ميكل‌أنجلو

عودة للموسوعة

ميكل‌أنجلو

ميكل‌أنجلو
Michelangelo
پورتريه لميكل‌أنجلو، رسم دانيال دا ڤولترا.
اسم الميلاد Michelangelo di Lodovico Buonarroti Simoni
وُلِد 6 مارس 1475
كاپرس بالقرب من أرتسو، جمهورية فلورنسا (حالياً توسكانيا، إيطاليا)
توفي 18 فبراير 1564
روما، الدويلات الپاپوية (إيطاليا المعاصرة)
المجال النحت، الرسم، العمارة، والشعر
الحركة النهضة المتأخرة
Works
  • داود
  • پيتا
  • يوم القيامة
  • سقف مصلى السستين

ميكل‌أنجلوبوناروتي رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي كان لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على محور الفنون ضمن عصره وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة. اعتبر مايكل أنجلوحتى جسد الإنسان العاري الموضوع الأساسي بالفن مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المتنوعة. حتى حتى جميع فنونه المعمارية كانت ولابد حتى تحتوي على شكل إنساني من خلال نافذة، جدار أوباب [1]. سواء كان تحدي جسدي أوعقلي كان مايكل أنجلويبحث دائما عن التحدي وأغلب المواضيع التي كان يعمل بها كانت تستلزم جهدًا بالغاً سواء كانت تعبير عن لوحات جصية أولوحات فنية كان مايكل يختار الوضعيات الأصعب للرسم إضافة لذلك كان دائما ما يخلق عدة معاني من لوحته من خلال دمج الطبقات المتنوعة في صورة واحدة وأغلب معانيه كان يستقيها من الأساطير، الدين ومواضيع أخرى. نجاحه في قهر العقبات التي وضعها لنفسه في خلق تحفه كان مذهلا إلا أنه كثيرا ما كان يهجر أعماله دون إنجاز وكأنه يُهزم بطموحهِ نفسه [2]. اثنان من أعظم أعماله النحتية، تمثال داوود وتمثال پيتا، العذراء تنتحب قام بإنجازهما وهودون سن الثلاثين.

رغم كون مايكل أنجلومن الفنانين شديدي التدين فقد عبر عن أفكاره الشخصية فقط من خلال أعماله الأخيرة. فقد كانت أعماله الأخيرة من وحي واستلهام الديانة المسيحية مثل صلب السيد المسيح [3]. خلال مسيرة عمله فقد تعهد مايكل على مجموعة من الأشخاص المثقفين يتمتعون بنفوذ اجتماعي كبير. رعاته كانوا دائما من رجال الأعمال الفاحش الثراء أورجال ذوي المكانة الاجتماعية القوية وطبعاً أعضاء الكنيسة وزعمائها، من ضمنهم البابا يوليوس الثاني. كليمنت السابع وبولص الثالث. مايكل أنجلوسعى دائما ليكون مقبولاً من رعاته لأنه كان يفهم بأنهم الوحيدون القادرون على جعل أعماله حقيقة [4]. من صفات مايكل أنجلوأنه كان يعتبر الفن عمل يجب حتى يتضمن جهدا كبيراً وعملاً مضنياً فكان معظم أعماله أعمال تتطلب جهداً عضلي وعدداً كبيرا من العمال وقليلاً ما كان يفضل الرسم العادي الذي يمكن أداءه بلباس نظيف [5]. وتعتبر هذه الرؤية من إحدى تناقضاته التي جعلته يتطور في نفسه من حرفي إلى فنان عبقري قام بخلقه بنفسه.

قام ميكل‌أنجلوفي فترة من حياته بمحاولة تدمير كافة اللوحات التي قام برسمها ولم يبق من لوحاته إلا عدة لوحات ومنها لوحة بإسم دراسة لجذع الذكر التي أكملها آنجلوعام 1550 والتي بيعت في صالة مزادات كريستي بنحواربعة ملايين دولار وكانت هذه اللوحة واحدة من عدة رسومات قليلة للأعمال الأخيرة لمايكل انجلوالذي توفي عام 1564، والتي تبدوانها تمت بصلة إلى شخصية المسيح [6]. في الذكرى الـ500 لتمثال داوود الشهير أثارت عملية تنظيف ذلك التمثال بالمياه المقطرة جدلا واسعا حيث وافق وزير الثقافة الايطالى جوليانوأوروبانى على تنظيف تمثال داوود بالمياه المقطرة رغم احتجاج الكثير من الخبراء على كيفية التنظيف [7] حيث رأى البعض ان تلك الطريقة في التنظيف ستلحق اضرارا بالرخام وسط مخاوف من ان تصبح منحوتة داود اشبه بمنحوتة عادية من الجص [8] وطرح الخبراء فكرة التنظيف الجاف الذي رفضه وزير الثقافة جوليانوأوروبانى.

بالرغم من إعتبار رسم اللوحات من الإهتمامات الثانوية عند آنجلوإلا أنه تمكن من رسم لوحات جدارية عملاقة أثرت بصورة كبيرة على منحى الفن التشكيلي الأوروبي مثل تصوير سيرة سفر التكوين في العهد القديم على سقف كنيسة سيستاين ولوحة يوم القيامة على منبر كنيسة سيستايت في روما. مايعتبر فريدا في حياة فناني عصر النهضة إذا أنجلوكان الفنان الوحيد الذي تم كتابة سيرته على بد مؤرخين بينما كان على قيد الحياة حيث قام المؤرخ جورجيوفاساري بكتابة سيرته وهوعلى قيد الحياة ووصف فاساري أنجيلوبذروة فناني عصر النهضة [9]. بلا شك فإن مايكل أنجلوقد أثر على من عاصروه ومن لحقوه بتأثيرات عميقة فأصبح أسلوبه بحد ذاته مدرسة وحركة فنية تعتمد على تضخيم أساليب مايكل ومبادئه بشكل مبالغ به حتى أواخر عصر النهضة فكانت هذه المدرسة تستقي مبادئها من رسومات مايكل ذات الوضعيات المعقدة والمرونة الأنيقة فريد من نوعه وباحث عن التحدي بهذه الحدثات نصف مايكل أنجلوالذي أسره الفن واستلهمته الابداعات.

حياته

Madonna of the Steps (1490–92)، من أبكر أعمال ميكل‌أنجلو.

الحياة المبكرة، 1475-88

ولد مايكل أنجلوفي قرية كابريزي مقاطعة توسكانا وترعرع في فلورنسا حيث كانت مركز النهضة الأوروبية آنذاك ومن محيطها المليء بمنجزات فناني النهضة السابقين إلى تحف الإغريق لمذهلة استطاع مايكل حتى يتفهم ويستقي من هذه التحف الكثير عن فن النحت والرسم. عندما كان صغيرا كثيرا ما فضل تفهم الرسم بالمدرسة على عكس رغبة أبيه لودفيكودي ليوناردودي بوناروتي دي سيموني الذي كان قاضياً على بلدة كابريزي [10]. في النهاية وافق الأب على رغبة مايكل وسمح لهذا الصبي ذو13 ربيعاً بأن يعمل لدى رسام جص يدعى دومينيكوغيرلاندايو. إلا حتى مايكل أنجلولم يستطع التوافق مع هذا المفهم وكثيرا ما كان يصطدم معه مما حذا به لينهي عمله لديه بعد أقل من سنة [11]. على الرغم من إنكار مايكل أنجلولفضل غيرلاندايوفي تعليمه أي شيء إلا أنه من الواضح حتى مايكل تفهم فن الرسم الجداري حيث حتى رسومه الأولية كانت قد أظهرت طرق ومناهج اتبعها غيرلاندايو. في سنة 1490-1492 أمضى وقته في منزل لورينزودي ميتشي المعروف ب لورينزوالعظيم الراعي الأهم للفنون في فلورنسا وحاكمها. حيث كان المنزل مكان دائم لاجتماع الفنانين الفلاسفة والشعراء. ومن المفترض حتى مايكل أنجلوقابل وتفهم من المفهم الكهل بيرتولدوالذي كان قد تدرب مع دونا تلوفنان القرن الخامس عشر في فلورنسا [12].

كان مايكل أنجلو ابن أسرة تزعم أنها تتحدر من محتد نبيل جار عليها الزمن، فاتىت لتقيم في فلورنسا. رضع ميكلانجلو«الأزاميل والمطرقة» مع حليب سقمعته ـ زوجة عامل في محاجر الرخام ـ كما كان يقول، وترعرع الطفل وكبر شغوفاً بالرخام. استوعب الأب ميول ابنه إلى النحت والرسم، فأوفده مرغماً للتفهم في مرسم جيرلاندايوأشهر مصوري الجداريات في فلورنسا، وعمره لما يتجاوز الثالثة عشرة. وفي فلورنسا تلقى من التعليم ما مكّنه فيما بعد من حتى يخط الشعر. لم يخضع مايكل أنجلو جميع الخضوع لسحر العهود القديمة كما خضع كثير من الآخرين، بل كان ذا نزعة عبرية، وكان ـ وهوفي روما ـ بروتستنتياً أكثر منه كاثوليكياً. اكتشف لورنزودي ميديتشي التلميذَ المتدرب، ففتح له أبواب حدائق قصره وأكاديميته، ووضعه على احتكاك بمجموعاته الفنية القديمة، وأتاح له مخالطة كبار المثقفين والمتنورين من أمثال بوليسيان ومارسيل ڤيتشين وبيك دولاميراندول، أولئك الذين كان لهم أكبر الأثر في تكوينه الروحي وفي طموحه فناناً مبنادىً. وكان يدير الأكاديمية وقتئذٍ النحات برتولدودي جوڤاني المختص بمادة البرونز. وظل الفنان الشاب عامين كاملين يقيم في قصر آل ميديتشي، ويطعم دوماً على مائدة واحدة مع لورنزو، ويستمع إلى أكثر الأحاديث استنارة في السياسة والأدب والفلسفة والفن. وفي الوقت ذاته كان ساڤونارولا Savonarola ينشر تعاليمه النارية ويدعوإلى الإصلاح والصلاح، وكثيراً ما كان ميكلانجلويستمع إليه ليبقى شيء في نفسه من روح ساڤونارولا بعد موته: الرعب مما يراه حوله من فساد خلقي، وكراهيته الشديدة للاستبداد، وشعوره الحزين من سوء المصير. فاجتمعت هذه الذكريات والمخاوف فكانت من العوامل التي أثرت في أخلاقه ووجهت نحته وفرشاته… ومن دراسته أعمال القدامى ولاسيما تمثال لاوكون، استمد فهم التكوين science de la composition وتجميع الأشخاص، وانسجام جمال الجسد الإنساني، وتعابير الجهاز العضلي وتحولاته، ولكنه أضاف إليها الحركة والعمق السيكولوجي والفكري، فصار الجسد الإنساني لغة، يشعر الفنان من خلالها وبها بانفعالات الإنسان وأهوائه، وليرتقي بها إلى المستوى الميتافيزيقي، معبراً عن مأسوية القدر الإنساني ومصيره لدن خالقه....

من خلال مجموعات النخبة الثقافية التي كانت تجتمع في منزل لورينزوشيئا فشيئا أخذ مايكل أنجلوينخرط في معتقداتهم ويتبناها فتزايد اهتمامه بالأدب والشعر كما اهتم بأفكار تدور حول النيوبلاتونيسم (نظام فلسفي يجمع ما بين الأفكار الأفلاطونية والمسيحية واليهودية ويدور حول فلسفة تعتبر حتى الجسد هومخزن الروح التي تتوق العودة إلى بارئها ، وكثيرا ما فسر النقاد أعمال مايكل أنجلوعلى أساس هذه الأفكار وخصوصا أعماله التي تصور الإنسان وكأنه يسعى إلى أفق حر يخلصه من السجن أوالحاجز الذي يعيشه [13]. أمنية لورينزودي ميتشي كانت إحياء الفن الإغريقي واليوناني وهذا ما جعله يجمع مجموعة رائعة من هذه التحف التي أصبحت مادة للدراسة لدى مايكل أنجلو. من خلال هذه المنحوتات والرسوم استطاع مايكل حتى يحدد المعايير والمقاييس الحقيقية للفن الأصيل وبدأ يسعى ليتفوق على نفسه من خلال الحدود التي وضعها بنفسه حتى أنه قام مرة بتقليد بعض الأعمال الكلاسيكية الرومانية بإتقان لدرجة أنه تم تداولها على أنها أصلية [14].


التدريب، 1488-92

بولونيا، فلورنسا، وروما، 1492-1505

پيتا، كاتدرائية القديس پطرس (1498–99)
تمثال داود، أكمله ميكل‌أنجلوعام 1504، واحدة من أشهر أعمال النهضة.

بعد سلسلة من الأحداث السياسية التي أدت إلى تصدع مسقط عائلة مديتشي وانهيارها في سنة 1494 فلورنسا. رحل مايكلانجلوإلى البندقية، بولونيا، وأخيرا إلى روما. هناك قام بإبداع أونحت منحوتة ضخمة لجسد يفوق حجم الإنسان الطبيعي حيث صور باخوس السكير ( 1496-1498 ) فلورنسا ، إله الخمر الروماني ويكتسب هذا العمل أهمية خاصة من خلال تصويره لجسد شاب عاري يمثل موضوع من المواضيع الوثنية وليس المسيحية.

أنتج ميكل‌أنجلوعمله الأول حينما كان في «الأكاديمية» وهونحت بارز يشوبه بعض التشويش، ويجمع بين الوثنية والمسيحية، بعنوان «معركة القنطورس» (وهي مخلوقات أسطورية متوحشة) وكان عمله الثاني نحتاً بارزاً لـ«عذراء السلّم» وفيه يظهر بوضوح ما يدين به لدوناتللوDonatello. ويبدوجلياً حتى ميكل‌أنجلوفي هذه الأثناء كان ينوس بين الحميَّا والمأسوية ونقيضيهما الطلاوة وبعض العذوبة التي تُلمس عند ليوناردو.

توفي لورنزودي ميديتشي في عام 1492، فعاد ميكلانجلوإلى بيت أبيه، وواصل عمله في النحت والتصوير، وتعلّم التشريح من جثامين الموتى. وفي عام 1494 هرب ميكلانجلوإلى بولونيا (الإيطالية) في إحدى نوبات اضطرابه، وزار البندقية. وعند عودته إلى فلورنسا عام 1495 نحت للكاردينال تمثال «كيوبيد النائم» وقد افترض كثيرون أنه تمثال لأحد النحاتين القدامى.

صعب على ميكل‌أنجلوـ على الرغم من كفاياته المتعددة ـ حتى يكسب قوته بأعماله الفنية في مدينة يكاد عدد الفنانين فيها يبلغ عدد سكانها. وحين استدعي للذهاب إلى روما، انتقل إليها عام 1496 وقلبه مفعم بالأمل. وفي روما أنجز ميكلانجلوأثره العظيم الأول؛ أحد أكثر أعماله شعبية: تمثال «الشفقة» في سان بيير. الموضوع والتكوين غريبان وغير مألوفين، وتعود أصولهما إلى شمالي أوربا وليس إلى إيطاليا، ولكن الفنان استخرج من الرخام قصيدة مؤثرة ورائعة. الوجه الصافي للعذراء، وقد بدت صغيرة السن مثل المسيح المعذب، تميل بعذوبة باتجاه الجسد المسجى لمسيح جميل في الموت مثل أدونيس Adonis، وقد برز تشريح جسده المتآلف فوق نسيج معطف فضفاض رائع الطيات يفصله عن الأم الحزينة، وكأن الفنان يريد حتى يجعل من المعطف كفناً للجسد.

إن هذا العمل الذي يعود إلى فترة الشباب، وفيه تفجرت موهبة النحات وبراعته وحساسيته هوأيضاً العمل الوحيد الذي مهره الفنان بتوقيعه فوق القدَّة التي تعترض على نحومائل صدر العذراء. وفي الوقت نفسه كان ميكلانجلويعمل في أكثر الأشكال وثنية، إنه تمثال «باخوس الثمل»: فتى يافع يترنح ثملاً ومن خلفه ساتير (إله خرافي له قدما تيس وقرناه وذيله)، وإلى هناقد يكون الفنان ـ بعد حتى أضفى على أعماله اضطرام الحياة وغلواءها ـ قد تجاوز نحت الماضي البعيد.

لم يكن نجاح «الشفقة» سبباً في شهرة ميكل‌أنجلوفحسب، بل إذا هذا النجاح قد درّ عليه مالاً كثيراً، وأغلب الظن حتى اضطراب أحوال أسرته المالية هوالذي نادىه إلى فلورنسا، فعاد إليها في عام 1501 حيث عُهد إليه بعمل تمثال من رخامة كبيرة ارتفاعها ثلاث عشرة قدماً ونصف القدم، ظلت مطروحة على الأرض مئة عام كاملة لعدم انتظام شكلها. وظل ميكلانجلويكدح فيها عامين ونصف العام، حتى انتزع منها بجهده وجده وبراعته تمثال داود، مستثمراً جميع إصبع فيها، وقد تطلب نقل التمثال من المحترف القريب من الكنيسة إلى القصر أربعين رجلاً، وتطلب حمله في مكانه واحداً وعشرين يوماً. وظل التمثال قائماً في فراغ مدخل القصر المكشوف معرضاً للجو، وعبث الأطفال، وللثورة عليه لأنه كان بمعنى ما إعلاناً صريحاً للتقدمية المتطرفة، ورمزاً للجمهورية، وتهديداً صارماً للمغتصبين.

كان هذا التمثال من أعمال البطولة، تغلب فيه الفنان بحذق كبير على الصعاب الآلية. فالهيكل العام الرائع الذي لم يضخمه ميكلانجلو، وبنية الجسم المصقول، والخياشيم المتوترة من الاهتياج، والتجهم المنبعث من الغضب، ومظهر العزيمة المشوبة بشيء من الرهبة حين يقابل الشاب جالوت الرهيب ويستعد لملء مقلاعه والقذف به؛ جميع هذه الأمور تجعل داود واحداً من أشهر التماثيل وأجملها في العالم كله. ويرى ڤازاري Vasari أنه «يفوق جميع ما عداه من التماثيل قديمها وحديثها لاتينية كانت أم يونانية».


سقف مصلى السستين، 1505-12

رسم ميكل‌أنجلوسقف مصلى السستين؛ عمل استغرق منه أربعة سنوات (1508–12)
موسى لقبر البابا يوليوس الثاني

كثيراً ما كان ميكاآنجلويقول: «ليس التصوير هوالعمل الذي أبرع فيه»؛ ولهذا فإنه لم يكن مسروراً حين استنادىه سُدريني Soderini ت(1504) ليرسم على الجدار في ردهة المجلس الكبير، في حين كان بغيضه ليوناردويصور جداراً لقاءاً له. لم يكن ميكلانجلوواثقاً وهوالمثّال من أنه يستطيع منافسة ليوناردوفي التصوير، ولكنه قرر حتى يجرب حظه، وكانت الصورة التخطيطية الأولية تعبير عن لوحة من الورق على قماش مساحتها (88)م2. ولكنه لم يكد يتقدم في رسم الصورة الأولية حتى تلقى دعوة من روما. كان موضوع اللوحة معركة كاسكينا Cascina التي دارت إبان الحرب بين پيزا وفلورنسا عام 1364، لم يختر ميكلانجلومن فصولها إلا لحظة غير مألوفة وهي لحظة إعلان النفير حينما كان الجنود الفلورنسيون يستحمون في نهر الأرنو، لإيمانه بقدرة الجسد البشري العاري على حمل جميع الأفكار والعواطف والتعبير عن مختلف الانفعالات، ومن المؤسف حتى الرسم التمهيدي الكامل لهذه اللوحة الكرتون لم يترفق به الزمن، فقد فُقد بعد حتى وصفه الفنان تشيلليني Cellini بأنه كان أعظم عمل قدمه ميكلانجلو، وأنه يمثل بحق «أكاديمية الرسم العالمية»، بل إنه يفوق في عظمته سقف مصلى السستين Sixtine. وقد عكف عشرات الفنانين على استنساخ رسوم وتصاوير شتى نقلاً عن هذا المخطط، وعلى رأسهم رافايلوRaffaello وأندريا دل سارتوAndrea del Sarto ودا سانگالوDa Sangallo، ويمضى ڤازاري إلى حتى المخطط كان يضم عدداً لا حصر له من الجند على صهوات جيادهم وقد شرعوا في القتال.

حينما بلغ ميكل‌أنجلوالثلاثين من عمره استنادىه البابا يوليوس الثاني إلى روما، وكلفه عمل ضريح لهقد يكون أفخم بناء في تاريخ المسيحية، كما أمر حتى تبنى كنيسة صغيرة جديدة ملحقة بكنيسة القديس بطرس، لتضم ذلك اللحد.

قَبِلَ الفنان بهذا العمل، وظل على مدى ثمانية شهور متنقلاً للإشراف على قطْع كتل الرخام التي سيقوم بنحتها. لكنه حينما عاد إلى روما ليعرض مشروعه على البابا رفض لقاءته. اغتاظ ميكل‌أنجلوورحل إلى فلورنسا مغادراً روما التي لم يعد إليها إلا بعد حتى هدد البابا بإرسال قواته المسلحة لغزومدينة فلورنسا.

اصطدم مشروع ضريح الحبر الأعظم مع مشروع كنيسة القديس بطرس التي كان البناء فيها جارياً على قدم وساق، كما كان هذا المشروع سبباً للبغضاء بين ميكلانجلووالمعماري العظيم برامانتي Bramante. صرف الحبر الأعظم النظر عن الضريح نزولاً عند نصائح برامانتي، وكلف ميكلانجلوحتى يصنع لشخصه تمثالاً ضخماً من البرونز، يزين به قابلة سان بترونيوفي مدينة بولونيا Bologne رمزاً لخضوع المدينة للبابا.

في عام 1508 لاحت في ذهن البابا (يوليوس الثاني) فكرة جديدة، فعهد إلى ميكلانجلوبتطبيقها، ومؤدى هذه الفكرة تزيين سقف السيستينا وقمريات النوافذ والسطوح المثلثة بالجداريات (لوحات جدارية fresques). كان على الجدران رسوم جدارية سابقة تمثل مشاهد من الإنجيل وحياة موسى. وقد تضمن برنامج ميكلانجلوتاريخ الإنسانية منذ الخلق حتى موسى، أي العالم قبل الخطيئة، ثم الانتظار الطويل للفداء مع القلق، وعلى السقف نفسه تسع لوحات مستطيلة كبيرة تمثل الخلق، والخطيئة الأصلية، وتاريخ نوح، وخلق الرجل والمرأة (آدم وحواء). تبلغ مساحة السقف (328)م2، وعدد الأشكال التي رسمها ميكل‌أنجلو343 شكلاً.


فلورنسا في عهد بابوات متديشي، 1513-أوائل 1534

ظل ميكلانجلوأسير العمل في سقف السيستينا حتى عام 1512، وفي عام 1513 توفي البابا يوليوس الثاني وحلّ محله ليون العاشر الذي لا يكنّ لميكلانجلوحباً ولا مودة لتشككه بميوله الجمهورية.

انكب الفنان على العمل في ضريح الحبر المتوفى. كان المخطط في البداية يقضي بأنقد يكون المبنى مستقلاً، وعلى شكل هرم، وأن تحتل مستواه الأدنى تماثيل الأسْر والفوز، رموزاً لصراعات الحياة والفنون الحرة (مصطلح يطلق على الفنون السبعة، وقد سميت كذلك لأنها تعد طلابها للمهن الحرة)، وفي الوسط يجلس موسى والقديس بطرس رمزاً للقانونين القديم والجديد، وفي القمة البابا المسجى تحمله الملائكة لترقى به إلى ملكوت الخالدين. ولكن ورثة الحبر الأعظم بسّطت المشروع وقللت من عدد التماثيل، وأرادت حتى يُسند المبنى إلى جدار، وإلى هذه النسخة الثانية يعود تمثالا العبدين في متحف اللوڤر، مثَّلهما الفنان وهما يتخبطان بقيودهما ويحاولان التخلص منها ومظاهر الألم الجسدي والمعنوي بادية عليهما. إذا في هذين التمثالين قوة تعبيرية يندر مجاراتها. وفي الفترة نفسها بدأ الفنان العمل في تمثال موسى الرهيب المعروف بهيكله العضلي الضخم ونظرته الساحرة الغضوب، وقوته الآمرة التي تفوق القدرة البشرية.

وفي عام 1520 عهد إليه ليون العاشر بتشييد المصلى المأتمي وتزيينه وضمه إلى الكنيسة التي ستضم بدورها صرحين تذكاريين: جوليان دي مديتشي Julien دوق نيمور، ولورنزوLaurent دوق أوربينو؛ والاثنان من كبار المدافعين عن عرش البابوية. تجاوز الفنان برنامج تمجيد آل ميديتشي بأن أضفى على الضريح معنى أضم وأعظم، ففيه تجلت الأفكار الأفلاطونية الجديدة التي تشربها إبان حداثته، وتطلعه إلى التغلب على معضلات الإنسانية الكبرى. يحتل الصرحان الجنائزيان زاويتين من الأضلاع الأربعة، وفي المشكاة المستطيلة يربض تمثالا الأميرين المحتفى بذكراهما، وقد أسبغ الفنان الكمال المثالي على وجهيهما وسيماء البطولة بادية عليهما، وألبس كلاً منهما عدة قائد روماني، فبدا جوليان حدثاً قوياً يمثل «العمل»، والضوء يسقط على تام وجهه، في حين أغرق عيني لورنزوفي الظل الذي ترسمه الخوذة، ويده تسند أسفل وجهه المهموم، الذي تكتنفه الأسرار، رمزاً للأفكار التي يطويها الإنسان في دخيلته. وفي أسفل جميع منهما تابوت حجري يتألف غطاؤه من زخرفين ملتفين، وعلى منحدرات التابوتين أربعة تماثيل عارية ترقد بطريقة بعيدة جميع البعد عن الاسترخاء والراحة وكأن أعضاء الجسم مبترة أوصالها، أوأنها تتصالب في أوضاع غير مريحة، والوجوه مجعدة بالتغضنات وبالكآبة والألم، تمثل عذاب الروح الإنسانية في رحلة الحياة. إذا هذه التماثيل في الواقع ما هي إلا رموز للزمن العابر أوللـ «يوم» بأجزائه الأربعة: النهار والليل والغروب والشروق، وقد صاروا أشخاصاً من ذكر وأنثى وبالتناوب… وفي القسم الثالث من الكنيسة تنتصب عذراء مديتشي وهي تحاول الإمساك بالطفل يسوع المشاغب الجالس على ركبتيها.

قامت الحرب فعطلت أعمال الفن. ولما سقطت روما في أيدي الجيوش الامبراطورية (1527) لم يعد في وسع رعاة الفن مناصرة الفنون، وانبتر معاش ميكلانجلو، وفي عام 1529 عينته فلورنسا عضواً في لجنة العشرة للدفاع عن المدينة… يقول ڤازاري إنه حتى في هذه الشهور المضطربة عثر متسعاً من الوقت ليواصل العمل سراً في قبور آل مديتشي حتى مغادرته فلورنسا عاقداً العزم على عدم العودة إليها، وفي روما أيضاً كان ينتظره صرح يوليوس الثاني وقد غدا كابوساً ينغص عيشه، فتدبر أمر البناء بأن أشرك معه تلامذة متواضعي الكفاءة لإنجاز المشروع، فاتى البناء والتماثيل دون تطلعات ميكلانجلووطموحاته.

تجلى مزاج الفنان المتجهم ونزوعه المتعاظم إلى التشاؤم في الجداريات العظيمة ليوم الدينونة التي أنجزها بين عامي 1536ـ 1541 بناء على طلب بولس الثالث Paul III، لتزيين الجدار في صدر كنيسة السيستينا؛ فبدت الدرجات اللونية قاتمة قياساً بلوحات السقف، واتخذ المسيح مظاهر أبولووسماته مع شيء من الكثافة والضخامة، والقسم الأكبر من الخليقة غارق في مصير ملعون، والتكوين المضطرب والمبهم يرزح تحت وطء مجاورته لأثر فني ناضج. والحال نفسها في تماثيل الشفقة، إذ نقف أمام موضوع من موضوعات القرون الوسطى، وقد تناوله ميكلانجلومن حديث وتوسع فيه، وفي نفسه ذكريات من دانتي والعصور القديمة. عذابات جهنم تنم على تنوع وابتكار مَرَضيين يذكران بلوحات الجبهات الرومانية المثلثة الرائجة في القرن الثاني عشر، فالمختارون بحاجة إلى عون الملائكة والقديسين ليصعدوا إلى الفردوس بعد طول معاناة.

ومع ذلك لا يمكن القول إذا كهولة الفنان المديدة غارقة في كرب وغم مستديمين، فنشاطه وهمته المعهودة لم يفارقاه حتى النهاية، فكان دوماً المشارك الفعال في الحياة الفنية، ينصح ويأمر هذا أوذاك من تلامذته، وكان رب عمل مرهوب الجانب، وأسطورة زمانه بلا منازع.

وثّق ميكلانجلوعرى الصداقة مع الجماعة الرومانية التي اجتمعت حول الشاعرة ڤيتوريا كولونا Vittoria Colonna ت(1491ـ1547) فوجد في ذلك عزاءه وسلواه، وبعث في نفسه ذكريات الماضي البعيد في حدائق الأكاديمية، والأفكار العظيمة لرجال الفكر، وكان هونفسه يخط منذ زمن بعيد قصائد ورسائل رائعة، فهولم يتألق في النحت والتصوير والعمارة فحسب، بل تألق في سماء الشعر أيضاً، وكان واحداً من أعظم خمسة شعراء في عصره ولكنه ـ والحق ينطق ـ كان أصدقهم وجداناً وأقلهم مهارة في الصنعة الشعرية.

وفي تلك الفترة أضاف إلى أعماله النحتية جذع «بروتوس» المنحوتة المثال لقتل الطاغية. وباشر العمل في جداريتين كبيرتين في كنيسة بولين (الڤاتيكان)، وهما «توبة القديس بولس» وهويسقط من على صهوة جواده، و«صلب القديس بطرس»، وهنا أيضاً شاركه العمل في التطبيق كثير من التلاميذ.

راحت مسائل العمارة ومشروعاتها تأخذ من وقته كثيراً. وكان بهوالمخطة الفلورنسية في فلورنسا ودرجها من أكثر أعماله نجاحاً في هذا الميدان، وكان ميكلانجلوقد بدأ العمل فيهما منذ عام 1523، ولم يتم إنجازهما وفق خطته إلا بعد عام 1560 على يد المعمار بارتولوميوأماناتي Bartolomeo Ammannati. وفي روما واعتماداً على مخططاته بدأ بتحويل حمامات ديوكليتيان إلى كنيسة، وببناء الطابق العاشر الأخير لقصر فرنيزي Farnèse… وفي بداية عام 1538 بوشر العمل وبإشرافه في تنظيم ساحة الكابيتول، تحفُّ بها ثلاثة قصور زُينت بنادىمات عملاقة تبعث الحياة والإيقاع في قابلات محفورة ذات ظلال حادة، وقد أدى هذا الصرح الديناميكي إلى ارتياد العمارة سبلاً قادتها إلى الباروك Baroque وإلى تبني التأثيرات المسرحية فيها واستقدام عناصر منحوتة إليها.

عُين ميكل‌أنجلومهندساً ومشرفاً رسمياً على كنيسة القديس بطرس في عام 1546، ولكن معارضة أصدقاء سلفه أنطونيودا سانگالوالابن ودسائسهم حالت دون إكماله لها. وفي زمن لاحق أُعيد بناء المظهر الخارجي وفق مبتر (رسم بتر عمودي للبناء) مختلف، فلم يبق مما صممه ميكلانجلوإلا الشكل المتصالب الضخم والمهيب، مرشد عبقريته.

لم يكف ميكل‌أنجلويوماً عن حبه للنحت وشغفه به، ولقد ظل في صراع ملحمي مع الرخام حتى النهاية. وكانت فكرة الموت تراوده، بل تسكن فيه، وكان هذا التأمل المنسجم تماماً مع إيمانه المسيحي يزداد حدة مع الأيام، وسرعان ما لجأ من حديث إلى التمثال الذي أنعم عليه بمأثرته الفنية الأولى «الشفقة» أوـ على نحوأدق ـ «الإنزال من على الصليب» الذي بدأ العمل فيه نحوعام 1550، وخصصه في البداية لضريحه، وفيه اتىت الأشكال كلها أصيلة وفريدة، فهذا الجسد المبتر الأوصال، وعلى نحومتعرج للسيد المسيح، والمرأتان اللتان تحفان به من الجانبين، والوجه الشبحي لنيكوديم (تلميذ يسوع) الواقف خلفه مثل الآب في الأقانيم الجرمانية الثلاثة لا توجد أصولها إلا في بلاد الشمال. وفي محاولته الأخيرة أيضاً يُعثر من حديث على رجل تبترت أوصاله من الألم وقبالته تجلس العذراء في وضع مؤثر. لقد هدأت روح هذا الفنان العاصفة التي صيرت فن النحت رموزاً عملاقة جياشة بالعواطف التي مهدت الطريق لعبقرية «رودان» Rodin لتستقبل فترة الأسى الدرامي. فالفنان الذي كان يقف بمطرقته محتدماً أمام عذراء الدوما الآسية ها هوذا يلغي ساق المسيح ويحطم ذراعيه، ليختزله، بعد حتى يئس من الحصول على الشكل المروم، ويحوله إلى شبح صيغ من الندم والوسواس والإخفاق والعدم، مع ذراع معلقة نافلة، وكأنها تسبح في فراغ مثل نَذْر ذي عاهة.

وليست صورة العجز الأخيرة هذه - والتي أطنب في مدحها المعاصرون - ما ينبغي الوقوف عندها، وإنما مآثر شبابه وفترة نضجه هي التي تستوقف المشاهد، فهي التي قلبت فن زمانه رأساً على عقب، بتوترها وحدّتها وطاقتها الجموح، فمن هذا الفن المضطرب والمهموم والقلق، ومن عبقريته في ابتكار الأشكال خرج التيار التكلفي Mannerism وولد في فلورنسا على يد هذا المفهم لينتشر في أوربا كلها. وميكل‌أنجلو

هوأيضاً من ابتكر «الخط الأفعواني» أحد أبرز ما في التكلفية من سمات وخصائص.

وأخيراً، وليس آخراً، فإنه من الميكل‌أنجلية ولدت الباروكية أيضاً، التي يعترف مفهموها بأن ميكل‌أنجلوهوالأب الروحي لهم.

مات ميكل‌أنجلووعلى شفتيه ـ ساعة احتضاره ـ صدى حدثاته الأخيرة: «إنني أشعر بالأسى؛ لأنني أموت قبل حتى أقدِّم جميع شيء من أجل سلام نفسي، ولأنني أموت حينما بدأت أتهجّى فني».

ميكل‌أنجلو، مشروع قابلة سان لورنسو، فلورنسا.

مما يذكر في صحيفة الحسنات لحدثنت أنه ظل طوال أيام كوارثه يتحمل صابراً جميع نزوات ميكل أنجيلووثوراته، ويعهد إليه بالمهمة تلوالمهمة، ويمنحه من المزايا جميع ما يليق بالعباقرة. ويقول في هذا: "إذا اتى بونارتي أمسكت بيدي على الدوام مقعداً وأمرته بالجلوس، لأني لا أشك في أنه سيجلس من تلقاء نفسه دون حتى يستأذنني". وحتى قبل حتى يصبح بابا تقدم باقتراح تبين أنه اكبر عمل من أعمال النحت عهد به إلى ذلك الفنان، وهوحتى يضيف إلى كنيسة سان لورندسوبفلورنس "غرفة مقدسات جديدة" لتكون قبراً لأشهر أفراد آل ميديتشي؛ وتصميم مقابر لهم، وتزيينها بما يليق بها من الصور. وكان حدثنت واثقاً جميع الثقة من كفايات هذا الفنان الجبار المتعددة، ولهذا طلب إليه حتى يضع عدداً من التصميمات الهندسية للمخطة اللورنتية، تبلغ من السعة والمتانة ما تستطيع حتى تقي جميع المجموعات الأدبية للأسرة الميديتشية. وتم إنشاء السلم الفخم والدهليز ذي العمد في هذه المخطة اللورنتية (1526-1527)، بإشراف أنجيلو، أما بقية ابناء فقد أقامها فيما بعد فاساري وغيره على أساس رسوم بونارتي.

أما بناء نوفا ساجرستيا فلا يمكن حتى يعد من روائع الفن المعماري. فقد وضع تصميمها على حتى تكون مربوعة الجوانب تقسمها عمد مربوعة وتعلوها قبة متواضعة؛ وكان الغرض الأول من بنائها حتى توضع التماثيل في الفجوات المتروكة في الجدران. وقد تم بناء "معبد آل ميديتشي" هذا في عام 1524؛ وفي عام 1525 بدأ أنجيلوالعمل في القبور، وقد خط إليه حدثنت في هذا العام الثاني خطاباً يستحثه في رقق يقول:

"إنك تعهد حتى البابوات قصار الأجل، ونحن أشد ما نكون شوقاً إلى حتى نرى المعبد وفيه قبور أقاربنا، أوحتى نسمع في القليل أنه قد تم، ولا يقل عن هذا شوقنا إلى إتمام المخطة ولهذا نعهد بهما جميعاً إلى همتك ونشاطك. وسنتذرع في هذه الأثناء (بناء على توصيتك) بالصبر الجميل، داعين الله حتى يعينك على حتى تدفع المشروع كله إلى الأمام. ولا تخش قط حتى يفترض أن تعوزك الأعمال أوالجزاء مادمنا على قيد الحياة. وداعاً على بركة الله وبركتنا- جيوليو".

وكان المشروع يتضمن إنشاء ستة قبور: واحد لكل من لورندسوالأعظم، وأخيه جيوليانوالذي اغتيل، وليوالعاشر، وحدثنت السابع، وجوليانوالأصغر الذي كان "أطيب من حتى يستطيع حكم دولة" (والمتوفى عام 1516)، ولورندسوالأصغر دوق أربينو(المتوفى عام 1519). ولم يتم من هذه إلا قبرا الأخيرين، ولكنهما مع ذلك أرقى ما وصل إليه التصوير في ذلك العهد. ويظهر القبران شكل من يحتويان من الموتى كما كانا في عنفوان الشباب، ولم يحاول المثال إظهار شكلهما السليم أوملاحمها الحقيقية: فقد أظهر جيوليانوفي ثياب قائد روماني، ولورندسوفي صورة الرجل المفكر. ولما حتى لاحظ ملاحظ غير حذر هذا البعد عن الواقعية، رد عليه ميكل أنجيلوبألفاظ كشفت عن ثقته السامية الأكيدة بخلوده الفني فنطق: "منذا الذي يعني بعد ألفي عام هل هذه ملامحهم وليست هي؟". ويتكئ على تابوت جيوليانوشخصان عاريان: عن اليمين رجل يفترض فيه أنه يرمز إلى النهار، وعن اليسار امرأة يفترض أنها ترمز إلى الليل. ومثلهما صورتا شخصين متكئين على قبر لورندسوأطلق عليهما اسما الشفق والفجر. وهذه التسميات مجرد فروض ولعل للخيال فيها أكبر نصيب. وأغلب الظن حتى هدف المثال هوحتى ينحت مرة أخرى معبوده الخفي، أعني الجسم البشري، بكل ما فيه من روعة قوة الرجولة، والمحيط الخارجي الجميل لجسم المرأة بأكمله. ولقد كان نجاحه في تصوير جسم الرجل أعظم من نجاحه في تصوير جسم المرأة كما هي العادة، وإن صورة الشفق الناسيرة التي تسلم اليوم النشيط المضني إلى الليل على مهل، لنضارع أنبل صور الآلهة في البانثيون.

وقامت الحرب فعطلت أعمال الفن إلى حين. ولما سقطت روما في أيدي الجيوش الإمبراطورية (1527)، لم يعد في وسع حدثنت حتى يناصر الفنون، وانبتر معاش ميكل أنجيلوالذي كان يتقاضاه من البابا ومقداره خمسون كروناً (625 دولاراً) في الشهر واستمتعت فلورنس في هذه الايام بعامين من الحرية في ظل الحكم الجمهوري. ولما حتى تصالح حدثنت مع شارل، وأوفد جيش ألماني- أسباني للقضاء على الجمهورية وإعادة آل مديتشي إلى الحكم، عينت فلورنسا أنجيلو(6 أبريل ستة 1529) عضواً في لجنة العشرة للدفاع عن المدينة، وبذلك أصبح فنان المديتشيين بحكم الظروف مهندساً يعمل ضد الميديتشيين، وشرع يشتغل كالمحموم في تخطيط الحصون والأسوار وتشييدها.

