سحبان وائل
سحبان بن زفر بن ألياس الوائلي (ت. 54 هـ/ 674 م)، خطيب مخضرم من وائل باهلة. أسلم في زمن النبي ولم يجتمع به. عاش مدة عند معاوية بن ابي سفيان بدمشق . وقيل انه عمر مائة وثمانين سنة. وكان اذا خطب يتؤكا على عصا ويسيل عرقاً، ولا يعيد حدثة ولايتوقف ولا يتنحنح ولا يبتدى في معنى دون ان يتمه فضرب به المثل، وقيل (أبلغ من سحبان وائل)واعتمد في خطبه على العبارات القصيرة المزدوجة، التي تضم حكما مقررة صالحة للشيوع، اوأفكارا متنطقبة.
سحبان بن زفر بن أياس بن وائل، من باهلة. وجدُّه الأكبر وائل هوابن معن بن أعصر بن قيس عيلان. خطيب وفصيح وبليغ من بلغاء العرب.وهوغير سحبان الباهلي الشاعر الإسلامي.
عاش سحبان ما بين الجاهلية والإسلام. وذكر البغدادي في الخزانة أنه استوعب الجاهلية وأسلم . ويبدوأنه ارتحل في حياته إلى غير مكان، فقد جاء إلى معاوية بن أبي سفيان، وهوفي الشام، في وفد اتىه من خراسان، فيهم سعيد بن عثمان بن عفان، فطلب معاوية سحبان، فأتي به فنطق: تكلَّم، فنطق انظروا لي عصا تقوِّم من أَوَدِي، فنطقوا: وما تصنع بها وأنت في حضرة أمير المؤمنين ،يا ترى؟ نطق: ما كان يصنع بها موسى، وهويخاطب ربه، وعصاه في يده، فضحك معاوية، ونطق: هاتوا عصاه، فأخذها، ثم قام فتحدث من صلاة الظهر إلى حتى قامت صلاة العصر، ما تنحنح وما سعل ولا توقف، ولا ابتدأ في معنى، فخرج منه، وقد بقي عليه شيء، فما زالت تلك حالته حتى أشار معاوية بيده، فأشار إليه سحبان حتى لا تبتر علي كلامي، فنطق معاوية: الصلاة، فنطق: هي أمامك، ونحن في صلاة وتحميد ووعد ووعيد، فنطق معاوية: أنت أخطب العرب، فنطق سحبان: والعجم والإنس والجن. وهذا خبر ينم على ثقة هذا الخطيب بنفسه واعتداده بفصاحته وبيانه.
وروى الجاحظ لسحبان قوله: «شرُّ خليطيك السَّؤوم المُحزَّم، لأن السؤوم لا يصبر، وانما التفاضُل بالصبر. والمحزَّم قاسي لا يعهد ما يراد منه، وليس الحزم إلا بالتجارب وبأنقد يكون عقل الغريزة سُلَّما إلى عقل التجربة».
كما ذكر الجاحظ حتى العرب تذكر من خطبها «الخطبة العجوز» وهي لآل رقبة، و«الخطبة العذراء» وهي لقيس ابن خارجة، و«الخطبة الشوهاء» وهي خطبة سحبان وائل. وقيل لها ذلك من حسنها. وذلك أنه خطب بها عند معاوية، فلم ينشد شاعر ولم يخطب خطيب.
والمعروف أنه ينطق للخطبة التي لا يصلى فيها على النبيr شوهاء. والشوهاء، لغة، القبيحة، والمليحة، فاللفظة من الأضداد. ويبدوحتى المراد من صفة خطبة سحبان السابقة (الشوهاء)، الحسن لا القباحة. وفي هذه الخطبة يقول سحبان: « إن الدنيا دار بلاغ والآخرة دار قرار. أيها الناس، فخذوا من دار مَمرِّكم لدار مقرِّكم، ولا تهتكوا أستارَكُم عند من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل حتى تخرج منها أبدانكم، ففيها حييتم، ولغيرها خلقتم. إذا الرجل إذا هلك، نطق الناس ما هجر،يا ترى؟ ونطقت الملائكة: ما قدم،يا ترى؟ قدموا بعضاقد يكون لكم، ولا تخلفوا كلاقد يكون عليكم «. وواضح من معاني هذه الخطبة أنها تنتسب إلى عالم الزهد والتقوى والقيم، وربما لهذا السبب اختلطت نسبتها ما بين سحبان وغيره، فقد أشار أحمد زكي صفوت في كتابه «جمهرة خطب العرب» إلى حتى هذه الخطبة غير خالصة النسبة إلى سحبان، فهي تعزى إلى الإمام علي بن أبي طالب، وإلى أعرابي خطبها في البادية.
ومن تنطقيد الخطبة عند سحبان، أنه كان لا يخطب إلا ومعه عصاً، فقد أراد معاوية سحبان على الكلام، وكان قد اقتضبه اقتضاباً، فلم ينطق حتى أتوه بمخصرة (عصا)، فلم تعجبه حتى أتوه بمخصرة من بيته.
ويبدوحتى سحبان وائل كان خطيبا معروفا عند الخاصة لا العامة، ولهذا نطق الجاحظ في «البيان والتبيين»:
| «إن العامة تعد ابن القرِّيَّة أشهر في الخطابة من سحبان وائل، وترى عبيد الله بن الحر أذكر عندهم في الفروسية من زهير بن ذؤيب». |
بيد حتى خط الأمثال حفلت بالمثل القائل: «أبلغ من سحبان وائل»، وعلق الجاحظ على بيت حميد الأرقط:
- أتانا ولم يعدله سحبان وائل...بياناً وفهماً بالذي هوقائل
بقوله: «سحبان مثل في البيان». أما أبونعيم فقد نطق في كتابه «طبقات الخطباء» عن سحبان: كان خطيب العرب غير مدافع، وكان إذا خطب لم يُعِدْ حرفاً، ولم يتوقَّف، ولم يفكر، بل كان يسيل سيلاً. وما تقدَّم يكشف عن مكانة هذا الخطيب العالية.
