النظام القديم والثورة

ألكسي ده توكڤيل - النظام القديم والثورة، ليڤي، 1866

النظام القديم والثورة L'Ancien Régime et la Révolution (اصدار 1856) هوعمل للمؤخ الفرنسي ألكسي ده توكڤيل. الكتاب يحلل المجتمع الفرنسي قبل الثورة الفرنسية — العهد الذي سُمِّي "النظام القديم "آنشيان رجيم" Ancien Régime" — ويستقصي الأسباب والقوى التي أدت إلى الثورة. وهوأحد الأعمال التاريخية المبكرة الكبيرة حول الثورة الفرنسية. في هذا الكتاب، يطور ده توكڤيل نظريته الرئيسية حول الثورة الفرنسية، نظرية الاستمرار، والتي يقول فيها أنه حتى حين حاول الفرنسيون حتى يبتروا علاقتهم بالماضي وبالنظام القديم الأوتوقراطي، فإنهم انتقلوا إلى حكومة مركزية قوية.

هذا الموضوع مبني على
منطقة لابراهيم العريس.

في السطور الأولى لكتابه الشهير «ذكريات» الذي وضعه في عام 1850، وبعد حتى خاض، بفشل ذريع قد لا تكون له يد فيه، تجربة الحكم وزيراً للخارجية في حكومة فرنسية لم تدم سوى أقل من عام، يقول توكفيل: «إذ أجدني بعيداً، في شكل موقت، عن مسرح الأحداث، وإذ أجدني غير قادر حتى على الخوض في أية دراسة متواصلة، بسبب اعتلال صحتي، قررت حتى أنكبّ، وسط عزلتي، على تأمل ذاتي لبعض الوقت، أوبالأحرى على تأمل ما حولي من أحداث معاصرة كنت فيها فاعلاً، أوعليها شاهداً. ويبدولي الآن حتى أفضل استخدام لأوقات الفراغ هذه المتاحة لي، سيكون في رسم صورة هذه الأحداث، وفي رسم صورة للأشخاص الذين لعبوا دوراً فيها تحت ناظريّ، وبالتالي حتى التقط وأحفر في ذاكرتي، إذا تمكنت من هذا، جميع تلك الملامح المختلطة التي تشكل الصورة غير المستقرة لزمني هذا...». والحال حتى المتعة التي شعر بها توكفيل وهويخط ذكرياته ومذكراته على هذا النحو، ثم ينشرها العام التالي لتثير ضجة في باريس، سرعان ما تحوّلت لديه إلى فائدة وإلى قاعدة لعمل أكثر جدية أقدم عليه بعد ذلك بخمسة أعوام أوستة، حين قرر حتى يدلي بدلوه في مجال التأريخ لأحداث الأزمات السابقة بعض الشيء، أي الأحداث التي واكبت التغيرات الأساسية التي أحدثتها في فرنسا، وفي أوروبا وربما في العالم كله، تلك الثورة الفرنسية الكبرى التي كان توكفيل أصلاً من كبار المهتمين بها والمقتفين آثارها، حتى وإن كان قد ولد بعد اندلاعها بسنوات طويلة.

ومن الواضح حتى توكفيل، الذي كان تجاوز له حتى خط حول أميركا، واحداً من أفضل المؤلفات التي عالجت ديموقراطيتها ومجتمعها الجديد (حتى زمنه على الأقل)، وزار بلداناً عدة تحدث عن تجارب الحكم كما عن الاتجاهات الاجتماعية فيها، وكذلك عمل إذ عالج الوضع في فرنسا، منذ عام 1836 في كتابه «الوضع الاجتماعي والسياسي في فرنسا قبل 1789 وبعده». توكفيل هذا قُدّر له حتى يختتم حياته بوضع (1852) ثم نشر (1856) تلك الدراسة التي ستظل عمله الأساس إلى جانب كتابه الأميركي، ونعني بها «النظام القديم والثورة». ومن المفيد حتى نذكر هنا حتى توكفيل كان يريد لكتابه هذا حتىقد يكون جزءاً أولاً في سفر ضخم يؤرخ فيه للثورة في شكل عام، ومن شتى نواحيها، لكن صحته المتردية وموته المبكر (1859) حالا دون اكتمال المشروع، فبقي منه جزؤه الأول ذاك، يُقرأ ويُحلّل على مدى الأزمان منظوراً إليه، على رغم عدم اكتماله، بصفته أول محاولة جادة في التاريخ لدراسة الثورة والتغيرات التي واكبتها، دراسة فهمية تحليلية لا يكتفي صاحبها بأن يورد الأحداث في تسلسلها وانطباعاته الذاتية عنها.

إن الفكرة الأساسية التي يريد توكفيل معالجتها في هذا الكتاب/ المحصلة، هي حتى الديموقراطية إنما تقوم في الأساس على مبدأ المصلحة الفردية، ومن هنا فإنها تجازف بأن تعزل الإنسان وتهبط بمستواه الخلقي، حائلة بينه وبين حتى يتحمل مسؤولياته كافة. من هنا، يتعين إضفاء طابع لا مركزي على السلطة، وتحرير الصحافة وبقية المؤسسات والمشاريع إلى الحد الأقصى، وجعل القضاء مستقلاً جميع الاستقلال عن الحكومة. فكيف يتوصل توكفيل إلى هذه الاستنتاجات في كتابه هذا،يا ترى؟ إذا ما يهم توكفيل هنا هوالوصول إلى هذه النتائج، ولكن في شكل مقنع ومنطقي، لذلك نراه يهتم بأن يعيد رسم الأحداث السياسية والاجتماعية التي عاشتها فرنسا خلال المراحل المتتالية لثورتها، منذ تهاوي الإقطاعيات، حتى ظهور مبادئ عام 1789 وصولاً إلى انقلابات الديموقراطيات التي حصلت خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، أي الزمن الذي عاش فيه توكفيل وشهد أحداثاً وكان فاعلاً في بعضها. وما يعمله توكفيل هنا إنما هوتأمله الأحداث في واقعها التاريخي، وليس من زاوية تخلط السيكولوجيا الجماعية بسيرة رجال الثورة، كما كان اعتاد حتى يعمل الكثر من الذين أرّخوا للثورة من قبله. إذا توكفيل، هنا، يفهم الحياة الاجتماعية للأمة في تعقيداتها جميعاً فإذا كانت الثورة قد اتخذت لنفسها مسوح ثورة دينية في طول أوروبا وعرضها، بخاصة في مجال ترويجها لتصور حديث لحياة الإنسان ووظيفته، فمن السليم أيضاً حتى دلالتها الاجتماعية هي الوحيدة القادرة على إسقاط الامتيازات والقوانين التي كانت تحكم النظام القديم. ويلاحظ توكفيل هنا حتى الثورة قد اهتمت كثيراً بمركزة الإدارة والعدل وبتوفير أكبر مقدار من الضمانات للموظفين... فإذا بها في هذا كله لا تعمل أكثر من اتباع الخطى نفسها التي كان النظام القديم يسير عليها: فالنظام الملكي، قبل الثورة، كانت الأمور قد انتهت به إلى الإمساك بالسلطات كلها وتكبيل أيديها، وإلى إفساد النبالة التي، إذ وجدت نفسها بعيدة من السياسة المشرفة (على عكس ما وقع بالنسبة إلى النبالة الإنكليزية في القرن الثامن عشر)، راحت تغوص أكثر وأكثر في الكسل والجبن... والمشكلة تكمن في حتى الظاهرة نفسها قد تجلت مع المركزية الثورية الجديدة، التي مورست من جميع السلطات التي تعاقبت على الحكم، منذ عهد الثورة حتى العصر الذي عاش فيه توكفيل. هكذا، صار من شأن الحرية حتى تتحول إلى فوضى، بل حتى إلى نوع من «ديكتاتورية الشارع والحثالة». ويتأتى هذا، ودائماً في رأي توكفيل كما عبر عنه ذلك الكتاب الذي أنهى به حياته، من واقع حتى الديموقراطية لا ترفدها هنا أية تنطقيد حقيقية، ولا أية مشاركة صحية في الحكم وفي إدارة شؤون الدولة من قبل الجميع، في شكل يفترض تشاركاً عملياً في تملك الخير العام. من هنا، فإن الكتّاب المدفعين عن الديموقراطية، بالنسبة إلى توكفيل أيضاً، وكما وقع في شكل خاص في «عهد التنوير»، يخطون وينتقدون، انطلاقاً من ذهنية تحليلية خالصة، وتبعاً لعناصر الفكر السياسي النظري، من دون حتى يهتموا أي اهتمام بالغوص في واقع الأمور. ويترتب على هذا حتى «تُقدّم إلينا منظومات، قد تكون حسنة النوايا، لكنها عمياء تماماً بالنسبة إلى نظرتها إلى الواقع: ذلك حتى تجذر الثورة في تطوراتها كافة، إنما يخفي افتقاداً حقيقياً إلى التربية السياسية الحقة، ما يجعل من السهل، بكل أسف، الانتنطق من التمجيد النظري للحرية، إلى الغوص في العبودية السياسية المطلقة».

> هكذا إذاً، أدلى بدلوه في الحديث عن الثورة والديموقراطية بالتالي، واحد من ألمع العقول الفكرية الفرنسية التي عاشت خلال الفترة التالية للثورة الفرنسية. والحقيقة حتى توكفيل كان أقدر من أي مفكر آخر، في ذلك الحين، على الغوص في مثل ذلك التحليل الذي جعل منه محصلة حياته وأفكاره وسفراته ومقارناته بين ثورات عدة ونظريات كثيرة، راسماً انطلاقاً من ذلك كله صورة للواقع كما عاينه ميدانياً ونظرياً، وليس نظرياً فقط.