هوراس

هوراس Horace
هوراس كما تخيله أنطون فون ڤرنر
وُلِد Quintus Horatius Flaccus
8 ديسمبر 65 ق.م.
ڤنوسيا، لوكانيا، الجمهورية الرومانية
توفي 27 نوفمبرثمانية ق.م. (عن عمر 56)
روما، الامبراطورية الرومانية
مكان الدفن روما
الوظيفة جندي، فارس محرر scriba quaestorius، شاعر
اللغة اللاتينية
العرق روماني
الصنف الأدبي شعر غنائي
أبرز الأعمال قصائد غنائية، هاتى، Ars Poetica

كوينتس هوراتيوس فلاكس أوهوراس (Quintus Horatius Flaccus؛ عاشثمانية ديسمبر 65 ق.م. في ڤنوسيا - 27 نوفمبرثمانية ق.م. في روما) كان شاعراً غنائياً وناقداً أدبياً لاتينياً من رومانيا القديمة في زمن أغسطس قيصر، قيل بأن له تأثير على الشعر الإنجليزي. أصر هوراس على حتى الشعر يجب حتى يقدم السعادة والإرشاد. عهد الشاعر بالقصائد الغنائية والمقطوعات الهجائية.

ولد هوراس فيثمانية ديسمبر 65 ق.م.، في ڤنوسيا (إيطاليا)، وكان ابناً لعبد محرر، ولكنه ولد حراً. أهدر والده الكثير من ماله حتى يتلقى هوراس تعليمه في روما ثم بعثه إلى أثينا ليدرس الإغريقية والفلسفة. قاتل هوراس إلى جانب جيش بروتوس الثائر بسبب اغتيال يوليوس قيصر. تضمنت أعماله الأولى خط من المقطوعات الهجائية والإبود، ولكن أعماله حول القصائد الغنائية والرسائل الإنجيلية جعلته يشتهر بشكل كبير، ومن بينها درس "أرس بويتيكا" (Ars poetica) الذي احتوى على قواعد لهجريب الشعر. خطه تتحدث غالباً عن الحب والصداقة والفلسفة، وأثرت أعماله على الغرب منذ عصر النهضة حتى القرن 19.

إن من أجمل الصور التي يشهدها الإنسان في عالم الأدب-والتي تبدوفيها الغيرة بين الناس شديدة لا تفوقها إلا غيرة العشاق-هي صورة ڤرجيل وهويقدم هوراس إلى ماسيناس. فقد التقى الشاعران في عام 40ق.م، حين كان فرجيل في الثلاثين من عمره وهوراس في الخامسة والعشرين، وفتح ڤرجيل أبواب ماسيناس بعد عام من ذلك الوقت وبقي الثلاثة بعدئذ أصدقاء أوفياء حتى فارقوا هذا العالم.

واحتفلت إيطاليا في عام 1935 بمرور ألفي عام على مولد كونتس هوراشيوس فلاكس Quintus Horatius Flaccus، وكان مولده في بلدة ڤنوزيا Venusia الصغيرة من أعمال أپوليا Apulia، وكان والده رقيقاً معتوقاً ارتفعت منزلته حتى أصبح جابياً-أوصياداً كما يقول بعض الناس(23). ومعنى حدثة فلاكس ذوالأذن المدلاة، وأكبر الظن حتى هوراشيوس هواسم السيد الذي كان الوالد في خدمتهِ. وأثرى العبد المعتوق بطريقة ما، وأوفد ابنه إلى رومة ليدرس البلاغة ثم أوفده إلى أثينا ليدرس فيها الفلسفة. وفي هذه المدينة انضم الشاب إلى جيش بروتس وتولى قيادة أحد الفيالق، ونطق وقتئذ نطقته المأثورة

"إن من ألذ الأمور وأشرفها حتى يموت الإنسان في سبيل بلاده
Dulce et Decorum Pro Patria Mori".

ولكن هوراس-وكان يقلد أركلوكس Archilochus في أغلب الأحيان-القى بدرعهِ في إبان المعركة وولى الأدبار. ولما وضعت الحرب أوزارها ألفى نفسه وقد جرد من جميع أملاكه ومن جميع ما ورثه عن أبيهِ، "ودفعتني المسغبة إلى قرض الشعر"(27)، ولكن الحقيقة أنه كان يكسب قوته من منصب محرر كوستر.

وكان قصيراً بديناً، ومزهواً حيياً، لا يحب السوقة ولكنه لا يجد من الثياب أوالمال ما يعينه على الاختلاط بالأسواط التي نالت من التعليم ما ناله هو. وكان يخشى عواقب الزواج فأكتفى على حد قولهِ بالسراري والعشيقات؛ وهوقول قد يحدث حقاً، وقد لاقد يكون إلا نوعاً من الترخيص الشعري اخترعه للدلالة على نضوجه. وقد خط عن العاهرات كتابة جمعت بين حذر الفهماء وتعقيد الشعراء، وظن أنه جدير بأعظم الثناء لأنه لم يُغوالنساء المتزوجات(28). وإذ كان أفقر من حتى يقضي على نفسهِ بالانهماك في الشهوات الجنسية فقد عمد إلى قراءة الخطي وكتابة الأغاني باللغتين اليونانية واللاتينية، وبأصعب أوزان الشعر اليوناني وأكثرها اختلاطاً. وأطلع فرجيل على إحدى هذه القصائد وامتدحها لماسيناس. وسر الأبيقوري الرحيم من حياء هوراس وتلجلحهِ في الحديث، ووجد في سفسطتهِ الفكرية ما يدعوه إلى حبه. وفي عام 37 اصطحب ماسنياس فرجيل وهوراس وغيرهما من الصحاب في سفرة قصيرة مخترقين إيطاليا في قارب قنوي تارة، وعربة ومحمل تارة أخرى، ثم سيراً على الأقدام في بعض الأوقات. وبعد قليل من ذلك الوقت قدم ماسنياس الشاعر لأكتافيان، واقترح عليهِ حتى يعينه أمين سره. فاعتذر الشاعر قائلاً إنه لا يجد من نفسه ميلاً إلى العمل. وفي عام 34 أهدى إليهِ مايسينا بيتاً وضيعة تدر عليهِ بعض المال في الوادي السابيني بيستيكا Ustica على بعد خمسة وأربعين ميلاً من رومة. وبذلك أصبح في استطاعة هوراس حتى يعيش في المدينة أوفي الريف كما يشاء، وأن يخط كما يأمل المؤلفون حتى يخطوا-في الوقت الذي تحلولهم فيهِ الكتابة، وبالعناية والجهد اللذين يحلولهم حتى يبذلوهما في كتابتهم .

وأقام بعض الوقت في رومة يمتع نفسه بحياة من يتسلى بمشاهدة العالم المسرع المندفع. وكان يختلط بجميع طبقات الناس، ويدرس جميع الأصناف التي تتكون منها رومة، ويفكر في حماقات العاصمة ورذائلها وهومسرور سرور الطبيب إذا كشف علة المريض. وقد وصف بعض تلك الأصناف في كتابين من خط هجوه (34، 30ق.م)، حذا فيهما أولاً حذولوسليوس Lucilius، ثم خفف فيما بعد من حدتهِ وأضحى أكثر مما كان متسامحاً. وكان يطلق على هذه القصائد اسم المواعظ Sermones-وإن لم تكن مواعظ في أية صورة، بل كانت أحاديث خالية من التكلف والصناعة؛ وكانت أحياناً محاورات ودية خاصة في أشعار سداسية الوزن تكاد لغتها حتى تكون هي اللغة العامية.

هوراس في حجرة دراسته Studium: طبعة ألمانية من القرن الخامس عشر، تلخص القصيدة الغنائية 4.15 النهائي (في مدح أغسطس).

وقد اعترف هونفسه بأنها نثر في جميع شيء عدا الوزن، "لأنك لا تستطيع حتى تطلق اسم الشاعر على رجل يخط كما أخط أنا أبياتاً أقرب ما تكون إلى الكلام المنثور". ونحن نلتقي في هذه الأشعار الاذعة بالأحياء من رجال رومة ونسائها، ونستمع إليهم يتحدثون كما يتحدث الرومان: فلسنا نجد فيها رعاة فرجيل وزرَّاعه وأبطاله، ولا فُساق أوفد الخرافيين وبطلاته، بل نشاهد العبد الوقح البذئ، والشاعر المزهوبنفسهِ، والمحاضر ذا الألفاظ الطنانة، والفيلسوف الشره، والثرثار الممل، والساميَّ الحريص على المال، ورجل الأعمال، والحاكم، ورجل الشارع العادي، أنشعر أنا نشهد آخر الأمر رومة الحقة. فها هوذا هوراس يضع في قصائده لمن يشاء حتى ينقب عن آثار الأقدمين القواعد التي يجب حتى يسير عليها من يريد النجاح في هذه الحلبة التي تصطرع فيها الغيلان من الناس، ويضعها في صورة مرحة ولكنها مهلكة قاتلة(29). وهويسخر من النهمين الذين يملئون بطونهم بشهي الطعام، ولكنهم لا يستطيعون المشي على أرجلهم لأنهم مصابون بالرثية(30)، ويذكر من "يمتدح الأيام الماضية" بأنه إذا اتىه إله ليعبده إلى تلك الأيام أبى وتمنع(31)، ويقول إذا أحسن ما في الماضي هوفهم الإنسان أنه لن يضطر إلى حتى يحيا مرة أخرى. وهويعجب كما يعجب لكريشيوس من ذوي الأرواح القلقة الذين إذا كانوا في المدن تاقوا إلى سكنى الريف، فإذا سكنوا الريف تاقوا إلى المدن، والذين لا يستطيعون حتى يستمتعوا بما عندهم، لأن من الناس من عنده أكثر منهم؛ والذين لا يقنعون بزوجاتهم ويهيمون بخيالهم المفرط في العظمة وفي الحقارة معاً بجمال غيرهن من النساء اللائي أصبحن في نظر غيرهم من الرجال ولا جمال لهن. ويختتم نصائحه بقولهِ إذا جنون المال هوسقم رومة القتال، ويسأل من يقضي أيامه في جمع المضى:

"لم تسخر من تنتالس لأن الماء يبتعد عن شفتيهِ الظامئتين على الدوام،يا ترى؟ ليس عليك إلا حتى تبدل الأسماء فتنطبق السيرة عليك أنت."

ثم يهجونفسه أيضاً؛ فهويصور عبده يقول له في وجههِ إنه، وهوالداعي إلى أحسن الخلق، رجل أحمق حاد الطبع لا يعهد قط ما يدور في عقلهِ أوما يهدف أليهِ، وأنه عبد شهواتهِ ككل إنسان آخر. وما من شك في أنه يوصي نفسه، كما يوصي غيره، بسلوك الطريقة الوسطى المضىية إذ يقول: "إن للأشياء حداً ومقياساً(34)" لا يقصر الرجل الذكي عنه ولا يتجاوزه. وهوفي بداية كتاب الهاتى الثاني يشكوإلى صديق له حتى المجموعة الأولى قد انتُقدت أشد النقد، فقيل فقيل إنها مفرطة في الخشونة وفي الضعف، ثم يستنصح الصديق فيقول له: "استرح" فيعترض عليهِ الشاعر بقولهِ: "ماذا،يا ترى؟ ألا أخط الشعر قط"،يا ترى؟ فيجيبه "نعم" فيقول "ولكني لن أستطيع النوم(35)".

وكان خيراً له حتى يعمل بهذهِ النصيحة إلى حين. وكان كتابه الثاني المسمى ردود الغناء Epodes (عام 29 ق.م.) أقل خطه شأناً. فأشعاره خشنة مؤذية للسمع خالية من الشهامة، بعيدة عن الذوق، بذيئة في الأمور الجنسية، جميع ما يستطيع الإنسان حتى يقوله في وصفها إنها تجربة في الأوزان الشعرية ذات المقاطع المتعاقبة منبورة، وهي المقاطع التي سار عليها أركلوكس Archilochus. ولعل اشمئزازه من "دخان رومة ومالها وضجيجها"(36) قد زاد حتى أمَرَّ نفسه؛ ولعله لم يطق صبراً على الضغط "السوقة الجهال ذوي التفكير الخبيث". وهويصور نفسه متدفقاً ومدفوعاً بين أراذل العاصمة، وينادي قائلاً: "أيها البيت الريفي! متى أراك،يا ترى؟ متى أستطيع وأنا بين خط الأقدمين تارة، وأستمتع بالنوم والفراغ تارة أخرى، حتى أجزع النسيان الحلولمتاعب الحياة،يا ترى؟ متى يقدم لي صحاف الفول إخوان فيثاغورس بأنفسهم، ومعها الخضر المخلوطة باللحم السمين،يا ترى؟ آه، أيتها الليالي والملائم القدسية!"(37) ثم قصرت فترات إقامته في رومة؛ وصار يقضي كثيراً من وقته في بيته السبيني الريفي حتى شكا أصدقاؤه ماسيناس نفسه بأنه "اقتطعهما من حياتهِ". ولكن الحقيقة أنه بعد حتى عانى حر المدينة وعثيرها عثر في الهواء النقي والعمل التيب الهادئ، والعمال السذج في ضيعتهِ، بهجة تطهره من أدران المدن. هذا إلى أنه كان وقتئذ ضعيف الجسم، وأنه كان يعيش على الأكثر، كما يعيش أغسطس، على الخضر وحدها. وفي ذلك يقول: إذا فيما أمتلكه من مجرى الماء النقي وأفدنة قليلة من الأشجار، ووثوقي من أني سأجني محصولاً من الحب، إذا في هذا لسعادة دونها سعادة سيد أفريقية الخصبة ونعيمها البراق"(39). وإن حب الريف ليجد في غيرهِ من شعراء عهد أغسطس من يعبر عنه تعبيراً حماسياً نادر الوجدود في أدب اليونان.

