كتب الجمهورية الستة

عودة للموسوعة

خط الجمهورية الستة

ابراهيم العريس
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع
خط الجمهوريات الستة

خط الجمهورية الستة، هوكتاب من ألفه المنظر والمحامي والفيلسوف السياسي الفرنسي جان بودان في عام 1576.

مقدمة

ربماقد يكون جان بودان منسياً بعض الشيء اليوم. وفي الفكر السياسي وتاريخيته، من المؤكد ان من يعتبر عادة منافسه الرئيسيّ فكراً ومنطقاً - أي الإيطالي نيكولومكياڤلي (صاحب «الأمير») - يفوقه شهرة بكثير، ما يجعل من الممكن الافتراض، بأن «المعركة» الفكرية التي خاضها بودان ضد فكر ماكيافيللي انتهت لمصلحة هذا الأخير، وحتى على مستوى التلقي الشعبي للفكر السياسي، ولج «الأمير» في الوعي العام، سلباً أوايجاباً، كجزء اساس من الفكر السلطوي، فيما يظهر بودان (ولا سيما نصّه الأشهر - في زمنه - «خط الجمهورية الستة») غائباً تماماً، بالكاد يحفل به احد خارج نطاق الجامعات والحلقات الفكرية الضيقة.

هذا كله يكمن في سطح الأمور فقط، فإذا كان «أمير» ماكيافيللي بقي في الذاكرة الشعبية، بذاته كمرجع يستدلّ به ويستند إليه، فإن فكر بودان بقي أيضاً من خلال مؤثراته ومن خلال كونه مرجعاً اساسياً، لبعض اهم نتاجات الفكر السياسي العالمي، خلال القرون الأربعة الأخيرة. ذلك ان كتاب بودان كان له أثر متراكم وورثة استخدموه وطوّروه، ومن بينهم خصوصاً الإنكليزي هوبس، فيما ظل فكر ماكيافيللي قادراً على الحضور من دون ورثة حقيقيين، ومن دون ان يشكل مرجعاً يستند إليه اي فكر سياسي تالٍ. بل لعلنا لا نعدوالحقيقة إذا قلنا ان «الأمير» يعيش في سلبيته، ومن خلال ما يؤاخذ عليه، فيما بودان يعيش كخطوة انعطافية في مسار الفكر السياسي العالمي الممتد من «جمهورية افلاطون» حتى العصور الحديثة. ولنقل بالأحرى ان الفارق الأساس بين الاثنين يكمن في ان «الأمير» اهتم برسم الواقع انطلاقاً من نظرة سوداوية الى السلطة وممارساتها في زمنه، فيما نصّ «خط الجمهورية الستة» يكادقد يكون تلخيصاً لتطلعات الفكر في المجال السياسي، وأحياناً من مسقط «طوباوي» كان يظهر في زمنه غير قابل للتطبيق.

وقد أصاب المفكرون الذين كانوا يرون ان ماكيافيللي وبودان، على تناقضهما، كانا متكاملين، بمعنى ان واحدهما يرسم الواقع وينطلق منه، فيما يرسم الثاني ما يجب انقد يكون عليه الواقع.


الكتاب

جان بودان كان همه، اصلاً، ان يستعيد للسلطة قوتها ومكانتها وسط مناخ من التسامح الديني، وذلك في زمن كان ابعد ماقد يكون عن ذلك التسامح. فهوعاش في منتصف القرن السادس عشر وسط عالم ممزق بالصراعات الدينية، تفقد فيه السلطة السياسية، مهما كانت قوية، قوّتها لمصلحة صراعات وتعصّب تمزق المجتمع. من هنا عهد بودان دائماً بكونه «فيلسوف سياسة ذا تطلع طليعي» يسعى الى وضع الأسس لحكم مثالي، يقوم على اساس ملكية ديموقراطية، «تنسف الملكية القائمة والبرلمان، عبر سلطة دستورية مطلقة تتأسس على حق إلهي لا يحدّه سوى القانون الطبيعي». إذا هذا الكلام كله قد يظهر في اطارنا الفكري الراهن، حافلاً بالمتناقضات، غير انه في اطاره الزمني والفكري، سيبدوواضحاً انه يقوم على اسس الموازنة الدقيقة بين الاحتمالات الممكنة، انطلاقاً من سمات متعددة لواقع ينبغي تجاوزه.

إذاً، يركز جان بودان، في كتابه هذا، على نموذج سياسي محوره قيام منظومة مدنية تتمحور حول الطاعة لعاهل، يعهد جيداً احتياجات المواطنين ويسير على هديها (هل نحن بعيدون جداً عن نظرية «المستبد العادل»؟). وفي مثل هذه المنظومةقد يكون من الضروري، وفق بودان، احترام قرارات السلطة، بغية تفادي الفوضى العارمة التي كانت مستشرية خلال القرن السادس عشر، والتي سيكون بودان نفسه واحداً من ضحاياها، إذ سرعان ما سنجده متّهماً بالهرطقة على رغم الكثير من التنازلات التي عبّر عنها مبدياً خضوعه الكلي لما هوقائم في زمنه!

وبودان، الذي كان افلاطونياً في روح فكره، ارسطياً في اسلوبه، حرص على ان يختتم كتابه هذا بأنشودة افلاطونية مؤثّرة تحدث فيها الى العدالة الإلهية طالباً عونها، غير ان هذا لم يشفع له. لكن الجوهر ليس هنا، الجوهر في فكر بودان هوانه كان يرى - وعلى عكس ماكيافيللي تماماً - ان الأساس في «فن السياسة، ليس الوصول الى السلطة بكل الوسائل الممكنة، بل الوصول الى الحق، اي الى تطابق ممارسات الحكم مع جميع قوانين الكون والإنسان الكبرى». وفي هذا الإطار من المؤكد ان «الحيلة والجرأة اللتين يمارسهما أمير ما، لا تكونان على اهمية اقامة بنية سليمة للمؤسسات». ما يعني ان بودان يرى روح الدول في تلك القوى التي «اهملها ماكيافيللي تماماً: الدين، الأخلاق والعدالة، والغريزة العائلية». والحال ان «العائلة» ومفهومها يلعبان دوراً اساسياً لدى بودان، ذلك ان «العائلة المسيّرة تسييراً حسناً، هي الصورة الحقيقية للجمهورية». كما ان «القوة داخل البيت تشبه قوة الملك داخل الأمة». وهذه الفكرة التي ترى ان الخلية الاجتماعية الأولية والأساسية توجد في العائلة لا في الفرد، هي التي هيمنت على فكر بودان (وستجد تعبيراً مهمّاً عنها لدى ورثته، في هذا الإطار على الأقل، من بونالد الى أوغست كونت وغيرهما) وكان بودان هواول من عبر عنها وقنّنها في الفكر الغربي الحديث. بل إنها تشكل المبدأ الأساس لتصوره للدولة، وفق دارسيه. ذلك ان العائلة هي التي تصور افضل تصوير بتماسكها ووظائفيتها، الصورة التي يريدها بودان لـ «الجمهورية» (ولا نعني هنا من طبيعة الحال الحكم الجمهوري بالمعنى الحديث للحدثة، بل حكم «الجمهور» من جانب ذلك المستبد العادل). فالعائلة تعبّر عن الوحدة والتماسك والاستقلال، وأكثر من هذا: عن الواقع الملموس للكائن السياسي. وانطلاقاً من الخلية العائلية يرسم بودان إذاً، صورة للسلطة ترتبط بمفهوم السيادة في الشكل الذي كانت تعبّر عنه، من ناحية عملية، تطلعات اصحاب النزعة القومية الصاعدة في القرن السادس عشر. والحال ان بودان من بعد ما حدد هذا الأساس الذي اعتبره جوهرياً، يبدأ باستعراض شتى الأشكال الكلاسيكية للحكم: من الديموقراطية التي، في رأيه، تستند الى «حلم يقف ضد الطبيعة يتحدث عن مساواة محالة بين البشر»، الى الأرستقراطية التي «تتصدى في شكل جيد لتحدي صعوبة الوصول الى اتحاد دائم للبشر النزهاء والمعتدلين في تطلعاتهم الشخصية». وأخيراً الى الملكية، التي من الواضح ان بودان يفضلها على غيرها.

المصادر

  1. ^ ابراهيم العريس (2010-11-29). "«جمهورية» جان بودان: جوهر الأمر الوصول الى الحق لا الى السلطة". جريدة الحياة اللبنانية.

وصلات خارجية

  • L'œuvre complète sur Google Livres
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:31:19
التصنيفات: كتب فرنسية, كتب فلسفة سياسية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

«مشروعات النواب» تلزم بوضع ترخيص عربات الطعام المتنقلة أمام الجمهور

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:27
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 70%

وزير دفاع مولدافيا ينفى وجود «خطر عسكرى» على بلاده

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:23
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

السجن 10 سنوات لعامل بتهمة التعدى على طفلة فى قنا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:04
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

محمد رمضان يستعد لعيد الفطر ويتفرغ لـ «هارلي»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:14
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

محافظ مطروح يوجه بالقضاء على مخالفات البناء فى المهد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:01
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 63%

المشدد 10 سنوات وغرامة 100 ألف لتاجر مخدرات في طوخ

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:05
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

رسالة الملكة رانيا لابنتها.. «حملكِ أبوكِ في عينيه قبل ذراعيه»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:08
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 58%

«أعلام بلدنا».. قصور الثقافة تحتفي بذكرى ميلاد محمد عبد الوهاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:42
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 70%

متحدث الخارجية: تنسيق مصري أممي مستمر لدفع الحل السياسي في سوريا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:22
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 69%

إصابة سائح أمريكي سقط من فوق حصان بالمنطقة الأثرية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:06
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 60%

شباب القليوبية: شقق الإسكان حلم أصبح حقيقة للمقبلين على الزواج

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:10
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 66%

رمضان 2023.. معسكر مغلق لـ أحمد السقا للانتهاء من تصوير مسلسل حرب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:13
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 64%

«هؤلاء علموني».. أحدث إصدارات مكتبة الأسرة بهيئة الكتاب

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-03-13 15:22:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 59%

تحميل تطبيق المنصة العربية