رسالة من الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية في الجمهورية العربية المتحدة إلى الفريق حماد شهاب وزير الدفاع العراقي حول مسألة الجبهة الشرقية

رسالة من الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية في الجمهورية العربية المتحدة إلى الفريق حماد شهاب وزير الدفاع العراقي حول مسألة الجبهة الشرقية، القاهرة، 25 أغسطس 1970، منشور من جريدة الأهرام، 18 ديسمبر 1970.

المنشور

سري للغاية بسم الله الرحمن الرحيم الجمهورية العربية المتحدة

وزير الحربية التاريخ: 25 أغسطس 1970

إلى: الفريق / حماد شهاب وزير دفاع الجمهورية العراقية

تحية عربية وبعد،

بشان كتابكم إلى رقم د / 202 / 1 / ج / 1467، بتاريخ 16 أغسطس 1970، أرجوحتى أضع تحت نظركم مايلي:

إن الواجب يحتم على، كما إذا المسئولية تقتضي حتى أقول لكم إني لا أعتبر ردكم على كتابي بتاريختسعة /ثمانية / 1970، والخاص بتوجيهات العمليات رقم [ ثلاثة / 70 ]، ردً سقمياً.

لقد كنت أتسقط منكم رداً عسكرياً، ولكن ما تلقيته كان رداً سياسياً، أوبالأحرى رداً حزبياً، ولقد كنت أتصور أنكم يفترض أن تردون، واضعين في الاعتبار بالدرجة الأولي، ضرورات توفير أكبر قدر من الفاعلية العملية ضد العدو، ولكن ردكم، كما بدأ من سطوره، لم يكن بهدف إلى هذا القصد، بقدر ما كان يهدف إلى مزالق الاستغلال السياسي، وهوما أريد حتى أنزه العمل العسكري العربي عنه، خصوصاً في هذا الظرف المصيري.

إن دواعي توجيهات العمليات رقم [ ثلاثة / 70 ]، التي تضمنها كتابي إليكم بتاريختسعة /ثمانية / 1970، لها أسبابها القائمة على التجربة الواقعة، وعلى ضرورات تحقيق أكبر قدر يمكن تحقيقه من الفاعلية العسكرية، في ظل الظروف الموضوعية، ولقد شرحت هذه الأسباب تفصيلاً في اجتماعات عقدت على مستوى

القمة، وعلى مستوى مؤتمرات الدفاع العربي المشهجر، وكنت أنبه باستمرار إلى خطورة الأوضاع التي تترتب على عدم قيام الحكم العراقي بالتزاماته إزاء الجبهة الشرقية، وذلك ما تحويه تقارير مني، مدعمة بالوقائع معززة بالوثائق.

وإلى جانب ذلك فإن الاعتبارات التي بنيت عليها تقديري للموقف، مما ترتب عليه صدور توجيهات العمليات رقم [ ثلاثة / 70 ]، ليست جديدة عليكم، وإنما كانت هذه الاعتبارات والتقدير الذي إنبنى عليها، معروضاً في مؤتمر دول اللقاءة بطرابلس، يومي 21، 22 يونيه 1970، وقد جرى طرح الأسس العامة لهذا التقدير، بحضور رئيس الجمهورية العراقية ورئيس وفدها السيد أحمد حسن البكر، ولم تكن موضع اعتراض مسجل، على حد فهمي، بالتالي فإن اعتراضكم على صدور توجيهات لها الآن، بعد حتى تقررت عملاً في اجتماع دول اللقاءة، على مستوى مجلس الدفاع المشهجر في طرابلس بتاريخخمسة أغسطس 1970، مثار دهشة، لا أجد تفسيراً مقنعاً لها، إلا حتىقد يكون التفسير لها هوالمصلحة الحزبية، وهذا ما أربأ بالعسكرية العربية عنه، وما أحاول، بكل طاقتي، إذا أبعد مؤثراته عن العمل العربي الراهن، خصوصاً في المجال العسكري.

إنني لن أسمح لنفسى حتى أناقش الاعتبارات الموضوعية التي أملت توجيهاتي إليكم، باعتبار تولي مسئولية القيادة العليا للجبهات العربية، فإن هذه الاعتبارات موجودة في جميع ما صدر عن قيادتي من وثائق، كما حتى محاضر جلسات المؤتمرات العربية، على اختلاف مستوياتها، مليئة بالتنفاصيل، ولا أسمع لنفسي حتى أذيع منها شيئاً، لأن جميع ما فيها يمكن حتى يستفيد منه العدووذلك لا أرضاه لنفسي ولا لقيادتي، وأعهد مقدماً إنكم اعتمدتم على هذا العامل في ردكم عليّ، مقدرين حرصي على أسرار التخطيط العريى العسكري، وتقديركم في ذلك سليم، وسوف يحكم التاريخ على المواقف جميعها، وسيكون التاريخ في حكمه قاطعاً وحاسماً.

إنكم تعهدون أوضاع الجبهة الشرقية، وبسبب موقف حكومة العراق الحالية منها، وعدم وفائها بالتزاماتها حيالها، ونحن لا نستطيع حتى نخدع أمتنا، وأن نوهمها بوجود ما لا وجود له، تحت أي اعتبارات أوعلل، سواء كانت نابعة من المجاملة أومن اعتبارات التراضي السياسي، فإن ذلك إذا هجر بغير حسم، يمكن له حتى يصل إلى نوع من التواطؤ، ولوبغير اتفاق، وذلك أيضاً ما أرفضه، وبطريقة قاطعة، ولا أرضاه لنفسي أولقيادتي.

إنني لا أري جدوى لطول المناقشة معكم فيما اتخذته من توجيهات، ذلك لأن الفهم العسكري لم يعد هومعيار مناقشتنا لما نحن بصدده.

إنني أقدر ظروفكم تقديراً كاملاً، ومن هنا كان عزوفي عن المناقشة، فإني أعهد إنكم تتلقون توجيهكم من منطق حزبي، وأريدكم حتى تعهدوا بوضوح، إننا كعسكريين، يجب حتى نتلقى من القيادة السياسية توجيهاتها فيما يتعلق بالاستراتيجية العليا للدولة، ولكن حين تصبح هذه التوجيهات من إملاء

مصلحة حزبية، فذلك معناه حتى عملنا العسكري يفترض أن يسقط في هاوية المناورات الضيقة والوقتية، وذلك أكبر الأخطار التي تهدد عملنا.

إن أوامرنا العسكرية لجنودنا وقواتنا فاصل بين الحياة والموت، وبين النصر والهزيمة. ومن هنا يجب حتى تكون هذه الأوامر على مستوي المسئولية.

إذا حاولت درس الموضوع نفسه في عجالة، لمجرد وضع المسائل في مكانها السليم، فإن من المحتم علينا حتى نقول بإن تنظيم الجبهة الشرقية على النحوالذي كنا نفكر فيه، كان أملاً أكبر من حتى يتحمله واقع الحال في عالمنا العربي وظروفه، في فترة التطور الراهنة.

لكن الاختيار المصيري الذي نقابله، يفرض علينا القبول بمنطق: إذا ما لا يؤخذ كله لا يهجر كله، وإذا كنا لم نستطيع تحقيق الأمل، كما تمنينا، فمن المصلحة حتى نتواضع درجة إلى شئ آخر قد يؤدي إلى نفس الغرض، ولكن بوسائل أخري، تأخذ في اعتبارها ما موجود عملاً، ولا نتعلل وهما بما يجب حتى يوجد.

لقد كانت الجمهورية العربية المتحدة هي التي نادت بفكرة الجبهة الشرقية، وفي ذلك الوقت كان العراق تحت الحكم السابق، يتصرف بطريقة مختلفة، ثم طرأت بعد ذلك ظروف تحتم مراجعة تفكيرنا،

ولوأردتني حتى أشخص لك علة الجبهة الشرقية، فأنني أضع أمامك الحقائق التالية:

أ. عدم قيام نظام العراق الحالي بالتزاماته حيالها، ويمكن الرجوع في ذلك إلى مجموعة تقاريري السابقة.

ب. تضارب الإرادات السياسية في منطقة عمل الجبهة الشرقية، ولا أريد حتى أفيض فيما نجم عن ذلك من نتائج، ولكن التجربة كانت مريرة وقاسية، وكان ضررها بالغاً بالنسبة لكل ما فكرنا فيه أوخططنا له أوباشرنا تطبيقه.

ج. إذا تضارب الإرادات السياسية على جبهة لقاءة عريضة مع العدو، كالجبهة الشرقية، على النحوالذي كنا نتصوره، يمكن حتى يخلق ظروفاً خطرة بالنسبة لقوات عربية يفترض أن تجد نفسها على خط النار، وهي لا تعهد ما مطلوب منها، ومن يطلبه، ومتي وكيف، وهووضع معنوي مدمر لهذه القوات، حتى من قبل حتى تتعرض للنار من العدو، وقبل حتى ترد عليه النار.

ولقد كان من ذلك كله، اتجاهنا في طرابلس، سواء في مؤتمر القمة، يومي21 و22 يونيه، أوفي مجلس الدفاع المشهجر، الذي أنعقد يومىخمسة و6 أغسطس 1970 إلى فكرة القيادة الشمالية والقيادة الشرقية والقيادة الغربية، وأن تكون القيادة الشمالية للقوات المسلحة السورية، وأن تكون القيادة الشرقية للقوات المسلحة الأردنية، المدعمة بالقوات العراقية والسعودية، ثم تكون القيادة