي الجديد إما الوطن للجميع أوالجميع بلا وطن الثورة تزيل الطبقات الاجتماعية لا تصنعها الشعب مصدر السلطة وليس السلاح أفعال القادة الجدد تقرر: هل القذافي بطل أم طاغية؟

تتقاطع تفاصيل مقتل القذافي مع زميله صدام حسين من عدة نواح: فكلا الرجلين أخضعا بلديهما لدكتاتورية استمرت عقوداً، وكلا الرجلين تشبثا بالحكم عناداً حتى النهاية وأبيا الرحيل بقدر أدنى من الكرامة وحفظ الذات، وكلا الرجلين تطلّبا تدخلا دولياً لقلعهما قلعاً عن كرسييهما، وكلا الرجلين توهّما دعما جماهيريا لم يأتِ قط، وكلاهما عُثر عليه بعد ذلك في حفرة تحت الأرض: القذافي بأنبوب للمجاري وصدام بحفرة داخل مغرسة، ثم كلاهما قُتِل في النهاية وإن اختلفت طريقة القتل وسياق التطبيق.

ومع مراعاة الفروق الموضوعية بين العراق وليبيا واختلافاتهما الجوهرية فيما يتعلق بهجريبة المجتمع والسياقات التاريخية والسياسية وغيرها، إلا حتى ما يجري في ليبيا يجرنا جراً لاستحضار الصورة العامة لحرب العراق.

فالصور التي بثها الإعلام عن القذافي في آخر لحظاته ممسوكا من قبل الثوار، وسط صيحات متداخلة وضربات عشوائية تنهال عليه، ثم طريقة موته الغامضة، توجز نوعاً من الذهول والاضطراب الطبيعي الذي تعيشه ليبيا الجديدة بعد مخاض ولادتها العسير.

لكن هذا الاضطراب ينبغي حتىقد يكون مؤقتا ويسرع الليبيون إلى تحجيمه حتى لا يخوضوا بشاعة ما جرى في العراق من بعد رحيل صدام.

""مع ضخامة "العمل" الذي قام به القذافي ونظامه لقمع ثورة شعبه، فإن "ردود الأفعال" -قد- لا تقل خطورة على ليبيا من العمل الأصلي نفسه ""


من رومانسية الثورة المصرية إلى دموية اقتلاع القذافي يجمع كثيرون على حتى الثورة المصرية شكلت نطقبا هيّأ لانبثاق الثورات في ليبيا وسوريا واليمن فضلا عن بعض الحراكات في دول أخرى.

فالثورة المصرية جرت بتلاحم شعبي كبير ووحدة رائعة بين مكوناته التقت مع وقوف الجيش لجانبها، وأجبرت مبارك على التنحي تحت ضربات "فيسبوك" وصيحات ساحة التحرير، إلا حتى القذافي قذف بالدم على مشهد رومانسية الثورة المصرية صانعا مشهدا آخر مليئا بالأهوال استمر شهوراً حتى سقوطه.

ومع ضخامة "العمل" الذي قام به القذافي ونظامه لقمع ثورة شعبه، فإن "ردود الأفعال" -قد- لا تقل خطورة على ليبيا من العمل الأصلي نفسه، لأنها ردود محكومة ومجبورة على التعاطي ضمن أفعال النظام السابق، وهذا يكبح من شمولية الثورة ويحجّم –مؤقتا- من فوزها حتى تصحوليبيا من ذهول النصر وتستوعب ما جرى بموضوعية وهدوء بعيدا عن العواطف ومقتضيات المخاض العسير.

صناعة العقد الاجتماعي الليبي الجديد وهنا نحذر الليبيين من الوقوع بفخ ردود الأفعال، لأن ثورتهم يفترض بها صناعة واقع سليم يستوعب جميع الليبيين ضمن فضاء الحرية والبناء، وهذا يتضمن أفعالاً تبدوثقيلة على النفسية الليبية الجديدة في ضوء ما قام به القذافي ونظامه.

""الشعب الليبي أحرق عقده الاجتماعي مع القذافي تماما، عكس نظيره المصري الذي غيّر بعض البنود المتعلقة بماهية الشخص المنفذ لبنود العقد ""

ونحن نلتمس جميع العذر لشعب ليبيا في ذلك، لكن نذكّر هنا حتى أساس ثورة ليبيا: نقض "العقد الاجتماعي" الذي خوّل الشعب الليبي -بمقتضاه- القذافي لحكمه، وهوعقد ظل ساريا طوعا في البداية، ثم كرها طوال عقود التسلط والدكتاتورية، والشعب الليبي نقض العقد بسبب خرق القذافي لبنوده.

ونكاد نجزم حتى الشعب الليبي أحرق عقده الاجتماعي مع القذافي تماما، وهوبذلك يختلف عن نظيره المصري الذي غيّر بعض البنود المتعلقة بماهية الشخص المنفذ لبنود العقد (نعني الرئيس) ولم يعتبر العقد الاجتماعي خاطئا بل حصل قصور كبير في تطبيقه، وهذا يفسر استقرار الأحوال بمصر فيما بعد الثورة.

