العودة إلى الدار (هارولد بنتر)

عودة للموسوعة

العودة إلى الدار (هارولد بنتر)

«العودة إلى الدار» لهارولد بنتر: اللغة قيد وحرية في وقت واحد


«لقد غيّرت هذه المسرحية حياتي. قبلها كنت أعتق«العودة إلى الدار» لهارولد بنتر: اللغة قيد وحرية في وقت واحدد ان الحدثات ليست أكثر من أدوات لنقل المعاني. بعد ذلك بدأت أرى في هذه الحدثات أسلحة دفاعية. قبلها كنت أعتقد ان المسرح هوفن المحكي. بعد ذلك أدركت فصاحة المسكوت عنه. كذلك أدركت ان موضع كرسي، الطول الزمني لوقفة ما، اختيار حركة من الحركات، امور تحيلنا الى أحجام تزن أطناناً»... هذه العبارات خطها في دراسة له طويلة نشرت قبل عقود في مجلة «نيويوركر» الناقد المسرحي جون لاهر. اما المسرحية التي أحدثت جميع هذا التغيير لديه فهي «العودة الى الدار»، إحدى أبرز وأقسى مسرحيات المحرر الإنكليزي الراحل، هارولد بنتر، الذي فاز قبل أعوام من رحيله، بجائزة «نوبل للآداب»، وبالتحديد عن هذه المسرحية بين أعمال كبيرة أخرى له جعلت منه «أبرز ممثل للدراما الإنكليزية خلال النصف الثاني من القرن العشرين»، وفق بيان لجنة نوبل نفسها. - ومسرحية «العودة الى الدار» خطها بنتر عام 1964 لينشرها في العام التالي 1965، وتقدّم من فورها من جانب فرق شكسبير الملكية، ليعاد تقديمها بعد ذلك بسنتين بنجاح جماهيري ونقدي كبير، في «برودواي» في نيويورك، في إنتاج جعلها تفوز بأربع جوائز مسرحية في مسابقات «طوني». واللافت ان تقديماً جديداً لهذه المسرحية، خلال فترة سابقة من العام 2008، جعلتها لمناسبة الذكرى الأربعين لتقديمها في برودواي، تفوز من حديث بجائزة «طوني» لأفضل مسرحية يعاد إحياؤها. - تدور أحداث «العودة الى الدار» في حي يقع شمال لندن، تقطنه شرائح من الطبقة العاملة... وتدور هذه الأحداث حول عودة ابن العائلة الإنكليزية تيدي، إلى بيت عائلته بعد غياب في الولايات المتحدة طال سنوات، تزوج خلالها من روث، وأنجب ثلاثة أبناء. وها هوتيدي، أستاذ الفلسفة، يصطحب معه في عودته الى الدار زوجته وأطفالهما، حيث يتم التعارف بين الأسرة اللندنية، وأسرة تيدي الأميركية. أما الأسرة الإنكليزية فإنها، كما سنعهد منذ الفصل الأول، تتألف من الأب ماكس، وهوجزار متقاعد، وأخيه سام، ويعمل سائقاً... أما الشخصيات الأخرى فتقتصر على شقيق تيدي: ليني، الذي سيتبين لنا انه يعمل «قواداً»، وينكشف بالتدريج فاسد الأخلاق أكثر مما نعتقد في البداية. والشقيق الثاني هوجوي، الملاكم المتمرن، الذي يريد ان يصبح بطلاً في هذه الرياضة ليهجر عمله الحالي كعامل هدم للأبنية العتيقة. والحال اننا إذا كنا، في اول المسرحية، نعتقد ان «العودة الى الدار» التي يتحدث عنها العنوان، هي عودة تيدي، الى بيت أسرته العتيق، فإن ما سنتوقف عنده في النهاية إنما هوواقع ان العودة عودتان: من ناحية عودة روث الى نفسها بفضل هذه الزيارة، ومن ناحية ثانية، عودة تيدي لاحقاً الى «وطنه الأميركي»، بعد ان يخيب أمله في عودته الأولى، في صحبة زوجته. لماذا؟ - إذا الجواب عن هذا السؤال يشكل في الحقيقة سياق المسرحية الذي من الصعب القول انه سياق حدثي. ذلك ان «العودة الى الدار» لا تحمل أي وقع حقيقي، بل جملة من المواقف والتطورات، التي تعيشها الشخصيات ونعيشها معها، بين وصول تيدي وأسرته، ومغادرته من دون زوجته في النهاية. إذا العالم الذي تعيشه هذه التطورات - أي عالم أسرة تيدي الإنكليزية - عالم ذكوري، حيث ان الأب ماكس وأخاه وأولاده، هم ذكور يعيشون من دون نساء، من دون أم أوأخت أوزوجة، منذ زمن طويل. ومن هنا، فإن وصول روث للعيش معهم يشكل حدثاً بالغ الأهمية بالنسبة إليهم. فروث، سرعان ما ستلعب في السياق دور الأم والزوجة... ولكن العاهرة ايضاً بالنسبة الى هؤلاء الرجال، الذين تبدو«اميركيتها» شيئاً بالغ الأهمية بالنسبة إليهم... ولكن في الوقت نفسه تبدوأنثويتها امراً حاسماً. ذلك ان جميع واحدة من الشخصيات - باستثناء تيدي - ترى في روث، المرأة، في مختلف تجلياتها وأدوارها، التي تنقص هذا البيت منذ زمن بعيد، وصولاً الى فكرة إقامة علاقة معها، إنما من دون انقد يكون في هذه الفكرة أي شعور بأية إساءة الى تيدي. ولئن كانت روث تستجيب - ولونظرياً على الأقل - توقّعات هؤلاء الذكور منها، فما هذا إلا لأنها هي ايضاً تشعر - هنا - أنها في حاجة الى العودة الى الدار. إذاً، في هذا المعنى إذا كانت العودة الى الدار تعني بالنسبة الى تيدي أولاً، عودة الى لندن، ثم عودة الى أميركا، فإنها - أي العودة - تعني بالنسبة الى روث، عودتها الى ذاتها، وفي شكل اكثر تحديداً الى أنوثة، من الممكن كان العيش العائلي - الأكاديمي، في اميركا أفقدها إياها. فهل يمكننا ان ننطلق من هنا لنصل الى مستوى ترميز أكثر اتساعاً، فنتحدث عن عودة الى الديار على مستوى العلاقة بين اميركا وإنكلترا، وتحديداً على مستوى الذهنية الجماعية،يا ترى؟ قد يحدث هذا الاقتراح منطقياً، لكن هارولد بنتر، لم يشجع ابداً الذين أوردوه في حين أوفي آخر، مؤكداً ان المسرحية - إذا كانت تقصد هذا -، كانت ستكون شيئاً آخر تماماً، شيئاً يدنومن روايات هنري جيمس. والحقيقة ان بنتر، باستثناء هذا الاعتراض - الذي لم يكن عميقاً أومتصلباً على اية حال - لم يعترض على أي من التفسيرات الأخرى، وإن كان هويفضّل «الهجريز أكثر من أي شيء آخر على المستوى السيكولوجي للشخصيات» متحدثاً عن أوديب في مجال إضفاء طابع تحليلي لنظرة الذكور الى هذه المرأة الآتية من بعيد، لتصبح محطّ أحلامهم، في الوقت الذي تتحول الى حاضنة لتيدي الذي كان، قبل ذلك، الوحيد من بينهم، الذي أفلت من العقدة الأوديبية. - مهما يكن من امر، واضح ان جميع هذه التفسيرات، إنما تصل الى «العودة الى الدار» من خارجها، وتتنوع بتنوع المفسرين انفسهم. أما بالنسبة الى جمهور المسرح، فإنه أقبل على هذا العمل، لأنه أمّن له فرجة حقيقية على صراعات لعبت فيها اللغة دوراًَ اساسياً، إنما مفهوماً. حيث، إذا كان سليماً ان اللغة المزدوجة المعنى والشكل في جميع لحظة من لحظات المسرحية، تبدوقريبة جداً من لغة مشهجرة بين صمويل بيكيت ويوجين يونيسكو، فإنها في الوقت نفسه لم تبدُ عابثة أولا معقولة في اية لحظة من اللحظات، بل بدت طوال المسرحية، لغة تشتغل هجوميا jumiaً - من ناحية - على ألسنة الذكور بين بعضهم بعضاً، ثم بينهم وبين تيدي -، ودفاعية - من ناحية أخرى - خصوصاً على لسان تيدي، في حواراته مع أخويه وأبيه وعمه، ولكن ايضاً وخصوصاً في حواراته مع روث، ولا سيما في الأجزاء الأخيرة حيث يظهر ان اتجاهها صار نحوالبقاء هنا، إذ شعرت ان هذا المكان هومكانها، هودارها التي تعود إليها بعد غياب، أي الى انوثتها وذاتها العميقة. - تظل «العودة الى الدار» - الى جانب «الغرفة» و«حفل عيد الميلاد» - إحدى اجمل مسرحيات هارولد بنتر وأقواها، حتى وإن كان هنا، في هذه المسرحية، ابتعد جزئياً عن مفهوم الإنسان المحاصر في الأماكن المغلقة، هذا المفهوم الذي كان ساد لديه من العدد الأكبر من مسرحياته، مُحلاً مكانه حصاراً داخلياً تشتغل اللغة عليه، ولكن من منطلق سيكولوجي. ونعهد ان هارولد بنتر، المولود قرب لندن عام 1930، فاز بجائزة نوبل للآداب عام 2005، عن مجمل أعماله، المسرحية خصوصاً، ومن بينها، كما أشرنا هذه المسرحية، التي - كما في اعمال بنتر الأخرى - جمعت أواسط ستينات القرن العشرين، بين اتجاهات مسرحية عدة (ولا سيما مسرح العبث) لتقدم توليفة خلاقة بين الواقع القاسي، وتوق الإنسان لاستعادة ذاته والاستخدام الغامض للغة.

المصادر

  1. ^ "«العودة إلى الدار» لهارولد بنتر: اللغة قيد وحرية في وقت واحد". جريدة الحياة. 2012-5-1. Retrieved 2 jun 2012. Unknown parameter |outhor= ignored (help); Check date values in: |accessdate=, |date= (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:05:35
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, CS1 errors: dates

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ضربات إيرانية جديدة تستهدف المعارضة الكردية في العراق

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:22
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 88%

مونديال 2022: سلمان الفرج "جوكر" خط وسط السعودية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:22
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 93%

مونديال 2022: التونسي المجبري بين شقاوة الشباب والنجومية

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:21
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 88%

تونس تتنفس الصعداء... الحارس «البشير» باقٍ في المونديال

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:22:57
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 87%

زلزال قوته 5.4 درجات يهز جزيرة كريت باليونان

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:23:55
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 67%

خرائط غوغل تحصل على ميزات جديدة وعملية

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:15:20
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 44%

4 علامات مفاجئة قد تعني الإصابة بمرض السكري

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:15:19
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 43%

إيران تقصف مراكز لجماعات كردية معارضة بكردستان العراق

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:27
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 90%

مونديال 2022: غياب بنزيمة يُعيد إحياء ثنائية مبابي-جيرو

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:20
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 92%

محلل سابق في CIA: على واشنطن أن توجه إنذارا لأوكرانيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:27
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 85%

كوريا الجنوبية تسجل أكثر من 23 ألف إصابة جديدة بكورونا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:23:53
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 55%

مونديال 2022: دي ماريا يحلم بمعانقة اللقب مع ميسي

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:16:21
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 88%

دعم الأشقاء.. نهج القيادة ورؤية شاملة طموحة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:24:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 64%

الحلمُ أصبح حقيقة .. قطر تُبهر العالم في حفل افتتاح كأس العالم 2022

المصدر: المغرب الآن - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:26:25
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

تعرف على قائمة الأندية الأكثر تمثيلا في مونديال قطر

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:15:22
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 39%

قتلى وجرحى في حريق بمستودع للزهور بموسكو

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:23:59
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 67%

لا تتهاون.. آلام أسفل الظهر قد تكون علامة قاتلة ! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:23:05
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 57%

عدد متابعي ترامب على تويتر يرتفع بشكل حاد بعد تفعيل حسابه

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 06:15:21
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 42%

إنجلترا تبدأ مشوارها بمواجهة منتخب إيراني مأزوم... وويلز تصطدم بأميركا

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:22:57
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 92%

330 مشجع سعودي يتوجهون لمونديال قطر لمؤازرة الأخضر

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-21 03:23:57
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية