حديث دار بين المستر هندرسن ودولة النحاس باشا في الصيغ الجديدة التي قدمها الفريق المصري معدلة للمقترحات الإنجليزية، في ثلاثة أبريل 1930، منشور من "وزارة الخارجية المصرية القضية المصرية 1882- 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 354- 358".

المنشور

نادى دولة النحاس باشا مستر هندرسن لتناول طعام العشاء معه في دار المفوضية المصرية في الساعة الثامنة من مساء يوم ثلاثة أبريل سنة 1930، فأجاب المستر هندرسن الدعوة وفى الساعة المذكورة اجتمعا على مائدة العشاء وبعد انتهاء العشاء دار بينهما الحديث الآتى في الصيغ الجديدة التى قدمها الفريق المصرى معدلة للمقترحات الإنجليزية، وقد قام الأستاذ محمد تام سليم بمهمة الترجمة:

مستر هندرسن- كنت في حاجة يا دولة الباشا إلى جلسة هادئة للتحدث إليك في أمر الصيغ الجديدة وفى غيره من الشؤون التى لها مساس بالمقترحات.

النحاس باشا- وإنى سعيد بهذه الفرصة التى تهيأت لنا الآن.

مستر هندرسن - أشكركم كثيرا. إننى في الصيف الماضى عندما وضعت مقترحاتى كنت صريحا ومخلصا إلى الدرجة القصوى وأعربت حتى هذه التقدمة هى للشعب المصرى دون سواه. ومهدت الطريق للنجاح المنشود بإجراءات جريئة وحكيمة فيما أعتقد فأقلت اللورد لويد وعادت الحياة النيابية إلى مصر. ولقد طلب منى حتى أخرج من دائرة المقترحات فأجعلها معاهدة يسقط عليها دولة محمد محمود باشا فرفضت واتىنى في يوم من الأيام الأستاذ مكرم عبيد يسألنى عن إشاعة إبرام المعاهدة مع محمد محمود باشا فكذبتها. وكنت أعرب في الدوائر الرسمية أنى إنما أريد حتى أتفاوض في وضع المعاهدة مع الحكومة المصرية التى تكون وليدة انتخابات حرة من جميع قيد ويؤيدها البرلمان تأييدا لا ريب فيه. وكنت أرجوحتى تعرض المقترحات على الشعب المصرى أثناء الانتخابات فخاب أملى في ذلك. ولكن هذه المقترحات ظلت مطروحة أمام الشعبين المصرى والإنجليزى نحوسبعة أشهر. وأعربت مرارا بناء على أسئلة محرجة لى في مجلس العموم حتى هذه المقترحات أقصى ما يمكن حتى أوصى حكومتى بقبوله. ولقد كنت صريحا جدا كما قلت فعرضت جميع ما يمكننى عرضه من أول الأمر ولم أحتفظ بشيء للتساهل فيه المفاوضات التى قدرت حصولها لأنى لا أحب المساومة وأردت حتى أكون عمليا ومخلصا. والآن تصلنى صيغتكم الجديدة التى تناولت بالتغيير عشر مواد منها خمس حيوية فماذا عسانا فاعلون،يا ترى؟

النحاس باشا- أحب أولا حتى أهنئ المستر هندرسن على الخطة الحكيمة الجريئة التى اتبعها قبل وضع مقترحاته وبعدها. والتى بفضلها أصبح محبوبا في مصر كما أصبح اسمه فيها محوطا بكل احترام. والواقع حتى المستر هندرسن كان موفقا حقا في الطريق الذى اختطه لنفسه من أول يوم إلى الآن ولقد أدركت من أول لحظة أنه رجل عملى ولا يحب المساومة ولذلك كنت أنا أيضا رجلا عمليا وبعيد عن فكرة المساومة وها هى الصيغة الجديدة التى وضعناها لا مغالاة فيها وكان في استطاعتنا حتى نطالب بكل ما تنشده مصر ولكنا اقتصرنا على الحد الأدنى تجنبا للمساومة وحرصا على الاتفاق ورغبة في إظهار حسن استعدادنا للتفاهم. ولا شك حتى مستر هندرسن يعهد ذلك الآن تمام الفهم وأما ما نطقه بشأن عدم عرض المقترحات على الشعب المصرى أثناء الانتخابات فردى عليه أننا سلكنا هذه الخطة حرصا على عدم ضياع هذه الفرصة السانحة للاتفاق مع وزارة العمال. ولوحتى المقترحات عرضت على الشعب المصرى لرفضت حتما لأن الشعب ينتظر مقترحات أحسن منها. فرأينا حتى نتفادى تلك النتيجة المحتومة وأن نتريث حتى ينتخب الشعب من يثق بهم أولا هؤلاء الذين يتولون القيام بالمهمة الخطيرة الجليلة ألا وهى المفاوضة لوضع التسوية المقبولة من الأمتين. وها نحن أولاء الآن في بلادكم مشبعين بالرغبة الصادقة في الاتفاق. ولم نبتعد عن روح المقترحات.

مستر هندرسن - لاحظت حتى خمس مسائل تناولها تغيير كبير جدا منها مسألة السودان.

النحاس باشا- وماذا في الصيغتين الخاصتين بالسودان أكثر من الاشتراك في الإدارة وهجر الباب مفتوحا لاتفاقات مقبلة بشأن السودان.

مستر هندرسن - الفرق كبير جدا لأن مادتنا تشير إلى اتفاقيتى سنة 1899 والحالة التى نجمت عنهما. وأن حاكم السودان يظل يمثل الطرفين مصر وإنجلترا في إدارة السودان وأنتم تطلبون حتى يشهجر المتعاقدان مصر وإنجلترا في إدارة السودان اشتراكا عمليا، فماذا تقصدون؟

النحاس باشا- نقصد بذلك حتى تكون الإدارة مؤقتا في أيدى المصريين والإنجليز معا. وهوما لم نكن نعترف به من قبل فهذا في الواقع تساهل منا ولا نفهم لما تعارضون فيه.

مستر هندرسن- إذا ما سقط في السودان في السنوات الأخيرة لا يزال ماثلا في الأذهان. وكذلك التصريحات التى صدرت عقب ذلك. يقيدنا تمام التقييد لا سيما تصريحات رئيس الوزراء مستر ماكدونالد عندما كان وزيرا للخارجية ورئيسا للوزارة في سنة 1924 لقد وضع أساس سياستنا في السودان. وقد سئلت في البرلمان عما إذا كنت مرتبطا بها فأعربت ارتباطى بها وقبولى لها.

النحاس باشا- لقد صدرت تلك التصريحات في وقت لم تكن فيه مفاوضات. فالروح التى أوحت بها غير الروح التى تحرك المتفاوضين في وضع أساس الاتفاق. كما أنه لا يجوز مطلقا حتى تحرم مصر من حقوقها الثابتة الحيوية بسبب حوادث فردية ارتكبت وأثبت القضاء براءة مصر وزعمائها منها.

مستر هندرسن - وماذا عساى حتى أقول للبرلمان. وهذه التصريحات لا يزال يتجاوب صداها في أنحائه؟

النحاس باشا- نحن الآن بصدد تسوية المسائل كلها. فلا يجوز حتى يقوم أمامنا عائق من التصريحات التى صدرت في ظروف وتحت مؤثرات خاصة. وإذا كنتم تتمسكون بتصريحاتكم الأخيرة فهل لمصر حتى تتمسك بتصريحات ساسة الإنجليز وكبرائهم فيما يختص بالجلاء إذ قد صدر لمصر منها ما يزيد على الستين عهدا. وهذه جيوشكم لا تزال في بلادنا فهل لنا حتى نتمسك بهذه التصريحات كما تتمسكون بتصريحاتكم.