ونقض العقد الاجتماعي يعني هدما شاملا لكل البنود المنظمة للعلاقات بين الشعب والحاكم من جهة، والعلاقات بين مكونات الشعب نفسه، والعلاقات بين الدولة ككل والدول الأخرى من جهة أخرى، وهذا الهدم يشابه ذاك الذي جرى في العراق من بعد سقوط صدام، إلا حتى الخطأ الذي سقط فيه العراقيون هوقصورهم الشديد في إعادة صياغة عقدهم الاجتماعي، الذي يفترض به الحصول على حد أدنى من الإجماع بين كافة مكونات العراقيين، وهوما لم يتم أبداً حتى الأن.

إما الوطن للجميع أوالجميع بلا وطن إذاً ترسخ في وجدان المصريين بشاعة المشهد العراقي المتشظي دون عقد اجتماعي ضمني يجمع مكوناته، وحرصوا إبّان ثورتهم على المحافظة على وحدتهم ودولتهم ضمن عقدهم الاجتماعي، واكتفوا بخلع الجزء المنتهي الصلاحية من نظامهم السياسي، لكن الوضع في ليبيا أعقد من ذلك بكثير.

""البديل عن صناعة العقد الاجتماعي في ليبيا ما بعد القذافي هونموذج عراقي حديث في قارة أفريقيا اسمه "ليبيا" وهوما لا نتمناه أبدا""

والبديل عن صناعة العقد الاجتماعي في ليبيا ما بعد القذافي هونموذج عراقي حديث في قارة أفريقيا اسمه "ليبيا"، وهذا لا نتمناه أبدا، ونثق بأن التضحيات الجِسام لليبيين في ثورتهم حاضرة بقوة وتضغط لإيفاء الثورة حقها، لكن ينبغي حتى تكون صناعة هكذا عقد (بعد حتى نُقِض سابقه تماما) هي أولوية قصوى للقادة الليبيين الجدد.

وأولى معالم هذا العقد: احتواؤه لجميع مكونات الشعب الليبي، بمن فيهم أولئك المحسوبين على النظام السابق، إذ الثورة تنتصر الآن، وجزء من مقياس فوزها: قدرتها على العفوعند المقدرة، إذ لا يفرز الانتقام والإقصاء سوى مزيد من الاضطراب، كما يحصل الآن في العراق تحت مسمى "اجتثاث البعث".

وهي سياسة تُستخدم لإقصاء مكونات من الشعب تبعا لانتماءاتها الحزبية إبان حقبة صدام، والوطن ينبغي حتىقد يكون للجميع، ومنع رموز النظام السابق من احتلال المراكز القيادية لا ينفي حقهم في العيش مواطنين يتمتعون بحقوقهم الأساسية ضمن مظلة العفو، وهذا الاحتضان ينبغي حتىقد يكون محل إجماع (من قبل التابعين للنظام السابق ومن قبل مانحي العفوأيضا) وفقا لمعيار مصلحة الوطن العليا. والبديل لذلك: خسارة الجميع لوطنهم الجديد المستقر المتعافي من جراح الطاغية.

الثورة تزيل الطبقات الاجتماعية لا تصنعها وكشأن أي مجتمع يرضخ للظلم والدكتاتورية: عانى الليبيون من طبقية اجتماعية صنعها القذافي تمنح متملقيه والخاضعين له مكانة أعلى من الشعب، وامتيازات في خيرات البلاد وفرصها، على حساب أصحاب الحقوق ودون مراعاة للعدالة في التوزيع، فنشأت طبقة من المظلومين هم من عامة الشعب.

""العدالة أساس الملك، وذات الأمر ينطبق على الذين شاركوا في الثورة ضد القذافي وضحوا، يجب حتى يكافأ المحسن، ويُعزل المسيء، ويعوض المظلوم، وتُمنح المناصب والامتيازات وفقا للأهلية فقط

""

لكن هذه المظلومية ينبغي ألا تبرِّر الآن سحق طبقة "متملقي القذافي سابقا" لقاء امتيازات تعلي من شأن المظلومين -فقط بسبب مظلوميتهم- إذ ينبغي ألا يصنع العقد الاجتماعي الجديد طبقة أوطبقات اجتماعية جديدة تسحق ما أدناها، فيكون العقد الاجتماعي الجديد صناعة "لحقد اجتماعي جديد".

وهذا رد عمل سلبي حصل في العراق كما يشتكي أصحاب الطائفة السنية من هضم لحقوقهم لحساب الطوائف الأخرى، العدالة أساس الملك، وذات الأمر ينطبق على الذين شاركوا في الثورة ضد القذافي وضحوا، إذ ينبغي مكافأتهم لكن دون خلق طبقة اجتماعية جديدة تضُمهم دونا عن غيرهم أومنحهم امتيازات دون استحقاقات، بل يُكافأ المحسن، ويُعزل المسيء، ويعوض المظلوم، وتُمنح المناصب والامتيازات وفقا للأهلية فقط.

