عبد الحق بن سبعين (614 هـ - تسعة شوال 669 هـ / 1217 - 1269) فيلسوف متصوف أندلسي. اشتهر برسالته المسائل الصقلية، والتي كانت تعبير عن اجوبة لأسئلة ارسلها الإمبراطور فريدريك الثاني إلى الدولة الموحدية.. انتشر صيته في أوروبا في عصره، فذكره البابا وتحدث عنه حيث نطق: "إنه ليس للمسلمين اليوم أفهم بالله منه. تعتبر فلسفته أحد المنعطفات الفكرية والإضافات التي عمَّقت طريق البحث الفلسفي ضمن إطار الدين.

نشأته

عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر، ويكني بأبي محمد، ويلقب في المشرق بقطب الدين ومسقط رأسه رقوطة (اليوم Ricote) بمرسية في الأندلس وقد لقب بشيخ السبعينية نسبة إلى الطريقة الصوفية التي يسمى أتباعها بالسبعينية، واشتهر بابن سبعين لأنه كان يطلق على نفسه ابن دارة – والدارة في الحساب = حرف العين = 70.

ابن سبعين ينتمي إلى أسرة نبيلة وافرة الغنى كان لها شان بالأندلس، قضى مطلع شبابه بها، حيث تفهم العربية والأدب ونظر في العلوم العقلية وأخذ التصوف عن أبي إسحق إبراهيم بن يوسف بن محمد بن الدهاق.

مسيرته

ألف كتاب بد العارف وهوابن خمس عشرة سنة، وهوكتاب يحتوي على الكثير من الصنائع الفهمية والعملية والأمور السنية، واعتبر ذكائه خارقا للعادة. وفي الطور الثاني من حياته بدأ بارتحاله من مرسية نحو640 هـ إلى بعض بلاد الأندلس ثم شمالي أفريقيا. قضى الفترة الزمنية من حياته الروحية في المغرب الأقصى، وفيه أيضاً ألّف معظم رسائله، وجرت له المناظرات العنيفة مع فقهاء المغرب.

الانتنطق إلى المغرب

انتقل ابن سبعين إلى المغرب وهودون العشرين، فأقام أولاً في سبتة هووجمع من أصحابه وأتباعه الذين كانوا قد بدؤوا يلتفون حوله وهولا يزال في الأندلس. وشاعت شهرته بالزهد والفهم، وكذلك شهرته بالفلسفة التي استطارت في الآفاق، بدليل ما ورد في مستهل كتاب "المسائل الصقلية"، وهي المسائل التي كان الإمبراطور فردريك الثاني ملك النورمانديين في مملكة صقلية قد وجهها إلى فهماء المسلمين للاستفادة وحب الاستطلاع لما كانت عليه شهرة المسلمين حينئذ بالفلسفة والفهم. وهذه المسائل الصقلية التي سأل عنها فردريك الثاني فهماء المسلمين هي: المسألة الأولى عن العالم: هل هوقديم أومحدث، والثانية من الفهم الإلهي: ما المقصود منه، وما مقدماته الضرورية إذا كانت له مقدمات، والثالثة عن المقولات أي شيء هي، وكيف يتصرف بها في أجناس العلوم حتى يتم عددها، وعددها عشر، فهل يمكن حتى تكون أقل، وهل يمكن حتى تكون أكثر، وما البرهان على ذلك، والمسألة الرابعة عن النفس: ما الدليل على بقائها وما طبيعتها، ويتفرع عن هذه المسألة الأخيرة سؤال عن أين خالف الإسكندر الأفروديسي أرسطوطاليس. كلفه بالإجابة عنها السلطان عبد الواحد الرشيد.

الطرد من سبتة

ويظهر حتى المكانة التي نالها ابن سبعين بجوابه كانت عالية وقد أوغرت صدور الفقهاء عليه فراحوا يتهمونه بالكفر، مما اضطر حاكم سبتة، ابن خلاص، إلى طرده منها، فسكن في بجاية مدة إلى أنه في النهاية ونتيجة لكيد من حوله له تمّ نفيه من المغرب، وكان خروجه منها سنة 642 هـ وهوفي الثلاثين من عمره. ومن هذا أنه أقام بالمغرب حوالي خمس وعشرين سنة.

اختلف المؤرخون في سبب خروجه من الأندلس فأولئك الذين هم خصومه يقولون انه نفي من المغرب بسبب حدثة كفر صدرت عنه وهي قوله " لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله لا نبي من بعدي " ويرون فيها انه كان ينكر النبوة ،ويعد أنها شيء كسبي. وهناك من يرى في هذا الكلام كثيرا من التجني على ابن سبعين الذي كان يعظم النبوة ،ويؤمن بالنبي "ونطق بعضهم عند إيراده جملة من رسائله ،أنها تشتمل على ما يشهد له بتعظيم النبوة وإيثار الورع. أما في الجانب الآخر، وهم أنصار ابن سبعين، فإنهم يرون في هجرته، أحد مفاخره ، ودليلا على كونه وارثا مخصصا. لكن المنصف من الآراء فقد رجحت هجرة ابن سبعين من الأندلس إلى هجوم الفقهاء عليه وخوفه منهم.

مكة

رحل إلى مصر، وأقام بها مدة قصيرة فيما يبدو، لأن هدفه الأول كان الحج، ودخل مكة سنة 652 هـ واستقر بها وتتلمذ على يده أمير مكة، الذي عالجه من أذى أصابه فعوفي فصارت له عنده منزلة. وشريف مكة هذا هوأبي لحى محمد بن أبي سعد. وشاع صيته وكثر أتباعه بين أهل مكة بسبب سخائه وفهمه، وكان أهل مكة يعتمدون على أقواله، ويهتدون بأفعاله. وقد ظل ابن سبعين في مكة حتى توفي بها.

وفاته

على الرغم من حتى أبرز خط التاريخ والمؤرخين كابن الخطيب وابن كثير وابن تغري بردي والتنبكي وابن العماد والغبريني وغيرها تذكر حتى وفاة الرجل كانت ميتة طبيعية، إلا حتى تناقض بعض الروايات حول طريقة موته حصل على اثرها ابن سبعين على شهرة كبيرة، حيث اختلفت هذه الروايات حول الكيفية التي توفي عليها، فيقول ابن شاكر الخطي في فوات الوفيات في رواية غير مؤكدة عن انتحار ابن سبعين بأنه بتر شرايين يده حتى تصفى دمه، وهي رواية يستعملها خصوم ابن سبعين للنيل منه. ورواية أخرى تقول أنه نشبت عداوة بين ابن سبعين ووزير ملك اليمن الذي كان حنبليا، وكان يتحدث عن كراهية هذا الوزير له وليس ببعيد حتىقد يكون هذا الوزير قد اثر في ملك اليمن وأحنقه على ابن سبعين فدبرا معا من يدس له السم للتخلص منه. ومن المعاصرين من يلوح بانتحاره بدعوى "انتهى من أذواقه إلى الفناء عن نفسه والاستغراق في ربه والاتحاد به". بينما يرى آخرون أنها كانت عملة وجودية من الطراز الأول.

أفكاره

هاجم الفلسفة ،لأن الفلاسفة يقلدون ـ حسب زعمه ـ أرسطوتقليدا أعمى ،وهاجم بعنف الفارابي وابن سينا أومن اسماهم بالمشارقة ،وكان له موقف من الفقه والكلام والتصوف منطلقا من موقفه القائل بالوحدة المطلقة ،والتي ينبغي على القائل بها حتى يصل إلى رتبة (المحقق) أوحتىقد يكون ملما بفهم التحقيق، وبعبارة أخرى فان الوحدة المطلقة عند ابن سبعين تكون هي موضوع فهم التحقيق ،ذلك الفهم الذي يحوي صاحبه جميع الكمالات الوجودية والذوقية.

يرى ابن سبعين إذا الفقيه يستند إلى الشريعة، والتي هي حق بلا شك، إلا انه يرى إذا الفقيه يفسد الشريعة بتقديمه تذريعات عديدة تتفرع من الأحكام التي يستخرجها منها ويرى أيضا انه "الفقيه" يفتي أحيانا من عند نفسه بفتاوى قد تختلف مع الشريعة ،ويتمسك كثيرا بالتقليد الأعمى فيقيس اليوم بالأمس ،ويدع الكثيرين فهم الكتاب والسنة في ذلك والأمر ليس كذلك ،ويرى ابن سبعين إذا ذلك التصرف ينفر الناس من الشريعة ويصدهم عنها ،وبالجملة فإن الفقيه حسب رأي ابن سبعين فهوفي ضلال ليس بعده ضلال ويقول في ذلك :

وحدة الوجود

كان من القائلين بوحدة الوجود، وقد انتقل تصوف وحدة الوجود من الأندلس والمغرب إلى المشرق على يد ابن سبعين، جنبا مع ابن عربي، بعد حتى استقر به المطاف في المشرق حيث نشر تعاليم هذا النوع من التصوف. جعلته محل اتهام وصلت إلى تكفيره، لكن يرى البعض حتى الرسالة التي ناضل من أجلها ابن سبعين هي إثبات الوحدانية المطلقة لله في إطار تصور وجودي يرفض أي اثنينية أوتقسيم في الوجود.

يُعهد أبوالوفا الغنيمي التفتازاني فكر بن سبعين في وحدة الوجود:

نظرية القيم الأخلاقية السبعينية ترتبط نسقياً بمبحث الوجود والفهم، ذلك حتى الأخلاق عنده متوجهة في الأساس إلى إثبات الوحدة المطلقة، الخير الأسمى، الذي فيه وبه ومنه الكمال والسعادة والحملة، حسب اعتقاده.

طريقته الخاصة في الكتابة

لابن سبعين طريقة غريبة في الكتابة، فكلامه مفكك، قليل الاتصال، حتى نطق قاضي القضاة ابن دقيق العيد: "جلست مع ابن سبعين من ضحوة إلى قريب الظهر وهويسرد كلاماً تعقل مفرداته، ولا تعقل مركباته".

وكذلك يتسم كلامه بكثرة ما يرد فيه من ألغاز وإشارات بحروف أبجد، وله تسميات مخصوصة في خطه هي نوع من الرموز كما نطق أبوالعباس الغبريني صاحب كتاب عنوان الدراية.

فمن كلامه الغريب مثلاً ما يكرره في كتاب الإحاطة من عبارة: "إيه! أوقوله: "الله فقط" وتكرار لحدثة "إيه" اثنتي عشرة مرة في سطر واحد، واستعماله حروف أبجد بطريقة من الصعب استخراجها، كقوله في رسالة "الألواح": "فهمه في الإنسانية إنسان، وفي ح ح، وفي ن ن، وفي ج ج، وفي علالمية فهم، وفي العاقلية عقل". ومن أغرب كلامه الشاطح قوله في ختام "الرسالة الفقيرية": "السلام على المنكر والمسلم، والعالم والمتعالم، والغالط والمتغالط".

مؤلفاته

• الحروف الوضعية في الصور الفلكية.
• شرح كتاب إدريس .
• بدء العارف.

رسائله

• الكلام على المسألة الصقلية،
• رسالة النصيحة (النورية)،
• عهد ابن سبعين،
• الإحاطة، بد العارف،
• الرسالة الفقيرية،
• الحكم والمواعظ،
• الرسالة القوسية،
• رسالة في أنوار النبي صلى الله علي وسلم وأنواعها،
• الألواح المباركة، الوصية لتلامذته،
• الرسالة الرضوانية،
• رسالة في عهدة،
• رسالة خطاب الله بلسان نوره،
• نتيجة الحكم، الرسالة الإصبعية،
• الكلام على الحكمة،
• حكم القصص.

انظر أيضاً

• تاريخ التصوف

مراجع