الحرافيش

عودة للموسوعة

الحرافيش

أحمد صبحي منصور
ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا الموضوع

الحرافيش أوالعوام أوالزعر هي ألقاب أطلقها المؤرخون في بداية العصر المملوكي على المصريين سكان القاهرة من الطبقات الشعبية، خصوصا الحرفيين. وفي نهاية العصر المملوكي ساد لقب الحرافيش واستمر فهما على الطبقات الشعبية حتى نهاية العصر العثماني. عمل أولئك المؤرخون خدما للسلطة المستبدة الغريبة عن الشعب المصرى سواء كانوا مماليك أوعثمانيين . أولئك المؤرخون لم يكن أكثرهم مصريين، بل وفدوا اليها بحكم المناصب التى كانوا يتولونها في خدمة السلطة في القضاء والتدريس والمناصب الادارية المتنوعة، وهم بطبيعة عملهم كانوا منحازين للسلطة يشاركونها في الاستعلاء على الشعب المصرى من فلاحين في الريف و( زعر ) و( حرافيش ) في القاهرة. وفي هذا الشعور كانوا جميعا يشهجرون، لا فارق بين مؤرخ مولود في مصرى أوقادم اليها.

أولئك المؤرخون خدم السلطان ولّوا وجوههم شطر السلطان يسجلون حركاته وسكناته ويسجلون تفصيلات الأمراء والطبقة الحاكمة، بل ويفسحون المجال للتأريخ لأنفسهم خلال طبقات الفهماء والفقهاء .. الخ .. ولا يلتفتون إلى عوام الشعب المصرى الذين يكدّون في إنتاج الخير للغير . لا يسنحق المصريون المحكومون سطرا في التاريخ إلا إذا تعرضوا للقتل ،أى لا بد حتى يموت المصرى قتلا حتى يلتفت اليه المؤرخون خدم السلطة. وحين يقوم الشعب بثورة على السلطان الظالم فيضطر المؤرخون لتسجيل ما يحدث ـ دون تعاطف في الأغلب.

2 ـ وقد حان الوقت للاحتفال بلقب ( الحرافيش ) و(الزعر ) وإعطاؤهما حقهما من الاحترام مخالفة للمؤرخين من خدم الظلمة السلاطين. أولئك ( الحرافيش ) و( الزعر ) أوالدهماء والعوام هم أجدادنا وهم ملح أرض مصر، وأصلها والمستمرون على الحياة فيها عشرات القرون. هم كما نطقت (أم المصريين ) السيدة صفية زغلول كالرمال تتحمل السير فوقها، ولكن لوثارت فهى تعصف بالظالم وتهلكه . يجب على جميع مصرى حتى يفخر بأجداده من الحرافيش والزعر، حين كانوا يثورون على الظلم على الاستبداد فيقابلون القمع والقتل ولا يجدون الإنصاف من المؤرخين.

أولئك الحرافيش والزعر الثائرون على الظلم العسكري في العصرين المملوكي والعثماني هم أجداد الثوار المصريين في أيامنا هذه في التحرير والاسكندرية والسويس والمنصورة والشرقية والبحيرة والصعيد ، يكررون مسيرة الفخر والبطولة لأجدادهم الحرافيش. ومع اختلاف الظروف فإن ثوار مصر الأطهار في عصرنا يقابلون نفس استعلاء واستبداد العسكر، كما يقابلون مؤامرات وتجنى وتجاهل وعدم تعاطف الاعلام الرسمى الذى يكرر خطايا مؤرخى العصور الوسطى.

أولا : كحقيقة تاريخية نقرر إنه كان للحرافيش أوالزعر دور في الحياة السياسية في القاهرة المملوكية . وكان هذا الدور يعلوويخفت حسب قوة السلطة المملوكية وحسب شخصية السلطان المملوكي ، والظروف التي تستدعي تحرك الحرافيش لإعلان رأيهم . ونعطى لمحات عنه :

1 ـ لم يرض حرافيش القاهرة ( الأحرار ) منذ بداية الدولة المملوكية حتى يحكمهم سلطان كان رقيقا مملوكا من قبل ، وكان ذلك وضعا غريبا في وقتها ، يقول المؤرخ أبوشامة عن السلطان أيبك أول سلطان مملوكي " لما تسلطن أيبك الهجرماني لم ترض به أهل مصر ، فكان إذا ركب يسمعونه العوام ما يكره ويقولون له : نحن لا نريد إلا سلطانا رئيسا ولد على فطرة الإسلام" فكان أيبك يغدق على العوام العطايا الجزيلة حتى يسكتوا عنه. " !!

ويقول المؤرخ المملوكى الأصل أبوالمحاسن بن تغرى بردى إذا أهل مصر – يقصد حرافيش القاهرة – لم يرضوا بسلطان مملوكى مسّه الرق، وظلوا إلى حتى توفي السلطان أيبك وهم يسمعونه ما يكره ، حتى في وجهه إذا ركب ومر في الطرقات ). وترتب على ذلك حتى أشتد المماليك في بداية عهدهم في القسوة على الحرافيش ليخضعوهم لسيطرتم، حتى حتى المقريزي وأبا المحاسن ذكرا حتى الصليبين لوحكموا مصر في ذلك الوقت ما عملوا بالمصريين مثلما عمله بهم المماليك !! وهذه تعبير موجزة وفظيعة لمن يتأملها ، ولوقام مؤرخوالعصر بعرض تفاصيلها لعهدنا حمامات دم مجهولة غطت شوارع القاهرة . والنتيجة أنه بسبب ذلك القهر والعسف اضطر الحرافيش إلى الرضى بالأمر الواقع وقبول الممالك سلاطين عليهم !! المفهوم هنا حتى أهل القاهرة ( الحرافيش ) أظهروا علنا مقتهم وكراهيتهم لتولى سلطان كان مملوكا من قبل وهم أحرار، إذ لا يصح من كان رقيقا حتى يحكم شعبا حرا ، وهى حجة لم يلتفت اليها المؤرخون والفقهاء من خدم السلطة . وبينما سكت الفقهاء ورضوا بخدمة السلطان الجائر فقد اعلن (العوام والزعر والحرافيش ) إعتراضهم وقابلوا به السلطان المملوكى أيبك وظلوا يسبونه في مواكبه برغم انتقامه منهم الى حتى سلّط عليهم آلاته في القتل فاضطروا الى الرضى بالأمر الواقع . ولا ننسى إذا هذا العهد شهد فوز المماليك على الحملة الصليبية التى قادها لويس التاسع وقد سقط لويس التاسع أسيرا في يد المماليك، ولكن هذا النصر مع أهميته فلم يكن كافيا للمصريين لأن يرضوا بسلطان (مسّه الرق ) على حد قول أبى المحاسن .

2 ـ وعلى عكس المصريين كان المماليك لا يدينون بالولاء لسلطان منهم إلا إذا كان مملوكا في الأصل ، أى جىء به من بلاده الأصلية صغيرا مملوكا وبيع لأمير في مصر ثم بمهارته في القتال وقدرته على التآمر يعتقه سيده وتتفتح أمامه أبواب الترقى في السلطة العسكرية ، الى حتى يصل ويترقى بالدهاء والتآمر الى حتى يصبح من كبار الأمراء ، حيثقد يكون مؤهلا للتنافس على السلطنة . هذه هى (السى في ) أو(سيرة الحياة) التى تجعل الأمير المملوكى صالحا للتنافس على السلطنة ـ لوظل وبقى حيا الى هذه الفترة . عدا ذلك لم يكن المماليك يخضعون لابن السلطان القائم الذي ولد حرا في فمه معلقة من مضى ، يجعله أبوه السلطان أميرا ووليا للعهد من بعده ، ثم يرث الحكم عن أبيه. لا بد لهذا السلطان (الحرّ ) حتى يثبت جدارته في فنّ التآمر وقوة البطش وشدة الشكيمة في غابة المماليك ، وإلا فسرعان ما يخلعه أقرب الناس اليه من كبار الأمراء .

3ـ السلطان الناصر محمد بن قلاوون كان أبرز مثل على ذلك ، فقد ورث السلطنة بعد أخيه وتولاها سنة 693 هـ . وسرعان ما عزله الأمير خطغا وتولى مكانه سنة 694 ، وتولى بعده المنصور لاجين، وبعد مقتله عاد الناصر محمد للسلطنة للمرة الثانية سنة 698 هـ ثم عزله بيبرس الجاشنكير وتولى بيبرس الجاشنكير مكانه باسم السلطان المظفر سنة 708 هـ . وأحس الحرافيش بالتعاطف مع السلطان المعزول الناصر محمد الذي عزله مماليكه مرتين . وحدث سنة 709 حتى توقف النيل عن الزيادة فاعتبروا السلطان ركن الدين المظفر الجاشنكير شؤما ، واعتبروا نائبه الأمير سلار شؤما مثله ، وألفوا أغاني يتندرون بها على السلطان ونائبه ، يقول المؤرخ ابن دقماق عن توقف النيل في ذلك العام " إذا أهل مصر صنفوا كلاما ولحنوه وصاروا يغنون به العوام في أماكن المفترجات وغيرها ، وهذا هو:

سلطاننا ركين ونايبه دقين ...يجينا الماء من وين

هاتوا لنا الأعرج .... يجي الماء ويدحرج .

وكان الأمير سلار النائب أجرود ليس له لحية فأطلقت عليه العوام لقب دقين ، وكان الناصر محمد به بعض عرج فسمته العوام "الأعرج"، وكان السلطان بيبرس الجاشنكير يتلقب بركن الدين فسمته العوام ركين أحتقاراً. وهذه نظرة عن الطبيعة المصرية الأصيلة في السخرية السياسية من الحاكم، وهي التى ظهرت في أروع درجاتها في مظاهرات التحرير ضد مبارك قبيل عزله. ونعود الى المؤرخ ابن دقماق ( المملوكي الأصل ) وهويصف تأثير تلك الحملة الساخرة على السلطان بيبرس الجاشنكير ، يقول ابن دقماق إذا ذلك الكلام انتشر بين الناس فانزعج السلطان وقبض على زعماء العوام وكان عددهم ثلاثمائة ، فضرب جماعة منهم بالمقارع وجرسهم في القاهرة ، وأمر ببتر ألسنة جماعة منهم ، حتى يكفوا عنه .

وكعادة المؤرخين وقتها فكل ما استحقه أولئك المصريون الأحرار ـ وعددهم ثلثمائة ـ هى بضع سطور من المؤرخ المملوكى ابن دقماق ، فلم يسعفنا بتفصيلات ضرورية ، مثل أسماء من بتر السلطان ألسنتهم ، ومن ضربهم بالمقارع وأمر بتجريسهم في الشوارع . ولم يتوقف بالتأريخ لرد العمل عند الحرافيش والذى ظهر فيما بعد حين قام حرافيش مصر والقاهرة بثورة شعبية أسقطت ذلك السلطان الغاشم بيبرس الجاشنكير.

4 ـ من الظلم البيّن لهذه الثورة الشعبية الفريدة أنها لم تأخذ حقها من الإنضمام من المؤرخين المعاصرين لها من خدم السلطة المملوكية العسكرية. وقبل حتى نستغرق في الاحتجاج علي أولئك المؤرخين فيجب ألاّ ننسى شيئين : حتى الاعلام المصرى الرسمى الحالى لا يزال يسير على نفس الطريقة في تعامله مع الثورة الشعبية المصرية الحالية ، كما لا ننسى ما أخطر وأهم ، وهوحتى مناهج التاريخ في التعليم المصرى لها عادة سيئة هى إهمال التاريخ المصرى الحقيقى ، وهي تحتقر ـ أصمم على استعمال حدثة تحتقر ـ ما يمتّ للشعب المصرى بصلة في العصور الوسطى خصوصا بعد الفتح العربى لمصر . مناهج التاريخ تذكر الفتح العربى لمصر على يد عمروبن العاص، وتتجاهل دور المصريين في مساعدته، وهوالذى لا يعهد طرق مصر وعمرانها وحصونها ولولا مساعدة المصرين لفشل. وتكيل المدح لعمرووتتجاهل سرقاته للتروة المصرية وعسفه بأهلها، ويستمر التجاهل لثورات المصريين ضد الاحتلال العربى في العصرين الأموى والعباسي، وقسوة الأمويين والعباسيين في إخماد تلك الثورات ، مع حتى أنباء تلك الثورات مسجلة في مصادر التاريخ، وخصوصا (النجوم الزاهرة في محاسن مصر والقاهرة) لأبى المحاسن ابن تغري بردي. يتجاهل التعليم المصرى سائر الحركات المصرية التحررية والنشاط الايجابى للشعب المصرى، سليم إنها مبعثرة بين سطور التاريخ المصري، ولكنه تاريخ ممتد وطويل وموصول ومدون، وتتبع تاريخ الشعب المصرى بنفس تتبع تاريخ حكامه الأغراب ليس عسيراً، بل سيعطى ثروة تاريخية تزود أبناءنا في التعليم بقبس من عظمة أجدادهم من الناس العاديين. ولكن الحادث الآن هوأنه بعد ثلاثين عاما من فساد التعليم في عصر مبارك فقد ساد الجهل بالتاريخ المصرى الحقيقى حتى بين المتخصصين ممن يحصلون على درجات الدكتوراة. ومن هنا يفاجأ القارىء المصرى لهذا الموضوع بأسماء سلاطين وأحداث تاريخية لم يكن له فهم بها، مع أنه تاريخ بلده الذى أهملته وزارات التعليم والاعلام والثقافة والأزهر.

5 ـ نعود للثورة المصرية المجهولة عام 709 هجرية والتى أسقطت السلطان الغشوم ( المجهول أيضا ) بيبرس الجاشنكير، وعندما نبحثها لا نجد ما يشفي الغليل . مفهوم أنه أصبح هناك ثأر بين ذلك السلطان الجاشنكير والحرافيش. ولكن توازن القوى بينهما مضحك ومؤلم ؛ هويملك الجيش ( والمجلس العسكرى ) والثروة والسلطة والفقهاء والشيوخ وارباب السيف والقلم أما الحرافيش المصريون الأحرار فكانوا لايملكون سوى صدورهم العارية ، وألسنتهم التى لم يبترها السلطان العسكرى بعد . والمفهوم أيضا إذا أصرار الحرافيش على التصدى واستمار الثورة برغم العسف الذى ألحقه بهم جند السلطان قد أربك الحياة في القاهرة بل وجعل جند السلطان نفسه يتمردون على أوامره بل وينضمون للحرافيش الأبطال .

هذا الذى نفهمه هوالذى أهمل مؤرخوالسلطة كتابته وتوضيحه وتفصيله ، لأنه بعد هذه الفجوة المنسية والمسكوت عنها عمدا نجد المؤرخين يذكرون أنه قد اضطربت أحوال القاهرة وأحوال السلطان بيبرس الجاشنكير وانضم أكثر جنده للسلطان السابق الناصر محمد المعزول والمنفي في الأردن، واضطر السلطان بيبرس الجاشنكير للهرب من القاهرة فنزل من القلعة يوم الأربعاء 16 رمضان سنة 709 هـ، وذلك بعد العشاء، وحاول حتى يتسلل سراً في ظلام الليل، ولكن جموع الحرافيش كانت تترصده، فلما عهدوا بهربه من القلعة طاردوه فهرب منهم، ولكنهم كانوا قد استعدوا له بالحجارة والموضوعيع وأخذوا يرجمونه ويسبونه سبا قبيحا، وهويهرب منهم من شارع الى حارة، ولمأ أيقن بوقوعه في أيديهم تخلّى عن أمواله وجواهره ومضىه، يقول المؤرخون إنه أخذ ينثر عليهم الأموال والمضى والفضة فانشغلوا بجمعها وتمكن بذلك من الهرب. ولكن بعدها عثروا عليه، وقبض عليه أعوان السلطان الجديد القديم الناصر محمد الذى عاد الى السلطنة بفضل تلك الثورة الشعبية المصرية، وقام الناصر محمد بن قلاوون بقتل غريمه بيبرس الجاشنكير بعد ذلك.