وبينما كانت هذه الأعمال قائمة على قدم وساق كان ميكل أنجيلويزداد جميع يوم اقتناعاً بأن المدينة لا يمكن الدفاع عنها دفاعاً ناجحاً. وهل تستطيع مدينة بمفردها منقسمة على نفسها في روحها وفي ولائها، حتى تقاوم مدفعية الإمبراطورية والحرمان الديني البابوي مجتمعين،يا ترى؟ ومن أجل هذا وقع في الحادي والعشرين من سبتمبر سنة 1529، أثناء حالة عارضة من الذعر، حتى فر الفنان من المدينة، وهويأمل حتى يهرب منها إلى فرنسا ويلجأ إلى مليكها الظريف الوديع. ولما عثر طريقه مسدوداً بأرض يحتلها الألمان لجأ مؤقتاً إلى فيرارا وكانت تابعة للبندقية، ومنها بعث برسالة إلى صديقه باتستا دلا پالا العامل الفنان لفرانسس في فلورنس يسأله: هل ينضم إليه في الهرب إلى فرنسا،يا ترى؟ ورفض باتستا حتى يتخلى 'ن المنصب الذي عهد إليه في الدفاع عن المدينة؛ وخط إلى أنجيلوبدلا من ذلك يدعوه دعوة حارة إلى العودة لواجبه، وينذره إذا لم يعد بأن الحكومة ستصادر أملاكه، وتهجر أقاربه المعمدين في فقر مدقع. وبذلك عاد الفنان إلى عمله في حصون فلورنس حوالي اليوم العشرين من نوفمبر.

ويقول فاساري إنه حتى في هذه الشهور المضطربة عثر متسعاً من الوقت ليواصل العمل سراً في قبور آل ميديتشي، وليرسم لألفنسودوق فيرارا صورة لا تعتبر قط عن طبائعه وهي صورة ليدا والبجع، وكانت في الحق صورة عجيبة يرسمها رجل قليل الميول الجنسية، متزمت إلى حد كبير، ولعلها كانت ثمرة اختلال مؤقت في عقله. ويظهر فيها البجع يضاجع ليدا، ويلوح حتى ألفنسولم يكن هوالذي اختار موضوعها وإن كان معروفاً بان كان رجلا شهوانياُ في الفترات التي بين الحروب. وأظهر الرسول الذي بعثه لإحضار الصورة الموعودة شدة امتعاضه منها حين رآها، ولم يزد على حتى نطق "إن هذا عبث" ولم يحاول أخذها للدوق، فما كان من أنجيلوإلا حتى منح الصورة لخادمه أنطونيوميني الذي حملها إلى فرنسا حيث انتقلت إلى مجموعة فرانسس الأول النهم الذي لم يكن يفرق بين الطبيب منها والخبيث. وبقيت تلك الصورة في فنتينبلوإلى زمن لويس الثالث عشر حين أمر أحد كبار الموظفين بإتلافها لقبح موضوعها. ولسنا نعهد هل نفذ هذا الأمر أولم ينفذ. وما هوتاريخ الصورة الأصلية بعد ذلك الوقت، ولكننا نعهد حتى نسخة منها باقية في سراديب المعرض الأهلي بلندن.

ولما حتى سقطت فلورنس في أيدي الميديتشيين العائدين إليها أعدم باتستا دلا بالا وغيره من الزعماء الجمهوريين، وأخفى ميكل أنجيلونفسه مدة شهرين في بيت صديق له، كان في جميع لحظة منهما يتسقط حتى يلقى نفس المصير، ولكن حدثنت كان يظن أنه وهوحي أعظم قيمته منه وهوميت، فخط البابا إلى أقاربه الحاكمين في فلورنس يأمرهم بالبحث عن الفنان، ومعاملته بالحسنى. ووافق ميكل على هذا العرض؛ ولكن الصورة التي كانت في عقل الحبر والفنان كانت أكبر مما تستطيع اليد تطبيقه، كما وقع في قبر يوليوس؛ ولم تطل حياة البابا حتى يشهد تمام المشروع. فلما توفي حدثنت في عام 1534 خشى ميكل أنجيلوحتى يصيبه ألسندروده ميديتشي بأذى بعد حتى توفي حاميه ونصيره، فاغتنم أول فرصة للهرب إلى روما.

وتبدوعلى القبور مسحة من الحزن المكتئب العميق كما تبدوعلى صورة عذراء ده ميديتشي التي نحتها أنجيلولحجرة المخلفات المقدسة. ولقد افترض المؤرخون المولعون بالديمقراطية (والمغالون فيما كانت عليه من مدى في فلورنس) حتى الصور المضطجعة ترمز إلى مدينة تندب استسلامها للاستبداد والظلم على الرغم منها. ولكن أكبر الظن حتى هذا التفسير وهم خيال: فقد صممت هذه الصورة بينما كان الميديتشيون يحكمون فلورنس حكماً صالحاً إلى حد معقول؛ وقد نحتت لبابا من آل ميديتشي كان على الدوام رؤوفا بميكل أنجيلو، ونحتها فنان مدين لآل ميديتشي منذ شبابه. ولسنا نعهد أنه كان يبغي الإساءة إلى الأسرة التي كان يعد لها قبورها، وليس في تصويره لجيوليانوولورندسوما يشير على تحقيره إياهما. والحق حتى هذه الرسوم تعبر عن شيء أعمق من حب لأن تستمتع الأقلية الثرية بحرية حكم الطبقات الفقيرة، دون حتى تقف في سبيلها أسرة ميديتشي التي كانت في العادة محبوبة من الشعب عامة. إنها تعبر عن ملل ميكل أنجيلومن الحياة، وعن التعب الذي حل برجل كله أعصاب وأحلام هائلة لا يستطاع تحقيقها، عثر نفسه يصطدم بمئات المحن، ويعوق جميع مشروع من مشروعاته تقريباً صلابة المادة التي يعمل بها وإباؤها عليه، وكلال قوته وضيق وقته. ولم يكن أنجيلوقد استمتع إلا بالقليل من مباهج الحياة، ولم يكن له أصدقاء لهم ماله من عقلية، أما النساء في رأيه أجساماً ناعمة تهدد السلام، وحتى أعظم فوزاته كانت نتيجة الكد المنهك والألم، وائتلاف التفكير المحزن والهزيمة التي لا مفر منها.

ولما سقطت فلورنس في أيدي أسوأ المستبدين بها، وساد الرعب حيث كان لورندسويحكم حكماً موفقاً سعيداً، أحس الفنان، الذي كان قد نحت في رخام أضرحة آل مديتشي نقداً للحياة لا مجرد نظرية في الحكم، إذا هذه الأشكال المكتئبة الحزينة تعبر، فيما تعبر عنه، عن المجد الغابر للمدينة التي كانت مهد النهضة. ولما حمل الستار عن تمثال الليل خط الشاعر جان باتستا استروتسي رباعية تعرض موضوعه عرضاً أدبياً نطق فيها ما معناه:

إن الليلة التي تراها واقفة في رشاقة

يأخذ الكرى بمعاقد أجفانها، قد صاغها مَلَك

من الحجر الصلد، وسنانة، تسري فيها الحياة،

فأيقظها أيها المخلوق الذي لا تصدق' فإنها ستتحدث إليك.

وقد غفر ميكل للمحرر ما في العبارة من تورية هي في الوقت عينه تمجيد له، ولكنه لم يرض عن تفسير المحرر لخصائص التمثال، وخط هوتفسيراً لها في أربعة أسطر هي أكثر ما في شعره وضوحاً وإبانة عن مقصده نطق:


ما أحَبَّ نومي، ولكن يزيده محبة حتىقد يكون مجرد حجر

مادام الخراب والقدر سائدين.

إن أشد ما يؤلمني ألا أرى شيئاً وألا أشعر بشيء،

إذن فلا توقظني، وتحدث في همس(62)


روما، 1534-46

يوم القيامة (1534–41)

كاتدرائية القديس پطرس، 1546-64

عاش ميكل أنجيلوطوال تلك السنين كأنه شبح مشاكس قدم من عصر غير العصر الذي كان فيه، وكان في التاسعة والخمسين من عمره حين توفي حدثنت، ولكن يظهر حتى أحداً لم يكن يظن حتى من حقه حتى يستريح، فها هوذا بول الثالث وفرانتشيسكوماريا دوق أربينويتنازعان جسمه الحي. فأما الدوق، بوصفه منفذاً لأعمال يوليوس الثاني، فقد أخذ يطالب بإتمام قبر عمه، معتمداً على عقد سقطه أنجيلومن زمن بعيد. ولكن البابا المتغطرس لم يعر هذا الطالب التفاتا، وأخذ يقول لبوناروتي: "لقد ظللت ثلاثين عاماً ألح في حتى تدخل في خدمتي، والآن وقد جلست على كرسي البابوية هل يليق بك ألا تلبي ندائي،يا ترى؟ أما هذا العقد فسيمزق، وستعمل أنت لي، وليكن بعد ذلك ماقد يكون". واحتج البابا على هذا، ولكنه ارتضى أخيراً حتى يقام ضريح أصغر كثيراً من الذي كان يحلم به يوليوس، وكان فهم الفنان الجبار بأن الضريح بناء ناقص مشوه سببا في نكد عيشه في سنيه الأخيرة.

وفي عام 1535 خط البابا المنتصر خطابا يعين به ميكل أنجيلوكبير المهندسين، والمثالين، والمصورين في الفاتيكان، ويشيد بتفوقه في جميع ميدان من هذه الميادين، وجعل الفنان فوق ذلك عضواً في بيت البابا وخصص له معاشا قدره 1200 كرون (15.000،يا ترى؟ دولار) جميع عام مدى الحياة. وكان حدثنت السابع قد طلب إليه قبل وفاته بزمن قليل حتى يرسم مظلماً يصور عليه يوم الحساب خلف مذبح معبد سستيني. واقترح بولس وقتئذ حتى يقوم الفنان بهذا العمل، وتردد ميكل لأنه يريد حتى يواصل أعمال النحت لا أعمال التصوير؛ فقد كان أسعد حالا وهويعمل بالمطرقة والمنحت مماقد يكون وهويعمل بفرشاة الرسم، وكانت سعة الجدار الذي يراد تصويره- 66 قدما في 36- خليقة بأن تبرر هذا التردد، غير أنه بدأ هذه الصورة التي هي أعظم صورة كلها في شهر سبتمبر من عام 1535 وكان وقتئذ في سن الستين.

ولعل ما لاقاه المرة بعد المرة من العنت في حياته- كضريح يوليوس الأبتر، وتدمير التمثال الذي أقامه لهذا البابا في بولونيا، وعدم إتمامه قابلة سان لورندسووقبور آل ميديتشي- قد جمعت في صدره حقداً دفينا فاض حتى صبه غضبا في هذه الصورة القدسية، ولعله قد عادت إليه من خلال أربعين عاماً ذكريات سفونرولا- منها تلك النبوءات المفجعة المنذرة بسوء المنقلب، وذلك التشنيع الشديد على خبث بني الإنسان ولؤمه، وفساد رجال الدين، واستبداد آل ميديتشي، والغطرسة العقلية، والمباهج الوثنية، ولهيب نار الجحيم التي تشوي روح فلورنس، وكأنما كان الشهيد الميت يتحدث إليه مرة أخرى، من مذبح العالم المسيحي الوثيق الصلة به.

قبة كاتدرائية القديس پطرس

إلى غير ذلك شرع الفنان المكتئب الذي لقبه دانتي بالعالم يغوص من حديث في أجاج الجحيم ويصور أهوالها على الجدار لكي تظل تلك الأحكام الإلهية التي لا مفر منها مائلة في المستقبل أمام البابوات أجيالا بعد أجيال وهم يقرءون القداس. وفي هذا الحصن الحصين الحامي للدى، الذي كان الى عهد غير بعيد يزدري بالجسم الآدمي ويصب عليه اللعنات، يشرع هذا الفنان بفرشاته فيصور- وكأنما هومثال ينحت تماثيل مجسمة لا مصور يرسم صوراً ملونة- ذلك الجسم في مائة من الحالات والمواقف، تارة يتلوى ويتهجم من شدة الألم، وتارة في غفوة، ثم في نشوة حين يبعث الموتى أحياء، أويصور الملائكة وقد انتفخت أجسامهم وهوينفخون النفخة المشهورة في الصور، أوالمسيح يكشف عن جراحه؛ وقد أوتي مع ذلك منكبين عريضين وذراعين قويتين يستطيع بها حتى يقذف في الجحيم من كانوا يظنون أنهم أكبر من حتى يطيعوا أوامر الله.

غير حتى ما فيه من ميل إلى النحت قد أفسد عليه قدرته على التصوير، ذلك حتى هذا التزمت المتشدد أخذ يزداد جميع يوم استمسكا بدينه، ويصر على حتى يمثل باللون أجساما متخمة قوية ذات عضلات مفتولة، حتى أصبح الملائكة الذين يمثلهم الفن والشعر أطفالا سعداء، أوشبابا ظرفاء، أوفتيات رشيقات، أصبح هؤلاء في يديه خلائق ذوي أجسام رياضية يتسابقون في الفضاء، ويسحقون النجاة، سواء كانوا أخياراً أوأشراراً لأنهم خلقوا في صورة الله أوفيما يشبه صورة الله إذا لم يكن لغير هذا من الأسباب، وحتى المسيح نفسه، في جلال غضبه، أصبح صورة لآدم المرسوم على سقف سستيني، أي إلها في صورة إنسان أوفيما يشبه صورة الإنسان، إذا في الصورة لحما أكثر مما يجب حتىقد يكون، وفيها أذرعاً، وسيقاناً، وعضلات في الأجسام وفي باطن السيقان أكثر مما يلزم منها لأن يسموبالروح إلى التفكير في عقاب الذنوب، وحتى أريتينوالفاجر المستهتر كان يرى حتى هذه الأجسام العارية الكثيرة العدد قد وضعت في غير المكان اللائق بها. وما من أحد يجهل حتى بياجيودا تشيزينا رئيس التشريفات عند بولس الثالث قد شكا من حتى هذه الحفاوة الزائدة بالجسم البشري أليق بأن تزين مشربا للخمور منها بمصلى للبابوات، وأن ميكل أنجيلوقد ثأر لنفسه منه بأن صوره بين الملعونين المعذبين، وأن بولس نفسه حين طلب إليه بياجوحتى يمحوالصورة رد عليه ردا فيه ما فيه من الفكاهة القوية والتقى العظيم، فنطق إذا البابا نفسه لا يستطيع حتى ينجي الروح من نار الجحيم(56).

واستجاب بولس الرابع لاحتجاج رجال من طراز بياجيوفأمر دانييلي دا فلتيرا بأن يصور سراويل للأجزاء التي لا يليق ظهورها من الصور، فما كان من روما إلا حتى لقبت الفنان المسكين "بخياط السراويل. على حتى أجل صورة في هذا المنظر الكامل القاتم ترتدي أثواباً سابغة تغطي جميع جسمها، تلك هي صورة مريم العذراء التي تعد أثوابها آخر فوز أحرزه الفنانون في تصوير الثياب، والحق أننا لانجد في هذه الصورة التي تمجد الوحشية الآدمية عنصراً ينقذها من هذه الوهدة إلا نظرة الارتياح والشفقة البادية على وجه العذراء.

وأزيح الستار عن هذه الصورة يوم الاحتفال بعيد الميلاد في عام 1541 بعد كدح دام ست سنين، وكانت روما وقتئذ توشك حتى تدخل في عهد من الرجعية الدينية ضد أساليب النهضة، فارتضت صورة يوم الحساب على أنها مما يتفق مع الدين ومع الفن العظيم، ووصفها فاساري بأنها أروع الصور كلها على الإطلاق، وأعجب الفنانون بما فيها من دقة التشريح، ولم يروا عيباً في المغالاة في حجم العضلات، ولا في المواقف الغريبة الشاذة، ولا في كثرة الأجسام البشرية، بل وقع نقيض هذا فأخذ كثيرون من المصورين يقلدون أساليب هذا الفنان المفهم وشذوذه، وأوجدوا المدرسة النمطية التي بدأ بها اضمحلال الفن الإيطالي، وحتى غير الفنانين قد أدهشتهم المراعاة والتناسب في الأحجام مما أظهر بعض أجزاء الصورة وكأنها نقش بارز، كما أدهشتهم المراعاة الدقيقة لفن المنظور التي جعلت طول الأجسام السفلي مترين، والوسطى ثلاثة أمتار، والعليا أربعة. وإذا نظرنا إلى هذا المظلم اليوم فإننا لا نستطيع حتى نحكم عليه حكما عادلا سليماً، فلقد أضر به دانيلي حين ألبسه السراويل، كما أضرت به الأثواب التي ألبستها بعض أشكاله بعدئذ في عام 1762، وآذاه التراب والدخان، وما علاه من قتام مدى أربعة قرون.

وبعد حتى استراح ميكل أنجيلوأربعة أشهر بدأ (1542) يعمل في مظلمين في المعبد الذي بناه أنطونيودا سنجلولبولس الثالث في قصر الفاتيكان، وكان واحد منهما يمثل استشهاد القديس بطرس، والثاني تنصر القديس بولس، وهنا أيضا أطلق الفنان العجوز لنفسه العنان في المغالاة في تصوير الأجسام البشرية، ولما أتم الصورتين كان قد بلغ الخامسة والسبعين من العمر، ونطق لفاساري إنه صورهما رغم أنفه، وإنه بذل في تصويرهما جهداً شديداً ولاقى عناءً كبيراً.

غير أنه لم يحس بأنه قد بلغ من العمر ما يحول بينه وبين الاشتغال بالنحت، بل إنه كان يقول إذا المطرقة والنحت يساعدانه على الاحتفاظ بصحته، ولقد كان، يرسم صورة العشاء الأخير يجد من حين إلى حين ملجأ وسلوى في الرخام الذي في مرسمه. ففي عام 1539 نحت تمثال برونس الصارم القوي (المحفوظ في بارجلو) الخليق بأن يضم إلى أعظم التماثيل الرومانية الملونة. ولعله قد نحته ليؤيد به ما وقع منذ قليل من اغتال الطاغية أليسندروده ميديتشي في فلورنس، وليكون نذيرا للطغاة في المستقبل. وبعد أحد عشر عاماً من ذلك الوقت نحت وهوفي فترة من المزاج الرقيق تمثال العذراء تبكي أمام المسيح الميت، والذي يقوم الآن خلف مذبح كاتدرائية فلورنس، وكان يرجوحتى يوضع هذا التمثال فوق ضريحه، ولذلك أخذ يعمل فيه كالمحموم، وكثيراً ما كان يواصل العمل ليلا في ضوء شمعة مثبتة في قلنسوته، ولكن ضربة شديدة من مطرقه أضرت بالتمثال ضرراً لم يسعه إلا حتى يهجره معتقداً أنه قد حاق به الأذى ما لا يمكن إصلاحه، غير حتى خادمه أنطونيوميني استهداه إياه، وأخذه، وباعه إلى رجل من فلورنس. والتمثال ثمرة مدهشة لجهود رجل في السابعة والخمسين من العمر، فجسم المسيح الميت ممثل دون مبالغة، وتمثال مريم الذي لم يتم هوالرقة بعينها ممثلة في الحجر، ووجه نيقوديموس المقنع الرائع يمكن حتى يمثل، كما يظن البعض، وجه ميكل أنجيلونفسه، وكثيراً ما كان الفنان في تلك الفترة من العمر يفكر في آلام المسيح.

وكان دينه في جوهره هودين أهل العصور الوسطى، يخلع عليه التصوف كثيراً من الكآبة والتنبؤ بالمستقبل، والتفكير في الموت وعذاب النار، ولم يكن يشارك ليوناردوفي تشككه، أورافائيل المرح في استهتاره وعدم مبالاته، وكانت أحب الخط إليه الكتاب المقدس وكتاب دانتي، وقد أخذ شعره في أخريات حياته يدور أكثر فأكثر حول الأمور الدينية:

الآن وصلت حياتي مختارا بحرا عاصفاً

كأنها زورق هش ضعيف، إلى المرفأ الواسع

الذي يأمر الناس جميعاً بالدخول فيه قبل حتى يحل يوم الحساب الأخير

فيحاسب الناس على ما كسبت أيديهم من خير وشر ويجزون عليه الجزاء الأوفى.

ولقد عهدت الآن حق الفهم حتى ذلك الوهم

الذي استحوذ على قلبي وجعلني عبدا خاشعاً للفن الأرضي

إنما هولهوعبث باطل. ألا ما أشد إثم

ذلك الشيء الذي يطلبه الناس جميعاً ويتلهفون عليه!

وأفكار الحب التي صورت في ثياب لا تكاد تستر الجسم

ما قيمها حين يقترب منا الموت المزدوج

فهوموتان موت أفهمه عن يقين وآخر أرهبه.

فلا التصوير ولا النحت بقادر الآن على حتى يريح نفسي

التي تتوجه إلى حبه العظيم في عليائه

ذلك الذي يبسط ذراعيه على الصليب ليضمنا إليه.

وأخذ الشاعر الشيخ يلوم نفسه على ما خط في السنين الخوالي من أغاني في العشق. ولكن يلوح حتى هذه الأغاني لم تكن تنفيساً عن شهوة جسمية بل كانت رياضة شعرية. وأعظم أغاني مكيل أنجيلوإخلاصاً في مجموعته المعروفة باسم "القوافي" هي التي يوجهها إلى نبيل روماني كان يفهم التصوير. وقد اتى هذا الشاب إلى أنجيلو(في عام 1532 على ما نظن) ليأخذ عليه الفن، وسحراً أستاذه بجمال وجهه واعتدال قامته، وحسن هيئته وأدبه الجم، وأحبه ميكل وخط فيه أغاني ملؤها الإعجاب الصريح به حتى لقد وضعه الناس مع ليوناردوبين المشهورين من ذوي الشذوذ الجنسي في التاريخ(85أ). غير حتى هذه التعبيرات الغرامية بين الرجل والمرأة كانت شائعة في عهد النهضة حتى بين الرجال الذين يعشقون النساء والنساء اللاتي يعشقن الرجال؛ وكانت عباراتها القوية المتطرفة جزءاً من الأساليب الشعرية وكتابات الرسائل في ذلك العهد؛ ولذلك فإننا لا نستطيع حتى نستخلص منها أحكاماً معينة، لكننا نلاحظ مع ذلك حتى ميكل أنجيلو- إذا صرفنا النظر عن شعره- ظل فيما يلوح لا يعبأ بالنساء حتى التقى بفتوريا كولنا.

وبدأت صداقته معها حوالي عام 1542 حين كانت في سن الخمسين وكان هوفي السابعة والستين. وإنه ليسهل على امرأة في سن الخمسين حتى تثير لواهج الحب في قلب ابن الستين؛ ولكن فتوريا لم تكن ترغب ذلك أوتفكر فيه، فقد كانت تحس بأنها لا تزال مرتبطة بمركيز بيسكارا الذي توفي منذ سبعة عشر عاماً؛ ولهذا خطت إلى ميكل أنجيلوتقول: "إن صداقتنا صداقة ثابتة، وحبنا قوي أكيد؛ تربطه عقدة مسيحية وثيقة"(57) وبعثت إليه بأغان بلغ عددها 143 أغنية كلها طيبة ولكن الإهمال باد فيها؛ ورد عليها بأغان تفيض إعجاباً وإخلاصاً ولكن الغرور الأدبي يفسدها ويشوهها. وكانا إذا التقيا يتحدثان عن الفن والدين، ولعلها كانت تعترف له بعطفها على الرجال الذين كانوا يحاولون إصلاح الكنيسة. وكان تأثيرها فيه قوياً عميقا، فقد بدا له حتى أجمل ما في الحياة من عناصر روحية قد اجتمعت كلها في تقواها، وحنانها، وإخلاصها. وكان بعض ما يتصف به من تشاؤم يزول عنه إذا مشت معه وتحدثت إليه، وكان يدعوالله ألا يعود مرة أخرى الرجل الذي كانه قبل حتى يلتقي بها. وكان إلى جانبها حين حضرتها الوفاة (1547)؛ وظل بعد وفاتها زمنا طويلا محطم القلب حزيناً كأن بعقله خيالاً، يلوم نفسه لأنه لم يقبل وجهها كما قبل يدها في تلك اللحظات الأخيرة، وأقدم بعد وفاتها بقليل على أعظم أعماله الفنية وأكبرها تبعة، ذلك أنه لما توفي أنطونيوسنجالو(1546)، طلب بولس الثالث إلى ميكل أنجيلوحتى يتم كنيسة القديس بطرس، واحتج الفنان المتعب مرة أخرى بأنه مثال لا مهندس، ولعله لم يكن قد نسي بعد عجزه عن إتمام قابلة سان لورندسو، ولكن البابا أصر، وامتثل ميكل أنجيلولأمره "وهوآسف جميع الأسف"؛ وأضاف؛ كما يقول فاساري إلى هذا قوله: "إني لأعتقد حتى البابا قد أوحى إليه بذلك من عند الله". وأبى الفنان حتى يتقاضى عن ذلك العمل، وهوآخر أعمال حياته، مكافأة إضافية، وإن كان البابا قد ألح عليه في هذا المرة تلوالمرة، وبدأ العمل بجد لا يتسقطه الإنسان من رجل في الثانية والسبعين من العمر.

وكأنما كان العمل في كنيسة القديس بطرس لا يكفيه؛ فقد تعهد في ذلك العام نفسه بالقيام بمشروعين كبيرين: أولهما أنه أضاف إلى قصر فارنيزي طابقاً ثالثاً، وشرفة يمتدح جميع من رآها جمالها البارع، كما أضاف طابقين علويين إلى بهويرى فاساري أنه أجمل أبهاء أوربا بأجمعها؛ ووضع تصميماً لمجموعتين من الدرج يرقى بهما إلى تل الكبتول، وأقام فوق قمته تمثال ماركس أورليوس القديم الممتطي صهوة جواد، ثم شرع بعدئذ وهوفي الثامنة والثمانين من عمره يشيد فوق الطرف الثاني من الهضبة قصر مجلس الشيوخ بسلمه المزدوج العالي الفخم؛ ووضع خططاً لقصر المعهد الموسيقي على أحد جانبي قاعة مجلس الشيوخ ومتحف الكبتول على الجانب الآخر منها: على أنه حتى هونفسه، لم يمتد به أجله حتى ينفذ هذه المشروعات كلها، ولكن الأبنية تمت كلها وفقاً لتصميمه على أيدي توماسوكفاليري، وفنيولا، وجيما كومودلا بورتا.

ولما توفي بولس الثالث (1549) لم يعهد الناس هل يحتفظ خلفه يوليوس الثالث بمكيل أنجيلوكبيراً للمهندسين في كنيسة القديس بطرس، وكان ميكل قد رفض التصميم الذي وضعه أنطونيودا سنجالولأن يجعل الكنيسة مظلمة إلى حد يخشى منه على الآداب العامة، ولكن أصدقاء المتوفى أقنعوا اثنين من الكرادلة بأن يحذرا البابا بأن بونارتي يعمل على إفساد الصرح. وأيد يوليوس أنجيلو، ولكن لما جلس البابا بولس الرابع على كرسي البابوية (وقد كان البابوات يتعاقبون تعاقباً سريعاً في أيام ميكل أنجيلو) عاد حزب أنجيلوإلى الهجوم وادعى حتى الفنان الذي كان وقتئذ في الحادية والثمانين من عمره، قد بلغ من العمر أرذله وكان في عهد طفولته الثانية، وأنه كان يهدم أكثر مما يبني، وأنه يضع في سان بيتروتصميمات محالة التطبيق، وكثيراً ما فكر ميكل في الاستنطقة من عمله وقبول الدعوات المتكررة التي كان يبعث بها إليه الدوق كوزيموكي يعود إلى الإقامة في فلورنس؛ ولكنه كان قد وضع خطة القبة، ولم يشأ حتى يتخلى عن منصبه حتى يرى فكرته في طريق التحقيق، وقضى عدة سنين يفكر في هذه المشكلة، حتى إذا كان عام 1557 عمل من الصلصال نموذجاً صغيراً للقبة الضخمة التي كان عرضها وثقلها أكثر ما في المشروع خطورة. وقضى عاماً آخر في خلق نموذج من الخشب أكبر من النموذج السابق ووضع الخطط اللازمة للبناء والمساند، وكان المشروع يقضي بأنقد يكون قطر القبة 138 قدما، وارتفاعها هي نفسها 151، وأن تكون قمتها على ازدياد 334 قدما فوق سطح الأرض، وأن ترتكز على قاعدة ذات أطناف تعتمد عل عقود ضخمة في الليوان الذي يخترق الكنيسة، وكان المشروع يقضي أيضا بأن يشاد "فانوس" (أي قبة صغرى ذات قابلة مفتوحة) يعلوتسعا وستين قدماُ فوق القبة الرئيسية وأن ينشأ فوقها صليب يعلوعن هذا الفانوس اثنتين وثلاثين قدماًقد يكون ذروة ذلك الصرح الفخم العظيم الذي يصل بأجمعه إلى ازدياد 435 قدماً، ذلك هومشروع القبة، أما القبة التي يمكن حتى نقارنها بها والتي شادها برونيسكوفوق كنيسة فلورنس الكبرى، والتي وصف ميكل أنجيلوجمالها بأنه جمال لا يفوقه سواه، فقد كانت تبلغ 138 قدماً ونصف قدم في العرض و133 قدماً في ارتفاعها هي نفسها و300 قدم من سطح الأرض إلى قمة البناء و351 قدماً بما فيها الفانوس، وكانت هاتان القبتان أعظم ما شيد من الصروح جرأة في تاريخ عمارة النهضة.

وحاء بيوس الرابع في عام 1569 بعد بولس الرابع، وسعى أعداء الفنان الجبار مرة أخرى لكي يحلوا محله، وكان قد أنهكه النزاع وتبادل التهم، فقدم استنطقته من منصبه (1560)، ولكن البابا رفض قبولها، وظل ميكل أنجيلوكبير المهندسين في كنيسة القديس بطرس إلى يوم وفاته، وتبين بعدئذ حتى ناقديه لمقد يكونوا مخطئين في جميع ما وجهوه إليه من نقد، ذلك أنه في فن العمارة فلما كان يعنى بوضع خططه على الورق، وقلما كان يفضي بها إلى أصدقائه، بل جميع ما كان يعمله حتى يضع تصميم جميع جزء من أجزاء البناء حدثا قرب وقت إقامته، وكان شأنه فيما كان يقوم به من أعمال النحت، فكثيراً ما كان يهاجم كتلة الرخام دون أي استعداد سابق أكثر من وجود فكرة في رأسه، ولما توفي لم يخلف وراءه خططاً أونماذج محددة لأي جزء من البناء غير القبة وحدها، ولهذا كان من خلفوه أحراراً في اتباع أفكارهم هم أنسفهم، فبدلوا فكرته وفكرة برامنتي الأساسية- فكرة الصليب اليوناني- وأحلوا محلها فكرة الصليب اللاتيني بأن زادوا في طول جناح الكنيسة الشرقي وأقاموا قابلة عالية أمامه حجبت السقف المقبب عن الأنظار من هذه الناحية إلا إذا نظر إليها من بعد ربع ميل، وكان جزء البناء الوحيد الذي اتبعت فيه خطة أنجيلوهوهذا السقف المقبب نفسه، فقد نفذه جياكومودلا بورتا عام 1588 كما وضعه أنجيلودون تغيير هام، وما من شك في حتى هذا البناء أفخم الأبنية في روما وأبهاها منظراً، فهويعلوفي منحنيات رائعة من أسفل قاعدته على التل إلى الفانوس القائم أعلاه، ويتوج في جلال الربعة التي في أسفله، ويضفي على العمد ذات الطراز القديم، والعمد المربوعة، وطيلات العمد، والقواصر وحدة شاملة تضارع في بهائها أي صرح معروف في العالم القديم، وفيها أيضا حاولت المسيحية حتى توفق بينها وبين العالم القديم، فقد وضع بيت عبادة المسيح قبة البانثيون (التي يبلغ اتساعها 142 قدماً وارتفاعها بأكمله 142) فوق باسلقا قسطنطين كما أقسم برامنتي حتى يعمل، ولم يجبن عن حتى يعلوبالعمد القديمة ذلك العلوالشامخ الذي لا نظير له في سجلات التاريخ القديم.

ولم ينبتر ميكل أنجيلوعن العمل حتى بلغ التاسعة والثمانين من عمره، من ذلك أنه حول جزءا من حمامات دقلديانوس في عام 1563 إلى كنيسة سانتا ماريا دجلي أنجيلي وديرها استجابة لطلب بيوس الرابع، ثم وضع تصميم بورتا بيا أحد أبواب المدينة، ووضع الفلورنسيين المقيمين في روما نموذجاً لكنيسة، نطق عنه فاساري، ولعله كان مدفوعاً في ذلك بتحمسه الشديد إلى أستاذه وصديقه الشيخ، إنه "أجمل ما سقطت عليه عين إنسان". لكن أموال الفلورنسيين في روما نفذت فلم يقم البناء.

وخارت قوة الفنان الجبار في آخر الأمر، وكانت قوة لا يكاد يصدق الإنسان وجودها فيه، وكان وهوفي الثالثة والسبعين من عمره قد بدأ يشكومن داء الحصوة، ويلوح أنه قد عثر ما يخفف علته في بعض الأدوية أوالمياه المعدنية، ولكنه نطق: "إني أؤمن بالصلاة والنادىء أكثر مما أؤمن بالدواء"، وخط بعد اثني عشر عاماً إلى ابن أخ له يقول: "أما إذا سألتني عن حالي فإني أعاني جميع الأمراض التي تصيب الطاعنين في السن، فالحصوة تمنعني من التبول، وحقوي وظهري متصلبان تصلباً يمنعني في كثير من الأحيان عن صعود الدرج"، ومع ذلك فقد ظل حتى سن التسعين يخرج إلى الخلاء مهما تكن حالة الجو.

وكان يترقب منيته باستسلام المؤمن وانشراح الفيلسوف، وقد نطق لفاساري يوماً ما: "لقد بلغت من الكبر درجة يخيل إلي معها حتى الموت يجذبني من ردائي ويدعوني إلى السير معه". ويمثله نقش برنزي بارز ذائع الصيت من خلق دانييلي دا فلتيرا ذا وجه مغضن من فرط الألم، شاحب من كبر السن، وأخذ في شهر فبراير من عام 1564 يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، ويقضي معظم وقته نائماً في كرسيه الساند، ولم يهجر وصية بل جميع ما عمله أنه "أسلم روحه لله، وجسمه للأرض، ومتاعه لأقرب أقربائه". وأسلم الروح في 18 فبراير من عام 1564 وهوفي التاسعة والثمانين من العمر، ونقلت جثته إلى فلورنس، حيث دفن في كنيسة سانتا كروس (الصليب المقدس) باحتفالات دامت عدة أيام. ووضع فاساري له تصميم قبر فخم أظهر فيه منتهى التقى والورع.

وقد حكم معاصروه، وأيد حكمهم مر العصور، على أنه أعظم من ظهر على وجه الأرض من الفنانين، رغم ما يتصف به من عيوب لا حصر لها، وهوينطبق عليه أتم انطباق تعريف "أعظم الفنانين" الذي وضعه رسكن، لأنه "أظهر في مجموعة أعماله أكبر عدد مستطاع من أعظم الأفكار"- أي الأفكار "التي تحرك أعظم مواهب العقل وتسموبها"(66). فقد كان أولا رساما ممتازاً، كانت رسومه من الكنوز التي يعتز بها أصدقاؤه الذين أهداها إليهم أواختلسوها منه، وفي وسعنا حتى نرى هذه الرسوم اليوم في كاسا بورنارتي بفلورنس، أوفي خزانة الرسوم بمتحف اللوفر، وهي تضم رسوماً تخطيطية لقابلة كنيسة سان لورندسو، ورسوم يوم السحاب ودراسة جميلة لسيبيله، وصورة تخطيطية للقديسة آن، لا تكاد تقل في دقة فكرتها عن صورة ليوناردونفسه، والصورة الغريبة التي رسمها لفتوريا كولنا الميتة، وهي ذات وجه لا تستبان معارفه وثديين ذابلين، وقد عاد لفي حديث له نقله عنه فرانتشيسكوده هولندا بجميع الفنون إلى فن التصميم فنطق:

إن فن التصميم أوالرسم الدقيق... هوأساس فنون التصوير الملون، والحفر، والعمارة،وكل شكل من أشكال التمثيل وجوهرها، كما هوالأساس والجوهر للعلوم بأجمعها، ومن المستطاع حتى يتقن هذا الفن ويبرع فيه حصل على كنز عظيم... ذلك حتى جميع أعمال العقل البشري واليد البشرية إما حتى تكون هي التصميم نفسه وإما حتى تكون فرعاً من ذلك الفن.

وظل وهويصور بالألوان رساماً أقل اهتماماً باللون منه بالخطوط، يسعى قبل جميع شيء لرسم صورة معبرة مفصحة، أوالتعبير بالفن عن موقف آدمي، أونقل فلسفة للحياة عن طريق الرسم والتخطيط، وكانت يده هي يد فيدياس أوأبليز، وصوته صوت أرميا أودانتي، ولسنا نشك ي أنه في أحد تنقلاته بين فلورنس وروما قد وقف عند أرفيتوودرس صور العرايا التي رسمها سنيوريلي في تلك البلدة، وقد أوحت إليه هذه الصور مضافة إلى مظلمات جيتووساتشيوبطراز لا يماثله مع ذلك طراز آخر احتفظ به التاريخ، وقد أدخل في فنه، وأظهر فيه من النبل أكثر مما أدخله في الفن وأظهره فيه غيره من الفنانين لا نستثني منهم ليوناردو، أورافائيل، أوتيشيان، ولم يكن يلهوبالزخرف أوالسفاسف؛ ولم يعبأ بالصغائر، أوبالمناظر الطبيعية، أوبالخلفيات المعمارية لصوره أوبالنقوش العربية الطراز؛ بل كان يهجر موضوعه يقف وحده غير مزدان ولا مزخرف، ذك حتى عقله قد استحوذت عليه رؤيا سامية، خلع عليها شكلا بقدر ما تستطيع اليد حتى تخلع على الرؤى أشكالا، تصورها عرافات، ومتنبئين وقديسين، وأبطالا، وأربابا. وقد استخدم فنه الجسم الآدمي وسيلة له وواسطة، ولكن هذه الأشكال البشرية، كانت عنده هي التجسيم المعذب لآماله، ومخاوفه، وفلسفته المضطربة، وعقيدته الدينية التي خبا لهيبها.

وكان النحت فنه الخاص المحبب المميز له عن غيره من الفنانين، لأنه هوأعظم الفنون التشكيلية، ولم يلون تماثيله في يوم من الأيام لأنه كان يشعر بأن شكلها كفايتها، بل إذا البرنز نفسه كان فيه من اللون أكثر مما يطيق، ولهذا قصر نحته على الرخام، وكانت جميع صوره ومبانيه وثيقة الارتباط بالنحت حتى قبة كنيسة القديس بطرس نفسها، وقد أخفق في حتىقد يكون مهندس عمارة (إذا استثنينا من قولنا هذا تلك القبة الفخمة)، لأنه كان يصعب عليه حتى يتصور بناء إذا لم يكن في صورة الجسم الآدمي ونسبه، ولم يكن يطيق حتى يراه إلا من حيث هومستودع للتماثيل؛ وكان يريد حتى يغطي بتماثيله السطوح كلها بدل حتى يجعل السطوح عنصراً من عناصر الشكل. وكان النحت أشبه بحمى تنتابه ولا تفارقه، وكان الرخام في ظنه يخفي في طياته سراً يصر على كتمانه، ويعتزم هوحتى ينتزعه منه، غير حتى هذا السر كامن في نفسه هو، وهوأدق من حتى يكشف عنه جملة وتفصيلا. وقد ساعده دوناتلوبعض المساعدة على إعطاء الرؤى الباطنية صورة ظاهرة، وقدم له دلا كورشيا معونة أكثر من دوناتلوفي هذه الناحية، أما اليونان فكانت معونتهم له أقل من الاثنين. وقد حذا حذواليونان في تكريس معظم فنه للجسم الآدمي، وهجر تماثيله أكثر تعميماً تكاد تتبع كلها نمطاً خاصاً، كما تبين لنا ذلك في تماثيل النساء القائمة على قبور آل ميديتشي، ولكنه لم يستطع قط تمثيل الطمأنينة المجردة من الانفعال التي نراها بادية على وجوه التماثيل اليونانية قبل العصر الهلنستي، لأن مزاجه لم يكن يجيز له حتى يعنى بتمثيلها، ولأنه لم يكن يجد فائدة في تصوير شكل لا يعبر عن شعور ما، وكانت تعوزه القدرة على الكبح والاحتجاز التي كانت عند اليونان والرومان الأقدمين، كما كان يعوزه الشعور بتناسب الأجزاء؛ فقد جعل الكتفين أعرض مما يوائم الرأس، وجعل الجذع أقوى مما يناسب الأطراف، كما جعل الأطراف نفسها معقدة بالعضلات، كأن الآدميين والأرباب جميعاً مصارعون متوترة عضلاتهم من شدة الكفاح، ولا يسعنا إلا حتى نعترف حتى فن الأسلوبين أوالنمطين وتشويه الرسوم قد بدأ بهذه المغالاة المسرحية في الجهود العضلية والانفعالات النفسية.

ولم يوجد ميكل أنجيلومدرسة خاصة كما أوجد رافائيل؛ ولكنه دري طائفة من الفنانين الممتازين، وكان له عليهم نفوذ قوي شامل، وكان من تلاميذه ججليلمودلا بورتا الذي صمم لبولس الثالث في كنيسة القديس بطرس تابوتاً لا يكاد يقل روعة عن مقابر آل ميديتشي، غير حتى من خلفوا أنجيلومن رجال النحت والتصوير قلدوه في مغالاته دون حتى يعوضوا هذا العيب بعمق التفكير والشعور، وبالتفوق في أصول الصنعة، والحق حتى الفنان العظيم هوفي العادة الذروة العليا للتقليد، وأسلوب، ونمط، ومزاج تاريخي، وتفوقه نفسه تنتهي به سلسلة من التطورات لا يبقى بعده شيء منها؛ ولهذا تأتي من بعده لا محالة فترة من المحاكاة الضعيفة والاضمحلال، ثم يبدأ مزاج حديث وتقليد حديث في النماء، ونرى فكرة جديدة، ومثلا أعلى جديداً، أوأصولا للفن جديدة تكافح مستعينة بمائة من التجارب الغريبة كي تصل إلى نظام جديد، وإلى شكل أصيل يتكشف عن طراز جديد.

وعلينا حتى نقول حدثة أخرى تتسم من جانبنا بالخضوع والتواضع، تلك هي حتى الأوساط منا نحن الآدميين، حتى في الوقت الذي يضعون فيه أنفسهم موضع الحكام على الصفوة الممتازين، يجب ألا تعوزهم فضيلة الاعتراف بفضل أولئك الصفوة الأخيار وعبقريتهم، ويجب ألا نستحي من عبادة الأبطال، إذا لم نتخل في خارج أضرحتهم عن إحساسنا بالتمييز بين مزاياهم وعيوبهم، ونحن نجل نيكل أنجيلولأنه ظل طوال حياته الطويلة المعذبة يخلق وينتج آية فنية رائعة في جميع ميدان من ميادين الفن الرئيسية. وإنا لنرى هذه الروائع تنتزع من لحمه ودمه، ومن عقله وقلبه، إذا صح هذا التعبير، حتى تهجره إلى وقت ما ضعيفاً من كثرة ما أبدع وخلق، ونرى هذه الروائع تتشكل بمائة ألف ضربة من مطرقته ومنحَتِه؛ وقلمه وفرشاته؛ نراها تتشكل واحدة في إثر واحدة، كأنها مخلوقات خالدة تأخذ مكانها بين أشكال الجمال أوالمعاني الباقية أبد الدهر. إذا عقولنا لأضعف من حتى تفهم حقيقة الله سبحانه، وهي عاجزة عن فهم الكون الذي اختلط فيه ما في الظاهر خير وشر، وعذاب وجمال، ودمار وسمو؛ ولكننا إذا كنا في حضرة حتى تحنوعلى طفلها، أوعبقري يخلق من الفوضى نظاماً، ويكسب المادة معنى، والصورة أوالفكرة نبلا وعظمة، أحسسنا بأننا أقرب ما نستطيع حتى نكون إلى الحياة، والعقل، والقانون، التي يتكون منها عقل العالم الذي لا يمكن حتى تدركه العقول.

الحياة الشخصية

إگوندومن سقف مصلى السيسين.

كان ميكل‌أنجلوإنسانا يتعامل بطريقة متعجرفة مع الآخرين وكان غير راضيا عن منجزاته الشخصية . كان آنجلويعتبر مصدر الفن أحاسيس داخلية متؤثرة بالبيئة التي يعيش فيها الفنان، على النقيض من أفكار ليوناردودا فنتشي فقد رأى آنجلوالطبيعة عدوا للفن ويجب القضاء عليه فنرى منحوتاته على هيئة شخصيات قوية وديناميكية منعزلة تماما من البيئة المحيطة الشخصية الرئيسيسة [15]. فلسفة ميكل‌أنجلوالإبداعية كانت تكمن في تحرير الشخصية المحبوسة في رخام الثمثال وكان أنجلومقتنعا إذا لكل صخرة تمثالا مسكونا بداخله وإن وظيفة النحات هوإكتشاف التمثال في ثنايا الصخر. يعتقد الناقدون ان هجريز آنجيلوعلى جمال الجسد الذكري كانت ضمن موجة عابرة في تلك الفترة عندما كان إبراز الخصائص العضلية الذكرية إحدى رموز الرجولة في عصر النهضة ولكن البعض يعتقد ان الرسوم والمنحوتاتات قد يحدث تعبيرا عن حب أفلاطونى مكبوت [16].

يعتقد بعض النقاد حتى الأعمال النحتية لآنجلوكانت ذات طابع مزيج بين الإفلاطونية المحدثة ونزعة مشتهى المثيل الذكري ويستند الباحثون على نصوص شعرية خطت من قبل آنجيلولرثاء الشاب ذات الـ16 ربيعا جيجينوديبراسي [17] والذي توفي في عام 1543 بعد عام واحد من لقاءهما حيث خط آنجلو48 قصيدة في رثاء ذلك الشاب والذي يقول في أحدها [18]:

الإيطالية
العربية
الإنجليزية
La carne terra، e qui l'ossa mia، prive
de' lor begli occhi، e del leggiadro aspetto
fan fede a quel ch'i' fu grazia nel letto
che abbracciava، e' n che l'anima vive
جسدك هوالأرض وهنا عظامي
بعدك محروم أنا من العيون الوسيمة والأثير المتبختر
لاتزال بهجتي في سريري مخلصة له
للذي عانقته وللذي يسكن الآن فيه روحي [19]
The flesh now earth، and here my bones
Bereft of handsome eyes، and jaunty air
Still loyal are to him I joyed in bed
Whom I embraced، in whom my soul now lives

يعتقد البعض حتى قصيدة كهذه لاعلاقة لها بإشتهاء المثيل وإنما هوتعبير فلسفي عن حب أفلاطونى والقصيدة ذات الطابع الجنسي في عصر النهضة كانت على الأغلب تعبير عن الأحاسيس الشائعة في عصر النهضة نحوتمجيدالصفات الذكورية [20]. هناك الكثير من الروايات عن إستغلال آنجلومن قبل شباب الشارع ومنهم فيبودي والذي وفي عام 1532 طلب مبلغا من المال من أنجلولأنه كان السبب في إلهام أنجلولأحد اعماله الفنية وقبل ذلك قام شاب أخر وإسمه غيراردوبارنييه [21] بسرقة آنجلووهناك حكاية موثقة عن صديق لمايكل وإسمه نيكولوكاراتيسي والذي حاول ان يقنع آنجلوبأن يقبل بتدريب ابنه حيث نطق نيكولوكاراتيسي لميكل‌أنجلو"انى أعدك بأن ابني سيكون جيدا حتى في الفراش ولكن آنجلورفض الطلب بسخط وقرر عدم قبول ابن صديقه نيكولوكاراتيسي كمتدرب تحت رعايته [22] [23]. أعظم ما خطه آنجلوعن الحب كان تعبير موجه لشخص إسمه توماسوكافالييري (1509 - 1587) وكان عمر توماسوأنذاك 23 عاما بينما كان عمر آنجلو57 سنة [24] حيث خط آنجلو:

اقسم لك ان أحبك كما احببتني، ابدا لم اشعر بالحب تجاه رجل سواك واقسم باني لم اطمح بصداقة اي رجل آخر سواك، تذكر يا كافالييري ان تكرس حبك لميكل‌أنجلوإلى يوم وفاته [25] [26].

يرى النقاد في العصر الحديث ان 300 من قصائد أنجلوفي هذا المضمار هي مجرد تعبير عن محبة مثاليه ومضى البعض إلى طرح فكرة ان آنجلوكان يفكر بتبني ابن ولكن الشيء المثير للجدل حاليا حتى تلك القصائد كانت مثيرة للجدل في حينها أيضا حيث قام ابن أخ مايكل إنجيلوبنشر طبعة من أشعار أنجلومع تغيير الضمائر من مذكر إلى مؤنث [27]. في عام 1893 قام الناشط المثلي البريطاني جون إيدنگتون سيمون [28] بتغيير الضمائر في قصائده من المؤنث إلى المذكر مرة اخرى وتم إعتبارها أول سلسلة كبيرة من القصائد في أي لغة موجهة من رجل إلى آخر [29].

أعماله

العذراء والطفل

الشخصية الذكورية

سقف مصلى السستين

سقف مصلى السستين (1508–12)


هجريبات شخصية

يوم القيامة

يوم القيامة:القديس برثلماوس يحمل سكينه بيد وجلده المسلوخ باليد الأخرى

مرة أخرى تم استنادىء ميكل‌أنجلوللعمل في كنيسة سيستاين سنة 1534 حيث كلف بمهمة زخرفة الحائط فوق المذبح (يوم القيامة 1536-1541). قام مايكل أنجلوبإنجاز رسومات تتحدث عن نبوءة عودة المسيح قبل نهاية العالم ضمن مشهد صوره وهوالمسيح يقوم بتوجيه ضربة للشيطان ) بينما يده اليسرى وبرقة تطلب الرحمة والمغفرة له، وبجانب السيد المسيح كانت مريم العذراء وهي تنظر إلى الحشود الغفيرة المنبثقة من القبور جميعهم من الكهنة والصالحين صاعدين نحوالجنة صورهم مايكل أنجلوعراة وبكميات ضخمة من الممكن ليؤكد النبوءة التي تقول بأنهم سيعودون سليم الجسد والروح [30].

ضمن الزاوية السفلية اليمنى من الحائط كانت قد صورت جهنم بشكل مختلف فلم يصور الشيطان أوالعفاريت كما هومألوف فمايكل أنجلواقتبس بدلا من ذلك مقتطفات من السيرة الأسطورية: الكوميديا الإلهية للمحرر الايطالي المشهور دانتي أليگييري على جميع وبعد حتى قام مايكل أنجلوبحمل الغطاء عن لوحته الجدارية هذه تعرض لموجة ضخمة من النقد بسبب الرسوم العارية خصوصاً وأصبحت حديث جميع لسان ولهذا السبب من الممكن أصبحت هذه اللوحة أحد أشهر أعمال ميكل‌أنجلوخلال القرن السادس عشر [31].

إستغرق العمل ست سنوات كاملة كانت اللوحة تعبيرا عن المجيء الثاني للمسيح ونهاية العالم. نظم الكاردينال كارافا حملة ضد آنجلوبسبب الصور العارية في تلك اللوحة الضخمة وعهدت الحملة بحملة ورقة التين وتم إتهام آنجلوبتهمة إهانة الكنيسة وفي مفاجئة مذهلة قرر البابا إبقاء الصور كما هي ونطق عبارته المشهورة: محكمة الفاتيكان لا صلاحيات لها في منطقة الجحيم [32].

