البطال
البطال
هوعبد الله أبوالحسين الأنطاكى، المعروف بالبطَّال، أحد القادة البارزين في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان. ولد في النصف الثانى من القرن الأول الهجرى.. وكان ينزل أنطاكية... وكان شجاعاً مقدامًا.. وقد رُوى حتى عبد الملك بن مروان حين عقد لابنه مسلمة على غزوبلاد الروم ولَّى على رؤساء أهل الجزيرة والشام "عبد الله البطَّال" ونطق لإبنه: سيره على طلائعك، وأمره فليعس بالليل العسكر، فإنه أمين ثقة، مقدام شجاع. كما ولاَّه عبد الملك بن مروان واليًا على ثغر المصيصية وقائدًا لحربها. وحكى عنه أبومروان الدمشقى فنطق: كنت أغازى مع البطال وقد أوطأ الروم ذلاً، ويُحكى عن بطولاته الكثير مما لا يتسع المقام لذكره. وكان البطال يسأل الله دائماً الحج ثم الشهادة، فلم يتمكن من الحج إلا سنة 122 هـ وهي السنة التى استشهد فيها ببلاد الروم.
عبد الله بن عمروبن علقمة البطّال الملقب بالأنطاكي لأن مقرّه كان بأنطاكية، أحد القواد العرب الشجعان المشهورين في العصر الأموي، وأحد رؤساء عرب الجزيرة الذين كانوا يغزون ثغور الروم، ولا تذكر خط التاريخ سنة مولده وإن كان أكثرها يحدد سنة وفاته، واختلف المؤرخون في كنيته فهوأبومحمد وأبويحيى أوأبوالحسين، وإن لم يختلفوا في ذكر سيرته والأحداث التي مرّت معه.
رُوي حتى الخليفة الأموي عبد الملك حين عقد لابنه مَسْلَمة على غزوبلاد الروم ولّى على رؤساء أهل الجزيرة والشام البطّال، ونطق لابنه: «سيّره على طلائعك ومره فليعسّ بالليل العسكر، فإنه أمين ثقة مقدام شجاع» فكان تحت إمرة البطّال عشرة آلاف من المحاربين جعلهم ترساً ما بين عسكر المسلمين وما يليهم من حصون الروم.
شهد البطّال عدة حروب، وأوطأ الروم خوفاً وذلة، فكانت الروم تهابه هيبةً شديدة. وتذكر قصص التاريخ عن شجاعته وجرأته ومغامراته في بلاد الروم حكايا غريبة لا تكاد تُصَدّق، إذ كان البطال ذا قلبٍ جريء لا يهاب، وكان يقول: «الشجاعة صبر ساعة»، وكان يساعده في ذلك فهم بلغة الروم فقد كان يتحدثها كأحد أبنائها. واشتهر أمره بين الروم فهابوه حتى صارت الأمهات الروميات يخفن أطفالهن به، ويروى حتى رجالاً من جيش المسلمين توغلوا في أرض الروم ولم تعهد أخبارهم، فسار البطّال وحيداً إلى أرض الروم لإنقاذهم، ووقف على باب عمورية وادّعى أنه سياف ملك الروم ورسوله إلى بطريق المدينة ففتحت له الأبواب، ولما وصل إلى البطريق طلب إليه حتى يخرج من في المجلس، فلما عمل كشف البطّال عن شخصيته وهدد البطريق بالسيف وأمره حتى يُصدقه القول في أمر السرية المسلمة، فأبلغه البطريق أنهم توغلوا في البلاد وملؤوا أيديهم بالغنائم، وسمى له الوادي الذي وصلوا إليه، فغمد البطّال سيفه وطلب الأمان ثم تناول طعاماً، ولمّا خرج من عند البطريق لم يكشف هذا عن شخصية البطّال، بل أمر الناس حتى يفسحوا الطريق لرسول الملك، واستطاع البطّال حتى يصل إلى السرية ويخرج بأفرادها بما غنموا إلى منطقة لاتتبع الروم، وتزوج إحدى الروميات السبيات وهي أم أولاده، وكان أبوها بطريقاً كبيراً.
كان البطال شديد الإيمان، يسأل دائماً الله الحج ثم الشهادة، ولم يتمكن من الحج إلا في السنة التي استشهد فيها. ويروى حتى الملك ليون ملك الروم خرج من القسطنطينية لغزوبلاد العرب فخط بذلك البطريق - أبوزوجة البطال - إلى صهره. فخبّر البطّال بذلك عساكر المسلمين، وأشار على القائد مالك بن شبيب حتى يتحصن الجنود في حرّان، وهي إحدى مدن الروم المخرّبة وذلك حتى يصل قائد الخليفة سليمان بن هشام، ولكن مالكاً بن شبيب أبى عليه ذلك ودهم جيش الروم، فاضطر البطّال إلى خوض المعركة مع الجيش بعد حتى وصّى ألا يلفظ أحد اسمه، واتفق حتى ناداه أحدهم خطأ فعهده الروم، وحملوا عليه، وقتلوا من حوله، وانكسر المسلمون، وقُتل مالك بن شبيب فيمن قُتل، ولما مالت الشمس رأى الملك حتى يرجع إلى المعسكر ليدهم من تظل من المسلمين في يومه التالي، وهنا أمر البطّال منادياً يدعوالناس إلى الذهاب إلى قرية سنّادة ليتحصنوا فيها على ألا يهجروا جريحاً أوضعيفاً في ميدان المعركة، وأوهم الجيش أنه سينسحب معهم، وبقي في قلّة في ميدان المعركة ليؤخر وصول جيش الروم. ولما نشب القتال في اليوم التالي استبسل البطال حتى جرح وسقط، فنطق له الملك: «أبا يحيى كيف من الممكن أن رأيت،يا ترى؟ نطق: ما رأيت كذلك، الأبطال تَقْتُل وتُقتَل» فأمر الملك ليون الذي كان معجباً بشجاعة البطّال حتى يؤتى له بالأطباء، فأبلغوه حتى جراحه مميتة، فسأل الملك البطال: «هل من حاجة؟» نطق: نعم، تأمر من لديكم من أسرى المسلمين بتكفيني والصلاة عليّ ودفني وتخلّي سبيل من ثبت عندي، فعمل الملك، وكانت جيوش الخليفة قد وصلت، فسار ليون إلى القسطنطينية وتحصّن بها.
وقد اقترن اسم البطّال باسم صديق له في التاريخ وفي السيرة الشعبية التي وردت على لسان الناس بعد ذلك، وهوأبوعبيدة عبد الوهاب بن بخت مولى آل مروان، وقد وصف بأنه كان كثير الحج والعمرة والغزو، وأكثر الروايات التاريخية تجعل موت البطّال في السنة ذاتها التي توفي فيها صديقه أبوعبيدة.
البطّال في السيرة الشعبية
في عصر الدول المتتابعة زاد ميل الشعب إلى الأساطير البطولية، وظهر أدب السيرة الشعبية الذي يمثل الحياة التي يتمناها الناس والتي يسودها العدل والصدق وينتصر فيها العرب وما يؤمنون به على أعدائهم أكانوا من أولئك في الداخل الذين يصانعون العدوأم من أعداء البلاد في الخارج. وقد حدا ذلك القصاصين إلى التطلع إلى التاريخ يستمدون منه شخصيات الأبطال ذات الصلة بالواقع، ثم يمزجون بين الأسطورة والتاريخ.
وقد استهوت سيرة البطّال وصديقه عبد الوهاب وشجاعتهما عامة الناس الذين يولعون عادة بالغرائب والبطولات فيما يخص الرجال الذين أوتوا من القدرات ما يفتقر إليه البشر العاديون، وقد ورد ذكر لسيرة البطال الشعبية عند المقّري وفي تاريخ المضىي الذي يقول: »إن القُصّاص حكوا عنه ـ أي البطال ـ من الخرافات ما لا يليق». أما ابن كثير فيورد بعد حديثه عن البطال القائد الأموي: «وأما ما يذكر العامة عن البطّال من السيرة المنسوبة إلى دلهمة (ذات الهمّة) والأمير عبد الوهاب والقاضي عقبة فكذب وجهل وتخبط فاحش».
وقد حملت السيرة الشعبية عن البطال اسمه في البدء ثم حوّل القصاصون العنوان إلى ذات الهمة. ومع موقف المؤرخين من الأدب الشعبي عامة فقد انتشرت بين طبقات الشعب السير التي تتحدث عن الأبطال. وقد استهوت سيرة البطال الأتراك وهم الذين حاربوا الروم وفتحوا القسطنطينية فظهر بينهم بطل اسمه (سيد بطّال) وقبره في سيد غازي جنوب إسكي شهر، وقد ألفت حول حياته سيرة شعبية تختلف عن السيرة الشعبية العربية درسها المستشرق فليشر.
ويبدوحتى هذا اللقب حمله آخر ورد اسمه في خط التاريخ المتأخرة كتاريخ الجنابي ومسماه أبومحمد جعفر بن السلطان حسين بن ربيع بن عباس الهاشمي ذكروا أنه ولد بملطية وكان على قيد الحياة سنة 1000هـ ويبدوحتى هؤلاء المؤرخين تأثروا بالسيرة الشعبية الهجرية «سيد بطّال».
المصادر
موسوعة الحضارة الإسلامية