سواد بن قارب الدوسي
الصحابي الجليل سواد بن قارب الدوسي الزهراني
كان سواد بن قارب من أفهم أهل وقته , وأشهرهم في الكهانة والشعر , ومن أطولهم باعاً في جميع المكارم , وكان له مقام في رفيع في قومه دوس وعند العرب , وقد اشتهر في الإصابة في التعبير , ويروي أنة خرج خمسة نفر من قبيلة طي يريدون سواد بن قارب ليختبروا فهمه , فلما قربوا من دياره في السراة , نطقوا ليخبأ جميع واحد منا خبيئا , ولا يخبر به أصحابه , لنسأل سواد عنه , فإن أصاب عهدنا فهمه , وأن اخطأ ارتحلنا عنه . فخبأ جميع واحد منهم شيئا , ثم مضىوا إلى سواد وأهدوا إليه إبلا وطرفا من طرف الحيرة , فاستقبلهم أحسن استقبال ونحر لهم النياق , فلما انتهت أيام الضيافة , سألوه عما خبئوه , فأبلغهم بالأمور المخبأة , فصدقوه ثم ارتحلوا عنه بعد حتى ظهر لهم حتى ما قيل لهم عنه لا يساوي شيئا مع سعة فهمه وتبصره بالأمور , فنطق شاعرهم :
|
||
ألا لله فهم لا يجارى | على الغايات في جنبى سواد | |
أتبناه نسائله امتحاناً | ونحسب حتى سيعمد بالعناد | |
فأبدى عن خفى مخبآت | فأضحى سرها للناس بادى | |
حسام لا يليق ولا يثأثى | عن القصد الميم والسداد | |
كأن خبيئنا لما انتجينا | بعينيه يصرح أوينادى |
ولما بعث رسول الله قدم سواد أليه فأسلم وحسن إسلامه .
عندما توفي رسول الله - - خشى سواد بن قارب الدوسي حتى يرتد رجال دوس عن الإسلام فخطب فيهم خطبة بليغة فنطق:
يا معشر الأزد إذا من سعادة القوم حتى يتعظوا بغيرهم , ومن شقائهم ألا يتعظوا إلا بأنفسهم , ومن لم تنفعه التجارب ضرته , ومن لم يسعه الحق لم يسعه الباطل وإنما تسلمون اليوم بما أسلمتم به أمس وقد فهمتم حتى النبي - - قد تناول قوما أبعد منكم فظفر بهم وأوعد قوما أكثر منكم فأخافهم ولم يمنعه منكم عدة ولا عدد وكل بلاء منسي إلا بقي أثره في الناس ولا ينبغي لأهل البلاء إلا حتىقد يكونوا أذكر من أهل العافية للعافية وإنما كف نبي الله عنكم ما كفكم عنه فلم تزالوا خارجين مما فيه أهل البلاء داخلين مما فيه أهل العافية حتى قدم على رسول الله - - خطيبكم ونقيبكم فعبر الخطيب عن الشاهد ونقب النقيب عن الغائب ولست أدري لعله تكون للناس جولة فإن تكن فالسلامة منها : الأناة والله يحبها ، فأحبوها . فأجابه القوم , والتزموا بقوله ,
فنطق في ذلك سواد بن قارب الدوسي:
|
||
جلت مصيبتك الغداة سواد | وأرى المصيبة بعدها تزداد | |
أبقى لنا فقد النبي محمد | صلى الإله عليه ما يعتاد | |
حزنا لعمرك في الفؤاد مخامرا | أوهل لمن فقد النبي فؤاد؟ | |
كنا نحل به جنابا ممرعا | جف الجناب فأجدب الرواد | |
فبكت عليه أرضنا وسماؤنا | وتصدعت وجدا به الأكباد | |
قل المتاع به وكان عيانه | حلما تضمن سكرتيه رقاد | |
كان العيان هوالطريف وحزنه | باق لعمرك في النفوس تلاد | |
إن النبي وفاته كحياته | الحق حق والجهاد جهاد | |
لوقيل تفدون النبي محمدا | بذلت له الأموال والأولاد | |
وتسارعت فيه النفوس ببذلها | هذا له الأغياب والأشهاد | |
هذا ، وهذا لا يرد نبينا | لوكان يفديه فداه سواد | |
أنى أحاذر والحوادث جمة | أمرا لعاصف ريحه إرعاد | |
إن حل منه ما يخاف فأنتم | للأرض إذا رجفت بنا أوتاد | |
لوزاد قوم فوق منية صاحب | زدتم وليس لمنية مزداد |
المراجع
- بلوغ الإرب في فهم أحوال العرب جـ3 ص299
- ابن هشام سيرة الرسول جـ1 ص227-228
- الروض الأنف جـ1 ص140
- مختصر سيرة الرسول ص62
- تفسير ابن كثير جـ4 ص169