اقتصاد غذائي

عودة للموسوعة

اقتصاد غذائي

اقتصاد الغذاء food economy هوالفهم الذي يختص بدراسة الظواهر والقوانين الاقتصادية المتعلقة بالموارد الاقتصادية الغذائية المتنوعة وتفسيرها من حيث الإنتاج والتوزيع، بغية تحقيق الاستثمار الأمثل لهذه الموارد. ويهتم كذلك بدراسة العلاقات الاقتصادية بين الإنتاج والاستهلاك وبيان الأسلوب الأفضل لتوفير الاحتياجات الغذائية للسكان وتحقيق الأمن الغذائي. وللموارد الاقتصادية الزراعية ومعطياتها الإنتاجية مكانة مميزة في اقتصاديات الغذاء. وقد استوعب الاقتصاديون، في الآونة الأخيرة، أهمية دور القطاع الزراعي في الاقتصاد الغذائي، وأسهموا في الدراسات والبحوث المتصلة بهذا الموضوع.

دور الزراعة

توفر الزراعة الاحتياجات الغذائية للمواطنين كالحبوب والخضراوات والفاكهة، إضافة إلى المنتجات الحيوانية كاللحوم والألبان ومشتقاتها. ويستفاد من المنتجات الزراعية المتنوعة في الاستهلاك الغذائي المباشر أوفي الصناعات الغذائية. وقد ازداد هذا التنوع في المنتجات الزراعية بازدياد الطلب على السلع المذكورة مع مرور الزمن. وارتبطت هذه الزيادة في الطلب بكثير من المتغيرات أهمها: النموالسكاني ومرونة الطلب الداخلية، وتطور الأنماط الغذائية في أكثر الدول كالإسراف وعدم الترشيد في استهلاك الغذاء ولاسيما لدى الفئات ذات الدخول المرتفعة.


المسألة الغذائية في العالم

يجمع معظم المفكرين الاقتصاديين على العلاقة الوطيدة بين جميع من النظام النقدي والمالي من جهة والنظام الاقتصادي للغذاء من جهة ثانية. فتطور أي منهما لابد من حتى ينعكس بالضرورة على الثاني. وقد كان للنموالمتزايد في تجارة المواد الغذائية إبان السنوات الأخيرة آثار واضحة في التوسع السريع في تدفق رؤوس الأموال بين مختلف دول العالم. وشهد اقتصاد الغذاء العالمي تغيرات كبيرة ومهمة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ هجرز الإنتاج والمخزون والفائض من السلع الغذائية الاستراتيجية في عدد قليل من الدول المتقدمة، وانقسمت دول العالم إلى مجموعتين رئيستين: مجموعة الدول المصدرة للغذاء وهي الدول المتقدمة صناعياً، ومجموعة الدول المستوردة للغذاء وهي الدول النامية.

يهجرز إنتاج الحبوب، التي تعد من أبرز السلع الغذائية، في عدد محدود من الدول، إذ يلاحظ حتى نحو68% من الإنتاج العالمي يهجرز في تسع دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية والصين وفرنسة وكندا وأسترالية ورابطة الدول المستقلة والهند وهجرية والأرجنتين. ويتذبذب هذا الإنتاج في عدد من الدول من سنة إلى أخرى، ويرجع ذلك، في الدرجة الأولى، إلى حتى نحو85% من الأراضي المزروعة تعتمد على الأمطار و15% منها تعتمد على الري، مما يجعل الإنتاج ومردود وحدة المساحة يتأثران بالتقلبات الحادة في المناخ. وتعد الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مصدر للحبوب في العالم فهي تصدر نصف مجموع الصادرات العالمية منها ونحو40% من صادرات القمح وحده. فإذا أضيف إليها كندا وفرنسة وأسترالية فإن صادرات هذه الدول مجتمعة تصل إلى نحو83% من صادرات العالم.

من ذلك يظهر مدى هجريز تجارة الحبوب العالمية، وخاصة تجارة القمح، في قلة من الدول، وخطورة ذلك على مسار اقتصاد الغذاء العالمي، لقدرة هذه الدول على احتكار هذه المواد والتحكم بأسعارها وممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية على الدول المستوردة للغذاء ولاسيما الدول النامية. ويعد عدم استقرار معدل الإنتاج من المحصولات الزراعية والسلع الغذائية الذي شهدته معظم دول العالم إحدى الظواهر التي اتصفت بها العلاقات الدولية في مجال الغذاء في السنوات الماضية. فقد كان للتجارة الخارجية نصيب متزايد في الدخل القومي لكثير من الدول، وشهدت هذه الحقبة تغيرات هيكلية في الأوضاع لمختلف الدول في التجارة الدولية للغذاء، إضافة إلى عدم استقرار الأسواق بعد عام 1973 وما رافق ذلك من تضخم في ديون الكثير من الدول النامية، وارتفاع أسعار الفائدة على الديون، وعدم مقدرة بعض تلك الدول على سداد ديونها فأدى جميع ذلك إلى مطالبتها بإعادة جدولة ديونها والتفاوض بشأنها. وقد نتجت عن هذه الظاهرة تغيرات مهمة في المبادئ العامة لتجارة الغذاء الدولية.

ومع تباين تفسيرات معضلة الغذاء على الصعيد العالمي، ومن بينها التقلبات الحادة في إنتاج بعض الدول الكبرى، ولاسيما الاتحاد السوفييتي السابق، أوما صاحب النظام العالمي من تقلبات في السياسة النقدية، إلى ما هنالك من تفسيرات تمثل وجهات نظر اقتصادية وسياسية مختلفة، فإن التفسير الأقرب إلى المنطق لأزمة الغذاء العالمية التي بدأت في أوائل السبعينات من القرن العشرين يرجع إلى التغيرات التي أحدثتها الدول المنتجة والمصدرة للغذاء في السياسات الزراعية إلى جانب تغيير الهجريب الترويجي للغذاء لمصلحة الدول المصدرة وافتعال ما يعهد اليوم بأزمة الغذاء العالمية، مما حدا بالهيئات والمنظمات الدولية إلى هجريز قسم من جهودها واهتماماتها لبحث تلك المشكلة، ووضع التوصيات والمقترحات لحلها. وفي هذا الشأن انعقد مؤتمر الغذاء العالمي في عام 1974، وكان من نتائجه إنشاء الكثير من الهيئات المتخصصة لبحث معضلة الغذاء وتمويل جزء من الاستثمارات الضرورية لتنمية إنتاجه. ومع الاهتمام الكبير فإن الإنجازات العملية في هذا المجال على الصعيد الدولي ما تزال متواضعة إلى حد كبير، ولاسيما إذا ما قيست بحجم المشكلة وأبعادها المستقبلية، ولعل من أبرز النتائج التي أظهرتها أزمة الغذاء العالمية إنذار الدول النامية والمستوردة للغذاء بما تقابله من مخاطر وما يحمله موقفها الغذائي من ضعف.

التعاون الدولي في مجال اقتصاد الغذاء

ظهرت أنماط وصيغ مختلفة من التعاون بين التكتلات الدولية قائمة على أسس اقتصادية أوسياسية أوأيديولوجية أوإقليمية في إطار التنسيق والتكامل الاقتصادي. وكان قطاع الزراعة والغذاء من مظاهر هذا التعاون وقد اعتمدت تلك التكتلات على نظم قانونية تطمح إلى التنسيق والتكامل. ومن أبرز تلك التكتلات ما يلي:

أ ـ السوق الأوربية المشهجرة: اتفقت ست دول أوربية في رومة سنة 1957 على إنشاء سوق أوربية مشهجرة تتعاون فيما بينها اقتصادياً، انضم إليها في مطلع السبعينات ثلاث دول أخرى وفي عقد الثمانينات أصبح عددها اثنتي عشرة دولة. وقبل بداية تطبيق السياسة الزراعية المشهجرة على مستوى الأقطار الأوربية المسقطة على اتفاقية رومة قدر عدد العاملين بالزراعة فيها بنحو15 مليون نسمة، ويمثل هذا العدد نحو20% من القوة العاملة في تلك الدول. كما قدر عدد المزارع التي تضمها تلك الأقطار بنحو5.6 مليون مغرسة معظمها ذات مساحات صغيرة متباعدة جغرافياً وحسبت الدخول الزراعية بنحونصف مثيلاتها في القطاعات الأخرى. وانطلاقاً من ذلك الوضع حددت المادة 39 من اتفاقية رومة خمسة أهداف أساسية للسياسة الزراعية المشهجرة هي:

ـ زيادة الإنتاج الزراعي بتشجيع التقدم التقني والاستخدام الأمثل لعناصر الإنتاج ولاسيما العمالة.

ـ ضمان مستوى مقبول من المعيشة للعاملين في القطاع الزراعي بزيادة ولج الفرد.

ـ ضمان استقرار السوق.

ـ ضمان استمرار إمدادات كافية من الغذاء.

ـ ضمان وصول إمدادات الغذاء إلى المستهلك بأسعار معقولة.

وفي مؤتمر ستريزا Stresa تم اقتراح ثلاث مراحل لتحقيق السياسة الزراعية المشهجرة لدول السوق الأوربية المشهجرة: الفترة الأولى منها وضع السياسات الزراعية والاتفاق عليها في غضون ثلاثة سنوات. والفترة الثانية تطبيق السياسات التي تم تبنيها تدريجياً في غضونتسعة سنوات حتى عام 1969، وأما الفترة الثالثة فهي التطبيق الكامل للسياسة في سوق موحدة ابتداءً من عام 1970. ويعدّ التدرج الزمني من أبرز ميزات أسلوب تطبيق السياسة الزراعية المشهجرة. ولقد استطاع أعضاء السوق تحقيق أبرز أهداف السياسة الثمنية، وهوالثمن الموحد للسلع الزراعية داخل المجموعة، وذلك في عام 1967، قبل عامين من الموعد المحدد. وقد أقرت المفوضية الأوربية إنشاء صندوق لتمويل السياسة الزراعية وتقديم الدعم لسياسات الإصلاح الهيكلي وتمويل الخدمات الترويجية مثل وسائل التخزين والتعبئة وغيرها وكل الخدمات الأخرى عبر الهيكل الترويجي. ويسمى هذا الصندوق «صندوق التوجيه والضمان الزراعي"، ويتم تمويل هذا الصندوق من حصيلة نظام الرسوم على الواردات الزراعية من خارج دول السوق، إضافة إلى الاشتراكات المالية التي تدفعها الدول الأعضاء. والجدير بالذكر حتى حساب الأسعار وقيمة الدعم في جميع بلد يتم بوحدة حسابية أوربية ECU تعادل 88867.0 % كغ من المضى، وترتبط مع العملات المحلية بثمن صرف يتغير تبعاً لاتجاهات التغير في أسعار الصرف المحلية في جميع دولة.

ومع الصعوبات الكثيرة والانتقادات الحادة لمسار تطبيق السياسة الزراعية المشهجرة، فقد تم تحقيق الكثير من إنجازات التكامل يمكن حتى تكون درساً يستفاد منه في وضع تصور للتكامل الزراعي العربي، ومن هذه الإنجازات ما يلي:

ـ تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم السلع الغذائية ومنها الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان.

ـ تحقيق درجة عالية من المجال في الإنتاج وفقاً للمزايا النسبية وتقسيم العمل.

ـ التنسيق والتعاون في مجالات البحث الفهمي والتطور التقني.

ـ إلغاء الرسوم الجمركية بين الدول الأعضاء واستبدال تعهدة جمركية موحدة بها في التعامل مع العالم الخارجي.

ـ أصبحت دول السوق الأوربية المشهجرة مفاوضاً رئيساً في لقاءة الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضات الغات [ر] GATT التي تهجرز محادثاتها على تخفيض دعم المنتجات الزراعية وتأمين حرية التجارة الدولية بالسلع الزراعية.

ـ استطاعت دول السوق الأوربية المشهجرة عن طريق صندوق التوجيه والضمان الزراعي تحديث الزراعة وتجميعها في وحدات إنتاجية كبيرة.

ب ـ مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة (كوميكون) Comecon: مع انهيار الاتحاد السوفييتي ودول أوربة الشرقية وما تبعه من إجراءات، من ضمنها حل المجالس الاقتصادية لابد من الإشارة إلى تجربة الكوميكون للاستفادة منها.

مرت عملية التكامل في دول مجلس المعونة الاقتصادية المتبادلة في أربع مراحل متتابعة، بدأت الفترة الأولى بعقد اتفاقيات ثنائية طويلة الأجل تغطي مدد الخطة الخمسية المعمول بها في جميع دولة. وكان الهدف من تلك الاتفاقيات إعادة بناء نمط توزيع الموارد بهدف تعديل هياكل الإنتاج ونوعية السلع المنتجة وذلك لتهيئة الشروط الموضوعية من أجل مزيد من التكامل. وتميزت الفترة نفسها بمنح القروض في إطار اتفاقيات متعددة الأطراف بين دول المجلس. وفي الفترة الأولى برزت مجهودات تنمية الزراعة على أسس اشتراكية حتى عام 1960، ثم بدأت بعد ذلك محاولات ترشيد الزراعة والتوسع في استخدام المكننة الزراعية. وقد استغرقت هذه الفترة عشر سنوات لم يكن الهجريز فيها على الزراعة كبيراً، ولم يحقق التنسيق والتكامل الزراعي في أثنائها خطوات إيجابية. وفي الفترة الثانية التي بدأت مع بداية عقد الستينات اتفقت دول المجلس على إقامة نظام تام للتخصص وتقسيم العمل، وذلك عن طريق التنسيق الكامل بين خطط التنمية في جميع فرع من فروع الإنتاج، كما تم، في تلك المدة، العمل على إنشاء المشروعات الإنتاجية المشهجرة والتنسيق في مجالات البحث الفهمي والفني. وفي بداية السبعينات بدأت الفترة الثالثة التي اتسمت بالتكامل الكامل بين دول السوق والانتنطق من فترة التكامل بطريق التبادل إلى التكامل في الإنتاج، وتم الهجريز على التخطيط الجماعي وتنسيق خطط التنمية الطويلة الأمد فضلاً عن الخطط الخمسية. وفي منتصف السبعينات انتقل المجلس إلى الفترة الرابعة وهي فترة التخطيط المشهجر التي تم فيها إعداد أول خطة مشهجرة لدول الكوميكون 1976- 1980 وتبعتها الخطة الخمسية الثانية1981 - 1985.

إن جميع أنماط التعاون المشهجر التي ظهرت في معظم مناطق العالم كانت تعمل في مجال اقتصاديات الغذاء باتجاه واحد تقريباً، ويتمثل هذا الاتجاه في إجراء الأبحاث والدراسات الترويجية المشهجرة عن طريق التعاون والتكامل الإقليميين في مجال توفير معلومات عن الأسواق من حيث الأسعار والجودة، وتوفير المنتجات الزراعية والسلع الغذائية المتنوعة، وتنسيق جهود المنتجين فيما بينهم لتطبيق استراتيجية موحدة للتصدير، وحماية ثمنية مشهجرة عند الاستيراد من خارج المنطقة. إضافة إلى توفير الأغذية عن طريق دراسة الهياكل الأساسية للترويج ومن ذلك الطرق والموانئ والتخزين لتسهيل التبادل التجاري للمواد الغذائية.


المسألة الغذائية في البلدان النامية

تظهر المؤشرات الحالية في مجال اقتصاد الغذاء العالمي انخفاض قيمة صادرات البلدان النامية مما أثر تأثيراً سلبياً في الاقتصاد الغذائي لهذه البلدان. ونجم عن ذلك الكثير من المصاعب التي تقابلها تلك البلدان ولاسيما المثقلة بالديون، فأدى ذلك إلى إلحاق الضرر بوضعها الاقتصادي وعرقلة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها. مما أوضح أهمية العلاقة بين الصادرات وتكاليف استيراد الأغذية وأسعارها، وإمكان الحصول على مساعدات غذائية، إضافة إلى إمكان إنتاجها محلياً. والحقيقة حتى تلك المشكلة هي السمة الأساسية لمفهوم الأمن الغذائي العالمي الذي تم التوصل إليه، ووافقت عليه معظم دول العالم. ومما يزيد من تفاقم أزمة الغذاء في البلدان النامية أنها قد تزامنت مع حدوث نقص في الإنتاج المحلي من الأغذية في الكثير من البلدان النامية ولاسيما في الدول الإفريقية، حيث تظهر المجاعات في بعضها نتيجة لمواسم الجفاف المتكررة ولعدم قدرة تلك الدول على تمويل وارداتها من الأغذية، إضافة إلى عدم توافر الأسواق الملائمة لسلعها التصديرية. إذا الكثير من البلدان النامية ولاسيما الفقيرة منها يفترض أن تظل تقابل عقبات كبيرة تظهر في قلة عوائدها من البتر الأجنبي وضخامة ديونها، حتى إذا بعضها يضطر إلى تقليص وارداته إلى أدنى حد ممكن، إضافة إلى الحد من مشروعاتها الإنمائية، وإن تحسين وضعها الاقتصادي يتوقف أساساً على زيادة عوائدها التصديرية. وقد أدت الاتجاهات التضخمية في الدول الصناعية إلى ازدياد أسعار منتجاتها الغذائية التصديرية إلى البلدان النامية في الوقت الذي اتجهت فيه أسعار المواد الخام الأولية، التي تؤلف معظم صادرات البلدان النامية، نحوالتدهور المستمر، فأدى ذلك إلى عجز موازين المدفوعات فيها إضافة إلى ازدياد أعباء الديون الخارجية. ولقد تأثرت معدلات التبادل التجاري بين الدول المتقدمة والنامية بتقلبات أسعار السلع الأولية وأسعار السلع المصنعة التي تستوردها الدول النامية من الدول الصناعية المتقدمة. يضاف إلى ذلك حتى تقلبات القوة الشرائية للدولار الأمريكي، الذي يعد وسيط التعامل في التجارة الخارجية أدت إلى مزيد من التدهور في معدلات التبادل السلعي الغذائي. وقد أدى الاهتمام المتزايد بمشكلة الغذاء وتأكيد أهمية التنمية الزراعية والريفية في توفير الغذاء إلى اتجاه الكثير من المنظمات الدولية ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية إلى توفير الاحتياجات من رؤوس الأموال للقاءة متطلبات القطاع الزراعي. وقد تأسست في السنوات الأخيرة صناديق تمويل إقليمية وعالمية لتوفير التمويل اللازم لمشروعات الاستثمار في القطاع الزراعي للدول النامية. ولا يقتصر الأمر على توفير التمويل اللازم للمشروعات التنموية الزراعية، بل يتعداه إلى ضرورة تحديد المشروعات التنموية، وإعداد دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية التي يسترشد بها متخذوالقرار في تحديد أولويات المشروعات التنموية المقترحة، إضافة إلى تدريب الأطر العاملة في مجالات التنمية المتنوعة حتى يمكن التغلب على أبرز معوقات التنمية الزراعية والريفية في البلدان النامية.

حققت بعض البلدان النامية في السنوات العشرين الماضية نمواً في إنتاج المواد الغذائية أسرع منه في البلدان الصناعية. وتعود الزيادة في الإنتاج الزراعي للبلدان النامية إلى ما حققته الثورة الزراعية، التي بدأت في أواسط العقد السادس من القرن العشرين باستنباط أصناف من القمح مرتفعة الغلة في المركز الدولي لتحسين الذرة والقمح في المكسيك، وأصناف من الرز مرتفعة الغلة في المعهد الدولي لبحوث الرز في الفيليبين والمركز الدولي للزراعة الاستوائية. كما وقع تطور في استخدام البذور العالية الإنتاجية وتحديث أساليب زراعتها، وذلك باستخدام مزيد من الأسمدة، وتحسين الاستثمار في مجال الري وغير ذلك من المدخلات الحديثة. وقد أدت هذه الإجراءات إلى مضاعفة غلة الأرض المروية في البلدان النامية فتوسعت الصين والهند في إنتاج الحبوب، بمعدل 2.3% في الصين و1.4% في الهند ويفوق هذان المعدلان معدل نموالسكان في البلدين. إلا حتى الثورة الزراعية اقتصرت في معظمها على الأراضي المروية وأهملت المناطق الزراعية الأخرى، ولاسيما في إفريقية. ومن المحتمل حتى تسفر البحوث والدراسات عن أصناف جديدة من المحاصيل بحاجة إلى مدخلات أقل ولديها القدرة على تحمل الجفاف والآفات الزراعية. وحدثا أجري مزيد من البحوث زاد الاستثمار في ميدان الزراعة وواصلت تكلفة إنتاج المحاصيل الزراعية انخفاضها، وهذا ما تشير إليه مؤشرات الأسعار العالمية لكثير من المحاصيل الزراعية كالقمح والسكر والذرة والرز. فأسعار الذرة منذ الحرب العالمية الثانية في حالة انخفاض مستمر نسبياً نتيجة لإدخال أصناف الذرة الهجينة والتحسينات اللاحقة، وأسعار الرز اليوم في مستويات أدنى مما كانت عليه عام 1900.

كان المنظّر الاقتصادي المعروف روبرت مالتوس قد أشار في أوائل القرن التاسع عشر إلى حتى العالم سيقابل نقصاً في الموارد الغذائية لأن السكان يزدادون بسرعة تفوق القدرة على إنتاج المواد الغذائية. غير حتى الانخفاض الذي وقع في الأسعار العالمية للمواد الغذائية كان شهادة على قدرة الفلاحين على الأخذ بتقانات جديدة لفائدة الجميع. وإذا كان التشاؤم المالتوسي ما زال قائماً في مجال إنتاج المواد الغذائية في إفريقية، فمرد ذلك إلى حتى الأخذ بالتقانات الحديثة لم يبدأ بعد هناك، وثمة حاجة ماسة إلى بنية أساسية أفضل في الريف الإفريقي وإلى مزيد من البحث، ولاسيما فيما يتعلق بمحاصيل المواد الغذائية، إضافة إلى تحسين التنسيق بين البحوث والخدمات التي يقدمها الإرشاد الزراعي. كما يحتاج الفلاحون إلى سبل أفضل للحصول على مدخلات الإنتاج والتوصل إلى تكلفة ترويجية أقل، فهماً بأن السياسات الاقتصادية الكلية الموجهة إلى قطاع معين تؤثر في مستوى حياة الفلاح، وفي حركة العمالة ورأس المال في نطاق الزراعة وخارجها، وفي السرعة التي تستحدث بها التقانات الجديدة ويأخذ بها المزارعون.

المسألة الغذائية في الوطن العربي

أوضح الكثير من الدراسات التي تناولت النموالاقتصادي في الدول العربية حتى معدلات نموالإنتاج المحلي للغذاء أقل بكثير من معدلات نموالناتج المحلي الإجمالي. وأن الأهمية النسبية للناتج من الغذاء منخفضة ومتناسيرة في جميع الدول العربية. وتعتمد التنمية الاقتصادية الزراعية، فضلاً عما يقدمه البنيان الاقتصادي من استثمارات للقطاع الزراعي، على توفير البيئة الأساسية المناسبة لقيام صناعات مساندة. وما تزال الزراعة، على ضعف الاستثمارات فيها وتدني إسهام القطاع الصناعي في تنميتها، تسهم في تنمية الموارد البشرية في الوطن العربي من حيث توفير الغذاء. وتهدف معظم السياسات الزراعية العربية إلى حمل المستوى الغذائي للسكان سواء تم ذلك من الناتج المحلي أوعن طريق الاستيراد. وقد ترتب على هذه السياسة زيادة الواردات الغذائية، وزيادة الاعتماد على الخارج، وانخفاض نسبة الاكتفاء الذاتي.

1ـ الأبعاد الاقتصادية لمسألة الغذاء في الوطن العربي:

تعدّ المنطقة العربية في مجال الغذاء منطقة عجز غذائي دائم يعوض باستيراد سلع غذائية أساسية من الخارج. لا يمكن حتى تستغني الدول العربية عن بعض السلع الضرورية للمعيشة كالحبوب إضافة إلى اللحوم والألبان والسكر والزيوت. وهذا العجز يتزايد مع الزمن، وعموماً يمكن القول: إذا الاعتماد على المصادر الخارجية لتوفير متطلبات الغذاء أصبح عبئاً ثقيلاً تنوء به غالبية الأقطار العربية. مما أظهر الكثير من الآثار السلبية التي أثرت تأثيراً واضحاً في قدرة هذه الدول على تحقيق معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية عامة ومعدلات التنمية الزراعية خاصة.

ومما يزيد من خطورة المشكلة الغذائية التزايد المستمر في الاعتماد على الدول الصناعية المتقدمة في توفير متطلبات الغذاء الأساسية، ولاسيما حتى الدول المصدرة للغذاء متقدمة اقتصادياً وتستطيع ممارسة السياسة الاحتكارية إذا تطلبت مصالحها ذلك. وهذا يشير إلى حتى مستقبل المسألة الغذائية قد يحمل في طياته مؤشرات كبيرة يفترض أن تحد من حرية القرار الاقتصادي والسياسي للدول العربية.

2 ـ مخاطر نقص الغذاء:

تقابل الدول العربية الكثير من المخاطر نتيجة اعتمادها على العالم الخارجي في توفير الغذاء وأهمها ما يلي:

أ ـ المخاطر الاقتصادية: تتمثل المخاطر الاقتصادية لنقص الغذاء في الوطن العربي في الآثار الاقتصادية لاختلال ميزان المدفوعات وتوجيه الموارد النقدية إلى استيراد الغذاء على حساب استيراد السلع الاستثمارية والوسيطة، والإضرار بمسيرة التنمية الاقتصادية واختلال السوق المحلية، مما يؤثر سلباً في استقرار القطاع الزراعي.

ب ـ المخاطر الاجتماعية: تظهر الآثار الاجتماعية لنقص الغذاء في زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة وزيادة معاناة الفئات الفقيرة من السكان في الحصول على المواد الغذائية وتدني المستوى الغذائي للمواطنين.

ج ـ المخاطر السياسية: تظهر هذه المخاطر من الآثار السلبية لتعامل الدول العربية مع الدول المصدرة للغذاء وخضوعها سياسياً لإرادة تلك الدول.