العمارة

بالرغم من حتى مشروع قبر يوليوس الثاني كان يحتاج خطة معمارية إلا حتى نشاط مايكل أنجلوفي العمارة بدأ بشكل جدي عبر مشروع لقابلة كنيسة القديس لورينزوفي فلورنسا . من المحتمل حتى مايكل أنجلولم يتلقى تدريباً على الفنون المعمارية لكن خلال عصر النهضة لم يكن شيئاً غريباً بأن يقوم رسام وفنان بعمل المعماري. تصور مايكل أنجلوالأولي كان على شكل بناء من طبقتين رخاميتين تدعمان ما يقارب من 40 منحوتة وتمثال. بحلول سنة 1520 تم تقليص ميزانية العمل على القابلة إلا حتى مايكل أنجلواستمر بالعمل على مشاريع متعددة متعلقة بذات الكنيسة. حيث عمل على مشروع:

  • غرفة المقدسات (1519 – 1534) تضمنت خطط لتصميم قبور لعائلة مديتشي وكالكثير من مشاريع مايكل أنجلوفقد مرت تصاميمه خلال عمليات تحوير كثيرة قبل تطبيقها. حيث انتهت إلى جدارين تابعين لقبرين لقاء بعضهم البعض ضمن غرفة ضخمة مقببة. إحداهما صمم لجيوليانودي ميتشي ابن لورينزوالعظيم حاكم فلورنسا السابق والآخر لابن الأخ/الأخت جيوليانولورينزودي بيرودي ميتشي . وقد تصور مايكل أنجلوالقبرين كممثلين لمتناقضين متكاملين. حيث مثل جيوليانوالشخصية الفعالة المرنة أما لورينزوفمثله كمتصوف متأمل ، وقد وضع أجساد عارية مثلت النهار والليل أسفل جيوليانوأما لورينزوفقد وضع له أجساد عارية تمثل الفجر والغسق [33].
  • مشروع المخطة الأنيقة (1524-1534) المتعلق بكنيسة القديس لورينزوفكان التي جاورت الكنيسة ومن خلال برهن مايكل أنجلوعلى قدراته المعمارية حيث قام بدءاً من خلال هذا العمل وما تلاه من اعمال معمارية بخلق منهج خاص به حيث دمج نمط الأعمدة المتجاورة مع الأقواس والكوات والمثلثات وقام بحرفها وتنصيبها لتعطي شعوراً موجي ومتدفق. من خلال مدخل المخطة تستطيع حتى ترى وبوضح كيف من الممكن أن استخدم الأعمدة لتصبح جزءاً من الجدار وليس شيئاً منفصل عنه. ومن خلال الدرجات والسلالم نجد لمسات مايكل بجعله الدرج محنياً ومكوراً بشكل يعطي إحساس بأن الدرجات تفيض للأسفل وبشكل عرضاني وليس للأعلى وإضافته للدرجات المستقيمة على الجانبين تجعل الناظر يشعر بانجذاب بصري نحوالصعود على هذه الدرجات.
  • كاتدرائية القديس بطرس التي تم تكليف مايكل أنجلوبإكمال التصاميم المتعلقة به . البابا يوليوس الثاني في البدء كان قد كلف بهذا العمل منافس مايكل في ذلك الوقت دوناتوبرامانتي سنة 1506 Donato Bramante حيث صور برامانتي الكنيسة على شكل الصليب الإغريقي المتساوي الأطراف مغطاة بقبة ضخمة ، بوفاة برامانتي سنة 1514 كانت النادىئم فقط قد أنجزت بعد ذلك توالى عدد من المعماريين على بناء هذه الكاتدرائية وفي النهاية وصلت إلى مايكل أنجلوالذي عاد إلى تصاميم برامانتي فقام بتعديل التصاميم فضغط حجم الكنيسة وحرر- مدد النادىئم موحداً المنظر الخارجي مع أعمدة ضخمة ناتئة ذات رؤوس مستدقة التي اختتمها بقابلة مثلثيه ، وحول قاعدة القبة مدد الأعمدة الناتئة بأعمدة مستديرة بالكامل متصلة بالقاعدة. وبالنتيجة كان مايكل أنجلوقد حل على بناء يعطيك مظهراً معقداً يوحي بالقوة والمرونة بذات الوقت [34].
  • ساحة كامبيدوجليوالبرلمان : بدأ العمل على تصاميم هذا العمل خلال سنة 1539 ولكن أكملت فيما بعد على يد الآخرين بدأ مايكل أنجلوبإعادة التصميم لهذه الساحة بدءا من قاعدة التمثال الروماني البرونزي الإمبراطور ماركوس وهوعلى ظهر حصانه وإنشاء قابلات جديدة متطابقة للأبنية المتقابلة ونهاية سلالم عريضة تسهل عملية الوصول للساحة. القاعدة البيضاوية التي قام بتصميمها للنصب التذكاري أصبحت مركز الساحة التي نقشت نقوش بيضاوية متداخلة على شكل تموجات ومشكلة خطوط متقاطعة مما يسبب خداع بصري للقادم عبر الدرجات فيشعر بدوار بسبب التداخل البصري. استطاع مايكل أنجلووببراعة إضفاء الحيوية والديناميكية على هذه الساحة مما أعاد الأهمية إليها وجعلها تستعيد هيبتها السياسية والمدنية لتصبح قلب روما من حديث [35].

في عام 1927 تشجع مواطنوا فلورنسا على القيام بإنقلاب لإستعادة النظام الجمهوري وتم محاصرة مدينة فلورنسا الذي كان مايكل أنجلومتواجدا فيه من قبل الحكام القمعيين لعائلة دي ميتشي المعارضين للنظام الجمهوري وهنا عثر مايكل نفسه بين نارين فمن ناحية كان أنجلوفنان البلاط الرئيسي للحكام القمعيين لعائلة دي ميتشي ومن ناحية اخر ى كان متعاطفا مع البسطاء من ابناء بلدته ولكنه وفي النهاية وقف في صف البسطاء وساعد على تحصين المدينة وحتى بعد سقوط المدينة قرر آنجلوالرحيل وعدم التعاون مجددا مع عائلة دي ميتشي الحاكمة[36].

وفاته

إرثه

قبر ميكل‌أنجلوفي كاتدرائية سانتا كروس، فلورنسا.

انظر أيضاً

  • ميكل‌أنجلوومديتشي
  • ظاهرة ميكل‌أنجلو
  • فن النهضة
  • ترميم جصيات مصلى السيستين
  • الكويكب ميكل‌أنجلو3001
  • The Agony and the Ecstasy

معرض الصور

الهوامش

a.  Michelangelo's father marks the date asستة March 1474 in the Florentine manner ab Incarnatione. However, in the Roman manner, ab Nativitate, it is 1475.
b.  Sources disagree as to how old Michelangelo was when he departed for school. De Tolnay writes that it was at ten years old while Sedgwick notes in her translation of Condivi that Michelangelo was seven.
c.  The Strozzi family acquired the sculpture Hercules. Filippo Strozzi sold it to Francis I in 1529. In 1594, Henry IV installed it in the Jardin d'Estang at Fontainebleau where it disappeared in 1713 when the Jardin d'Estange was destroyed.
d.  Vasari makes no mention of this episode and Paolo Giovio's Life of Michelangelo indicates that Michelangelo tried to pass the statue off as an antique himself.

المصادر

  1. ^ بوناروتي (1475 ـ 1564), الموسوعة العربية
  2. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • عصر النهضة
  • موسوعة مايكروسوفت إنكارتا
  • ميكل‌أنجلودوت كوم
  • شبكة راديوالطريق.
  • الرسم دوت كوم.
  • جريدة الشرق الأوسط
  • مايكل انجيلوومبتر من تمثال داوود الشهير
  • جريدة المستقبل
  • سيرة ميكل‌أنجلو
  • ميكل‌أنجلودوت كوم
  • سيرة ميكل‌أنجلومن مسقط الإبداعات الإنسانية
  • أرشيف الفن
  • أنجلوالفنان والأرستقراطي
  • سيرة ميكل‌أنجلومن AOL دوت كوم
  • سيمون وشوستر
  • مسقط الكتاب الإلكتروني
  • قصائد لميكل‌أنجلو
  • القصائد الكاملة لميكل‌أنجلو
  • قصائد سرية
  • آلام ميكل‌أنجلو
  • نحاتوالقرن السادس عشر
  • كتابات جون إيدنگتون سيمون
  • كنائس دي مديتشي
  • كابيتوليني مركز روما
  • عائلة دي مديتشي
  • عذاب الخلاص
  • لوحة يوم القيامة

قراءات إضافية

  • Ackerman, James (1986). The Architecture of Michelangelo. University of Chicago Press. ISBN .
  • Clément, Charles (1892). . Harvard University, Digitized 25 June 2007: S. Low, Marston, Searle, & Rivington, ltd.: London.
  • Condivi, Ascanio (1553). The Life of Michelangelo. Pennsylvania State University Press. ISBN . Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Baldini, Umberto (1982). . Rizzoli. ISBN . Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Barenboim, Peter and Shiyan, Sergey (2011). Michelangelo in the Medici Chapel: Genius in details (English, Russian). Moscow: Looom. ISBN 978-5-9903067-1-4
  • Bartz, Gabriele (1998). Michelangelo. Könemann. ISBN . Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  • Einem, Herbert von (1973). Michelangelo. Trans. Ronald Taylor. London: Methuen.
  • Gardner, Helen; Fred S. Kleiner, Christin J. Mamiya, Gardner's Art through the Ages. Thomson Wadsworth, (2004) ISBN 0-15-505090-7.
  • Gilbert, Creighton (1994). Michelangelo On and Off the Sistine Ceiling. New York: George Braziller.
  • Goldscheider, Ludwig (1953). Michelangelo: Paintings, Sculptures, Architecture. Phaidon.
  • Goldscheider, Ludwig (1953). Michelangelo: Drawings. Phaidon.
  • Hartt, Frederick (1987). David by the Hand of Michelangelo- the Original Model Discovered, Abbeville, ISBN 0-89659-761-X
  • Hibbard, Howard (1974). Michelangelo. New York: Harper & Row.
  • Hirst, Michael and Jill Dunkerton. (1994) The Young Michelangelo: The Artist in Rome 1496–1501. London: National Gallery Publications, ISBN 1-85709-066-7
  • Liebert, Robert (1983). Michelangelo: A Psychoanalytic Study of his Life and Images. New Haven and London: Yale University Press. ISBN .
  • Néret, Gilles (2000). Michelangelo. Taschen. ISBN .
  • Paoletti, John T. and Radke, Gary M., (2005) Art in Renaissance Italy, Laurence King, ISBN 1-85669-439-9
  • Pietrangeli, Carlo, et al. (1994). The Sistine Chapel: A Glorious Restoration. New York: Harry N. Abrams
  • Sala, Charles (1996). Michelangelo: Sculptor, Painter, Architect. Editions Pierre Terrail. ISBN .
  • Saslow, James M. (1991). The Poetry of Michelangelo: An Annotated Translation. New Haven and London: Yale University Press.
  • Rolland, Romain (2009). Michelangelo. BiblioLife. ISBN .
  • Seymour, Charles, Jr. (1972). Michelangelo: The Sistine Chapel Ceiling. New York: W. W. Norton.
  • Stone, Irving (1987). The Agony and the Ecstasy. Signet. ISBN .
  • Summers, David (1981). Michelangelo and the Language of Art. Princeton University Press.
  • Tolnay, Charles (1947). The Youth of Michelangelo. Princeton, NJ: Princeton University Press.
  • Tolnay, Charles de. (1964). The Art and Thought of Michelangelo.خمسة vols. New York: Pantheon Books.
  • Wallace, William E. (2011). . Cambridge University Press. ISBN . External link in |title= (help)
  • Wilde, Johannes (1978). Michelangelo: Six Lectures. Oxford: Clarendon Press.

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بميكل‌أنجلو، في فهم الاقتباس.


  • أعمال من Michelangelo Buonarroti في مشروع گوتنبرگ
  • The Digital Michelangelo Project
  • The BP Special Exhibition Michelangelo Drawings – closer to the master
  • Michelangelo's Drawings: Real or Fake? How to decide if a drawing is by Michelangelo.
  • Januszczak, Waldemar (5 March 2006). "The Michelangelo Code". The Sunday Times., suggesting Michelangelo's coded use of his knowledge of anatomy.[]
  • "Michelangelo: The Man and the Myth"


تاريخ النشر: 2020-06-04 13:37:49
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, Portal templates with all redlinked portals, CS1 errors: external links, All articles with dead external links, Articles with dead external links from April 2012, Articles with invalid date parameter in template, ميكل‌أنجلو, مواليد 1475, وفيات 1564, معماريو القرن 16, معماريو الكنيسة الكاثوليكية, Art forgers, مؤلفون فنيون, معماريون إيطاليون, معماريون كنسيون إيطاليون, رسامون إيطاليون من القرن 15, رسامون إيطاليون من القرن 16, كاثوليك إيطاليون, نحاتون إيطاليون, أشخاص يحتفل بهم في التقويم اللوثري, أشخاص من مقاطعة أرتسو, فنانون النهضة, رسامو النهضة, نحاتو النهضة, رسامو الكنيسة الكاثوليكية, نحاتو الكنيسة الكاثوليكية, رسامون توسكانيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

"النقل" تواصل تنفيذ أعمال الصيانة على طريق الرياض/ الدمام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:21
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 53%

"وحيد" يفاجئ الجميع بتصريح صادم حول مصير "حمد الله" مع المنتخب الوطني

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:21
مستوى الصحة: 65% الأهمية: 82%

الحكومة تصادق على إحداث خمس محاكم جديدة في جنوب المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:24:00
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 68%

الإعدام لاب ازهق روح  فلذة كبده و فصل راسها عن الجسد

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:41
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 70%

الحكومة تصادق على إحداث خمس محاكم جديدة في جنوب المملكة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:24:02
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 59%

وفاة عبدي جيلالي اللاعب السابق للمنتخب الوطني واتحاد بلعباس

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:31
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

ام البواقي: حجز 120 كلغ من الدجاج الفاسد

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:34
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 55%

في ظل استمرار الأزمة بين البلدين...ما المحدد لعلاقة إسبانيا بالمغرب؟

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:22
مستوى الصحة: 63% الأهمية: 81%

إغلاق منشأة وضبط 69 مخالفة للإجراءات الاحترازية بالشرقية

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:30
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 67%

الناتو: روسيا تنفذ أكبر عملية انتشار عسكري منذ الحرب الباردة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:26
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

الطارف: وفاة طفل اثر حادث مرور امام سكنات عدل بالبسباس

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

شرطة عين مليلة تضع حدا  لثلاثة اشخاص بحوزتهم 167 غرام كيف معالج

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:33
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

بايدن : مقتل زعيم داعش في عملية عسكرية بريف إدلب

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:25
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 53%

وزير التعليم يلتقي الملحقين الثقافيين المعيّنين في 7 دول

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:23
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

وفاة عبد الحميد زوبا اللاعب السابق في منتخب جبهة التحرير الوطني

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-02-03 15:23:40
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية