مقرة

مملكة المقرة

Ⲙⲁⲕⲟⲩⲣⲓⲁ
340 - 1276
1286 - 1312
النوبة في عهد الممالك الثلاث. القرة لاحقاً ستبتلع نوباتيا. لاحظ الحدود بين ألوديا والمقرة كانت في مكان ما بين الشلالين الخامس والسادس
العاصمة دنقلة
اللغات الشائعة النوبية
الدين الديانة الأفريقية التقليدية، المسيحية (من القرن 6)
الإسلام (من القرن 14)
الحكومة ملكية
ملك  
• 1316-1317
باراشنبو
الحقبة التاريخية العصور الوسطى
• تأسست
القرن 4
• غزوالمماليك واحتلالهم المقرة
1312
• انحلت
1312
Preceded by
Succeeded by
Kingdom of Kush
سلطنة المماليك (القاهرة)
سلطنة المماليك (القاهرة)
Banu Kanz

مملكة المقرة (بالنوبية القديمة: Ⲙⲁⲕⲟⲩⲣⲓⲁ، المقرة، هي مملكة كانت توجد في جنوب مصر وشمال السودان. وكانت واحدة من الممالك النوبية التى ظهرت بعد سقوط مملكة مروي التي تواجدت بالمنطقة من 800 ق.م. حتى 350م. في أقصى اتساع لها امتدت مملكة المقرة بحذى نهر النيل من الشلال الثالث حتى الشلال الخامس أوالسادس، وسيطرت على طرق التجارة والمناجم وبعض الواحات غربا وشرقا. وكانت دنقلا عاصمتها. اعتنقت المقرة المسيحية في القرن السادس الميلادي. وعلى عكس المملكتين النوبيتين المحاصرتين للمقرة شمالاً وجنوباً فقد كانت المقرة على الممضى الملكاني. ومع دخول مصر الإسلام في القرن السابع، وصلت الجيوش العربية إلى المقرة في عام 651 ولكنها صُدَت، وتم توقيع اتفاق بقت بين الطرفين يضمن للمسيحيين حقوقهم. استمر هذا الإتفاق سارياً حتى القرن الثالث عشر.

المراجع

جرت عادة المؤرخين الكتابة عن تاريخ مملكة مُقُرة ببداية اعتناقها الدين المسيحي وذلك لعدم توفر المعلومات عن الفترة السابقة للمسيحية. وقد بدأ الجيل الواعد من الآثاريين والمؤرخين بتغيير ذلك التقليد بتكثيف العمل الآثاري الذي بدأت طلائع نتائجه في الوضوح، ونأمل حتى تري الأطوار المبكرة من تاريخ مملكتي مُقُرة وعلوة النور قريباً.

وبتناول الرأي الذي طرحه آركل والذي ربط بين أصل حدثة مُقُرة (مقر:اليم والقاف والراء mgr) وبين أصل حدثة مَقِرة magera Tu - اسم الأسرة المالكة في منطقة هضبة تبستي في الصحراء الغربية للنيل، وحدثة Tu هي الاسم القديم لمنطقه هضبة تبستي، ومَقِرة تعني الرجل العظيم أوالرئيس. ويرى آركل حتى الأسرة الحاكمة في تبستي تو- مقرة قد تردد كثيراً بين الأسر الحاكمة في المنطقة بما في ذلك أسرة التنجر في دارفور والتي يتضمن تراثها الشعبي صلتها بالنيل. جميع ذلك يرجح احتمال وجود الصلة بين الأسرة التي أسست مملكة مُقُرة وسكان الصحراء الغربية.

ويرى كيروان حتى المُقُريين من الممكن كانونفس الجماعة التي أشار إليها سترابوفي القرن الأول الميلادي باسم Meya Bapoi وأشار إليهم بطلميوس في القرن الثاني الميلادي باسم Makkopai.

ولم يحظ اسم مُقُرة في المصادر العربية بنفس القدر الذي حظي به إسمي النوبة وعلوة، فلم يتردد كثيراً في المصادر المبكرة وأتت كتابته بصور مختلفة. فقد أتى عند المسودي "ماقرة" وعند ابن سليم وأبوصالح الأرمني وابن عبد السلام والمقريزي "مُقُرة" بدون ألف ولام، وعند ابن حوقل "المُقُرة" بالألف واللام، وعند ياقوت الحموي "مُقُرّى" وعند الدمشقي "مُقُرّا" وقد تبعنا الرسم الغالب على المصادر العربية وهومُقُرة.


التاريخ

التأسيس

الشرق الأدنى في 700م، وتظهر على الخريطة المقرة والممالك المجاورة لها.

حدود المملكة

اختلفت تقديرات المصادر العربية لامتداد مملكة مقرة، فقدره بعضهم بالأيام والليالي والأشهر والبعض الآخر قدره بالمراحل. فقد ذكر اليعقوبي حتى مُقرة بلاد واسعة وعريضة ومسافة ما بينها وبين علوة مسيرة ثلاثة أشهر، بينما جعل الادريسي طولها على النيل مسيرة شهرين وأكثر وجعله اليعقوبي شهرين فقط. وقدر القزويني طول مملكة مقرة بمسيرة ثمانين ليلة بينما قدرها المقريزي بمسيرة أربعين يوماً وجعلها ابن سعيد مسيرة سبعون يوماً. أما ابن سلم الأسواني الذي زار المملكة فقد جعل طولها أكثر من خمسين فترة. هذه التقديرات المتضاربة تعكس مصادر معلومات أولئك المؤلفين وهوما يذكرنا بأن لا نأخذ جميع ما ورد في المصادر العربية باعتباره حقائقاً مسلماً بها

أما حدودها فقد وضحت المصادر امتدادها على النيل جنوباً حتى حدود مملكة علوة. أما حدودها الشمالية فقد كانت تنتهي عند الشلال الثالث قبل حتى تضم إليها مملكة نوباتيا التي عهدت في المصادر العربية باسم مملكة مريس. وبعد اتحاد المملكتين في الربع الأخير من القرن الأول الهجري امتدت حدود مملكة مقرة - كما وضحت المصادر مثل ابن سليم والمسعودي - حتى مدينة القصر التي تقع على بعد ستة أميال جنوب أسوان. غير حتى ابن سليم ذكر في مكان آخر (في مسعد، المخطة السودانية ص 91) أن: "أول بلد مقرة قرية تعهد بتافة على بعد فترة من أسوان" وأغلب الظن أنه قصد مدينة فيلة التي تحدثنا عنها في منطقنا السابق رقم 18.

ولم يتردد اسم تافة في المصادر العربية كثيراً، فقد أشار إليها أبوصالح الأرمني (في مسعد ص 146) ولن يحدد مسقطها. وذكر مسعد (المخطة السودانية ص 79 حاشية رقم3) حتى الملك المقري مرقوريس حول معبدها إلى كنيسة عام 710 م (92 هـ) وذكر أبوصالح: "أن بمدينة تافة دير يعهد بدير أنسون ووصفه بأنه دير عتيق متقن حسن البناء، ولذلك لم تتغير معالمه على طول مدته" واضاف حتى ملك مصر أوفد نبي الله موسى قبل نبوته لغزومدينة تافة، ووضح حتى الطريق إليها كان يمر بمناطق تكثر فيه الأفاعي والحشرات التي يصعب معها العبور، فاصطحب موسى معه الديوك والطيور ففرت الأفاعي والحشرات عبر الجيش عند سماعها أصوات الديوك والطيور. وتمكن موسى من فتح المدينة وبالتعاون مع إحدى أميراتها.

ويبدوحتى امتداد مملكة مقرة شرقاً كان منحصراً على المناطق المجاورة للنيل إذ لم يرد في المصادر ما يبين امتداد نفوذها شرقاً ما عدا ما ذكر عن قبيلة الزنافجة التي استقرت بجوارها شرقي النيل والتي كانت تحت سلطتها. وقد تحدثنا عن هذه القبيلة في منطقاتنا السابقة عند الحديث عن قبائل شرق السودان.

وأشارت المصادر العربية إلى امتداد المملكة نحوالغرب والشمالالغربي والجنوب الغربي، فعاصمة الدولة دنقلة كما ذكر أبوالفداء (في مسعد ص 216) تقع على ضفة النيل الغربية وأضاف "وفي غربي دنقلة وشماليها مدنهم المذكورة في الخط" وسنلاحظ ذلك بوضوح عند تناول مدن وسكان مملكة مقرة.

السكان

وقد تناولت بعض المصادر العربية وصف المملكة وسكانها بصورة عامة، نطق القلقشندي (في مسعد ج 2 ص 13) عن النوبة: "ولون بعضهم يميل إلى الصفاء، وبعضهم شديد السواد" ووصفهم ياقوت الحموي (ج أربعة ص 246) بأنهم "نصارى يعاقبة لا يطؤن النساء في الحيض ويغتسلون من الجنابة ويختتنون"

الاقتصاد

وصف المسعودي البلاد بصورة عامة فذكر أنها أشبه باليمن، وبيّن بعض ثروات مقرة من الإبل النجائب والبقر والغنم. وذكر حتى "لملكهم خيل عتاق وللعامة براذين وينبت عندهم الحنطة والشعير والذرة ولهم نخل وكروم ومقل وأراك وعندهم أترنج مفرط العظم." كما ورد في نسخة مسقط الوراق (ج 1 ص 495) حتى جميع المنطقة الواقعة على طول النيل بين اسوان ودنقلة عمائر متصلة. ويلاحظ وجود الأبل العتاق في مملكة مقرة مما يشير إلى ارتباط وامتداد المملكة في الصحراء غربي النيل. وقد أشار المسعودي إلى سلاح المقريين وقتالهم فذكر أنهم: "يرمون بالنبل عن القسي العربية وعنهم أخذ الرمي أهل الحجاز واليمن وغيرهم من العرب. وهم الذين يسميهم العرب رماة الحدق."

وذكر ياقوت الحموي حتى "النوبة بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر وهم نصارى أهل شدة في العيش أول بلادهم بعد أسوان يجلبون إلى مصر فيباعون بها ... وبين النوبة والبجة جبال منيعة شاهقة وكانوا أصحاب أوثان"


التقسيمات الادارية

دنقلة

حظيت مدينة دنقلة عاصمة مملكة مقرة بالقدر الأكبر من المادة التي وردت في المصادر العربية عن مدن مملكة مقرة. ورغم تواتر كتابة اسم المدينة دنقلة بالنون إلا أنها اتىت في بعض المصادر بالميم دمقلة كما في كتاب فتوح مصر لابن عبد الحكم والروض المعطار للحميري وعند المقريزي في كتابه السلوك لفهم دول الملوك وابن كثير في البداية والنهاية. ويبدوحتى هؤلاء المؤلفين قد نقلوا عن ابن الحكم واشتهرت كتابة الاسم بالميم كما وردت عنده في بيت الشعر المشهور:

لم تر عيني مثل يوم دمقلة والخيل تعدووالدروع مُثْقلة

وقد نقل القلقشندي ما أثبته أبوالفداء في كتابه تقويم البلدان بأنها بالميم، وعلق على ذلك قائلاً: " وما نطقه هوالجاري على ألسنة أهل الديار المصرية"

وحددت المصادر مسقط مدينة دنقلة على الضفة الغربية للنيل، ونطق الادريسي عن سكان مدينة دنقلة أنهم: "سودان لكنهم أحسن السودان وجوهاً وأجملهم شكلاً ... وطعامهم الشعير والذرة والتمر يجلب إليهم من البلاد المجاورة لهم وشرابهم المزر المتخذ من الذرة واللحوم التي يستعملونها لحوم الإبل طرية ومقددة ومطحونة ويطبخونها بألبان النوق وأما السمك فكثير عندهم جدا."

وذكر أبوصالح الأرمني </ref>في مسعد، المخطة السودانية ص 139</ref> دنقلة بأنها "مدينة عظيمة على شاطئ بحر النيل المبارك، وبها كنائس وآدر كبار وشوارع متسعة ودار الملك شاهقة البناء بقباب عدة مبنية بالطوب الأحمر تحاكي أبنية العراق مما كان اقترحه رفائيل ملك النوبة إلى آخر سنة اثنين وتسعين وثلثمائة للعرب 392 هـ"

ويبدوحتى هذا الوصف للكنائس وللمباني والشوارع وصف من ولج مدينة دنقلة، وأغلب الظن حتىقد يكون هذا وصف ابن سليم للمدينة. فالمقريزي لم ينقل وصف ابن سليم لمدينه دنقلة، فقد ذكر المقريزي فيما نقله عن مدينة دنقلة من ابن سليم: "وذكر صفتها ثم نطق: يسقفون بيوتهم بخشب الساج الذي يأتي به النيل" فقد اهتم المقريزي ما تعلق بالخشب الذي يأتي به النيل، ولم يورد ما ذكره ابن سليم عن وصف المدينة بل اكتفى بالاشارة إلي حتى ابن سليم وصف المدينة حين نطق "وذكر صفتها". فلوأخذنا بأن ابا صالح الأرمني المتوفى عام 605 هـ /208 م قد أخذ الوصف عن ابن سليمقد يكون هذا الوصف وصف من شاهد المدينة مما يؤدي إلى مصداقية الوصف وقبوله.

وتبدودنقلة مدينة مدينة كبيرة ذات تخطيط منتظم، بها كنائس متعددة، وبها شوارع واسعة ومنازل كبيرة والقصر الملكي مشيد بالطوب الأمر وذومباني عاليه تزينه عدد من القباب. ووضح الوصف حتى مباني مدينة دنقلة وربما القصر الملكي بصورة خاصة قد تأثر بأسلوب العمارة العراقية مما يوحي بأن هذا التأثير نتج عن زيارة الأمير المقري الذي زار العراق في عصر الخليفة المعتصم (218 – 229 هـ / 833 – 843 م) والذي ورث أباه على عرش المملكة (259 – 279 هـ / 872 – 892 م). وبعد نحوقرن من الزمان أتي الرحالة اين سليم الأسواني إلى مدينة دنقلة في عهد الملك جورج الثاني (359 – 392 هـ /) وهجر لنا وصف المدينة الذي أشار إليه ابن سليم ولم ينقله. وأغلب الظن حتى وصف دنقلة الذي أورده أبوصالح منقولاً عن ابن سليم.

وقد وصف القزويني أرض مدينة دنقلة بأنها "محترقة لغاية الحرارة عندهم، ومع شدة احتراقها ينبت الشعير والحنطة والذرة. وذكر حتى "لهم نخل وكرم ومقل وأراك وبلادهم أشبه شئ باليمن" ووصف مساكنها بأنها "أخصاص كلها، وكذلك قصور ملكهم". وقد انفرد القزويني بوصف أهل مدينة دنقلة بأنهم "عراة مؤتزرون بالجلود"، وأضاف حتى "النمر عندهم كثيرة، يلبسون جلودها، والزرافة أيضاً وهي دابة عجيبة منحنية إلى خلفها لطول يديها وقصر رجليها، وعندهم صنف من الإبل صغيرة الخلق قصيرة القوائم."

ومن الواضح حتى معلومات القزويني عن مدينة دنقلة غير دقيقة مثل وصفه لمساكن أهل دنقلة بأنها أخصا ص كلها وهذا يتعارض مع ما ورد عن مدينة دنقله في المصادر العربية الأخرى. وكما وضحت الكشوفات الآثارية وجود المباني الكبيرة الواسعة ذات الطابقين في مدينة دنقلة وسورها الضخم والعالي الارتفاع المبني بالطوب والحجارة. وقد نقل القزويني وصف المسعودي للنوبة بصورة عامة وجعله وصفاً لأهل مدينة دنقلة.

ومن الروايات غير الدقيقة أيضاً ما أورده النويري من وصف الرسول الذي بعثه توران شاه أخوصلاح الدين الأيوبي عام 568 هـ (1172 م) لمدينة دنقلة ليكشف له خبرالبلاد بعد حتى ولج المناطق الشمالية من مملكة مقرة حتى قلعة إبريم، ونطق الرسول بعد عودته من دنقلة كما رواها النويري:

«وجدت بلادا ضيقة، ليس بها من الغرس سوى الذرة ونخل صغير منه أدامهم ، ويخرج الملك وهوعريان على فرس عرى، وقد التف في ثوب أطلس ، وليس على رأسه شعر. فلما قدمت عليه وسلمت ضحك وتغاشى، وأمر بي فكويت على يدي هيئة صليب، وأنعم علي بنحوخمسين رطلا من دقيق وليس في دمقلة عمارة سوى دار الملك ، وباقيها أخصاص»

ويبدوحتى محرر هذا الوصف لم يدخل مدينة دنقلة ولم يجمع معلوماته عنها ممن دخلها بل أورد وصفاً للمدينة وملكها من تخيلاته التي توضح جهله بالمنطقة وأهلها.

نوابيا

مدينة نوابية أونوابة من مدن مملكة مقرة الصحراوية، ولم تتفق المصادر العربية في كتابة اسمها. فقد ورد "نوابة" عند الادريسي في نسخة مسقط الوراق الذي لم يذكر معلومات عن الطبعة التي أخذ منها وورد وكذلك "نوابة" عند ابن سعيد. وكُتِب "نوابية" عند الدريسي في النسخة التي اعتمد عليها مسعد في المخطة السودانية وهي طبعة دوزي عام 1864 م وكذلك كُتِبت "نوابية" عند ابن الوردي والحميري ويبدومن المادة التي أوردها جميع من ابن الوردي والحميري أنهما نقلا عن الادريسي. وعلى جميع حال فإن الاختلاف في الرسم سهل ولا يغير في نطق الحدثة كثيراً.

ذكر ابن سعيد حتى مدينة نوابة تقع إلى الجنوب الغربي من مدينة دنقلة، وحدد جميع من الادريسي وابن الوردي بأنها تبعد عن النيل أربعة أيام. وحدد ابن سعيد مسقطها على خط الطول ثمان وخمسون درجة وثلاثون دقيقة والعرض تسع درجات. وحدد مسقط مدينة دنقلة على خط عرض أربع درجات وخمس عشرة دقيقة.

ويبدوأنه وقع خطأ في نقل النص أوطباعتة. فقد تواتر في الجغرافيا العربية حتى مسقط مدينة دنقلة إلى الشمال كثيرا من خط عرض اربعة درجاتً. وقد صحح هذا الخطأ ما ورد عند القلقشندي عن مسقط المدينة نقلاً عن ابن سعيد فذكر: "نطق ابن سعيد: حيث الطول ثمانٌ وخمسون درجة وعشر دقائق، والعرض أربعة عشر درجة وخمس عشرة دقيقةً."

ووفقاً لهذا التحديد فمدينة تقع إلى الجنوب من مدينة دنقلة بأريع درجات وإلى الغرب منها بعشرين دقيقة. وإذا قارنا مسقط مدينة نوابية عند ابنسعيد بالمقارنة إلى مدن الزغاوة والكانم في المنطقة نجدها تقع إلى الجنوب الشرقي من مدينة زغاوة التي تقع على خط عرضعشرة جنوبا خط الاستواء وعلى خط طول 54، وتقع إلى الشرق من مدينة جيمي الكانمية على نفس خط عرضها ويفصل بينهما خمسة خطوط طول. وبالطبع فإن تحديد المسقط بهذه الخطوط في الجغرافيا العربية المبكرة ليس بالضرورة حتى يكن دقيقاً مثل التحديد الحالي للمواقع، فهوبخاصة للمدن النائية تقديري في أغلب الأحيان، إلا أنه يعطى التصور العام للمسقط.

ومضى كراوفورد إلى حتى مدينة نوابية تقع في موضع جبل حرازة الحالي.

وقد ذكر جميع من الادريسي وابن الوردي وصف مدينة نوابية وسكانها فذكرا: "وهي مدينة صغيرة وأهلها مياسير، ولباسهم الجلود المدبوغة وأزر الصوف... وشرب أهلها من الآبار وطعامهم الذرة والشعير ويجلب إليهم التمر والألبان عندهم كثيرة. وفي نسائهم جمال فائق وهن مختتنات ولهن أعراق طيبة ليست من أعراق السودان في شيء. وجميع بلاد أرض النوبة في نسائهم الجمال وكمال المحاسن وشفاههم رقاق وأفواههم صغار ومباسمهم بيض وشعورهم سبطة وليس في جميع أرض السودان من المقازرة ولا من الغانيين ولا من الكانميين ولا من البجة ولا من الحبشة والزنج قبيل شعور نسائهم سبطة مرسلة إلا من كان منهن من نساء النوبة ... وإن الجارية منهن ليبلغ ثمنها ثلاث مائة دينار وأقل من ذلك. ولهذه الخلال التي فيهن يرغب ملوك أرض مصر فيهن ويتنافسون في أثمانهن ويتخذونهن أمهات أولاد لطيب متعتهن ونفاسة حسنهن."

فمدينة نوابية أونوابة من مدن الصحراء التي لا نعهد عنها الكثير، وقد أوردت المصادر العربية حتى اسم النوبة أتى من اسم هذه المدينة. فذكر الادريسي: "وإليها تنسب النوبة وبها عهدوا" ونطق ابن سعيد: "من مدن النوبة نوابة التي سموا بها" ونطق الحميري: "وإليها ينسب النوبة وبها عهدوا"

واسم النوبة – كما جرت عادة العرب على تخريج الاسماء – تارة يرجعونه إلى جدهم الأكبر الذيكان يعهد بـ "نوبا" فهم "بنونوبة" كما ذكر المسعودي والقلقشندي وأحياناً يرجعونه إلى أصل عربي كما وضح ياقوت الحموي : "نوبه: بضم أوله وسكون ثانيه وباء موحدة، والنوب جماعة النحل ترعى ثم تنوب إلى موضعها فشبه ذلك بنوبة الناس والرجوع مرة بعد مرة، وقيل النوب جمع نائب من النحل والبترة من النحل تسمى نوبة شبهوها بالنوبة من السودان وهوفي عدة مواضع: النوبة بلاد واسعة عريضة في جنوبي مصر."

ولكن يظهر معقولاً ارتباط اسم النوبة في المصادر العربية باسم مدينتهم كما جرت عليه عادة المؤلفات العربية في إطلاق اسم المدينة على السكان أوالعكس "فنوابة أونوابية أونوبة" كما ذكر ابن الوردي : "ومن مدن النوبة المشهورة نوابية وينطق لها نوبة" فأصبحت "نوبا" اسم المدينة والسكان كما يقولون أهل غانة عاصمتهم مدينة غانا وكوكوعاصمتهم مدينة كوكو، ورغم حتى عاصمة مالي تذكر أحياناً باسمها "نياني"إلا أنه يطلق عليها مدينة مالى. فهل كانت مدينة النوبا "نوابة أونوابية أونوبة" في وقت ما قبل دخول العرب مصر مدينة للنوباتيين في الصحراء ولذلك عهد السكان بها؟

وقد ذكرنا في منطقاتنا السابقة حتى العرب عندما دخلوا مصر وجدوا حتى سكان المنطقة الواقعة على حدود مصر الجنوبية يعهدون باسم النوباتيين، فجرى الاسم في لسانهم النوبة بلاً من النوباتيين. ولم يرد اسم مدينة "نوابية أونوابة أونوبة" في المصادر العربيةالمبكرة، وظهر في القرن السادس عند الادريسي ومن اتى بعده. فهل كانت مدينة نوابية موجودة طيلة هذه القرون لكنها لم تصل عنها معلومات إلى المؤلفين المبكرين،يا ترى؟ لا يظهر هذا الافتراض معقولاً لقرب المدينة ولاشتهارها كم عبر ابن الوردي أعلاه. فمتى ظهرت المدينة إذا لم تكن قديمة،يا ترى؟ وهل أخذت المدينة اسمها من اسم سكانها النوبة خلافاً لما ورد في المصادرالعربية،يا ترى؟ تظل مثل هذه الأسئلة في انتظار جهود مؤسساتنا الفهمية وبخاصة الآثارية منها.


بلاق

ذكرت المصادر العربية مدينتان بهذا الاسم في مملكة مقرة، إحداهما بلاق التي تقع جنوب أسوان على الحدود بين مملكة مقرة ومصر وقد تناولناها فيما تجاوز من موضوعاتنا. ومدينة بلاق الأخرى ذكر الادريسي والحميري الذي خطها يلاق بالياء حتى مسقطها عند إلتقاء نهر عطبرة بالنيل، وأن المسافة بين علوة ومدينة بلاق عشرة أيام في البر وفي النيل إنحداراً أقل من ذلك. وذكر الادريسي حتى "أهل علوة ودنقلة يسافرون في النيل بالمراكب وينزلون أيضاً إلى مدينة بلاق في النيل"

ووصف الادريسي والحميري سكان مدينة بلاق بأنهم متحضرون ومعايشهم حسنة ولباسهم الأزر والمآزر، يغرسون الشعير والزرة ويأتيهم التجار بالحنطة، وتتوفر عندهم الألبان والحيتان والبقول. وتناولا نشاط المدينة التجارى، فقد كانت مدينة بلاق مركزاً تجارياً هاماً بين علوة والمقرة والبحر الأحمر، وذكرا أنه يجتمع فيها تجار "النوبة والحبشة، ويسافر تجار مصر إليها إذا كانوا معهم في صلح وهدنة" وذكر الادريسي حتى الطريق بين مدينة بلاق ومدينة مركطة في الحبشة يبلغ ثلاثون فترة، ومنها يصل الطريق إلى ميناء زيلع على البحر الأحمر.

شنقير

رجع كراوفورد إلى ما نقل عن J. N. Vansleb في كتابه Histoire de L’eglise d’Lexandrie المفقود والذي إلف في القرن السابع عشر إلى ما ورد عن أسقفيات مملكة مقرة وهي: كورتا (تقع على بعد 70 ميلاً جنوب أسوان) وابريم وبوخارس (فرس) ودنقلة وصاي وتيرمس ( تالمس القديمة، كلابشا) وسينكور Scienkur. ويرى كراوفورد حتى سينكور من الممكن كانت هي بلد شنقير، وهوالاسم الذي لا يزال موجوداً - كما يرى كراوفورد – في اسم وادي Sengeir أوSumgar كما غند Cailliaud وبروس، ويلتقي الوادي بالنيل عند جزيرة العُشير، كما يرى كراوفورد حتى الاسم لا يزال عئاشاً في اسم سنجراب Singerab جزيرة مقرات الحالية بالقرب من أبوحمد.

وضع المقريزي شنقير عند انحناءة النيل إلى الجنوب الغربي في منطقة أبوحمد وبها معدن المضى المعروف بالشنكة. وحدد مسقطها في مكان آخر على بعد "بعض نهار يوم" من النيل. وهوالموضع الذي حاربفيه العمري المقريين. ويرى مسعد أم منطقة شنقير كانت أحد الأقسام الادارية والكنسية في مملكة مقرة، وكانت فيما يظهر آخر أعمال هذه المملكة من ناحية الجنوب ومتاخمة لمنطقة الأبواب.

كوشة

ورد اسم كوشة في عند الادريسي في القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي وعند ابن سعيد في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي وكلاهما لم يذكر مصدره، وقد عاشا بين الأندلس وصقلية والمغرب العربي. ذكر الادريسي حتى كوشة من البلاد المشهورة والقواعد المذكورة في بلاد النوبة ووضعها إلى جانب علوة ودنقلة وبلاق. وحدد مسقطها (وعنه نقل الحميري) بأنها موغلة في الداخل "وبينها وبين مدينة نوابة ستة أيام وهي تبعد عن النيل يسيراً وموضعها فوق خط الاستواء" وحدد ابن سعيد وعنه نقل أبوالفداء والقلقشندي مسقطها بأنها جنوب غربي مدينة دنقلة. وذكر ابن فضل الله العمري حتى كوشة من مدن النوبة ولم يحدد مسقطها كما لم يذكر مصدره.

ووضح ابن سعيد حتى مدينة كوشة هي "قاعدة زنج النوبة" وربم قصد ابن سعيد بـ "زنج النوبة" ما وضحه الادريسي بأن كوشة في طاعةملك دنقلة. ووصف أهلها بأنهم "قليلون وتجاراتها قليلة" ووصف أرضها بأنها "حارة جافة كثيرة الجفوف جداً وشرب أهلها من عيون تمد النيل هناك" وقد افترض كراوفورد بناءً على تحديد الادريسي بأنها قامت على مكان زانكور الحالية في شمال كردفان عند بداية وادي المٍلك.

ويبدوهذا التحديد معقولاً للصلات القديمة القوية بين سكان منطقة دنقلة بكردفان التي كانت مرتبطة ارتباطا قويا بالنيل شمالاً عبر وادي الملك. ويعتقد آركل حتى الأسرة المروية الحاكمة بعد سقوط الدولة تحركت جنوبا وتمكنت من إحياء مملكتها في مناطق كردفان. وربما ظل انتنطق العاصمة إلى شمال كردفان حيا أيضا في مخيلة سكان الشمال كما يُلاحظ ذلك في مخطوطة داؤد كُبارا بن يوسف من أهالي وادي حلفا والتي خطها عن تاريخ النوبة عام 1911م. بدأ داؤد الفصل الأول من تاريخه في كتاب ماكمايكل ( A History of the Arabs In the Sudan Vol. 2 p324) تحت عنوان "عاصمة مملكة النوبة" قائلاً: "إن العاصمة كانت جبل عبد الهادي الذي يقع بين دنقلا وكردفان وعدد من الجبال"

وقد أورد الدمشقي معلومات غير دقيقة عن مدينة كوشة فقد ذكر نصان عن النوبة على نفس الصفحة، في النص الأول ذكر أنه "حكى السبحي حتى للنوبة صنفان: أحدهما ينطق له علوة وملكهم يسكن مدينة تسمى كوسة، والآخر يسمى مقرا وملكهم يسكن دنقلة، لا يلبسون المخيط." وقد اعتبر الباحثون حتى كوسة الدمشقي هي مدينة كوشة التي ذكرت في المصادر الأخرى بالشين وليس بالسين.

وذكر في النص الثاني حتى النوبة أصناف "وهم على ما ذكره تجار أسوان: أنج وأزكرسا ووالتبان وأندا وكنكا" ويلاحظ أنه ذكر حتى النوبة صنفان: علوة ومقرة كما في النص الأول، ثم ذكر مرة أخرى وعلى نفس الصفحة أ، النوبة أصناف وعدد منهم خمسة أصناف كما في النص الثاني. ومعلومات الدمشقي عن مملكتي مقرة وعلوة اتىت مختصرة وتبدوفي صورتها العامة غير دقيقة. وقد تواترت الأخبار في المصادرالعربية الأخرى حتى ملك علوة كان مستقرّاً في مدينة سوبة.

وقد حاول Monneret de Villard حتى يجد تخريجاً لنص الدمشقي فذكر كما ورد في كراوفورد (The Fung Kingdom of Sennar p 27 ) حتى الملك حول عاصمته من سوبة إلى كوشة في الجنوب تحت ضغط القبائل العربية، وقد وقف كراوفورد متردداً أمام النص لأنه لم ير النص الأصلي وتساءل هل تحويل الملك العلوي لعاصمته قد ذكره المشقي أم حتى ذلك أتىكتفسير من دي فلارد؟

ومن الواضح حتى الدمشقي لم يتطرق لتحويل العاصمة كما في النص الأول أعلاه، بل أتى ذلك كتفسيرمن دي فلارد. ولا يظهر هذا التفسير مقبولاً لأن الدشقي توفى عام 739 هـ / 1338 م ويعني هذا حتى تأليف كتابه قد تجاوز هذا التاريخ، ومن المعروف حتى المسلمينقد بدأوا يدخلون مملكة المقرة بعد حتى إعتلى عرشها أول ملك مسلم عام 716 هـ / 1316 م. أي حتى الفترة الزمنية بين تأليف الدمشقي لكتابه وبين بداية دخول المسلمين مملكة مقرة أقل من عشرين سنة كان الصراع لا يزال قائما بين أفراد الاسرة المالكة وبنوالكنزالذين تولوا الملك في البداية وبين القبائل العربية التي دخلت مع حملات المماليك. وبالضافة إلى هذه الصراعات فأقل من عشرين سنة يعتبر وقتاً قصيراً جدّاً لا يسمح بانتشار المسلمين في داخل مملكة مقرة ناهيك عن تخطيهم لها والوصول إلى مملكة علوة والضغط على ملكها حتى اضطر لتحويل عاصمته.

والمخرج الواضح لما خطه الدمشقي هوأنه وقع خطأ في نقل الرواية، إما من مصادر المؤلف أومن نقل الرواية فيما بعد، فتكون كوسة التي ذكرها الدمشقي هي كوشة قاعدة زنج النوبة التي تواترت في المصادر أخبارها. وقد تبع بعض المؤرخين افتراض دي فلارد وفسروا به توغل فبائل العرب المبكر في مملكة علوة وربطوه بغير ذلك من أحداث.

ولعل هنالك سؤال هام يبرز هنا هوماهي الصلة بين "كوش" اسم قاعدة زنج النوبة وبين مملكة كوش التي قامت في مروي في منتصف الألف الثالث قبل المبلاد، وظل الاسم حيّاً – كما سنتناول ذلك لاحقاً – حتى عصر مملكة علوة المسيحية؟

اللاب

ذكر ياقوت الحموي موضعا يعرب باللابُ من بلاد النوبة، ولم يحدد مسقطه. وذكر أنه يُجلَب منه صنف من السودان منهم كافور الأخشيدي. نطق فيه المتنبي: "كأن الأَسودَ اللابي فيهم" ومن أيضاً صندل اللابيُ والي إمارة عُمان.

السكان

الجبليين

ذكر ابن حوقل أنه توجد أمة تعيش غربي النيل الأبيض يعهدون بالجبليين في طاعة ملك دنقلة، ولم يذكر عنهم أكثر من ذلك. وبما حتى مسقطهم كما ورد غربي دنقلة فيبدومن الصعب ربطهم بمنطقة جبلية وفقاً لاسمهم "الجبليين" لأنه لا توجد منطقة جبلية في غربي دنقلة قريبة منها، إلا إذا توغلنا غرباً إلى مناطق العوينات أوتبستيوهي مناطقبعيدة عن دنقلة، ولاأظن المحرر يربطهم بها. ومن الممكن أنلاقد يكون غسم الجبليين مرتبطاً بمنطقة جبلية، وبذلك ينبغي البحث عن هناطق هذه الجماعة غربي دنقلة في المناطق الصحراوية.

الزغاوة

تقع مناطق الزغاوة كما وردت في المصادر العربية بين دولة الكانم غرباً والنوبة شرقاً. وتمتد دياركانم من بحيرة تشاد جنوباً متوغلة في الصحراء، وقد تراوحت حدود كانم الشمالية على حسب قوتها وقوة الدول التي قامت في شمال افريقيا. لكن حدودها كانت بصورة شبه دائمة في الفترة التي نحن بصدد الحديث عنها ممتدةً حتى النهايات الشمالية للصحراء الكبرى.

وقد ذكر ابن سعيد عند الحديث عن غدامس – على الحدوالليبية التونسية الجزائرية- وودان إلى الشرق من غدامس وبلاد فزان حتى "الجميع الآن في طاعة ملك الكانم" فسكان بلاد الكانم كانوا سودان وبربر. وقد وصفهم فيما بعد القلقشندي بأنهم "مسلمون الغالب على ألوانهم السواد ... وأتباعهم من البرابرة الذين أسلموا ... عسكرهم يتلثمون."

وإلى الشرق من بلاد كانم وهي المنطقة الواقعة الآن على الحدود السودانية التشادية أي دارفور ومايجاورها مجالات الزغاوة والتاجويين. وصنفت المصادر الاسلامية المبكرة الزغاوة بانهم من السودان مثل النوبة والبجة والكانم أبناء كوش بن كنان بن حام بن نوح.

وورد عند جميع من الادريسي وابن خلدون رواية يفهم منها حتى مواطن الزغاوة كانت في أقصى الجزء الغربي من الصحراء الكبرى في أرض قمنورية على المحيط الأطلسى والتي كان يسكنها قوم يقول الإدريسي عنهم أن: "التجار يدعون أنهم يهود وفي معتقدهم تشويش" ويضيف الادؤيسي على نفس الصفحة أنه:

«وكانت في القديم من الزمان السالف لأهل قمنورية مدينتان عامرتان ... لكن أهل زغاوة وأهل لمتونة الصحراء الساكنون من جهتي هذه الأرض طلبوا هذه الأرض أعني أرض قمنورية حتى أفنوا أكثر أهلها وبتروا دابرهم وبددوا ضمهم على البلاد ... فأفنتهم الأيام وتوالت عليهم الفتن والغارات من جميع الجهات فقلوا في تلك الأرض وفروا عنها واعتصموا في الجبال وتفرقوا في الصحارى ودخلوا في ذمة من جاورهم وتستروا في أكنافهم"»

ويورد ابن خلدون أثناء حديثه عن بلاد السودان حتى "أرض قنورية وبعدها في جهة الشرق أعالي أرض غانة ثم مجالات زغاوة من السودان" ويتضح من النصين حتى مواطن الزغاوة كانت فيأقصى غرب افريقيا بالقرب من ساحل المحيط الأطلسي ولكن يفهم من نص الادريسي حتى ذلك كان كما عبر " في القديم من الزمان السالف".

وبالطبع فإنه يصعب تحديد ذلك الزمان السالف، ولكن ما نقلته المصادر العربية توضح حتى مواطن الزغاوة منذ بداية العصور الاسلامية كانت المنطقة الواقعة إلى الشرق من كانم. فابن خلدون نفسه ذكر حتى "الزغاوة مجاورون للنوبة" وأعتقد أنه لم يشعر بأي تضارب بين روايتيه لأن الرواية الأولى ترجع إلى عصور سالفة.

وذكر المسعودي حتى "مملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة." ونقل ياقوت الحموي عن المهلبي (ت380هـ) نصاًّ طويلا عن الزغاوة يعتبر من أقدم وأوفى ما خط عنهم ورأيت حتى اثبت النص بكامله. يقول ياقوت:

ونطق المهلبي: وللزغاوة مدينتان: ينطق لإحداهما مانان وللاخرى ترازكي وهما في الإقليم الأول وعرضهما إحدى وعشرون درجة. نطق ومملكة الزغاوة مملكة عظيمة من ممالك السودان في حد المشرق منها مملكة النوبة الذين بأعلى صعيد مصر بينهم مسيرة عشرة أيام. وهم أمم كثيرة وطول بلادهم خمس عشرة فترة في مثلها في عمارة متصلة. وبيوتهم جصوص كلها وكذلك قصر ملكهم وهم يعظمونه ويعبدونه من دون الله تعالى ويتوهمون أنه لا يأكل الطعام، ولطعامه قَوَمَة عليه سراً يدخلونه إلى بيوته لا يفهم من أين يجيؤنه به فإن اتقف لاحد من الرعية حتى يلقى الابل التي عليها زاوُر اغتال لوقته في موضعه. وهويشرب الشراب بحضرة خاصة أصحابه، وشرابه يعمل من الذُرَة مقوى بالعسل. وزيه لبس سراويلات من صوف رقيق والتشلاح عليها بالثياب الرفيعة من الصوف الإسماط والخز السوسي والديباج الرفيع. ويده مطلقة في رعاياه ويسترق من شاء منهم. أمواله المواشي من الغنم والبقر والجمال والخيل وزروع بلدهم أكثرها الذُرَة واللوبيا ثم القمح. وأكثر رعاياه عراة مؤتزرون بالجلود ومعايشهم من الزروع واقتناءِ المواشي، وديانتهم عبادة ملوكهم يعتقدون أنهم الذين يحيون ويميتون ويسقمون ويصحون. وهي من مدائن البلماء وقصبة بلاد كاوار على سمت الشرق منحرفاً إلى الجنوب."

مدينة مانان وفقا لرواية ياقوت عن المهلبي من مدن الزغاوة بينما هي عند جميع من الادريسي وابن سعيد من مدن الكانم، وتبدوروايتيهما أوثق من رواية المهلبى خاصة وأن فهم ابن فاطمة - الذي نقل عنه ابن سعيد - بالمنطقة واسعة وربما زار تلك المناطق.

ومن الممكن أيضاً تفسير ما نطقه المهلبي من حتى مدينة مانان من مدن الزغاوة باعتبار حتى أن الزغاوة كانوا من بين مؤسسي مملكة كانم، وربما كانت الغلبة إلى جانبهم في المراحل المبكرة من تاريخ مملكة كانم فاعتبر المهلبي مانان من مدنهم. أما مدينة ترازكي – بهذا الرسم - لم ترد في المصادر الجغراقية الأخرى.

فمملكة الزغاوة بناءاً على وصف المهلبي في القرن الرابع الهجري (10 م) من ممالك السودان الواسعة المأهولة بالسكان إذ قدر مساحتها " خمس عشرة فترة في مثلها في عمارة متصلة" ويمارس سكانها حرفتي الزراعة والرعي. وذكر ابن سعيد حتى الزغاوة والتاجويين

"جنس واحد، ولكن الملك وحسن الصورة والأخلاق في التاجويين. وهم كفار عصاة على الكانمي يألفون الصحارى والجبال" وقد جعل ابن سعيد تاجوة وليست مدينة زغاوة عاصمة أوقاعدة للزغاوة من الممكن لأنه ذكر حتى الملك كان بيد التاجويين، وأضاف حتى مجالاتهم "ممتدة في المسافة التي بين قوس النيل من الجنوب إلى الشمال" وامتداد قوس النيل يقصد به منطقة انحاءة النيل نحوالجنوب الغربي ثم إلى الشمال في منطقة دنقلة.

ولم تكن حدود قوس النيل واضحة لدى الجغرافيين المبكرين. فامتداد مملكة الزغاوة كان أكبر من المسافة الممتدة على قوس النيل، وقد يوضح هذا الوصف تحديد مسقط مملكة الزغاوة بأنها شرقي النوبة – كما ذكر المهلبي - أكثر من توضيح امتداد مساحتها. وذكر ابن سعيد حتى مدينة تاجوة هي قاعدة الزغاوة، وقد حدد مسقطها بخط طول 55 وعرض 14 درجة. وذكر بأن أهلها مسلمون في طاعة الكانمي، وأن جنوبيها مدينة زغاوة حيث خط الطول 54 والعرض ½11درجة.

وأضاف ابن سعيد – محدداً مصدر المعلومة بابن فاطمة – حتى مواطن تاجوة كانت على النيل "وإنما هربوا بقواعدهم من النيل بسبب البعوض، فإنه يكثر من مجاورة النيل فيشتد أذاه على الآدميين والخيل. ولهم عيون في الرمال ومياه مشربة من النيل أيام الزيادة."

ويفهم من هذا حتى مواطن التاجويين كانت قريبة من النيل من الممكن على واد يصب في النيل، وتقع مدينتهم تاجوة إلى الشمال الشرقي من مدينة زغاوة. ووفقاً لهذا التحديد فإنها تقع غربي دنقلا وعلى نفس خط عرضها.

أما الادريسي فقد تناول الزغاوة باعتبارهم فرعين هما: الزغاوة والتاجويين وضع الزغاوة في المناطق الغربية من الصحراء الكبرى إلي الغرب من فزان، رغم إنه نطق إذا ذلك كان "في القديم من الزمان السالف." وذكر من مدن الزغاوة شامة وسغوة ونبرنتة.

وأشار إلى حتى أكثر أهلها قد انتقلوا غرباً إلي مدينة كوكو، من الممكن بسبب الجفاف أولحروبها مع النوبة. ومدينة سغوة يسكنها فرع من الزغاوة عهدت المدينة باسمهم وهم قبيلة سغوة. أما مدينة نبرنتة فهي خراب بسبب الجفاف. وفيما يلي نص ما ذكرة الادريسي:

"وفي بلاد زغاوة من المدن والقواعد سغوة ... ومن مدن زغاوة شامة وهي مدينة صغيرة شبيهة بالقرية الجامعة وأهلها في هذا الوقت قليلون، وقد انتقل أكثر أهلها إلى مدينة كوكووبينهما ست عشرة فترة. وأهل شامة يشربون الألبان ومياههم زعاق وعيشهم من اللحوم الطرية والمقددة والأحناش يتصيدونها كثيراً ويطبخونها بعد سلخها وبتر رؤوسها وأذنابها وحينئذ يأكلونها. والجرب لا يفارق أعناق هؤلاء القوم بل هوفيهم موجود وهم به مشهورون وبه يعهد الزغاويون في جميع الأرض وقبائل السودان، ولولا أنهم يأكلون الأحناش لتبتروا جذاما.ً وهم عراة يسترون عوراتهم فقط بالجلود المدبوغة من الإبل والبقر ولهم في هذه الجلود التي يستترون بها ضروب من البتر وأنواع من التشريف يحكمونها."

"ولهم في أعلى أرضهم جبل يسمى جبل لونيا وهوعالي الارتقاء قاسي لكنه ترب وترابه أبيض رخو، وفي أعلاه كهف لا يقربه أحد إلا هلك وينطق إنه فيه ثعبان كبير يلتقم من اعترض مكانه على غيرفهم منه بذلك. وأهل تلك الناحية يتحامون ذلك الكهف. وفي أصل هذا الجبل مياه نابعة تجري غير بعيد ثم تنبتر. وعليه أمة تسمى سغوة من قبائل زغارة وهم قوم ظواعن رحالة والإبل عندهم كثيرة اللقاح حسنة النتاج. وهم ينسجون المسوح من أوبارها والبيوت التي يعمرونها ويأوون إليها، ويتصرفون في ألبانها وأسمانها ويتعيشون من لحومها. والبقول عندهم قليلة وهم يغرسونها وينتجونها، وأكثر ما يغرسه أهل زغاوة الذرة وربما جلبت الحنطة إليهم من بلاد وارقلان وغيرها. نزهة."

"وفي جهة الشمال وعلى ثماني مراحل من موضع قبيلة سغوة مدينة خراب تسمى نبرنته وكانت فيما سلف من المدن المشهورة لكن فيما يذكر حتى الرمل تغلب على مساكنها حتى خربت وعلى مياهها حتى نشفت وقل ساكنها فليس بها في هذا الزمان إلا بقايا قوم تشبثوا بمقامهم في بقايا خرابها حناناً للموطن. وبهذه المدينة في جهة شمالها جبل يسمى غرغة حكى صاحب كتاب العجائب حتى فيه نملاً على قدر العصافير وهي أرزاق لحيات طوال غلاظ تكون في هذا الجبل ويحكى حتى هذه الحيات قليلة الضرر والسودان يقصدون إلى هذا الجبل فيصيدون به هذه الحيات ويأكلونها كما قدمنا ذكره قبل هذا."

ووصف الادريسي التاجويين "بأنهم مجوس، وحدد مسقط ديارهم بأنها متصلة بأرض النوبة. وذكر حتى من بين مدنهم مدنة سمنة وهي مدنة صغيرة، ونقل رواية عن أحد التجار المسافرين إلى أرض كوار "أن صاحب بلاق توجه إلى سمنة وهوأمير من قبل ملك النوبة فحرقها وهدمها وبدد ضمهم على الآفاق وهي الآن خراب ومن مدينة تاجوة إليها ست مراحل" وقد تحدثنا عن مدينة بلاق فيماسبق، أما مدينة سمنة فلم يحدد الادريسي مسقطها ولم أجدها في المصادر الجغرافية الأخرى الأمر الذي جعل تحديد مسقطها صعباً.

وقد رجح مسعد حتىقد يكون مسقطها "في تلال سيميات على بعد عشرين ميلا شرقي مدينة الفاشر الحالية حيث تعيش جماعة تعهد بهذا الاسم، ثم انتقلت جماعات سيميات إلى حدود واداي وهناك عهدوا باسم سيميار، ويزعم هؤلاء الانتساب إلى الداجوالقدماء." وهذا المسقط يجعلها بعيدة جداًّ من النيل إذا افترضنا انها تقع على واد يصب في النيل مثل وادي المقدم أوالملك وهي مناطق يمكن حتى نتصور خروج حملة إليها من منطقة عطبرة، وقد يظهر بعيداً خروج حملة من منطقة عطبرة إلي الفاشر ولكن ذلك لا يمنع امكانية حدوثها.

فالزغاوة التاجويون كانوا يعيشون على طول المنطقة الصحراوية ما بين كانم والنيل. ويرى الباحثون حتى الزغاوة كونوا طبقة حاكمة سيطرت على مناطق واسعة خلال القرنين الأول والثاني الهجريين (7-8 م) امتدت من دارفور شرقاً حتى كوار غرباً. واختلط الزغاوة بالهجرات المغربية التي تدفقت على المنطقة في القرن الثاني الهجري، ونتج عن هذا الخليط شعب الكانمبوالذي أسس دولة كانم في نهاية القرن الثاني الهجري.

ويرى بالمر حتى هذه الجماعات بمختلف عناصرها كانت تتحكم في الجزء الشرقي من الصحراء الكبرى الواقع بين منطقة كوار شرقاً ونهر النيل غرباً، وأن واحة العوينات كانت تعهد عند عناصر الكانوري والتدا كمنطقة سكنية متوسطة بين بلاد كابيلا أوجابيلا وهوالاسم الذي يمكن إطلاقه على جميع عواصم البرنو.

ولم يوضح الادريسي سبب الحرب بين النوبة والتاجويين، وربما كان السبب هوالصراع الطبيعي بين سكان مناطق مصادر المياه الغنية والمناطق الجافة. وربما كانت أعين التاجويين لا تزال تنظر إلى بعض مناطق النيل بمنظار الارث القديم عندما كان أسلافهم مستقرين على النيل واضطرهم البعوض – كما ذكر ابن فاطمة – لهجر النيل إلى الصحراء.

وقبل قرنين من زمن الادريسي أشار المسعودي في القرن الرابع الهجري (10 م) لذلك الصراع بين النوبة والزغاوة حيث ذكر حتى "مملكة الزغاوة واسعة كبيرة، منها على النيل مما يحاذي النوبة، ويحاربون النوبة."

وقبل ذلك بأربعة قرون أشار سترابوفي نهاية القرن الأول قبل الميلاد إلى نفس الصراع عندما تحدث عن الجزيرة المأهولة السكان جنوب مروي حيث يسكن الليبيون شواطئها الغربية بينما يسكن المرويين مناطق الضفة الشرقية ويتصارعون على ملكية الجزيرة وشواطئ النيل. وقد ذكرنا فيما تجاوز حتى الليبيين في المصادر الكلاسيكية تقصد بهم سكان المناطق الصحراوية غربي النيل. وقد أطلقت تلك المصادر على أولئك السكان أيضاً اسم النوبا كما ذكرنا في منطقاتنا السابقة.

ووصف الادريسي التاجوين بأنهم سودان "وأنهم بشر كثير وجمع غزير ولهم إبل كثيرة وفي بلادهم مراع كثيرة وهم رحالة لا يقيمون في مكان واحد من جاورهم يغزوهم ويغير عليهم ويتحيل على أخذهم وليس لهم مدن إلا مدينتان وهما تاجوة وسمية ... هذه الأرض تتصل بها أرض الواحات الخارجة وهي الآن تعهد بأرض سنترية."

القرعان

يُعتبر القرعان فرعاً من التبوويتحدثون لهجة التبوالتي أطلق عليها (تبو/قرعان) واعتبر Keane التبوالحاليين في شمالي تشاد سلالة مباشرة من الجرمانت. . وقد أدت صلة التبوبالجرمانت وصلة القرعان بالتبوإلى إرجاع أصل القرعان للجرمانت. وقد أشار الحسن الوزان (ليوالافريقي)الذي خط مذكراته في روما عام 1526 إلى صحراء بيوضة باعتبارها صحراء القرعان، ونطق عن مملكة النوبة: "تمتد مملكة النوبة على طول النيل متاخمة قفر القرعان جنوبا وأراضي مصر شمالا." وذكر بأنهم كانوا فيحرب مع ملك النوبة.

يوضح هذا حتى القرعان حتى مطلع القرن السادس عشر كانوا يقطنون صحراء بيوضة التي كانت أمطارها -حتي ذلك الوقت – توفر وسائل الحياة. وأذكر أنه حتى عقود قليلة مضت كنا نلاحظ اخضرار أودية صحراء بيوضة في طريقنا بالعربات من أمدرمان إلى مناطق الشمال. ويؤكد ذلك ارتباط قبيلة القرعان منذ قرون عديدة قبل دخول الاسلام بالنيل من ناحية وبالصحراء الغربية من ناحية أخرى.

ولا يصدق ذلك على القرعان فقط بل على جميع القبائل التي عاشت بين حدود ليبيا وتشاد والسودان. ولذلك ينبغي الهجريز على دراسة قبائل هذه المناطق لأنها تساعد على التعهد على سكان النمطقة في العصور اللاحقة. أما عن صلة القرعان بقبيلة القرعان العربية في الأردن وشمال شبه الجزيرة العربية، وعلاقة القرعان بالزغاوة وعلاقة الزغاوة بالتبووغيرها من قبائل المنطقة فسوف ننتناوله بالتفصيل في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

بركامي

وهنالك جماعة أخرى من السودان بين النوبة والزغاوة والكانم يُطلق عليهم بركامي، وحدد ابن سعيد (كتاب الجغرافيا ج 1 ص 21) بلادهم بأنها شمال جبل لونيا الممتد من الشرق إلى الغرب في بلاد كوار وزغاوة، وذكر أنهم: "سودان أهل عافية ولهم أودية بين جبال وفيها نخل ومياه وخضر. والذين يوالون منهم بلاد الكانم مسلمون. والذين يوالون بلاد النوبة نصارى. والذين يوالون زغاوه أهل أوثان."

المصامدة

المصامدة مجموعة قبلية كبيرة مواطنها مناطق المغرب الأقصى. وقد نزحت مجمزعات منها في عصر الدولة الفاطمية في القرن الخامس الهجري (11 م) من ديارهم نحوالشرق واستقرت مجموعات منهم بمصر. وكانت قبيلة المصامدة السند الذي قامت عليه دولة الموحدين في المغرب الأقصى، وبعد انهيار هذه الدولة أصبح المصامدة تحت رحمة الدول القبليات التي تلها بعد القرن السادس الهجري ، وربما هاجرت بعد جماعاتها شرقاً مرة أخرى.

وقد أشار الرحالة ناصر خسروفي كتابه سفر نامة (في مسعد، المخطة السودانية ص 126) ألى وجود جماعات من المصامدة مستقرين بجوار النوبة، فذكر: "وإذا سار من مصر إلى الجنوب وجاوز ولاية النوبة بلغ ولاية المصامدة وهي أرض ذات مراع واسعة وفيها دواب كثيرة وسكانها سود كبار العظام غلاظ أقوياء البنية ويكثر الجند منهم في مصر وهم قباح الصورة ضخام الجثة يسمون المصامدة يحاربون راجلين بالسيف والحربة ولا يستطيعون استعمال غيرها من الآلات."

وقد ذكر ناصر خسرو(سفر نامه ج 1 / ص 23) وجود فرقة في الجيش المصري على عهده في القرن الخامس الهجري (11 م) تسمى المصامدة ووصفهم بأنهم "سود من بلاد المصامدة قيل إذا عددهم عشرون ألف رجل." ورأى مسعد (المخطة السودانية ص 116 حاشية رقم 1) حتى ناصر خسرومن الممكن التبس الأمر فقصد الجنود السودانيين وليس المصامدة كما يتضح من وصفه.

وفي واقع الأمر فإن المنطقة الواقعة بين النيل شرقا ومناطق كانم والزغاوة جنوبا وغرباً ذكرت فيها بعض القبائل أوالجماعات غير المعروفة حاليّاّ. ويبدوأنه كان لتلك القبائل أولبعضها أثر واضح على الأوضاع السياسية والسكانية في مملكة مقرة. فقد ورد أنه عندما أراد ملك مقرة زكريا الذهاب إلى الخليفة العباسي في بغداد لمفاوضته في أمر البقط خشي إذا مضى هوبنفسه من بعض تلك المجموعات على كرسيه. فقد ذكر ساورس بن المقفع (في مسعد ص 85) على لسلا الملك: "لا أتمكن من مفارقة كرسي لئلاّ يملكوا البربر المخالفين لي."

وتلك القبائل والجماعات المتجولة أوالمستقرة على حدود مملكة المقرة الغربية بحاجة إلى عناية الباحثين ولا سيما الآثاريين خاصة وأنها قريبة من مملكة المقرة مكانيّاً وزمنيا، فهي تعود إلى نحوسبعة قرون فقط الأمر الذي يرجح ارتباطها القوي بواقعنا المعاصر. من المعروف حتى تاريخ المصامدة ارتبط بصورة قوية بالمغرب العربي بعد حتى انخرطوا في دعوة الموحدين وتأسيس دولتهم. ولكن كان لهم وجود في مصر منذ عصر الدولة الفاطمية إلى جانب كتامة التي قامت على أكتافها دولة الفاطميين. وقد ذكر ناصر خسروا ت 481 هـ / 1088م (ج 1 ص 23) أنه كانت هنالك فرقة في جيش الفاطميين تسمى المصامدة يبلغ عددهم نحوعشرين ألف رجل.

غير أننا في حاجة إلى التعهد وإلقاء الضوء على مواطن المصامددة المجاورة لمملكة مقرة، وكيف كانت العلاقات بين الجانبين،يا ترى؟ كما تنصرف التساؤلات إلي البركامي، فمن هم البركامي ومتى اعتنقوا المسيحية والاسلام،يا ترى؟ وأين مسقطهم على خريطتنا السكانية الحالية،يا ترى؟ وماذا وقع لها،يا ترى؟


الديانات

رسم من كاتدرائية فاراس، لميلاد المسيح.

المسيحية

رسم جداري من كنيسة نوبية، معروض في متحف الخرطوم. وتمثل سيرة من سفر دانيال ثلاثة حيث تبين الفتية الثلاث يُرمى بهم في المحرقة.

وصل المبشرون اليعاقبة إلى سوبا عاصمة مملكة علوة، ونجحوا في الوصول إلى هناك باتفاق بين ملك البجة وملك نوباتيا، وقد استقبلهم الملك النوبي، واعتنق النصرانية على ممضى اليعاقبة أسوة بمملكة نوباتيا. وكان هذا الممضى هوالذي يدين به المصريون.

أما المملكة النوبية الثالثة وهي مملكة المقرة فإنها تنصرت على ممضى مختلف وهوالملكانية، ولسبب غير معروف، ذلك لأن هذه المملكة كانت واقعة بين المملكتين اليعقوبيتين، إحداهما شمالها وهي نوباتيا، والأخرى جنوبها وهي سوبا.

الثقافة

صفحة من ترجمة نوبية قديمة لكتاب "الأعمال العظيمة لرئيس الملائكة ميكائيل" من القرن التاسع أوالعاشر، عُثر عليها في قصر ابريم، وتوجد الآن في المتحف البريطاني. اسم ميكائيل يظهر اللون الأحمر.

الختان معروف في العالم القديم في وادي النيل والشرق الأوسط. وقد دلت الآثار المصرية القديمة على ممارسة الختان منذ نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. وفي افريقيا ارتبطت عادة ختان الصبيان عند سن البلوغ وهوما يسمى بطقوس العبور Rites of Passage. ومن المعروف في التراث الاسلامي حتى ختان الصبيان سنة, وقد ذكر الحاكم في المستدرك على السليمين (جتسعة / ص 453) أنه "قد تواترت الأخبار حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا" مسروراً أي مقطوع حبل السرة.


انظر أيضاً

  • تاريخ السودان
  • قائمة حكام المقرة

هوامش

  1.   K. Michalowski, "The Spreading of Christianity in Nubia," p. 338
  2.   P.L. & M. Shinnie, "New Light on Medieval Nubia."
  3.   William Y. Adams Nubia: Corridor to Africa p. 257
  4.   Wlodzimierz Godlewski. "The Birth of Nubian Art."
  5.   Adams Corridor to Africa p. 442
  6.   Jay Sapulding. "Medieval Christian Nubia and the Islamic World: A Reconsideration of the Baqt Treaty," International Journal of African Historical Studies XXVIII, ثلاثة (1995).
  7.   See William Y. Adams "The United Kingdom of Makouria and Nobadia: A Medieval Nubian Anomaly" for a full discussion of this issue.
  8.   P.L. Shinnie Ancient Nubia p. 124.
  9.   Adams "The United Kingdom" p. 257.
  10.   Adams Corridor to Africa p. 456
  11.   L. Kropacek, "Nubia from the late twelfth century to the Funj conquest in the early fifteenth century," p. 399
  12.   Kropacek p. 401
  13.   P.L. Shinnie, "Christian Nubia." p. 556
  14.   S. Jakobielski "Christian Nubia at the Height of its Civilization," p. 207
  15.   Shinnie, "New Light"
  16.   Jakobielski p. 207
  17.   In fact, the Nubian trade in slaves from the southern Sudan centuries later was still viable according to Burckhardt's (1819) Travels in Nubia.
  18.   Shinnie, "Christian Nubia." p. 581
  19.   Shinnie, "Christian Nubia." p. 581
  20.   Adams "The United Kingdom" p. 258
  21.   Jakobielski p. 211
  22.   Louis V. Zabkar, "The Eparch of Nobatia as King," Journal of Near Eastern Studies. 1963.
  23.   Adams "The United Kingdom" p. 259
  24.   Adams Corridor to Africa p. 440
  25.   Adams Corridor to Africa p. 441
  26.   Shinnie, "New Light"
  27.   Shinnie, "Christian Nubia." p. 583
  28.   Adams Corridor to Africa p. 472
  29.   Adams Corridor to Africa p. 478
  30.   Shinnie, "New Light" p. 265
  31.   C.F. Beckingham and G.W.B. Huntingford, The Prester John of the Indies (Cambridge: Hakluyt Society, 1961), pp. 460–462.
  32.   Adams Corridor to Africa p. 495
  33.   Wlodzimierz Godlewski. "The Birth of Nubian Art." p. 255
  34.   Godlewski p. 256
  35.   Shinnie, "New Light"
  36.   Shinnie, "Christian Nubia." p. 570

المصادر

  1. ^ أحمد إلياس حسنين. "حول أصول سكان السودان -22". منبر الرأي. Retrieved 2012-08-02.
  2. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 49
  3. ^ في مسعد ص 165
  4. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 8
  5. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 285
  6. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 129
  7. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 97
  8. ^ في مسعد ج 1 / ص 14
  9. ^ جسبعة ص 461
  10. ^ كتاب الجغرافيا ج 1 ص 11 مسقط الوراق
  11. ^ في مسعد، المخطة السودانية ص 126
  12. ^ جريدة العجائب في مسعد، المخطة السودنية ص 372
  13. ^ صبح الأعشى ج 2 ص 313.
  14. ^ The Fung kingdom of Sennar, 26
  15. ^ في مسعد ص 126
  16. ^ جريدة العجائب ج 1 ص 28
  17. ^ أخبار الزمان ج 1 ص 89
  18. ^ صبح الأعشى ج 1 ص 153
  19. ^ في مسعد ص 165
  20. ^ في مسعد ص 373
  21. ^ في مسعد ص 130
  22. ^ الروض المعطار ج 1 ص 619
  23. ^ ص 25 حاشية
  24. ^ في مسعد ص 97
  25. ^ في مسعد، ص 357
  26. ^ المخطة السودانية حاشية 2
  27. ^ مسعد 127 - 128
  28. ^ كتاب الجغرافيا ج 1 ص 11
  29. ^ في مسعد ص 216
  30. ^ في مسعد ص 285
  31. ^ في مسعد ص 245
  32. ^ كتاب نخبة الدهر في عجائب البر والبحر في مسعد ص 236
  33. ^ معجم البلدان ج أربعة / ص 12
  34. ^ ص 75

المراجع

  • Adams, William Y. Nubia: Corridor to Africa. Princeton: Princeton University Press, 1977. ISBN 978-0-7139-0579-3
  • Adams, William Y. "The United Kingdom of Makouria and Nobadia: A Medieval Nubian Anomaly." Egypt and Africa: Nubia from Prehistory to Islam edited by W.V. Davies. London: British Museum Press, 1991. ISBN 978-0-7141-0962-6
  • E.A. Wallis Budge. A History of Ethiopia: Nubia and Abyssinia, 1928. Oosterhout, the Netherlands: Anthropological Publications, 1970.
  • Godlewski, Wlodzimierz. "The Birth of Nubian Art: Some Remarks." Egypt and Africa: Nubia from Prehistory to Islam edited by W.V. Davies. London: British Museum Press, 1991. ISBN 978-0-7141-0962-6
  • Jakobielski, S. 1992. Chapter 8: "Christian Nubia at the Height of its Civilization." UNESCO General History of Africa, Volume III. University of California Press. ISBN 978-0-520-06698-4
  • Kropacek, L. 1997. Chapter 16: "Nubia from the late twelfth century to the Funj conquest in the early fifteenth century", UNESCO General History of Africa, Volume IV.
  • Michalowski, K. 1990. Chapter 12: "The Spreading of Christianity in Nubia." UNESCO General History of Africa, Volume II. University of California Press. ISBN 978-0-520-06697-7
  • Shinnie, P.L. Ancient Nubia London: Kegan Paul, 1996. ISBN 978-0-7103-0517-6
  • Shinnie, P.L. "Christian Nubia." The Cambridge History of Africa: Volume 2, c. 500 B.C.A.D. 1050 edited by J.D. Fage. Cambridge: Cambridge University Press, 1978, pp. 556–88. ISBN 978-0-521-21592-3
  • Shinnie, P.L. & M. "New Light on Medieval Nubia." Journal of African History. VI, 3. 1965.

وصلات خارجية

  • تاريخ السودان في موسوعة المشرق


تاريخ النشر: 2020-06-04 16:16:49
التصنيفات: صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, Pages using infobox country with unknown parameters, مقالات مميزة, مملكة المقرة, تاريخ النوبة, دول أفريقية قديمة, دول أفريقية في العصور الوسطى, ممالك سابقة في أفريقيا, انحلالات 1317, المسيحية في العصور الوسطى, الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, تاريخ الإسلام

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

موعد بدء تكبيرات عيد الأضحى 2023.. والصيغة الصحيحة لتكبيرات العيد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:17
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

"الأرصاد" تعلن توقعاتها لدرجات الحرارة خلال أيام العيد

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:18
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 65%

تقديم الصف الأول الابتدائي الأزهري 2023.. الأوراق وسن القبول

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:25
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 58%

مانشستر سيتى يضم كوفاسيتش من تشيلسى لمدة 4 مواسم

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:20:47
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 52%

الجوع.. دراسة: 14 بالمئة من سكان بريطانيا يعانون من الفقر الغذائي

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:16
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 59%

المكتب الثقافي المصري بلندن يحتفل بوثائقي "أم الدنيا" ومنصة WATCH IT

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:20:37
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 61%

باتشيكو يعلن قائمة بيراميدز لمواجهة سموحة في الدوري

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:29
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 55%

التموين: فتح المخابز البلدية طوال أيام عيد الأضحى المبارك

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:20:41
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

ننشر رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2023

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:23
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 68%

الزراعة: "متبقيات المبيدات" استقبل وصدر 950 شهادة وعينة تحليل منتجات

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:22
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 65%

بعثة الحج: متابعة على مدار الساعة لتسهيل نفرة الحجاج إلى منى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:25
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

تشكيل الزمالك أمام غزل المحلة فى بطولة الدورى المصرى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:21:16
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

هكذا أفسد ميسي صفقة انتقال أمرابط إلى برشلونة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-06-27 21:20:26
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 78%

تحميل تطبيق المنصة العربية