هذا جميع ما ذكره المؤرخون عن تلك الثورة الشعبية المصرية المجهولة والمسكوت عنها. ونحن هنا ننفض عنها التراب لنهديها للثورة المصرية الحالية المجيدة.

6 ـ ويبدووجه شبه آخر بين الثورة المصرية الشعبية الراهنة ـ التى يتهددها ركوب السلفيين موجتها ـ وما وقع بعد الثورة المصرية التى أعادت السلطان الناصر محمد بن قلاوون للحكم. فكالعادة لم يستفد الثوار النبلاء بالثورة الى قاموا بها وضحّوا من أجلها، إذ يسارع كلاب الصيد باقتناصها وركوب موجتها . فالشيوخ الذين كانوا خدما للسلطان السابق بيبرس الجاشنكير ووقفوا معه في ظلمه للسلطان لسابق محمد بن قلاوون سرعان ما رقصوا في مواكب السلطان محمد بن قلاوون حين عاد للسلطة وتخلوا عن بيبرس الجاشنكير وهم يشهدون اعتنطقه واعدامه. وبينما عاد الحرافيش الابطال الى بيوتهم بعد تحقيق الهدف من ثورتهم وانتقامهم من عدوهم الجاشنكير وعودة سلطانهم الحبيب محمد بن قلاوون فإن الساحة قد خلت للشيوخ ينعمون بالنفوذ كالعادة، بل بالغ بعضهم فحاول حتى يقطف ثمرة جهد الحرافيش في الثورة ويجعل لنفسه سلطة داخل سلطان الناصر محمد بن قلاوون.

تحت الرماد المصرى وقتها كانت هناك رفات حركة شيعية صوفية لم يخط لها النجاح حيث أخمدها من قبل الظاهر بيبرس البندقدارى، وقد عرضنا لها في كتابنا ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ). انتهز زعماء تلك الحركة الفاشلة فرصة الصيت والنفوذ الذى اصبح للشيوخ في سلطنة الناصر محمد الثالثة فأشعلوا مصر بفتنة طائفية، إذ قام بعض المجاذيب بإحراق الكنائس المصرية فقام بعض الأقباط بحرق المساجد ردا على حرق كنائسهم، وحدثت تلك الكارثة سنة 721 هـ. وأدى احراق المساجد والعثور على بعض الرهبان متلبسين الى شيوع التعصب لدى الحرافيش فأخذوا يهاجمون النصارى، وخاف السلطان الناصر محمد حتى يخرج الأمر من يديه فأمر السلطان بقتل وصلب بعض الحرافيش كيفما اتفق ليخيف الباقين وليضبط الشارع المصري، ولكن استمرت الحرائق، وقامت مظاهرة من الحرافيش قابلت السلطان دون خوف فاضطر السلطان للخضوع لهم، وأخذ إجراءات صارمة وظالمه بحق المسيحيين فهدأت الأمور.

7 ـ وحدث موقف آخر للحرافيش سنة 770 هـ في سلطنة الأشرف شعبان حفيد الناصر محمد بن قلاوون. إذ كان الأمير علاء الدين بن كلبك والي القاهرة مشهورا بالظلم والشدة، وقد أعتقله السلطان، وأراد الحرافيش حتى يتسلموه ليأخذوا ثأرهم منه، فوقفت جموعهم تحت القلعة يطلبون تسليمه، ومنعوا الأمراء المماليك من الصعود للقلعة، وصاروا يرجمون المماليك، فأوفد السلطان إليهم بعض الأمراء يفاوضونهم فصمموا على حتى يسلمهم السلطان غريمهم علاء الدين بن كلبك، واستمروا يحاصرون القلعة حتى العصر فأمر السلطان جنود القلعة برمي النشاب والسهام عليهم فقتلوا جماعة منهم وهرب الباقون وأغلقوا الأسواق، واعتقل المماليك زعماء الحرافيش ، ثم خمدت الفتنة ونودي بعدها بالأمان.

8 ـ وفي سلطنة الأشرف إينال وقع تزييف العملة الفضية التي أصدرها السلطان، وعقد مجلس سلطاني في صفر سنة 861 وثبت للسلطان حتى العملة التي أصدرها أكثر من العملات التي سبقتها في الغش والفساد، وكان الحرافيش قد قاموا بمظاهرة صاخبة أمام القلعة قبيل عقد ذلك المجلس السلطاني، ويقول المؤرخ الأرستقراطي أبوالمحاسن يصف تلك المظاهرة " اضطرب الناس وأبطل السلطان موكب ربيع الأول من القصر، وجلس بالحوش ونادى القضاة الأربعة والأمراء والأعيان، ووقف العامة أجمعون في الشارع الأعظم من باب زويلة إلى داخل القلعة ، وأجتاز بهم قاضي القضاة فهم الدين البلقيني وهوطالع إلى القلعة فسلم على بعضهم بباب زويلة فلم يرد عليهم أحد السلام، بل انطلقت الألسن بالسب له وتوبيخه من جميع جانب لكونه لا يتحدث في مصالح المسلمين، واستمر على هذه الصورة إلى حتى طلع إلى القلعة، وقد انفض المجلس بدون طائل، ونودي في الناس بعدم معاملة " الزغل " أي بعدم التعامل بالنقود المغشوشة. ويقول المؤرخ أبوالمحاسن : ( فلم يسكن ما بالناس من الرهج ولهجوا بقولهم " السلطان من عكسه أبطل نصفه " ) ، أي حتى السلطان من شؤمه أبطل التعامل بالعملة التي أصدرها وهي النصف الإينالي ، ( ونطقوا أيضا " إذا كان نصفك إينالي لا تقف على دكاني " ) أى إذا كانت العملة التى معك هى الدرهم الذى اصدره السلطان إينال فلا تقف على دكانى . ويقول أبوالمحاسن ( إنهم ألفوا عبارات أخرى ، وأشياء أخرى من هذا من غير مراعاة وزن ولا قافية) أى قاموا بتأليف شعارات بعضها موزون وله قافية والآخر بدون وزن وقافية . وهي نفس العادة المصرية المتمكنة في فنّ تأليف الشعارات في المظاهرات .

ونرجع للمؤرخ أبى المحاسن وهويصف تلك المظاهرة الفريدة التي ثار فيها شعب القاهرة على السلطان الفاسد إينال وبطانته من الشيوخ والفقهاء و(المجلس العسكرى): ( وانطلقت الألسن بالوقيعة في السلطان وأرباب الدولة ) أي انطلقوا في مظاهراتهم يلعنون السلطان وأرباب دولته فأضاعوا حرمته وانتهكوا مكانته، وبالتالى خشي السلطان من جرأة مماليكه عليه، خصوصا المماليك الجلبان، أي المماليك الذين كان يؤتى بهم كبارا وليس من فترة الطفولة، أي كانوا يتطوعون بالوقوع في الاسترقاق ليؤتى بهم الى مصر فيصيروا فيها مماليك ولديهم أمل بالوصول إلى مصاف كبار القادة والحكم. يقول ابوالمحاسن عن محنة السلطان اينال بعد حتى أضاعت مظاهرات الحرافيش مكانته وحرمته وهيبته: ( وخاف السلطان من قيام المماليك الجلبان بالفتنة وأن تساعدهم العامة وجميع الناس فرجع عما كان قصده) أي كان يريد ان يستخدم المماليك الجلبان ضد الحرافيش فخاف حتى يتحد ضده الحرافيش والجلبان، وبهذا تطورت المظاهرات ضد السلطان. ووجد المتظاهرون فرصتهم الكاملة في سبّ وتحقير أعوان السلطان ممن كان يقوم بالسلب والنهب والمصادرات باسم السلطان، يقول مؤرخنا أبوالمحاسن: ( وقد أفحش العامة في سباب ناظر الخاص ورجموه وكادوا يقتلونه،) واضطر الى الفرار عبرهم ومعه أعوانه وفرق حراسته. يقول ابوالمحاسن باستعلاء وحقد يصف فوز المصريين الحرافيش: ( وعظمت الغوغاء فأوفد إليهم ابن السلطان فسألهم عن غرضهم فنطقوا: النداء بأن جميع شيء على حاله، فنطق لهم: غداً أحدث السلطان ويعمل قصدكم، فأبوا وصمموا على النداء في هذا اليوم فأوفد لأبيه فتردد ثم أجاب، وجعل بالنداء غاية الوهن في المملكة وطغى العامة وتجبروا". وأوضح حتى المؤرخ الأرستقراطي المملوكي الأصل أبا المحاسن لم يسترح إلى رضوخ السلطان إينال للحرافيش . أخيراً.

عبر للوقت الراهن

هل اختلف الحال كثيرا عن العصر المملوكي؟

1 ـ العسكر هم العسكر، وخدم العسكر من الفقهاء والخطة هم هم .. والثوار النبلاء هم هم ، الظلم هوهووالبغي هوهو، والتحالف هوهوبين من يلبس الكاب ومن يلبس العمامة. وأنصاف الرجال وأشباه البشر من خدم الاستبداد في التعليم والإعلام والمساجد هم هم من العصر المملوكي إلى يومنا. 2 ـ إلى متى يستمر هذا المسلسل المشين الذى لا يليق بمصر ونبلائها وأحرارها ،يا ترى؟ ألا يكفيه عشرة قرون،يا ترى؟ لكي نلغيه لا بد من استمرار الثورة بكل زخمها حتى يؤمن العسكر أنهم خدم للشعب المصرى وليسوا سادة له.


المصادر

  1. ^ أحمد صبحي منصور (2011-07-25). "نظرة عن ثورات الحرافيش ضد العسكر المملوكى : هدية لثوار مصر في التحرير". الحوار المتمدن.
تاريخ النشر: 2020-06-04 15:44:04
التصنيفات: مصر المملوكية, ثورات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

سيارة مشبوهة بمحيط قصر المؤتمرات تستنفر أمن مراكش

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 18:15:26
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 43%

نشرة إنذارية.. أمطار قوية مرتقبة اليوم الأربعاء بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:25:28
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

المنتخب البرتغالي أمام فرصة جديدة لاستثمار نجومية لاعبيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:25:59
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

المنتخب البرتغالي أمام فرصة جديدة لاستثمار نجومية لاعبيه

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:26:00
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

إطلاق طلبات العروض دولية لإنجاز مشروع "تلفريك طنجة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:25:32
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

المغرب يرصد 129 إصابة جديدة دون وفيات بـ”كورونا” خلال 24 ساعة

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 18:15:32
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 49%

ضيافة مغربية للسفير الأمريكي الجديد بالرباط

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 18:15:33
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 45%

هازارد يعتبر مونديال قطر الفرصة الأخيرة لجيل بلجيكا الذهبي

المصدر: كِشـ24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 18:15:27
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 36%

إطلاق طلبات العروض دولية لإنجاز مشروع "تلفريك طنجة"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:25:29
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 62%

نشرة إنذارية.. أمطار قوية مرتقبة اليوم الأربعاء بهذه المناطق

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-16 15:25:25
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 52%

تحميل تطبيق المنصة العربية