تاريخ اليهود في فرنسا

عودة للموسوعة

تاريخ اليهود في فرنسا

اليهود الفرنسيون




من اليسار إلى اليمين ومن أعلى لأسفل: روبير بادنتير • سيمون ڤيل • زادوك كان • كلود كوهين-تنوجي • جاك هادامار • إميل دوركهايم
سارة برنار • إيرين نيميروڤسكي
التعداد الإجمالي
483,500 - 500,000 (تقدير)
المناطق ذات التواجد المعتبر
باريس
مارسيليا
ليون
ستراسبورگ
اللغات
اللغات اليهودية التقليدية
العبرية، اليديشية، لادينو، اللغات اليهودية الأخرى (معظمهم مهدد وبعضهم انقرض الآن)
اللغات الشعائرية
العبرية والأرامية
لغات الحديث الغالبة
الفرنسية, العبرية, Judeo-Arabic, اليديشية, الروسية
الديانة
اليهودية
الجماعات العرقية ذات الصلة
يهود سفارديون، يهود مزراحيون، يهود أشكناز، والتقسيمات العرقية اليهودية الأخرى

تاريخ يهود فرنسا يبدأ من نحوألفي سنة مضت. ففي مطلع العصور الوسطى، كانت فرنسا مركزاً للتفهم اليهودي، إلا حتى الاضطهاد ازداد مع التوغل في العصور الوسطى. وكانت فرنسا أول بلد في اوروبا يحرر سكانه اليهود أثناء الثورة الفرنسية، إلا أنه على الرغم من المساواة القانونية، فإن معاداة السامية ظلت مشكلة، كما اتضح في قضية دريفوس في أواخر القرن التاسع عشر.

وتضم فرنسا حالياً أكبر جالية يهودية في اوروبا وثالث أكبر جالية يهودية في العالم، بعد إسرائيل والولايات المتحدة.

تقدر الجالية اليهودية في فرنسا في 2010 بنحو483,500 حسب المخطة الافتراضية اليهودية و500,000 حسب Appel Unifié Juif de France, ويتواجدون أساساً في المناطق العمرانية باريس، مارسيليا، ستراسبورگ، ليون، وتولوز.

واليوم، فإن اليهود الفرنسيين معظمهم سفرديم ومزراحيون اتىوا من شمال أفريقيا ومنطقة البحر المتوسط ويضمون نطاقاً من الانتماءات الممضىية، من مجتمعات الحرديم الموغلين في الأرثوذكسية حتى نطاق واسع من اليهود الفهمانيين.

العصر الروماني-الغالي


فرنســـا من العصــور الوســـطى حتى الثورة الفرنسـية

يبدوحتى اليهود قد استوطنوا في فرنسا (بلاد الغال) مع القوات الرومانية وأصبحوا مواطنين رومانيين عام 212 ميلادية. وقد تأثر وضعهم حينما تبنَّت الإمبراطورية الرومانية المسيحية ديناً رسمياً عام 340 ميلادية. وكان أعضاء الجماعة اليهودية يعملون في جميع الوظائف والحرف والمهن، مثل الزراعة والتجارة والحرف اليدوية، ولكنهم بدأوا يتحولون إلى جماعة وظيفية وسيطة (يهود بلاط) للحكام والأساقفة في الإمبراطورية الفرانكية. وكان أعضاء الجماعة اليهودية يقومون كذلك بتجارة الرقيق التي كانت تشكل نقطة احتكاك بينهم وبين الكنيسة التي منعت التجارة اليهودية للعبيد في باريس عام 614، بل ومُنع أعضاء الجماعة اليهودية من الاحتفاظ بالعبيد المسيحيين. وتَعمَّق هذا الاتجاه في عهد الأسرة الكارولنجية. ففي عهدي شارلمان (768 ـ 814) ولويس الأول (814 ـ 840)، أصبح أعضاء الجماعة اليهودية جماعة وسيطة تجارية ومالية مهمة، وُضعت تحت حماية الإمبراطور. وهيمنوا على تجارة الاستيراد والتصدير نظير إعطاء عُشر أرباحهم للخزانة الإمبراطورية (لقاء جزء من أحد عشر جزءاً يدفعه التجار المسيحيون). وكانت هناك جماعة يهودية في ليون مركز تلاقي الطرق بين إسبانيا وألمانيا وإيطاليا. ومُنح أعضاء الجماعة اليهودية مواثيق تنص على حماية أملاكهم وعلى إعفائهم من المكوس، وتمنحهم المزايا كأن يعيشوا حسب قوانينهم ويستأجروا المسيحيين، ويشتروا العبيد غير المسيحيين. لكن تنصير مثل هؤلاء العبيد تم حظره لأن هذا من قبيل مصادرتهم. وكان أعضاء الجماعة يمتلكون الأراضي ويعملون بالزراعة، وخصوصاً زراعة الكروم. ولذا، احتكروا تجارة الخمور (وضمن ذلك الخمور التي كانت تستعملها الكنيسة في القُدّاس). وعمل أعضاء الجماعة اليهودية كذلك أطباء وجامعي ضرائب وسفراء. وكان من يُلحق باليهود أي أذى يُنزَل به أشد العقاب. وأُعفيَ أعضاء الجماعة اليهودية من الاستجواب عن طريق التعذيب وهي طريقة للاستجواب كان معمولاً بها في المحاكمات، وعُيِّن قاض لليهود مهمته الدفاع عن المزايا التي اكتسبوها. وفي القرن التاسع، هجرز أعضاء الجماعة اليهودية بوادي الرون ومقاطعة شامبين. ولكن، في القرن الحادي عشر، كان شمال فرنسا أكثر المراكز كثافة من ناحية الهجرز اليهودي. وطُرد أعضاء الجماعة اليهودية من الحـرف المخـتلفة في ذلك التاريخ وبدأوا في احتراف الربا، وتعرضوا لعمليات اعتصار من قبَل النخبة الحاكمة التي كانت تحميهم في تلك الفترة، وخصوصاً من هجمات الصليبيين (الفرنجة في المصطلح العربي)، فكانت تفرض عليهم الضرائب والإتاوات. كما كانت تُلغي ديون من يتطوع للاشتراك في حملات الصليبيين كطريقة للتعبئة. وقد حارب لويس التاسع (1226 ـ 1270) ضد المرابين اليهود، فأعفى رعاياه من ثُلث ديونهم، وتم تضييق الخناق على أعضاء الجماعة اليهودية بموجب قرارات المجمع اللاتراني الرابع (1215)، إلى حتى طردهم فيليب الرابع (الذي دأب على نهب طبقات المجتمع كافة) عام 1306 وصادر ممتلكاتهم وحَوَّل الديون التي يستحقونها والتي لم تكن قد سُددت بعد إلى الخزانة الملكية. واستقر اليهود المطرودون في اللورين وبرجندي وسـافوي والمناطق غـير الخاضعة لحكم الفرنسـيين في بروفانـس.

وبعد حتى اشتكى الناس من المرابين المسيحيين الذين حلوا محل المرابين اليهود، تم استرجاعهم حيث صُرح لهم بأخذ فائدة مقدارها 43 %، كما سُمح لهم بتحصيل تلك الديون التي لم يحصلوها عند طردهم والتي لم يكن الملك قد حصلها بعد، شريطة حتى يدفعوا ثلثي المبلغ للخزانة الملكية. وأخيراً سُمح لهم بشراء معبدهم اليهودي ومقبرتهم وكل خطهم المصادرة (ما عدا التلمود).

ولكن الأحوال ساءت مرة أخرى في جنوب فرنسا، وخصوصاً مع انتفاضة الرعاة عام 1317. وتم طرد اليهود عام 1322، ولكنهم أعيدوا مرة أخرى عام 1359 إلى حتى طردهم شارلز السادس عام 1394 نهائياً. ومع هذا، سُمح لليهود بالبقاء في المقاطعات البابوية في أفنيون.

وشهدت هذه الفترة ازدهار الدراسات التلمودية، حيث خط راشي تعليقه الشهير على التلمود. وانتشرت أفكار موسى بن ميمون بين بعض المفكرين الدينيين من أعضاء الجماعات اليهودية، الأمر الذي جعل قادة الجماعة اليهودية يشون بهم إلى محاكم التفتيش التي قامت بإحرق خط ابن ميمون.

وظلت فرنسا خالية تقريباً من اليهود حتى أواخر القرن السادس عشر حيث بدأت جماعات المارانوفي الاستيطان بمقاطعتي بوردووبايون. وكانت أعداد المستوطنين صغيرة لا تتعدى بضعة آلاف، وكانت أكبر الجماعات تُوجَد في بوردوحيث تَمتَّع أعضاء الجماعة بمكانة اقتصاديـة عاليـة، فكانوا يعملـون بالتجارة الدولية والأعمال المالية المتقدمة، كما كانوا يمتلكون رؤوس أموال كبيرة نسبياً وسفناً تجارية. ولذا، اشهجروا في التجارة المثلثة الزوايا: شحن البضائع الأوربية الرخيصة إلى الساحل الأفريقي، وتحميل هذه السفن بالعبيد الذين كانوا يُباعون في المزارع الأمريكية والكاريبية، ثم عودتها من العالم الجديد لأسواق أوربا حاملة المنتوجات الاستوائية كالسكر والنيلة والتبغ وغيرها من السلع. وفي القرن الثامن عشر، تم الاعتراف بيهود المارانوالمتخفين كيهود، وذلك بعد حتى كان القانون يعتبرهم مسيحيين رغم فهم السلطات بأنهم يهود. وابتداءً من عام 1552، بدأت الصبغة الإثنية والثقافية لأعضاء الجماعة اليهودية في التغير إذ ضمت فرنسا مدينة متز في ذلك العام وتم ضم الألزاس (1648) واللورين (1733)، وأدَّى هذا إلى زيادة عدد اليهود الإشكناز زيادة كبيرة، وقد كان يبلغ عددهم في هاتين المقاطعتين نحو20 ألفاً، وتم وضعهم تحت الحماية الملكية. وكان الإشكناز متخلفين ومختلفين من الناحية الحضارية، ومنعزلين ثقافياً. ومن ثم، بدأت المسألة اليهودية تطل برأسها، وخصوصاً بعد اكتشاف تَلاعُب بعض أعضاء الجماعة في الأعمال التجارية. وطُرحـت قضيـة إصـلاح اليهود، وبُذلت عدة محاولات لتطبيعهم، وأعربت أكاديمية متز عن مسابقة لكتابة دراسة عن السبل الممكنة لإصلاح اليهود عام 1785. وتم تشكيل لجنة لإصلاح يهود الألزاس، كان من بين أعضائها قيادات الجماعة السفاردية في جنوب فرنسا.

فرنســـــا منــــذ الثـــــورة

كان عدد أعضاء الجماعات اليهودية في فرنسا عند نشوب الثورة الفرنسية لا يزيد على 40 ألفاً، تُوجَد أغلبيتهم الساحقة (نحو20 ـ 25 ألفاً) في الألزاس، ونحو3500 في متز وضواحيها، ونحو4000 في اللورين. وفي إحصاء آخر، قيل إذا عدد يهود الألزاس واللورين وحدهـم كان نحـو40 ألفـاً، وأن هؤلاء كانوا من الإشـكناز ويهود اليديشية. ولم يكن يُوجَد سوى 3300 (سفارد) منهم 2300 في بوردوو1000 في بايون. كما كان يوجد حوالي 2500 يهودي في المقاطعات البابوية (يهود أفنيون) وحوالي 500 في باريس (وكانوا خليطاً من الإشـكناز والسـفارد). وكانت نسـبة اليهود إلى عـدد السـكان صغيرة للغاية، إذ كانت لا تزيد على 0.5%.

وحينما اندلعت الثورة الفرنسية، لم تجر إثارة أي جدل بشأن اليهود السفارد الذين كانوا يشكلون جزءاً عضوياً من المجتمع الفرنسي والذين كانوا يتحدثون إما اللغة الفرنسية أواللادينووهي رطانة إسبانية قرىبة الشبه بالفرنسية، وكانوا يعملون في التجارة الدولية بل وفي الصناعة ويتمتعون بمعظم حقوق المواطنين الفرنسيين ويعيشون في المناطق الساحلية. وكان نظامهم التعليمي متطوراً، عملى سبيل المثال قاموا هم أنفسهم بحظر تدريس التلمود في مدارسهم منذ عام 1760. وكانوا قد حصلوا على حق السكنى في أي مكان بفرنسا، وحق إقامة شعائرهم بحرية كاملة. ولكل هذا، فإن منح اليهود السفارد في جنوب فرنسا وفي أفينيون، حقوقهم المدنية بالكامل، كانت مسألة شكلية تمت دون مناقشة في يناير عام 1790. أما اليهود الإشكناز، في الألزاس واللورين وغيرهما من المناطق، فكانوا محور المناقشة بسبب تَميُّزهم الوظيفي والثقافي، كما كانوا محط احتقار إخوانهم من السفارد. فكان الزواج المختلط بين الفريقين محظوراً، بل إذا السفارد منعوا الإشكناز من الاستقرار في مقاطعة بوردوالتي كان السفارد يوجدون فيها بأعداد كبيرة. وإلى جانب هذا، كان اليهود الإشكناز محط كراهية عميقة من الجماهير المسيحية. وعشية الثورة الفرنسية نوقشت المسألة اليهودية الإشكنازية، والتي تم طرحها على النحوالتالي: هل اليهود فرنسيون أم أنهم أمة داخل أمة،يا ترى؟ وعزف أعداء اليهود على نغمة «الخطر اليهودي» وأشاروا إلى حتى اليهود جسم متماسك غريب منبوذ، ولذا فلابد من التخلص منه (وهي نفسها الفكرة التي عبَّرنا عنها بعبارة الشعب العضوي المنبوذ). أما العقلانيون، فكانوا يطرحون الخط الاندماجي الذي يرى حتى معضلة اليهود الإشكناز ليست مسألة كامنة في طبيعتهم وإنما تنبع من وضعهم الشاذ ومن إنكار حقوقهم السياسية والمدنية، وأن الحل يكمن في تحديث اليهود وإعتاقهم، أي إعطائهم حقوقهم كاملة وتشجيعهم على الاندماج لقاء حتى يتخلى اليهود (وكل أعضاء الأقليات الأخرى) عن خصوصيتهم اللغوية والثقافية والإثنية في الحياة العامة. وهذا هوالمعنى الذي تضمنته تعبير « أن يصبح اليهودي مواطناً في الشارع، يهودياً في منزله ». وقد وصل هذا الخط قمته إبّان حكم الإرهاب (1793 ـ 1794) وهي الفترة التي وصلت فيها عبادة العقل ذروتها، والتي شارك فيها أعضاء من الجماعة اليهودية، فأُغلقت جميع دور العبادة المسيحية واليهودية باعتبارها تعبيراً عن خصوصيات غير طبيعية وانحرافاً عن فكرة الإنسان الطبيعي. ومُنعت الجماعة اليهودية من ممارسة بعض شعائرها باعتبار أنها لا تتفق مع العقل، وإن كان لم يرسل أي يهودي للمقصلة بسبب عقيدته.

ومَنحت الثورة أعضاء الجماعات اليهودية جميع حقوق المواطنين، وحاولت دمجهم في المجتمع عن طريق فتح المدارس لأبنائهم، وتشجيعهم على التخلي عن تميزهم الوظيفي. واتى في أحد قرارات الثورة « إن الحقوق هي حقوق تمنح للأفراد من أتباع العقيدة اليهودية، وليست للأقلية اليهودية باعتبارها جماعة متماسكـة »، وهـوما عبَّر عنه شـعار « لليهود أفراداً جميع شيء، ولليهود جماعة لا شيء ». وحاول الإشكناز من جانبهم الإبقاء على عزلتهم المتمثلة في القهال وفي رفض المؤسسات الحديثة التي أنشأتها الثورة. ففي عام 1808، كان عدد الأطفال اليهود في اللورين والألزاس الذين يمضىون إلى المدارس الحكومية لا يزيد على 10%. ومما زاد المسألة اليهودية الإشكنازية تفاقماً، حتى كثيراً من الفلاحين الفرنسيين (نحو400 ألف) الذين اشتروا أراضي كبار الملاك التي صادرتها الثورة اقترضوا الأموال اللازمة لإتمام هذه العملية من المرابين اليهود الذين بلغ عددهم ثلاثة أوأربعة آلاف مراب. ولكنهم عجزوا عن تأدية ديونهم، وهوما جعل أعضاء الجماعة اليهودية محط السخط الشعبي في الفترة ما بين 1802 و1805. ومن هنا طرحت المسألة اليهودية نفسها على نابليون.

وقد كان لدى نابليون بعض الخبرة بشأن أبعاد المسألة اليهودية بسبب احتكاكه ببولندا، بعد حتى أعاد تنظيم مركز بولندا في شكل دوقية وارسو. وكان قد انتهى لتوه من تنظيم علاقة الدولة بالكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية، ولم يبق سوى تنظيم علاقتها باليهودية. فأوقف جميع الديون، ثم نادى عام 1806 إلى عقد مجلس ضم مائة عضومن وجهاء اليهود في الأراضي الخاضعة لحكم فرنسا. وترأس مجلس الوجهاء يهودي سفاردي من بوردو، وطرح عليهم اثنى عشر سؤالاً عن موقف اليهود من بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية المهمة المتعلقة بعلاقتهم بوطنهم، وهل يعتبرون أنفسهم أجانب أم فرنسيين،يا ترى؟ وهل هم على استعداد للدفاع عن الوطن،يا ترى؟ وهل تشجع اليهودية على الربا الفاحش أم لا،يا ترى؟ وهل هناك تناقض بين الإجراءات اليهودية والقانون الفرنسي بشأن الزواج والطلاق،يا ترى؟ وهل يُسمَح لليهود بالزواج من المسيحيين،يا ترى؟ وكانت الإجابات في معظمها إما بالإيجاب وإما بالمراوغة. وقرر المجلس حتى اليهودي يتعيَّن عليه حتى يعتبر الأرض التي وُلد عليها وطنه، وعليه حتى يدافـع عنهـا، كما يتعيَّن على جميع يهــودي حتى يعتبر بقية المواطنين إخوته. كما أكد المجلس حتى الشريعة اليهودية وقوانينها لا تتناقض البتة مع القانون الفرنسي المدني، فاليهودية تَحظُر تعدد الزوجات، وقرر حتى الطلاق (بحسب الشريعة اليهودية) لا يصبح شرعياً إلا بعد الطلاق المدني، وأن الزواج (بحسب الشريعة اليهودية) لا يصبح شرعياً إلا إذا سبقه زواج مدني. وبينت قرارات المجلس حتى اليهودية لا تُحرِّم أية حرف يدوية أووظائف وأن من المحبب لليهودي حتى يعمـل في الزراعـة والأعمال اليدوية كما كان يعمل أسلافه في فلسطين. كما بيَّنت حتى اليهودية تحرم على اليهودي أخذ فائدة ربوية من المسيحي أواليهودي. ثم نادى نابليون في فبراير 1807 إلى مؤتمر أطلق عليه «السنهدرين الأكبر» يضم الحاخامات وبعض اليهود من غير رجال الدين ليؤكد القرارات التي توَّصل إليها هؤلاء الوجهاء. وقد أعرب السنهدرين ولاءه الكامل للإمبراطور، وبطلان أية جوانب في التراث اليهودي تتناقض مع ما يتطلبه واجب المواطنة. وصدَّق السنهدرين على قرارات مجلس الوجهاء، كما أصدر قوانين تمنع تعدد الزوجات والربا وأخرى تحتم إجراء الطلاق المدني.

وأصدر نابليون بعد ذلك قراراته الخاصة بتنظيم علاقة اليهودية بالدولة الفرنسية. ففي عام 1808، أصدر مرسومين تم بمقتضى الأول إقامة نظام من المجالس الكنسية (بالفرنسية: كونسيستوار Consistoire)، وهي لجان من الحاخامات والرجال العاديين للإشراف على الشئون اليهودية تحت إشراف مجلس كنسي مركزي. وكان من مهام هذه المجالس حتى ترعى معابد اليهود وغيرها من المؤسسات الدينية، وتنفذ قوانين التجنيد وتشجع اليهود على تغيير المهن التي يشتغلون بها. أما المرسوم الثاني، فقد اعترف باليهودية ديناً كما ألغى (أوأنقص أوأجل) الديون اليهودية المستحقة للمرابين الإشكناز، وأُعفي السفارد من ذلك المرسوم. وأصبح الحاخامات مندوبين للدولة مهمتهم تعليم أعضاء الجماعات اليهودية تعاليم دينهم وتلقينهم الولاء للدولة وأن الخدمة العسكرية واجب مقدَّس. وكان على الحاخامات توجيه أعضاء الجماعات اليهودية إلى الوظائف النافعة. وقد اعترفت الحكومة الفرنسية باليهود بوصفهم أقلية، وأصبح لهم كيان رسمي داخل الدولة، فحصلوا على حقوقهم ومُنحوا شرف الجندية ولم يعد يُسمح لهم بدفع بدل نقدي، وشُجعوا على الاشتغال بالزراعة. وحرَّم نابليون على اليهود الإشكناز الاشتغال بالتجارة دون الحصول على رخصة بذلك، ولم تكن الرخصة تُجدَّد إلا بعـد التأكـد من مدى إحسـاس التـاجر اليهودي بالمسئولية الخلقية. كما طُلب إلى أعضاء الجماعات اليهودية حتى يتخذوا أسماء أعلام وأسماء أسر دائمة على الطريقة الغربية. ورغم حتى الأدبيات اليهودية والصهيونية تطلق على هذه القرارات اسم «القرار المشين»، فإنه كان قراراً مرحلياً يهدف إلى تحديث اليهود (ولذا، فإنه لم يُطبَّق على السفارد). وقد نجح بالعمل في دمجهم بالمجتمع الفرنسي. وبحلول عام 1811، كانت أعداد كبيرة من اليهود تعمل بتجارة الجملة والحرف وكان قد تم تطبيعهم إلى حدٍّ كبير. وبعد مرور الفترة الانتنطقية التي حددها القرار، لم تنشأ أية حاجة إلى فترة انتنطقية أخرى.


الامبراطورية الأولى

بدأ انعتاق اليهود الأوروبيين أول ما بدأ في فرنسا لأنها كانت رائدة في تحرير العقول ولأن حركة التنوير قد عوّدت نسبة كبيرة من الراشدين على تفسير التاريخ تفسيراً غير ديني (تفسيراً فهمانياً Secular). والبحوث المتعلقة بالكتاب المقدس تظهر المسيح (عليه السلام) كداعية محبوب مؤمن باليهودية لكن الفريسيِّين هم الذين عادوْه. والأناجيل نفسها تظهر آلاف اليهود يستمعون إليه بسرور وأن الآلاف منهم قد استقبلوه بترحاب عند دخول القدس. فكيف إذن يُعاقب شعب تام عبر آلاف السنين لجريمة حَبْر كبير وحِفْنة مختلطة من الناس طالبوا بموته،يا ترى؟ لقد بقيت عداوات وخصومات اقتصادية غذّت قلقاً طبيعياً وخوفاً مرتقباً في وجود أحاديث غريبة وأزياء أوملابس غير مألوفة، بل لقد انهار هذا الاتجاه المناهض لليهودية فلويس السادس عشر لم يقابل مقاومة شعبية في ازاحته الضرائب التي كانت تثقل كاهل اليهود على نحوخاص، وميرابوفي منطقه الذي زاوج فيه بين المنطق والأسلوب اللاذع قد نادى إلى انعتاق اليهود انعتاقاً كاملا (7871) وفاز الراهب الفرنسي جريجوار Abbe Gregoire بجائزة من الجمعية الملكية للعلوم والآداب في ميتز Metz في سنة 9871 لمبحثه الذي حمل عنوان البعث اليهودي المادي والأخلاق والسياسي. وبدا حتى النتيجة المنطقية الوحيدة لإعلان حقوق الإنسان قد تحققت عندما مدّت الجمعية التأسيسية في 72 سبتمبر سنة 1971 مظلة الحقوق المدنية كاملة لتضم جميع يهود فرنسا. وأعطت جيوش الثورة الحرية السياسية ليهود هولندا في سنة 6971 ويهود البندقية (فينيسيا) سنة 7971 ويهود مينز Mainz في سنة 8971 وسرعان ما أقرت المدوّنة القانونية النابليونية ذلك بشكل تلقائي وجرى تطبيقها في جميع المناطق التي فتحها نابليون.

وقد تعامل نابليون نفسه مع القضية بالروح المعتادة للجندي الذي يحتقر التجّار، فعندما توقف في ستراسبورج في يناير سنة 6081 أثناء عودته بعد خوضه معركة أوسترليتز Austerlitz تلقى طلبات لمساعدة فلاحي الإلزاس وإنطقتهم من عثراتهم المالية، لأنهم بعد حتى تحرروا فجأة من عبوديتهم للاقطاع وجدوا أنفسهم بلا وظائف أوأرض يحصلون منها على مصدر لرزقهم. وكانوا قد طلبوا من رجال البنوك المحليين - وكان معظمهم من اليهود الألمان - حتى يُقرضوهم المبالغ المالية التي يحتاجونها لشراء أكرات Acres (أفدنة) وأدوات وبذور ليرسّخوا أوضاعهم كفلاحين ملاّك، وقد قدّم اليهود من أصحاب البنوك هذه المبالغ لكن بفائدة تصل إلى 61% وقد اعتبر المقرِضون (بضم الميم وكسر الراء) حتى هذا عدلاً نظراً للمخاطرة التي تنطوي عليها عملية الإقراض (إشارة: المقترضون في أميركا الآن يدفعون النسبة نفسها) والآن فإن بعض الفلاحين لم يستطيعوا الوفاء بدفع هذه النسبة ولم يستطيعوا تخصيص جزء من عوائدهم ليستنزلوا تدريجياً ما عليهم من ديون. وفهم نابليون أنّه إذا لم يتدخّل في الأمر تعرّض فلاحون كثيرون لضياع أراضيهم، وحُذِّر نابليون من حتى جميع مسيحيي الألزاس ساخطون بشدّة بسبب هذا الوضع وأنهم على وشك القيام بهجوم على اليهود.

وعندما وصل نابليون إلى باريس تداول الأمر مع مستشاريه فنصحه بعضهم باتخاذ إجراءات عنيفة، وذكر بعضهم الآخر حتى يهود مرسيليا وبوردووميلان وأمستردام كانوا يعيشون في سلام واحترام في مجتمعاتهم ولا يجب معاقتبهم في ظل أي إلغاء للحقوق التي يتمتعون بها في المناطق التي تحكمها فرنسا. ووقف نابليون موقفاً وسطا (موقفاً توفيقياً) فحكم ألاّ يجمع الدائنون اليهود أية مبالغ يطالبون دائينهم بها في ولايات (محافظات) بعينها قبل مرور عام(66). لكنه في الوقت نفسه (03 مايو6081) نادى أولي الشأن من اليهود في مختلف أنحاء فرنسا للاجتماع في باريس للتباحث في أمور العلاقات بين المسيحيين واليهود وليقترح توزيع اليهود على فرنسا (بمعنى عدم تمركزهم في مكان واحد) وتوزيعهم أيضاً على المهن والوظائف المتنوعة (بمعنى عدم استئثارهم بمهنة بعينها). وكان على مديري الشرطة الفرنسية في الدوائر المتنوعة (المحافظات) حتى يختاروا هؤلاء اليهود المهمين الذين سيجتمعون في باريس، فكان اختيارهم بشكل عام موفقاً(76).

فتجمع اليهود من الرابيين (الحاخامات) وغيرهم في باريس في يوليوسنة 6081 وحظوا باحترام كبير وبلغ عدد المجتمعين منهم 111 وقدم لهم المجلس البلدي قاعة يتداولون فيها. وقدّم نابليون - أومستشاروه - للمجتمعين بعض الأسئلة يود الإمبراطور فهم إجابتها: هل يُقر اليهود تعدّد الزوجات،يا ترى؟ أيسمحون بالتزاوج بين اليهود والمسيحيين،يا ترى؟ أيزعم الرابيون (الحاخامات) الحق في إبرام الطلاق بعيداً عن السلطان المدنية،يا ترى؟ أيعتبر اليهود الرّبا شرعيا Lawful؟. وصاغ الرابيون إجابات عملوا على حتى تكون منادىة لسرور نابليون تعدد الزوجات ممنوع في المجتمعات اليهودية. ولا يُسمح بالطلاق إلاّ إذا أقرّته المحاكم المدينة، والتزاوج بين اليهود والمسيحيين مسموح به، والربا معارض للشريعة الموسوية(86). فأوفد نابليون الكونت لويس مولي Louis Mole ليعبّر لهم عن رضاه. والكونت لويس مولي الذي كان معارضاً لليهود قبل ذلك أصبح الآن يخاطبهم ببلاغة تلقائية قائلا: من الذي لا تعتريه الدهشة لرؤية هذا الجمع من الرجال المتنورين الذين تم اختيارهم من سلالة أقدم الأمم،يا ترى؟ أنه إذا بُعِث للحياة إنسان ممن عاشوا في القرون الخوالي وشاهد هذا المنظر، ألا يظن أنه قد انتقل إلى داخل أسوار المدينة المقدسة؟(96) وعلى أية حالة، فقد أضاف قائلاً إذا الإمبراطور يضفي على المبادئ الغالبة على هذا الاجتماع مزيداً من المصداقية واليقين ويقترح ضرورة دعوة هؤلاء اليهود من أولي الشأن للحضور إلى باريس فيما بعد لهذا الغرض ولأغراض أخرى وأن هذا الاجتماع الرابي (الحاخامي) الأعلى (السنهدريم العظيم) الذي لم ينعقد بعد تشتت اليهود عقب دمار الهيكل منذ سنة 66 قبل الميلاد. وكان الرابيون سعداء وأبدوا رغبتهم في التعاون. وفي السادس من أكتوبر أوفدوا إلى جميع المعابد اليهودية الأساسية في أوروبا دعوة الإمبراطور لانتخاب مندوبين يهود لحضور السنهدريم (الاجتماع اليهودي والسنهدريم مشتقة من الحدثة اليونانية سينيدريون Synedrion) لدراسة وسائل تخفيف الصعوبات الناشئة بين المسيحيين واليهود ولتسهيل تمتع اليهود الفرنسيين بكل الحقوق والمزايا في الحضارة الفرنسية. وأرفق هؤلاء اليهود ذووالشأن دعوتهم بإعلان سعيد ينم عن الفخر:

إن حدثاً عظيماً على وشك حتى يصبح أمراً واقعاً. وقع لم يتسقطه آباؤنا طوال قرون متوالية، بل لم نكن نتسقطه نحن في أيامنا هذه. إذا العشرين من أكتوبر قد أصبح هواليوم المقرر لافتتاح السنهدريم الكبير (الاجتماع اليهودي) في عاصمة أحدى أقوى الأمم المسيحية وبحماية مليكها الخالد. إذا باريس ستُظهر للعالم مشهداً جديراً بالملاحظة، وإن هذا الحديث التاريخي (السنهدريم) سيفتح للبقايا المشتتة من سلالة إبراهيم عصراً من التحرر والرخاء(07).

ولم يستطع السنهدريم الكبير (الاجتماع اليهودي) حتى يستمر وفقاً لهذه التوقّعات الحماسيّة، فبعد إرسال هذه الدعوات بثمانية أيام حارب نابليون وجنوده البروس في ينا Jena، وظل طوال هذا الخريف في ألمانيا أوبولندا ويقطّع أوصال بروسيا وينشئ دوقية وارسو(فيرسافا) الكبيرة، ويعزف على أوتار السياسية أوالحرب، وظل طوال الشتاء في بولندا يعيد تنظيم جيشه ويحارب الروس ليتعادل معهم في إيلاوEylau ويهزمهم في فريدلاند Friedland ويعقد سلاماً مع القيصر اسكندر في تيلست (7081) ولم يعد لديه وقت للسنهدريم الكبير إلاّ بشق النفس. واجتمع السنهدريم الكبير فيتسعة فبراير سنة 7081. وتباحث فيه 54 من الرابين (الحاخامات) و62 من اليهود العاديين (غير ذوي المراتب الدينية) واستمعوا إلى الخطب وأقرّوا الإجابات التي قدّمها اخوانهم من ذوي الشأن (في اجتماعهم السابق) لنابليون. وخلصوا بإصدار توصيات لليهود: حتى ينهوا عداوتهم للمسيحيين، وأن يحبوا البلاد التي يقيمون فيها باعتبارها أصبحت الآن بلادهم وأن يقبلوا الخدمة العسكرية للدفاع عنها وأن يتجنبوا الربا وأن ينخطروا أكثر فأكثر في أعمال الزراعة والحرف والفنون. وفي مارس أوفد السهندريم تقريره إلى نابليون البعيد عن فرنسا، فتم إرجاؤه.

وفي 81 مارس سنة 8081 أي بعد حوالي عام أصدر نابليون قراراته النهائية التي قضت بإقرار الحرية الدينية لليهود وإقرار حقوقهم السياسية في جميع أنحاء فرنسا ما عدا في منطقتي الإلزاس واللورين، ففيهما وُضِعت - طوال العشر أعوام التالية - فيود على رجال البنوك لتقليل عدد المفلسين ولتخفيف العداواة العرقية، وتم إلغاء ديون النساء والقُصَّر والجنود، وخوّلت المحاكم في إلغاء أوتخفيض الديون المتأخّرة التي قوامها الفوائد بالإضافة إلى فترة سماح (تأخير مواعيد السداد)، ولم يكن مسموحاً لأي يهودي بالعمل في التجارة قبل الحصول على إذن من مدير الشرطة ومُنع مزيد من هجرة اليهود إلى الإلزاس(17) وفي سنة 0181 أضاف الإمبراطور طلباً آخر وهوضرورة حتى يُصبح لكل يهودي اسم أسرة Family name لأنه كان يأمل في حتى يساعد هذا على تسهيل الاندماج العرقي.

وكان هذا غير ملزم من الناحية القانونية ولكن لابد من التماس بعض العذر لحاكم أصرّ على السيطرة على جميع شيء ومن ثم عثر نفسه مراراً غارقاً في المشاكل والتفاصيل. وشعر يهود الإلزاس بأنهم أُضيروا بهذه التنظيمات الإمبراطورية ولمقد يكونوا على حق في ذلك، لكن معظم الجماعات اليهودية في فرنسا وفي غيرها قبلت هذه التنظيمات كمحاولة معقولة لتلطيف الوضع المتفجرّ(27). وفي هذه الأثناء، أعرب نابليون من خلال الدستور الذي وضعه لوستفاليا Westphalia حتى جميع يهود هذه المملكة الجديدة لابد حتى ينعموا بكل حقوق المواطنة مثلهم في ذلك مثل أي مواطن من مواطنيها(37). ومرّة الأزمة في فرنسا بسلام وأصبح لليهود دور مثمر وخلاق في آداب فرنسا وعلومها وفلسفتها وموسيقاها وفنونها.


فرنسا في الوقت الحاضر

استقرت في فرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية، أعداد من المهاجرين اليهود الذين قدموا من التجمعات اليهودية الأخرى التي اقتلعها النازيون. وفي الستينيات، هاجرت أعداد كبيرة من العالم العربي فوصل إلى إسرائيل نحومائة ألف يهودي من مصر والمغرب وتونس في الفترة 1954 ـ 1961، كما هاجر يهود الجزائر البالغ عددهم 110 آلاف عام 1963. ثم انضم إليهم آخرون حتى أصبحوا يشكلون أغلبية يهود فرنسا البالغين نحو535 ألفاً عام 1967. ويُنطق إذا نسبة السفارد هي 54%، إذا قمنا بضم أعضاء الجيلين الأول والثاني من أبناء المهاجرين. ولكن إذا استبعدناهم، فإن غالبية يهود فرنسا وُلدوا فيها، و95% من يهود فرنسا ممن هم تحت سن العشرين من مواليدها.

وفيما يلي جدول يبيِّن تعداد اليهود في فرنسا:

السنة 1851 1900 1914 1933 1939 1945 1950 1955 1961 1963 1966 1968
عدد أعضاء
الجماعة اليهودية
73.975 80.000 100.000 240.000 300.000 180.000 235.000 300.000 350.000 500.000 520.000 535.000
نسبتهم إلى
عدد السكان
0.2 0.25 0.25 0.57 0.6 0.4 0.6 0.7 0.8 1.1 1.08 1.07


وقد استقر عددهم عند تلك النقطة.

ويُلاحَظ أنه، في عام 1870، زاد عدد يهود فرنسا إلى 40 ألفاً بسبب منح يهود الجزائر الجنسية الفرنسية. ولكن عددهم نقص حينما ضمت ألمانيا الألزاس واللورين اللتين كانتا تضمان 30 ألف يهودي.

ويمكننا الآن تناول إشكالية موت الشعب اليهودي في فرنسا. فرغم تَزايُد عدد يهود فرنسا، فإن هذا التزايد لم يتم من خلال التكاثر الطبيعي وإنما من خلال عملية هجرة من الخارج، وقد بدأت هذه الهجرة تفقد مفعولها. ويتنبأ الدارسون بأن يأخذ عدد يهود فرنسا في التناقص، وأنه قد لا يتجاوز 200 ألف مع بداية القرن القادم. والأسباب التي ستؤدي إلى ذلك هي الأسباب المألوفة في مثل هذه الظاهرة. ومن أبرز هذه الأسباب تَميُّز البناء الوظيفي والمهني لليهود. ويتوزع يهود فرنسا في الوظائف والمهن التالية:

21% في وظائف إدارية عليا.

47% في وظائف إدارية متوسطة وكتابية.

10% عمال صناعيون ويدويون.

16% تجار.

كما حتى مستواهم التعليمي عال للغاية، إذ حصل 25% من جملة يهود فرنسا على تعليم عال. وتصل النسبة إلى 50% من الفترة العمرية 25 ـ 30، وهذا ينطبق على أولاد المهاجرين المغاربة، وهذا يعني أنهم حققوا حراكاً اجتماعياً سريعاً وبدأوا يتحولون إلى طبقة وسطى شأنهم في هذا شأن بقية يهود فرنسا. فبعد حتى اختفى العمال اليهود من أصل أوربي، وحل محلهم العمال اليهود من أصل مغربي، نجد حتى هؤلاء أيضاً في طريقهم إلى الاختفاء لأن أبناء العمال المغاربة المهاجرين يدخلون المدارس ليحققوا حراكاً اجتماعياً عن طريق الحصول على وظائف إدارية راقية والانخراط في مهنة من المهن الممتازة كالطب والتدريس في الجامعة أوفي قطاع من القطاعات المتميِّزة كالفهماء. وتزايد معدل التعليم بين أبناء المهاجرين الذين يدخلون الجامعات ثم يعملون بعد ذلك في قطاع التأمين والبنوك وقطاع الخدمات. وتُوجَد أعداد كبيرة من اليهود المغاربة والجزائريين في الوظائف الحكومية، وربما كان هذا جزءاً من ميراثهم الاقتصادي بوصفهم جماعة وظيفية وسيطة بين الاستعمار الفرنسي والسكان العرب المحليين. ولكن، مهما يكن الأمر، فإن هذا يعني حتى اليهود يتحولون إلى مهنيين. والمهني يرتبط بعملائه ويقبل قيمهم، الأمر الذي يجعل عنده قابلية أعلى للاندماج والانصهار.

والبناء الوظيفي والمهني لليهود يعني حتى الريف الفرنسي لا يزال خالياً تماماً من اليهود وأنهم لا يزالون في العاصمة، وفي مدن مثل مارسيليا وليون وتولوز ونيس وستراسبورج. ويبدوحتى أعداداً كبيرة من المهاجرين من العالم العربي آثرت الاستقرار في جنوب فرنسا لأن الجووالطبيعة يذكرانهم بأوطانهم السابقة وهذا يفسر ظهور الجماعات اليهودية في مدن الجنوب: نيس وتولوز وليون ومارسيليا. هذا على عكس المهاجرين من أوربا الشرقية الذين يفضلون الاستقرار في الألزاس واللورين. ومن المعروف حتى سكان المدن عادةً لا يتكاثرون بوتائر عالية.

ويُلاحَظ حتى معدل إنجاب المرأة الفرنسية اليهودية هو2.4 لكل امرأة، وهي نسـبة عاليـة إلى حـد ما وتفوق النسـبة العالمية للمرأة اليهودية. ولكن يُلاحَظ حتى معدل إنجاب المرأة اليهودية الفرنسية من أصل غربي هو1.7 طفل، وهوما يعني أنه مع تزايد معدلات الاندماج سـتتناقص الخصـوبة وتختفي الأنماط التي أحضرها اليهود المغاربة معهم. والجماعة اليهودية في فرنسا جماعة مسنة، ذلك حتى نحو37% منهم فوق سن 45، وستتزايد جميع هذه الظواهر وتتفاقم حدتها مع تَصاعُد معدلات الاندماج والفهمنة.

ورغم ضخامة حجم الجماعة اليهودية، فلا يوجد في أية مدينة من مدن فرنسا أي حي يهودي يشكل إطاراً للحفاظ على الهوية اليهودية، كما كان يوجد في شمال أفريقيا وكما يوجد حالياً في الولايات المتحدة (ومع هذا، فإن أحياء اليهود في الولايات المتحدة هي نفسها تعبير عن الاندماج في مجتمع فيدرالي يسمح للأقليات والجماعات حتى تحتفظ بتلك الأبعاد من هويتها وهوما لا يتنافى مع الولاء القومي).

ولكن معضلة الهوية اليهودية في فرنسا معضلة خاصة إلى أقصى حد ومتداخلة. فهناك اليهود من أصل إشكنازي. وهؤلاء، مثل اليهود الأصليين، اندمجوا تماماً في المجتمع الفرنسي الذي يوشك حتى يهضمهم كما هضم الألوف غيرهم من قبل. بقي بعد ذلك هوية اليهود المغاربة الذين يُنطق لهم «السفارد». ويُلاحَظ حتى أغلبية يهود العالم العربي سفارد بمعنى خاص جداً. فهم ليسوا من السفارد الأصليين، بمعنى أنهم لا يتحدثون اللادينوولا يشاركون في التراث الحضاري الثري ليهود إسبانيا. وكثير من يهود المغرب من أصل بربري واكتسبوا الصفة السفاردية من المهاجرين من إسبانيا في القرن السادس عشر. ولذا، فهم يهود مغاربة يتحدثون العربية ويكتسبون إثنيتهم من تفاعلهم مع التراث العربي ومن خلاله، ويتعبدون على الطريقة السفاردية، وأغلبيتهم الساحقـة تعهد الفرنسـية كما هـوالحال مع كثير من أهـل المغرب العربي. ويبدوحتى جماعة الأليانس لعبت دوراً أساسياً في إعدادهم ثقافياً للاندماج في المجتمع الفرنسي. فالأليانس مؤسسة فرنسية يهودية. لكن يُلاحَظ أنه بينما لم تهتم الأليانس بالدراسات اليهودية في فرنسا نفسها، فإن مناهج الدراسة التابعة لها، في بلاد مثل المغرب وتونس ولبنان وسوريا مختلطة، أي فرنسية ويهودية. ولتفسير هذا التناقض، يمكننا حتى نقول إذا هذه المدارس باعتبارها ممثلة للثقافة والاستعمار الفرنسيين، كانت ترغب حتى تصبغ اليهود بصبغة فرنسية كي يقوموا بدور الجماعة الوظيفية الاستيطانية والوسيطة. ولكن تَوجُّه يهود البلاد العربية كان توجهاً دينياً، ولذا، لم يكن ثمة مفر حتى تضم المناهج بعض المواد الدينية لتكون وسيلة جذب لليهود حتى لا ينفروا من المدارس الجديدة ولا يدركوا الهدف الحقيقي منها. وهذه على كلٍّ هي الطريقة المثلى للتحديث والفهمنة في المراحل الانتنطقية، أي حتى تتم الفهمنة من خلال الخطاب الديني لا على الرغم منه. وكان هناك 19.570 ألف طالب في مدارس الأليانس في الشرق العربي والبلاد الإسلامية حتى عام 1969 ـ 1970.

انظر أيضاً

  • قائمة اليهود الفرنسيين
  • الأديان في فرنسا
  • العليا الفرنسية في إسرائيل
  • Conseil Représentatif des Institutions juives de France (CRIF)
  • تاريخ اليهود في الألزاس

الهامش

  1. ^ "The Jewish Population of the World (2010)". Jewish Virtual Library. Retrieved 7 August 2011.

مراجع أخرى

  • This article incorporates text from the 1901–1906 Jewish Encyclopedia, a publication now in the public domain.
  • History of the Jews in France at the website of Jewish Virtual Library

للاستزادة

  • Safran, William (2004). "Ethnoreligious Politics in France: Jews and Muslims". West European Politics. 27 (3): 423–451. doi:10.1080/0140238042000228086. Unknown parameter |month= ignored (help)

وصلات خارجية

  • ANTI-SEMITISM IN FRANCE ; Jean-Marc Dreyfus, Institut d’Études Politiques, Paris ; Jonathan Laurence, Center for European Studies, Harvard University
تاريخ النشر: 2020-06-04 13:06:26
التصنيفات: Pages using deprecated image syntax, Articles using infobox ethnic group with image parameters, Pages with citations using unsupported parameters, التاريخ الفرنسي اليهودي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سول: لأول مرة يسقط صاروخ كوري شمالي بالقرب من مياهنا الإقليمية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:25:48
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

الصين: 2928 إصابة جديدة بكورونا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:25:44
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 62%

كوريا الجنوبية تطلق صواريخ جو أرض ردا على صواريخ كوريا الشمالية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:25:36
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

متى يسقط حق السيدة فى طلب الطلاق بعد زواج زوجها من أخرى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:16
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 50%

ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بالملاريا في العاصمة السودانية الخرطوم

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:23
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 64%

الهلال السوداني يُعلن إنتهاء مشوار كابتن الفريق نصر الدين الشغيل

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:25
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

سول: بيونج يانج أطلقت 10 صواريخ منها ثلاثة على الأقل باليست

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:40
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

تعرف على مواعيد قطارات السكة الحديد فى الوجهين البحرى والقبلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:11
مستوى الصحة: 33% الأهمية: 48%

سيول: كوريا الشمالية أطلقت 10 صواريخ على الأقل من مختلف الأنواع

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:51
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

"التموين" تشدد على صرف مستحقات المزارعين عن توريد الأرز خلال 48 ساعة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:13
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 41%

المؤشر الياباني ينخفض 0.42% في بداية التعامل في طوكيو

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:25:40
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

94% من القراء يطالبون بتغليظ عقوبة مافيا تجارة اللحوم الفاسدة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:07
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 42%

المنطقة اللوجستية تستهدف أكبر 100 شركة في العالم السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:24:14
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 51%

نتنياهو: نحن على وشك تحقيق نصر كبير للغاية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:50
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 97%

مقاتلات كورية جنوبية تطلق 3 صواريخ ردا على "استفزاز" بيونج

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:32
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 64%

سول: لأول مرة يسقط صاروخ كوري شمالي بالقرب من مياهنا الإقلي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:45
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

بعبع الطريق.. اعرف طرق الوقاية من حوادث التريلا أثناء السير بالمحاور

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:09
مستوى الصحة: 36% الأهمية: 37%

توقيع مذكرة تفاهم بين اتحادي الكرة في السودان ودولة الجنوب

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:21
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 54%

8 مشاريع دواجن في المدينة المنورة السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:24:13
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

التعليم: امتحانات الشهر هدفها كشف مستويات الطلاب ونقاط الضعف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:08
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 46%

مفآجات فى مذكرات البابا تواضروس.. ماذا قال عن محمد مرسى؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:21:37
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

إغلاق «9» وكالات سفر بالعاصمة السودانية تعمل خارج مظلة القانون

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:23:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 70%

موعد مباراة الزمالك وإنبى اليوم الأربعاء 2 / 11/ 2022 بالدوري

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-11-02 06:22:14
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 43%

تحميل تطبيق المنصة العربية