العلوم في اليونان القديمة

عودة للموسوعة

العلوم في اليونان القديمة

تقدم العلوم

لقد ظهر النشاط الثقافي في عصر بركليز في ثلاثة أشكال رئيسية - هي الفن والتمثيل والفلسفة. وكان الدين الملهم لأولها، وميدان القتال الملهم لثانيها، والتضحية هي الملهمة لثالثها. وإذ كان تنظيم الجماعة الدينية يحتاج وجود عقيدة مشهجرة مستقرة، لأن جميع دين لا بد حتى يتعارض عاجلاً أوآجلاً مع تيار التفكير الدنيوي السائد المتبدل الذي نطلق عليه بحق اسم تقدم الفهم. ولم يكن هذا التعارض في أثينة ظاهراً للعين على الدوام، ولم يؤثر في جمهرة الشعب تأثيراً مباشراً، فقد كان الفهماء والفلاسفة يواصلون عملهم دون حتى يهاجموا العقائد الدينية للشعب مهاجمة صريحة، وكثيراً ما كانوا يخففون من حدة النزاع باتخاذ المصطلحات الدينية القديمة رموزاً أواستعارات لعقائدهم الجديدة، ولم يظهر هذا النزاع سافراً ويصبح مسألة حياة أوموت إلا في فترات متفرقة كما وقع حين وجهت التهم إلى أنكساغوراس، وأسبازيا، وديُجراس الميلوسي Diogaras of Melos ويوربديز، وسقراط. ولكن النزاع رغم خفائه كان موجوداً بحق، وكان تياره يسري في عصر بركليز، وكان من الموضوعات الكبرى التي تشغل الأذهان، كما كان يظهر في صور وأشكال مختلفة قوياً تارةً وضعيفاً تارةً أخرى. وأوضح ما كان يسمع في أحاديث السوفسطائيين المتشككة، وفي آراء دمقريطس المادية، وكانت أصداؤه الخفية تتردد في آراء إسكلس الصالحة التقية، وفي زندقة يوربديز وحتى في أقوال أرسطوفان المحافظ المليئة بالهزل وقلة الاحتشام. وظهرت مرة أخرى قوية في محاكمة سقراط وموته. ذلك هوالموضوع الذي تدور حوله الحياة العقلية لأثينة في عصر بركليز.


فهماء الرياضيات

كان الفهم الخالص في بلاد اليونان في القرن الخامس لا يزال يسير في ركاب الفلسفة، وكان يدرسه ويعمل على ترقيته رجال فلاسفة أكثر منهم فهماء. ولم تكن علوم الرياضة العليا في نظر اليونان أداة عملية بل كانت أداة منطقية، تهدف إلى الهجريب الذهني للعالم المعنوي أكثر مما تهدف إلى السيطرة على البيئة المادية الطبيعية.

ويكاد فهم الحساب المتداول بين جمهرة اليونان قبل عصر بركليز حتىقد يكون فهماً بدائياً لم يدخل عليه إلا القليل من الصقل والتهذيب ، فكان يرمز لرقم 1 بشرطة عمودية ولرقم 2 بشرطتين، وبثلاث شرط لرقم ثلاثة وبأربع لرقم 4، وكانت الأعداد 5، 10، 100، 1000، 000ر10 يرمز لها بالحروف الأولى من الحدثات اليونانية التي تسمى بها هذه الأعداد وهي: بنتي Pente، وديكا Deka، وهكتون Hekaton، وكليوي Chilioi، ومريوي Myrioi. ولم يضع فهماء الحساب اليونان رمزاً للصفر. ومما يشير على حتى فهم الحساب اليوناني كفهم الحساب عندنا، مصدره بلاد الشرق أنه أخذ عن المصريين النظام العشري فكان اليونان يعدون بالعشرات، وأنه أخذ عن البابليين في فهمي الفلك وتقويم البلدان الطريقة الاثني عشرية والستينية فكانوا يعدون في هذين الفهمين بالاثني عشرات والستينات، ولا نزال نحن نستخدم هذه الطريقة في الساعات وعلى الكرات الأرضية والخرائط الجغرافية. ولعل العامة كانوا يستعينون بمعداد لإجراء عمليات الحساب السهلة. أما الكسور الاعتيادية فكانت تسبب لهم عناءً شديداً، فكانوا إذا أجروا عملية حسابية تحتوي على كسر اعتيادي بسْطُهُ أكبر من 1 حولوا هذا الكسر إلى عدة كسور بسطها كلها 1 فالكسر الاعتيادي 23slash32 مثلاً كان يقسم إلى 1slash2 + 1slash8 + 1slash16 + 1slash32 .

وليست لدينا معلومات مدونة عن الجبر عند اليونان قبل التاريخ المسيحي. أما الهندسة النظرية، فكانت من الدراسات المحببة إلى الفلاسفة، ولم تكن تدرس لفائدتها العملية بقدر ما كانت تدرس لفائدتها الذهنية النظرية وما فيها من استدلال منطقي خلاب، وما فيها من دقة ووضوح، وتفكير متتابع ينبني بعضه على بعض. وكانت ثلاث مسائل بوجه خاص تسترعي انتباه هؤلاء الفهماء الرياضيين الباحثين فيما وراء الطبيعة، ومما يشير على ما أصبح للمشكلة الأولى من شأن عندهم حتى شخصية من شخصيات مسرحية الطيور لأرسطوفان تمثل ميتون Meton تأتي إلى المسرح بمسطرة وفرجار وتعلن أنها سترى النظارة كيف من الممكن أن "تحول الدائرة إلى مربع" أي كيف من الممكن أن يرسم مربع مساحته تساوي مساحة دائرة معلومة. ولعل هذه المسائل وأمثالها هي التي جعلت الفيثاغوريين المتأخرين يضعون قواعد الأعداد الصماء والكميات غير المتناسبة . كذلك كانت دراسات الفيثاغوريين للبتر المكافئ، والبتر الزائد، والبتر الناقص هي التي مهدت السبيل إلى مؤلف أبولونيوس البرجي Appolonius of Perga في القطاعات المخروطية، وهوالمؤلف الذي كان عظيم الشأن في تاريخ العلوم الرياضية(2). وفي عام 440 ق.م. نشر أبقراط الطشيوزي (وهوغير أبقراط الطبيب) أول كتاب معروف في الهندسة النظرية وحل معضلة تربيع المساحة الكائنة بين قوسين متقاطعين . وفي عام 420 أفلح هيبياس الإليائي Hippias of Elia في تقسيم الزاوية ثلاثة أقسام متساوية بالاستعانة بالمنحني، وحوالي عام 410 أعرب دمقريطس الأبدري على الملأ قوله: "لم يفقني أحد قط ولا المصريون أنفسهم في رسم خطوط حسب شروط معلومة"(4)، وكاد يفلح في تبرير هذا الازدهاء بتأليف أربعة خط في الهندسة النظرية، ووضع قوانين لفهم مساحتي المخروط والهرم(5). وملاك القول حتى براعة اليونان في الهندسة قد بلغت من العظمة ما بلغه ضعفهم في الحساب. وكان للهندسة شأن عظيم في جميع نواحي نشاطهم، وحتى فنونهم نفسها قد تدخلت فيها فوضعت أشكالاً كثيرة للحلي المنقوشة على خزفهم وأبنيتهم، وحددت النسب بين أجزاء البارثنون ومنحنياته.


أنكساگوراس

كان من مظاهر النزاع القائم بين الدين والفهم حتى حرمت الشرائع الأثينية دراسة فهم الفلك في الوقت الذي بلغ فيه عصر بركليز أعلى درجاته(6). وكان هذا الفهم قد خطا خطوته الأولى في بلاد اليونان حين أعرب أنبادوقليس في أكرجاس حتى الضوء يستغرق بعض الوقت في انتنطقه من نقطة إلى أخرى(7). ثم خطى خطوةً ثانية حين أعرب بارمنيدس في إيليا Elea حتى الأرض كروية الشكل، ثم قسم هذا الكوكب الأرضي إلى خمس مناطق، وعهد حتى القمر يقابل الشمس بجزئه المنير على الدوام(8). ثم قام فيلولوس Philolaus الفيثاغوري في طيبة فخلع الأرض عن عرشها في مركز الكون وأنزلها منزلة كوكب من الكواكب الكثيرة التي تطوف حول "نار تتوسطها" جميعاً(9). واتى لوقيبوس Leucippus تلميذ فيلولوس فنطق إذا النجوم قد نشأت من الاحتراق المتوهج لمواد "تندفع في مجرى الحركة العالمية للدوامة الدائرية" ومن تجمع هذه المواد وهجرزها(10). وقام في أبدرا دمقريطس تلميذ لوقيبوس بعد حتى تفهم العلوم البابلية، فوصف المجرة بأنها مكونة من عدد لا يحصى من النجوم الصغرى، ولخص التاريخ الفلكي بقوله إنه تصادم دوري وتحطيم لعدد لا يحصى من العوالم(11). وفي طشيوز كشف إينوبديز انحراف منطقة البروج(11أ). وجملة القول حتى القرن الخامس كان في جميع المستعمرات اليونانية عصر تطور فهمي عجيب في زمن يكادقد يكون خلواً من الآلات الفهمية.

فلما حاول أنكساغوراس حتى يقوم بمثل هذه الأعمال في أثينة عثر حتى مزاج الأهلين ومزاج الجمعية معاديان للبحث الحر بقدر ما كانت صداقة بركليز مشجعة له. وكان أنكساغوراس قد أقبل على أثينة من كلزميني Chlazomenae حوالي عام 480 ق.م. وهوفي الخامسة والعشرين من عمره. وحبب إليه أنكسيمانس Anaximenes دراسة النجوم إلى حد جعله يقول جواباً عن سؤال وجهه إليه بعضهم عن الغرض من الحياة: "هوالبحث عن حقيقة الشمس والقمر والسماء"(12). وأهمل العناية بالثروة التي خلفها له والده وصرف وقته في رسم خريطة للأرض والسماء، وحلت به الفاقة في الوقت الذي رحبت فيه الطبقات في أثينة بكتابه في الطبيعة وعدته أعظم الخط الفهمية التي ظهرت في ذلك القرن.

وكان هذا الكتاب حلقة من سلسلة البحوث الفهمية التي قامت بها المدرسة الأيونية، وفيه يقول أنكساغوراس إذا العالم كان في بادئ الأمر فوضى أوعماء مكوناً من بذور مختلفة الأنواع (Spermata)، يسري فيها فكر (Nous) أوعقل مادي، لطيف، قويُّ الصلة بأصل الحياة والحركة في الآدميين، وكما حتى العقل يصدر الأوامر إلى الفوضى التي تسود أعمالنا، فكذلك أصدر العقل العالمي أمره إلى البذور الأولية فبعث فيها دوامة رحوية ، وهداها إلى طريق نشأة الأشكال العضوية(13). وقسم هذا الدوران البذور إلى الأركان أوالعناصر الأربعة - النار، والهواء، والماء، والأرض - وقسم العالم طبقتين دوارتين طبقة خارجية مكونة من "الأثير" وأخرى داخلية مكونة من الهواء. وبسبب هذه الحركة الدوارة العنيفة انتزع الأثير الناري الملتف حول الأرض حجارةً من الأرض وأضاءها فكانت نجوماً(14). والشمس والنجوم في رأيه كتلة من الصخور حمراء متوهجة أكبر من البلوبونيز مراراً كثيرة(15). وحين تضعف حركتها الدائرية تسقط أحجار الطبقة الخارجية على الأرض فتكون شهباً(16).

والقمر جسم صلب متوهج، في سطحه سهول وجبال وأخاديد(17)، يستمد ضوءه من الشمس، وهوأقرب الأجرام السماوية إلى الأرض(18). "ويُخسف القمر إذا توسطت الأرض بينه وبين الشمس كما تُكسف الشمس إذا توسط القمر بينها وبين الأرض"(19). وربما كانت بعض الأجرام السماوية مسكونة عليها خلائق كالأرض، وعليها "يتكون أناس، وتتكون حيوانات أخرى ذات حياة، ويسكن الناس المدن، ويغرسون الأرض كما نغرسها نحن"(20). وقد نشأ من التكثف المتتابع للطبقة الداخلية أوالغازية من طبقتي كوكبنا سحب، وماء، وتراب، وحجارة. وتنشأ الرياح من رقة الجوالناشئة من حرارة الشمس كما "ينشأ الرعد من تصادم السحب والبرقُ من احتكاكها"(21). وكمية المادة ثابتة لا تتغير، ولكن الأشكال جميعها تبدأ ثم تزول، وستصبح الجبال في مستقبل الأيام بحاراً(22). وينشأ جميع ما في العالم من أشياء وأشكال بتجمع أجزاء متماثلة Homoiomeria وفقاً لنظام يزداد تحديداً على مدى الأيام(23). وقد ولدت جميع الكائنات العضوية في بادئ الأمر من التراب، والرطوبة، والحرارة، وبذلك نشأ بعضها من البعض الآخر(24). وقد تطور الإنسان أكثر مما تطورت سائر الحيوانات لأن قامته المعتدلة أطلقت يديه فاستطاع بهما حتى يمسك الأمور(25).

وأصبح أنكساغوراس بفضل ما حققه من نتائج - وهي وصفه أساس فهم الظواهر الجوية، وتفسير الكسوف والخسوف تفسيراً فهمياً سليماً، ووضع فرض معقول لتكوين الكواكب السيارة، وإدراكه حتى القمر يستمد نوره من الشمس، وقوله بتطور الحياة الحيوانية والبشرية - أصبح بفضل هذه النتائج كوبرنيق ذلك العصر ودارونه معاً. ولعل الأثينيين كانوا يعفون عن هذه الآراء لوحتى أنكساغوراس لم يهمل تفسير منشأ عقله ومواهبه فيما فسر من حادثات طبيعية وتاريخية، ولعلهم ظنوا أنه لجأ إلى هذا الصمت، كما لجأ يوربديز في إحدى تمثيلياته إلى "آلة إسقاط الآلهة من السماء" لينجوبها من غضب مواطنيه. ويقول عنه أرسطاطاليس إنه كان يبحث عن العلل الطبيعية لكل شيء. من ذلك أنه جيء لبركليز بكبش ذي قرن واحد في وسط جبهته ونطق أحد العرافين إنه نذير من نذر الآلهة، فأمر أنكساغوراس بفتح رأس الحيوان وأظهر للحاضرين حتى مخه قد نما في مقدم الجبهة بدل حتى يملأ جانبي الجمجمة كلها، فنشأ من نموه على هذا النحوقرن الكبش الوحيد(27). وقد أثار أنكساغوراس مشاعر السذج بتفسير سقوط الشهب على أساس القوانين الطبيعية، وأرجع كثيراً من الشخوص الأسطورية إلى تجسيم المجردات العقلية(28).

وصبر عليه الأثينيون وداروه إلى حين، وكل ما عملوه به حتى أطلقوا عليه لفظ Nous (الفكر- العقل(29)). فلما لم يجد كليون Cleon الذي كان يناقش بركليز في تزعم الشعب وسيلةً أخرى يضعف بها خصمه اتهم أنكساغوراس بالإلحاد لأنه وصف الشمس (وكانت لا تزال في نظر الشعب إلهاً من الآلهة) بأنها كتلةً من الحجارة المحترقة، ولم يهجر وسيلةً يستعين بها على تأييد دعواه إلا اتبعها. وأدين أنكساغوراس رغم دفاع بركليز المجيد عنه . ولم يكن أنكساغوراس راغباً في تعاطي عصير الشوكران السام، ففر إلى لمبسكوس Lampasacus على مضيق الهلسبنت، وأخذ يكسب عيشته بتدريس الفلسفة . ولما ترامى إليه حتى الأثينيين حكموا عليه بالإعدام نطق: "لقد قضت الطبيعة عليهم وعليَّ بهذا الحكم من زمن بعيد"(33). ومات بعد بضع سنين من ذلك الوقت في الثالثة والسبعين من عمره.

ويُرى تأخر الأثينيين في فهم الفلك واضحاً في تقويمهم، ذلك أنه لم يكن لليونان تقويم عام بل كان لكل دولة تقويم خاص بها، وكانت جميع نقطة من النقاط الأربع التي يصح اتخاذها بدايةً للسنة الجديدة متبعة في مكان ما من بلاد اليونان، وحتى الشهور نفسها كانت تتغير أسماؤها في الدويلات المتنوعة، فكان تقويم أتكا يحسب الشهور بمنازل القمر والسنين بأبراج الشمس(34). وإذ كان في جميع اثني عشر شهراً قمرياً 360 يوماً فقط، فقد كانوا يزيدون شهراً على جميع سنتين لكي يتفق حساب السنة مع حساب الشمس والفصول(35). وهذا الحساب نفسه يجعل السنة تطول عشرة أيام فوق ما يجب حتى تكون، ولذلك وضع صولون النظام الذي يقضي بأن تكون أيام الشهور القمرية 30 يوماً و29 يوماً بالتناوب مقسمة إلى ثلاثة أسابيع (ديكادوي) في جميع أسبوع عشرة أيام (أوتسعة في بعض الأحيان)(36). وتبقى بعد هذا أربعة أيام صححها اليونان بحذف شهر من جميع ثمان سنين. وبهذه الطريقة الملتوية التي لا يكاد يدركها العقل وصل اليونان آخر الأمر إلى احتساب السنة 365 يوماً وربع يوم .

وحدث في هذه الأثناء تقدم قليل في فهم الجغرافية. فقد فسر أنكساغوراس فيضان النيل السنوي تفسيراً سليماً بقوله إنه ينشأ من ذوبان جليد بلاد الحبشة في فصل الربيع ومن سقوط الأمطار فيها(38). وفسر فهماء طبقات الأرض اليونان وجود مضيق جبل طارق بأنه نتيجة لتشقق الأرض من أثر زلزال، كما فسروا وجود جزائر بحر إيجه بأنه ناشئ من انخفاض قاع البحر(39). ونطق زنثوس الليدي Zanthus of Lydia حوالي 495 إذا البحرين الأبيض المتوسط والأحمر كانا في الزمن القديم متصلين أحدهما بالآخر عند السويس، وسجل إسكلس ما كان يعتقده أهل زمانه من حتى صقلية قد انفصلت من إيطاليا نتيجةً لاضطراب في القشرة الأرضية(40). وارتاد إسكيلاكس الكاري Scylax of Caria (521-485 ق.م) جميع شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. ويبدوحتى أحداً من اليونان لم يجازف بالقيام برحلة استكشافية كالرحلة التي قام بها هنوHanno القرطاجي بأسطول مؤلف من ستين سفينة، اخترق به مضيق جبل طارق وسار به نحو2600 ميل إزاء الساحل الغربي لإفريقية (حوالي 490 ق.م). وكانت خرائط عالم البحر الأبيض المتوسط منتشرة في أثينة في أواخر القرن الخامس. أما الطبيعة فمبلغ فهمنا أنها لم تتقدم على أيدي اليونان وإن كانت منحنيات البرثنون تدل على أنهم كانوا يعهدون الكثير عن البصريات. غير حتى الفيثاغوريين أعربوا حوالي عام 450 أبقى الفروض الفهمية اليونانية، وهوالهجريب الذري للمادة. كذلك وضع أنبادوقليس وغيره من الفهماء نظرية نشوء الإنسان وارتقائه من صور للحياة أدنى منه، ووصفوا رقيه البطيء من الهمجية إلى الحضارة(41).


أبقراط

لقد كان أبرز الحوادث في تاريخ العلوم اليونانية في عصر بركليز نهضة الطب القائم على العقل لا على الخرافة. ذلك حتى الطب اليوناني قبل ذلك الوقت حتى في القرن الخامس نفسه كان وثيق الارتباط بالدين إلى حد كبير، وكان كهنة هيكل أسكلبيوس Asclepiusلا يزالون يقومون بعلاج السقمى. وكان العلاج في هذا الهيكل يقوم على خليط من الأدوية التجريبية، والطقوس المؤثرة الرهيبة، والرقى السحرية التي تؤثر في خيال المريض وتطلقه من عنطقه، وليس ببعيد أنهم كانوا يلجأون أيضاً إلى التنويم المغناطيسي وإلى بعض المخدرات(42). وكان الطب الدنيوي ينافس الطب الديني ويحاول حتى يتغلب عليه. وكان أنصار هذا وذاك يعزون منشأ فهمهم إلى أسكلبيوس، ولكن الأسكلبيسيين غير الدينيين كانوا يرفضون الاستعانة بالدين في عملهم، ولا يدعون أنهم يعالجون السقمى بالمعجزات، وقد أفلحوا شيئاً فشيئاً في إقامة الطب على قواعد العقل.

وتطور الطب الدنيوي في بلاد اليونان أثناء القرن الخامس في أربع مدارس كبرى: في كوس ونيدس من مدن آسية الصغرى، وفي كرتونا بإيطاليا، وفي صقلية. وفي أكرجاس اقتسم أنبادوقليس- وهونصف فيلسوف ونصف رجل معجزات- مفاخر الطب مع أكرون Acron الطبيب المفكر المنطقي(43). وقد وصلت إلينا أنباء مدونة ترجع إلى عام 520 عن طبيب يدعى دِمُسِديز Democedes ولد في كرتونا، ومارس مهنة الطب في إيجينا، وساموس، وسوسة، وعالج دارا والملكة أتسا Atossa، ثم عاد ليقضي آخر أيامه في مسقط رأسه(44). وفي كرتونا أيضاً خرجت المدرسة الفيثاغورية أوسع أطباء اليونان شهرةً قبل أبقراط، ونعني به ألقميون Alcmaeon الذي يلقبونه الأب الحق للطب اليوناني(45). ولكنه لم يكن في واقع الأمر إلا اسماً متأخراً في ثبت طويل من أسماء الأطباء غير الدينيين ضاعت أسماؤهم فيما وراء أفق التاريخ. وقد نشر هذا الطبيب في أوائل القرن الخامس كتاباً في الطبيعة Peri Physeos- وكان ذلك هوالعنوان المألوف في بلاد اليونان لأي درس عام في العلوم الطبيعية. ومبلغ فهمنا أنه كان أول من حدد من اليونان موضع العصب البصري وقناة أستاخيو، وشرح الحيوانات، وفسر فسلجة النوم، وقرر حتى المخ هوالعضوالرئيسي في عملية التفكير، وعهد الصحة تعريفاً فيثاغورياً فنطق إنها التوافق بين أجزاء الجسم المتنوعة(46). وكان أكبر رجال الطب في نيدس هويوريفرون Euryphron الذي خط في الطب خلاصة موجزة تعهد باسم الجمل النيدية Cnidian Sentences، ونطق عن التهاب البلورا إنه سقم من أمراض الرئتين، وإن الإمساك منشأ الكثير من الأمراض، وذاع صيته لنجاحه في عمليات التوليد(47). وقامت حرب مشئومة بين مدرستي كوس ونيدس لأن النيديين لمقد يكونوا يحبون ولع أبقراط في حتى يقوم "التشخيص" على فهم طبائع الأمراض، ومن ثم أصروا على وجوب العناية بتصنيف الأمراض كلها تصنيفاً دقيقاً، وعلاج جميع سقم منها بطريقته الخاصة. وتسرب في آخر الأمر، بنوع من العدالة الفلسفية، كثير من الكتابات النيدية إلى المجموعات الطبية الأبقراطية.

ويبدوأبقراط، كما تراه في سيرته الموجزة التي خطها سويداس Suidas، أعظم أطباء زمانه بلا منازع. وقد ولد في جزيرة كوس في السنة التي ولد فيها دمقريطس، وأصبح الرجلان صديقين حميمين بالرغم من بعد موطنيهما، ولربما كان "للفيلسوف الضاحك" نصيب في توجيه الطب وجهة دنيوية.

وكان أبقراط ابن طبيب ونشأ ومارس صناعته بين آلاف السقمى والسياح الذين وفدوا على كوس "لأخذ الماء من عيونها الساخنة". ووضع له مفهمه هيرودكس السلمبري Herodicus of Selymbria الأساس الذي بنى عليه فنه بتعويده الاعتماد على نظام التغذية وعلى الرياضة الجسمية أكثر من اعتماده على الأدوية. وذاعت شهرة أبقراط حتى كان من بين سقماه حكام مثل بردكاس Percdiccas ملك مقدونية، وأردشير الأول ملك الفرس، وفي عام 430 ق.م. استدعته أثينة ليحاول وقف انتشار الطاعون فيها. وأخجله صديقه دمقريطس بأن عاش من العمر مائة عام كاملة، على حين حتى الطبيب العظيم توفي في الثالثة والثمانين من عمره.

وليس في جميع ما خط في الطب وفي جميع ما يمكن حتى يخط فيه ما أكثر اختلافاً وأقل تجانساً من مجموعة الرسائل التي كانت تُعزى في القديم إلى أبقراط. ففيها خط مدرسية للأطباء، ونصائح لغير رجال الطب، ومحاضرات للطلبة، وتقريرات، وبحوث، وملاحظات، وتسجيلات سريرية (كلينيكية) )لحالات طريفة، ومنطقات خطها سوفسطائيون ممن يهتمون بالناحيتين الفهمية والفلسفية في الطب. وكانت الاثنان والأربعون سجلاً سريرياً هي السجلات الوحيدة من نوعها في السبعة عشر قرناً التي أعقبت ذلك العهد، وكانت أعلى الأمثلة في الأمانة باعترافها حتى السقم أوالعلاج قد أعقبه الموت في ستين في المائة من الحالات(48). وأربعة لا أكثر من هذه المؤلفات هي التي انعقد إجماع المؤرخين على أنها من كتابات أبقراط:وهي "الحكم" و"الأدلة" و"تنظيم التغذية والعوائد في الأمراض الحادة"، ورسالته "في جروح الرأس". أما ماعدا هذه الأربعة من المؤلفات المعزوة إلى أبقراط فمن وضع مؤلفين مختلفين عاشوا في أوقات مختلفة بين القرنين الخامس والثاني قبل الميلاد(49). وفي هذه المجموعة قدر غير قليل من السخف والهذيان، ولكن أكبر الظن أنه ليس أكثر مما سيجده فهماء المستقبل في رسائل هذه الأيام وتواريخها. وكثير من المعلومات التي في هذه الخط والرسائل شذرات متفرقة، موضوعة في صورة حكم وقواعد مفككة تقترب بين الفينة والفينة من الغموض الذي يلازم كتابات الفيلسوف هرقليطس. ومن بين "حكم" أبقراط تلك العبارة الذائعة الصيت: "الفن طويل، ولكن الوقت يمر مر السحاب"(50).

وأكبر فضل لأبقراط وخلفائه أنهم حرروا الطب من الدين والفلسفة. نعم إنهم يشيرون في بعض الأحيان بأن يستعين المريض بالصلاة والنادىء، كما نرى ذلك في كتاب "التنظيم"، ولكن النغمة السارية في صفحات المجموعة كلها هي وجوب الاعتماد الكلي على العلاج الطبي. وتهاجم رسالة "السقم المقدس" صراحة النظرية القائلة بأن الأمراض ترسلها الآلهة، ويقول مؤلفها إذا للأمراض جميعها عللاً طبيعية بما في ذلك الصرع نفسه الذي يفسره الناس بأنه تقمص الشيطان جسم المريض : "وما زال الناس يعتقدون بأنه من عند الآلهة، لعجزهم عن فهمه... ويتوارى المشعوذون والدجالون وراء الخرافات ويلجأون إليها لأنهم لا يجدون علاجاً ناجعاً لهذا الداء، ومن أجل هذا يطلقون عليه اسم السقم المقدس حتى لا ينكشف للناس جهلهم الفاضح"(51) وكانت روح العصر البركليزي تتمثل أوضح تمثيل في عقلية أبقراط، فقد كان واسع الخيال ولكنه واقعي، يكره الخفاء، ولا يطيق الأساطير، يعترف بقيمة الدين ولكنه يكافح لفهم العالم على أساس العقل والمنطق. وإنـا لنحس بأثر السوفسطائيين في الحركة التي تهدف إلى تحرير الطب، والحق حتى الفلسفة قد أثرت في طرق العلاج اليونانية تأثيراً بلغ من قوته حتى قام النزاع بين الفهم والفلسفة كما قام بينه وبين العقبات التي يضعها الدين في سبيله. ويقول أبقراط، ويصر على قوله، إذا النظريات الفلسفية لا شأن لها بالطب ولا موضع لها فيه، وإن العلاج يجب حتى يقوم على شدة العناية بالملاحظة(52) وعلى تسجيل جميع حالة من الحالات وكل حقيقة من الحقائق تسجيلاً دقيقاً. ولسنا ننكر أنه لم يدرك جميع الإدراك قيمة التجارب الفهمية، ولكنه كان يصر على حتى يهتدي في جميع أعماله بالخبرة والتجربة الفهمية.

وفي وسعنا حتى نتبين ما تلوث به الطب الأبقراطي في منشئه من عدوى الفلسفة بالنظر إلى عقيدة "الأخلاط" المشهورة. يقول أبقراط: إذا البدن يتكون من الدم، والبلغم، والصفراء، والصفراء السوداء، وإن الإنسان يستمتع بالصحة الكاملة إذا امتزجت فيه هذه الأركان (العناصر) بنسبها السليمة، وإن الألم ينشأ من نقص بعض هذه "الأخلاط" أوزيادتها أوانفصالها عن الأخلاط الأخرى(53). وقد بقيت هذه النظرية وعاشت بعد زوال جميع الفروض الطبية القديمة، ولم يتخل عنها الناس إلا في القرن الماضي، ولعلها لا تزال باقية في صورة أخرى هي عقيدة الأنوار (الهرمونات) أوإفرازات الغدد، التي يقول بها الأطباء في هذه الأيام. وإذ كان اليونان يعتقدون حتى سير هذه الأخلاط يتأثر بالجووالطعام، وإذ كانت أكثر الأمراض انتشاراً في بلاد اليونان هي أمراض البرد، وذات الرئة، والملاريا، فقد خط أبقراط (؟) رسالة موجزة في "الأهوية، والمياه، والأماكن" وعلاقتها بالصحة، وفيها يقول: "في وسع الإنسان حتى يعرض نفسه للبرد وهوواثق من أنه لن يصيبه منه سوء، إلا إذا عمل ذلك بعد الأكل أوالرياضة... وليس من الخير للجسم ألا يتعرض لبرد الشتاء"(54). وليس لنا حتى نستخف بأقوال أبقراط وأتباعه هذه لأن من واجب الطبيب الفهمي، أياً كان مستقره، حتى يفهم الرياح، والفصول، وموارد ماء الشرب، وطبيعة الأرض، وأثر هذه العوامل كلها في السكان.

والتشخيص أضعف النقط في طب أبقراط. فقد يظهر أنه لم يكن يعنى بقياس النبض، وكانت الحمى تعهد باللمس البسيط كما كان الاستماع يحدث بالأذن مباشرة. وكان يؤمن بالعدوى في أحوال الجرب، والرمد، والسل(55). وفي كتابه عن (الجسم Corpus) صور إكلينيكية كثيرة للصرع، والتهاب الغدة النكفية الوبائي، وحمى النفاس، والحمى اليومية، وحمى الثلث، وحمى الربع. ولم يرد في المجموعة ذكر للجدري أوالحصباء، أوالخناق (الدفتريا) أوالحمى القرمزية أوالزهري، كما لم يرد فيه ذكر صريح للتيفود(56). وتنزع رسائل : "التنظيم" نحوالطب الوقائي بدعوتها إلى دراسة أحوال الداء في أول ظهوره- وهي محاولة لفهم أولى علامات السقم والقضاء عليه قبل حتى يستفحل(57). وكان أبقراط شديد الولع بفهم العواقب في الطب ويرى حتى الطبيب الماهر يعهد بتجاربه نتائج أحوال الجسم المتنوعة، وفي مقدوره حتى يتنبأ بسير السقم من مراحله الأولى. ويقول إذا معظم الأمراض تصل إلى فترة يقضى فيها إما عليها وإما على المريض ذاته، وإن تقديره الحسابي- الذي يكاد يبلغ في دقته الحساب الفيثاغوري- الذي يصل فيه السقم إلى أشد حالاته لمن أخص خصائص النظرية الأبقراطية. وهويقول في هذا المعنى أنه إذا استطاعت حرارة الجسم في هذه الأزمات حتى تتغلب على سبب العلة وتطرده من الجسم شفي المريض. ويقول إذا الطبيعة- أي قوى الجسم وبنيته- هي أبرز علاج لكل سقم أياً كان نوعه، وإن جميع ما يستطيع الطبيب حتى يعمله هوحتى يقلل أويزيل العقبات القائمة في طريق هذين الدفاع والشفاء الطبيعيين. ولهذا فإن الطريقة الأبقراطية لا تستخدم العقاقير في العلاج، وأكثر ما تعتمد عليه هوالهواء النقي، والمقيئات، والأقماع، والحقن الشرجية، والحجامة، والإدماء، والكمادات، والمراهم، والتدليك، والمياه المعدنية. ومن أجل ذلك كان دستور الأدوية اليوناني جد صغير يتكون معظمه من المسهلات. وكانت أمراض الجلد تعالج بالحمامات الكبريتية، وبالتدليك بدهن كبد الدلفين(58). ويسدي أبقراط للناس هذه النصيحة: "عش عيشة صحية تنج من الأمراض إذا انتشر في البلد وباء أوأصابتك حادثة. وإذا سقمت ثم اتبعت نظاماً صالحاً في الأكل والحياة أعطى لك ذلك أحسن الفرص للشفاء" (59). وكثيراً ما كان يوحي بالصوم إذا سمحت بذلك قوة المريض لأنه "حدثا أكثرنا من تغذية الأجسام المريضة زدنا بذلك تعريضها للأذى"(60). ويمكن القول بوجه عام إذا "الإنسان يجب ألا يتناول إلا وجبة واحدة من الطعام في اليوم إلا إذا كانت معدته شديدة الجفاف"(61).

وكان تقدم فهمي التشريح ووظائف الأعضاء في بلاد اليونان بطيئاً، وكان أكبر العوامل فيما أحرزاه من تقدم هوالفحص عن أحشاء الحيوانات في عملات العرافة. وفي المجموعة الأبقراطية كراسة صغيرة "في القلب" تصف البطينين، والأوعية الكبرى، وصماماتها. وخط سينيسس Syennesis القبرصي وديوجين الكريتي يصفان الجهاز الدموي، وعهد ديوجين أهمية النبض(62). كذلك عهد أنبادوقليس حتى القلب مركز الجهاز الدموي، ووصفه بأنه العضوالذي يحمل النيوما Pneuma أوالهواء الحيوي (الأوكسجين؟) من الأوعية الدموية إلى جميع أجزاء الجسم(63). وفي كتاب الجسم Corpus يحذوأبقراط حذوالقيمون فيجعل المخ مركز الشعور والتفكير ويقول: "وبه نفكر، ونبصر، ونسمع، ونميز القبيح من الجميل والغث من الثمين"(64). أما الجراحة فكانت لا تزال في معظم الأحوال عملاً لا يتخصص فيه الطلاب، ويشتغل به كبار الأطباء، وإن كان من الموظفين في الجيوش جراحون(65). وتصف مؤلفات أبقراط عملات التربنة، والكيفية التي تصفها لعلاج انخلاع الكتف أوالفك "حديثة" في جميع شيء عدا استخدام المخدرات(66). وقد وجدت في هيكل إسكلبيوس بأثينة لوحة نذور نقشت عليها علبة تحتوي مباضع ذات أشكال مختلفة(67). ويحتفظ متحف أثينة الصغير بعدد من الملاقط، والمسابر، والمباضع، والقناطر، والنظارات الطبية القديمة لا تختلف في جوهرها عن أمثالها المستحدثة في هذه الأيام. ويبدوحتى بعض ما هنالك من تماثيل هي نماذج أعدت لشرح الوسائل التي تتبع لرد الخلع في مفاصل العجز(68). وفي رسالة أبقراط "في الطب" تعليمات مفصلة لتحضير حجرة العمليات الجراحية وتنظيم ما فيها من ضوء طبيعي وصناعي، وتنظيف اليدين، والعناية بآلات الجراحة وطريقة استخدامها، وموضع المريض، وتضميد الجروح وما إلى ذلك(69).

ويتضح من هذه الفقرات وغيرها حتى الطب اليوناني في عهد أبقراط قد تقدم تقدماً عظيماً من الناحيتين الفنية والاجتماعية. لقد كان الأطباء اليونان قبل أيامه ينتقلون من مدينة إلى أخرى حدثا دعتهم الحاجة إلى الانتنطق، شأنهم في هذا شأن السوفسطائيين في أيامهم والوعاظ في أيامنا نحن. أما في عهده فقد استقروا في مدنهم وافتتحوا ممحرر أو"أمكنة للعلاج Iatria" يعالجون فيها السقمى تارة ويعالجونهم في منازلهم(70)تارةً أخرى. وكثرت عندهم الطبيبات، وكن يستخدمن عادةً في علاج أمراض النساء، وقد خط بعضهن رسائل في العناية بالجلد والشعر تعد حجة في موضوعاتها(71). ولم تكن الدولة تحتم على من يريد ممارسة الطب حتى يؤدي امتحاناً عاماً، ولكنها كانت تطلب إليه حتى يقدم لها أدلة مقنعة على أنه قد تمرن أوتتلمذ على طبيب معترف به(72). ووفقت حكومات المدن بين الطب المُأمم والطب الخاص باستخدام أطباء للعناية بالصحة العامة، ولعلاج الفقراء. وكان أكبر أطباء الدولة هؤلاء، أمثال دموسيدز Democedes يتقاضون وزنتين (000ر12 ريال أمريكي) في العام(73). وكان عندهم بطبيعة الحال دجالون كثيرون، كما كان عندهم عدد لا يحصى من الهواة الذين يدعون الفهم بكل شيء في الطب، وهؤلاء موجودون في جميع زمان ومكان. ولقد قاست المهنة في تلك الأيام، كما تقاسي في جميع جيل من الأجيال، الأمَرّين من أعمال أقلية فيها خربة الذمة، عاجزة عن القيام بواجبها(74)، وثأر اليونان لأنفسهم، كما ثأر غيرهم من الأمم، من عدم وثوقهم بأطبائهم بما كالوه لهم من السخرية والفكاهة اللاذعة، التي لا تقل عن سخرياتهم من الزواج.

وقد حمل أبقراط من شأن هذه المهنة بتوكيده شأن الأخلاق في الطب، ذلك أنه لم يكن طبيباً فحسب بل كان طبيباً ومدرساً معاً، وربما كان القسم الشهير الذي يعزى إليه قد وضع لضمان ولاء طالب الطب لأستاذه.


قسم أبقراط

"أقسِمُ بأبلوالطبيب، وبأسكلبيوس، وبهجيائيا Hygiaea وباناسيا Panacea وبجميع الآلهة والإلهات، وأشهِدُها جميعاً على ، حتى أنفذ هذا القسم وأوفي بهذا العهد بقدر ما تتسع له قدرتي وحكمتي، وأن أضع مفهمي في هذا الفن في منزلة مساوية لأبواي، وأن أشركه في مالي الذي أعيش منه، فإذا احتاج إلى المال اقتسمت مالي معه، وأقسم حتى أعد أسرته إخوة لي، وأن أفهمهم هذا الفن إذا رغبوا في تفهمه، من غير حتى أتقاضى منهم أجراً أوألزمهم باتفاق، وأن ألقن الوصايا والتعاليم الشفوية وسائر التعاليم الأخرى لأبنائي، ولأبناء أستاذي، وللتلاميذ المتقاعدين الذين أقسموا يمين الطبيب، ولا ألقنها لأحد سواهم. وسوف أستخدم العلاج لأساعد السقمى حسب مقدرتي وحكمتي، ولكن لا أستخدمه للأذى أولعمل الشر. ولن أسقي أحداً السم إذا طلب إليَّ حتى أعمل هذا، أوأشير بسلوك هذا السبيل. كذلك لن أعطي امرأة صوفة لإسقاط جنينها، ولكني سأحتفظ بحياتي وفني كليهما طاهرين مقدسين، ولن أستعمل المبضع ولوكنت محقاً في استعماله، لمن يشكوحصاة، بل أتخلى عن مكاني لمن يحذقون هذا الفن. وإذا دخلت بيت إنسان أياً كان، فسأدخله لمساعدة السقمى، وسأمتنع عن جميع إساءة مقصودة أوأذى متعمد، وسأمتنع بوجه خاص عن تشويه جسم أي رجل أوأية امرأة، سواءً كانا من الأحرار أومن الأقرباء. ومهما رأيت أوسمعت في أثناء قيامي بفروض مهنتي، وفي خارج مهنتي في خلال حديثي مع الناس، إذا كان مما لا تجب إذاعته، فلن أفشيه، وسأعد أمثال هذه الأمور أسراراً مقدسة. فإذا ما ألزمت نفسي بإطاعة هذا القسم ولم أحنث فيه، فإني أرجوحتى أشتهر مدى الدهر بين الناس جميعاً بحياتي وبفني، أما إذا نقضت العهد وحنثت بالقسم فليحل بي عكس هذا"(76).

ويضيف أبقراط إلى هذا حتى من واجب الطبيب حتى يحتفظ بحسن مظهره الخارجي، وأن ينظف جسمه ويتأنق في ملبسه. ويجب عليه حتىقد يكون هادئاً على الدوام، وأنقد يكون سلوكه بحيث يبعث الثقة والاطمئنان في نفس المريض(77) ، ويجب عليه:

"أن يعنى بمراقبة نفسه، و... وألا يقول إلا ما ضروري... وإذا دخلت حجرة مريض فتذكر طريقة جلوسك، وكن متحفظاً في كلامك، معتنياً بهندامك، وصريحاً حاسماً في أقوالك، موجزاً في حديثك، هادئاً... ولا تنس ما يجب حتى تكون عليه أخلاقك وأنت إلى جانب فراش المريض... واضبط أعصابك، وازجر من يقلقك، وكن على استعداد لعمل ما يجب حتى يُعمل... وأوصيك ألا تقسوعلى أهل المريض، وأن تراعي بعناية حال مريضك المالية، وعليك أيضاً حتى تقدم خدماتك من غير أجر، وإذا لاحت لك فرصة لأن تؤدي خدمة لإنسان غريب ضاقت به الحال، فقدم له معونتك كاملة، ذلك أنه حيث يوجد حب الناس يوجد أيضاً حب الفن"(78). وإذا أضاف الطبيب إلى هذا دراسة الفلسفة والعمل بها، كان هوالمثل الأعلى لأبناء مهنته لأن "الطبيب الذي يحب الحكمة لا يقل عن الآلهة في شيء"(79).

وبعد فإن الطب اليوناني لا يرقى رقياً جوهرياً عما كانت تعهده مصر عن الطب وعن الجراحة قبل عصر آباء الطب المختلفين بألف عام، وإذا ما نظرنا إلى المجال بدا لنا حتى ما وصل إليه اليونان فيه أقل مما وصل إليه المصريون. على أننا يجب من الناحية الأخرى حتى نجل اليونان ولا نبخسهم حقهم، لأن الطب من ناحيته النظرية والعملية قد بقى حتى القرن التاسع عشر عند الحد الذي أوصله إليه اليونان. وجملة القول حتى العلوم اليونانية قد بلغت الدرجة التي ينتظر الإنسان حتى يبلغها فهم من العلوم من غير الاستعانة بآلات دقيقة للرصد والملاحظة، ومن غير التجارب الفهمية. ولولا العقبات التي أقامها في طريقه الدين والفلسفة لكان له شأن أعظم من شأنه هذا، فقد وقع في الوقت الذي كان فيه كثيرون من الشبان في أثينة يتحمسون لدراسة الفلك والتشريح المقارن، حتى حالت التشريعات الرجعية الجاهلة دون تقدم العلوم، وكانت سبباً في اضطهاد أنكساغوراس، وأسبازيا، وسقراط. وكذلك كان "تحول" سقراط والسوفسطائيين عن دراسة العالم الخارجي إلى دراسة العالم الداخلي، ومن الطبيعة إلى فهم الأخلاق، كان هذا التحول سبباً في تحويل التفكير اليوناني من مشاكل الطبيعة والنشوء والتطور إلى مشاكل ما وراء الطبيعة والأخلاق. وظل الفهم واقفاً لا يتحرك مائة عام كاملة خضع فيها اليونان لسحر الفلسفة ومفاتنها.


ذروة مجد الفهم اليوناني

إقليدس وأبولونيوس

شهد القرن الخامس ذروة مجد الآداب، وشهد القرن الرابع ازدهار الفلسفة، وشهد القرن الثالث ذروة مجد العلوم الطبيعية. ذلك حتى الملوك كانوا أكثر من الديمقراطيات تسامحاً في البحث الفهمي وأكثر منها تشجيعاً له. من ذلك حتى الإسكندر أوفد إلى المدن اليونانية القائمة على ساحل آسية جمالاً محملة بألواح الفلك البابلية لم تلبث حتى تُرجمت إلى اللغة اليونانية، وأنشأ البطالمة المتحف الذي كان معهداً للدراسات الراقية، وجمعوا علوم بلاد البحر الأبيض المتوسط وثقافاتها في المخطة؛ وأهدى أبولونيوس كتابه "المخروطات" إلى أتلس الأول، ورسم أركميديز برعاية هيرون الثاني دوائره. وقد كان لزوال الحدود السياسية بين الأقطار، ووجود لغة واحدة مشهجرة، وسهولة تبادل الخط والأفكار، والقضاء على فهم الميتافيزيقا، وضعف الدين القديم، وقيام طبقة من التجار ذات عقلية دنيوية لا دينية في الإسكندرية، ورودس، وأنطاكية، وبرجموم، وسرقوسة، وازدياد عدد المدارس، والجامعات، والمراصد الفلكية، ودور الخط، كان لهذه كلها مجتمعة مع ازدياد الثروة وتقدم الصناعة، ومناصرة الملوك أكبر الأثر في تحرير الفهم من الفلسفة، وتشجيعه في العمل على تنوير الأذهان، وازدياد الثراء وتهديد العالم بأكبر الأخطار.

وحدث حوالي مستهل القرن الثالث- أولعله وقع قبله بزمن طويل- حتى أصبحت فهماء الرياضة اليونان أجود وأدق مما كانت باختراع طريقة للعد والحساب أبسط من الكيفية التي كانت متبعة حتى ذلك الوقت. ذلك حتى التسعة الحروف الأولى من حروف الهاتى قد استخدمت للدلالة على الأرقام التسعة البسيطة، ثم استخدم الحرف الذي يليها للدلالة على الرقم 10، والتسعة التي تليه للدلالة على 20، و30 الخ، والذي ليلها للدلالة على 100، والتسعة التي تلي هذا للدلالة على 200، 300، إلى غير ذلك. وعبر عن الكسور والأعداد الترتيبية بوضع شرطة صغيرة مائلة من اليمين إلى اليسار بعد الحرف، فهذه العلامة ( مثلاً تدل إما على عشر أوالعاشر حسب السياق، وحرف ( الصغير إذا وضع تحت الحرف دل على ألف. فكانت هذه الطريقة الحسابية المختصرة وسيلة سهلة للعد والحساب؛ ومن البرديات اليونانية الباقية إلى الآن ما يجمع عمليات حسابية معقدة، تختلف ما بين الكسور العشرية والملايين، في الفراغ أقل مما تشغله أمثال هذه العمليات في طريقتنا الحسابية في هذه الأيام .

لكن أعظم ما أحرزته العلوم من فوزات في الغصر الهلنستي كان في الهندسة النظرية، فمن فهماء ذلك العصر إقليدس الذي ظل اسمه مدى ألفي عام مرادفاً لاسم هذه الهندسة. وكل ما نعهده من يسرته أنه أنشأ مدرسة في الإسكندرية، وأن تلاميذه بزوا جميع من عداهم من التلاميذ في هذا الفرع من العلوم؛ وأنه لم يكن يعنى قط بالمال، وأنه حين سأله أحد تلاميذه "ماذا يفيدني تفهم الهندسة؟" أمر أحد العبيد حتى يعطيه أبلة "لأنه يريد حتى يربح المال مما يتفهم(1)"، وأنه كان شديد التواضع والرأفة، وأنه حين خط كتابه الشهير المسمى "العناصر "Elements حوالي عام 300 لم يخطر بباله قط ان يعزوما بهِ من مختلف النظريات إلى واضعيها لأن جميع ما انادىه لنفسه أنه جمع في نظام منطقي معلومات اليونان الهندسية. وقد بدأ الكتاب، دون تقديم أواعتذار، بالتعاريف البسيطة، ثم ثنى بالفروض الضرورية، واتى بعدها بـ "الأفكار العامة" أوالبدائة. وقد سار على ما أوصى به أفلاطون فاقتصر على الأشكال والبراهين التي لا بحاجة من الآلات غير المسطرة والفرجار. واتبع طريقة في العرض والإثبات معروفة لمن سبقه من الفهماء ولكنه وصل بها إلى حد الكمال، وهي الكيفية التي تسير على النظام الآني: الفرض، والعمل، والبرهان، والنتيجة. وكانت النتيجة الكلية لجهوده، رغم ما فيها من عيوب قليلة، حتى أقامت للعالم صرحاً رياضياً ينافس البارثنون في رمزه للعقل اليوناني. بل الحق حتى هذا الصرح الفهمي قد عاش كاملاً بعد حتى تحطم البارثنون، وذلك لأن "عناصر" إقليدس قد ظل حتى هذا القرن الكتاب المدرسي المعترف به في جميع جامعة أوربية تقريباً. وإذا أردنا حتى نجد ما يشبه هذا الكتاب في أثره الباقي عملينا حتى نمضى إلى الكتاب المقدس نفسه لنجد هذا الشبيه.

وثمة كتاب لإقليدس في المخروطات قد ضاع فيما ضاع من خط؛ وهويلخص دراسات من منيكمس، وأرستيوس وغيرهما من فهماء الهندسة في المخروط. وقد عمد أبلونيوس البرجاوي Apollonius of Perga، بعد حتى ظل يفهم الهندسة في مدرسة إقليدس عدة سنين، إلى هذه الرسالة فاتخذها بداية لكتابهِ هوفي المخروطات، ويحث في ثمانية "خط" و387 نظرية خواص المنحنيات التي تنشأ من تقاطع مخروط مع سطح مستوٍ. وقد أطلق على ثلاثة من هذه المنحنيات (والدائرة هي رابعتها) أسماءها المعروفة بها إلى الآن وهي: البتر المكافئ Parbola، والبتر الناقص أوالإهليجي Ellipse، والبتر الزائد Hyperbola. وقد يسرت اكتشافاته وضع نظرية القذائف، وكانت من أكبر العوامل فيما وقع في الميكانيكا والملاحة والفلك من تقدم عظيم. وكان عرضه لنظرياته طويلاً مجهداً مملاً، ولكن الكيفية التي اتبعها طريقة عملية خالصة؛ ولم يكن مؤلفه أقل من مؤلف إقليدس وضوحاً ودقة، ولا تزال السبعة الخط الباقية منه حتى اليوم أعظم كتاب فهمي مبتكر في جميع ما خط في الهندسة النظرية.


أركميديز

ولد أعظم الفهماء الأقدمين في سرقوسة حوالي عام 287 ق.م، وكان والده هوفيدياس Pheidias الفلكي؛ ويلوح أنه ابن عم هيرون الثاني أعظم حكام زمانه استنارة. وعمل أركميديز ما عمله كثيرون غيره من اليونان الهلنستيين الذين أولعوا بالعلوم، وكان لديهم من المال ما يمكنهم من إشباع هذا الولع، فسافر إلى الإسكندرية حيث تفهم على خلفاء إقليدس، وشُغف بالرياضيات وأفاد من دراستها فائدتين- انهماكاً فيها وموتاً مفاجئاً بسببها. وعاد من الإسكندرية إلى سرقوسة، حيث وهب حياته، كما يهب الربان حياتهم، لكل فرع من فروع العلوم الرياضية. وكثيراً ما كان يهمل كما يهمل نيوتن، طعامه وشرابه، والعناية بجسمه، لكي يتتبع نتائج نظرية رياضية جديدة، أويرسم بالزيت أشكالاً على جسدهِ، أوبالرماد على الموقد، أوعلى الرمل الذي اعتاد فهماء الهندسة اليونان حتى يفرشوه على أرض منازلهم(2). على أنه لم يكن تنقصه الفكاهة: فقد تعمد حتى يضع في كتابه "الكرة والاسطوانة"، الذي يرى هوأنه أحسن خطه، نظريات خاطئة (كما يؤكد بعضهم) ليمزح مع من أوفد إليهم المخطوط من الأصدقاء من جهة، وليسقط في الشرك لصوص الفهم الذين يبيحون حتى يغتصبوا لأنفسهم أفكار غيرهم من الناس من جهة أخرى(3). وكان تارة يسلي نفسه بألغاز كادت حتى توصله إلى اختراع الجبر كمشكلة الماشية الشهيرة التي حيرت لسنج أشد الحيرة(4)، وتارة أخرى يخترع آلات عجيبة ليدرس بها القوانين التي يستخدمها. ولكن الذي كان يعنى بهِ وتلذه دراسته على الدوام هوالفهم البحت يتخذه مفتاحاً لفهم الكون لا أداة للمنشآت العملية أوزيادة الثروة. ولم يكن يخط للطلاب بل للفهماء المتخصصين ينقل إليهم في عبارات قصيرة جامعة النتائج العويصة التي استخلصها من بحوثهِ. وقد افتتن جميع من اتى بعده من الأقدمين بما تمتاز به رسائله الفهمية من ابتكار، وعمق، ووضوح. وقد وصفها فلوطرخس بقولهِ: "ليس من المستطاع حتى نجد في الهندسة كلها مسائل أصعب وأعوص، أوشروحاً أبسط وأوضح، مما احتوته هذه الرسائل". ومن الناس من يعزوهذا إلى عبقريته الفطرية، ومنهم من يظن حتى هذه الصحف السهلة الميسرة كانت ثمرة كدح وجهود لا يصدقها العقل(5).

وقد أبقى الزمان على عشرة من مؤلفات أركميديز التي خطها بعد رحلات كثيرة في أوربا وبلاد العرب وهي: (1) الطريقة ويشرح فيهِ لإرتسثنيز، الذي عقد معه صداقة وثيقة في الإسكندرية كيف من الممكن أن توسع التجارب الفهمية معلومات الإنسان الهندسية. وقد وضعت هذه الموضوعة حداً لحكم المسطرة والفرجار الذي أقامه أفلاطون، وفتحت باب الطرق التجريبية؛ لكنها مع هذا تكشف عما بين المزاجين الفهميين القديم والحديث من اختلاف. فقد كان الأقدمون يجيزون التجارب العملية ليتوصلوا بها إلى فهم النظريات، أما المحدثون فيستخدمون النظريات لما عساه حتى تؤدي إليه من نتائج عملية (2)مجموعة من القضايا العارضة وفيها يبحث سبعة عشر "اختباراً" أوفرضاً متبادلاً في الهندسة المستوية. (3)قياس الزاوية ويصل فيهِ إلى 1slash7 ثلاثة و10slash71 ثلاثة للنسبة التقريبية أي نسبة محيط الدائرة إلى قطرها؛ وهويصل إلى تربيع الدائرة بأن يوضح بطريقة إفناء الفرق حتى مساحة الدائرة تساوي مساحة مثلث قائم الزاوية ارتفاعه يساوي نصف قطر الدائرة وطول قاعدته يعادل طول محيطها. (4)تربيع البتر المكافئ وفيه يفهم بطريقة حساب التكامل المساحة التي يفصلها وتر قوس من البتر المكافئ ومساحة البتر الناقص. (5)في اللولبيات وفيه يعهد اللولبيات بأنها الأشكال التي تحدثها نقطة تتحرك من نقطة معينة بسرعة منتظمة في خط مستقيم يدور في سطح مستوٍ بسرعة منتظمة حول هذه النقطة المعينة نفسها؛ ثم يتوصل إلى فهم المساحة المحصورة بين قوس لولبي ونصفي قطر في بتر ناقص، مستخدماً في ذلك طرقاً تقرب من حساب التفاضل (6)الكرة والاسطوانة وفيه يبحث عن قوانين رياضية لإيجاد أحجام الهرم، والاسطوانة، والكرة، ومساحة سطوحها (7)في أشباه المخروط وأشباه الكرة ويشتمل على دراسة للأجسام الجامدة المتولدة من دوران القطاعات المخروطية حول محاورها. (8)حاسب الرمل وفيهِ ينتقل من الهندسة إلى الحساب، بل يكاد ينتقل إلى اللغرتمات، وذلك بقولهِ حتى الأعداد الكبيرة يمكن حتى تمثل بمضاعفات أو"طبقات" 10.000 وبهذه الطريقة يحصي أركميديز حبات الرمل التي يحتاج إليها لملء الكون- على فرض حتى للكون حجماً معقولاً، كما يقول هوبعبارته الفكهة الظريفة. والنتيجة التي يصل إليها، والتي يستطيع إي إنسان حتى يحققها بنفسهِ، حتى العالم لا يحتوي على أكثر من ثلاث وستين "وحدة جميع منها عشرة ملايين من الطبقة الثامنة من الأعداد" أو6310 حسب طريقتنا في هذه الأيام. ويدل ما في هذا الكتاب من إشارات إلى ما ضاع من مؤلفات أركميديز على أنه كشف أيضاً طريقة لإيجاد الجذر التربيعي للأعداد غير المربعة (9)في الموازنات المستوية وفيهِ يطبق الهندسة على الميكانيكا ويدرس مركز الجاذبية لعدة أجسام ذات أشكال مختلفة، ويصوغ ما معروف لنا من قوانين فهم القوى المتوازنة (10)في الأجسام الطافية وفيه يضع فهم توازن السوائل الساكنة وضغطها (الهيدروستاتيكا) وذلك حين يصل إلى قوانين رياضية لفهم توازن الجسم الطافي.

ويبدأ الكتاب بالفكرة التي أدهشت الناس في ذلك الوقت وهي حتى سطح أي جسم سائل ساكن في حالة توازن هوسطح كري، وأن مركز الكرة التي هوجزء منها هومركز الأرض نفسها.

ولعل الذي نادى أركميديز إلى دراسة فهم توازن السوائل حادثة تكاد تبلغ من الشهرة ما بلغته حادثة نيوتن. وخلاصة قصتها حتى الملك هيرون منح لصائغ سرقوسي مقداراً من المضى ليصوغه تاجاً له. فلما أعطاه التاج كان وزنه مساوياً لوزن المضى، ولكن الملك ارتاب في حتىقد يكون الفنان قد استبدل ببعض المضى مثل وزنه من الفضة، واحتفظ لنفسه بما أنقصه من المضى. وأفضى هيرون بريبته هذه إلى أركميديز وأعطاه التاج، ويبدوأنه اشترط عليهِ حتى يبدد ارتيابه دون حتى يلحق بالتاج أذى، وظل أركميديز عدة أسابيع يقلب الأمر في فكره. حتى إذا خطا يوماً ما في وعاء كبير بحمام عام، لاخظ حتى ماءه قد فاض بقدر العمق الذي وصل إليهِ فيهِ، خيل إليه حتى وزن جسمه- أي ضغطه إلى أسفل- يقل تدريجاً حدثا انغمس في الماء. فما كان منه وهوصاحب العقل الطّلعة إلا حتى وضع فجأة "قانون أركميديز"، وهوحتى الجسم الطافي يفقد من وزنهِ ما يساوي وزن الماء الذي يزيغه. وظن حتى الجسم المغمور في الماء يزيغ منه بمقدار حجمه، وأدرك حتى هذا القانون يمكنه من حل معضلة التاج فخرج عارياً في الطريق (إذا صدقنا قول فتروفيوس المعروف برزانته) وهرول إلى مسكنه وهويصيح "يوريكا" (لقد وجدتها! لقد وجدتها!). وسرعان ما استوعب وهوفي بيته حتى قدراً من الفضة ذا وزن معين إذا غمس في الماء يزيغ منه مقداراً أكثر مما يزيغه مضى مساوٍ له في الوزن، لأن حجم الفضة يزيد على حجم المضى المساوي له في الوزن. ولاحظ أيضاً حتى التاج المغمور في الماء يزيغ منه أكثر مما يزيغه مقدار من المضى مساوٍ له في الوزن. فاستنتج من هذا حتى التاج قد وضع فيهِ معدن أقل كثافة من المضى. فأخذ يستبدل في المضى الذي كان يستخدمه للمقارنة فضة بمضى حتى أزاغ الخليط قدر ما يزيغه التاج من الماء. وبذلك استطاع أركميديز حتى يعهد بالضبط مقدار ما استخدم في التاج من الفضة، ومقدار ما اختلس من المضى.

ولم تكن لتحقيقه رغبة الملك من الأهمية لديهِ ما يعادل كشفه قانون الأجسام الطافية وكيفية تقدير الثقل النوعي للأجسام. وصنع أركميديز آلة مثل فيها الشمس والأرض والقمر والخمسة الكواكب المعروفة وقتئذ (زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد) ورتبها بحيث إذا أدير ذراع مركب في الآلة رأى الإنسان هذه الأجرام جميعاً تتحرك في اتجاهات وبسرعات مختلفة(6)؛ ولكنه في أغلب الظن كان يتفق مع أفلاطون في قوله إذا القوانين المسيطرة على حركات الأجرام السماوية أجمل من النجوم .

وقد صاغ أركميديز، في رسالة مفقودة بقي بعضها في ملخصات لها، قوانين الرافعة والميزان صياغة بلغ من دقتها حتى تقدماً ما لم يحصل فيها حتى عام 1586م، فهويقول مثلاً في الفرض الرابع: "الأجسام المتناسبة تتوازن إذا كانت على مسافات تتناسب تناسباً عكسياً مع جاذبيتها"(8)، وتلك حقيقة عظيمة النفع تبسط العلاقات المعقدة بين الأجسام تبسيطاً بارعاً يؤثر في نفس العالم كما يؤثر تمثال هرمس لبركستليز في نفس الفنان. وذهل أركميديز حين شاهد ما في الرافعة والبكرة من قوة فأعرب أنه إذا منح مرتكزاً ثابتاً استطاع حتى يحرك أي شيء يريد تحريكه، ويروى عنه أنه نطق في لهجة سرقوسة الدورية Pa po, kai tan gan kino": أعطني مكاناً أقف عليهِ، أحرك لك الأرض(9)" وتحداه هيرون حتى يعمل ما يقول، وأشار إلى ما كان يلقاه رجاله من المشقة في حمل سفينة كبيرة من سفن الأسطول الملكي إلى شاطئ البحر. فما كان من أركميديز إلا حتى وضع عدداً من الأضراس والبكر بطريقة أمكنته بمفرده وهوجالس عند نهاية هذا الجهاز حتى يحمل السفينة الكاملة الشحنة من الماء إلى الأرض(10). وسر الملك من هذا العمل فطلب إلى أركميديز حتى يضع له تصميمات لبعض عدد الحرب، وكان من غريب صفات الرجلين حتى أركميديز بعد حتى وضع هذه التصميمات نسيها، وأن هيرون لحبه السلم لم يستخدمها. وقد وصف فلوطرخس أركميديز فنطق:

"إنه بلغ من علوالهمة وعمق التفكير، وغزارة المادة الفهمية ما سما به عن حتى يهجر وراءه أي شيء مكتوب في هذه الموضوعات، وإن كانت هذه الاختراعات قد أذاعت في الخافقين ذكاءه العظيم الذي لا نظير له بين الخلائق طراً. فقد نبذ جميع فن لا غاية له إلا النفع والكسب المادي وعده فناً دنيئاً حقيراً، وخص حبه كله وآماله كلها في تلك المباحث الفهمية الخالصة التي لا صلة بنها وبين مطالب الحياة الوضيعة- وهي تلك الدراسات التي لا يشك إنسان في سموها على سائر الدراسات، بل جميع ما يشك فيهِ هوهل جمال الموضوعات التي تبحثها وعظمتها، أودقة طرق البرهنة على صحتها وقوة الاقتناع بها، هي أعظم الأمور جدارة بإعجابنا". ولما حتى توفي هيرون قام النزاع بين سرقوسة ورومة، وهاجمها مارسلس الباسل براً وبحراً. وكان أركميديز وقتئذ (212) في السابعة والخمسين من عمرهِ ولكنه مع هذا أشرف على الدفاع في الجبهتين، فأقام خلف الأسوار التي تحمي الميناء منجنيقات تقوى على قذف الحجارة الثقيلة مسافات بعيدة. وكان وابل القذائف التي تلقيها هذه المنجنيقات شديد السقط فاضطر مارسلس إلى التقهقر حتى يفاجئ المدينة ليلاً. فلما حتى أبصر أهلها سفن العدوقرب الشاطئ أمطر الرماة بحارتها وابلاً من السهام من بين الثقوب التي صنعها أعوان أركميديز في الأسوار. وفضلاً عن هذا فقد وضع المخترع العظيم في داخل هذه الأسوار رافعات وبكرات ضخمة تلقي بالقرب من السفن كتلاً كبيرة من الحجارة والرصاص أغرقت الكثير منها. وكانت رافعة أخرى، مسلحة بخطاطيف تمسك بالسفن، وتحملها في الهواء، وتقذفها على الصخور، أوتلقيها بمقدمها في البحر . وابتعد مارسلس بأسطوله ووضع جميع آماله في هجومه براً. ولكن أركميديز أمطر الجنود حجارة ضخمة من منجنيقات بلغت من القوة والإحكام حداً اضطر معه الرومان إلى الفرار وهم يقولون إذا الآلهة نفسها كانت تقاومهم.، وأبوا حتى يتقدموا بعدئذ للقتال(14). يعلق يولبيوس على ذلك بقوله: "إلى غير ذلك تتبدى في هذا الاختراع العظيم المدهش عبقرية رجل واحد استخدمت الاستخدام السليم". ولم يكن الرومان الأقوياء بحراً وبراً يرتابون في الاستيلاء على المدينة من فورهم إذا أبعد عنها رجل واحد طاعن في السن؛ وما دام هذا الرجل باقياً فيها فإنهم لم يجرءوا قط على مهاجمتها(15)".

وتخلى مارسلس عن فكرة الاستيلاء على المدينة عنوة وآثر حتى يستولي عليها بالحصار الطويل، فضرب عليها حصاراً دام ثمانية أشهر نفدت فيها مئونتها فاستسلمت له من فرط الجوع. وأعمل فيها الجند القتل والسلب لكن مارسلس أمرهم ألا يمسوا أركميديز بأذى. والتقى في أثناء النهب جندي روماني بشيخ سرقوسي منهمك في دراسة أشكال رسمها على الرمل. فأمره الجندي الروماني بأن يحضر من فوره للقاءة مارسلس وأبى أركميديز حتى يمضى إلا بعد حتى تحل المسألة التي كان منهمكاً فيها. ويقول فلوطرخس إنه "ألح على الجندي وتوسل إليه حتى ينتظره قليلاً، حتى لا يضطر إلى هجر ما يشتغل به ناقصاً لم يصل فيه إلى نتيجة مقنعة؛ ولكن الجندي لم يؤثر فيه راتى الرجل فقتله من فوره(16)". ولما سمع بذلك مارسلس حزن عليه وبذل جميع ما في وسعه ليواسي أهل القتيل(17). وأقام القائد الروماني قبراً فخماً تخليداً لذكراه نقش عليه بناء على رغبة العالم الرياضي كرة داخل اسطوانة. ذلك حتى أركميديز كان يعتقد حتى وصوله إلى القوانين التي أوجد بها مساحتي هذين الشكلين وحجميهما أعظم ما عمله في حياته. ولم يكن الرجل في ظنه هذا بعيداً جميع البعد عن الصواب، فإن إضافة نظرية هامة إلى نظريات الهندسة أعظم قيمة للإنسانية من حصار مدينة أوالدفاع عنها. ومن حق أركميديز علينا حتى نضعه في المستوى الذي نضع فيه نيوتن، وأن تقول إنه هجر للعالم "عدداً من الاكتشافات الرياضية الجليلة الشأن لا يفوقه فيه إنسان بمفرده في تاريخ العالم كله(18)".

ولولا كثرة الأرقاء وقلة أجورهم لكان أركميديز زعيم انقلاب صناعي حقيقي. ذلك حتى رسالة في المسائل الميكانيكية تعزى خطأ إلى أرسطو، ورسالة في الأثنطق تعزى خطأ إلى إقليدس، قد وضعتا عدة قوانين أولية في فهم القوى المحركة (الديناميكا) وفهم القوى المتوازنة (الأستاتيكا) قبل أركميديز بمائة عام. وأحال استراتواللمبسكسوسي Strato of Lampasacus، الذي تولى بعد ثاوفراسطوس رياسة اللوقيون، ماديته الجبرية إلى فهم الطبيعة وصاغ (حوالي عام 280) المبدأ القائل بأن "الطبيعة تكره الفراغ(19)". ولما حتى أضاف إلى ذلك قوله إذا "الفراغ يمكن إيجاده بوسائل اصطناعية" مهد بذلك السبيل إلى ألف من المخترعات. فدرس تسبيوس الإسكندري Ctesibius طبيعة الممصات (وكانت مستخدمة في مصر من عام 1500 ق.م) واخترع المضخة الرافعة، والأرغن المائي، والساعة المائية. وأكبر الظن حتى أركميديز قد حسن اللولب المائي المصري (الطنبور) الذي أطلق عليه اسمه على غير فهم منه، وهوالآلة التي جعلت الماء يجري إلى أعلى(20). واخترع فيلون البيزنطي الآلات التي تتحرك بالهواء، وعدداً من آلات الحرب المتنوعة الأنواع(21). وكانت الآلة البخارية التي اخترعها هيرون الإسكندري Heron of Alex.، بعد حتى فتح بلاد اليونان آخر مخترعات هذا العصر وأعظمها. وسبب ذلك حتى التنطقيد الفلسفية كانت أقوى من حتى تقضي عليها هذه النزعة الفهمية العملية، وأن الصناعة اليوناني قد اقتنعت بالاعتماد على الأرقاء. لقد كان اليونان على فهم بالمغنطيس وبما في الكهرمان من خواص كهربائية، ولكنهم لم يروا في هذه الظواهر الغريبة ما يمكن حتى تفيد منه الصناعة، وحكم القدم على غير فهم منه حتى الحداثة غير جديرة بالعناية.


أرستاخوس، وهبارخوس، وإرتسثنيز

تدين علوم اليونان الرياضية بازدهارها والقوة الدافعة لها إلى مصر، ويدين الفلك اليوناني بازدهاره وقوته الدافعة إلى بابل. ذلك حتى استيلاء الإسكندر على بلاد الشرق قد أدى إلى تبادل الأفكار وإلى اتساع ذلك التبادل الذي أعان منذ ثلاثة قرون قبل ذلك الوقت على ميلاد الفهم اليوناني في أيونيا. وفي وسعنا حتى نعزوإلى هذا الاتصال الجديد بمصر والشرق الأدنى ما نراه من تناقض. فقد بلغ الفهم اليوناني ذروته في العصر الهلنستي، حين كان الأدب اليوناني والفن اليوناني آخذين في الاضمحلال.

ولمع اسم أرتساخوس الساموسي في الفترة الواقعة بين العهدين اللذين سيطرت فيهما على فهم الفلك النظرية القائل بأن الأرض مركز الكون. وكان هذا العالم شديد التحمس لدراسة الفلك فلم يهجر فرعاً منه إلا بحثه، ونبغ في هذه الفروع جميعاً(22). ولسنا نجد في رسالته الوحيدة التي بقيت لنا حتى الآن والمسماة "في حجم الشمس والقمر وبعديهما " أية إشارة إلى حتى الشمس مركز العالم، بل إذا هذه الرسالة تفترض عكس هذا، تفترض حتى الشمس والقمر يتحركان في دائرتين حول الأرض. ولكن كتاب أركميديز "حاسب الرمل" يعزوصراحة إلى أرستاخوس "الفرض القائل إذا النجوم الثوابت والشمس تظل ثابتة لا تتحرك، وإن الأرض تدور حول الشمس في محيط دائرة، وإن الشمس في وسط هذا المدار(23)"، ويقول فلوطرخس إذا كلينثيز الرواقي كان يعتقد حتى أرستاخوس يجب حتى يتهم "بتحريكه مسكن الكون" (أي الأرض(25". وأيد سلوقس السلوقي Seleucus of Selucia الرأي القائل بأن الشمس مركز العالم، ولكن رأي الفهماء في العالم اليوناني قرر عكس هذا، ويبدوحتى أرستاخوس نفسه قد هبط عن هذا الافتراض حين عجز عن التوفيق بينه وبين حركات الأجرام السماوية التي كانوا يظنونها دائرية؛ ذلك حتى فهماء الفلك على بكرة أبيهم كانوا يرون حتى من القضايا المسلم بها بتراً حتى هذه الأفلاك دائرية. ولعل كراهية السم هي التي دفعت أرستاخوس إلى حتىقد يكون جليلوالعالم القديم وكوبرنيقه.

وكان من سوء حظ الفهم الهلنستي حتى أعظم الفلكيين اليونان هاجم النظرية القائلة إذا الشمس مركز العالم بحجج كانت تبدوللناس أجمعين قبل كوبرنيق أنها حجج لا يمكن دحضها أبداً. وكان هبارخوس النيقي of Nicaea (في بيثينيا) عالماً من الطراز الأول، رغم ما سقط فيه من خطأ كان له شأن عظيم في عصره؛ فقد كان عظيم الشغف بالفهم، طويل الصبر على البحث، دقيقاً شديد العناية بالملاحظة ونقل ما يلاحظ إلى غيره، حتى لقد أطلق عليه الأقدمون لقب "حبيب الحقيقة(26)". وقد مس وازن جميع فرع من فروع الفلك تقريباً، وظلت النتائج التي وصل إليها فيه ثابتة سبعة عشر قرناً كاملة. غير أننا لم يبقَ لنا من مؤلفاته الكثيرة إلا كتاب واحد- وهوشرح لكتاب الفينومينا Phainomena (الظواهر الطبيعية) ليودكسوس، وأراتوس الصولي؛ ولكننا بعهده من كتاب المجسطي تأليف كلوديوس بطليموس Claudius Ptolemy (140 م. تقريباً)، لأن هذا الكتاب يعتمد على بحوثه وتقديراته. ومن أجل هذا كان من الواجب حتى يسمى "فلك بطليموس" "فلك هبارخوس". وأكبر الظن أنه هوالذي حسن الاسطرلابات وآلات قياس الزوايا وهي أبرز الآلات الفلكية في زمانه؛ ولعله قد استعان على هذا التحسين بنماذج الآلات البابلية؛ واخترع كيفية تعيين الأماكن على سطح الأرض بخطوط الطول والعرض، وحاول حتى ينظم الفلكيين في بلاد البحر الأبيض المتوسط ليقوموا بأعمال الرصد والقياس التي يستطيعون بها تحديد مواضع البلاد الهامة بهذه الطريقة. لكن الاضطرابات السياسية حالت دون تطبيق هذه الخطة حتى استتب النظام في عصر بطليموس. واستطاع هبارخوس بفضل دراسته الرياضية للعلاقات الفلكية حتى يضع جداول جيوب الزوايا، وأن يبتكر بذلك حساب المثلثات. ومما لا ريب فيه أنه استعان بالسجلات المسمارية التي جيء بها من بابل فحدد أطوال السنين الشمسية، والقمرية، والنجمية، تحديداً لا يكاد يختلف عن أطوالها السليمة؛ فقد قدر السنة الشمسية بثلاثمائة وخمسة وستين يوماً وربع يوم إلا أربع دقائق و48 ثانية- وهويختلف عن تقدير هذه الأيام بست دقائق لا أكثر. وكان تقديره للشهر القمري الوسطى 29 يوماً، 12 ساعة، 44 دقيقة، 1slash22 ثانية. وهويختلف عن التقدير المعترف به اليوم بأقل من ثانية(27). وحسب أزمنة اقتران الكواكب، وميل مدار القمر عن فلك الأرض، وحدد أكبر بعد بين الشمس والأرض، واختلاف مسقط القمر بالنسبة للنجوم باختلاف موضع الراصد على سطح الأرض(28)، وقدر بعد القمر عن الأرض بمائتي ألف وخمسين ألف ميل فلم يخطئ إلا في خمسة في المائة.

واستنتج هبارخوس بالاعتماد على هذه المعلومات كلها حتى القول بأن الأرض مركز العالم يفسر هذه الحقائق كلها أحسن مما يفسرها فرض أرستارخوس. ذلك حتى النظرية القائلة بأن الشمس مركز العالم لا يمكن حتى تثبت على التحليل الرياضي إلا إذا افترضنا حتى مدار الأرض بتر ناقص، وهوفرض لا يوائم التفكير اليوناني، حتى ليبدوحتى أرستارخوس نفسه لم يعنَ ببحثهِ. وأوشك هبارخوس حتى يمسه في نظريته عن "الانحرافات" التي فسر بها ما يظهر من شذوذ في سرعة مسير الشمس والقمر في فلكيهما حين نطق إذا مركزي فلكي الشمس والقمر مائلان قليلاً على أحد جانبي الأرض. وأوشك هبارخوس حتىقد يكون أعظم أصحاب النظريات الفلكية وأعظم الراصدين بين فهماء الفلك الأقدمين على بكرة أبيهم.

وبينما كان هبارخوس يرقب السماء ليلة بعد ليلة إذ دهش ذات مساء لظهور نجم في مكان لا ريب عنده في أنه لم يرقب فيه نجماً من قبل. ولكي يثبت ما يفترض أن يحدث من اختلاف في مواضع النجوم في مستقبل الأيام خلق حوالي عام 129 ق.م. فهرساً، وخريطة، وكرة حدد فيها مواضع 1080 من النجوم الثوابت بالنسبة لخطوط الطول والعرض السماوية. وقد أفاد دارسوالسماء من عملهِ ذها أعظم فائدة. ووازن هبارخوس خريطته بخريطة تموكارس التي صنعها قبل خريطته بمائة وست وستين سنة فتبين حتى النجوم قد غيرت مكانها الظاهري نحودرجتين في هذه الفترة الزمنية. وعلى هذا الأساس كشف هبارخوس أدق كشوفه كلها . وهوتقدم الاعتدالين- ويعني به تقدم اللحظة التي تقع فيها نقطتا الاعتدالين على خط الزوال . وقدر هذا التقدم بست وثلاثين ثانية جميع سنة؛ والتقدير المأخوذ به الآن خمسون ثانية.

ولقد كان بين أرستارخوس وهبارخوس في الترتيب الزمني عالم آخر واسع الاطلاع، في فروع من الفهم متعددة، ويمتاز بغزارة فهمه في عدد كبير من الميادين، وكان ثاني المتفوقين فيها جميعاً، ومن أجل ذلك لقب بنتاثلوس وبيتا Pentathlos and Beta. وتقول الرواية المأثورة إذا ارتسثنيز تلقى الفهم على مفهمين أفذاذ: زينون الرواقي، وأوفدوس المتشكك، وحدثخوس الشاعر، وليسنياس النحوي. وقبل حتى يبلغ الأربعين من عمره ذاعت شهرته في كثير من فروع الفهم المتنوعة حتى جعله بطليموس الثالث أمين مخطة الإسكندرية. وخط ديوان شعر وتاريخاً للمسلاة، وحاول في كتاب الكرونوغرافيا Chronography حتى يحدد أوقات الحادثات الكبرى في تاريخ بلاد البحر الأبيض المتوسط. وقد خط أيضاً رسائل في الرياضيات واخترع طريقة آلية لإيجاد نسب وسطى متناسبة تناسباً مطرداً بين خطين مستقيمين. وقاس ميل مستوى الفلك وحدد هذا الميل ب51 23ْ فلم يخطئ إلا في نصف في المائة. لكن أعظم أعماله هوتقديره طول محيط الأرض ب24.662 ميلاً(30)، ونحن نقدره الآن ب24.847. فقد لاحظ في ظهر يوم الانقلاب الصيفي حتى الشمس عند مدينة سييني تسطع عمودية على سطح جدار ضيق، ثم عهد حتى ظل مسلة في الإسكندرية التي تبعد عن سييني إلى الشمال بنحوخمسمائة ميل يشير على حتى الشمس تميل عن سمت الرأس بنحو1\2 7ْ إذا قيست وقت الزوال على خط الطول الذي يصل بين البلدين، فاستنتج من هذا حتى القوس الذي يبلغ 1\2 7ْ على محيط الأرض يساوي خمسمائة ميل، وأن محيط الأرض بهذه النسبة =360 ÷ 7.5 × 500 أو24.000 ميل.

وبعد حتى قاس إرتسثنيز الأرض انتقل إلى وصفها فجمع في كتابهِ الجغرافيكا Geographica تقريرات جميع فهماء المساحة في الإسكندرية، والرحالة البريين أمثال Megasthenes والبحريين أمثال نيارخوس، والرواد أمثال بيثياس المساليائي Pythias of Massalia، الذي طاف حول اسكتلندة في عام 320، ووصل إلى النرويج ولعله وصل أيضاً إلى الدائرة القطبية الشمالية(31). ولم يكتفِ أرتسثنيز بوصف تضاريس جميع إقليم ومظاهره الطبيعية، بل حاول أيضاً حتى يفسرها بعمل المياه الجارية، والنيران والزلازل والثورات البركانية(32). وطلب إلى اليونان حتى يتخلوا عن تقسيمهم الضيق لبني الإنسان إلى هلنيين وبرابرة، وأعرب حتى الناس يجب حتى يقسموا أفراداً لا أقواماً؛ ونطق إنه يرى حتى كثيرين من اليونان سفلة أنذال، وأن كثيرين من الفرس والهنود قوم ظرفاء؛ وأن الرومان قد أظهروا أنهم أكثر استعداداً من اليونان للنظام الاجتماعي والحكم الصالح القدير(33). ولم يكن يعهد إلا القليل عن شمالي أوربا وآسية، وكان فهمه بالهند الممتدة جنوب نهر الكنج أقل من هذا القليل. أما شمال أفريقية فلم يكن يعهد عنه شيئاً على الإطلاق. ولكنه كان على ما وصل إليه فهمنا أول عالم جغرافي ذكر الصينيين في خطهِ. وقد ورد في فقرة أخرى من هذه الخط عظيمة الدلالة: "لوحتى اتساع المحيط الأطلنطي لم يقم عقبة في سبيلنا لكان من السهل علينا حتى ننتقل بطريق البحر من إيبيريا Iberia (أسبانيا) إلى الهند متتبعين دائرة واحدة من دوائر العرض(34)".

ثاوفراسطوس، هيروفيلوس، إراسستراتوس

لم يبلغ فهم الحيوان في الزمن القديم مثل ما بلغه في كتاب أرسطوالمسمى تاريخ الحيوان، والراجح حتى خليفته ثاوفراسطوس قد اتفق معه على حتى يوزعا العمل بينهما، فخط هوتاريخ النبات، وخط بحثاً آخر أكثر إيغالاً في البحث النظري يسمى مسببات النبات. وكان ثاوفراسطوس يحب فن فلاحة البساتين ويعهد جميع صغيرة وكبيرة في موضوعه. وكانت نزعته الفهمية في كثير من النواحي أعظم من نزعة أستاذه، كما كان أكثر منه عناية بالحقائق، وأدق نظاماً في عرضها؛ ومن أقوالهِ في هذا المعنى حتى الكتاب الخالي من التصنيف غير خليق بأن يعتمد عليه مثله كمثل الجواد غير الملجم(35). وقد قسم النباتات جميعاً إلى أشجار، وشجيرات، وأعشاب، وحشائش؛ وميز أجزاء النبات بعضها من بعض، وقسمها إلى جذر ، وساق، وأغصان، وعساليج، وأوراق، وأزهار، وفاكهة- وهوتقسيم لم يدخل عليه أي تحسين حتى عام 1561(36)م. وقد خط في ذلك يقول: "للنبات قدرة على التوالد سارية في جميع أجزائه، لأن فيه حياة تسري فيها جميعاً... وطرق توالد النبات هي: الكيفية التلقائية من بذرة، أوجذر، أوبترة تبتر منه، أوغصن، أوعسلوج، أوبتر من الخشب تقسم أقساماً صغيرة، أومن الجزع نفسه(37)". ولم يعهد شيئاً عن التكاثر بالتزاوج الجنسي في النبات، اللهم إلا عن عدد قليل من أنواعه كأشجار التين، ونخل البلح؛ وهنا سار على نهج البابليين فوصف عمليتي التلقيح، والتختين لإنضاج الفاكهة قبل الأوان بوسائل اصطناعية. وبحث في التوزيع الجغرافي للنبات، وفي فوائده للصناعة، وفي أنسب الأحوال الجوية لنمائه وقوته. ودرس التفاصيل الجزئية لنحوخمسمائة نوع من أنواع النبات دراسة دقيقة في جميع أجزائها دقة تثير الدهشة، وذلك في وقت لم يكن فيه مجهر يعين على هذه الدراسة. وأدرك قبل جيتة بعشرين قرناً حتى الزهرة ورقة متحولة(38). وكان عالماً طبيعياً في أكثر من ناحية، يرفض بقوة ما كان منتشراً في أيامه من تفسير بعض المظاهر العجيبة في النبات بالرجوع إلى القوى غير الطبيعية(39). وكان يتصف بما يتصف به الفهماء من حب البحث؛ ولم يكن يرى حتى مقامه بوصفه فيلسوفاً ينقص منه حتى يخط رسائل جميع واحدة منها في موضوع واحد، كالحجارة، والمعادن، والجو، والرياح، والسأم ، والهندسة النظرية، والفلك، ونظريات الطبيعة التي كانت منتشرة عند اليونان قبل أيام سقراط(40). وفي ذلك يقول سارتن Sarton: "لولم يكن أرسطومن رجال ذلك العصر لسمي عصر ثاوفراسطوس(41)" .

ولخص "كتاب" ثاوفراسطوس التاسع جميع ما كان يعهده اليونان عند خواص النباتات. وفي هذا الكتاب فقرة تشير إلى التخدير وردت في قوله إذا "الدقتمون Dittany نبات نافع بوجه خاص للنساء في أثناء الوضع؛ ويقول بعض الناس إنه إما حتى يسهل الوضع أوإنه يوقف الألم(42)" وتقدم الطب بخطى سريعة في هذا العصر، ولعل سبب تقدمه أنه كان لا بد له حتى يسير بنفس السرعة التي تفشوبها الأمراض الجديدة المتزايدة في حضارة المدن المعقدة. وكانت دراسة اليونان لمعلومات المصريين الطبية باعثاً قوياً على هذا التقدم. وكان البطالمة لا يترددون في تقديم أية مساعدة يحتاجها فهماء الطب، فلمقد يكونوا يجيزون تشريح الحيوانات وجثث الموتى من الآدميين فحسب، بل كانوا يرسلون بعض المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام لتشرح أجسامهم وهم أحياء(43). وبفضل هذا التشريح أصبح التشريح الآدمي فهماً، وقلت إلى حد كبير الأغلاط السخيفة التي سقط فيها أرسطو.

وقام هيروفيلوس الخلقدوني الذي كان يعمل بالإسكندرية حوالي عام 85 بتشريح العين ووصف الشبكية وأعصاب النظر وصفاً طبياً. وشرح أيضاً المخ، ووصف مقدم الدماغ، والمخيخ، والسحايا، وسمي باسمه معصار هيروفيلي . وأعاد للمخ مكانته السامية بأن جعله مركز التفكير، وفهم وظيفة الأعصاب، وكان البادئ بتقسيمها إلى أعصاب حس وأعصاب حركة، وفصل أعصاب الجمجمة عن أعصاب النخاع الشوكي، وميز الشرايين من الأوردة، وحدد وظيفة الشرايين بأنها هي الأوعية التي تحمل الدم من القلب إلى مختلف أجزاء الجسم، وكشف في واقع الأمر الدورة الدموية قبل حتى يكشفها هارفي(44) Harvey. بتسعة عشر قرناً. وقد أخذ بإشارة وردت في أقوال بركساغورس الطبيب الكوسي فضم جس النبض إلى وسائل تشخيص الأمراض، واستخدم ساعة مائية لقياس عدد ضربات القلب. وشرح المبيض والرحم والحويصلات المنوية، وغدة البرستاتة ووصفها كلها؛ ودرس الكبد، والبنكرياس، وسمى الأمعاء الأثني عشري بالاسم الذي لا يزال يعهد به إلى اليوم(45). ومن أقوال هروفيلوس المأثورة؛ "إن الفهم والفن لاقد يكون لهما ما يعرضانه، وإن القوة لتعجز عن بذل أي جهد، والثروة لتصبح عديمة النفع، والفصاحة تفقد قوتها، حين تنعدم صحة الجسم(46)".

ولقد كان هروفيلوس، على قدر ما نستطيع حتى نحكم بالاستناد إلى معلوماتنا الحاضرة، أعظم فهماء التشريح في العهد القديم، كما كان إرسستراتوس أعظم فهماء وظائف الأعضاء. وقد ولد اسستراتوس في كيوس Ceos، ودرس في أثينة، ومارس مهنة الطب في الإسكندرية حوالي عام 258 ق.م. وقد استطاع حتى يميز المخ من المخيخ تمييزاً أدق من هروفيلوس، وأجرى تجارب على الأجسام الحية لدراسة عمليات المخ، ووصف وشرح عمل الغلصمة (لسان المزمار)، والأوعية اللمفاوية في غشاء الأمعاء؛ والصمامين الأورطي، والرئوي في القلب. وكان لديه فكرة ما عن التمثيل الأساسي للأغذية لأنه ابتدع مثمناً فجاً لقياس حرارة الزفير(47). ويقول إرسستراتوس إذا جميع عضويتصل بسائر أجزاء الكائن الحي بثلاث طرق- بشريان، ووريد، وعصب. وأجتهد حتى يعلل جميع الظواهر الفسيولوجية بعلل طبيعية، ورفض جميع ما يشير إلى موجودات خفية كما رفض نظرية الاختلاط التي نطق بها هبارخوس، والتي احتفظ بها هروفيلوس. وكان يرى حتى الطب هوفن منع السقم بمراعاة قواعد الصحة، وليس هوعلاج السقم بالدواء. وكان يقاوم كثرة استعمال العقاقير، والحجامة، ويعتمد على تنظيم التغذية والاستحمام والرياضة(48).

أولئك هم الرجال الذين جعلوا الإسكندرية في العصر القديم أشبه بفينا في هذه الأيام. غير أنه كانت توجد أيضاً مدارس عظيمة للطب في تراتس Tralles، وميليطس، وإفسوس، وبرجموم، وتاراس؛ وسرقوسة. وكان للكثيرين من المدن إدارات طبية بلدية، بتقاضي الأطباء القائمون بالعمل فيها مرتباً وسطاً، ولكن كان من مسببات فخرهم أنهم لا يفرقون بين الأغنياء والفقراء، والأحرار والأرقاء، وأنهم كانوا تهبون أنفسهم لفهمهم في أي وقت مهما يكن الخطر المحدق بهم. فقد مضى أبلونيوس الملطي ليكافح الطاعون في الجزائر القريبة من موطنه دون حتى ينال على ذلك أجراً، ولما حتى فتك السقم بجميع أطباء كوس بعد حتى بذلوا جميع ما يستطيعون من الجهد لمقاومته، وأقبل غيرهم من أطباء المدن المجاورة لإنقاذهم. وما أكثر القرارات العامة التي أصدرها الحكام للإشادة بذكر الأطباء الهلنستيين والاعتراف بفضلهم؛ ومع حتى الكثيرين من القدماء كانوا يسخرون من عجز الأطباء المأجورين، فإن هذه المهنة العظمى قد احتفظت بذلك المستوى الأخلاقي الرفيع الذي ورثته عن أبقراط والذي كانت تعده أعظم تراثه وأثمنه.


تاريخ النشر: 2020-06-04 13:46:50
التصنيفات: العلوم اليونانية القديمة

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

كورونا يرعب طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بمراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:10:51
مستوى الصحة: 43% الأهمية: 40%

رقم للترشح إلى رئاسة العراق.. وكابوس اتصالات يلاحق شاباً

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:22:01
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 93%

وزير الصناعة السعودي: منح 1967 رخصة و431 موقعا للتعدين في المملكة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:23:02
مستوى الصحة: 98% الأهمية: 94%

العقود الأميركية للغاز الطبيعي تقفز لأعلى مستوى في 6 أسابيع

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:22:53
مستوى الصحة: 95% الأهمية: 85%

«القوى العاملة»: تعيين 689 شابًا بينهم 8 «قادرون باختلاف» في بورسعيد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:25:48
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 60%

مصري يفصل رأس زوجته عن جسدها.. ويقفز من الشرفة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:20:09
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

البنك الأهلي السعودي يبدأ إصدار صكوك مقوّمة بالدولار

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:22:29
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 85%

إيران تنوي استخدام العملات المشفرة في التجارة الخارجية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:16:47
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 99%

مصرع العشرات جراء الفيضانات في البرازيل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 07:51:05
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 63%

"معلومة خاطئة" قد تعرقل مشاركة دجوكوفيتش في أستراليا المفتوحة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:17:10
مستوى الصحة: 83% الأهمية: 87%

تراجع أسعار الذهب مع ترقب المتعاملين بيانات التضخم الأمريكية

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-01-12 07:48:40
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 47%

إصابات كورونا في الهند ترتفع مع تسجيل 195 ألف إصابة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 07:51:09
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

تعليق تداول أسهم "الأهلي للتكافل" اليوم تمهيداً لإلغاء إدراجها

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:22:20
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 95%

كازاخستان تشدد الرقابة على تهريب الأموال خارج البلاد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:16:39
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 93%

سيناتور أمريكي يتهم بايدن بالسير "في طريق سلفه ترامب"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:16:50
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 100%

دوري "أن بي ايه": الفوز العاشر تواليا لممفيس

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:16:29
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 85%

ضبط هارب من 256 سنة سجن بالقاهرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:25:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

تخلَّ عن السكر لشهر كامل.. هذا ما سيحدث للجسم!

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:23:09
مستوى الصحة: 97% الأهمية: 94%

كأس أمم إفريقيا.. حارس ساحل العاج يقع في المحظور

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:17:12
مستوى الصحة: 94% الأهمية: 86%

الجيش الروسي أجلى أكثر من ألفي مواطن وأجنبي من كازاخستان

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-01-12 08:16:45
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 88%

تحميل تطبيق المنصة العربية