3 ـ بعض المؤشرات الاقتصادية للقطاع الزراعي في الوطن العربي:

أ ـ السكان الريفيون: وصل إجمالي عدد السكان في الوطن العربي إلى نحو225 مليون نسمة عام 1991. ويلاحظ حتى أعلى معدل في الزيادة السكانية سجل في الأردن. إذ بلغت نسبته 4%، وأدنى معدل سجل في لبنان (1.4%) وكان المتوسط السنوي للزيادة 2.8%. والجدير بالذكر حتى إجمالي عدد السكان في خمس دول عربية هي مصر والعراق والمغرب والسودان والجزائر يزيد على 65% من إجمالي السكان في الوطن العربي.

وتشير الإحصاءات إلى انخفاض إجمالي عدد السكان الريفيين في عام 1991 إلى نحو94 مليون نسمة. ويشير الاتجاه العام في حركة السكان الريفيين إلى تناقص هذا العدد عاماً بعد عام، مما يشير على تراجع الأهمية النسبية لهذه الفئة في إجمالي عدد السكان. وارتفاع نسبة الهجرة من الريف إلى المدن التي من أبرز أسبابها حتى مهنة الزراعة أصبحت غير مجزية مقارنة بالأنشطة الاقتصادية الأخرى، فضلاً عن كون الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية وتوافر السلع الغذائية في الريف لا تحظى بأهمية كافية كما في المدن. وعلى مستوى الدول العربية يتضح حتى الجزائر ومصر تأتيان في مقدمة الدول التي تظهر فيها مسألة الانخفاض المستمر في عدد السكان الريفيين.

ب ـ القوى العاملة الكلية والقوى العاملة الزراعية: تشير تقديرات القوى العاملة الكلية في الوطن العربي عام 1991 إلى أنها بلغت 64.1 مليون عامل، وأن العمالة الزراعية قد بلغت 9،23 مليون نسمة. وعلى الرغم من ازدياد نسبة العمالة الكلية إلا حتى استيعاب المهن الزراعية لهذه العمالة ظل محدوداً وبنسب منخفضة، مما يؤكد حتى القطاع الزراعي أصبح قطاعاً طارداً للعمالة. وعلى المستوى العربي تأتي الأردن في مقدمة الدول العربية التي ارتفعت فيها العمالة الكلية إذ سجلت ارتفاعاً بلغت نسبته 5.3%، إلا حتى العمالة الزراعية ظلت مستقرة فيها على حالها.

ج ـ الناتج المحلي الإجمالي والزراعي: شهد عاما 1990 و1991 اتجاهات متباينة فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي والزراعي، ففي حين انخفض الناتج المحلي في عام 1991 موازناً بعام 1990 ارتفع الناتج الزراعي للمدة نفسها، وهذا ما تؤكده إحصاءات الإنتاج النباتي والحيواني التي سجلت عام 1991 زيادة في إنتاج المحاصيل الحقلية والبستانية، وبصفة خاصة الحبوب والفاكهة، وفي أعداد الثروة الحيوانية وبعض منتجاتها وقد انعكس ذلك كله على ازدياد الدخل من الزراعة.

ومن جهة أخرى فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي من نحو429.3 مليار دولار في عام 1990 إلى نحو417.4 مليار دولار عام 1991 بنسبة انخفاض بلغت 2.8%. ومع انخفاض جملة الناتج المحلي الإجمالي على مستوى الوطن العربي فإن الوضع قد تباينت صوره على المستوى القطري.

وفيما يتعلق باتجاه تطور الناتج الزراعي فقد حقق هذا الناتج ارتفاعاً على مستوى الوطن العربي بلغ نحو52 مليار دولار عام 1991. أما من ناحية الأهمية النسبية للقطاع الزراعي وإسهامه في الناتج المحلي الإجمالي فإنها تزيد على 25% في الكثير من الدول العربية غير النفطية مثل سورية والسودان وموريتانية، ويؤلف إسهام القطاع الزراعي نسبة أقل في لبنان 19% ومصر وتونس 18% والمغرب 15% والجزائر 11% والأردن 8%. أما بقية الدول العربية فإن إسهام القطاع الزراعي لا يتعدى نسبة ضئيلة خاصة في الكويت حيث كانت أقل من 1%.

4 ـ تطورات أوضاع الزراعة في الوطن العربي:

أ ـ الإنتاج النباتي: شغلت مجموعة الحبوب نحو75% من إجمالي المساحة المحصولية المزروعة في عام 1991. فقد زاد إنتاجها من نحو37.6 مليون طن عام 1990 إلى نحو42.9 مليون طن عام 1991 بنسبة زيادة بلغت 14%. وتعد هذه النسبة أعلى معدل تحققه مجموعة الحبوب بالموازنة مع المواسم السابقة. كما ارتفع إنتاج البقول من نحو4،1مليون طن في عام 1990 إلى نحو1.44 مليون طن عام 1991، بنسبة زيادة بلغت 3%. كما سجل إنتاج مجموعة الدرنيات ارتفاعاً ملموساً بلغ نحو5814 ألف طن في عام 1991، بزيادة نسبتها 10% عن عام 1990. ووصل إنتاج المحاصيل السكرية إلى نحو21.8 مليون طن عام.1991 كما حتى إنتاج مجموعة الفاكهة عام 1991 بلغ 18.9 مليون طن. أما مجموعة الخضار والبذور الزيتية والألياف فقد تراجع إنتاجها في عام 1991 عما كانت عليه في عام 1990، إذ تقلصت كمياتها من 8،25 مليون طن إلى 4،25 مليون طن في المدة نفسها. تظهر حالة المجموعات المحصولية بوضوح أكثر إذا فُحصت على مستوى المحصول داخل المجموعة الواحدة ورُبط ذلك بالأحوال المناخية في المناطق المنتجة لهذه المحاصيل على المستوى القطري، آخذين في الحسبان تغير المساحة المزروعة والإنتاجية لكل محصول.

ب ـ الإنتاج الحيواني: توضح البيانات المتوافرة حتى حجم القطيع لمختلف أنواع الثروة الحيوانية على مستوى إجمالي الوطن العربي قد حقق ارتفاعاً في عام 1991 ليصل إلى 41 مليون رأس. وانخفضت أعداد الجاموس لتصل إلى 2.5 مليون رأس. أما أعداد الأغنام فقد حققت ارتفاعاً بلغت نسبته نحو3.3% في عام 1991 فوصل حجم القطيع إلى 126.8 مليون رأس. وفي اللقاء زاد حجم قطيع الماعز فبلغ 69.8 مليون رأس. كما ارتفع عدد الجمال ليصل إلى 12.2 مليون رأس عام 1991. وعلى المستوى القطري يتبين حتى معظم أعداد الأبقار موجود أساساً في السودان والصومال ومصر والمغرب بدرجات كثافة متباينة، ويهجرز منها في السودان وحده ما يعادل نصف أعداد الأبقار، إذ بلغ نحو21.5 مليون رأس. ويهجرز الجاموس أساساً في جمهورية مصر العربية، فهي تمتلك ما يعادل 95% من حجم قطيع الجاموس في الوطن العربي تليها العراق فسورية التي تمتلك اليوم أعداداً ضئيلة من هذا النوع. وقد حققت مصر ارتفاعاً طفيفاً في حجم قطيع الجاموس في عام 1991 بلغت نسبته أقل من 1%. أما الأغنام فتوجد في الدول العربية كافة ويؤلف حجم قطيعها نسبة عالية من أعداد الثروة الحيوانية في الوطن العربي. وتهجرز تربية الأغنام في جميع من السودان والجزائر والمغرب وسورية والصومال والعراق. ويلاحظ حتى حجم القطيع ارتفع في جميع من السودان وسورية وليبية وتراجع حجمه في جميع من الصومال والجزائر والعراق بنسب متفاوتة. إذ حققت سورية أعلى معدل نموفي تربية الضأن بلغ 4.7%، في حين شهدت الدول العربية الأخرى التي تهجرز فيها تربية الضأن انخفاضاً في المعدل كان أكبره في العراق وبلغ معدله 19%. أما الماعز فيكثر بدرجات متفاوتة في جميع من الصومال والسودان والمغرب ومصر وموريتانية واليمن والسعودية، ويكثر الماعز بوجه خاص في السودان والصومال إذ تمثل أعدادها في هذين البلدين أكثر من 55% في عامي 1990 و.1991 وقد ارتفع حجم القطيع في السودان في عام 1990 ارتفاعاً كبيراً بلغ 22% وفي مصر12%. وانخفض في بقية البلدان العربية بنسب متفاوتة راوحت بين 1 و7%. أما فصيلة الجمال فتهجرز تربيتها أساساً في الصومال ثم السودان وتليهما موريتانية والسعودية. ولقد حققت الصومال زيادة ضئيلة في حجم قطيع الجمال عام 1991 وانخفض حجمه في السعودية بنسبة تقل عن 1%.

ج ـ المنتجات الحيوانية: حقق إنتاج اللحوم الحمراء في البلاد العربية عموماً ارتفاعاً طفيفاً في عام 1991 فوصلت الكمية المنتجة منه إلى نحو2,3 مليون طن. تؤلف لحوم الأبقار والجاموس قدراً كبيراً من جملة اللحوم الحمراء المنتجة في الوطن العربي إذ بلغت نسبتها نحو51%، تليها لحوم الضأن والماعز التي تسهم في جملة اللحوم الحمراء بنسبة تراوح بين 40 - 43%. أما لحوم الجمال فإنها تمثل قدراً ضئيلاً من جملة إنتاج اللحوم الحمراء ويراوح بينسبعة - 9%. وتشير الإحصاءات إلى تطور إجمالي إنتاج اللحوم الحمراء في الدول العربية فقد بلغ إنتاج سبع من الدول العربية،هي مصر والسودان والمغرب والصومال وسورية والسعودية والجزائر 1827 ألف طن في عام 1991 ويمثل هذا الرقم 78% من جملة الإنتاج العربي من اللحوم الحمراء.

وتعد مصر والسودان والمغرب والجزائر والصومال من الدول العربية الرئيسة في إنتاج لحوم الأبقار والجاموس، وقد حققت ارتفاعاً في إنتاجها بنسب متفاوتة. كما تُعدّ جميع من سورية والسودان والسعودية ومصر والصومال والجزائر من الدول المنتجة الرئيسة للحوم الأغنام في الوطن العربي مرتبة بحسب الأهمية النسبية لإنتاجها، وسجلت جميع من هذه الدول ارتفاعاً في إنتاجها بنسب متفاوتة راوحت بين أقل من 1% و3%. أما إنتاج لحوم الدواجن فبلغ في عام 1991 نحو1537 ألف طن، وتعد الجزائر ومصر من الدول المنتجة الرئيسة إضافة إلى السعودية والمغرب. أما إنتاج البيض في الوطن العربي فقد سجل انخفاضاً طفيفاً في عام 1991 مقارنة بعام 1990، وبلغت نسبته نحو2.6%، إذ بلغ إنتاجه 847 ألف طن. وتُعدّ جميع من السعودية ومصر والجزائر وسورية من الدول الرئيسة المنتجة للبيض، وقد حققت جميع من مصر وسورية ارتفاعاً في إنتاجهما بلغت نسبته 11.2% و6% على التوالي، في حين سجلت جميع من الجزائر والسعودية انخفاضاً في إنتاجهما بلغت نسبته نحو2.4% و9،17% على التوالي. بلغ إنتاج الألبان في الوطن العربي 12.8 مليون طن عام 1991. ويسهم إنتاج الألبان من الأبقار والجاموس بنحو71% من إجمالي إنتاج الألبان على مستوى الوطن العربي، ويأتي بعده إنتاج الألبان من الضأن 16% ثم الماعز 12% ويعدّ جميع من السودان ومصر والمغرب من الدول المنتجة الرئيسة للألبان من الأغنام. ومن جانب آخر تمثل جميع من السودان والصومال واليمن والجزائر الدول المنتجة الرئيسة لألبان الماعز على مستوى الوطن العربي. وعلى المستوى التجميعي للألبان من مصادره المتنوعة يتضح حتى كلاً من السودان ومصر والصومال وسورية والجزائر تُعدّ من أبرز الدول المنتجة للألبان فهي تنتج مجتمعة ما يعادل 75% من إجمالي الإنتاج العربي.

بلغ إنتاج الوطن العربي من الأسماك في عام 1991 نحو2038 ألف طن محققاً زيادة قدرها 9.7% عما كان عليه الإنتاج عام 1990. وتأتي المغرب في مقدمة الدول العربية المنتجة للأسماك في الوطن العربي فقد بلغ إنتاجها 601 ألف طن عام 1991 تليها موريتانية 485 ألف طن فمصر فعُمان والإمارات العربية المتحدة التي بلغ إنتاجها 92 ألف طن.

5 ـ التجارة الخارجية للسلع الزراعية:

تعدّ التجارة الخارجية للسلع الغذائية في المنطقة العربية من أبرز مكونات هيكل التجارة الخارجية. وفيما يتعلق بالنمط التوزيعي لتجارة الواردات الغذائية يلاحظ حتى أكثر من ثلثي الواردات العربية من السلع الغذائية ينحصر في عدد محدود من الدول العربية (لا يتجاوز سبع دول). يضاف إلى ذلك حتى واردات دولة واحدة أودولتين من الدول العربية في إحدى السنوات تكاد تمثل أكثر من ثلث الواردات الإجمالية. ففي مجال الحبوب والدقيق تمثل واردات مصر والسعودية نحو38% من القيمة الإجمالية للواردات العربية من هذه المجموعة السلعية. فإذا أضيفت إليهما الجزائر فإن هذه النسبة ترتفع إلى نحو52% من القيمة الإجمالية لواردات الحبوب والدقيق. ويمكن ملاحظة هذه الظاهرة أيضاً في كثير من السلع الغذائية الأخرى كما هي الحال في القمح والذرة الصفراء والرز والشعير والبقول والزيوت النباتية والخضر والفاكهة. كما حتى هناك بعض الدول العربية التي تستورد من السلع الغذائية ما يفوق احتياجاتها الاستهلاكية. يفسر ذلك بأن جزءاً مهماً من هذه الواردات يعاد تصديره، كما هي الحال فيما يتعلق بواردات الإمارات العربية المتحدة لكثير من السلع الغذائية وأهمها الرز والبطاطا والسكر الخام والبقول والفاكهة.

وقد تصاعدت قيمة الصادرات الغذائية للبلدان العربية لتصل في عام 1991 إلى نحو3.392 مليار دولار. مع حتى مستويات أسعار التصدير لمعظم السلع الغذائية سجلت انخفاضاً واضحاً في السنوات الأخيرة. وتعد الصادرات العربية من السلع الغذائية متواضعة في جملتها على تحسنها في السنوات الأخيرة، وذلك لعدة مسببات أهمها ضعف قدرة قطاعات الإنتاج على تغطية الاحتياجات المحلية وتحقيق فائض صالح للتصدير، إضافة إلى حتى جزءاً مهماً من تجارة الصادرات الغذائية العربية يندرج تحت نطاق تجارة الصادرات العربية البينية، وهوأمر لايظهر أثره عند التعامل مع المحصلة الإجمالية لتجارة الصادرات العربية. كما حتى الشق الأكبر لتجارة الصادرات الغذائية العربية يكاد ينحصر في عدد محدود من السلع أهمها الأسماك ومنتجاتها والفاكهة والزيوت النباتية والضأن والماعز إضافة إلى الحبوب والدرنيات، إذ تمثل صادرات هذه المجموعات نحو92% من القيمة الإجمالية للصادرات الغذائية. إذا الصادرات العربية تنحصر عادة في عدد محدود من الدول يراوح بين دولتين وأربع دول، عدا ثلاث مجموعات سلعية هي الخضار والفاكهة والأسماك، إذ تتسع نسبياً قاعدة الدول المشاركة في تجارة صادراتها.

6 ـ الفجوة الغذائية العربية:

تظهر الفجوة الغذائية عند المقارنة بين الطاقة القومية لإنتاج الغذاء واحتياجات الاستهلاك الغذائي للسكان وفقاً لتطورات معدلات نموالإنتاج ومعدلات نموالاستهلاك. ويرجع السبب المباشر لأزمة الغذاء العربي إلى نموالطلب على الغذاء بمعدلات تفوق نموالإنتاج الزراعي. ففي عقد السبعينات من القرن العشرين حقق الإنتاج الزراعي على مستوى الوطن العربي نمواً بلغ نحو1.8% سنوياً، في حين نما الطلب بمتوسط قدره 6،4%، أي بفارق 2.8. وفي المدة بين عام 1975 و1984، ومع تحسن أداء القطاع الزراعي الذي حقق نمواً بمتوسط 2.5%، فقد قفز معدل الطلب إلى 6% سنوياً أي بفارق 3.5%. وهذا التباين بين معدلات النموفي الإنتاج ونموالطلب أدى إلى زيادة حجم الواردات، ومن ثم زيادة قيمة الفجوة الغذائية. وأصبح الوطن العربي من أكثر مناطق العالم اعتماداً على مصادر الغذاء المستورد من الدول المنتجة له.

وفي بداية السبعينات كانت قيمة الفجوة الغذائية ضئيلة جداً، إذ بلغت نحو600 مليون دولار عام 1970، وارتفعت ارتفاعاً كبيراً إبان عقد السبعينات لتصل في عام 1980 إلى نحو10.5 مليار دولار. وفي عام 1989 ارتفعت قيمة الفجوة إلى نحو14.4 مليار دولار. ويمكن القول عموماً إذا التصاعد المستمر في حجم الفجوة الغذائية ما إلا انعكاس للنموالسريع في الطلب الاستهلاكي من جهة ولتخلف القطاعات الإنتاجية الزراعية في معظم البلدان العربية من جهة أخرى، لأن قطاع المنتجات الحيوانية أكثر تخلفاً من الإنتاج النباتي، إذ لا يعتمد على صناعة لها مقوماتها الاقتصادية؛ فهوإما قطاع قبلي تقتنى فيه الحيوانات لأسباب اجتماعية في بعض البلدان العربية كالسودان والصومال، أويدخل ضمن الزراعات التقليدية مصدراً للطاقة كما هي الحال في جمهورية مصر العربية، وهذا يؤدي إلى انخفاض معدلات نموإنتاجية هذا القطاع.

7 ـ المخزون الغذائي الاستراتيجي:

يعاني الوطن العربي من عجز في إنتاج الغذاء، وتشير الإحصاءات إلى تدني نسبة الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الرئيسة مما يعرض الوطن العربي للمخاطر التي تهدد أمنه الاقتصادي والسياسي. وإن احتكار بعض الدول لتجارة السلع الغذائية ولاسيما الحبوب يجعل من هذه الدول قوة ضاغطة على الدول العربية. وتتعرض المنطقة العربية لكثير من العوامل الاقتصادية التي تهدد أمنها الغذائي، وهذه العوامل تعود إلى طبيعة الإنتاج العربي من الغذاء، أوإلى مسببات مرتبطة بالسوق العالمية للغذاء. ويعدّ المخزون الغذائي الاستراتيجي العربي الأداة الأساسية في الأمن الغذائي للمنطقة العربية من أخطار نقص الغذاء الذي تشهده، والذي يعود إلى عدة عوامل من أهمها:

أ ـ التقلبات في الإنتاج الزراعي: يتأثر إنتاج الغذاء في البلدان العربية بدرجة كبيرة بالتقلبات الجوية وتغير الأحوال المناخية، ولاسيما حتى نحو80% من الأراضي الزراعية تعتمد على الأمطار. ويتفاوت حجم التقلبات السنوية في الإنتاج من دولة إلى أخرى، ففي الدول العربية التي تعتمد مشروعاتها الزراعية على مياه الري مثل مصرقد يكون الإنتاج الزراعي مستقراً بدرجة أكبر من الدول الأخرى التي تتقلص فيها المساحة المروية ويزداد اعتماد زراعتها على الأمطار مثل الأردن والعراق وليبية، إضافة إلى تعرض بعض البلدان العربية لمواسم جفاف شديدة، ولاسيما في الصومال وموريتانية. إذا هذه التقلبات الحادة في إنتاج الغذاء ولاسيما الحبوب تجعل من تكوين مخزون غذائي استراتيجي ضرورة اقتصادية وسياسية ملحة لتوفير الغذاء في السنوات التي ينخفض فيها الإنتاج.

ب ـ الكوارث الطبيعية: تتعرض بعض المناطق العربية في بعض السنوات لكوارث طبيعية تفضي إلى خلل في توفير الغذاء وزيادة معاناة المواطنين من نقص الغذاء في الوقت المناسب. ولعل ذلك ما يسوغ قيام جهد عربي مشهجر لتقديم المعونة الغذائية لمثل تلك الدول في أوقات الطوارئ.

ج ـ المقاطعة الغذائية: إذا طبيعة المنطقة العربية ومواقفها السياسية قد تدفع الدول المصدرة للغذاء إلى الضغط على البلدان العربية بمنع وصول الأغذية إليها، لقدرة تلك الدول على الاحتكار والتحكم في مسار التجارة الدولية وحركتها. يلاحظ مما تجاوز حتى الوضع الغذائي العربي في حاجة ماسة إلى مخزون احتياطي غذائي استراتيجي كإحدى الوسائل التي تحقق له الأمن الغذائي والاقتصادي والسياسي. والمقصود بالمخزون الاستراتيجي الغذائي نوعان:

الأول ـ المخزون العامل: وهوالمخزون الضروري لتلبية حاجة السكان في الموسم الإنتاجي، ويعتمد هذا المخزون على الواردات، ويتفاوت حجمه من دولة إلى أخرى، ويبقى ضمن احتياجات السوق الطبيعية.

الثاني ـ المخزون الاحتياطي: وهوالمخزون الذي يستخدم فقط في الحالات الطارئة، وهي الحالات الناجمة عن الكوارث الطبيعية غير المتسقطة والانخفاض الحاد في الناتج المحلي والحروب والمقاطعة والحصار الاقتصادي. وتجدر الإشارة إلى حتى لدى جميع الدول العربية سياسات زراعية تعتمد على تكوين احتياطي معين يختلف من دولة عربية إلى أخرى، بحسب حجم الإنتاج المحلي لكل دولة وحجم المستورد من المواد الغذائية. إلا حتى وحدة المصير العربي وعجز بعض الدول العربية عن تحقيق تكوين مثل هذا الاحتياطي من المخزون يتطلبان التعاون والتنسيق بين الدول العربية لتحقيق هذا الهدف عن طريق تبني سياسة عربية موحدة في هذا المجال تحدد حجم المخزون والسلع المشمولة وآلية شراء المخزون وتوطينه وبنياته الأساسية وإدارته وتكاليفه.

8 ـ المجهودات العربية المشهجرة في مجال الغذاء:

بدأ التعاون العربي في مجال الغذاء منذ أمد بعيد، فقد ظهرت أول إشارة لهذا التعاون في ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945، وفي عام 1950 تم التوقيع على معاهدة الدفاع المشهجر والتعاون الاقتصادي بين الدول في الجامعة. وفي عام 1964 دخلت اتفاقية الوحدة الاقتصادية حيز التطبيق فنصت المادة الثامنة منها على ما يلي: «للوصول إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية تعمل الأطراف المتعاقدة على تنسيق السياسات المتعلقة بالزراعة والصناعة". وأشارت المادة التاسعة إلى تنسيق الإنماء الاقتصادي ووضع برامج مشروعات إنماء عربية مشهجرة. وقد تضمنت اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية الكثير من المبادئ في مجال حرية انتنطق الأشخاص ورؤوس الأموال والبضائع والمنتجات وحرية الإقامة والعمل وممارسة النشاطات الاقتصادية والنقل والترانزيت وحرية التملك في الأقطار العربية وتوحيد التشريعات والسياسات المتعلقة بالجمارك والاستيراد والتصدير.

وفي مجال صيغ التنسيق والتكامل العربي، في ميدان الغذاء وجوانبه الإنتاجية، تمت الإشارة إلى ضرورة إنشاء اتحادات نوعية عربية وشركات عربية مشهجرة مدخلاً للتكامل الإنتاجي. إلى غير ذلك تم إنشاء اتحادات عربية لمنتجي الأسماك وللصناعات الغذائية والسكر والشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية. واتخذ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، منذ عام 1965، الإجراءات الضرورية لبعض الدراسات التي تتعلق بالتنسيق الزراعي والعلاقات الزراعية والترويج والتمويل المشهجر للبحوث الزراعية إضافة إلى القرارات المتعلقة بدراسة التضخم وأزمة الغذاء. غير حتى العمل العربي المشهجر تطور تطوراً ملحوظاً باتجاه مؤسسات التمويل عن طريق تأسيس الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. وقد قام الصندوق بوضع دراسات كثيرة في مجال الزراعة والغذاء ونفذ الكثير من المشروعات الإنمائية في هذا المجال. كما تم تأسيس المنظمة العربية للتنمية الزراعية التي أنشأها مجلس جامعة الدول العربية في عام 1970. وقد أنجزت المنظمة الكثير من الدراسات لتحديد أبعاد معضلة الغذاء والعوامل الرئيسة المؤدية إليها في محاولة لاستنباط الحلول والسياسات العملية للقاءتها. وفي عام 1976 تم إنشاء «الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي» التي تعد منطلقاً مهماً في وضع البرامج الكاملة للتنمية الزراعية وتطبيقها. وتهدف هذه الهيئة إلى تنمية الموارد الزراعية في الدول العربية على حتى تراعي توفير أكبر قدر ممكن من الموارد الغذائية للدول المتعاقدة، وأن تعمل على زيادة الإنتاج الزراعي والأعمال المرتبطة به والمتفرعة عنه في مجالات الدراسات والتمويل والتطبيق. ومع تزايد الاهتمام بالاستثمارات العربية المشهجرة في مجالات الزراعة والغذاء فإن الواقع يشير إلى اقتصارها على مجالات شبه مضمونة تتوافر لها التقانات المناسبة كإنتاج الدواجن وصيد الأسماك وبعض الصناعات الزراعية والأعلاف والسكر. إلى غير ذلك فإن الاستثمارات العربية المشهجرة لم تتطرق حتى اليوم إلى مجالات الإنتاج الأساسية لعدم توافر المرتكزات الرئيسة اللازمة لذلك التي من أهمها التقانات الحديثة الملائمة والخبرات الفنية والخدمات المؤسسية التي بحاجة إليها، وبقي العمل محصوراً في نطاق ضيق لا يتناسب مع المستوى الذي تتطلبه قضية اقتصاد الغذاء والأمن الغذائي العربي.


المسألة الغذائية في الجمهورية العربية السورية

يعدّ الإنتاج الزراعي في سورية المصدر الأساسي للغذاء، وتسهم الزراعة بنسبة كبيرة في قيمة الإنتاج وتكوين الناتج الإجمالي الصافي، ويتأثر هذا الإنتاج بالعوامل المناخية، وخاصة الأمطار إذ تشغل الزراعة البعلية أكثر من 85% من المساحة المزروعة، مما يجعل هذا الإنتاج متفاوتاً من سنة إلى أخرى. وعلى خلاف ما هي عليه الحال في القطاعات الأخرى، فإن الزراعة تسهم بنسبة كبيرة في قيمة الإنتاج وتكوين الناتج القومي الإجمالي والصافي. ولقد ركز الجهد الإنمائي في قطاع الزراعة والغذاء، كما يستدل من واقع الخطط الخمسية، على تحقيق الأهداف التالية:

ـ إنتاج السلع الزراعية النباتية والحيوانية التي تعد غذاءً رئيساً أومادة أولية للصناعات المحلية الغذائية أومخصصة للتصدير.

ـ تنمية الثروة الحيوانية وتطويرها والتوسع في إقامة المنشآت الحيوانية الحديثة وتحقيق التكامل بين تربية الحيوان والمحاصيل النباتية لتحقيق التوازن الهيكلي في إنتاج الغذاء. ويسهم في إنتاج الغذاء في القطر العربي السوري جهات كثيرة هي:

ـ القطاع الحكومي: يسهم القطاع الحكومي في إنتاج الغذاء عن طريق المؤسسات الحكومية مثل مزارع الدولة التي تتبع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والتي تسهم في إنتاج الكثير من الحاصلات الزراعية النباتية والحيوانية. وكذلك المؤسسة العامة لاستثمار حوض الفرات التي تتبع وزارة الري، والمؤسسة العامة للمباقر التي يتبع لها الكثير من محطات تربية الأبقار، والمؤسسة العامة للدواجن التي تدير المحطات الحكومية لتربية الدواجن التي تنتج البيض والفروج، والمؤسسة العامة للأسماك التي تهتم بتربية الأسماك وإنتاجها، كما تسهم بعض المؤسسات العسكرية في توفير حاجة القوات المسلحة من بعض المواد الغذائية.

ـ القطاع الخاص: يسهم القطاع الخاص في إنتاج الغذاء عن طريق المشاريع الزراعية الخاصة المنتشرة في مختلف أنحاء القطر. وتختلف نسبة إسهام القطاع الخاص باختلاف المنطقة الزراعية وباختلاف المحصول المزروع. إلا أنه يحتل مكانة بارزة في مجال الإنتاج الزراعي. كما يسهم القطاع الخاص أيضاً في مجالات التصنيع الغذائي إذ أقام الكثير من المصانع الغذائية الخاصة في مجال صناعة المعلبات (الكونسروة)، ولاسيما بعد صدور قانون الاستثمار رقم10 عام 1991 المتضمن الترخيص بقيام شركات تعمل في مجال الصناعة والزراعة والخدمات. وقد منح هذا القانون امتيازات كبيرة للقطاع الخاص بإقامة المشاريع الإنتاجية والخدمية وحمل القيود الضريبية عن صادراته واستيراد مستلزمات إنتاجه.

ـ القطاع التعاوني: يسهم القطاع التعاوني في الإنتاج الزراعي والغذائي وترويجه عن طريق الجمعيات الفلاحية التعاونية الزراعية المنتشرة في أنحاء القطر كافة التي يشرف عليها مباشرة الاتحاد العام للفلاحين وفروعه في المحافظات والمناطق الزراعية.

ـ القطاع المشهجر: تأسس القطاع المشهجر الزراعي بموجب المرسوم التشريعي رقم /10/ لعام 1986 الذي أجاز تأسيس شركات مشهجرة مساهمة مغفلة في سورية تعمل وفق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة في مجال الاستثمار الزراعي بشقيه النباتي والحيواني على حتى تؤسس هذه الشركات بقرارات من رئيس مجلس الوزراء بناءً على توصية من اللجنة الاقتصادية. وتعمل هذه الشركات على رفد نشاطات القطاع العام بما لا يتعارض وأهدافه واستراتيجيته. وتم تحديد حصة الدولة في هذه الشركات الزراعية بما لا يقل عن 25% من رأس مالها، على حتى يعين صك التأسيس هذه النسبة بالحد الأدنى، المشار إليه. كما تم تعيين الحد الأقصى لملكية المساهم الفرد من غير القطاع العام بنسبة 5% من أسهم رأس مال الشركة واشتراط ألا يتجاوز ما يقابل هذه النسبة من مساحات الأرض التي تمتلكها الحد الأقصى للملكية المقررة في قانون الإصلاح الزراعي وتعديلاته.

ـ الشركات العربية العاملة في مجال الغذاء: يوجد في الجمهورية العربية السورية بعض الشركات العربية العاملة في مجال الإنتاج الزراعي وتصنيع منتجاته مثل الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية، والشركة الليبية للاستثمارات الزراعية والصناعية، والشركة العربية للإنتاج الزراعي التي تتبع اتحاد الجمهوريات العربية (سابقاً)، والشركة السورية السعودية للاستثمارات الصناعية والزراعية (سايكو) التي تعمل في مجال تصنيع منتجات الألبان والزراعات المحمية.

1 ـ التخطيط الغذائي في الجمهورية العربية السورية: ركزت الحكومة في القطر العربي السوري على زيادة حجم الاستثمار وحمل معدلاته في مجال إنتاج الغذاء، وتهدف سياسة الحكومة إلى تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي، كما تولي أهمية كبيرة لمشروعات البنية الأساسية في الزراعة: السدود وشبكات الري واستصلاح الأراضي الزراعية وغير ذلك. ويتم استخدام السياسة الثمنية لخدمة أهداف الأمن الغذائي وزيادة المنتجات الغذائية، وخاصة الحبوب واللحوم والشوندر السكري. ويقوم المجلس الزراعي الأعلى بتحديد أسعار المنتجات الغذائية في ضوء دراسات تعدها الجهات المعنية وتقرها وزارة التموين والتجارة الداخلية، وتحدد فيها تكاليف الإنتاج وهامش الربح. عملى سبيل المثال تعمل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على وضع التكاليف التقديرية للإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني بحسب المناطق الزراعية المتنوعة وتحمل هذه الدراسات للجهات المختصة لإقرارها. في حين يقوم المجلس الزراعي الأعلى بتسعير المحاصيل الزراعية الرئيسة كالقمح والشعير والشوندر السكري.

وأكدت جميع الخطط التي وضعت لتنمية القطاع الغذائي في سورية دور السياسة الثمنية في تحقيق الأهداف الإنتاجية. وهي تأخذ بالحسبان تغطية التكاليف وتحقيق هامش ربحي يحفز على زيادة الإنتاج وتشجيع التوسع في زراعة محاصيل جديدة، مع مراعاة مستويات الأسعار في البلدان العربية المجاورة والأسعار العالمية، وفي الوقت نفسه تضمن هذه الأسعار زيادة دخول الفلاحين بما يحمل مستوياتهم المعاشية وتقلل من الفوارق بين دخولهم ودخول المنتجين في القطاعات الاقتصادية الأخرى.

شهدت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً تمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي من معظم المنتجات الزراعية والغذائية، كما تم توفير فائض للتصدير في الكثير منها. ولم يكن ذلك إلا نتيجة طبيعية لاهتمام الحكومة بتشجيع الإنتاج المحلي، فقد رسمت استراتيجية التنمية في سورية على أساس موضوعي يعتمد على حصر الموارد الطبيعية المستثمرة منها التي يمكن استثمارها وتحديد مواقعها وقدراتها على الإنتاج، كما وضعت هذه المسارات في اتجاهين أساسيين، الأول يتعلق بزيادة الإنتاجية وحمل قدرة الموارد البشرية والطبيعية، والثاني يتعلق باستثمار الموارد المتاحة غير المستثمرة وزجها في العملية الإنتاجية وفقاً لأولويتها الاقتصادية والفنية. واتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات المدروسة والفاعلة انعكست آثارها الإيجابية بوضوح وسرعة على مجمل نشاطات القطاع الغذائي. وكان للسياسة الثمنية أثر واضح في زيادة الإنتاج، وهي السياسة المعتمدة على دراسة عملية لتكاليف الإنتاج ولحظ كسب مجز للمنتجين راوح في بعض الأحيان بين 50% و70% وذلك بحسب الأهمية الاستراتيجية للمحصول المنتج.

وتتلخص آلية تحديد الأسعار بما يلي:

ـ يحدد المجلس الزراعي الأعلى أواللجنة الاقتصادية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء سنوياً أسعار كثير من المحاصيل الزراعية والسلع الغذائية الأساسية للمواطنين.

ـ تحدد وزارة التموين والتجارة الداخلية أسعار معظم المواد الأساسية للمستهلك كما تحدد الممحرر التطبيقية للإدارة المحلية في المحافظات أسعار بعض المواد وفق قواعد محددة صادرة لهذه الغاية.

ـ هنالك بعض السلع الغذائية التي يهجر تحديد ثمنها للسوق وفقاً لأهمية السلعة والطلب عليها والكمية المعروضة منها.

لقد ارتفعت الأسعار المحلية إبان السنوات الماضية ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة لعوامل كثيرة منها عوامل خارجية ترافقت مع التضخم العالمي ومنعكساته على قيمة الواردات لأن سورية تستورد الكثير من السلع والمواد، وخاصة مستلزمات الإنتاج. كما حتى هنالك عوامل داخلية أسهمت في ازدياد الأسعار خاصة،وكان للدولة دور بارز في هذا المجال إذ زادت أسعار شراء المنتجات الزراعية ولاسيما القمح زيادة كبيرة جداً لتشجيع الإنتاج المحلي والحد من عمليات الاستيراد كذلك ارتفعت أسعار شراء الإنتاج الزراعي بنسب كبيرة جداً بين عامي 1985 و1993.

"تطور أسعار بعض السلع في المدة بين عام 1985 و1993"
المحصول 1985 1986 1987 1992 1993
القمح المروي 123 147 250 850 950
القمح البعل 138 151 265 950 1050
الشعير 100 130 200 650 700
العدس 180 238 600 1400 1400
الذرة الصفراء 170 225 300 1350 1620
الشوندر السكري 31 31 40 190 190


"تطور إنتاج بعض السلع الزراعية في المدة بين 1985 و1993"
السلعة (1985-1987) 1992 1993
القمح المروي 723 1732
القمح البعل 1056 1312
مجموع القمح 1780 3045 3626
الشعير 810 1091 1553
الحمص 40 74
العدس 60 75 95
الشوندر السكري 436 1269 1192
الذرة الصفراء 70 290 200

وقد أسهمت هذه السياسة الثمنية إسهاماً فعالاً في تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل الزراعية والسلع الغذائية. فقد زاد الإنتاج المتوسط من القمح من 1780 ألف طن في الأعوام 1985- 1987 إلى 3626 ألف طن في عام 1993، وارتفع متوسط إنتاج الذرة الصفراء من 70 ألف طن إلى 200 ألف طن في المدة نفسها. ويبين الجدول 2 تطور إنتاج بعض المحاصيل الزراعية في هذه المدة.

وبدءاً من عام 1990 لم تعد الحكومة في الجمهورية العربية السورية تتدخل بأسعار المنتجات الزراعية والغذائية باستثناء القمح والشعير والحمص والعدس والذرة الصفراء والشوندر السكري، من دون حتى تلزم المنتجين بالتوريد الإلزامي للحبوب.

ويهدف التخطيط الغذائي في سورية حتى عام 2000 إلى تحقيق ما يلي:

ـ تلبية الحاجات الغذائية المتزايدة للسكان وتحقيق الاكتفاء الذاتي من تلك المنتجات التي يمكن إنتاجها محلياً.

ـ تحقيق الأمن الغذائي بإنتاج السلع الغذائية بالكميات المناسبة وخاصة الحبوب وتأمين المخزون الاستراتيجي الملائم وتقليص الهدر إلى أدنى حد ممكن.

ـ توفير جميع متطلبات المواد الزراعية الخام للصناعات المحلية.

ـ تقليص الاستيراد من المواد الغذائية وزيادة الصادرات لتقليص حجم العجز في الميزان التجاري الغذائي وتحقيق فائض.

2 ـ ترويج المنتجات الغذائية وتصنيعها: انطلاقاً من تلبية حاجة الأسواق الداخلية، وخاصة التصنيع، من المنتجات الزراعية وتصدير الفائض، قامت حكومة الجمهورية العربية السورية بإحداث مؤسسات متخصصة بترويج المواد الزراعية والغذائية وتصنيفها، ومن هذه المؤسسات:

ـ المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب: وهي تتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية، وتتولى شراء الفائض من إنتاج الحبوب من المنتجين لتلبية حاجة الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض. وهي تتعامل مع المواد التالية: القمح والشعير والعدس والحمص، والدقيق وتشرف على الشركة العامة للمطاحن والشركة العامة للمخابز. وتقوم الشركة العامة للصوامع بتخزين الحبوب.

ـ المؤسسة العامة للسكر: وهي تتبع وزارة الصناعة وتشرف مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على زراعة الشوندر السكري. وتشتري تام الإنتاج المسلم لها في معامل السكر التابعة لها والمنتشرة في مناطق الإنتاج. ويتبع لها سبعة معامل لتصنيع السكر وتكريره.

ـ الشركة العامة للخضار والفواكه: وهي تتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية، أحدثت في عام 1977 للإسهام في ترويج الخضراوات والفواكه بهدف تنظيم السوق لصالح المنتج والمستهلك.

ـ الشركة العامة للحوم: وهي تتبع وزارة التموين والتجارة الداخلية. تسهم في ترويج اللحوم داخلياً وخارجياً بأسلوب المنافسة. وتعمل على توفير اللحوم الطازجة عن طريق الشراء المباشر من الأسواق المحلية أوعن طريق استيراد اللحوم الطازجة.

ـ مؤسسات التصنيع الغذائي: لأهمية التصنيع الغذائي أنشئت في الجمهورية العربية السورية صناعات غذائية متعددة تشرف عليها مؤسسات وشركات متخصصة، تتولى المؤسسة العامة للصناعات الغذائية إدارة الفعاليات الصناعية التالية وتنظيمها.

ـ صناعة «الكونسروة» من رب البندورة والمربيات وتعليب الخضراوات مثل البازلاء والفول إضافة إلى الأطعمة الجاهزة، ويتم ذلك في الكثير من الشركات التابعة لها والمنتشرة في مختلف محافظات القطر.

ـ صناعة الألبان ومشتقاتها مثل الحليب المعقم واللبن الرائب والزبدة والأجبان. وفي بداية التسعينات وبعد صدور قانون الاستثمار رقمعشرة تم إقامة الكثير من مؤسسات التصنيع الغذائي التي يتولى إدارتها القطاع الخاص مما أسهم في توفير حاجة الأسواق المحلية من المعلبات والمواد الغذائية المصنعة والمجمدة.

المصادر

  1. ^ صلاح وزان. "الإقتصاد الغذائي". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-12-08.
تاريخ النشر: 2020-06-04 10:31:46
التصنيفات: اقتصاد

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الجيش الإسرائيلي ينفذ عملية عسكرية جديدة في جنين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:57
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 94%

موقف واشنطن القائم على التوازن في النزاع الأوكراني يزداد تعقيدا

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:55
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 95%

روسيا: دمرنا منظومة دفاعية ومركزا للمرتزقة في أوكرانيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:00
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 87%

كُبّلت وطُعنت في رقبتها.. جديد مقتل شابة سورية في تركيا

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:12
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

زيارة ومصافحة.. هل أطاح لقاء بوتين برئيس حكومة باكستان؟

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:58
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 90%

رقم مرعب.. هكذا صادر نظام الأسد ممتلكات المعتقلين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:11
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 92%

باكستان.. الإعلان عن مرشحين خلفاً لعمران خان

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:00
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 95%

مسؤول أوكراني: العثور على عشرات الجثث بمقبرة قرب كييف

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:57
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 88%

رتل عسكري روسي يتحرك نحو جنوب أوكرانيا.. صور تكشف

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:59
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 94%

ألمانيا تخشى من تداعيات النزاع الأوكراني على أراضيها

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:55
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 100%

الرئيس الإندونيسي يكشف "للعربية" أسراراً عن حكم بلاده

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:58
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 95%

إيران لبايدن: ارفع بعض العقوبات قبل إحياء الاتفاق النووي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:15
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 92%

استفتاء على بقاء الرئيس في السلطة حتى نهاية ولايته في المكسيك

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:15:56
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 96%

نواب إيرانيون يضعون شروطا لإحياء الاتفاق النووي

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:15
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 91%

من ماريوبول والشرق الأوكراني.. 9 ممرات لفرار المدنيين

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:01
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 98%

انخفاض أرباح "المتقدمة" في الربع الأول.. وسهم الشركة يتراجع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:23
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

"ميتا" تخطط لإضافة العملات المشفرة ورموز NFTs لمنصاتها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-10 12:16:25
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 89%

تحميل تطبيق المنصة العربية