عبد الكريم الجيلي

عودة للموسوعة

عبد الكريم الجيلي

عبد الكريم الجيلي (767-826 هجرية) ومسماه عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم بن خليفة بن أحمد وكني بقطب الدين ولقب بالجيلي.

عبـد الكريم بـن إبراهيم، قـطب الدين. لـقّب بـ "الجيلي أوالجيلاني"، نسبة إلى "جيلان" بلدة أسرته. وُلـد في جيلان العراق ((قرب المدائن وهي موطن جده الشيخ عبدالقادر الجيلاني ،)) سنة 767 ه‍ / 1265 م. وهوالذي أكّد هذا التاريخ بقوله شعراً، في قصيدته الشهيرة "النادرات العينيَّة".


ففي أوّلِ الشهر المحرّم حرمةً لستّين مع سبعٍ على سبعمائةٍ



ظهوري، وبالسعد العُطارد طالعُ مع الهجرة الغرّاء، سقتني المراضعُ




ولسنا نعهد ما إذا كان ثمّة قرابة بين عبد الكريم الجيلي وبين عبد القادر الجيلاني. ولكنّنا نظنّ أنّ انتماءهما إلى بلدة جيلان هوالذي جعل الأمر يختلط على بعض البحّاثة فمضىوا إلى القول بأنّ الرَجلين من أسرة واحدة وان ذكر بعض المرؤخين انه من احفاده على التعميم .


أسفاره

كان الجيلي مولعاً بالسفر. فقد رحل وهوفي سنّ الشباب عن بغداد ليسافر إلى بلاد فارس. وهناك أتقن اللغة الفارسيّة، ثمّ وضع فيها مؤلّفه الصغير «جنّة المعارف وغاية المريد والعارف»، ومن هناك رحل إلى الهند، فتعلّم لغتها، وتأمّل في عقائد أهلها. وقابل معلّمي دياناتهم، وتعرّف أسرار عباداتهم ثمّ تفهم عقائدهم. ومن الهند انطلق إلى جزيرة العرب، حيث انطلقت الدعوة الإسلاميَّة الأُولى، وبدأ يتجوّل في ما حولها من بلاد، إلى حتى حطّ ترحاله في اليمن، فوصل مدينة زبيدة سنة 796 ه‍، إذ كان له من العمر 30 عاماً. وفي هذه المدينة التقى شيخ الصوفيَّة، شرف الدِين بن إسماعيل الجبرتي، الذي كان له تأثير كبير عليه. رحل الجيلي من اليمن إلى صحراء بلاد العرب، قاصداً مدينة مكّة المكرّمة، حيث وصلها أواخر سنة 799 ه‍. فكان له فيها وما في حولها بمنزلة حقيقة الذات الإلهيَّة، التي طالما كان يتوق إليها. وهناك التقى أهل التصوّف. وعقد معهم الكلام عن اسم الله الأعظم، الذي لا يعهده إلاّ أولياء الله وقد اتّفقوا أنّ اسم الله الأعظم «هو». فجادلهم الجيلي بقوله «هو» اسم إشارة إلى الغائب. أمّا الله فهوحاضر في كلّ ما حوله.


وصل الجيلي سنة 803 ه‍ /1302 م، إلى القاهرة في مصر، واجتمع بفهماء جامع الأزهر، وتباحث معهم بأمور الدِين. وأنهى كتابه في علوم التصوّف، «غنية أرباب السماع». وبعد ذلك غادر متوجّهاً إلى غزّة في فلسطين. ثمّ انطلق منها، من جديد، إلى اليمن، حيث وصل مدينة زبيدة سنة 805 ه‍ /1304 م. ومنها انطلق ليزور باقي مدن اليمن. ليعود بعدها من حديث إلى زبيدة، حيث أنهى فيها كتابه «الإنسان الكامل». وفيها توفّي سنة 832 ه‍ / 1328 م. بعد حتى قضى معظم أيّام حياته في السفر والترحـال، في سبيل تحصيل العلوم والمجاهدة الروحيَّة.


شيوخه ومعلّموه

كان جمال الدِين المكدش (ت 790 ه‍ / 1288 م) أوّل شيخ فقيه يلتقيه الجيلي. ولم يكن قد بلغ العشرين ربيعاً، فتتلمذ عليه. كما صحب وتتلمذ على يد الشيخ الشاعر الصوفيّ أبي محمّد الحكاك. كما التقى الشيخ الصوفيّ إسماعيل الجبرتي (ت 806 ه‍ / 1305 م)، زعيم الطريقة القادريَّة، ومن أصحاب الشهرة في عصره، وأصحاب الجذبات والسماع. وقد ساعده كثيراً في مواقف روحيَّة. وذكره الجيلي في مؤلّفاته الصوفيَّة، وهذا يدلّ على قوّة تأثّره بشخصيَّة معلّمه إسماعيل الجبرتي. ومن بعد وفاته (الشيخ إسماعيل الجبرتي) انتقلت الزعامة الصوفيَّة إلى الشيخ أحمد بن أبي الرداد الذي كان آخِر شيوخ الجيلي.


يُعَدّ الشيخ أحمد بن أبي الرداد، من كبار صوفيَّة بلاد اليمن. وكانت تربطه علاقة قويَّة مع الجيلي. وقد ذكره الجيلي في كثير من مؤلّفاته. وقد تكون قوّة علاقتهما مستمدّة من ثقة الشيخ الجبرتي بأبي الرداد، الذي كان قد نصّبه شيخاً على الصوفيَّة خلفاً له سنة 802 ه‍ / 1301 م. فثقة الجيلي بمعلّمه وشيخه الجبرتي، جعلت منه يثق بخليفته وتلميذه أبي الرداد. وكذلك هناك نقطة ثانية جعلت من علاقتهما قويَّة، هي أنّ تصوّف أبي الرداد كان يميل إلى تصوّف الفلاسفة. وهذا الجانب الفلسفيّ من التصوّف هوما عُني به الجيلي في حياته.


فكره

صحب الجيلي كبار مشايخ الصوفيَّة في عصره، وأخذ من معارفهم وعلومهم في الدِين والتصوّف والفلسفة. لكنّه أحبّ الفلسفة فاعتمد عليها من حين إلى حين، وخاصّة الفلسفة اليونانيَّة والهنديَّة والفارسيَّة. ولعلّ رحلاته الكثيرة هي التي أغنته بالفهم والعلوم كافّة، فنهل منها ما استطاع. يميل الجيلي في أسلوبه إلى الغموض في العبارات. فهوكثيراً ما يستعمل الرموز والإشارات في كلامه. إذ كثيراً ما يستعمل الإشارة على العبارة، والتلويح على التصريح. كما أنّه مولع بضرب الأمثال الرمزيَّة. وقد استخدم، من قبله، هذه الطريقة كثير من أئمّة الصوفيَّة، أمثال ابن عربي والسهروردي وغيرهما. أمّا الغموض فكثيراً ما يغلب في كتاباته، وإن كان في بعض الأحيان يميل إلى الوضوح في كلامه. وكأنّه يكشف عن الأسرار التي وهبها الله للصوفيَّة. وهويرى أنّ طريقته هذه ما هي إلاّ تطبيق للأوامر الإلهيَّة. وقد قدّم فكره الفلسفيّ الصوفيّ في أبيات شعريَّة من خلال قصيدته الشهيرة "النادرات العينيَّة". ويُعَدّ الجيلي من نادىة فلسفة وحدة الوجود، مثل ابن عربي. وهويطرح ممضى وحدة الوجود بكيفية تتّسم بالعقلانيَّة الشديدة والإحكام في الهجريب الصوفيّ. ويرى أنّه لا وجود في الكون لغير الله، والإنسان جزء منه أوهوصورة من صور الله. والله عين الموجودات، وكلّ ما يعمله الإنسان هوعمل الله.

فلسفته

تعدّدت المواضيع الفلسفيَّة عند الجيلي. لكنّها جميعاً تدور حول نظريَّة واحدة، هي الفكر الوجوديّ، أي نظريَّة وحدة الوجود، حسب الفكر الصوفيّ. وقد وضع الجيلي أفكاره الفلسفيَّة هذه في كثير من مؤلّفاته. لكنّه أكثر منها في قصيدته المذكورة أعلاه. كما أنّه صبّها بشكل أوسع ومفصّل في كتابه "الإنسان الكامل في فهم الأواخر والأوائل". وسنعرض هذه الأفكار بشكل مقتضب في كلامنا على هذا الكتاب. يرى الجيلي في الديانات غير السماويَّة، أنّهم جميعاً يعبدون الله، لكنْ كلّ على طريقته الخاصّة. ذلك لأنّ الله خلقهم للعبادة، وما خلقهم إلاّ ليعبدون. وبعبادتهم تظهر حقائق الأسماء والصفات الإلهيَّة. ويكون الله متجلّياً على جميع مخلوقاته. فيظهر الله في المراتب الحقّيَّة والخلقيَّة، وتصير رحمته عامّة في جميع الموجودات من الحضرة الرحمانيَّة. ولعلّ أوّل رحمة رحم الله بها الموجودات حتى أوجد العالَم من نَفْسه، حسب قوله تعالى +وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه". وكأنّ الجيلي يريد حتى يقول، إنّ الإنسان حرّ في عبادته، لأنّ كلّ ما يعبده، هوآتٍ من الله تعالى. لأنّ الله موجود في كلّ ذرّة من ذرّات الموجودات. وإنّه ظاهر في كلّ الأمور، ومتجلٍّ على كلّ الجهات. فإذا عبد الإنسان الكواكب، فهويعبد الله، لأنّ الكواكب من عمله تعالى. والكواكب التي عبدها الإنسان سبعة ، الشمس - القمر - المشتري - زحل - المرّيخ - الزهرة - عطارد. وكلّ كوكب من هذه الكواكب يمثّل صفة من الصفات الإلهيَّة. وهذه الصفات موجودة في كلّ كوكب. والله هوحقيقة هذه الأسماء، وحقيقة تلك الكواكب. أمّا في الديانات السماويَّة، فإنّه يرى أنّ جميع الأنبياء إنّما أُرسلوا إلى أقوامهم بالحقّ الذي لا شكّ فيه.

إنّ الإيمان نُور في القلب، والقلب هوموضع أنوار الإيمان. لذلك اهتمّ المتصوّفة بالقلب وخطراته. وكان شغلهم بمراقبة القلب ومحاسبة النَفْس، حتّى لا يغيب المرء في متاهات الضلالة إذا غفل قلبه وفرط أمره في اتّباع أهوائه. والجيلي يعطي أهمّيَّة للقلب سواء في الفكر الفلسفيّ أوالدينيّ. وهويشير بذلك إلى الحديث القدسي الذي ذكره الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدِين": "ما وسعني أرضي ولا سماواتي، ووسعني قلب عبدي المؤمن". والجيلي يسمّي القلب بالنُور الأزليّ ، الذي يعدّ لبابة المخلوقات وخلاصة الموجودات. ويقول أيضاً إنّ القلب سُمّي قلباً لسرعة تفريغ ما فيه. وإنّه سريع التقلّب وذلك لأنّه نقطة يدور عليها محيط الأسماء والصفات. فإذا قابلت اسماً أوصفةً بشرط اللقاءة انطبعت بحكم ذلك الاسم والصفة. يرى الجيلي أنّه لوكان العالَم هوالأصل لكان أَولى بالوسع من القلب. فافهم أنّ القلب هوالأصل وأنّ العالَم هوالفرع. ويقول إنّ هذا الوسع على ثلاثة أنواع وكلّها سائغة في القلب:


1- هووسع الفهم، وذلك هوالفهم بالله، فلا شيء في الوجود يعقل آثار الحقّ ويعهد ما يستحقّه كما ينبغي إلاّ القلب.

2- هووسع المشاهدة، وذلك هوالكشف الذي يطلع القلب به على محاسن الله تعالى، فيذوق لذّة أسمائه وصفاته بعد حتى يشهدها، فلا شيء من المخلوقات يذوق ما لله تعالى إلاّ القلب.

3- وسع الخلافة، وهوالتحقّق بأسمائه وصفاته، حتّى إنّه يرى ذاته ذاته، فتكون هويَّة الحقّ عين هويَّة العبد. فيتصرّف في الوجود تصرّف الخليفة في ملك المتخلّف، وهذه وسع المحقّقين.

يربط الجيلي الإيمان بالقلب، ويرى أنّ فهم الإيمان مطلقة، لأنّها متعلّقة بالأسماء والصفات، وأنّ فهم العقل متعلّقة بالآثار. وهي ولوكانت فهم، تبقى ليست بالفهم المطلوبة لأهل الله تعالى (أي المتصوّفة). وأنّ نسبة العقل المعاش إلى العقل الكلّيّ. نسبة الناظر إلى الشعاع. ولاقد يكون الشعاع إلاّ من جهة واحدة، فهولا يتطرّق إلى هيئة الشمس ولا يعهد صورتها. وكذلك العقل المعاش، فهولا يضيء إلاّ من جهة واحدة، وهي وجهة النظر والدليل والقياس في الفكر. وكأنّ الجيلي يقول إنّ أوّل ما يفيد الإيمان صاحبه، هوحتى تتكشّف لبصيرته الحقائق دون الحاجة إلى مرشد عقليّ. وإنّما تكون مكاشفاته ومعهدته بنُور الإيمان. وبذلك تكون الفهم الإيمانيَّة عند الجيلي، أعلى من الفهم العقليَّة. وكأنّه يتّبع خطّ الغزالي في تحجيم دَور الفهم العقليَّة.


الجيلي شاعراً

يتميّز الشعر عند الجيلي بحسّ مرهف. إذ يميل بشعره إلى الصور المفتعلة والتعقيدات في هجريب الكلام. بل يميل إلى التشبيه والاستعارة، وهما من أبسط صور البلاغة وأقربها إلى فكر الإنسان وقلبه. وللجيلي كثير من القصائد الشعريَّة في مؤلّفاته الكثيرة، عبّر فيها عن فكره الأدبيّ الفلسفيّ. لكنّ أهمّ ما نظمه شعراً، هوقصيدته "النادرات العينيَّة في البادرات الغيبيَّة"، التي تُعَدّ ثاني أطول قصيدة في الشعر الصوفيّ، ويبلغ عدد أبياتها 540 بيتاً. والقصيدة التي تسبقها هي قصيدة "نظم السلوك" لابن الفارض، والتي تعدّ 667 بيتاً، وتُعهد بالتائيَّة.



تتميّز قصيدة "النادرات العينيَّة" بأنّها واحدة من أهمّ النصوص الشعريَّة في تاريخ الأدب الصوفيّ. وقد عُني بها كثير من المتصوّفة، أمثال الشيخ عبد الغني النابلسي وغيره. وقد تعدّدت وتنوّعت مواضيعها. إذ بالإضافة إلى حديثه - أي الجيلي - عن مفهوم الحبّ الصوفيّ، فهويسرد لنا سيرته الذاتيَّة، من يوم مولده. كما يسرد لنا كيف من الممكن أن أنّ نَفْسه كانت تتوق من حداثتها إلى سلوك طريق الصوفيَّة، طريق الحقّ. وهويتحدّث باستفاضة عن تجربته الروحيَّة التي مرّ بها في طريق الحقيقة. وبالإضافة إلى هذه المواضيع، فإنّ الجيلي، يستفيض في قصيدته بتصوير كيف من الممكن أن أنّ الروح تهبط من عند البارئ تعالى إلى العالَم الأرضيّ، ليحلّ في الأبدان. كما أنّه يحدّثنا عن تكوّن الجسم في الرحم، ومسيرة حياته، إلى حتى يوضع في التراب. وكأنّه يردّد كلام السيّد المسيح للإنسان "من التراب وإلى التراب تعود". وباختصار فإنّ الجيلي قدّم لنا صورة عن فلسفته الصوفيَّة من خلال أبيات قصيدته الشعريَّة هذه.


مؤلّفاته

وضع الجيلي ما يزيد على ثلاثين مؤلّفاً، في مختلف المواضيع الصوفيَّة والفلسفيَّة. منها ما طُبع ومنها لا يزال مخطوطاً دفين المخطات. ونورد هنا بعضاً من أسمائها:


1- المناظرات الإلهيَّة. وهوكتاب صغير، فيه مئة منظر ومنظر من المناظر النُورانيَّة التي كان قد رآها الجيلي خلال خلواته بربّه. وقد شرح فيه حال كلّ منظر، وذكر لآفة حال ذلك المنظر. والكتاب يساعد المريد على الاطّلاع على الأحوال والمقامات التي يمرّ بها السالك إلى الله تعالى. كما يطّلع على الحكم والقواعد الصوفيَّة وغير ذلك. وقد نُشر الكتـاب بتحقيق نجـاح محمود الغنيمي مع دراسة. وقد طُبع في القاهرة - مصر سنة 1407 ه‍ / 1987 م.


2- الكهف والرقيم، في شرح بسم الله الرحمن الرحيم. وهوأوّل كتاب وضعه الجيلي في عالم الصوفيَّة. ويعتمد في شرحه على طريقة فهم الحروف وحساب الجمّل، والتي عُرف ولع المتصوّفة بها. وقد طُبع بالقاهرة سنة 1326 ه‍ / 1905 م.


3- جنّة المعارف وغاية المريد والعارف. وهي رسالة صغيرة كان قد ألّفها الجيلي قبل رحيله إلى بلاد اليمن. وقد وضعها باللغة الفارسيَّة.


4- القاموس الأقدم والناموس الأعظم. وهوكتاب مؤلّف من أكثر من أربعين جزءاً. وقد ذكره الجيلي في كتابه شرح مشكلات الفتوحات المكّيَّة. ومن أجزاء هذا الكتاب، لوامع الموهن - سرّ النُور المتمكّن - لسان القدر بنسيم السحر - شمس ظهرت لبدر - قاب قوسين وملتقى الناموسين - روضات الواعظين... والكتاب ما زال معظمه مخطوطاً.


5- القصيدة العينيَّة، أوقصيدة النادرات العينيَّة. وهي قصيدة شعريَّة طويلة فيها 540 بيتاً من الشعر، كما ذكرنا.


6- قطب العجائب وفلك الغرائب. وهوكتاب مفقود. ذكره الجيلي في مقدّمة كتابه "الإنسان الكامل" (ص20–21) بقوله: "هذا الكتاب هوالإنسان الكامل، لا يفهمه حقّ فهم إلاّ مَن كان سقط على كتاب قطب العجائب وفلك الغرائب، ثمّ نظر إليه فوجده جميعه فيه. فإنّ هذا الكتاب له كالأمّ بل كالفرع، وهولهذا الكتاب كالأصل بل كالفرع. فافهم المراد بالكتابين والمخاطب بالخطابين تحلّ الرموز وتحوز الكنوز". نفهم من كلام الجيلي أنّ الكتابين يكمّل الواحد الآخَر.


7- مراتب الوجود. وهوكتاب صغير. يقسّم فيه الجيلي الوجود إلى أربعين مرتبة. أوّلها مرتبة العماء المطلق وآخِرها مرتبة الإنسان الكامل. ويُعَدّ هذا الكتاب آخِر مؤلّفات الجيلي. وقد نُشر بطبعة غير محقّقة في مصر، والطبعة غير مؤرّخة.


8- الكمالات الإلهيَّة في الصفات المحمّديَّة. انتهى الجيلي من تأليفه سنة 805 ه‍ / 1304 م، في مدينة زبيدة ببلاد اليمن. وقد أشار بطريقة غير مباشرة إلى كتابه هذا في الصفحة الأخيرة من كتابه المناظر الإلهيَّة، بقوله: "يتجلّى الحقّ تعالى في هذا المشهد (المنظر الحادي بعد المئة: العجز عن درك الإدراك: إدراك) بتجلٍّ يكشف فيه للعبد عمّا أودعه في روحه من الكمالات الإلهيَّة، التي يعجز الكون بما فيه عن حمله. فإذا أشرف عليها شمّ، بقوّة الأحدية، ما فاته من فهم ما فيه من تلك الكمالات الإلهيَّة، والاتّصاف بها".


9- لوامع البرق الموهن. وهوكتاب صغير يذكر فيه الجيلي بعض الحضرات القدسيَّة التي اتّسعت لها القلوب المحمّديَّة. والكتاب مؤلّف من ثمانية أبواب، وكلّ باب فيه ذكر تجلٍّ ما. والكتاب منشور بدون تاريخ.


10- شرح الفتوحات المكّيَّة وفتح الأبواب المغلقات من العلوم اللدنيَّة. ليس هذا الكتاب شرحاً كاملاً ومفصّلاً، لأبواب وفصول كتاب الفتوحات المكّيَّة لمحيي الدين ابن عربي، كما يظنّ القارئ. وإنّما هوشرح صوفيّ للباب التاسع والخمسين بعد الخمسمائة من كتاب الفتوحات المكّيَّة المذكور. وهذا ما يؤكّده ابن عربي بنَفْسه. وللكتاب عدد من النسخ الخطّيَّة محفوظة في كبريات المخطات الخطّيَّة العربيَّة، نذكر منها مخطة معهد الأحمدي، طنطا - مصر. المخطة الظاهريَّة دمشق - سورية، ومخطة البلدية بالإسكندرية - مصر. وقد حقّق الكتاب يوسف زيدان، ثمّ نُشر ضمن سلسلة تراثنا (المصريَّة)، عام 1999 بمصر.


11- كتاب الإنسان الكامل في فهم الأواخر والأوائل. أجمع المؤرّخون على أنّ كتاب الجيلي هذا، إنّما هوكتاب في اصطلاح الصوفيَّة. ويرى بعضهم الآخَر أنّ أفكار الكتاب ليست سوى عرض موجز للأفكار الغنوصيَّة عند ابن عربي. وقد خطه لتيسير فهم المعنى الذي مضى إليه، وأنّه - بصرف النظر عن محاولة تحديد فكرة العلوّ المطلق لله في لقاء الإنسان الكامل - لم يقدّم في هذا الكتاب جديداً ، على حين رأى آخَرون أنّه كتاب مليء بالوساوس. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة وستّين باباً، يبحث فيها الجيلي بممضى وحدة الوجود. وقد طرح ممضىه، من خلال فصولها، بكثير من الحكمة، حتّى لا يهجر للقارئ أدنى شكّ في كلامه وأفكاره.


يقول الجيلي في مقدّمة كتابه: "افهمْ أنّ كلّ فهم لا يؤيّده الكتاب والسنّة فهوضلالة لا لأجل ما لا تجد أنت ما يؤيّده، فقد يحدث الفهم نَفْسه مؤيّداً بالكتاب والسنّة، ولكنّ قلّة استعدادك منعتك من فهمه". ويتابع الجيلي قائلاً:


"أنقد يكون الفهم وارداً على مَن اعتزل عن المذاهب والتحق بأهل البدعة، فهذا الفهم هوالمرفوض". اتّبع الجيلي في كتابه هذا، المنهج الفلسفيّ اليونانيّ. وكثيراً ما أورد الأبيات الشعريَّة، ثمّ شرحها ليعرض فكرة ما من أفكاره الكثيرة. وبهذه الطريقة في عرض الأفكار،قد يكون قد نهج منهج ابن عربي في عرضه للأفكار: وما ذاك إلاّ أنّنا روحُ واحدٍ فذاتي لها ذاتٌ، واِسمي اسمُها


تداوَلَنا جسمان، وهوعجيبُ


وحالي بها، في الاِتّحاد، عجيبُ


والجيلي يعرض أفكاره، متدرّجاً بها من الذات، مروراً بالألوهيَّة، وفي الحياة، وفي الجلال، وفي الأزل، إلى نزول الحقّ، ثمّ في العرش، وفي العقل الأوّل، وفي الفكر، وفي الصورة المحمّديَّة، وفي النَفْس، ليصل إلى الباب الستّين. وهذا الباب عنوانه "الإنسان الكامل"، وهوأهمّ فصل في الكتاب. وهويصرّح بذلك، إذ يقول: "افهمْ أنّ هذا الباب عمدة أبواب هذا الكتاب، بل جميعه، من أوّله إلى آخِره شرح لهذا الباب". والإنسان الكامل هومحمّد (ص). وهولقاء للحقّ والخلق.


يقدّم لنا الجيلي في هذا الباب عرضاً مفصّلاً لنظريّته في الإنسان الكامل، فهو"النبيّ محمّد (ص) إذ هوالإنسان الكامل بالاتّفاق، وليس لأحد من الكُمَّل ما له من الخلق والأخلاق". "وافهمْ أنّ الإنسان الكامل لقاءٌ لجميع الحقائق الوجوديَّة بنَفْسه، فيقابل الحقائق العلويَّة بلطافته، ويقابل الحقائق السفليَّة بكثافته". "ثمّ افهمْ أنّ الإنسان الكامل هوالذي يستحقّ الأسماء الذاتيَّة والصفات الإلهيَّة استحقاق الأصالة والملك بحكم المقتضى الذاتيّ".


نفهم من كلام الجيلي أنّ محمّداً (ص) هوالقطب الذي تدور حوله أفلاك الوجود، وهوموجود واحد منذ كان الوجود وإلى الأبد. إلاّ أنّه يظهر في كلّ عصر باسم دون اسم. وكلّ اسم له يليق في هذا العهد، وهذا لا يعني أنّه تناسخ، وبهذا المعنى يقول: "اجتمعت (به عليه السلام) وهوبصورة شيخي، الشيخ شرف الدين إسماعيل الجبرتي، ولست أفهم أنّه النبيّ (ص)، وكنت أفهم أنّه الشيخ". هناك شرح لكتاب "الإنسان الكامل"، وضعه أحمد بن محمّد المدني (ت 1071 ه‍ /1660م)، ويتضمّن في معظمه انتقاداً للمؤلّف ولأفكاره. أمّا الكتاب بحدّ ذاته فقد طُبع عدّة مرّات بمصر. وهناك عدد من نسخه المخطوطة موزّعة بين المخطات العربيَّة والعالَميَّة، نذكر منها: المخطة العموميَّة بدمشق - المخطة الخالديَّة بالقُدْس - المخطة الوطنيَّة بباريس - ومخطة المتحف البريطانيّ.



*مصادر البحث*

1- ألفا، روني إيلي وجورج نخل، موسوعة أعلام الفلسفة، الطبعة الأُولى، بيروت - لبنان 1992.


2- بدوي، عبد الرحمن، الإنسان الكامل في الإسلام، الطبعة الثانية، بيروت -لبنان 1976.


3- بروحدثان، كارل، تاريخ الأدب العربيّ، ترجمة عبد الحليم النجّار وآخَرَين، القاهرة - مصر 1977.


4- الجيلي، عبد الكريم، الإنسان الكامل في فهم الأواخر والأوائل، تحقيق: أبوعبد الرحمن صلاح بن محمّد عويصة، الطبعة الأُولى، بيروت - لبنان 1997.


5- الجيلي، عبد الكريم، لوامع البرق الموهن، بدون تاريخ.


6- الجيلي، عبد الكريم، النادرات العينيَّة، تحقيق يوسف زيدان، الطبعة الأُولى، القاهرة - مصر 1999.


7- الجيلي، عبد الكريم، المناظرات الإلهيَّة، تحقيق نجاح محمود الغنيمي، الطبعة الأُولى، القاهرة - مصر 1987.


8- الجيلي، عبد الكريم، الكهف والرقيم، القاهرة - مصر 1326 للهجرة / 1906 للميلاد.


9- الجيلي، عبد الكريم، مراتب الوجود، القاهرة - مصر، بدون تاريخ.


10- الحنفي، عبد المنعم، موسوعة الفلسفة والفلاسفة، الطبعة الثانية، القاهرة - مصر 1999.


11- الحنفي، عبد المنعم، الموسوعة الصوفيَّة، الطبعة الأُولى، القاهرة - مصر 2003 .

12- خليفة، حاجي، كشف الظنون عن أسامي الخط والفنون، بيروت - لبنان 1994.


13- زيدان، يوسف، الفكر الصوفيّ بين عبد الكريم الجيلي وكبار الصوفيَّة، الطبعة الثانية، القاهرة - مصر 1998.


14- زيدان، يوسف، عبد الكريم الجيلي، فيلسوف الصوفيَّة، القاهرة - مصر 1988.


15- الزركلي، خير الدِين، الأعلام، الطبعة السابعة، بيروت - لبنان 1986.


16- فهم الدِين، سليمان سليم، التصوّف الإسلاميّ، الطبعة الأُولى، بيروت - لبنان 1999.


17- سركيس، يوسف، معجم المطبوعات العربيَّة والمعرّبة، القاهرة - مصر 1928.


18- مبارك، زكي، التصوّف الإسلاميّ في الأدب والأخلاق، بيروت - لبنان، بدون تاريخ.


19-الكيلاني,جمال الدين فالح,الشيخ عبدالقادرالكيلاني رؤية تاريخية معاصرة ،مخطة مصرمرتضى ,بغداد2010.



  1. ^ زيدان، يوسف. 2008. عبد الكريم الجيلي: فيلسوف الصوفية. القاهرة: دار الشروق

نطقب:بذرة تصوف

تاريخ النشر: 2020-06-04 11:03:12
التصنيفات: وفيات 1424, صوفيون عراقيون, فلاسفة, تصوف

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

اكتشاف متحور "غير معروف" لكورونا في إسرائيل

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:38
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 54%

30«لمجيد» يتوج بكأس ليبيا

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:19:12
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 66%

PPS يطالب أخنوش بـ"تقليص هوامش الربح الخيالية لشركات المحروقات"

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:44
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

أحداث شغب مباراة الجيش الملكي والمغرب الفاسي.. تهم ثقيلة تواجه 70 شخصا

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:43
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

لغز الفتاة الأميركية «المختفية» يتكشف بعد 60 عاما

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:39
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

مؤشر الثقة - 2022: الجيش والشرطة يحظيان بأعلى مستويات الثقة من المغاربة

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:44
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

هاني رمزي يعلق على ترويج صورته كضابط في "الموساد" قُتل في العراق

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:40
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

أوميكرون «بي أيه 2»..سلالة فرعية تعاود الانتشار وتثير القلق

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:40
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

مدافع ريال مدريد ميندي يغيب عن "الكلاسيكو" للإصابة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:39
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 57%

العراق.. رفضت الزواج منه فانتقم بعبوة ناسفة

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:41
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 62%

رئيس كازاخستان: رؤساء أجهزة عسكرية بين الخونة الذين حاولوا القيام بانقلاب

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:42
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

فرار زعيم عصابة من مستشفى | جريدة الصباح

المصدر: جريدة الصباح - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:20:07
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 57%

"سيلفولوجي" تطلق السوق الأول من نوعه في قطاع التجميل

المصدر: الإمارات اليوم - الإمارات التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:41
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

نشرة خاصة.. أمطار قوية إلى غاية يوم الجمعة بعدد من أقاليم المغرب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-03-16 18:18:44
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

تحميل تطبيق المنصة العربية