مستر هندرسن- أنا في الواقع إنما أشير إلى تصريحاتى في البرلمان فقد أعربت أكثر من مرة حتى مسألة السودان ستظل خاضعة لاتفاقيتى سنة 1899 ثم إنى مرتبط بالمادة الواردة عن ذلك في مقترحاتي وكيف أفسر تعديلها على الوجه الذى مضىتم إليه؟

النحاس باشا- إذا جميع ما نريده هوعدم الإشارة مطلقا إلى اتفاقيتى سنة 1899 لأنهما ممقوتتان في مصر جميع المقت. ومع ذلك فهاتان الاتفاقيتان تنصان على إعطاء إنجلترا نصيبا في إدارة السودان ومادتنا تشير إلى وجوب اشتراك الطرفين في إدارة السودان فأى فارق هنالك بين الأمرين،يا ترى؟ إذا مصر لم تعترف باتفاقيتى سنة 1899 ولم تقبل في يوم من الأيام النتائج التى ترتبت عليهما وكل ما نرجوه الآن حتى يشهجر المتعاقدان في الإدارة اشتراكا عمليا إلى حتى توضع اتفاقات جديدة فأى غضاضة في ذلك،يا ترى؟ وأى ابتعاد فيه عن روح المقترحات فيما يختص بمسألة السوادن ؟

مستر هندرسن- وماذا تقصدون تماما بعبارة الاشتراك العملى؟

النحاس باشا- نقصد بذلك حمل القيود الموضوعة على حرية المصريين بالنسبة للسودان. أى حرية الهجرة إليه وحرية الإقامة فيه وحرية التملك كذلك ثم جعل الإدارة السودانية في أيدى المصريين والإنجليز على السواء.

مستر هندرسن- ومن الذى يعين، الموظفين المصريين في السودان؟

النحاس باشا- الحكومة المصرية.

مستر هندرسن- هذا محال. لأن حاكم السودان هوالمسئول وحده بحكم اتفاقيتى سنة 1899 عن النظام الإدارى والعسكرى في السودان. وهاتان الاتفاقيتان نافذتان ما لم تعدلا باتفاقات جديدة. والمادة التى وردت في مقترحاتنا تهجر الباب مفتوحا لذلك.

النحاس باشا- إذا طريقة الاشتراك العملى في الإدارة يمكن حتى تنظم وتحدد فيما بعد وإنما نريد التسليم بمبدئها لأن هذا لا يبتعد عن روح المقترحات ولا عن اتفاقيتى سنة 1899 نفسهما.

مستر هندرسن- أؤكد لدولتكم أنه لولا الحوادث التى سقطت حديثا في السودان. والتصريحات التى صدرت بشأنه. لكان موقفنا اليوم غير ما ترى. ولكن المسألة ليست مسألة ما نحب حتىقد يكون وإنما هى مسألة ما يمكن حمل البرلمان الإنجليزى على قبوله. وإذا نحن قدمنا إلى برلماننا معاهدة فيها نص كالذى تقترحون فإن البرلمان يرفضها رفضا باتا وتصبح المعاهدة لا تساوى الورقة المكتوبة عليها.

النحاس باشا- لا أستطيع حتى أتصور أننا نعجز عن إيجاد صيغة سقمية تقبلها الأمتان فليفكر جميع منا ولنتعاون معا. ومن الممكن أنك لا تذكر يا مستر هندرسن أنى في بلادى محل الثقة العامة في الدفاع عن حقوق البلاد كاملة، فانظر كيف من الممكن أن أصبحت طلباتنا معتدلة جدا ولا شك أنك بذلك تدرك صعوبة مركزنا.

مستر هندرسن- أعهد ذلك تماما كما أرجوحتى تعهدوا أنتم أيضا صعوبة مركزى. لقد خطر ببالى هذه اللحظة حتى أضيف تعبير على المادة الخاصة بالسودان الواردة في مقترحاتى فنقول: إنه بعد كذا من السنين يعاد النظر فيها لعمل ترتيب جديد. ولكن لا بد لى من استشارة زملائى في ذلك أولا.

مستر هندرسن- يفترض أن نعمل جميع ما في وسعنا لأننا لا بد حتى نصل إلى الاتفاق المنشود. ولنهجر الآن هذه المسألة ومن حسن الحظ أننا في جلسة الغد سنتناول المواد مادة مادة فلا يمكن والحالة هذه حتى نصل إلى المادة الخاصة بالسودان. والآن أحب حتى أعهد الحكمة في تغيير المادة الثالثة الخاصة بدخول مصر في عصبة الأمم، فقد حذفتم ما ورد فيها بإظهار مصر الرغبة في الدخول؛ كما حذفتم وعد إنجلترا بمساعدتكم في الانضمام إلى العصبة. وكنا نظن حتى هذا يسركم جميع السرور.