ما أسعد من يعيش بعيداً عن قلق الأعمال ومتاعبها.

كما كانت تعيش أقدم شعوب العالم.

يفلح بثيرانه الأرض التي ورثها عن أبيهِ.

وليس عليهِ دين...

ما أحلى النوم تحت شجرة السنديان القديمة.

والنهر يجري بين جسريهِ العاليين.

وطيور الأيك تغرد.

والماء يتدفق من العيون.

يدعوالإنسان للنوم الهنيئ!(40).


وجد سيرنا حتى نضيف إلى هذا حتى الذي ينطق بهذه الأبيات مراب من أهل المدن، ينطقه بها هوراس في سخرية يمتاز بها عن كثيرين منم الشعراء، وأن هذا المرابي بعد حتى ينطق بها لا يلبث أ، ينساها ويفقد نفسه بين أكوام نقوده.

وأكبر الظن حتى هذا المرابض الهادئة هي التي كان يكدح فيها "كدح السعداء المجدين" في تأليف هذه الأغاني التي يفهم حتى ذيوع اسمه أزوخمول ذكره موقوف عليها. لقد مل الأشعار السداسية الوزن ولم يعد يطربه انسجام أوزانها المقيسة المحددة، أوالتي تُبتر من آخر البيت لضرورة الشعر كأنها جُزَّت بمقصلة. وكان قد انصت في شبابهِ بالأوزان الدقيقة المرحة التي رآها في شعر صافوSappho والكيوس Alckeus، وأركلوكس Archilochus، وأنكريون Anacreon، فأراد الآن حتى ينقل هذه الأوزان "الصافوية" والألكية، والتفاعل المركبة من مبترين ومن أحد عشر مبتراً، إلى صورة الشعر الغنائي الروماني، وأن يعبر عن آرائه في الحب والخمر، والدين، والدولة، والحياة والموت في مقطوعات جديدة منعشة للنفس جامعة رصينة الهجريب، قابلة للتلحين، معقدة تعقيداً يحتاج حلها الجهد الكثير. ولم يكن يخط هذه الأشعار لذوي العقول الساذجة التي ترغب حتى تمر بها مراً سريعاً دون حتى تبذل في إدراكها أي مجهود؛ والحق أنه قد حذر أمثال هؤلاء من مستهل المجموعة الثالثة من الإقدام على قراءتها فنطق:

"إني أبغض السوقة الأنجاس وأتجنبهم. صه! فأنا، كأني ربات الشعر، أغني للعذارى والشباب أغاني لم يسمعها أحد من قبل".

ولوحتى العذارى قد عنين بشق طريقهن وسط أقوال هوراس ورغباتهِ المقلوبة لارتعن وسررن مما في أغانيهِ من أبيقورية مهذبة مصقولة. فالشاعر يصور مسرات الصداقة، والطعام والشراب، والمغازلة، وإن المرء ليصعب عليهِ حتى يستدل من هذه الترانيم على حتى محررها رجل زاهد لا يأكل إلا قليلاً ولا يشرب إلا أقل. ثم يسأل الشاعر نفسه (قبل حتى يسألها قارئ هذه الصفحات): "لم نشغل أنفسنا بالسياسة الرومانية وبالحروب في الأنطقيم النائية،يا ترى؟ ولم نعني هذه العناية كلها بتدبير أمور المستقبل الذي يسخر من تدبيرنا . إذا الشباب والجمال يمساننا مساً ويمران بنا مراً سريعاً فلنستمتع بهما الآن،" مضطجعين إلى شجرة الصنوبر، وغدائرنا الشمطاء متوجة بالأزهار ومعطرة بالناردين السوري(42)".

وبينما نحن نتحدث هذا الحديث يمر الوقت الحسود وينقضي، فلنغتنم الفرص "ولنختطف الأيام Carpe Diem(43)". ويتلوالشاعر أسماء طائفة من النساء الخليعات اللاتي يقول إنه أحبهن: لالاج، جلسيرا، تئيرا، إيانشا، رستارا، كنديا، ليسي، بيرها، ليديا، تندراس، كلو، فيلس، مرتال. ولا حاجة بنا حتى نصدق جميع ما يدعيهِ من ذنوب يقول إنه ارتكبها، فقد كانت هذه الأقوال وقتئذ نادىوى أدبية يكاد يفرضها شعراء تلك الأيام على أنفسهم فرضاً؛ وشاعد ذلك أنا نجد أولئك السيدات أنفسهن في خدمة أقلام غير قلمه قبل ذلك الوقت. ولم يكن أغسطس الذي تاب وقتئذ وأناب لينخدع بهذه الضلالات الشعرية، فقد كان يسره حتى يجد بينها تعظيماً لحكمهِ وثناء عليهِ، وعلى فوزاتهِ، وأعوانه، وإصلاحاته الأخلاقية، وعلى السلم التي بسط لواءها في أيامهِ. وقد ألف هوراس أغنيته المشهورة في الشراب Nunc ets Bibendum حين اتىته الأنباء بأن كليوبطرة قضت نحبها، وأن أغسطس استولى على مصر، فقد كان لهذا النبأ سقط عظيم حتى في نفس هذا الشاعر السوفسطائي الذي سر من فوز الإمبراطورية واتساع رقعتها إلى حد لم تبلغه قط من قبل. وهويحذر قراءه من الاعتقاد بأن القوانين الجديدة يمكن حتى تحل محل الأخلاق القديمة، ويأسف لانتشار الترف والزنى، والخلاعة، والعقائد المنحطة الفاسدة، ويقول مشيراً إلى الحرب الأخيرة: "وا أسفا على ما أصابنا من جروح وما ارتكبنا من جرائم، وعلى من مضوا من إخوتنا صرعى في الميدان! وهل ثمة شيء قد اشمأزت منه نفوسنا نحن أبناء هذا الجيل،يا ترى؟ وأي ظلم لم نرتكبه؟"(45) ويقول إذا رومة لن تنجوإلا بالرجوع إلى الأساليب البسيطة وإلى الثبات الذي كان شعار الأيام الخالية. إلى غير ذلك نرى الشاعر المتشكك الذي كان من الصعب عليهِ حتى يؤمن بأي شيء يحني رأسه الأشيب أمام النصب القديمة، ويقر حتى الناس يهلكون إذا لم تكن لهم أساطير يؤمنون بها، ويسخر قلمه لخدمة الآلهة السقمى الضعاف.

وبعد فليس في أدب العالم ما يشبه هذه القصائد تمام الشبه-فهي رقيقة وقوية؛ وفيها تأنق ورجولة، وحذق وتعقيد، تخفي ما فيها من فن للفن البالغ درجة الكمال، وتخفي ما استلزمته من جهد بما يظهر عليها من يسر وسلاسة. فهي موسيقى من طراز غير طراز فرجيل، ذلك حتى موسيقاها أقل من موسيقى فرجيل عذوبة في النغم وأكثر منها تعقلاً، وهي لم تخط للشبان والعذارى بل خطت للفنانين والفلاسفة. وليس في القصائد كلها شيء من الانفعال أوالتحمس، أو"اللفظ المنمق"؛ بل الألفاظ كلها سهلة حتى في الجمل المقلوبة التي يجب حتىقد يكون أولها آخرها. ولكن في الأغاني الكبرى كبرياءً وجلالاً في التفكير، حتى ليخيل إليك وأنت تنصت إليها حتى إمبراطوراً هوالذي يتحدث وأنه لايتحدث بألفاظ من حروف بل من برونز:

لقد أقمت نصباً أبقى على الزمان من البرونز،

وأعلى من قمم الأهرام الملكية؛

لا تستطيع العواصف الهوج حتى تحطمه.