الشعب مصدر السلطة وليس السلاح وهنا معضلة أخرى ينبغي الحذر الشديد منها: إذ لا عقد اجتماعيا يمكن حتى يتم تحت سلطة السلاح المنتشر بأيدي المقاتلين، إذ المصالح متضاربة والأهواء تتوزع بين مختلف الفئات، والسلاح الذي قضى على نظام القذافي يمكن حتى يرتد فيقضي على الدولة الليبية الوليدة من خلال تهديده للسلم الاجتماعي.

وهذا إجهاض للثورة، ومصدر لتخريبها من قبل أولئك التابعين للنظام السابق، والطبيعة القبلية للمجتمع الليبي تجعل من انتشار هذا السلاح خطرا داهما، فلا مليشيات ينبغي حتى تتشكل ولا سلاح سوى ذاك الذي بيد الجيش.

""الاحتواء الأهم يتمثل في إعادة هيكلة القوات المسلحة الليبية من خلال دمج مقاتلي الثورة فيها، وسحب السلاح من الشوارع ومن عامة الشعب""

والاحتواء الأهم يتمثل في إعادة هيكلة القوات المسلحة الليبية من خلال دمج مقاتلي الثورة فيها، وسحب السلاح من الشوارع ومن عامة الشعب، فتجربة العراق وتسليح شعبه جرّت الويلات ولا تزال، والدماء في ليبيا ما زالت حارة في القبور لم تجف بعد عن أكفان قتلاها، والثأر يُعمِي ويتربص بثورة الليبيين.

أفعال القادة الجدد تقرر: هل القذافي بطل أم طاغية؟ لا شماتة في الموت، لكن التاريخ سيشمت بالثورة الليبية الوليدة إذا لم تحسن البناء وفقا لمصلحة ليبيا العليا المتعالية على المصالح الشخصية والعواطف، لذا ينبغي التجرد لأجل إعادة بناء المجتمع الليبي وجعل صياغة العقد الاجتماعي الجديد المحتضن لجميع أبنائها ضمن الأولويات القصوى.

فمزاج الشعوب سريع النسيان، وعامة الليبيين سيغيب عن أذهانهم ماضيهم الكئيب لقاء الحاضر وتجلياته في حياتهم الجديدة، والقذافي وإن كان قد تنبأ بمصيره سلفاً قبل عدة سنوات حين خاطب حكام العرب خلال مؤتمر قمة م حذراً حتى الدور سيضمهم جميعا من بعد إعدام صدام، فكان أولهم لحاقاً به على منصة الموت، إلا حتى ثمار الثورة الوليدة هي التي ستجعل منه بطلا أم طاغية.

فكثير من العراقيين يترحمون الآن على أيام صدام متناسين أهواله، بسبب إخفاقات قادتهم، لذا لا ينبغي حتى يصبح القذافي بعد سنين قليل "شهيداً" يترحم الناس على أيامه بسبب إخفاقات قادة ليبيا الجدد، وسياسات المجلس الانتنطقي الليبي تبشر بكثير من الخير، والقادم أصعب لكن أملنا بالليبيين كبير.

المصدر: الجزيرة

  • http://www.aljazeera.net/NR/exeres/6F3658FB-3D9D-4A7F-A64F-E04B74CB57EF.htm

تاريخ النشر: 2020-06-04 10:23:28
التصنيفات: مقالات الجزيرة, الجزيرة, الثورات العربية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سحر توفيق: ارتباط العصر الحديث لمصر بالحملة الفرنسية "أسطورة"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:54
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 52%

إيقاف القيادي بحركة النهضة الصادق شورو

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:46
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 65%

كتب تحت الطبع.. "لماذا يبكي الآباء في الليل" للكاتب كوامي ألكسندر

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:55
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

آبل تزود «آيفون» بمزايا خاصة لدعم فاقدي النطق

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

بعد طول غياب.. خالد سليم يستعد لطرح أحدث أغانيه "مين ده"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:32
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

مناقشات بلا خطوط حمراء.. "حماة الوطن": بداية مبشرة لـ "الحوار الوطني"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:41
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 62%

ذاكرة الكاريكاتير.. ضيف شرف المعرض الفرنسي للكتاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:53
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

تثبيت موعد البروفة الودية بين تونس والجزائر

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 56%

كريم عبد العزيز يطرح برومو تشويقي لفيلم "بيت الروبي"

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:32
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

حريق هائل فى موقع بناء بولاية نورث كارولينا الأمريكية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:38
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

زينات علوى.. أسطورة الرقص الشرقى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:34
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 58%

happy birthday.. كيف تفاعلت السوشيال ميديا مع عيد ميلاد الزعيم؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:30
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

نصائح الأبوة والأمومة لتعزيز حب القراءة لدى أطفالك

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:46
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

آخر موعد لسداد فاتورة التليفون الارضي لشهر أبريل 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:45
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 53%

«أمازون» تستثمر 12.7 مليار دولار في الهند للخدمات السحابية

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:44
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 51%

أفضل الأعشاب والتوابل لصحة أفضل لجسم الإنسان بفصل الصيف

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

المهرجان المصرى الأمريكى للسينما يطلق دورته الثالثة نوفمبر المقبل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-05-18 21:21:33
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

تحميل تطبيق المنصة العربية