النحاس باشا- أما رغبة مصر في الدخول في العصبة فبديهية ومستفادة من المادة 15 ولا فرق في الواقع بين مادتنا ومادتكم إلا أننا أعهد بشعور مواطنينا وما يرضيه وما لا يرضيه؛ ومادتنا لذلك أفضل فأرجوحتى لاقد يكون لديكم اعتراض عليها.

مستر هندرسن- لا، وإنما لفت نظرنا هذا التغيير فأحببنا حتى نعهد الباعث عليه. ثم في المادة الرابعة حذفتم حدثة: (Concert) ووضعتم بدلها حدثة (Consnlt) فما هوقصدكم من ذلك؟

النحاس باشا- الحدثة التى اخترناها كانت مستعملة في مشروع شمبرلن- ثروت فلم نر داعيا لتغييرها.

مستر هندرسن - والمادة السادسة الخاصة بحماية الأجانب حذفتم منها حدثة "من الآن فصاعدا" Henceforth ووضعتم بدلها حدثة "دون سواها" Epcluswely ثم حذفتم الفقرة الأخيرة الخاصة بتعهد جلالة ملك مصر بالنسبة لحماية الأجانب فما هى الحكمة في جميع هذا التغيير؟

النحاس باشا- حذفنا حدثة : من الآن فصاعدا، لأن وجودها يشير على حتى مصر لم تكن مسئولة فيما مضى عن الحياة الأجانب وأموالهم وهوما لم يمكن الاعتراف به من جانب مصر، ووضعنا حدثة "دون سواها" لأنها تتفق مع روح المادة التى تقضى بانفراد مصر بهذه الحماية والمسئولية الناجمة عنها، وإذا كانت بريطانيا العظمى قد نطقت فيما مضى أنها حامية الأجانب فهذه الحدثة تضع حدا لذلك، وأما حذف الفقرة الأخيرة فراجع في الواقع إلى اعتبارنا إياها مجرد تكرار لا حاجة له.

مستر هندرسن- إذا جميع تأكيد أوتكرار في هذه المادة مفيد لأن البرلمان الإنجليزى والرأى العام في هذه البلاد شديد الاهتمام بأمر الأجانب في مصر ، ومع ذلك ألا ترون أنكم مضىتم بمعنى هذه المادة إلى أبعد مما قدرناه لها في مادتنا بإضافة حدثة "دون سواها".

النحاس باشا- إننا إنما جعلنا المعنى أكثر وضوحا وتحديدا.

مستر هندرسن- إذا شقة الخلاف بيننا ليست كبيرة جدا في هذه المسألة. ويمكننا حتى نوفق بين رأيينا وكل ما أرجوه من دولتكم هوحتى تتذكروا أنى مرتبط بنصوص المقترحات أمام البرلمان والأمة إلى حد كبير.

النحاس باشا- نعهد ذلك. ولكن هلا تعهدون جنابكم روح الوطنية المصرية وطلباتها الأصلية أما ترون أننا رغبة في الاتفاق نزلنا إلى الحد الأدنى الذى لا نستطيع حتى نتخطاه. إننا نرجوحتى تساعدونا للوصول إلى الاتفاق.

مستر هندرسن- يسرنى في الواقع حتى ألاحظ حتى كلا منا يفهم مركز الآخر وما يكتنفه من المصاعب ولا بد من التعاون للنجاح. لقد صممنا على النجاح فلا بد لنا من إدراكه هذه المرة.

النحاس باشا- بهذه الروح تذلل جميع الصعاب.

وانتهى الحديث حيث كانت الساعة 11 والدقيقة 20 ليلا ،

الرئيس

إمضاء: مصطفى النحاس

المصادر

• موسوعة مقاتل من الصحراء