قيساريات الشام
تطلق تسمية قيسارية على سوق كَبِير فِي المدن القديمة وتباع فِيهِ بضائع مختلفة من الأطعومات والملبوسات، ثم تحول البناء ليصبح مكاناً للتجارة وكمستودع للبضائع.
وقيسارية لفظة يونانية الأصل تطلق على البناء الملكي أوالحكومي المبالغ في جمال عمارته وزخرفته.
ويماثل بناء القيسارية ومهماته الأبنية التي ظهرت في العصر العثماني باسم (الخان)،وتسمية قيسارية ظلت شائعة على ألسنة الناس إلى الوقت الحاضر،ووصل الأمر إلى إطلاق الاسمين على مكان بعينه ، وقد تكون هذه القيساريات موجودة منذ العصور الرومانية ورممت في عهد أحد الولاة العثمانيين فتحول اسمها إلى خان وسميت باسم الوالي.
ولعل أوضح مرشد على ذلك قيسارية درويش باشا الواقعة على الطرف الجنوبي من سوق الحميدية، ويطلق عليها الآن اسم خان الحرير أوسوق الحرير،ويمكن الدخول إلى هذا الموضع مباشرة من الطرف الشرقي لساحة الحريقة ويستدل عليه من لافته أمام جامع نور الدين الشهيد.
وحدثة خان فارسية الأصل أدخلها العثمانيون في لغتهم ثم دخلت في اللغة العربية ،وكان مخصصا لنزول المسافرين والتجار ،ومنها ما اتخذته البعثات القنصلية مقرا لها قبل إشادة السفارات ،وكان القسم الأرضي من الخان سويقة تمتد المحلال التجارية على جانبيه ،ولا سيما تلك المخصصة لتجارة الجملة.
أما لفظة قيسارية فهي حدثة أخذت من اليونانية وكانت تطلق على القصور والأبنية الفخمة والسوق الكبير ،ومما يروى في هذا الصدد حتى اسم (قيصرية) نسبة إلى القيصر الروماني (أوغسطس) الذي سمي باسمه أحد الشهور الغربية ويقابله في تقويم بلاد الشام شهر (آب).
وتحضرني مفارقة طريفة هنا حتى قيسارية اقتبست من اسم الإمبراطور ،وكذلك يطلق اسم الخان على الحاكم الكبير،ومن أشهرهم (جنكيز خان) و(هولاكوخان).
ونلاحظ هنا الشبه بين الخان والقيسارية ابتداء من مصدر الاسم وانتهاء ومرورا بالهندسة المعمارية وانتهاء بالغاية التي خصصت لها هذه العمارة أوتلك.
وإذا قمنا بجولة في الأسواق العربية فسنلاحظ حتى التسميتين موجودتان فيها إلى يومنا هذا ،ففي دمشق عدد من الأماكن بنيت في العهد العثماني تدعى الخانات أشهرها خان أسعد باشا وخان الجمرك، وفي حلب خان الحرير الذي ظهر في مسلسل تلفزيوني بجزأين، وفي القاهرة خان الخليلي.
وتوجد في الوطن العربي عدة أسواق تسمى قيسارية، وتكثر تسمية قيسارية في أسواق المغرب منها قيسارية الأزهر في طنجة، والحفاري والشاوية والمنجرة والسعادة والحي المحمدي ومرحبا في الدار البيضاء، واللوبان والنور وعزيز والبركة وفي مدينة تيزنيت.
وفي مصر توجد قيسارية سوهاج وهوأقدم سوق تجاري ومحال المضى ـ وحسب تعبير الأخوة في مصر ـ تعد أكبر سوق لقطاعي (المفرق) والجملة في سوهاج بلا منازع ، وورد في الأخبار مؤخرا اسم قيسارية أسيوط في سياق خبر يتحدث عن ترميم الوكالات الأثرية الموجودة بها وإعادة الأصول الزخرفية بها إلى طبيعتها وذلك لتعظيم الاستفادة منها وإقامة معارض شبابية.
وتبقى أشهر القيسريات العربية القديمة مدينة قيسارية الفلسطينية، وهي مدينة تاريخية وعريقة تبعد عن حيفا (42 كم) ، وهي من أقدم المناطق التي سكنها البشر، بناها الكنعانيون على شاطئ المتوسط وسموها (برج ستراتون)، وهذا الاسم تحريف للاسم الكنعاني (الفينيقي) عبد عشتروت.
وقد اتخذها هيرودوس عاصمة له بعد حتى أصبح ملكاً على فلسطين، وأسس دولة حكمت فلسطين من عام 37 ق. م إلى عام 100 بعد الميلاد، وأسس الحركة الفهمية في المدينة العلامة نيقولاوس الدمشقي.
الهامش
- ^ محمد قاسم الخليل (2012-05-30). "القيساريات السورية". أريج البحر.