ولا ريح الشمال الضعيفة، ولا كر السنين

التي لاعداد لها، ولا مر الزمان السريع.

إني لن أموت الميتة الكبرى.


وأغفلت الجماهير التي هجاها هوراس أغانيه، وشهر بها النقاد ووصفوها بأنها مملة متكلفة، وندد المتزمتون بما فيها من أغاني الحب؛ أما أغسطس فوصف القصائد بأنها قصائد خالدة، وطلب إلى الشاعر حتى يتبعها بمجموعة رابعة تصف أعمال دروسس وتيبيريوس في ألمانيا؛ واختار هوراس لكتابة الأناشيد "القرنية" يصف فيها المباريات القرنية. وأجاب الشاعر إلى ما طلب ولكنه لم يجد من نفسه الإلهام الذي يمكنه من تطبيق هذه الرغبة؛ ذلك بأن الأغاني قد استنفذت جميع جهوده، ولهذا عاد في كتابه الأخير إلى الشعر السداسي الأوتاد الذي خط به خطه في الهاتى، والذي هوأليق الأوزان بالحديث، فخط بهِ رسائله، وهي أشبه بحديث ينطق به صاحبه من مقعد مريح. وكان هوراس يريد على الدوام حتىقد يكون فيلسوفاً، وقد غلبت عليهِ هذه النزعة في تلك الرسائل، فاسترسل في الحكم حتى في أثناء ثرثرتهِ. وإذ كان الفيلسوف شاعراً ميتاً وفقيهاً محتضراً، فقد كان هوراس وهوشيخ في الرابعة والخمسين من عمرهِ قد نضجت سنه للبحث في طبيعة الله، والإنسان، والأخلاق، والأدب، والفن.

هوراس يقرأ على مايسينا، بريشة فيودور برونيكوڤ

"في قاع جميع المشاكل التي يقلـِّبها الزمان، نجدها ذات طبيعة اجتماعية، والتي لم يكن المفكرون الهلينيون مؤهلون للتعامل معها. فبعضهم أخفى قمع الأغنياء للفقراء، ولم يحاولوا حتى يقدموا قدوة عملية، على الرغم من حتى أولئك المفكرين قد يحدثوا يطمحون لرؤية حكام عادلين يضعون حداً للظلم. فالفلسفة جنحت إلى الانهماك بذاتها، ساعية للرضا الخاص، ولأن تتحقق عبر التحكم في الذات وجمح كباح النفس، دونما اعتبار لمصير المجتمع الذي ينهار."—V.G. Kiernan

وكُتبت أشهر رسالة من هذه الرسائل كلها-وهي المعروفة لدى النقاد باسم "فن الشعر" إلى آد پيزونس Ad Pisones-وهم أفراد غير معروفين فهم أكيدة من عشيرة بيزوPiso. ولم تكن هذه رسالة بالمعنى الحقيقي للرسائل، بل كانت نصيحة قصيرة من صديق إلى صديق يبين له فيها طريقة الكتابة، ويقول له فيها:

عليك حتى تتخذ موضوعاً يتفق مع مواهبك، واحذر حتى ينطبق عليك المثل القائل تمخض الجبل فولد فأرة؛ والمحرر المثالي هوالذي يفهم ويسلى في وقت واحد، "ومن يمزج النافع بالسار يكسب جميع الأصوات(48)". وتجنب الألفاظ الجديدة، والعتيقة المهملة، والمسرفة في الطول. وأوجز بالقدر الذي يجيزه وضوح معانيك، وامضِ مسرعاً إلى لباب الموضوع. وإذا خطت الشعر فلا تظن حتى العاطفة هي جميع شيء، نعم إنك إذا شئت حتى يحس قارئك بعاطفة ما فلا بدَّ لك حتى تحس بها(49)، ولكن الفن غير الشعور، إنه الصورة التي يعبر بها عنه (وهنا أيضاً يتحدى الأسلوبُ الإتباعي الإسلوبَ الإبداعي )، ولكي تصل إلى حسن الصيغة، عليك حتى تواصل دراسة آداب اليونان ليلاً ونهاراً؛ وليكن ما تمحوه من كتابتك قد ما تثبته أوقريباً منه.

"واعرض ما تخطه على ناقد قدير وحاذر من أصدقائك، فإذا إجتازت كتاباتك هذه المراحل كلها، فأخفها ثماني سنين؛ فإذا لم تجد بعدئذ إنك قد أفدت من نسيانها فانشرها، ولكن اذكر على الدوام أنها لن تعيدك وحدك إلى زمانها. وإذا خطت مسرحيات فلتجعل الأعمال لا الأقوال هي التي تقص السيرة، وتصور الأشخاص. ولا تمثل الرعب على المسرح، وإلزام وحدة الأعمال والزمان والمكان، واجعل السيرة سيرة واحدة، تقع حوادثها في زمن قصير وفي مكان واحد. وادرس الحياة والفلسفة، لأن الأسلوب مهما بلغ لا قيمة له من غير الملاحظة والفهم. كن جريئاً في الفهم".

وعمل هوراس نفسه بكل هذه القواعد إلا قاعدة واحدة-فهولم يتفهم البكاء؛ ذلك أنه لم يكن قوي الشعور، أوحتى شعوره قد اختنق فصمت، ولذلك لم يسم قط إلى ذلك الفن الأعلى الذي يجسم الإخلاص في العطف أو"العواطف التي يذكرها أصحابها بهدوء". يضاف إلى هذا أنه كان مسرفاً في تمجيد المدن. ولقد كان قوله: "Nil admirari لا تعجب بشيء قط(50)" نصيحة غير قويمة، لأن الشاعر الحق يجب حتى يعجب بكل شيء حتى لوكان كشروق الشمس أومنظر الشجر يحييه جميع يوم. وكان هوراس يلاحظ الحياة ويراقبها، ولكنه لم يتعمق في هذه المراقبة، وقد تفهم الفلسفة واحتفظ على الدوام "باعتدال عقلهِ" ولذلك لم يسم شيء من أغانيهِ فوق المرتبة الوسطى(52). وكان يعظم الفضيلة تعظيم الرواقيين، ويحترم اللذة احترام الأبيقوريين، فيسأل نفسه "أي الناس هوالحر إذن؟" ثم يجيب كما يجيب زينون: "هوالرجل الحكيم، سيد نفسه، الذي لا يرهب الفقر ولا الموت ولا الأغلال، والذي يتحدى شهواته ويزدري بالمطامع والذ هوكلٌ في نفسهِ(53)". ومن أنبل قصائده قصيدة تُضرب على نغمة رواقية وتقول:

"إذا كان الرجل عادلاً حازماً فقد تتصدع الدنيا كلها من حوله وتتساقط فوق رأسهِ، وتجده تحت حطامها غير هياب ولا وجل."

ولكن هوراس رغم هذا كله يلقب نفسه بأمانة جذابة: "خنزيراً من حظيرة أپيقور".

وهوكأبيقور يقدر الصداقة فوق الحب، وكڤرجيل يمتدح إصلاحات أغسطس، ويعيش في حياته كلها عزباً". وقد بذل جميع ما في وسعهِ داعياُ إلى الدين ولكنه كان لا دين لهُ، وكان يشعر حتى الموت يقضي على جميع شيء(56).

هوراس، بريشة جاكومودي كيريكو

وقد أظلمت أفكاره أيامه الأخيرة-وأوتي حظه من الأسقام، فكان ممعوداً مصاباً بالنقرس وبغيره من الأمراض. ومن أقواله في رثاء حاله: "إن السنين وهي تمر تسلبنا جميع مسراتنا واحدة بعد واحدة". ويقول لصديق آخر:

"واحسرتاه يا بستيوس إذا السنين تمر بنا سراعاً؛ لن تستطيع تقوانا حتى تمنع عنا غضون أجسامنا، أوتقدم أعمارنا، أوالموت الذي لا يُقهر".

وقد ذكر في قصيدتهِ الهجائية الأولى كيف من الممكن أن كان يأمل إذا حانت منيته حتى يفارق الحياة الدنيا راضياً "كالضيف الذي نال من الوليمة كفايته". وها هوذا الآن يقول لنفسهِ:

"لقد لعبت ما شئت حتى تلعب، وأكلت ما شئت حتى تأكل، وشربت ما شئت حتى تشرب، وقد آن حتى ترحل".

وقد انقضت خمس عشر سنة مذ نطق لما سيناس إنه لن يطول أجله كثيراً بعد رجل المال(61). وقد توفي ماسيناس في عام 18 ق.م. وتبعه هوراس بعد بضعة أشهر، وأوصى بأملاكه إلى الإمبراطور ودفن بجوار قبر ماسيناس.

أعماله

Ode XIV - قصيدة جدارية في لايدن

تأريخ أعمال هوراس غير معروف على وجه التحديد، وكثيرا ما يتجادل الباحثون حول الترتيب الدقيق لنشر أعماله. وهناك نقاشات جيدة حول الترتيب الزمني:

  • هاتى 1 (ح. 35–34 ق.م.)
  • هاتى 2 (ح. 30 ق.م.)
  • Epodes (30 ق.م.)
  • قصائد غنائية 1–3 (ح. 23 ق.م.)
  • الرسائل 1 (ح. 21 ق.م.)
  • Carmen Saeculare (17 ق.م.)
  • الرسائل 2 (ح. 11 ق.م.)
  • قصائد غنائية 4 (ح. 11 ق.م.)
  • Ars Poetica (c. 10–8 BC)


انظر أيضاً

  • Horatia (gens)
  • Otium
  • Translation
  • Prosody (Latin)

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

ملاحظات

  1. ^ According to a recent theory, the three books of Odes were issued separately, possibly in 26, 24 and 23 BC (see G. Hutchinson (2002), Classical Quarterly 52: 517–37)
  2. ^ 19 ق.م. is the usual estimate but ح. 11 ق.م. has good support too (see R. Nisbet, Horace: life and chronology, 18–20
  3. ^ The date however is subject to much controversy with 22–18 BC another option (see for example R. Syme, The Augustan Aristocracy, 379–81

الهامش

  1. ^ فيثاغورس نهى أتباعه عن أكل الفول
  2. ^ V. Kiernan, Horace: Poetics and Politics, 18–19
  3. ^ R Nisbet, Horace: life and chronology, 17–21

وصلات خارجية

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بهوراس، في فهم الاقتباس.
Latin Wikisource has original text related to this article:
Latin texts of Quintus Horatius Flaccus
English Wikisource has original text related to this article:
English translations of texts of Quintus Horatius Flaccus
  • أعمال من Horace في مشروع گوتنبرگ
  • Espace Horace
  • The works of Horace at The Latin Library
  • Selected Poems of Horace
  • -- Latin and Greek authors (with English translations), including Horace
  • Biography and chronology
  • Litweb
  • Horace's works: text, concordances and frequency list
  • SORGLL: Horace, Odes I.22, read by Robert Sonkowsky
تاريخ النشر: 2020-06-04 14:00:12
التصنيفات: صفحات تستخدم جدول كاتب بمتغيرات غير معروفة, Pages with citations using unsupported parameters, مواليد 65 ق.م., وفيات 8 ق.م., رومان القرن 1 ق.م., كتاب القرن 1 ق.م., جنود رومان قدماء, كتاب لاتينية العصر الذهبي, كتاب اللغة اللاتينية, أشخاص من ڤنوزا, شعراء العصر الروماني, هجاؤو العصر الروماني, شعراء القرن الأول ق.م., Iambic poets

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

طوكيو ..9482 إصابة جديدة بكورونا

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:46
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 60%

المليارديرة اللبنانية ليلي صفرا تصل آخر محطاتها في جنيف

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:51
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

طرق سهلة وآمنة لتحويل واستقبال المال خلال العطلات

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:57
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

بوادر تطبيع وشيك بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:23:28
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 78%

الحجاج يرمون الجمرات الثلاث في أول أيام التشريق

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:49
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 60%

انطلاق الانتخابات البرلمانية في اليابان

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:25:05
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

فرنسا ستطرد "أي أجنبي أدين بارتكاب أعمال خطيرة"

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:23:35
مستوى الصحة: 75% الأهمية: 80%

مسؤول باكستاني ينجو من محاولة اغتيال

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:56
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 68%

للمرة الثانية تواليا.. محافظة مصرية تسجل حالة وفاة أخرى بسبب لسعة نحلة

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:23:30
مستوى الصحة: 74% الأهمية: 70%

إسلام سيدة إسبانية وسط تكبيرات المصلين بعد صلاة عيد الأضحى

المصدر: أخبارنا المغربية - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:23:32
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 81%

الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على نجران

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:54
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

قبل استئجار سيارة.. اقرأ البنود ولا توقع على "سند أمر"

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-07-10 12:24:58
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 70%

تحميل تطبيق المنصة العربية