«معهد العالم العربي» لجان نوفيل: مأثرة عمرانية شرقية الهوى على ضفة السين

عودة للموسوعة

«معهد العالم العربي» لجان نوفيل: مأثرة عمرانية شرقية الهوى على ضفة السين

«معهد العالم العربي» لجان نوفيل: مأثرة عمرانية شرقية الهوى على ضفة السين حين يعبر المرء في أيامنا هذه ساحة رياض الصلح الواقعة في وسط بيروت على مرمى حجر من مبنى دار الحياة، يطالعه على الأسوار الخشبية الموقتة لمجمع عمراني ضخم قيد الإنشاء، صورة كبيرة لرجل ينظر متأملاً حوله ويبتسم بهدوء وثقة. لقد بات مشهد هذا الرجل أليفاً منذ أكثر من ثلاثة أعوام للمارة... بل إذا كثراً صاروا يحفظون اسمه المكتوب إلى جوار الصورة، إنما من دون حتى يحذر كثر منهم لما هوهنا وما هوعمله وربما ما هي جنسيته أيضاً... وحتى لوكانت الأكثرية أدركت من اسمه أنه فرنسي. فالرجل يدعى جان نوفيل... أما سبب وجود صورته هنا فيعود من ناحية إلى أنه المسؤول العمراني الأول عن إنشاء ذلك المجمّع، ومن ناحية ثانية حتى محترفاً هندسياً تابعاً له سيشكل جزءاً من المجمّع المذكور حين يكتمل. إذاً، فنحن هنا إزاء عمراني يحقق مشروعاً جديداً له في عاصمة عربية... ومن خلال ذلك يتعهد إليه – في شكل مباشر ولوعبر صورته – سكان هذه العاصمة. غير حتى هذه ليست المرة الأولى التي يحقق فيها جان نوفيل عملاً عمرانياً عربياً... أي حتى هذا ليس أول احتكاك له بالعالم العربي...


جان نوفيل، من دون هذا الاحتكاك العربي، نجم معروف في عالم الهندسة على الصعيد العالمي ككلّ. فهوعلى غرار كبار عمرانيي الزمن المعاصر، من أمثال الإيطالي رنزوبيانو، والعراقية زها حديد، واللبناني الراحل بيار خوري، من الذين يهجرون بصمات قوية في عوالم العمران المعولم على خطى ما كان بدأه عمرانيون كبار من طينة لوكوبوزييه وأوسكار نيماير ولويد وسواهم، من الذين عمّروا العالم وعمرنوه في القرن العشرين خالقين حداثة هندسية تطرب كثراً لكنها تثير غضب كثر آخرين بجرأتها وطليعيتها. أما بالنسبة إلى جان نوفيل، فإنه لئن كان واسع الشهرة في طول العالم وعرضه منذ نحوثلاثة عقود وتنتشر إنجازاته العمرانية في فرنسا وأوروبا كلها والشرق الأقصى وأميركا... فإن عمله الأكبر والأهم يبقى تشييده مبنى «معهد العالم العربي» في وسط العاصمة الفرنسية باريس... وكان ذلك واحداً من أول إنجازاته العمرانية، وربما العمل الذي أطلق مكانته وسمعته على الصعيد العالمي. بل قد يحدث في إمكاننا حتى نقول أيضاً إذا هذا المبنى يظل أشهر إنجازاته وأهمها حتى اليوم، بعد نحوثلث قرن من بدء العمل عليه. ولنضف هنا أيضاً أنه إذا كان جميع إنجاز عمراني ولا سيما خلال النصف الثاني من القرن العشرين قد اعتاد حتى يثير صخباً وسجالاً كبيرين، فإن السجالات الصاخبة حول مبنى «المعهد» تظل الأقوى والأكثر حدة... ولعل في إمكاننا منذ الآن حتى نعطي الحق ولوجزئياً لأصحابها.

ولكن، قبل حتى نصل إلى هذه النقطة، قد يحدث من الأفضل حتى نتوقف عند «المعهد» نفسه لنذكّر بما هوولماذا هوهناك... وباختصار كيف من الممكن أن وقع حتى هناك معهداً عربياً على ضفاف نهر السين،يا ترى؟ لقد ولد المشروع أول الأمر قبل وصول الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران إلى السلطة في فرنسا. ولد متواضعاً لغايات فهمية وثقافية تتعلق بضرورة تعزيز العلاقات بين فرنسا وبلدان العالم العربي بعد حتى باتت فرنسا، بملايين العرب والمسلمين المقيمين فيها، وحضور الثقافة العربية الكبير في حياتها الفكرية، جزءاً من الحضور العربي في العالم. وبعد ولادة الفكرة وتخصيص مبنى متواضع لاحتواء بعض النشاطات الثقافية، استقر الرأي على حتى يقام صرح للحضور العربي في منطقة مفصلية تقع في آخر بوليفار سان جرمين من ناحية الشرق في الدائرة الخامسة في باريس غير بعيد من كاتدرائية نوتردام من ناحية ومن «حديقة النبات» من ناحية ثانية، وملاصقة لجامعة «جوسيو» التي تعتبر من أعرق الجامعات الفهمية في العالم. باختصار، إذاً، تم اختيار ذلك المكان العريق كما تم بعد مباريات وتصفيات تسليم المشروع إلى فريق هندسي يضم عمرانيين عريقين من أمثال جيلبير ليزينيس وبيار سوريا إضافة إلى كابين «أرشيتكتورال ستديو» ووضع جان نوفيل (35 سنة في ذلك الحين) على رأس المشروع مع أنه لم يكن له في سجله المهني سوى إنجاز كبير واحد: هومبنى مسرح بلفور في الشرق الفرنسي.


استغرق العمل على إنجاز المشروع نحوسبعة أعوام (بين 1981 و1987) ليفتتح في عهد الرئيس ميتران الذي كان أصلاً يواكب المشروع منذ البداية ويعتبره وسيلة للتقارب الحضاري مع العالم العربي. ومنذ البداية حرص منجزوالمشروع وعلى رأسهم جان نوفيل، على حتىقد يكون الصرح في الوقت نفسه جزءاً من بيئته الجغرافية هندسياً وجمالياً، وجزءاً من التصور العام المتعاطف معه سلفاً، للشكل الهندسي العربي. والحقيقة حتى الوصول إلى هذا كان يحتاج معجزة فنية صغيرة. بخاصة حتى نوفيل كان يريد، وبدعم تام من السلطات ومن المعنيين بالعمران المديني في باريس، حتى يجمع المبنى بهاء الماضي وأناقة الحاضر، القديم والجديد والشرق والغرب. أما الصعوبة الكبرى فكانت تكمن في واقع حتى المنطقة المشاد المشروع عليها كانت منطقة عريقة لا يحتمل عمرانها العام أية تبديلات جذرية، إلى درجة حتى تجديد مبنى جامعة جوسيوالمجاورة كان أثار لغطاً واحتجاجات لحداثته. غير حتى مشروع نوفيل عهد كيف من الممكن أن يتصدى لكل هذه الضغوطات، بحيث إذا المبنى إذ ينظر إليه اليوم شامخاً في تلك المنطقة التاريخية العريقة، لا يظهر فقط جزءاً أساسياً منها مندمجاً في توزّعها العمراني، بل يظهر كذلك مستوعباً لها وكأنها وجدت معه منذ فجر الزمن. ومع هذا فإن الناظر إلى المبنى من خارجه ومن على بعد ما، سيجد نفسه كمن يتأمل سجادة شرقية ضخمة نشرت، إنما موحّدة اللون تقريباً. فاللون الغالب هنا رمادي مفضّض لغلبة مئات «النوافذ» المعدنية التي تشكل قابلات المبنى. ونحن لئن وضعنا هنا حدثة «نوافذ» بين معقوفتين، فما هذا إلا لأن هذه الأشكال هي أكثر من نوافذ: فهي إذ تبدوعلى شكل «مشربيات» عربية متجاورة، تلعب في الوقت نفسه دور النوافذ ودور الستارات... وهي كان من المفروض حتى تشكل أصلاً مأثرة تقنية مدهشة حيث إنها وزّعت هناك في شكل يجعلها تفتح وتقفل أوتوماتيكيا تبعاً لقوة الضوء الآتي من الخارج. غير حتى هذا الإنجاز الذي بدا ثورياً أول الأمر، لم يتحقق تماماً، إذ حتى الآن لا يزال يعاد النظر وتجرى التجارب لتشغيلها كما ينبغي من دون التوصل إلى حلول نهائية.

غير حتى هذه المشكلة ليست العيب الوحيد في هندسة المكان. فالحال حتى المرء ما إذا يدخل المكان بعد انبهاره الأول بروعة القابلة الجنوبية المستقيمة، وبجمال القابلة الشمالية المنحنية على طول مجرى نهر السين، حتى يصدمه ضيق الممرات وكثرة الأعمدة المانعة لوجود أية مساحات فسيحة حقيقية... هذا إذا لم نتحدث من ناحية أخرى عن اندماج الممحرر الإدارية بالأماكن المخصصة للمخطات والعروض والصالات وأماكن الأرشيف وما إلى ذلك. إذا هذا كله يظهر عشوائياً هنا بعض الشيء، كحال مسقط المصاعد الذي جعل في نقطة المركز من المبنى قاسماً الطوابق في شكل قد يراه كثر خالياً من المنطق الوظائفي. بيد حتى هذا كله صار، في الحقيقة، جزءاً من العادة ولم يعد كثر يتوقفون عنده، لا سيما حين يصلون في تجوالهم إلى السطح حيث المطاعم وحيث يتيح التجوال مشاهدة واحدة من أروع المنظورات لباريس العتيقة...

  • والواقع حتى مضمون «المعهد» ووظائفه الثقافية والحضارية... والسياحية حتى إذا شئتم، كلها جعلت ملايين الزائري الذين يتدفقون على المعهد سنوياً، يغضّون الطرف متناسين بعض عيوبه الهندسية. وتبدوأهمية هذا، إذا نحن تذكرنا حتى السجالات التي دارت حول المعهد إثر افتتاحه الرسمي في عام 1987، ركزت على عيوبه الهندسية «مؤكدة» حتى هذه العيوب ستجعل الإقبال عليه ضئيلاً، «حتى ولوشاهده ملايين الملايين من الخارج وأدهشهم مظهره» كما نطق أحد الكتّاب المختصين يومها. وطبعاً نعهد الآن حتى ذلك التوقّع لم يتحقق، وأن المبنى يعتبر اليوم من علامات باريس العمرانية الأساسية. لكنه، أكثر من هذا – وعلى رغم عدم إيفاء دول عربية كثيرة بتعهداتها التمويلية الأساسية ما اضطر السلطات الفرنسية إلى الانفراد بالتمويل ولوعلى مضض - بات جزءاً أساسياً من انتشار الثقافة العربية في العالم، نافذة هذه الثقافة على أوروبا ومقصد الباحثين بمخطته وأرشيفاته الضخمة. فإذا أضفنا إلى هذا نشاطاته المسرحية والتشكيلية والسينمائية (على رغم التوقف غير المبرر منذ سنوات لمهرجانه السينمائي الذي كان يوماً أبرز مهرجان للسينما العربية في العالم) والموسيقية وغيرها، يصبح في إمكاننا حتى نتساءل عما إذا لمقد يكونوا مخطئين تماماً جميع أولئك الذين تنبأوا للمشروع بالفشل ونطقوا عن هندسته ما لم يقله مالك في الخمر؟

المصادر

  1. ^ "«معهد العالم العربي» لجان نوفيل: مأثرة عمرانية شرقية الهوى على ضفة السين". دار الحياة. الإثنين ١١ يونيو٢٠١٢. Retrieved 14/6/2012. Unknown parameter |outhor= ignored (help); Check date values in: |accessdate=, |date= (help)
تاريخ النشر: 2020-06-04 11:07:27
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, CS1 errors: dates

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كوفيد - 19 : تسجيل 11 وفاة خلال ال24 ساعة الماضية

المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب التصنيف: صحة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:11
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 96%

احذر.. رسائل تسديد رسوم التوصيل - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:46
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 51%

وزير التجارة: رصد ومتابعة أسعار 217 سلعة لمنع أي تلاعب السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

عاجل... شرطي يطلق على نفسه الرصاص من مسدسه داخل مقر عمله ببنجرير

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:23
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 72%

وزارة الصحة تحذر المغاربة وتدعوهم إلى تلقي الجرعة الرابعة "بشكل عاجل"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:21
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 74%

البريد السعودي |سبل يستمر بخدمات حج بلا حقيبة لضيوف الرحمن السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:50
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 51%

مسيرات «كاريش»: في تعريف المصلحة اللبنانية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:43
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 89%

خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة من سلطان عُمان السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:49
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

أمير عسير يشكر طالبي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:47
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

"أونسا" يمر إلى السرعة القصوى لتأمين صحة المواطنين خلال عيد الأضحى

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:21
مستوى الصحة: 66% الأهمية: 84%

الحوثي يسطو على 122 مليارا من إيرادات الاتصالات - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 54%

وزارة الصحة تدعو إلى تلقي الجرعة المعززة "بشكل عاجل" (مسؤول)

المصدر: MAP ANTI-CORONA - المغرب التصنيف: صحة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:12
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 99%

أكثر الدول عرضة لخطر الفيضانات في 2100 السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:51
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

كساد في أسواق الأضاحي بجيجل

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

واشنطن: إيران أحرزت تقدماً مقلقاً في برنامجها لتخصيب اليورانيوم

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:41
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

اجتماع نادر بين بلينكن ونظيره الصيني في بالي هذا الأسبوع

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:40
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

فرنسا تسجّل أكثر من 200 ألف إصابة بـ«كوفيد» في 24 ساعة

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:22:40
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 92%

أخنوش: جلالة الملك يحرص على ألا يخلف بلدنا موعده مع إصلاح التعليم

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-05 18:23:22
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 85%

تحميل تطبيق المنصة العربية