صيفاقس

صيفاقس يلتقي بسكيبيون. بريشة ألساندروألوري

صيفاقس Syphax ملك أمازيغي رفض بشكل قاطع سياسة الرومنة والاستيطان الروماني والتمدين اللاتيني في جميع شبر من أشبار نوميديا. وكان أيضا من الوطنيين الغيورين على وطنهم الذين ضحوا من أجل الأرض وتوحيد نوميديا وجمع ضم الأمازيغ في مملكة أمازيغية موحدة. ولكن الاحتيال الروماني وتعدد أقنعة حكومة روما هي التي أسقطت مملكة صيفاقس وأمجادها الطموحة في التوسع والوحدة الأمازيغية الكاملة.

من هوصيفاقـس؟

يعد الملك صيفاقس Syphax أوسيفاقس أوسيفاغس أوسفك عند ابن خلدون من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين عملوا على توحيد ساكنة تامازغا إلى جانب الملك ماسينيسا والملك باگا Baga والملك ف فيرمينا. وقد عاش الملك صيفاقس في القرن الثالث قبل الميلاد. وينتمي إلى الأسرة المازيسولية التي كان موطنها نوميديا الغربية. وقد صار ملكا لها، واتخذ سيگا عاصمة له أوما يسمى الآن في الجزائر بـ عين تموشنت. وهناك مملكة أخرى تقابلها في الشرق تسمى ماسولة التي ينتمي إليها ماسينيسا ويفصلها عن الأولى نهر شليف الحالي، وتمتد في حدودها الترابية حتى قرطاجنة - بتونس. وبتعبير آخر، هناك نوميديا الشرقية أوماسولة، ونوميديا الغربية أومازيسولة. وسيدخل صيفاقس في حروب طاحنة مع ملك ماسينيسا الموالي للروم ستنتهي بفوز ماسينيسا وحلفائه الروم الذين قتلوه سنة 203 قبل الميلاد.


تطور مقاومة صيفاقس

اشتدت الحرب البونيقية الثانية (Les guerres puniques) بين الرومان والقرطاجنيين، فحاولت جميع من روما وقرطاجنة حتى تجذب صيفاقس لصالحها كي يساعدها في حروبها الطويلة الأمد ضد منافستها اللدودة. وتدخل صيفاقس في البداية للصلح بين الطرفين، ولكن الحكومة الرومانية كانت متعنتة في مواقفها المعادية للقرطاجنيين. فمال صيفاقس إلى قرطاجنة وتزوج بالجميلة الفينيقية الحسناء “صوفونيسبا”. وأصبح صيفاقس مواليا للقوات القرطاجنية بعد حتى فهم بنوايا روما الاستعمارية وأطماعها في شمال أفريقيا. في حين، التجأت الحكومة الرومانية إلى شاب أمازيغي طموح ألا وهوماسينيسا فأغرته بامتيازات عدة تتمثل في غرامات مالية والسماح له بالتوسع في أراضي القرطاجنيين التي سيحصل عليها بمجرد القضاء على منافسه صيفاقس والتحالف مع الرومان للقضاء على القوات القرطاجنية. إلى غير ذلك استطاع ماسينيسا” حتى يهزم صيفاقس الماسايسولي؛ ثم مكّن الرومان من الفوز على أمهر جنرال عهده التاريخ القديم، ألا وهوحنبعل القرطاجي؛ وذلك في معركة زامّا الشهيرة، سنة 202 ق.م. لقد كان سبب بغضه لقرطاجة هوتمسكه بـمبدأ ” ومما أثار حفيظته ضدها بشكل خاص، حسب ما روي، هوتزويج القرطاجيين صيفاقس مخطوبته صوفونيسبا. والواقع حتى جيرانه القرطاجنيين كانوا متواطئين مع خصمه الماسولوسي قصد القضاء على ملكه. فلم يجد بدا من محالفة الرومان، مع إضمار غايته القصوى في نفسه، وهي إنشاء مملكة أمازيغية موحدة مستقلة عن جميع نفوذ أجنبي، ولاسيما حتى اتفاقية الصلح بين روما وقرطاجة (201 ق.م) كانت تنص على حتى من حقه حتى يعمل من أجل استرجاع جميع الأراضي التي كانت بقبضة أجداده، في غير تحديد لتلك الأراضي.” ومن المعلوم أيضا، حتى صيفاقس قد تحالف في البداية مع الرومان إبان الحرب البونيقية الثانية، وكان في نفس الوقت معارضا لگايا ملك نوميديا الشرقية وابنه ماسينيسا المتحالفين مع القرطاجنيين. لكن صيفاقس سيتوسع في مملكة نوميديا الشرقية بعد وفاة ملكها گايا، وسيتحالف مع القرطاجنيين الذين قدّموا إليه يد العون في توسعه الترابي، وزوجوه حسناء قرطاجنة، وهي من أعلى طبقة اجتماعية وهي الفتاة “صوفونيسبا” بنت أزدربال جيسكوقائد قوات قرطاجنة. إلى غير ذلك، نجد صيفاقس يدخل في تحالف عسكري مع القرطاجنيين ضد الرومان من أجل حتى يحظى برضى عشيقته. وبالتالي، سيخوض صراعا مريرا ضد أخيه الأمازيغي ملك ماسينيسا الذي كان في بداية الأمر مواليا للفينيقيين، ولما رأى تهاون قرطاجنة وعدم مبالاتها تجاه حقه في الولاية على عرش أبيه، خرج عن طاعة قرطاجنة عام158 قبل الميلاد وتحالف مع الحكومة الرومانية وخاصة مع القائد الروماني الأكبر سيپيون الأفريقي لمحاصرة قرطاجنة وتطويق ملك صيفاقس في مملكته مازولة. ولقد استطاع القائد الروماني گايوس لايليوس حتى ينتصر على صيفاقس وأن يسقطه أسيرا سنة 203 قبل الميلاد بفضل مساعدة ماسينيسا قرب سيرتا أوما يسمى حاليا قسنطينة بالجزائر. وۥأوفد صيفاقس بعد ذلك أسيرا إلى عاصمة إيطاليا من قبل الجنرال الروماني كورنيليوس سيپيون الأفريقيحيث توفي فيها سنة 202 أو203 قبل الميلاد. وقد تولى الحكم بعد صيفاقس ابنه فيرمينا الذي يعد آخر ملك مازوليسي قبل حتى توحد مملكة نوميديا من قبل ماسينيسا.

إنجازات صيفاقس

من أبرز إنجازات الملك الأمازيغي صيفاقس أنه أول من أسس مملكة أمازيغية واسعة وهي مملكة مازيسولة التي كانت توجد في غرب الجزائر وتمتد إلى نهر ملوية غربا وعاصمتها الكبرى هي سيگا، وانتقل صيفاقس من زعيم قبلي إلى ملك يحكم سلطنة أمازيغية شاسعة الأطراف، ثم حمل التاج والصولجان، وضرب العملة باسمه، ونظم الجيش الأمازيغي تنظيما محكما متأثرا في ذلك بالتنظيمين: القرطاجني والروماني. واستعان كذلك بابنه فيرمينا في تسيير الشؤون الحربية والعسكرية. ” ومع أنه تأثر إلى حد بتنطقيد اليونان السياسية، كان يعتمد في ممارسة سلطته على مساعدة زعماء القبائل. كانت له علاقات دبلوماسية مع جميع من قرطاجة وروما. كانت لغة الحياة اليومية والتخاطب في مملكته هي الأمازيغية، وكانت لغة اسمه هوالمقصود فيما خطه ابن خلدون عن أصل البربر إذ نطق إذا جدهم هو“سفك”؛ يؤيد هذا الفرض حتى بلوتارخوس Plutarkhos زعم شيئا من هذا القبيل.” ويعد صيفاقس أيضا من الملوك الأمازيغيين الأوائل الذين سعوا إلى توحيد البربر وجمع ضمهم تحت دولة واحدة وهي دولة تامازغا (دولة الأمازيغيين). ويتضح هذا عندما أراد حتى يوحد مملكة نوميديا الشرقية مازيلة (مسيلة) ومملكة نوميديا الغربية ألا وهي مازيسولة في إطار دولة أمازيغية كبرى في شمال أفريقيا تمتد من قرطاجنة التونسية شرقا إلى نهر ملوية غربا. هذا، ولم يتحالف صيفاقس مع القرطاجنيين عسكريا ونسبا إلا من أجل محاربة الرومان والوقوف في وجه قواتهم الغازية التي كانت تستهدف إذلال الأمازيغيين وهجريعهم. وكان صيفاقس يرى حتى توحيد تامازغا لنقد يكون إلا على يديه؛ بيد حتى سلطانه السياسي سينهار غدرا سنة 203 قبل الميلاد على يد منافسه الأمازيغي ماسينيسا. ويكشف لنا هذا المآل التاريخي التراجيدي صراع الأمازيغيين مع بعضهم البعض، وتطاحنهم حول السلطة وتنافسهم حول الامتيازات والمصالح الشخصية عن طريق التقرب من الرومان من أجل الحصول على الجوائز والهبات والغنائم على حساب التنكيل بقرطاجنة وضرب حضارة الفينيقيين التي أسدت الكثير إلى الحضارة الأمازيغية. وفي هذا الصدد يقول الأستاذ العربي العربي أكنينح:” يتضح من تاريخ الممالك الأمازيغية، حتى علاقة البربر بفينيقيي قرطاجة، لم تكن تتسم بالتصادم والجفاء، كما سيكون عليه الحال في عهد الرومان والوندال والبيزنطيين، فيما بعد. فقد تفاعل سكان شمال إفريقيا مع الفينيقيين، واندمجوا معهم لأنهم كانوا يشعرون أنهم من أصل واحد وتربطهم أكثر من رابطة، لذا تحالفوا معهم ضد روما. وكان صيفاقس رئيس مملكة مازيسولة وزوج صفان بعل ابنة هزدروبال، حليف قرطاجة …هوالوطني الذي ناضل وحارب دفاعا عن إمبراطورية شمال إفريقيا(قرطاجة) ضد الإمبراطورية الغربية عن المنطقة والمتمثلة في روما.”

إلى غير ذلك نجد القائد الروماني سيپيون يستغل النواميد للقضاء على قرطاجة أولا واحتلال نوميديا ثانيا عن طريق ضرب ملكين ببعضهما البعض ملك صيفاقس وملك ماسينيسا وجرهما إلى الصراع البونيقي والصراع المحتدم بين الرومان والقرطاجنيين. لذلك كان مسينيسا شخصية مفضلة بلا ريب في كتابات المؤرخين الرومان؛ لكونه ساعد كثيرا القوات الرومانية على دك جميع معاقل القوات القرطاجنية. بيد حتى الرومان سينقلبون ضده ويوزعون هجرته بين أولاده الثلاث. وفي هذا الصدد يقول عبد الله العروي:” ثم يحتد الصراع بين روما وقرطاج أثناء الحربين البونيقيتين الأولى والثانية ويجتاز شيبو(سيپيون) إلى أفريقيا مبحرا من الجزيرة الأيبيرية قصد إيجاد حلفاء بربر ضد أعدائه. فينتهزها المؤرخون فرصة ثالثة ويقدمون لنا الجماعات المقيمة غرب التراب القرطاجي والتي كانت تسمى كلها آنذاك بالنواميد وتنقسم إلى قسمين: المسيلة شرقا والمزسيلة غربا. تتلخص أخبار تلك الحقبة في سيرتي رجلين، يمثل جميع واحد منهما إحدى الجماعتين البربريتين: ماسينيسا الزعيم المسيلي وصيفاقس الزعيم المزسيلي. يسوق المؤرخون القدامى أخبارا طويلة حول ماسينيسا، جاعلين منه بطل مغامرات شيقة، ليست في الواقع سوى انعكاسات لسياسة روما في المغرب، بل يرويها پوليپ، المؤرخ اليوناني، ضمن تاريخ عائلة شيبو(سيپيون) التي يعترف بالولاء لها الزعيم الناميدي والمؤرخ اليوناني معا. قد يتنازع المؤرخون إلى ما لانهاية حول السؤال التالي: هل استغلت روما ماسينيسا للقضاء على قرطاج أم بالعكس استخدم ماسينيسا روما لبناء دولة ناميدية قوية بقصد توحيد شمال أفريقيا بعد استيعاب الحضارة البونيقية،يا ترى؟ لكن الأمر المحقق هوحتى جميع المبادرات كانت بيد مشيخة روما، بعد انتهاء الحرب البونيقية الثالثة سنة 202 قبل الميلاد. كان الرومان يستطيعون في أي وقت توقيف أي حركة يشمون فيها خطرا على مصلحتهم.”

وعليه، فقد أوشك صيفاقس حتى يؤسس دولة أمازيغية كبرى تمتد شرقا وغربا، وتستطيع حتى تقف في وجه القوات الرومانية المتوحشة لولا ماسينيسا الذي خيب طموحات صيفاقس السياسية والعسكرية حيث أدخله في حروب استنزافية أدت بصيفاقس إلى مقتله في العاصمة الرومانية غدرا وخيانة.


نتائج ثورة صيفاقس

من أبرز النتائج التي ترتبت عن مقاومة صيفاقس الرغبة الأكيدة والطموحة في توحيد الأمازيغيين وتنظيم مملكة مازيسولة وتوسيع نوميديا، ولكن هذا الطموح لم يتحقق ميدانيا بسبب تحالف ماسينيسا ملك ماسولة مع قائد القوات الرومانية سيپيون للتنكيل بالقرطاجنيين والقضاء نهائيا على أحفاد الفينيقيين في قرطاجنة. ولكن الرومان تعاملوا مع قضية شمال أفريقيا بكل ذكاء واستطاعت حتى ۥتدخل الإخوة الأمازيغيين في حرب قرطاجنة الضروس، لاناقة لهم فيها ولاجمل. وتمكن الرومان بعد ذلك من التخلص من صيفاقس أولا، والملك ماسينيسا ثانيا عندما أحسوا بنواياه التوسعية على حساب أراضي القرطاجنيين الذين كانوا حسب ما يقوله ماسينيسا:” أجانب في بلادنا، فقد استولوا غصبا على أملاك أجدادنا، ولذلك يجب حتى نسترد منهم بجميع الوسائل ما انتزعوه منا بالقوة”.

وإذا كان ماسينيسا قد استنزف قوة صيفاقس وأضعفها ميدانيا وعسكريا وتوسع في مملكته وعاصمته لحساب الروم، فإن الرومان استطاعوا حتى يحتالوا عليه وأن يوقفوا توسعه أيضا في شمال إفريقيا، لذا لم يكن تدخل القوات الرومانية في قرطاجنة ما بين 149ق.م و146ق.م إلا لضرب مملكة ماسينيسا ومنع هذا المقاوم من” السيطرة على المدينة (قرطاجنة)، ومن ثم إجهاض تطور كان يتجه نحوبروز دولة أمازيغية نوميدية لها وزنها في غرب المتوسط.

يؤكد ذلك حتى روما أدركت خطورة نموهذه الدولة، فأصبح التدخل في شؤونها ومراقبتها أحد مشاغل الساسة الرومان. ففي سنة 148ق.م توفي ماسينيسا تاركا مملكة شاسعة الأطراف ومنظمة لأبنائه الثلاثة، فتقاسموا السلط فيما بينهم، إذ تولى أكبرهم مسيبسا السلطة الإدارية، وتكلف مستنبعل بالشؤون القضائية، بينما اهتم غولوسن بالشؤون العسكرية. والجدير بالملاحظة حتى عملية توزيع السلط تمت بحضور سيپيون الإيميلي، قائد الجيوش الرومانية لمحاصرة قرطاج، مما يشير على إرادة روما في فرض وصايتها على الأمراء، ويظهر ذلك بجلاء في استعانتها بإمكانيات الدولة النوميدية العسكرية، بإسهام جيشها بقيادة الأمير غولوسن في تحطيم قرطاج”.

ويتبين لنا من جميع هذا حتى الحكومة الرومانية لم تقض على القوات الفينيقية والقرطاجنية في شمال أفريقيا إلا بالقوات الأمازيغية القوية الشرسة، إذ كانت تضعها في مقدمة اللقاءة وفي الصفوف الأولى من الفيالق العسكرية لكي يصفوالجوللقوات الرومانية لتتدخل في الوقت المناسب وخاصة حينما يضعف الفريقان المتناحران في ساحة المعركة. وهذه السياسة البشعة الرومانية ماتزال تطبق من قبل ساسة الغرب إلى يومنا هذا في العالم العربي والإسلامي بكل دهاء وذكاء. وهذا ما سقط بالعمل عسكريا، فحينما أحست القيادة الرومانية بضعف القوتين القرطاجنية والأمازيغية، تدخلت في الوقت الملائم للقضاء على مملكة قرطاجنة والقضاء على جميع الممالك الأمازيغية المناهضة للحكم الروماني. ومن هنا، نسجل بكل صراحة وموضوعية تاريخية حتى الحسد والصراع حول السلطة والتناحر حول الامتيازات المادية والمعنوية والتهافت وراء بريق ولمعان المصالح الشخصية من الأسباب التي أودت بمملكة تامازغا، وجعلتها طوال تاريخها فريسة سهلة للتكالب الأجنبي: القرطاجني والروماني والوندالي والبيزنطي، وأرضا قابلة للنهب والاغتصاب من قبل الدول الإمبريالية الحديثة: الإيطالية والفرنسية والإسبانية.

وفي الأخير، يمكن حتى ۥنحمل الملك الأمازيغي ماسينيسا المسؤولية الأولى في إدخال القوات الأجنبية الرومانية إلى شمال أفريقيا بعد حتى مهد لها الطريق وعبد لها السبل للقضاء على أكبر قوة منافسة للرومان ألا وهي دولة قرطاجنة، والدليل على ذلك ما أظهره الجنرال القرطاجني المناضل الوطني حنبعل من شجاعة وقوة في محاصرة الرومان في عقر دارهم. ولكن ماسينيسا الذي كان يبحث عن مصالحه الشخصية لم يفهم سياسة الرومان أويقدرها جيدا، ولم يكن ذكيا عملا كما كنا نعتقد ذلك في بعض حلقاتنا التي خصصناها للملك ماسينيسا؛ لأنه كان السبب المباشر لتعجيل تدخل القوات الرومانية في تونس القرطاجنية لتخريبها وبناء قاعدة عسكرية فيها، وتقسيم مملكة ماسينيسا الموحدة بين الأولاد الثلاثة.

ومن هنا، فصيفاقس توفي شهيدا وفيا للمقاومة الأمازيغية وحارب مع القرطاجنيين ضد الشرف الأفريقي، على عكس ماسينيسا الذي ضحى بالقوة الأمازيغية من أجل إرضاء حلفائه الرومان الذين خدعوه سياسيا وعسكريا ووضعوا حدا لمقاومته الصاعدة على حساب جيرانه القرطاجنيين الذين لمقد يكونوا أعداء بالدرجة التي كان عليها الرومان المتوحشون.

ومن هنا، فتاريخ الأمازيغيين كان في الحقيقة تاريخ الخيانات والتحالفات البراگماتية الواهمة والواهية، والتي كانت كلها لصالح الحكومة الرومانية. ولم يستفد الأمازيغيون من تاريخهم إلى يومنا هذا، فالتاريخ دائما يعيد نفسه ويكرر أحداثه في صور مختلفة، ولكن ليس هناك من يستفيد أويعتبر أويتعظ. وما زال الغرب يتعامل مع الدول العربية الإسلامية بنفس الكيفية التي كانت تتعامل بها الحكومة الرومانية مع الممالك الأمازيغية في القرون الميلادية الأولى.

ونستحضر في هذا المجال قولة دالة وصائبة وموحية للأستاذ محمد شفيق:” فبينما كانت جميع مملكة من هذه الممالك الثلاث(مملكة ماسينيسا ومملكة صيفاقس ومملكة باگا) تحاول جمع الضم في المنطقة الخاضعة لنفوذها، كانت الحروب تتوالى بين روما وقرطاجة، فنتج من ذلك حتى كلا الطرفين المتحاربين صار يغري الأمازيغيين بالتحالف معه، ويستغل التنافس الذي يطبع علاقات الملوك بعضهم ببعض. وفي أثناء الحرب البونية الثانية استطاعت روما، بفضل معهدتها لمعطيات المجال السياسي الأفريقي، حتى تكسب صداقة أشد الملوك حنقا على قرطاجة، وهوماسينيسا، وأن تتحالف معه. فكانت تلك المحالفة هي الثلمة الأولى التي تسربت منها الهيمنة السياسية الرومانية، شيئا فشيئا إلى مراكز الحكم في أقطار المغرب كلها؛ ذلك حتى روما اتخذت جميع أساليب الترغيب والترهيب منهجية لها لإغراء الملوك الأمازيغيين بعضهم ببعض، في فترة أولى، ثم أزالت القناع عن وجهها في فترة ثانية وحاربت جميع من امتنع حتىقد يكون عميلا لها، واستمرت على تلك الخطة ما يقرب من قرنين، موسعة نطاق سيطرتها في اتجاه الغرب إلى حتى قضت على الممالك كلها؛ ولم تبق بصورة شكلية، إلا على عرش موريتانيا. فأجلست عليه الأمير الأمازيغي الشاب يوبا بن يوبا الذي كانت قد أسرته، وهوصبي، بعد التخلص من أبيه. فظل يوبا لها عميلا إلى حتى توفي. فسار ابنه بطليموس على نهجه، إلى حتى استدرجه ابن خالته، الإمبراطور الروماني كاليگولا إلى حضور احتفالات رسمية بمدينة ليون الغالية، حيث أمر باغتياله سنة 40م. وبموته انقرضت الممالك الأمازيغية القديمة.”

وعلى أي، فبعد وفاة الملك المناضل صيفاقس، تولى ابنه فيرمينا وراثة الحكم وتابع مسيرة أبيه السياسية والعسكرية والإدارية والاقتصادية في تسيير مملكة أبيه وإدارتها، وعاش بعد أبيه بضع سنوات، والدليل على حكم فيرمينا بعد أبيه هوعثور فهماء الحفريات والمؤرخين على عملة فضية تحمل اسمه. ومن أبرز نتائج ثورة صيفاقس اندلاع ثورات أمازيغية مضادة للرومان اتخذت صبغة عسكرية كمقاومة يوغرطة ومقاومة تاكفاريناس ومقاومة أيديمون، وصبغة دينية كمقاومة دوناتوس، وصبغة اجتماعية كمقاومة الدوارين الفقراء.

الهوامش المراجع

  • محمد شفيق : نظرة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،35؛
  • محمد شفيق : نظرة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،33؛
  • العربي أكنينح : في المسألة الأمازيغية، أصول المغاربة، مطبعة آنفوبرانت، فاس، الطبعة الأولى، 2003م، ص:18؛
  • عبد الله العروي : مجمل تاريخ المغرب، المركز الثقافي العربي، الدار
  • أحمد صفر : مدينة المغرب العربي في التاريخ، ج 1، تونس، 1959م، ص:88؛
  • محمد بوكبوط : الممالك الأمازيغية في لقاءة التحديات، صفحات من تاريخ الأمازيغ القديم، مركز طارق بن زياد، الطبعة الأولى، أكتوبر سنة2002م، ص:38؛
  • محمد شفيق : نظرة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، الرباط، 1989م،30-31.


طالع أيضا

منطقات ذات علاقة

  • نوميديا
  • امازيغ
  • الامازيغية
  • تامازغا
  • معتقدات الأمازيغ

هوامش

تاريخ النشر: 2020-06-04 13:35:41
التصنيفات: تاريخ الأمازيغ, ملوك الأمازيغ, تلمسان, تاريخ الجزائر, قادة الحرب الپونيقية الثانية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

تحرير 136 محضر تهرب جمركى برسوم 8 ملايين جنيه بجنوب الصعيد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:32
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

العجبوني هناك شبه اجتماع على مترشح للأمانة العامة للتيار

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:35
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

رئيس الوزراء العراقى يطالب برفع حالة التأهب لمواجهة فلول داعش

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 63%

الغارمات في الدراما.. 3 موضوعات ناقشت القضية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:07
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

إنجازات غيرت وجه مصر.. توسعات محطة مياه الشرب بكفر العلو في حلوان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:03
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 66%

رصد مذنب يمر قرب الشمس للمرة الأولى منذ 50 ألف سنة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:17
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 64%

أول تصريحات لرئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:18
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 50%

«السفينة لوجوس هوب».. من عبارة لنقل السيارات إلى معرض كتاب متنقل

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:43
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 50%

إيرادات الأفلام الأجنبية في مصر خلال الأسبوع الأول من يناير

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:08
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 57%

فيلم «شلبى» لكريم محمود عبدالعزيز يحقق 2 مليون جنيه فى 3 أيام عرض

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:10
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

عرض من النجم الساحلي لنسيم هنيد

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:31
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 50%

أقوى لجنة «قروش».. تعرف على محكمي برنامج «شارك تانك مصر»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:09
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

ضبط 2426 متهمًا و3 أطنان مخدرات قيمتها 124 مليون جنيه

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:21:59
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

بالصور أطفال خدمة الملاك ميخائيل يحتفلون بعيد الميلاد المجيد

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:49
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 69%

60 مليار جنيه حصيلة بيع الشهادات البلاتينية ذات العائد 25%

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:28
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

الاستغناء والتبديل.. ماذا فعلت ربات البيوت للتعامل مع الغلاء؟

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:04
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 64%

كرة اليد: جهاد جاب الله يعود إلى النجم

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:33
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

طالبة بالثانوية: «حياة كريمة» لها دور كبير فى تغير ملامح حياتنا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-07 15:22:04
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية