الحضارة اليونانية

عودة للموسوعة

الحضارة اليونانية

The Parthenon, a temple dedicated to Athena, located on the Acropolis in Athens, is one of the most representative symbols of the culture and sophistication of the ancient Greeks.

هذه الموضوعة هي جزء من سلسلة عن:

تاريخ اليونان

اليونان قبل التاريخ
الحضارة الهلادية
الهجرة الكبرى
الحضارة الكيكلادية
الحضارة المينوية
الحضارة الميسينية
العصور المظلمة اليونانية
اليونان القديمة
اليونان العتيقة
اليونان الكلاسيكية
اليونان الهيلينية
اليونان الرومانية
يونان العصور الوسطى
الامبراطورية البيزنطية
اليونان العثمانية
اليونان الحديثة
حرب استقلال اليونان
مملكة اليونان
احتلال المحور لليونان
الحرب الأهلية اليونانية
الطغمة العسكرية
الجمهورية الهلينية
تاريخ موضوعي
التاريخ الاقتصادي لليونان
التاريخ العسكري لليونان
التاريخ الدستوري لليونان
أسماء اليونانيين
تاريخ الفن اليوناني
     
نص كتاب الاغريق تاريخهم وحضارتهم..من حضارة كريت حتى امبراطورية الاسكندر الاكبر سيد علي الناصري(4) انقر على الصورة للمطالعة

التسلسل الزمني


التأريخ

التاريخ

نص كتاب ا ا نيهاردت - الالهه والابطال في اليونان القديمه(2) انقر على الصورة للمطالعة
نص كتاب ا ا نيهاردت - الالهه والابطال في اليونان القديمه(1) انقر على الصورة للمطالعة

الفترة العتيقة

Dipylon Vase of the late Geometric period, or the beginning of the Archaic period, ca. 750 BC.
Political geography of ancient Greece in the Archaic and Classical periods
The Greek world in the mid 6th century BC.


اليونان الكلاسيكية

Early Athenian coin, depicting the head of Athena on the obverse and her owl on the reverse—5th century BC
Attic red-figure pottery, kylix by the Triptolemos Painter, ca. 480 BC (باريس, Louvre)
Delian League ("Athenian Empire"), immediately before the Peloponnesian War in 431 BC

القرن الخامس

القرن الرابع

اليونان الهيلينية

The major Hellenistic realms included the Diadochi kingdoms: ██ Kingdom of Ptolemy I Soter ██ Kingdom of Cassander ██ Kingdom of Lysimachus ██ Kingdom of Seleucus I Nicator ██ Epirus Also shown on the map: ██ Greek colonies ██ Carthage (non-Greek) ██ Rome (non-Greek) The orange areas were often in dispute after 281 BC. The kingdom of Pergamon occupied some of this area. Not shown: Indo-Greeks.


اليونان الرومانية

عهدت شواطئ بحر إيجة ظهور أولى الحضارات في الضفة الشمالية للبحر المتوسط ، عهدت أولى الحضارتين باسم المينوية والميسينية. تلت الفترة الأولى ، عصر مظلم استمر حتى حوالى 800 قبل الميلاد. عهدت البلاد عهدا جديدا مع ظهور الحضارة اليونانية. كانت بلاد اليونان تعبير عن تجمع من المدن المستقلة ، قامت هذه المدن بإنشاء مستعمرات تجارية على طول البحر الأبيض المتوسط طول البحر الأبيض المتوسط ، كما قاومت محاولات توسع الفرس في المنطقة. شكلت ثقافة هذه المنطقة المنبع الرئيس للحضارة الهيلينية ، انتشرت هذه الحضارة في أراتى واسعة من العالم بعد قيام إمبراطورية الاسكندر الأكبر الـمقدوني).

عسكريا بدأ نفوذ اليونانين يتضائل ، سنة 168 قبل الميلاد قام [الرومان] بغزوالبلاد ، إلا أنه وفي اللقاء فإن الثقافة اليونانية غزت الحياة الرومانية بشكل كبير. أصبحت اليونان محافظة ضمن الإمبراطورية الرومانية ، واستمرت الثقافة اليونانية في هيمنتها على شرقي البحر الأبيض المتوسط. عندما إنقسمت الإمبراطورية إلى شطرين ، أصبح الشطر الشرق أوالإمبراطورية البيزنطية ، ومركزه في القسطنطينية ، يونانيا خالصا في طبيعته ، وبالأخص عندما ضم إليه تام مناطق بلاد اليونان. من القرن الـ4 م وحتى القرن الـ15 نجحت الإمبراطورية الرومانية الشرقية في صد جميع الهجمات الآتية من الغرب والشرق. سقطت القسطنطينية أخيرا في 29 مايو/ماي 1453 م عندما فتحها العثمانيون. كان العثمانيون قد أتموا فتح بلاد اليونان أثناء القرن الـ15 م.

حكم العثمانيون [اليونان] حتى أوائل القرن الـ19 م. سنة 1821 م قام اليونانيون بالثورة وأعربوا سنة 1822 م استقلالهم، إلا أنه لم يتم الاعتراف به حتى سنة 1832 م. أثناء القرنين الـ19 والـ20 م، ولج اليونانيون في سلسلة من الحروب مع العثمانيين، أراد اليونانيون توسيع رقعة دولتهم حتى تضم جميع السكان الناطقين باليونانية ، تقدمت عملية التوسع ببطئ شديد حتى بلغت اليونان حدودها الحالية سنة 1947 م.

تاريخ الحضارة اليونانية

بلغت الثقافة الأوربية قمة مجدها في بلدين: اليونان القديمة وإيطاليا في عهد النهضة. ولم تكن تعتمد في كلا العهدين على نظام سياسي أكبر من دويلات المدن. ويغلب على الظن حتى الأحوال الجغرافية قد أعانت بلاد اليونان على حتى تصل إلى هذه النتيجة. ذلك حتى الجبال ومجاري المياه تعترض السائل فيها أينما مضى ؛ وكانت القناطر فيها قليلة والطرق وعرة وغير معبدة. نعم إذا البحر كان طريقاً عاماً مفتح الأبواب ، ولكنه كان يربط المدينة بأخواتها من المدن التجارية لا بما يجاورها من المدن. على حتى الأحوال الجغرافية لا تفسر وحدها قيام دول المدن ، فقد كان هناك من مسببات الانفصال بين طيبة وبلاتية القائمتين على نفس السهل البؤوتي بقدر ما كان بين طيبة وإسبارطة ؛ وكان بين سيباريس وكروتونا القائمتين على نفس الساحل الإيطالي من دواعي الانفصال أكثر مما كان بين سيباريس وسرقوسة. إذا علينا حتى نضم إلى العوامل الجغرافية عوامل أخرى كثيرة ، فاختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية باعد بين المدن وجعلها يحارب بعضها بعضاً للحصول على الأسواق أوالحبوب ، أوتكون أحلافاً متنافسة للسيطرة على المسالك البحرية. ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على هذا الانفصال اختلاف أصول السكان.

نعم إذا اليونان كانوا يرون أنهم كلهم من عنصر واحد ، ولكنهم كانوا شديدي الإحساس باختلاف القبائل التي كانوا ينتمون إليها - الإيولية ، والأيونية ، والآخية ، والدُّورية - ومن أجل ذلك كانت أثينا وإسبارطة تحقد كلتاهما على الأخرى حقداً لا يقل عن حقد العناصر المتنوعة في هذه الأيام. وقوى اختلاف الأديان الانقسامات السياسية ، كما زادت هذه الانقسامات ما بين الأديان من اختلاف ، فقد نشأ من الطقوس الدينية التي اختصت بها بعض الأماكن أوبعض القبائل أعياد خاصة ، وتقاويم خاصة ، وعادات ، وشرائع ، ومحاكم تختلف باختلاف المدن ، بل إذا هذه الطقوس قد أقامت في بعض الأحيان حدوداً بين المدن ؛ وذلك لأن أحجار التخوم كانت فاصلاً بين ممالك الإله ، كما كانت فاصلاً بين المجتمعات البشرية ، لأن من الواجب المحتوم حتىقد يكون دين الإقليم هودين حاكمه cujus regio, ejus religio. وكانت هذه العوامل مجتمعة هي وعوامل أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هي التي أوجدت دول المدن اليونانية.

ولم يكن هذا طرازاً جديداً من النظم الإدارية، فلقد رأينا أنه كانت في بلاد سومر ، وبابل ، وفينيقية ، وكريت ، دول مدن قبل هومر وبركليز بمئات السنين أوآلافها ، وكانت دولة المدينة من وجهة النظر التاريخية هي بعينها مجتمع القرية في فترة من الامتزاج أوالتطور أعلى من مرحلته القروية - كان لها سوقها المشهجرة ، ومكان اجتماعها ، ومجلس قضائها للفصل في منازعات الأهلين الذين يحرثون ما يجاورها من أرض زراعية ؛ وكان أهلها من أصل واحد يعبدون إلهاً واحداً.

أما من الناحية السياسية فقد كانت دولة المدينة عند اليونان خير ما يستطيعون الوصول إليه من وسائل التوفيق بين العنصرين المتناقضين اللذين يتألف منهما المجتمع الإنساني ، واللذين يتناوبان الغلبة عليه ، ونقصد بهما عنصر النظام ، وعنصر الحرية ، فالمجتمع الصغير لا يأمن على نفسه من الاعتداء ، والمجتمع الكبير يصبح مجتمعاً استبدادياً.

وكانت أكبر أمنية للفلاسفة حتى تتكون بلاد اليونان من دول - مدن مستقلة ذات سيادة تتعاون كلها داخل نظام فيثاغوري مؤتلف منسجم. وكانت فكرة أرسطوعن الدولة أنها جماعة من الأحرار يخضعون لحكومة واحدة ، ويستطيعون الالتقاء في جمعية واحدة ، وكان يرى حتى الدولة إذا زاد عدد مواطنيها على عشرة آلاف تعجز على إدارة شئونها. ومن أجل هذا كان لفظ واحد - بوليس Polis- يطلق على المدينة والدولة في بلاد اليونان. وما من أحد يجهل حتى هذا التفتت السياسي قد جر على بلاد اليونان كثيراً من المآسي بسبب ما قام بين أهلها وهم إخوة من نزاع. فقد خضعت أيونيا لسيطرة الفرس لأنها عجزت عن حتى تتحد للدفاع عن نفسها ؛ وضاعت في آخر الأمر تلك الحرية التي كان اليونان يعتزون بها ويقدسونها ، لأن بلاد اليونان لم تستطع الثبات متحدة في وجه أعدائها رغم ما أقامته من أحلاف وعصب. ولكننا نعود فنقول أنه لولا دول - المدن لما كانت بلاد اليونان ، ولولا شعور اليونان بالفردية المدنية ، واعتزازهم الشديد باستقلالهم ، ولولا ما كان بين أنظمتهم وعاداتهم وفنونهم ، وآلهتهم من تباين ، لما كان ما بينهم من تسابق وتنافس حافزاً لهم على حتى يحيوا حياة إنسانية كاملة فيها من الحماسة والإبداع ما لا نظير له في أي مجتمع آخر. وهل في وقتنا الحاضر نفسه رغم ما فيه من حيوية وتنوع ، وما يمتاز به من آلات ضخمة وقوى جبارة ، مجتمع في حجم المجتمعات اليونانية أوفي عدد سكانها يستطيع حتى يهب المدينة من النعم قدر ما وهبتها حرية اليونان المضطربة التي كانت هي والفوضى سواء.

نص كتاب الأسطورة والتراجيديا في اليونان القديمة - تأليف جان بيير فان وبيير فيدل ناكيه انقر على الصورة للمطالعة

الجغرافيا

المقاطعات

Map showing the major regions of mainland ancient Greece, and adjacent "barbarian" lands.

المستعمرات

Greek cities & colonies c. 550 BC.

الحياة الثقافية

الفلسفة

الكتابة

إن في حياة الدول ذات النزعة الانفصالية القوية ، عدة عوامل مشهجرة ، منها أننا نجد في شبه جزيرة اليونان كلها منذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد لغة واحدة تنتمي إلى مجموعة اللغات "الهند- أوربية" التي تضم الفارسية والسنكسريتية ، والسلافونية ، واللاتينية ، والألمانية ، والإنجليزية. وإنا لنجد لآلاف الحدثات التي تعبر عن العلاقات الأولية في حياة الناس ، أوعن الأدوات التي كانوا يستخدمونها ، أصولاً مشهجرة في هذه اللغات جميعها ، وهي لا تدل فقط على قدم مسميات هذه الحدثات وانتشارها في البلاد التي تنطق بهذه اللغات ، بل تدل كذلك على ما بين الشعوب التي كانت تستخدم هذه المسميات في فجر التاريخ من قرابة أورابطة. نعم إذا اللغة اليونانية قد تشعبت لهجات مختلفة- الإيولية ، والدورية ، والأيونية ، والأتكية ؛ ولكن الناطقين بهذه اللهجات المتنوعة كان يفهم بعضهم بعضاً ، ثم خضعت كلها في القرنين الخامس والرابع إلى لهجة مشهجرة koine dialektos انبعث معظمها من أثينا ، وكانت تنطق بها الطبقات المتفهمة كلها تقريباً في العالم اليوناني بأجمعه.

وكانت اللغة اليونانية الأتكية لغة جزلة ، قوية مرنة ، حلوة النغم ، فيها من الشذوذ مثل ما في أية لغة حية ، ولكنها تقبل في يسر جميع التراكيب التي تجعلها صالحة للتعبير عن أغراضها ، وفيها التدرج والاختلاف الدقيق في المعاني ، وفيها المدركات الفلسفية الدقيقة ، وفيها جميع أنواع التعبيرات الأدبية السامية الرفيعة من شعر هومر الطنان الرنان إلى نثر أفلاطون الهادئ الواضح السلس. وتعزوالرواية اليونانية المتواترة إدخال الكتابة في بلاد اليونان إلى الفينيقيين في خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، وليس لدينا ما ينقض هذه الرواية ، بل إذا بين الكتابات اليونانية التي ترجع إلى القرنين الثامن والسابع وبين الحروف المنقوشة على حجر مؤاب في القرن التاسع تشابهاً كبيراً.

من ذلك حتى النقوش اليونانية خطت على الطريقة السامية من اليمين إلى اليسار ؛ وفي القرن السادس كانت (كالنقش الذي عثر في جورتينا Gortyna) تنقش من اليمين إلى اليسار في أحد السطور ثم من اليسار إلى اليمين على الدوام ، واستلزم هذا قلب وضع الحروف فصار حرفاً B ، E يخطان هكذا B ، E. كذلك سميت الحروف بأسمائها السامية مع تعديلات طفيفة ، ولكن اليونان أدخلوا على هذه الأسماء تغيرات أساسية ، أهمها أنهم أضافوا إليها حروفاً للحركة لا نجدها عند الساميين ، فاستخدموا بعض الحروف السامية الساكنة ، وحروف التنفس لتمثيل الحركات التي تدل عليها u,o,i,e,a وأضاف الأيونيون فيما بعد حروف المد إيتا eta (e الممدوة) ، أومجا o-mega (لتمثل o الممدوة أوo المزدوجة).

وأخذت عشر أبجديات يونانية مختلفة ينازع بعضها بعضاً ، فكان هذا النزاع جزءاً من الحروب القائمة بين دول- المدن ؛ وتغلبت الحروف الهجائية الأيونية في بلاد اليونان ثم انتقلت منها إلى أوربا الشرقية وبقيت فيها إلى اليوم ، أما رومة فقد اتخذت الحروف الكلسيدية Chalcidian من كومي وهي التي أصبحت الحروف اللاتينية والحروف الإنجليزية. وكانت الأبجدية الكلسيدية ينقصها حرف الـ e والـ o الممدودان ، ولكنها عملت ما لم تعمله الأبجدية الأيونية فاستبقت vau الفينيقية حرفاً ساكناً (وهي الـ v التي يقرب نطقها من نطق حرف w) ؛ ومن أجل هذا كان الأثينيون يسمون النبيذ oinos والكلسيديون يسمونه voinos والرومان يسمونه vinum والإنجليزية يسمونه wine. كذلك استبقى الكلسيديون حرف koppa أوq وانتقل منهم إلى روما ثم إلى اللغة الإنجليزية ؛ أما أيونيا فقد أهملته واكتفت بحرف k وخطت أيونيا حرف l بهذه الصورة A ، أما كلسيز فقد خطته l؛ وعدلت رومة هذه الصورة الثانية فجعلتها معتدلة، وانتقلت منها على هذا النحوإلى أوربا؛ وخط الأيونيون حرف R كما نخط نحن حرف P ؛ أما إيطاليا اليونانية فقد أضافت إلى P فأصبحت R.

والراجح حتى أولى الأغراض التي استخدمت فيها الكتابة في بلاد اليونان كانت هي الأغراض التجارية أوالدينية ، ويبدوحتى الرقى والتعاويذ التي كان يتلوها القساوسة هي مبدأ الشعر ، وأن ما يخط في أوراق شحن السفن كان بداية النثر. ثم انقسمت الكتابة نوعين مختلفين أحدهما دقيق منتظم للنقوش وما إليها ، والثاني هي الكتابة الدارجة التي تستخدم في الأغراض اليومية العادية. ولم يكن في كلا النوعين نبرات ، ولم يكن يهجر بين الحدثات فراغ ، ولم تكن فيها علامات ترقيم ؛ فإذا أريد الانتنطق من موضوع إلى موضوع دلوا على ذلك بشرطة فاصلة أفقية يسمونها برجرافون Paragraphon أي علامة "تخط إلى ناحية" ، وكانت المواد التي تخط عليها متنوعة فكانت في بادئ الأمر ، إذا جاز لنا حتى نأخذ بقول بلني ، أوراق الأشجار أولحاءها ؛ فإذا أرادوا النقش استخدموا الحجارة أوالبرونز أوالرصاص. وكانوا يستخدمون للكتابة العادية ألواح الطين كما كان يعمل أهل ما بين النهرين ، ثم استخدموا ألواحاً من الخشب تغطيها طبقة من الشمع ، وكانت هذه شائعة بين التلاميذ قبل أيامهم ؛ فإذا أرادوا حتى يخطوا شيئاً يبقى أمداً طويلاً استخدموا أوراقاً من البردى كان الفينيقيون يأتون بها من مصر ؛ وفي العهد الذي انتشرت فيه حضارة اليونان في خارج بلادهم ، وفي العهد الروماني ، استخدم الرق المصنوع من جلود المعز والضأن أوأغشيتها الرقيقة ، وكانوا يخطون على ألواح الشمع بقلم معدني ، وعلى ورق البردى والرق بقلم من الغاب يغمس في الحبر ، وكانت الكتابة على الشمع تمحى بنهاية القلم المعدني السميكة ، أما الحبر فكان يمحى ببترة من الإسفنج ؛ ولذلك أوفد الشاعر ماريتال إلى صديق له بترة من الإسفنج مع قصائده لكي يمحوها "بضربة واحدة". وإن كثيراً من النقاد في هذه الأيام ليحزنهم حتى هذا الأدب الجم لم يبق له الآن وجود. وليس ثمة ميدان وصلتنا من الألفاظ القديمة بالكثرة التي وصلتنا من ميدان الكتابة. فحدثة ورق بالإنجليزية paper مأخوذة من اسم نبات البردى papyrus ، وقد أعادت دورة الفلك الطراز القديم لصنع هذه المادة من النبات المضغوط. وكان السطر من الكتابة يسمى باليونانية stichos أى صفا ، وكان اللاتين يسمونه versus أي عودة إلى الوراء ، ومنها اشتقت حدثة verse الإنجليزية.وكانوا يخطون ما يريدون في صورة أعمدة على بترة من ورق البردى أوالرق طولها من عشرين قدما إلى ثلاثين تلف حول عصا. وكانوا يسمون هذا الملف ببلوس biblos ، وقد أخذوا هذا الاسم من المدينة الفينيقية المعروفة بهذا الاسم والتي كانت تمد بلاد اليونان بالورق المصنوع من نبات البردى.

أما الملف الصغير فكان يسمى ببليون biblion. وكان الكتاب المقدس (bible) يسمى في أول الأمر biblia أي الملفات. فإذا كان الملف جزءاً من كتاب أكبر منه سمي tomos أي مبتراً. وكان الجزء الأول من الملف يسمى بروتوكولون protocollon: أي الشريحة الأولى الملتفة بالعصا. وكان طرفا العصا يصقلان بحجر الخفاف ويلونان أحياناً ؛ وكان الملف يوضع أحياناً في غشاء يسميه اليونان diphthera ويسميه اللاتين vellum، إذا استطاع مؤلفه أداء ما يلزم ذلك من النفقات ، أوكان ما خط فيه ذا بال. وإذ كان من غير الميسور تداول الملف الكبير أواستخدامه في المراجعة ، فقد كانت المؤلفات الأدبية تقسم عادة إلى عدة ملفات، وكانت حدثة biblos تطلق على جميع ملف أوجزء من كتاب كبير. وقلما كان المؤلف نفسه هوالذي يقسم كتابه هذا التقسيم. فقد كان الناشرون المتأخرون هم الذين قسموا تواريخ هيرودوت إلى تسعة خط ، وكتاب توسيديدس في حرب البلوبونيز إلى ثمانية ، وجمهورية أفلاطون إلى عشرة ، والألياذة والأوذيسة إلى أربعة وعشرين جزءاً.

وإذ كان نبات البردى غالي الثمن ، وكانت جميع نسخة من الكتاب تخط باليد ، فقد كان عدد الخط قليلاً عند اليونان والرومان الأقدمين. وكان التفهم في تلك الأيام الخالية أيسر منه في هذه الأيام ، وإن يكن كسب الذكاء في الزمن القديم لا يقل صعوبة عن كسبه اليوم. ولم تكن فهم القراءة ميزة عامة عند الأقدمين ، ولذلك كان معظم الفهم يؤخذ بالتلقين من جيل إلى جيل أومن صانع إلى صانع ، وكان معظم الأدب يتلوه بصوت جهوري قراء مدربون على أشخاص يتفهمونه بالسماع. ولم يكن في بلاد اليونان قبل القرن السابع جمهور كبير من القارئين ، ولم تكن في البلاد دور خط قبل حتى يجمع بوليكراتس Polycrates وبيسستراتس مخطتيهما في القرن السادس. فلما كان القرن الخامس بدأنا نسمع عن وجود مخطة خاصة ليوربديز وأخرى للأركون يوكليدز Eucleides ؛ ثم سمعنا في القرن الرابع عن مخطة أرسطاطليس. ولم نسمع عن وجود مخطة عامة قبل مخطة الإسكندرية ، كما لم نسمع بوجود مخطة في أثينا قبل أيام هدريان. ولعل عظمة اليونان في أيام بركليز كان مرجعها إلى حتى اليونان لمقد يكونوا يقرؤون خطاً كثيرة أويقرؤون أي كتاب طويل.


العلوم والتكنولوجيا


الأدب

لقد كان الأدب من مسببات فرقة بلاد اليونان كما كان من مسببات وحدتها ، شأنه في هذا شأن الدين سواء بسواء. ذلك حتى الشعراء كانوا يغنون بلهجاتهم المحلية ، وكثيراً ما كانوا يصفون مناظر أنطقيمهم ، ولكن هلاس كلها كانت تنصت إلى أكثر الأصوات فصاحة. وكانت من حين إلى حين تستحثهم على حتى يطرقوا موضوعات أعم وأوسع من تلك الموضوعات المحلية الضيقة. ولقد عدا الدهر كما عدت الأهواء الضيقة على هذا الشعر المبكر فأبادت أكثره حتى لم يعد في وسعنا حتى نحس بما فيه من ثراء ، وبما كان يطرقه من موضوعات ، وبما يعزى إليه من جزالة اللفظ وجمال الشكل؛ ولكننا حين نطوف بجزائر اليونان ومدنهم في القرن السادس قبل الميلاد لا يسعنا إلا حتى نعجب بوفرة ما تطالعنا به هذه الجزائر والمدن من الأدب اليوناني قبل عصر بركليز ، وبجودة هذا الأدب. وإن الشعر الغنائي في ذلك القرن لتنعكس فيه صورة مجتمع أرستقراطي كانت فيه المشاعر والأفكار والأخلاق حرة مادامت تراعى واجبات الأدب وحسن التربية. وقد أخذ هذا الأسلوب من الشعر الحضري المصقول يختفي شيئاً فشيئاً في عهد الديموقراطية.

كان مختلف المبنى متعدد الأوزان ، ولكنه قلما كان يقيد نفسه عن إحساسه وخياله في لغة موزونة. وبينما كان أصحاب الشعر الغنائي يتغنون بالحب والحرب ، كان الشعراء الجوالون ينشدون في مجالس العظماء الملاحم في وصف ما قام به اليونان من جلائل الأعمال. ولقد أنشأت جماعات المغنين على توالي الأجيال طائفة من القصائد الغنائية تدور كلها حول حصار طيبة و[طروادة] وعودة المحاربين إلى أوطانهم. وكانت الأغاني شائعة مشهجرة بين هؤلاء الشعراء ، وكان جميع واحد منهم يؤلف قصته من بتر متفرقة أقدم منها عهداً ، ولم يكن منهم من يدعى أنه هوالذي ألف سلسلة متتابعة من هذه القصص.

وقد وجدت في طشيوز جماعة من أولئك الشعراء أطلقوا على أنفسهم اسم الهومريدي Homeridae ، وادعوا أنهم من نسل شاعر يدعى هومر ، وهوفي زعمهم مؤلف الملاحم التي كانوا ينشدونها في شرقي بلاد اليونان بأجمعه. وقد يحدث هذا الشاعر الضرير لا وجود له في الحقيقة بل كان أباً خيالياً لقبيلة أوطائفة من الناس ، شأنه في هذا شأن هلن ، ودورس وأبون. ولم يكن اليونان في القرن السادس يعزون إلى هومر الإلياذة والأوذيسة فحسب ، بل كانوا يعزون إليه كذلك جميع الملاحم المعروفة وقتئذ. والقصائد الهومرية أقدم الملاحم المعروفة في التاريخ ، ولكن جودتها في حد ذاتها وما فيها من إشارات كثيرة إلى شعراء سابقين ، لتوحيان إلينا بأن هذه الملاحم الباقية هي الحلقة الأخيرة من سلسلة طويلة بدأت بالقصائد البسيطة القصيرة ثم تطورت حتى وصلت إلى هذه الأغاني الطويلة "المحيطة" بعضها في بعض.

وألف في أثينا في القرن السادس قبل الميلاد لجنة حكومية - قد تكون في عهد صولون ، وقد تكون وهوالأرجح في عهد بيستراتس- فانتقت الإلياذة والأوذيسة من بين الملاحم الأدبية الباقية من القرن الذي قبله ، أولعلها جمعتها بعد لقاءة النسخ الموجودة منها وقتئذ بعضها على بعض ، ثم عزتهما إلى هومر ، ثم نشرتهما- أولعلها صاغتهما- في صورة هي في جوهرها صورتهما الحاضرة. ومن المعجزات الأدبية حتى تصل قصيدتان مستمدتان من أصول متعددة مختلفة إلى هذه الدرجة الفنية العالية. ولسنا ننكر حتى الألياذة تقصر دون الغاية في مبناها وفي لغتها ، وأن الصور الإيولية والأيونية تختلط فيها اختلاطاً لا يقدر عليه إلا رجل من أهل أزمير يتحدث عدة لغات ، وأن أوزان شعرها مأخوذة من هذه اللهجة تارة ومن تلك اللهجة تارة أخرى ، وأن حبكتها قد أفسدها كثرة ما فيها من تناقض ، وتغيير في الخطة ، وتوكيد أهمية حادثة ما في بعض المواضع ثم الاستخفاف بشأنها في البعض الآخر ، وتعارض في أخلاق أشخاصها ، وأن أبطالها يقتلون هم أنفسهم مرتين أوثلاث مرات قبل نهاية السيرة ، وأن موضوعها الأصلي- وهوغضب أكليز ونتائجه- يبتره ويطغى عليه عشرات القصص والحوادث المأخوذة على ما يظهر من قصائد أخرى أدمجت في الملحمة في أجزاء مختلفة منها ؛ لسنا ننكر شيئاً من هذا ولكن السيرة في مناحيها الكبرى قصيدة واحدة ، ولغتها جزلة قوية حية ، والقصيدة في جملتها "أعظم ما افترت عنه شفه بني الإنسان" ولم يكن مستطاعاً حتى تبدأ هذه الملحمة إلا في شباب اليونان الناضر النشيط ، أوحتى تختتم إلا في إبان نضوجهم الفني. وأشخاص الملحمة يكادون حتىقد يكونوا كلهم من المحاربين أومن نساء المحاربين ، وحتى الفلاسفة منهم أمثال نسطور يقاتلون بشجاعة يحسدون عليها. وكل شخصية من هذه الشخصيات كانت موضع تفكير وعطف من مصورها. ولعل أجمل ما في الأدب اليوناني كله هونزاهته التي تجعلنا نعطف على هكتور تارة وعلى أكليز تارة أخرى. فأكليز في خيمته إنسان قد تجرد من صفات البطولة ، غير محبب إلى النفوس ، يشكوإلى أمه حتى حظه لا يتفق مع مقامه نصف الإلهي ، وأن أجممنون قد سرق منه [بريسيز] البائسة وهي أعز ما يمتلك ، ثم يهجر اليونان يحصدهم الموت زمراً وهوغاضب في سفينته أوخيمته يأكل وينام ، ويرسل بهجرلوس ليلقى منيته دون حتى يجد منه عوناً ، ثم يملأ الجوعويلاً ونحيباً لا يليق بالرجال. وحين يمضى إلى المعركة آخر الأمر ، لا يمضى إليها مدفوعاً بوطنيته بل لأن حزنه على فقد صديقه قد سلبه عقله ، وينسيه غضبه جميع الصفات الإنسانية فينحدر إلى الدرك الأسفل من القسوة الوحشية في معاملة ليكاءون Lycaon وهكتور ؛ فهوفي حقيقته ذوعقل ناقص غير ناضج ، غير مستقر ولا متزن ، ولا سلطان له على نفسه ، تنغص عليه حياته نبوءات الموت. انظر إلى ما يقوله لليكاءون بعد حتى سقط على الأرض وأخذ يسترحمه: "لا يا صديقي ، مت كما توفي غيرك! ماذا يجديك بكاؤك الذي لا يرجى منه خير،يا ترى؟ لقد توفي بهجرلوس وهوخير منك. انظر إليَّ ألستُ وسيماً طويل القامة أنجبني أب كريم ، وكانت أمي التي ولدتني إلهة،يا ترى؟ ولكن الموت رغم هذا يحوم حولي وتوشك المنية حتى تنشب مخالبها فيَّ. ففي فجر يوم من الأيام أوظهره أومسائه تختطفني من بين الأحياء يد لا أعهدها". ثم يطعن ليكاءون في عنقه دون حتى يهم هذا بمقاومته ، ويقذف بجسمه إلى النهر ثم يلقي خطبة من تلك الخطب الرنانة التي تزدان بها مذابح الإلياذة ، ويضع بها أساس البلاغة الخطابة عند اليونان.

وقد ظل نصف بلاد اليونان يعبد أكليز ويتخذه إلهاً ، أما نحن فنقبله على أنه طفل ونعفوعن ذنوبه بهذا الوصف ، ومهما يكن ما ينطق فيه فإنه أروع الصور التي أبدعها خيال الشعراء. وليس الذي يحملنا على حتى نواصل قراءة الإلياذة ، حين لا نضطر إلى دراستها أوترجمتها ، مقصوراً على تلك الخصائص المتباينة التي يخطئها الحصر ، وليس هوأيضاً مقصوراً على تسلسل السيرة وصخبها وعجيجها ، بل هوجلال شعرها وتدفقه. ولسنا ننكر حتى هومر يكرر أقواله ويشير إليها ، وأن من خطته حتى يعيد بعض الصفات وبعض الأبيات كما يعمل المغنون ، فتراه يكرر قوله الحبيب إلى نفسه: "حين بدت بنت الصباح ، الفجر ذات الأصابع الوردية". فإذا كانت هذه عيوباً فإنها تختفي وسط جمال اللغة ووفرة ما تحتويه من الاستعارات والتشبيهات التي تصف جمال الحقول الهادئة فتبعث بذلك في نفوسنا الطمأنينة والهدوء وسط ما يحيط بنا من عجيج الحرب وصخبها.

انظر إلى هذه العبارة التي تصف تجمع الجيوش اليونانية: "واحتشد اليونان ذووالشعر الطويل فوق السهل كما تحتشد أسراب الذباب في مذاود الرعاة زمن الربيع حين يملأ اللبن الجديد الدلاء" ، أوإلى العبارة الآتية: "كما تشق النار العظيمة طريقها في الأودية العميقة بين الجبال الجرداء ، فتحترق أمامها الأشجار الضخمة السميكة ، ويتمايل اللهب يمنة ويسرة حين تهب عليه الرياح من هذه الناحية أوتلك - هكذا كان ينتقل أكليز وهوغاضب ثائر من جانب إلى جانب في ميدان القتال ، ويدرك ضحاياه أينما كانوا فلا يفلتون منه ، ويخضب الأرض بدمائهم".

وتختلف الأوديسة عن هذا كله أشد الاختلاف حتى ليظن الإنسان لأول وهلة حتى مؤلفها غير مؤلف الإلياذة ؛ وقد نطق بهذا بعض فهماء الإسكندرية أنفسهم ، ولم يكم أفواه المتجادلين إلا أرستاركوس Aristarchus وما له من سلطان قوي بين الناقدين. وتتفق الأوديسة مع الإلياذة في بعض العبارات القياسية "أثينة ذات العين الشبيهة بعين البومة" "اليونان الطوال الشعر" "قائم كلون النبيذ" "الفجر ذات الاصابع الوردية" - وهي ألفاظ يظهر أنها لم تستعمل إلا بعد جمع الإلياذة أوتأليفها. ففي الملحمة الثانية يتكرر ذكر الحديد على حين حتى الأولى تتحدث عن البرونز ، كذلك نسمع فيها عن الكتابة ، وعن الملكية الخاصة للأرض ، وعن العبيد المحررين وتحرير العبيد ، وهذه كلها لا يذكر منها شيء في الإلياذة ؛ بل إذا الآلهة وأعمالهم ليختلفون في إحداهما عنهم في الأخرى. ووزن القصيدتين واحد وهوالوزن السداسي الأوتاد المكون جميع وتد فيه من ثلاثة مقاطع وهوالمتبع في جميع الملاحم اليونانية ؛ ولكن أسلوب الملحمة وروحها ومادتها تختلف كلها عن نظائرها في الإلياذة اختلافاً لا يتسر معه لشاعر واحد على حتى ينشئ الملحمتين إلا إذا بلغ الذروة في التعقيد ، وكان صاحب السلطان الأعلى على جميع الأمزجة والحالات النفسية المتباينة. وما من شك في حتى محرر القصيدة الثانية أكثر تضلعاً في الأدب والفلسفة ، وأقل عنفاً ونزعة حربية من محرر الأولى ؛ وهوأكثر منه تفكيراً وإدراكاً لذاتيته، وأملك منه لوقته وأكثر منه حضارة ؛ وقد بلغ من رقته حتى افترض بنتلي Bentley حتى الأوديسة إنما خطت لفائدة النساء خاصة.

ترى هل الأوذيسة من قول شاعر واحد أوعدة شعراء،يا ترى؟ إذا الجواب عن هذا السؤال أصعب في حالة الأوديسة منه في حالة الإلياذة. إذا فيها هي الأخرى شواهد على الإضافة والتلفيق ، ولكن هذه الإضافات كانت من عمل كتاب أعظم حذقاً من كتاب الملحمة القديمة ؛ فحبكتها ، وإن كانت كثيرة اللف والدوران ، متناسقة تناسقاً عجيباً ، خالية من التناقض، لا يستحي حتى يخطها محرر قصصي حديث ، يلمح الإنسان من بدايتها خاتمتها ، وكل حادثة من حوادثها تقرب القارئ من هذه الخاتمة ، وهي تربط خطها الأربعة فتؤلف منها وحدة كاملة. وأكبر الظن حتى الملحمة قد بنيت على قصائد كانت معروفة من قبلها شأنها في هذا شأن الإلياذة ، ولكن عملية التوحيد فيها أتم وأقوى منها في الإلياذة. وفي وسعنا حتى نحكم بشيء كثير من التردد والإحجام حتى الأوديسة أحدث من الإلياذة بقرن من الزمان ، وأن الجزء الأكبر منها من وضع رجل واحد. أما شخصياتها فأقل قوة وأقل وضوحاً من شخصيات الإلياذة ، فبنلبي شبح غير واضح ، ولا تبرز واضحة من خلف نسجها إلا في آخر الملحمة ، حين تطوف بعقلها لحظة من لحظات الشك ، أولعلها من لحظات الندم ، بعد عودة سيدها. أما هلن بطلة الإلياذة فأشد منها وضوحاً ، وهي امرأة فذة منبترة النظير ؛ فهذه المرأة التي من أجلها أقلعت ألف سفينة ولاقى الموت في سبيلها عشرة آلاف من الرجال لا تزال "إلهة بين النساء"، ناضجة الجمال في سن الكهولة ، أرق أخلاقاً وأهدأ طباعاً مما كانت من قبل ، ولكنها لم تفقد شيئاً من كبريائها وزهوها ، وتتقبل في لطف ورقة جميع مظاهر الترحاب والتبجيل التي تحيط بربات التاج وتعدها حقاً لها تنعم بها دون سائر النساء. وإن تصوير نسكا ليعد منطقة بديعة تنطق بمقدرة الذكور على فهم الإناث ؛ والحق أننا لم نكن نتسقط حتى يرسم يوناني هذه الشخصية الرقيقة الروائية. ولم يصور تلمكس تصويراً قوياً واضحاً ، فهومصاب بداء التردد كأن به مساً من هملت. أما صورة أوديسيس فهي أكمل صور الشعر اليوناني وأكثرها تعقيداً. وقصارى القول حتى الأوديسة رواية بديعة ساحرة في نطقب شعري ، مليئة بالعواطف الرقيقة والمغامرات المفاجئة ، تستمتع بها النفس المسالمة التي في سن الكهولة أكثر مما تستمتع بالإلياذة الفخمة التي يراق فيها الكثير من الدماء.

وقد أضحت هاتان القصيدتان- وهما جميع ما بقي من سلسلة طويلة من الملاحم- أثمن العناصر في تراث اليونان الأدبي كله. وبفضلهما صارت دراسة "هومر" العنصر الأساسي في نظام التعليم اليوناني ، ومستودع الأساطير اليونانية، ومنبع ألف من المسرحيات، وأساس التدريب الخلقي؛ وأعجب من هذا كله أنه صار الكتاب المقدس الذي يستمد منه اليونان دينهم السليم. وفي ذلك يقول هيرودوت- وأكبر الظن حتى في قوله بعض المبالغة- إذا هومر وهزيود هما اللذان خلعا على الآلهة الأولمبية صورة الأناسي ، واللذان أدخلا النظام في مملكة السماء الكهنوتية. وإنا لنجد في آلهة هومر كثيراً من مسببات العظمة والفخامة ، ونحن نحبها لما نتبين فيها من نقائض ، ولكن الفهماء قد تبينوا من زمن طويل في الشعراء الذي صوروها تشككاً ومرحاً لا يليق وصفه في كتاب يعد بحق كتاب اليونان القومي المقدس. فتلك الآلهة تتنازع كما يتنازع الأقارب ، وتفسق كما تفسق البراغيث ، وتشهجر مع بني الإنسان فيما خيل إلى الإسكندر أنه وصمة البشرية- ونعني بذلك حاجتها إلى الحب وإلى الندم ؛ ويجوز عليها جميع ما يجوز على الآدميين إلا الجوع والموت. وليس فيها كلها من يضارع أوديسيس في ذكائه ، أوهكتور في بطولته ، أوأندرمكا في رقتها وحنانها ، أونسطور في مهابته. ولم يكن في وسع إنسان حتى يهزل بالآلهة هذا الهزل إلا شاعر في القرن السادس قبل الميلاد ملم جميع الإلمام بتشكك الأيونيين. ومن مضحكات التاريخ حتى هاتين الملحمتين اللتين تخصان الآلهة الأولمبية بدور الهازلين ، وتجعلان هذا الدور أبرز أدوارها ، إذا من مضحكات التاريخ حتى هاتين الملحمتين كانتا موضع الإجلال في بلاد اليونان كلها ، وكانتا تعدان نادىمة الخلق القويم والعقيدة المحترمة. ولكن هذا التناقض اتضح للناس آخر الأمر ، وقضى ما فيها من هزل على ما توحيان به من عقيدة ، وثارت أخلاق الناس بعد تطورها على أخلاق الآلهة وحلت محلها.

الألعاب

إذا كان الدين قد عجز عن توحيد بلاد اليونان ، فإن الألعاب الرياضية الموسمية قد أفلحت في توحيدها. ذلك حتى الناس لمقد يكونوا يمضىون إلى أولمبيا ، ودلفي ، وكورنثة ، ونميا ليعظموا الآلهة - لأن الآلهة يمكن تعظيمها في أي مكان - بقدر ما كانوا يمضىون ليشاهدوا مباريات البطولة بين الرياضيين المختارين ، والاجتماع العام لطوائف اليونان المختلفين. ومن الشواهد الدالة على أثر هذه المراكز في تاريخ اليونان حتى الإسكندر - وهوالذي كان في وسعه حتى يشاهد بلاد اليونان من خارجها - كان يعد أولمبيا عاصمة العالم اليوناني. في هذه الأماكن نجد دين اليونان الحقيقي تسيطر عليه قواعد الألعاب الرياضية وتعاليمها ، وهذا الدين هوعبادة الصحة والجمال ، والقوة. وفي ذلك يقول سمنيدس: "إن أحسن ما يستطيع الإنسان حتى يتمتع به هوالصحة الجيدة ، ويأتي بعد الصحة جمال الشكل وحسن الطبع ، ثم تلي ذلك الثروة ينالها الإنسان من غير غش أوخداع ، ويأتي في المرتبة الرابعة حتىقد يكون الإنسان في نضرة الشباب بين الأصدقاء والخلان".

وتقول الأوديسة:"ليس ثمة مجد يستطيع الإنسان حتى يناله طوال حياته أعظم مما يناله بيديه وقدميه". ولعله كان من أوجب الواجبات على شعب أرستقراطي يعيش بين جماعات من الرقيق أكثر منه عدداً ، ويطلب إليه المرة بعد المرة حتى يرد عن حماه المغيرين من أمم أكثر منه ، نقول لعله كان من أوجب الواجبات على هذا الشعب حتى يحافظ على قوته الجسمية ، ذلك حتى الحرب في الزمن القديم كانت تعتمد على القوة والمهارة ، ولقد كانت القوة والمهارة الغرض الأول من المباريات التي طبقت شهرتها الآفاق في جميع هيلاس. وإن من الخطأ حتى نفكر في الرجل اليوناني العادي على أنه طالب مولع بإسكلس أوأفلاطون ؛ ذلك حتى هذا اليوناني العادي كان كالبريطاني أوالأمريكي العادي مولعاً بالألعاب ، وكان أبطالها المحبوبون هم آلهته على هذه الأرض. وكانت الألعاب اليونانية أنواعاً مختلفة - منها ألعاب خاصة ، وألعاب محلية ، وألعاب بلدية ، وألعاب يونانية جامعة.

وإن الآثار القديمة حتى المحطم منها لتكشف عن ثبت طويل ممتع من الألعاب الرياضية. ففي متحف أثينا حجر على أحد وجهيه نقش يصور مباراة في المصارعة ، وعلى الوجه الآخر مباراة لعبة الهوكي Hockey. أما السباحة ، وركوب الخيل العارية الظهر ، ورمى القذائف واتقاؤها أثناء الركوب ، فكانت كلها من مستلزمات اليوناني المهذب أكثر منها ألعاباً ومباريات. كذلك أصبح الصيد من ضروب الرياضة بعد حتى لم يعد من وسائل العيش الضرورية. ولم تكن ألعاب الكرة أقل تنوعاً أوانتشاراً مما هي في هذه الأيام. وكانت حدثتا شاب ولاعب كرة مترادفتين في إسبارطة. وكانت تبنى في ساحات التمرين حجرات خاصة بألعاب الكرة يسمونها اسفيرستيريا sphairisteria ، وكان مفهموها يسمون اسفيرستاي Sphairistai. ونشاهد على نقش آخر رجالاً ترتد إليهم الكرة من أرض الحجرة أوجدارها ، ثم يردونها هم براحة اليد ، ولسنا نعهد هل كان اللاعبون يعملون ذلك بالتناوب كما نعمل نحن بكرة اليد في هذه الأيام. وكان من بين ألعاب الكرة لعبة تشبه لعبة اللاكرس Lacrosse الكندية وهي ضرب من لعبة الهوكي تلعب بالمضارب ويصفها بولكس Pollecx ، وهومحرر من كتاب القرن الثاني بعد الميلاد ، بعبارات كأنها من عبارات هذه الأيام فيقول: "يجتمع بعض الشبان ويقسمون أنفسهم جماعتين متساويتين في العدد ويهجرون في أرض منبسطة - أعدوها من قبل وقاسوها - كرة مصنوعة من الجلد ، تقرب من حجم التفاحة ؛ ثم يهجمون عليها ، كأنها جائزة وضعت بينهم ؛ من نقط الابتداء المحددة لهم ، وفي يمين جميع منهم مضرب rhabdon... ينتهي بانحناء مستووسطه نسيج من خيوط مأخوذة من أمعاء الحيوان. مجدولة كالشبكة. وتحاول كلتا الطائفتين حتى تدفع الكرة من جزء الساحة المخصص لها إلى طرف الجزء اللقاء لها". ويصف هذا المؤلف نفسه لعبة أخرى تحاول فيها فرقة من اللاعبين حتى تقذف بالكرة من فوق رؤوس الفرقة المضادة لها أومن بين لاعبيها ، وتستمر في هذا "حتى يرد أحد الطرفين الطرف الآخر إلى ما وراء خط مرماه". ويصف أنتفانيز في جذاذة ناسيرة من القرن الرابع قبل الميلاد أحد مهرة اللاعبين الممتازين فيقول: "ولما أخذ الكرة سره حتى يعطيها إلى أحد اللاعبين ، ثم تفادى لاعباً آخر؛ ثم استولى عليها من لاعب وضربها واستحث لاعباً آخر بأصواته العالية. وهاهي ذي خارج الملعب ، ثم رمية طويلة ، ثم تمر به من فوق رأسه، ورمية قصيرة..".

ومن هذه الألعاب الخاصة نشأت ألعاب محلية ، وأخرى في مناسبات معينة كما يحدث عقب وفاة بطل من الأبطال مثل بهجرلوس أونجاح مشروع عظيم كزحف رجال زنوفون العشرة آلاف إلى البحر. ثم نشأت بعدئذ ألعاب البلديات التي يمثل فيها المتبارون أماكن أوطوائف مختلفة في داخل إحدى دول المدن. أما ألعاب الجامعة الأثينية التي كانت تقام جميع أربع سنين فهي أقرب ما تكون إلى الألعاب الدولية وإن لم ينطبق عليها هذا الوصف جميع الانطباق. وقد أنشأها بيسستراتس في عام 566 ؛ وكانت كثرة المشهجرين فيها من أتكا ، ولكن غير الأتكيين كان يرحب باشتراكهم فيها. وكانت تضم ، فضلاً عن الألعاب الرياضية المألوفة ، سباق العربات ، وسباق المشاعل ، وسباق التجديف ، ومباريات موسيقية في الغناء والعزف على القيثارة والمزمار والناي ، والرقص ، وإلقاء أكثر ماقد يكون من شعر هومر. وكان يمثل جميع قسم من أقسام أتكا العشرة أربعة وعشرون رجلاً يختارون من بين أصح السكان أجساماً وأقواهم بنية وأجملهم منظراً ، وكانوا يعطون جائزة للأربعة والعشرين الذيقد يكون لهم في النظارة أعظم الأثر ، وتسمى جائزة "الرجولة الباهرة".

إذ كانت الرياضة ضرورية للحرب ، ولكنها تنعدم إذا لم تعقد لها مباريات ، فقد أنشأت المدن اليونانية الألعاب اليونانية الجامعة لتكون أكبر حافز لليونان أجمعين على إتقان هذه الألعاب. وكانت أولى هذه المباريات الجامعة هي التي تقام بانتظام مرة جميع أربع سنين في أولمبيا ؛ وقد أقيمت للمرة الأولى في عام 776 ق.م. وهوأول تاريخ محدد في حياة اليونان بأجمعها. وكانت هذه الألعاب في أول أمرها مقصورة على الإيليين Eleans ، وقبل حتى يمضي قرن على بدايتها كان يشهجر فيها لاعبون من جميع بلاد اليونان ؛ ولم يحل عام 476 حتى كان ثبت الظافرين فيها يضم لاعبين من جميع البقاع الممتدة من سينوب إلى مرسيليا ؛ وأصبح عيد زيوس على مر الزمان يوماً مقدساً دولياً ، وكان الشهر الذي يقع فيه هذا العيد شهراً حراماً يتهادن فيه المحاربون في جميع بلاد اليونان ، ويفرض فيه الإيليون غرامات على جميع دولة يونانية يلحق في أرضها أذى بأي قادم إلى هذه الألعاب.

وقد أدى فليب المقدوني هذه الغرامة عن يد وهوصاغر لأن بعض جنوده سرقوا مال أثيني وهوفي طريقه إلى أولمبيا. وفي وسعنا حتى نتصور الحجاج واللاعبين يبدءون رحلتهم من المدن النائية قبل بدء المباريات بشهر تام ، فإذا ما حان الموعد المحدد اجتمعوا كلهم في صعيد واحد ؛ وكانت أيام المباريات سوقاً عامة وعيداً في وقت واحد ، وكانت الخيام تنصب في السهل لتقي الزائرين حر شمس يوليه اللافح ، وإلى جانبها المظلات يستظل بها البائعون ويعرضون تحتها بضاعتهم على اختلاف ألوانها ، من خمر وفاكهة وخيل وتماثيل ؛ وترى اللاعبين على الحبال والمشعوذين يعرضون ألاعيبهم على الجماهير. فمنهم من يقذف بالكرة في الهواء ومنهم من يلعب ألعاباً تشهد بالخفة والمهارة ، ومنهم من يأكل النار أويبتلع السيوف. ذلك حتى ضروب التسلية ، كأنواع الخرافات ، قديمة العهد يخلع عليها هذا القدم ثوباً من التقديس والإجلال.

وكان أشهر الخطباء أمثال جورجياس ، وأشهر الخطباء أمثال هبياس ، وربما كان أشهر الكتاب أمثال هيرودوت ، كان هؤلاء جميعاً يلقون خطبهم أويتلون أقوالهم من أروقة هيكل زيوس. وكانت هذه الأيام أعياداً مقدسة للرجال خاصة لأن النساء المتزوجات لم يكن يسمح لهن بالحضور في هذه الساحة ، بل كانت لهن ألعاب خاصة تقوم في عيد هيرا. وقد لخص منندر منظر هذه الألعاب في خمس حدثات جامعة فنطق: "زحام ، وسوق ، ولاعبون ، وتسلية ، ولصوص". ولم يكن يسمح لغير اليونان الأحرار بالاشتراك في مباريات الألعاب الأولمبية ؛ وكان المتبارون (Athletes المشتقة من Athlos بمعنى مباراة) يختارون بعد اختبارات محلية وبلدية يستبعد بها غير اللائقين ، ثم يدربون بعدئذ عشرة شهور كاملة تدريبا صارماً على أيدي مدربين محترفين يسمون بيدترباي paidotribai (ومعناها اللغوي مدلكوالشبان) ورياضيين يدعون gymnastai (أي العراة). فإذا اتىوا إلى أولمبيا اختبرهم موظفون مختصون وأقسموا حتى يراعوا جميع قوانين الألعاب. ولم يكن يحدث في الألعاب غش أوخروج على السنن السليمة إلا القليل النادر ؛ منها ما قيل من حتى يوبوليس Euopolis قد رشا الملاكمين حتى ينهزموا له ؛ ولكن ما كان يفرض على هؤلاء المخادعين من عقاب ، وما كان يلحقهم من مهانة، كان كبيراً إلى حد يحول بينهم وبين الإقدام على مثل هذا العمل ؛ فإذا ما تم استعداد اللاعبين أخذوا إلى ميدان الألعاب؛ فإذا دخلوه نادى منادٍ أسماءهم وأسماء المدن التي بعثت بهم. وكان المتبارون جميعاً ، أياً كانت سنهم ومنزلتهم ، يجردون من الثياب إلا من منطقة تحيط بالحقوين في بعض الأحيان.ولم يبق من هذا الملعب نفسه إلا الألواح الحجرية التي كانت توضع بين أصابع أرجل المتسابقين في بداية السباق.

وكان النظارة البالغ عددهم 45.000 يحتفظون بأماكنهم في الملعب طوال النهار يقاسون الأمرين من الحشرات والحر والظمأ ؛ ولم يكن يسمح لهم بلبس قبعاتهم ، وكان الماء الذي يسقون منه رديئاً غير صالح للشرب ، كما كان الذباب والبعوض يملأ جوالمكان كما يملأ أمثاله في هذه الايام. وكانت القرابين تقرب مراراً وتكراراً إلى زيوس طارد الذباب. وكانت أبرز المباريات في هذه الألعاب هي التي يطلقون عليها اسم المباريات الخمس (pentathlon). وأراد اليونان حتىقد يكون اللاعبون متمكنين في هذه الألعاب جميعاً ، فكانوا يحكمون على من يتقدم للمباراة في واحدة منها حتى ينازل غيره فيها جميعاً ، ولا يعد اللاعب منتصراً إلا إذا فاز في ثلاث لعبات من خمس. وكانت أولاها هي القفز الواسع ، فكان اللاعب يمسك بيديه ثقلين شبيهين بكتل الحديد المستديرة ويقفز بهما من موضع معين ، ويؤكد لنا الكتاب الأقدمون حتى بعض القافزين كانوا يقفزون إلى مسافة خمسين قدما ، ولكنا غير ملزمين بأن نصدق جميع ما نقرأ.

واللعبة الثانية هي قذف القرص وهولوحة مستديرة من المعدن أوالحجر تزن نحواثني عشر رطلاً ، وينطق إذا أكبر القاذفات كانت تصل إلى مسافة مائة قدم. وكانت اللعبة الثالثة هي قذف الحربة أوالرمح بالاستعانة بِشَرعة من الجلد متصلة بوسط السهم. وكانت المباراة الرابعة هي الجري مسافة قصيرة بأقصى سرعة في الملعب نفسه ، وكانت هذه المسافة تبلغ نحومائتي ميل في الغالب. وكانت المباراة الخامسة هي المصارعة ، وهي من المباريات المحببة كثيراً إلى اليونان ، ومنها اشتق لفظ Palaistra نفسه ، وما أكثر ما يروى من القصص عن الأبطال المصارعين.

وكانت الملاكمة من الألعاب القديمة ، ونكاد نوقن أنها مأخوذة عن كريت المينوية وبلاد اليونان الميسينية. وكان المتبارون ينازل بعضهم بعضاً بكرات للكم معلقة بمحاذاة الرأس ومحشوة ببذور التين أوالدقيق أوالرمل. وفي عصر اليونان الزاهر (أي في القرنين الخامس والرابع) كان الملاكمون يلبسون "قفازات لينة" من جلد الثيران ، معالجة بالدهن ، وتكاد تصل إلى المرافق ، وكانت الضربات مقصورة على الرأس ولكنهم لم تكن لديهم قواعد تحرم ضرب اللاعب إذا سقط على الأرض. ولم تكن هناك أشواط أوفترات للراحة، بل كان الملاكمان يواصلان اللعب حتى يستسلم أحدهما أويعجز عن الملاكمة. ولمقد يكونوا يقسمون حسب أوزانهم ، بل كان في مقدور أي إنسان مهما يكن وزنه حتى يشهجر في المباريات. ومن ثم كان ثقل الجسم ذا نفع كبير لصاحبه ، وانحطت الملاكمة لهذا السبب في بلاد اليونان وتحولت من مباراة في المهارة إلى منازلة بالقوة العضلية. وازدادت وحشية اللاعبين على مر الزمن فجمعوا المصارعة والملاكمة في مباراة جديدة سموها لعبة القوى مجتمعة (pankration). وكان يسمح في هذه اللعبة بكل شيء عدا العض وفقأ العين ، وحتى الركل في البطن كان مسموحاً به أيضاً. وقد وصلت إلينا أسماء ثلاثة من أبطال هذه المباراة هزموا من نازلوهم لأنهم كسروا أصابعهم ، وكال أحدهم لغريمه ضربات وحشية بأصابعه الممدودة وأظافره الطويلة القوية التي اخترق بها جلده وانتزع بها أمعاءه من بطنه. لكن ميلوالكروتوني كان ملاكماً أظرف من هؤلاء وأحب إلى النفوس، ويروى عنه أنه نمى قوة جسمه بحمل عجل صغير في جميع يوم من حياته حتى كبر هذا العجل وأصبح ثوراً تام النمو. وكان الناس يحبونه لحيله ودهائه ، فقد كان يمسك في يده الرمانة ويقبض عليها بقوة لا يستطيع معها أي إنسان حتى ينتزعها منه ، ومع ذلك كانت الرمانة تظل سليمة لا ينالها أذى ؛ وكان يقف على قرص من الحديد مدهون بالزيت ويقاوم جميع ما يبذل من الجهد لزحزحته عن مكانه ؛ ويربط حبلاً حول جبهته ثم يبتر الحبل بوقف نَفَسُه ودفع الدم إلى رأسه. وقضت عليه مواهبه هذه آخر الأمر "ذلك أنه التقى مصادفة بشجرة ذابلة كما يقول بوزنياس "دقت فيها أوتاد لتفصل خشبها بعضه عن بعض، فخيل إليه حتى يفصل هذا الخشب بيديه ، ولكن الأوتاد انخلعت من الشجرة وانطبق خشبها عليه، وافترسته الذئاب".

وكانت الألعاب تضم فضلاً عن السباق السريع القصير المدى مسابقات أخرى في العدو، منها مسابقة طولها أربعون ياردة ، وأخرى طولها أربعة وعشرون شوطاً أوميلان وثلثا ميل ، ومنها سباق مسلح يحمل جميع عداء فيه ترساً ، وليس لدينا ما نستدل منه على الأرقام القياسية في هذه المسابقات. وكان الشوط يختلف باختلاف المدن ، ولم يكن لدى اليونان آلات يقيسون بها أجزاء الزمن الصغيرة. وتحدثنا الأقاصيص عن عداء يوناني كان يسبق الأرنب ، وعن آخر سابق جواداً من كرونيا إلى طيبة (حوالي عشرين ميلاً) وسبقه ، وعن فيدبديس Pheidippides الذي جرى من أثينا إلى إسبارطة - 150 ميلاً - في يومين ، ونقل إلى أثينا بشرى النصر في مرثون التي تبعد عنها أربعة وعشرين ميلاً ، ثم توفي متأثراً بما عاناه من التعب. ولكن بلاد اليونان لم تكن فيها "مسابقات مرثونية".

وقد أنشأت أولمبيا في السهل الواقع في أسفل الملعب مضماراً لسباق الخيل خاصة. وكان للنساء والرجال على السواء حتى يتقدموا بخيولهم إلى هذا السباق ، وكانت الجائزة في ذلك الوقت تعطى لصاحب الجواد - كما هي الحال في وقتنا هذا - لا لراكبه ، وإن كان الجواد في بعض الأحيان يجازى بأن يقام له تمثال ، وكانت آخر المباريات هي مباراة المركبات ، وكان يجر جميع مركبة جوادان أوأربعة جياد تسير جنباً إلى جنب. وكثيراً ما كان يشهجر في المباراة الواحدة عشر مركبات في جميع منها أربعة جياد ، وكان على جميع مركبة حتى تدور حول الأنصاب المقامة في الحلبة ثلاثاً وعشرين دورة في آخر السباق ، ولذلك فإن حوادث خطيرة كانت تحدث وقتئذ ، وكانت هذه الحوادث أبرز ما يثير المشاعر في الألعاب. وقد وقع في سباق منها بدأ بأربعين مركبة حتى لم تتمه إلا مركبة واحدة. وفي وسعنا حتى نتصور اهتياج النظارة وجدلهم حول من يناصرون ، وأسفهم وهم منعملون حينما يطوف الظافرون آخر طواف لهم حول الأنصاب.

فإذا انتهت هذه المباريات المجهدة بعد خمسة أيام كاملة ، نالوا جوائزهم ، ولف جميع منهم عصابة من الصوف حول رأسه ، ثم وضع المحكمون على هذه العصارة إكليلاً من أوراق الزيتون البري وأغصانه ، ونادى مناد أسماء الظافرين وأسماء مدنهم. وكان هذا الإكليل النباتي هوالجائزة الوحيدة التي تعطى في الألعاب الأولمبية ، ولكنه مع ذلك كان الشرف الذي يبذل المتبارون في بلاد اليونان أقصى جهودهم ليظفروا به.

وقد بلغ من أهمية هذه الألعاب وحرص اليونان عليها حتى الغزوالفارسي نفسه لم يحل بينهم وبين إقامتها ، فبينما كانت حفنة من اليونان تقف في وجه خشيارشاي في ترموبيلي كانت آلاف مؤلفة منهم تشهد كعادتها ثيجنيس Theagenese الثاسوسي ، في اليوم الذي دارت فيه المعركة ، يظفر بإكليل ألعاب القوى المجتمعة. وصاح جندي فارسي في وجه قائده يقول: "رباه! أي صنف من البشر أولئك الأقوام الذي أتيت بنا لنقاتلهم،يا ترى؟ - إنهم رجال لا يقاتل بعضهم بعضاً من أجل المال بل من أجل الشرف!". وما من شك في حتى هذا الجندي الفارسي ، أواليوناني الذي اخترع السيرة ، قد جاوز الحد في الثناء على اليونان بقوله هذا ، وليس ذلك لأنه كان من واجبهم حتىقد يكونوا في ذلك اليوم في ترموبيلي بدل حتىقد يكونوا في أولمبيا فحسب ، بل لهذا السبب ولغيره من الأسباب ؛ ذلك حتى الظافرين كانوا يحصلون على جوائز أخرى كبيرة من طريق غير مباشر وإن كانت الجائزة المباشرة التي ينالونها في الألعاب نفسها كانت قليلة لا تسمن ولا تعني من جوع. لقد كانت مدن كثيرة تمنح الظافرين جوائز مالية كبيرة بعد حتى يعودوا من الألعاب الأولمبية ، وكان بعضها يعينهم قواداً لجيوشه، وكانت الجماهير تقدسهم تقديساً يحسدهم عليه الفلاسفة ويشكون منه. وكان بعض الظافرين أوأنصارهم يستأجرون شعراء مثل سمنيدس أوبندار لينشئوا القصائد في مدحهم وتكريمهم، وكانت هذه الأشعار تغنيها جماعات من الغلمان في الموكب الذي يخرج لاستقبالهم، وكانت الأموال تدفع للمثالين ليخلدوا ذكراهم بالتماثيل البرونزية أوالحجرية، وكانوا في بعض الأحيان يطعمون بلا ثمن في ردهة المدينة. وفي وسعنا حتى نقدر ما يتكلفه هذا الطعام إذا عهدنا - من مصدر مشكوك في دقته - حتى ميلوأكل عجلة بنت أربع سنوات ، وأن ثيجنيس أكل ثوراً ، في يوم واحد.

وكان القرن السادس هوالعهد الذي بلغت فيه الألعاب الرياضية أعظم روعتها وتغلغل حبها في قلوب الشعب إلى أبعد حد. ففي عام 582 أنشأ الحلف الاثنا عشري الألعاب الفيثية في دلفي تكريماً لأبلو. وفي تلك السنة نفسها أنشئت ألعاب البرزخ في كورنثة تكريماً لبوسيدن ، وبعد ست سنوات من ذلك الوقت أنشئت الألعاب النيمية تكريماً لزيوس النيمي ، وأضحت هذه المواسم كلها أعياداً يحتفل بها اليونان على بكرة أبيهم. وقد نشأت منها ومن الألعاب الأولمبية دورة (Periodos)، وكان أعظم ما يطمع فيه اليوناني الرياضي حتى ينال أكاليل فيها جميعاً.

وقد أضيفت مباريات في الموسيقى والشعر إلى المباريات الجسمية في الألعاب الفيثية ، والحق حتى هذه المباريات الموسيقية كانت تقام في دلفي قبل إنشاء الألعاب الرياضية فيها بزمن طويل. وكان موضوع المباريات في بادئ الأمر أنشودة يخلد بها فوز أبلوعلى الأفعى الدلفية ؛ ثم أضيفت إليها في عام 582 مباريات في الغناء وفي العزف على القيثارة والنفخ في الناي. وكانت مباريات موسيقية مثلها تقام في كورنثة ، ونيميا ، وديلوس ، وغيرها من المدن ؛ وذلك لأن اليونان كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون بهذه المباريات العامة حتى ينموا مقدرة العازفين وذوق الجماهير في وقت واحد. وكانوا يسيرون على هذا المبدأ نفسه في جميع فن من الفنون تقريباً - كصناعة الخزف ، والشعر ، والنحت ، والتصوير ، والغناء الجماعي ، والخطابة ، والتمثيل. وبهذه الطريقة وغيرها من الطرق أصبح للألعاب أكبر الأثر في الفنون ، والآداب ، بل كان لها أيضاً أعمق الأثر في كتابة التاريخ نفسه؛ وذلك لأن أبرز طريقة لحساب السنين في خط التاريخ المتأخرة كانت هي التاريخ بالفترات الأولمبية ، وكانت جميع فترة تميز باسم الظافر في سباق الجري شوطاً واحداً. وكان الكمال الجسمي الذي بلغه الرياضيون البارعون في الألعاب جميعها في القرن السادس قبل الميلاد هوالذي أوحى إلى اليونان بالمثل الأعلى في نحت التماثيل، وهوالمثل الذي بلغ غايته على يدي ميرون Meiron وبليكليتوس. وقد أتاحت ألعاب العراة في مضامير الألعاب وفي أثناء الأعياد للمثال فرصاً لدراسة جسم الإنسان في جميع أشكاله وأوضاعه ، فأضحت الأمة هي نفسها نماذج لفنانيها على غير فهم منها ، وتعاونت الألعاب الرياضية اليونانية مع الدين اليوناني على إيجاد الفن اليوناني.


الحياة الفنية

لقد وصلنا الآن إلى أكمل نتاج الحضارة اليونانية ، ولكننا مع الأسف الشديد لا نجد من بقايا هذا النتاج العظيم إلا النزر اليسير. ذلك حتى التدمير الذي عاناه الأدب اليوناني من جراء عدوان الزمان وتحكم ذوي العقول الضيقة الجاهلة ، وتغير الأنماط والأهواء العقلية ، لا يعد شيئاً مذكوراً إذا قيس إلى ما سقط على الفن اليوناني من تدمير. ولقد بقي لدينا من عصر الفنون الزاهر بترة برونزية واحدة هي راكب العربة في دلفي ، وتمثال واحد من الرخام هوتمثال هرمس من خلق المثال بركستيليز ، أما الهياكل فلم يصل إلينا منها هيكل واحد - ولا هيكل الثسيوم نفسه - بالشكل أوباللون الذي كان عليه في بلاد اليونان القديمة. كذلك لم يكد يبقى لدينا شيء من النقوش اليونانية على المنسوجات ، أوالخشب ، أوالعاج ، أوالفضة ، أوالمضى ، ذلك حتى هذه المواد كانت أضعف أوأثمن من حتى تنجومن أيدي الناهبين أوعبث الأيام. لذلك كان علينا حتى نعيد تصوير هذه الفنون مستعينين على ذلك بما بقي لدينا من آثارها المحطمة القليلة.

وكانت الأسباب التي أدت إلى نشأة الفن اليوناني هي الرغبة في تصوير الأجسام وتزيينها ، والنزعة البشرية في الديانة اليونانية ، والروح الرياضية ، والمثل العليا للرياضيين. ولما ارتقى اليوناني البدائي عن الفترة التي اعتاد حتى يضحي بها بالآدميين لكي يصبحوا الموتى ويقوموا على خدمتهم ، استبدل بهم التماثيل المنحوتة أوالصور كما عمل غيره من البدائيين. ووضع بعد ذلك صوراً لآبائه في بيته ، أووضع في المعابد صوراً وتماثيل شبيهة به أوبمن يجب ، اعتقاداً منه حتى هذه الصور والتماثيل ستتمكن بقوة سحرية من بسط حماية الإله ورعايته على من تمثله. لقد كان الدين المينوي ، والدين الميسيني ، وكانت طقوس اليونان الأرضية نفسها ، عبارات غامضة مبهمة غير شخصية ، وكان فيها أحياناً من الرهبة والسخف ما ينأى بها عن جمال التصوير ؛ ولكن الخصائص البشرية الصريحة التي كان يتصف بها آلهة أولمبس ، وحاجتها إلى مواطن وهياكل تقيم فيها على سطح الأرض ، جميع هذه قد فتحت أمام اليونان آفاقاً واسعة للنحت والعمارة ولعشرات العشرات من الفنون المتصلة بهما. ولسنا نجد ديناً غير هذا الدين - مع جواز استثناء الديانة المسيحية الكاثوليكية - شجع الآداب والفنون ، وأثر فيهما ، كما شجعهما وأثر فيهما الدين اليوناني.

ولا نكاد نجد فيما لدينا من آثار اليونان الأقدمين كتاباً ، أومسرحية، أوتمثالاً ، أوبناء ، أومزهرية لا يمت إلى الدين بصلة في موضوعه، أوغرضه ، أوالإلهام به. ولكن الإلهام وحده لم يكن ليحمل من شأن الفن اليوناني إلى الدرجة التي ارتفع إليها، فقد كان يحتاج إلى البراعة الفنية العالية التي تنشأ من الصلات الثقافية ، وإلى تطور الصناعات اليدوية وانتنطقها من طور إلى طور. والحق حتى الفن لم يكن عند الرجل اليوناني إلا نوعاً من الصناعة اليدوية، وارتقى الفنان من الصانع الماهر ارتقاءً طبيعياً تدريجياً حتى لم يكن اليونان يميزون أحدهما من الآخر تمييزاً دقيقاً. لقد كان الفنانون في حاجة إلى الفهم بجسم الإنسان لأن نموه الصحي السليم هوالذي يكسبه تناسباً وتناسقاً وجمالاً؛ وكانوا في حاجة إلى حب للجمال عاطفي قوي جنسي يهون معه جميع قاسي إذا ما أدى إلى تخليد لحظة من لحظاته الحية ، وصورها في صورة تظل على مر الزمان.

وكانت نساء إسبارطة يضعن في حجرات نومهن صور اًبلو، ونارسس ، وهياسنثس ، أوأي إله آخر وسيم حتى يلدن بذلك أطفالاً جمالاً. وأقام سبسلوس Cypselus مباراة في الجمال بين النساء من زمن بعيد يرجع إلى القرن السابع قبل الميلاد ، ويقول أثينيوس إذا هذه المباراة الدورية استمرت إلى العهد المسيحي. ومن أقوال ثيوفراستوس Theophrastus في هذا المعنى "إن مباريات تقام" في بعض الأماكن "بين النساء في الخفر ، وحسن التدبير. كما تقام مباريات في الجمال ، كالمباريات التي تقام.. في تندوس ولسبوس".


المزهريات

من الأقاصيص الظريفة الشائعة في بلاد اليونان حتى أول قدح للشراب قد شكل فوق ثدي هلن ، فإذا كان هذا سليماً فإن النطقب الذي خلق على هذا الطراز قد ضاع عقب الغزوالدوري ، لأن ما وصل إلينا من الآنية الفخارية من العهود اليونانية القديمة لا يذكرنا قط بهلن ؛ وما من شك في حتى هذا الغزوقد أثر أسوأ الأثر في تطور هذا الفن ، وأفقر الصناع ، وشتت المدارس ، وقضى إلى حين على انتنطق أصوله ؛ ذلك بأن المزهريات اليونانية تبدأ من بعد هذا الغزوبسيطة بدائية فجة ، كأن كريت لم تسم بصناعة الفخار فتجعلها فناً جميلاً.

ويغلب على الظن حتى مزاج الفاتحين الدوريين الذي كانت تغلب عليه الخشونة هوالذي أخرج مما بقي من قواعد الفن المينوي الميسيني ذلك الطراز الهندسي الذي كانت له السيطرة على أقدم الفخار اليوناني بعد العصر الهومري. لقد محى من هذا الفخار ما كانت تزدان به الآنية الكريتية من رسوم الأزهار والمناظر الطبيعية ، والنباتات ؛ وكانت النزعة الصارمة التي أقامت مجد الهياكل الدورية هي التي قضت على صناعة الفخار اليونانية. وليس في الجرار الضخمة التي يمتاز بها هذا العصر ما يمت بصلة إلى الجمال ، فقد كان الغرض من صنعها حفظ الخمر أوالزيت أوالحبوب ، ولم يكن يقصد بها حتى تكون متعة للفنان الخبير بصناعة الخزف. ويكاد نقشها كله حتىقد يكون وحدات من مثلثات أودوائر أوسلاسل ، أوخطوط متقاطعة ، ومعينات ، وصلبان ، أوخطوط أفقية متوازية بسيطة تتكرر مرة بعد مرة. وحتى الرسوم الآدمية التي تتخلل هذه الأشكال كانت رسوماً هندسية ، فجذع التمثال العلوي كان مثلث الشكل ، وفخذاه وساقاه كانت مخروطية. وانتشر هذا الطراز الهين من الزينة في جميع بلاد اليونان ، وكان هوالذي حدد صورة المزهريات الدبيلونية Dipylon في أثينة. ولكن الآنية الضخمة (التي كانت تصنع في العادة لتوضع فيها جثث الموتى) كانت ترسم عليها بين خطوط الأشكال الهندسية صور جانبية لوجوه النائحين ، وعربات ، وحيوانات غاية في السماجة. فلما آذن القرن الثامن بالانتهاء رسمت على الفخار اليوناني صور حية أكثر من الصور السابقة ، واستخدم لونان لأرضية الصور، واستبدلت الدوائر بالخطوط المستقيمة، وظهر على الصلصال سعف النخل ، والأزورد ، والجياد القافزة ، والآساد المصيدة ، وحلت الزخارف الشرقية محل الطراز الهندسي الساذج.

وأعقب ذلك العصر عصر مليء بالتجارب غمرت فيه ميليتس السوق بمزهرياتها الحمراء ، وساموس بمصنوعاتها المرمرية ، ولسبوس بآنيتها السوداء ، ورودس بآنيتها الحمراء ، وكلزميني Clezomenae بآنيتها الرمادية اللون ، وأصدرت فيه نقراطس الخزف الدقيق الملون والزجاج نصف الشفاف. واشتهرت إرثيرا Erythra برقة مزهرياتها ، وكلسيس Chalcis ببريقها وحسن صقلها، وسكيون Siycon وكورنثة بقوارير الرائحة الدقيقة الصنع ، والأباريق ذات الرسوم المتقنة الأنيقة الشبيهة بمزهريات شيجي Chigi في رومة.

وقامت بين صناع الخزف في المدن المتنوعة منافسة قوية ، وكانت هذه المدينة أوتلك تجد مشترين لخزفها في جميع ثغر من ثغور البحر الأبيض المتوسط ، وفي روسيا ، وإيطاليا ، وبلاد غالة. وخيل إلى مدينة كورنثة في القرن السابع أنها فازت على منافساتها في هذه الحرب الخزفية ، فقد كانت مصنوعاتها في جميع مكان وفي يد جميع إنسان ، وكان صناع الفخار فيها قد كشفوا طرقاً جديدة للحفر والتلوين ، وابتكروا كثيراً من الأشكال الجديدة ؛ لكن سادة حي الخزافين في خارج أثينا برزوا إلى الأمام حوالي عام 550 ق.م وألقوا عن كاهلهم عبء النفوذ الشرقي ، واستولوا بمصنوعاتهم ذات الرسوم السوداء على أسواق البحر الأسود ، وقبرص ، ومصر ، وإتروريا ،وأسبانيا. وأخذ النابغون من صناع الخزف من ذلك الحين يهاجرون إلى أثينا إذا لمقد يكونوا قد ولدوا فيها ؛ ونشأت فيها مدرسة عظيمة وتنطقيد ثابتة لأن الأبناء أخذوا يرثون فن الآباء ، وأصبحت صناعة الخزف الجميل إحدى الصناعات الكبرى في المدينة ثم أمست إحدى الصناعات التي تحتكرها أتكا وتقر لها غيرها من الأنطقيم بهذا الاحتكار.

وتحمل المزهريات نفسها من حين إلى حين صوراً لحوانيت الخزافين ، ويرى فيها الصانع يعمل مع صبيانه أويراقبهم وهم يقومون بالعمليات المتنوعة: يخلطون الألوان والطين ، ويشكلون العجينة ، ويلونون الأرضية ، ويحفرون الصور ، ويحرقون الآنية ، ويحسون بالسعادة التي يحس بها من يرون صور الجمال تظهر على أيديهم. ونحن نعهد أكثر من مائة من هؤلاء الخزافين أهل أتكا ، ولكن الدهر قد عدا على آياتهم الفنية فحطمها ولم يبق لنا إلا أسماء مبدعيها. ونحن نقرأ الآن على كأس الشراب قول الصانع مفتخراً بصنعه Nikosthenes me poiesen "صنعني نكسثنيز" وكان أجزسياس Execias أعظم من نكسثنيز هذا وأجل قدراً. وفي متحف الفاتيكان قارورة فخمة ذات مقبضين من صنعه ، وكان واحداُ من طائفة كبيرة من الفنانين يشجعهم أنصار الفن في عهد بيسستراتس وأبنائه وينعمون بعهد السلم الذي ساد البلاد وقتئذ.

ومن أيدي كلتياس Clitias وإرجتموس Erogotimus خرجت مزهرية فرنسوا الذائعة الصيت التي عثر عليها في إتروريا عام 560 فرنسي يحمل هذا الاسم ، وهي الآن ضمن كنوز متحف الآثار بفلورنس - وهي إناء كبير عليه صفوف من الأشكال والمناظر مستمدة من الأساطير اليونانية يعلوبعضها بعضاً. وكان هذان الصانعان أشهر صناع طراز الرسوم السوداء في أتكا في القرن السادس. ولا حاجة بنا إلى المبالغة في جودة خلق الإناء ، فهولا يضارع في فكرته ولا في إخراجها خير الأواني الباقية من عهد أسرة تانج أوسونج الصينيتين ؛ غير حتى الفنان الصيني كان له غرض يختلف عن غرض الفنان الشرقي ، فلم يكن همه الأول هوالألوان بل الخطوط ، ولا النقش بل الشكل. ولذلك كانت الرسوم التي على الآنية اليونانية رسوماً صورها العهد ، وثبت طرازها فجعلها ضخمة ضخامة غير عادية في الكتفين دقيقة في الساقين.

وإذا كان هذا الطراز قد ظل سائداً طوال عهد اليونان الزاهر فمن واجبنا حتى نفترض حتى الخزاف اليوناني لم يكن يفكر قط في الدقة الواقعية ، فكأنه في فنه هذا يقرض الشعر لا يخط النثر ، ويخاطب الخيال لا العين ، ولهذا السبب عينه لم يتوسع فيما يستخدمه من المواد أوالألوان. فقد استخدم صلصال السرمكوس Ceramicus الأحمر اللطيف ، وهدأ لونه باللون الأصفر ، وصغر الرسوم بعناية ، وملأ ما بين الخطوط باللون الأسود الزجاجي البراق ، فاستحالت الأرض على يديه آنية موفورة العدد تقترن فيها المنفعة بالجمال ، منها أباريق ماء ، وقوارير ذات مقبضين ، ودنان خمر وأقداح ، وآنية خلط ، وقنينات عطر. وكان هوالذي فكر في التجارب ، وابتكر الموضوعات ، وابتدع الأعمال الفنية التي أخذها عنه صانعوالبرونز ، والمثالون ، والرسامون.

وهوالذي قام بالتجارب الأولى في رسم المناظر فنياً كما تبدوبحجمها الطبيعي للعين ، وفي فن المنظور ، وتوزيع الظلال ، وعمل النماذج. وقد مهد السبيل لنحت التماثيل بأن خلق من الطين المحروق صوراً لما لا يحصى من الموضوعات والأشكال ، وحرر فنه من الرسوم الهندسية الدورية ومن المغالاة الشرقية ، وجعل صور الآدميين مصدر حياته ومحورها الذي تدور عليه. ومل الخزاف الأثيني قبيل الربع الأخير من القرن السادس الرسوم السوداء على الأرضية الحمراء ، فعكس الوضع وابتدع طراز الرسوم الحمراء الذي ظلت له السيادة في إقليم البحر الأبيض المتوسط مائتي عام. وكانت الصور لا تزال جامدة ذات زوايا ، والأجسام مصورة من جانبها ، والعين في لقاءة الناظر تماماً ، ولكنه كان يستمتع في نطاق هذه الحدود بحرية جديدة ومجال أوسع في التفكير والتطبيق ، وكان يخدش الخطوط الخارجية للصورة خدشاً خفيفاً بسن رفيع ، ويرسم تفاصيلها بعدئذ بالقلم ، ويملأ خلفيتها باللون الأسود ، ثم يضيف إليها لمساتها الصغرى بمادة زجاجية ملونة. وفي هذا المجال أيضاً خلد بعض كبار الفنانين أسماءهم ؛ من ذلك حتى قارورة ذات أذنين قد خط عليها: "رسم صورها يوثيميدس Euthymides بن بلياس Pallias رسماً لم يستطعه يفرنيوس Euphronius". وكان هذا تحدياً ليفرنيوس ودعوة له حتى يصنع مثلها. لكن يفرنيوس هذا ظل يوصف بأنه أعظم الخزافين في عصره. ويظن بعضهم أنه هوصاحب الخابية التي صور فيها هرقل يصارع أنتيوس. وتعزى إلى معاصرة سسياس Sosias مزهرية من أشهر المزهريات اليونانية صور عليها أكليز يضمد جرحاً في ذراع بهجرلوس. وقد أبرز في هذه الصورة جميع دقائقها ، وأفاض عليها الكثير من حبه وعطفه ، ولم تستطع القرون الطوال حتى تنال من منظر الألم الصامت وهويظهر على ملامح الفتى المحارب.

ونحن مدينون إلى أولئك الرجال وغيرهم ممن لا نعهد أسماءهم الآن بكثير من الروائع الفنية أمثال الكأس التي نرى في داخلها صورة إلهة الفجر تندب ولدها المتوفي ، وإبريق الماء المحفوظ في متحف الفن بنيويورك والذي رسم عليه جندي يوناني ، قد يحدث أكليزي يطعن بالحربة امرأة من المحاربات جميلة ذات ثديين ، وكان إناء من أمثال هذه الأواني هوالذي وقف أمامه جون كيتس John Keats في يوم من الأيام صامتاً مذهولاً حتى أطلقت خياله تلك "النشوة الجامحة" و"الدفعة الهائجة" فأنطقتا لسانه بقصيدة أعظم شأناً من أية قارورة يونانية.

النحت

كان من أثر استيطان اليونان غرب آسيا وفتح مصر للتجارة اليونانية حوالي عام 660 ق.م. حتى دخلت أشكال الشرق الأدنى ومصر وأساليبهما إلى أيونيا وبلاد اليونان الأوربية. ذلك حتى مثالين كريتين هما دبوئينوس Dippoenus وسيلوس Scyllus استدعيا حوالي عام 580 إلى سكيون وأرجوس ليقوما فيهما بمهمة فنية. ولما حتى غادراهما لم يهجرا فيهما تماثيل فحسب بل هجرا فيهما تلاميذ أيضاً. ونشأت من ذلك الحين مدرسة للنحت قوية في بلاد البلوبونيز. وكان لهذا الفن أهداف كثيرة ؛ فكان أولاً يخلد الموتى بالأعمدة البسيطة ، ثم برؤوس تماثيل قائمة على قواعد ، ثم بتماثيل كاملة أولوحات جنائزية منقوشة. وكانت التماثيل تصنع للفائزين في الألعاب الرياضية ؛ فكانوا أولاً ينحتون نماذج لتماثيل هؤلاء الفائزين. وكان خيال اليونان الحي الخصيب من مسببات تشجيع هذا الفن ، فقد جعلهم يصنعون للآلهة تماثيل يخطئها الحصر.

وكان الخشب هوالمادة التي تصنع منها أكثر التحف حتى القرن السادس قبل الميلاد ، وشاهد ذلك ما نسمعه كثيراً عن صندوق سبسيلوس طاغية كورنثة ؛ ويقول بوزنياس إنه خلق من خشب الأرز المطعم بالعاج والمضى ، وزين بالنقوش المعقدة المحفورة. ولما زاد الثراء كانت التماثيل الخشبية تغطى كلها أوبعضها بالمواد الثمينة. وبهذه الطريقة خلق فيدياس تماثيله المضىية والعاجية لأثينة بارثنوس ولزيوس الأولمبي. وظل البرونز ينافس الحجر في خلق التماثيل إلى آخر عصر اليونان الزاهر.

وقد صهر العدوالأكبر من هذه التماثيل البرونزية ولم يبق منها إلا القليل، ولكن في وسعنا حتى نستدل من تمثال سائق العربة الخاضع الذليل المحفوظ في متحف دلفي (حوالي 490 ق.م) على ما بلغته صناعة التماثيل المجوفة من الإتقان الذي يقرب من الكمال مذ أدخلها ريكوس Rhoecus وثيودورس الساموسيان في بلاد اليونان. وقد صبت مجموعة التماثيل الأثينية للطاغيتين (هرموديوس Harmodius وأرستوجيتون Aristogeiton) ، وهي المجموعة الذائعة الصيت ، من البرونز على يد أنتنور Antenor في أثينا بعد قليل من طرد هبياس. وكان مثالوأثينة يستخدمون أنواعاً كثيرة من الحجارة اللينة قبل حتى يعمد مثالواليونان إلى تشكيل الحجارة الصلبة المتنوعة الأنواع باستخدام المطرقة والإزميل ، فلما حتى عهدوا كيف من الممكن أن يستخدون هاتين الأداتين كادوا يأتون علىكل ما في نكسوس وباروس من رخام. وكثيراً ما كانت التماثيل في العهد القديم (1100-490) تطلى بالألوان ، ولكنهم وجدوا في آخر سني ذلك العهد حتى هجر الرخام المصقول من غير طلاء اصطناعي أسقط في النفس وأدنى إلى تمثيل بشرة النساء الرقيقة.

وكان يونان أيونيا أول من عهدوا فوائد جعل الثياب عنصراً من عناصر صناعة النحت. ذلك حتى الفنانين في مصر والشرق الأدنى كانوا يجعلون الأثواب جامدة ملتصقة بالجسم، ولم تكن تزيد على مئزر حجري كبير يخفي الجسم الحي، ولكن المثالين اليونان في القرن السادس أدخلوا الثنايا في الأقمشة، واستخدموا الثياب للكشف عن مصدر الجمال الأول وطرازه وهوالجسم البشري السليم السليم. غير حتى أثر المصريين والآسيويين في الفن اليوناني ظل له من القوة ما جعل التماثيل في كثير من آثار النحت اليونانية العتيقة ثقيلة جامدة خالية من الرشاقة ، وجعل الساقين مشدودتين حتى في حالة الراحة ، والذراعين مسترخيتين متدليتين على الجانبين، والعينين لوزيّتي الشكل مائلتين أحياناً كعيون معظم الشرقيين، والوجه ذا شكل ثابت لا يتغير في جميع التماثيل خالياً من الحركة والعاطفة، وكانت التماثيل اليونانية في ذلك العهد تتبع القاعدة التي جرى عليها المصريون في خلق تماثيلهم، وهي حتى يصنعوها على الدوام متجهة بوجوهها نحوالناظر إليها، ومتناسبة الجانبين أدق التناسب، حتى لوأنك رسمت خطاً عمودياً في وسطها لمر هذا الخط في منتصف الأنف، والفم والسرة، وأعضاء التناسل لا يحيد عن ذلك قيد شعرة إلى اليمين أواليسار، ولا يتأثر موضعه بحركة الجسم أوسكونه. ولعل العهد هوسبب هذا الجمود المقبض الممل؛ فقد كان قانون الألعاب اليونانية يحرم على الفائز فيها حتى يصنع له تمثال أوترسم له صورة إلا إذا كان قد فاز في جميع المباريات ذات الألعاب الخمس، ويقولون إذا الفائز فيها جميعاً هووحده الذي يستمتع بالنموالجثماني المتناسق الخليق بأنقد يكون أنموذجاً للجسم البشري السليم.

وهذا السبب مضافاً إليه في أغلب الظن حتى العهد الديني قبل القرن الخامس كان هوالمسيطر على تمثيل الآلهة في اليونان ، كما كان مسيطراً عليه في مصر ، هوالذي جعل المثال اليوناني يقتصر على عدد قليل من الأوضاع والأنماط ويصرف جميع جهوده ومواهبه في إتقانها. وكان أبرز ما صرف فيه جهوده وأتقن دراسته نمطان من التصوير هما تصوير الشاب العاري إلا من القليل الذي يستحق الذكر من الملابس ، ذي اليدين المقبوضتين والوجه الهادئ الصارم ؛ وتصوير العذراء المصففة الشعر ذات الوقفة والثبات المتواضعة ، تمسك ثوبها بإحدى يديها ، وتقرب القربان للآلهة باليد الأخرى.

وقد ظل المؤرخون إلى عهد قريب يسمون التماثيل الأولى "أبلو" ؛ ولكنها كانت في أغلب الظن تماثيل للرياضيين أوتماثيل جنائزية. وأشهر هذا النوع هوأبلوتينيه Tenea ، وأكبرها حجماً تمثال أبلوسونيوم Sunium ، وأدلها على التفاخر عرض أبلوفي أمكلي Amyclae قرب إسبارطة ، ومن أجملها كلها تمثال أبلواسترانج فورد Strangford المحفوظ في المتحف البريطاني. وأجمل منه أبلوشوازول جوفييه Choiseul Gouffier، وهوصورة رومانية مأخوذة عن التمثال الأصلي الذي خلق في القرن الخامس. وتماثيل العذارى أسقط في عين الذكور على الأقل من تماثيل الرجال: فأجسامهن رشيقة هيفاء ، ووجوههن تعلوها ابتسامة ظريفة أشبه بابتسامة صورة موناليزا Mona Lisa ، وثيابهن قد بدأت تتحرر من الجمود العهدي.

وبعض التماثيل كالتماثيل المعروضة في متحف أثينا خليق بأن يعد من روائع الفن في أي قطر آخر من أقطار العالم. ومنها تمثال نستطيع حتى نسميه عذراء طشيوز ، وهويعد آية فنية في بلاد اليونان نفسها. وإن ما في هذه التماثيل من مسّة أيونية شهوانية لينفي عنها بعض ما بها من جمود مصري وصرامة دورية كالتي نشاهدها في تماثيل "أبلو". وقد ابتدع أركرموس Archermus الطشيوزي طرازاً آخر من التماثيل ، أولعله أعاد إلى الوجود طرازاً منسياً منها، في تمثال النصر المقام في ديلوس. ومن هذا الطراز نشأ فيما بعد طراز تماثيل النصر الجميلة التي صنعها بينيوس Poeonius في أولمبيا ، وتماثيل النصر المجنحة المقامة في سمثريس Samothrace، وصور الملائكة المجنحة في الفن المسيحي. وقد نحت مثالون مجهولون بالقرب من ميليتس طائفة من تماثيل النساء المكسوة الجالسة لتوضع في هيكل البرنشيدي Branchidae، وهي تماثيل قوية لكنها فجة، مهيبة لكنها ثقيلة، عميقة لكنها ميتة .

وقد بلغت صناعة الحفر درجة من القدم يسرت لإحدى القصص الظريفة حتى تصف منشأها.وتقول هذه السيرة حتى فتاة من كورنثة رسمت على جدار الخطوط الخارجية ظل رأس حبيبها الذي يلقيه ضوء مصباح على جدار. ثم اتى أبوها بوتاديس Butades وهوفخراني فملأ ما بين هذه الخطوط بالصلصال ، وضغطه حتى جمد ، ثم حمله ، وحرقه ؛ ويؤكد لنا بلنى حتى هذه هي الكيفية التي نشأ بها النقش القليل البروز.وأصبح هذا الفن أكثر أهمية من صناعة التماثيل في تزيين الهياكل والقبور ، وقد خلق أرسطاطاليس نقشاً جنائزياً لأرستيون في عام 520 ق.م. وهوتحفة من التحف الثمينة الكثيرة المحفوظة في متحف أثينا.

وإذ كانت هذه النقوش البارزة تلون على الدوام تقريباً ، فقد كانت فنون النحت والنقش والتصوير وثيقة الاتصال بعضها ببعض ، وكانت كلها تستخدم في العمارة ، وكان معظم الفنانين مهرة في هذه الفنون جميعها ، وكانت بروز الهياكل وأطنافها ، وما بين هذه الأطناف ، وما وراء القواصر- كانت هذه كلها تطلى عادة بالألوان ، على حين إذا البناء الرئيسي كان يهجر عادة بلون الحجارة الطبيعي.أما الرسم الملون بوصفه فناً مستقلاً فليس لدينا من آثاره في البلاد اليونانية إلا القليل الذي لا يستحق الذكر ؛ ولكننا نعهد من بعض أقوال الشعراء حتى التصوير على الخشب بالألوان الممزوجة في الشمع السائح كان من الفنون التي مارسها اليونان من عهد أنكريون.وكان هذا الفن آخر ما ازدهر من الفنون في بلاد اليونان وآخر ما اندثر منها.

وجملة القول حتى القرن السادس لم يبلغ فيه أي فن من فنون اليونان ، إذا استثنينا فن العمارة ، ما بلغته الفلسفة اليونانية والشعر اليوناني في هذا القرن نفسه من جرأة في التفكير وكمال في التصوير. ولعل مناصرة الفنون كانت بطيئة النشأة بين أرستقراطية كانت لا تزال ريفية فقيرة ، أوبين طبقة رجال الأعمال التي كانت لا تزال ناشئة لم يخلق فيها الثراء حاسة الذوق. ومع هذا فقد كان عهد الطغاة فترة تحفز وتحسين في جميع فن من الفنون اليونانية - وبخاصة في عهد ببسستراتس وهبياس في أثينا. وفي أواخر هذا العهد بدأ الجمود القديم الذي كان يلازم فن النحت يزول شيئاً فشيئاً ، وقضي على القاعدة القديمة قاعدة نحت التماثيل لقاءة لناظرها ، وأخذت الساقان تتحركان ، والذراعان تبتعدان عن الجانبين ، واليدان تنفتحان ، والوجه ينم عن الإحساس والأخلاق ، والجسم ينثني ويتخذ أوضاعاً مختلفة تكشف عن دراسات جديدة في التشريح والحركة. وكان هذا الانقلاب العظيم في فن النحت ، وما بعثه في الحجارة من حياة حادثاً خطيراً في تاريخ اليونان ؛ كما كان التحرر من اللقاءة في التماثيل من أجل أعمال اليونان الفنية. ومن ذلك الحين نبذ الفن اليوناني تأثير المصريين والشرقيين ، وأصبح فناً يونانياً خالصاً.

العمارة

استعاد فن البناء على مهل ما خسره بسبب الغزوالدوري ، وحمل اسم الدوريين إلى أكثر مما يستحق. وانتقلت أسس العمارة الميسينية إلى بلاد اليونان خلال العصور المظلمة القديمة الممتدة من عهد أجممنون إلى تربندر ، فاحتفظت روائع الفن اليوناني بطراز البناء المستطيل القائم الزوايا ، وباستخدام العمد في داخل البناء وخارجه ، وبجسم العمود المستدير وتاجه المربع البسيط ، وبالأروقة المعمدة ، والوجهات ذات الحزوز.

غير حتى العمارة الميسينية كانت عمارة مدنية غير دينية ، منصرفة كلها إلى تشييد القصور والدور ؛ أما العمارة اليونانية في عصر اليونان الزاهر فتكاد حتى تكون كلها دينية ، فقد استحال القصر الملكي معبداً مدنياً بعد حتى اضمحلت الملكية ، وعمل الدين والديمقراطية على توجيه عواطف اليونان إلى تعظيم المدينة في إنسان إلهها. وشيدت أقدم الهياكل اليونانية من الخشب أواللبن ، وهما أنسب المادتين إلى العصر المظلم الفقير ؛ ولما حتى صار الحجر المادة الأصلية في تشييد الهياكل ، بقيت المظاهر المعمارية كما كانت في عهد البناء بالخشب ؛ وظل جسم المعبد الأصلي المستطيل ، والعمد المستديرة ، (والعارضة الرئيسية) المركبة على العمد ، والحزوز الثلاثية في طرف العارضة ، والسقف ذو(الجملون) بقيت هذه كلها شاهدة على الأصل الخشبي الذي استمدت منه شكلها الأول. بل إذا الشكل اللولبي الأيوني كان كما يظهر من صورته رسوماً لنباتات وأزهار على كتلة من الخشب. وكثر استعمال الحجارة بازدياد ثراء اليونان وكثرة أسفارهم ، وكان الانتنطق أسرع ماقد يكون بعد حتى فتحت مصر أبوابها للتجارة اليونانية حوالي عام 660ق. م، وكان حجر الجير المادة الشائعة الاستعمال في أنماط البناء الجديدة قبل القرن السادس ، ثم بدأ استعمال الرخام حوالي عام 580 ، وكان يستخدم أول الأمر في الأجزاء التي يزين بها الهيكل ، ثم استخدم بعدئذ في تشييد قابلته ، واستخدم آخر الأمر في بناء الهيكل كله من قاعدته إلى سقفه.

وفي بلاد اليونان نشأت (مراتب) العمارة الدورية ، والأيونية ، ثم الكورنثية في القرن الرابع قبل الميلاد. وإذ كان داخل الهيكل مخصصاً للإله والكهنة القائمين على خدمته ، وكانت العبادات كلها تؤدى في خارجه، فقد استخدمت (المراتب) الثلاث كلها في تجميل الهيكل من خارجه وجعله ذا روعة ومهابة. وكان ذلك التجميل يبدأ من الأرض نفسها ، وهي عادة مكان مرتفع ، فيبنى الأساس من طبقتين أوثلاث طبقات من الحجارة جميع منها أقل مساحة من التي تحتها ، وفوق الطبقة العليا مباشرة يقوم العمود الدوري دون حتى تكون له قاعدة خاصة- ويزدان بحزوز ضحلة ، محدودة الجوانب ، ثم يتسع العمود اتساعاً ظاهراً في وسطه ويتكون منه ما يسميه اليونان (إمتداداً) له. ثم تقل سعة العمود الدوري بعض الشيء حدثا قرب من قمته ، فيكون أشبه بالشجرة ومناقضاً للطراز المينوي- الميسيني (وجسم العمود الذي لا تنقص سعته- وأسوأ منه الذي يضيق حدثا اتجه إلى أسفل- يظهر ثقيلاً في أعلاه غير جميل في منظره ، على حين حتى القاعدة المتسعة ، تزيد شعور الإنسان باستقرار العمود ، وهوالشعور الذي يجب حتى تبعثه في النفس جميع العمائر. على حتى العمود الدوري قد يحدث مفرطاً في الثقل ، مفرطاً في سمكه بالنسبة إلى ارتفاعه مغرقاً في الصلابة والقوة إغراقاً يشير على البلاهة) ، وفي أعلى العمود الدوري يقوم تاجه البسيط القوي ويتكون من (عنق) أورباط مستدير ، وبروز دائري محدب كأنه وسادة يرتكز عليها التاج وفي أعلاه التاج المربع نفسه وقد اتسع ليقوى العمود على تحمل العارضة.

وبينما كان هذا الطراز من البناء ينموويتطور على أيدي الدوريين ويتكيف في أغلب الظن بأبهاء العمد التي في الدير البحري وبني حسن المتقدمة على العصر الدوري كان اليونان الأيونيون يبدلون هذا الشكل الأساسي نفسه بتأثير الطرز الآسيوية ونشأ من هذا التطور طراز أيوني يقوم فيه عمود رفيع على قاعدة لها خاصة ويبدأ من أسفلها كما ينتهي في أعلاه بطوق ضيق وكان في العادة أكثر ارتفاعاً وأصغر قطراً من جسم العمود الدوري وكان ما فيه من نقص في سمكه من أسفل إلى أعلى قليلاً لا تكاد العين تدركه. أما الحزوز فكانت غائرة ، نصف دائرية تفصلها بعضها عن بعض أطراف منبسطة ، وكان رأس تاج العمود الأيوني يتكون من وسادة محدبة ضيقة ، ويعلوها تاج أضيق منها ، وبينهما تبرز تلفيفة لولبية مزدوجة تكاد تخفيهما عن العين كأنها ملف مطبوق نحوالداخل. وذلك عنصر مأخوذ عن الأشكال الحثية ، والآشورية ، وغيرهما من الأشكال الشرقية. وهذه الخواص إذا أضيفت إليها النقوش البديعة المحكمة التي في الأروقة لا يستبين منها الرائي طرازاً في العمارة فحسب ، بل يستبين منها كذلك خواص صنف من الناس: فهل تمثل في الحجارة ما يمتاز بها الأيونيون من وضوح ، ودماثة ، وقوة عاطفة ، ورشاقة ، وولع بالتفاصيل الرقيقة ؛ كما حتى الطراز الدوري يعبر عن تحفظ الدوريين وكبريائهم ، وضخامتهم وقوتهم ، وبساطتهم الصارمة ؛ ولقد كانت تماثيل الجماعات اليونانية المتنافسة ، وآدابها وموسيقاها ، وأخلاقها ، وثيابها ، تختلف لتنسجم مع أنماط عمارتها ؛ فالعمارة الدورية رياضة ، والعمارة الأيونية شعر ، وكلتاهما تنشد الخلود في الحجارة ؛ والأولى " نوردية " أما الثانية فشرقية ، وهما معا تكونان الذكورة والأنوثة في صورة متناسقة منسجمة في جوهرها.

وتمتاز العمارة اليونانية بأنها قد تطور فيها العمود حتى صار من عناصر الجمال كما صار نادىمة يستند إليها البناء ، وكان العمل الأساسي للعمد هوحمل طنف السقف وإزاحة جدران المعبد الداخلي من قوة دفع السقف ذي "الجمالون" إلى الخارج. وفوق العمد يقوم الرواق أي الطابق العلوي من البناء. وفيه أيضاً، كما في الأجزاء الساندة ، كان فن العمارة اليوناني يحرص على إظهار الصلات الواضحة بينها. فقد كانت العارضة أي الحجر الكبير الذي يصل تيجان الأعمدة بعضها ببعض في الطراز الدوري بسيطة أوكانت تحمل فوقها طنفاً بسيطاً ملوناً ، أما في الطراز الأيوني فكانت تتكون من ثلاث طبقات تبرز جميع منها تحت ما فوقها ، وكان في أعلاها حلية من الرخام مقسمة فلقا بينها نقوش كبيرة مختلفة الأنواع. وإذا كانت الكتل المائلة التي يتكون منها إطار السقف في الطراز الدوري تنحدر إلى أسفل ، وكان ما يمسكها الكتل الأفقية التي عند الطنف ، فإن أطراف الثلاث كتل مجتمعة كان يتكون منها- في الخشب أولاً ثم في الحجر المقلد للخشب بعدئذ- سطح مقسم ثلاثة أقسام ، وقد هجر بين جميع قسم والذي يليه فراغ تتكون منه نافذة مفتوحة إذا كان السقف من الخشب أومن بتر القرميد المحروق ؛ فإذا ما استخدمت فيه بتر مسطحة من الرخام فإن هذه "النوافذ" ونقوش الطنف- يستخدمان في البناء الواحد في القرن الخامس قبل الميلاد ، كما نشاهد في بناء البارثنون.

وقد عثر المثال في القواصر- وهي المثلثات المكونة من السقف ذي "الجمالون" من الأمام ومن الخلف- أحسن الفرص لإظهار فنها. وكان في وسعه حتى ينقش فيها الصور نقشاً كبير البروز ، وتكبر بحيث يستطيع حتى يراها من يقف في أسفل البناء؛ وكانت الأركان المتجمعة- أوالطبول- عند المعماريين- وسيلة تختبر بها مهارة الفنان العظيمة. وكان في الاستطاعة حتى يجعل السقف نفسه تحفة فنية تجملها بتر القرميد الزاهية الألوان والمثقفات التي تستخدم لتصريف مياه الأمطار، وتتخذ الوقت نفسه قواعد للتماثيل العليا ترتفع من زوايا القواصر. وقصارى القول أنها كانت في الهيكل اليوناني، وبين العمد، وعلى الجدران ، وفي داخل البناء نفسه، ما يزيد على الحاجة من التماثيل والنقوش. وكانت للرسام أيضاً يد في زينتها: فقد كان الهيكل يطل كله أوبعضه بما فيه من تماثيل وبروز ونقوش. ولعلنا في هذه الأيام نغالي في الإكبار من شأن اليونان بعد حتى محت الأيام الطلاء عن معابدهم وآلهتهم، وخلفت أكاسيد الحديد على الرخام ألواناً طبيعية لا يحصى عددها تظهر بريق الحجارة تحت سماء اليونان الصافية. ومن حقنا حتى نتسقط حتى يصبح الفن الحديث نفسه وبالطريقة عينها جميلاً في يوم من الأيام.

وازدهر الطرازان المتنافسان ازدهاراً عظيماً في القرن السادس وبلغ ذروة الكمال في القرن الخامس. وقد قسما بلاد اليونان من الناحية الجغرافية. فكان للفن الأيوني السيادة في بلاد آسيا اليونانية وفي بحر إيجة ، وكان للفن الدوري السيادة في أرض اليونان نفسها وفي غربها. وكان أعظم ما أبدعه الفن الأيوني في القرن السادس هومعبد أرتميس في إفسوس، ومعبد هيرا في ساموس، وتماثيل البرنشيدي بالقرب من ميليتس. ولكن جميع العمائر الأيونية التي أنشئت قبل مارثون قد عدا عليها الزمان فلم يبق منها إلا أنقاضها. وأجمل المباني الباقية من القرن السادس معابد بستوم Paestum وصقلية القديمة وكلها من الطراز الدوري. وقد بقي من الهيكل العظيم الذي شيد في دلفي بين عامي 512 ، 548 تصميم قاعدة نعهدها من رسوم المهندس اسبنثاروس Spintharus الكورنثي، أما الهيكل نفسه فقد دمره زلزال سقط في عام 373، ثم أعيد بناؤه بالنظام عينه ؛ وكان لا يزال قائماً بهذه الصورة حينما طاف بوزنياس ببلاد اليونان، وتكاد العمارة الأثينية في هذه الفترة حتى تكون كلها دورية الطراز. وبه بدأ بيسستراتس حوالي عام 530 معبد زيوس الأولمبي الضخم في السهل القائم عند أسفل الأكربوليس. وهاجر مئات من الفنانين الأيونيين إلى أتكا بعد حتى فتح الفرس أيونيا في عام 546، وأدخلوا في أثينة طراز العمارة الأيونية أوعملوا على إنمائه. وقبل حتى ينصرم هذا القرن كان المهندسون الأثينيون يستخدمون الطرازين وكانوا قد وضعوا جميع الأسس الفنية لعصر بركليز .

الموسيقى والرقص

كان معنى لفظ Mousike عند اليونان أول الأمر هوالولاء لأية إلهة من إلهات الفن Muse. وكان مجمع أفلاطون الفهمي Museion أي متحف Museum ، ومعناه مكان مخصص لربات الفن Muses وأوجه النشاط الثقافي الكثيرة التي تناصرها. وكان متحف الإسكندرية جامعة تجري فيها ضروب النشاط الأدبي والفهمي ولم تكن مكاناً تجمع فيها التحف. وكانت الموسيقى بمعناها الضيق الحديث منتشرة بين اليونان بقدر انتشارها بيننا في هذه الأيام إذا لم تكن أكثر انتشاراً.

وكان الأحرار جميعاً في أركاديا يواصلون دراسة الموسيقى إلى حتى يبلغوا الثلاثين من عمرهم ، وكان جميع واحد منهم يعهد استعمال آلة من الآلات ، وكان العجز عن الغناء يجلل العاجز العار. وقد سمي الشعر الغنائي بهذا الاسم في بلاد اليونان لأنه كان يقرض ليتغنى به على القيثارة اليونانية والصنج والناي ؛ وكان الشاعر عادة يقول الشعر ويلحنه ويغني أشعاره ؛ ولهذا كان قرض الشعر الغنائي في بلاد اليونان أصعب كثيراً من قرض الشعر لقراءته قراءة صامتة في عزلة كما يحدث في هذه الأيام. وقلما كان هناك أدب يوناني قبل القرن السادس الميلادي غير متصل بالموسيقى ، فقد كان التعليم والأدب والدين ، والحرب ، وثيقة الاتصال بالموسيقى ؛ وكان للنغمات الحربية شأن عظيم في التدريب العسكري ، وكان جميع ما يحفظ أوجُلّه يلقن شعراً. وقبل حتى يحل القرن الثامن قبل الميلاد كانت الموسيقى اليونانية قد أصبحت من الفنون القديمة وأصبح لها مئات الأنواع والأشكال.

أما آلاتها فكانت بسيطة ، وكانت الأسس التي تقوم عليها هي بعينها الأسس التي تقوم عليها في هذه الأيام: القرع ، والنفح ، والأوتار. فأما القرع فلم تكن آلاتها واسعة الانتشار. وقد ظل الناي رائج الاستعمال في أثينا حتى سخر السبيديس من خدي مفهمه المنفوخين وأبى حتى يستخدم هذه الآلة السمجة ، وتزعم حركة مقاومتها بين شباب اليونان . (هذا إلى حتى البؤوتيين ، كما يزعم الأثينيون كانوا أبرع منهم في استخدام الناي ، ولهذا كانوا يعدون هذا الفن من الفنون المرذولة. وكان الناي البسيط قصبة من الغاب ، أوالخشب المثقوب ، ذات مبسم منفصل عنها ، ومثقوبة بثقوب لأصابع يتراوح عددها بين اثنين وسبعة ، يمكن حتى توضع فيها غمازات تعدل درجة الصوت.

وكان بعض الموسيقيين يستخدمون الناي المزدوج- ويتكون من ناي (ذكر) أوغليظ النغمة في اليد اليمنى وناي (أنثى) أورفيع النغمة في اليسرى ، يرتبط كلاهما بالفم برباط حول الخدين ، وينفخ فيهما معا في توافق بسيط. ثم أوصل اليونان الناي بكيس قابل للتمدد فأوجدوا بذلك موسيقى القرب ؛ وجمعوا عدداً منها وكونوا منها ما يعهد بأنبوبة بان ؛ ثم أطالوا طرف الناي وسدوا ثقوب الأصابع فكان البوق. ويقول بوزنياس إذا موسيقى الناي كانت في العادة مقبضة ، وكانت تستخدم على الدوام في ترانيم الدفن والمراثي ؛ ولكننا لا نظن حتى الأولترداي Auletredai اوالفتيات اليونانيات السامرات النافخات في الناي كن مبعث الكآبة والانقباض.

أما الآلات الوترية فكان العزف عليها مقصوراً على شد الأوتار بالأصابع أوالمنقر ولم يكن العازف ينحني في أثناء العزف. وكان ثمة أنواع مختلفة من القيثارات صغيرة وكبيرة ولكنها كانت في جوهرها شيئاً واحداً فكانت كلها تتكون من أربعة أوتار أوخمسة مصنوعة من أمعاء الضأن ومشدودة على قنطرة فوق جسم رنان من المعدن أوصدفة سلحفاة وكانت القيثارة صنجاً (كنجاً) صغيراً يستخدم أثناء غناء الشعر القصصي ، وكانت القيثارة اليونانية الصغيرة تستخدم مع الشعر الغنائي والأغاني بوجه عام .

ويروي اليونان قصصاً عجيبة عن كيفية إختراع الإلهة هرمس ، وأبلو، وأثينة ، لهذه الآلات ، وكيف تحدى أبلوبقيثارته أبواق مارسياس (وهوكاهن الإلهة الفريجية سيبيل) ونايه وغلبه- بطريقة غير شريفة في افترض مارسياس- بأن أضاف صوته إلى صوت الآلة ، وختم المباراة بأن أمر بسلخ جلد مارسياس حياً ؛ وعلى هذا النحوتمثل الأساطير غلبة القيثارة على الناي. وثمة قصص أظرف من هذه السيرة تحدث عن الموسيقيين الأقدمين الذين أوجدوا فن الموسيقى أوعملوا على تقدمه: عن أولمبس تلميذ مارسياس الذي اخترع السلم ذا المسافات القصيرة حوالي عام 730 ق. م، وعن لينوس Linus مفهم هرقل الذي اخترع العلامات الموسيقية اليونانية وأوجد بعض (الدرجات ، وتحدثنا عن أرفيوس التراقي كاهن ديونيسس ، وعن تلميذه موسيوسMausaeus الذي نطق إذا (الغناء من أحلى الأمور للآدميين. وتوحي هذه القصص بأن الموسيقى اليونانية استمدت أشكالها في أغلب الظن من ليديا، وفريجيا ، وتراقية.

وكانت الموسيقى من مستلزمات الحياة اليونانية لا تكاد تخلومنها ناحية من نواحيها ، فكانت لديهم ابتهالات لديونيسس وتهاليل لأبلو، وترانيم لكل إله من آلهتهم. وكانت لديهم مدائح للأغنياء وأغاني نصر لأبطال الرياضة وأناشيد تغنى على الطعام والشراب ، وللحب ، والزواج ، والحزن ، والدفن. وكان للرعاة ، والحاصدين ، وعاصري الخمور والغزالين ، والنساجين ، هم أيضاً أغانيهم ، وأكبر الظن حتى الرجل في السوق أوفي النادي ، وأن السيدة في بيتها والمرأة في الطرقات ، جميع هؤلاء كانوا يغنون أغاني لم يكن حظها من الفهم كحظ أغاني سمنيدس ؛ وما من شك في حتى الأغاني الخليعة والأغاني الراقية قد اتىت كلتاهما إلينا من أقدم العصور.

وكانت أرقى أنواع الموسيقى في اعتقاد اليونان وفي حياتهم العملية الغناء الجماعي ؛ وقد أكسبوا هذا النوع من الغناء عمق الفلسفة وتعقيد الهجريب ، وهما الصفتان اللتان أخذتا تجدان لهما مكاناً في السمفونية والمقطوعات الموسيقية ، وكان في جميع احتفال- سواء أكان احتفالاً بحصاد ، أم بنصر ، أم بزواج ، أم بيوم مقدس ، مكان لجوقة غنائية ؛ وكانت المدن والجماعات المتنوعة تقيم من حين إلى حين مباريات في الغناء الجماعي تعد له العدة في معظم الأحيان قبل موعده بزمن طويل ، فيعين مؤلف لكتابة الألفاظ والموسيقى ، ويطلب إلى رجل مثرٍ حتى يتكفل بالنفقات ، ويستأجر المغنون المحترفون ، ويعنى جميع العناية بتدريب الجوقة. وكان المغنون كلهم يغنون نغمة واحدة ، كما نشاهد الآن في موسيقى الكنيسة اليونانية ، ولم يكن هناك (صوت منفرد) في الفرقة سوى ما وقع في القرون المتأخرة من ازدياد صوت المصاحب خُمساً فوق الصوت أوانخفاض عنه بهذا القدر ، أومن معارضته. ويبدوحتى هذا هوأقرب ما وصل إليه اليونان في التوافق والألحان التوافقية البسيطة.

أما الرقص في أرقى صوره فقد مزج بالغناء الجماعي حتى صار فناً واحداً ، كما حتى كثيراً من أنواع الموسيقى الحديثة ومصطلحاتها كانت فيما مضى متصلة بالرقص ، ولم يكن الرقص يقل في قدمه وانتشاره عن الموسيقى عند اليونان. ولما عجز لوسيان عن تتبع نشأته على سطح الأرض حاول حتى يجدها في حركة النجوم المنتظمة. ولا يكتفي هومر بأن يحدثنا عن المرقص الذي صنعه ديدلوس Daedalus لأدرياني Adriane، بل يحدثنا أيضاً عن راقص ماهر بين المحاربين اليونان أمام طروادة يدعى مريونيس Meriones ، كان يرقص وهويحارب فكانت الحراب لهذا السبب تعجز عن إصابته. ويصف أفلاطون الرقص (Orchesis ( بأنه (الرغبة الفطرية في شرح الألفاظ بحركات الجسم كله)- وهوما تفسره به بعض اللغات الحديثة. وخير من هذا ما وصفه به أرسطاطاليس إذ نطق إذا الرقص "تقليد الأعمال، والأخلاق،والعواطف، بطريق أوضاع الجسم والحركات إلايقاعية". وكان سقراط نفسه يرقص، وهويمتدح هذا الفن لأنه يهب الصحة لكل جزء من أجزاء الجسم(83)، وهويقصد الرقص اليوناني بطبيعة الحال.

ذلك حتى هذا الرقص كان يختلف عن الرقص عندنا ، فهو، وإن كان في بعض أشكاله يثير الغريزة الجنسية ، قلما كان يجعل الرجال يلتصقون بالنساء ، بل كان رياضة فنية ، لا عناقاً في أثناء المشي ، كان كالرقص الشرقي تستخدم فيه الذراعان واليدان ، كما تستخدم الساقان والقدمان وكانت أنماطه لا تقل اختلافاً عن أنماط الشعر والغناء ، وقد ذكر الثقاة الأقدمون مائتين من هذه الأنماط، من بينها رقصات دينية كالتي كان يقوم بها عباد ديونيسس ، ورقصات رياضية كرقصات الإسبارطيين في احتفال الشباب العرايا ، ورقصات حربية كالرقص البيري يتفهمه الأطفال فيما يتفهمون من التدريب العسكري ؛ ومنها الهيبرشيما Hyporchema الفخمة أي الترنيم أواللعب الذي يقوم به اثنان من المغنين أحدهما يغني ثم يرقص وثانيهما يرقص ثم يغني، ثم يتناوب الاثنان بعد هذا الرقص والغناء؛ ومنها الرقصات الشعبية التي ترقص عند جميع حادثة هامة من حوادث الحياة وكل فصل أوعيد من فصول السنة أوأعيادها. وكانت لديهم مباريات في الرقص، كما كانت لديهم مباريات في جميع شيء سواه، تضم في العادة أغاني جماعية. وكانت هذه الفنون كلها- الشعر الغنائي ، والأغاني ، والموسيقى الآلية ، والرقص- وثيقة الصلة بعضها ببعض عند اليونان الأولين ، وكانت تؤلف في كثير من مظاهرها فناً واحداً ثم ولج فيها التفرع والمجال المهني على توالي الزمن وبدأ ذلك في القرن السابع ، فهجر الشعراء الجوالون للأغاني واستبدلوا بها التلاوة ، وفضلوا الشعر القصصي عن الموسيقى.

وكان أرشلوقوس Archilochus يغني أشعاره دون حتى يستعين بآلات موسيقية ؛ وبدأ ذلك التدهور الطويل الأمد الذي هبط بالشعر آخر الأمر فجعله أشبه بملك صامت حبيس سقط من السماء. ثم تفرع الرقص ذوالغناء الجماعي فكان منه غناء من غير رقص ، ورقص من غير غناء ، لأن (الحركات العنيفة تسبب قصر النفس ، ولذلك أثر سيئ في الغناء) كما يقول لوسيان. وظهر بهذه الطريقة عينها موسيقيون لا يغنون ، نالوا إعجاب مستمعيهم بمحافظتهم الدقيقة على أرباع النغمات. وقد غالى بعض مشهوري الموسيقيين وقتئذ ، كما يغالي أمثالهم الآن في أجورهم. من ذلك حتى أميبوس Amoebeus المغني والعازف على القيثارة كان يتقاضى وزنة (تالنتا) أي نحو6000 ريال أمريكي عن جميع حفلة. وما من شك في حتى الموسيقي العادي لم يكن ينال من الأجر إلا ما يسد به رمقه، وذلك لأن الموسيقي، كغيره من الفنانين، ينتمي إلى مهنة كان لها شرف القضاء على أهلها جوعاً في جميع جيل من الأجيال.

وأما الذين نالوا أوسع الشهرة فهم أمثال تربندر ، وأريون ، والكمان ، وأستسيكورس ، الذين برعوا في جميع أنواع الموسيقى ، والذين مزجوا الغناء الجماعي ، والموسيقى الآلية ، والرقص ، فجعلوا منها فناً واحداً معقداً متوافقاً ، لعله كان أجمل واجلب للسرور من التمثيلات الغنائية والفرق الموسيقية في هذه الأيام. وكان أريون أشهر أولئك الأساتذة كلهم. ويروي عنه اليونان أنه كان يقوم برحلة من تاراس Taras إلى كورنثة، فسرق منه الملاحون نقوده، ثم خيروه بين القتل طعناً أوغرقاً. فما كان منه إلا حتى غنى أغنية أخيرة ثم ألقى بنفسه في البحر، فحمله دولفين على ظهره (ولعل الذي حمله هوعوده) وأوصله إلى البر. وهوالذي جعل من أناشيد المغنين السكارى ، الذين كانوا يرتجلون الأغاني الخمرية الديونيسية، أغاني جماعية مدربة غير مخمورة، تتألف من خمسين صوتاً، تغنى على أحد جانبي المسرح وترد عليها فرقة أخرى على الجانب الآخر. وكان موضوع الأغنية في العادة ما لاقاه ديونيسس من العذاب والموت، وكان المغنون يتنكرون في زي جن الحراج القريبة الشبه بشكل المعز تكريماً لخدم الإله كما تصورهم القصص المتواترة. ومن هذه الأغاني والحفلات نشأت المآسي اليونانية باسمها ومعناها.

نشأة التمثيل

امتاز القرن السادس بما ازدهر فيه من مسببات العظمة المتعددة التي انتشرت في كثير من البلاد. وكان تاج مميزاته كلها حتى وضع فيه أساس التمثيل. لقد كان هذا القرن من فترات الإبداع الخلاقة في التاريخ. ومبلغ فهمنا حتى الناس قبله لم ينتقلوا من المسرحية الصامتة التي تعتمد على الإشارة ، أومن الطقوس الدينية ، إلى المسرحية الناطقة الدنيوية. ويقول أرسطاطاليس حتى الملهاة قد "تطورت من أولئك الذين كانوا يقودون موكب عضوالتذكير". ذلك حتى جماعة من الناس يحملون عضوتذكير مقدس وينشدون أناشيد لديونيسس أولغيره من آلهة الغرس، كان يطلق عليهم في اللغة اليونانية اسم كوموس أوالطرب. وكان رمز الصلات الجنسية من مستلزمات هذا الموكب لأنه كان ينتهي بزواج رمزي يهدف إلى تشجيع الإنبات بوسائل سحرية. ومن ثم كان الزواج والتناسل المرتقب هوالخاتمة الطبيعية للملهاة اليونانية القديمة ، كما هوخاتمة معظم الملاهي والروايات القصصية الحديثة.

وقد ظلت الملاهي اليونانية في آخر أيام منندر Menander بذيئة فاحشة لأن نشأتها كانت الصلات الجنسية الصريحة، ولأنها كانت في بدايتها احتفالاً مرحاً يقوى التناسل، فكان القائمون بها يتحللون من كثير من القيود الأخلاقية في المسائل الجنسية ، وكانت قواعد الآداب وقوانينها يقف العمل بها في يوم الاحتفال ، فتباح حرية الكلام بأفحش الألفاظ.

وكان كثير من المحتفلين يتزينون بزي جنيات الحراج الديونيسية ، ويضعون في ثيابهم ذيل ماعز وعضوتذكير اصطناعي طويل من الجلد الأحمر. ثم أصبح هذا هواللباس التقليدي على المسارح التي تمثل الملاهي ؛ وكان في عهد ارستفنير عادة دينية لا يمكن التحلل منها. والحق حتى عضوالتذكير ظل رمزاً ملازماً للمهرج في الملهاة حتى القرن الخامس في أوربا الغربية ، وحتى آخر أيام الإمبراطورية البيزنطية في أوربا الشرقية. وكان يصحب عضوالتذكير في الملهاة القديمة ذلك الرقص الفاحش الخليع المعروف برقص الكرداكس Kordax.

ومن أغرب الأمور حتى تحوُّل مرح الإنبات الريفي إلى الملهاة التمثيلية قد وقع أولاً في صقلية. ذلك حتى رجلا يدعى سوزريون Susarion من أهل مجارا هبليا Megara Hyblaea القريبة من سرقوسة هوالذي حول موكب الفن الجديد من صقلية إلى البلوبونيز ومنها إلى أتكا. وكان الممثلون المتنقلون ، أوالهواة المحليون ، يمثلون الملاهي في القرى. ومر قرن تام قبل حتى يعنى ولاة الأمور- على حد قول أرسطاطاليس - بالملهاة عناية جدية فيبيحوا تمثيلها في الأعياد الرسمية (465ق. م). ونشأت المأساة- Tragoidia- أوأغنية الماعز- بالطريقة عينها من محاكاة المحتفلين رقصاً وغناءً بعيد ديونيسس ، المتشبهين بجنيات الغابات ، والمرتدين جلود المعز. وقد ظلت هذه المحاكاة جزءاً أساسياً من المسرحيات الديونيسية إلى أيام يوربديز ، فكان ينتظر من جميع مؤلف لمأساة من ثلاثة فصول حتى يراعى العادة القديمة فيضيف إليها فصلاً رابعاً هوتعبير عن مسرحية قصيرة تعرض فيها جنيات الغاب تكريماً لديونيسس. وفي هذا يقول أرسطاطاليس: "وإذ كانت المأساة قد تطورت عن مسرحية جن الغابات فإنها لم ترتفع من الحبكات القصيرة ، والعبارات المضحكة ، إلى مكانتها الرفيعة الكاملة إلا في زمن متأخر جداً". وما من شك في حتى عوامل أخرى كان لها شأن في نشأة المأساة ، وأن هذه العوامل قد قويت وظهر أثرها في ذلك الوقت؛ لعلها قد استمدت شيئاً من عبادة الموتى واسترضائهم ، ولكن أبرز ما استمدت منها منذ نشأتها هوالحفلات الدينية الرمزية كتمثيل مولد زيوس في كريت أوأرجوس أوساموس ، وكزقابل الرمزي بهيرا ؛ أوحفلات دمتر وبرسفوني في إليوسيس وغيرها؛ وأهم من هذا كله ما كان يحدث في البلوبونيز وأتكا من حزن ومرح لموت ديونيسس وبعثه، وكان يطلق على هذه المحاكاة اسم Dromena- أي أشياء تعمل، ولفظ دراما Drama ذوصلة بهذا الاسم ومعناه- أوما يجب حتىقد يكون معناه- "العمل". وقد ظلت فرق الغناء في سكيون حتى أيام الطاغية كليسثنيز تحيي ذكرى "عذاب أدراستوس Adrastus" ملكها القديم . وفي إيكاريا Icaria التي شب فيها ثسبيس كان يضحي بعنز لديونيسس؛ ولعل "أغنية العنز" الذي اشتق منها اسم المأساة اليوناني كانت أغنية تغني حين تقطيع هذا الرمز أوهذا التجسيد للإله الثمل. وقصارى القول حتى المسرحية اليونانية كالمسرحية الإنجليزية استمدت أصلها من الطقوس الدينية.

ويُرى من هذا حتى المسرحية الأثينية ، مأساة كانت أوملهاة، كانت تمثل على أنها جزء من حفلات ديونيسس بإشراف الكهنة في دار التمثيل تسمى باسمه، وعلى يد الممثلين يسمون "الفنانين الديونيسيين". وكان يؤتى بتمثال ديونيسس إلى مكان التمثيل، ويوضع أمام المسرح لكي يستمتع بمشاهدة التمثيل؛ وقبل البدء به يضحى بحيوان للإله. وكان لدار التمثيل ما للمعبد من قداسة. فإذا ارتكبت فيها جريمة عوقب مقترفها لأنه ارتكب خطيئة دينية أكثر مما ارتكب جريمة مدنية. وكما حتى الملهاة كان لها مقام الشرف على مسرح مدينة ديونيسيا، كذلك كان للملهاة المكانة الأولى في الاحتفال بعيد لينيا، ولكن هذا الاحتفال نفسه كان احتفالا ديونيسيا في صبغته. ولعل موضوع التمثيل كان في بادئ الأمر كالعشاء الرباني عند المسيحية، أي عذاب الإله وموته؛ ثم أُذِن للشعراء على توالي الأيام حتى يستبدلوا بعذاب الإله عذاب بطل من أبطال الأساطير اليونانية. وربما كانت المأساة في صورتها الأولى مراسم سحرية تهدف إلى الوقاية من المآسي التي تمثلها أوإلى تطهير المستمعين من الشرور تطهيراً أكثر مما يفهم من هذا اللفظ عند أرسطاطاليس؛ وذلك بتمثيل هذه الشرور كأنها قد نشأت وانتهت على المسرح. ولقد كانت هذه النشأة الدينية للمأساة اليونانية من الأسباب التي وضعتها في مستوى أرقى من مستوى المأساة الإنجليزية في عصر الملكة إليزابث.

وأضحت فرقة المغنين والراقصين ، التي جعلها أريون فرقة من المقلدين والمحاكين، أساس الحركات التمثيلية، وظلت جزءاً أساسياً من المأساة اليونانية حتى آخر مسرحيات يوربديز. وكان الممثلون الأولون يسمون بالراقصين لأنهم جعلوا مسرحياتهم رقصاً جماعياً قبل جميع شيء؛ وكانوا في واقع الأمر مفهمي رقص. ولم يكن هذا التمثيل الرقصي والغنائي الجماعي ليحتاج لأكثر من شيء واحد ليصبح مسرحية بالمعنى السليم، ذلك هووجود ممثل يقابل هذه الجماعة، ويقوم أمامها بأعمال، أويتحدث إليها بأحاديث. وقد خطرت هذه الفكرة لواحد من مفهمي الرقص ومدربي المغنين هوثسبيس Thespis الإيكارياوي- من أيكاريا Icaria وهي بلدة قريبة من مجارا في البلوبونيز حيث كانت تمثل في جميع عام طقوس دمتر، وبرسفوني، وديونيسس زجريزس. وقد انفصل ثسبيس هذا من فرقة الراقصين والمغنين، مدفوعاً إلى هذا من غير شك بتأثير الأنانية التي تحرك العالم وتعمل على تقدمه، ووضع لنفسه عبارات يقولها بمفرده، وأوجد الفكرة اللقاءة والنزاع مع سائر الفرقة، وقدم للتاريخ المسرحية بمعناها الدقيق، وقام بأدوار مختلفة من هذا القبيل أصابه التوفيق فيها تارة والإخفاق تارة أخرى؛ ولما حتى مثَّلت فرقته في أثينة غضب صولون أشد الغضب على ما ظنه خداعاً للجمهور، وندد بهذه البدعة الفنية، وسماها فساداً خلقياً- وتلك تهمة طالما اتهم بها التمثيل في جميع جيل. وكان بيسستراتس أوسع من صولون خيالاً، وشجع المباريات التمثيلية في عيد ديونيسس، وقد فاز ثسبيس في إحدى هذه المباريات. وتطورت المسرحية في شكلها الجديد تطوراً سريعاً استطاع معه كوريلوس Choerilus بعد جيل واحد حتى يمثل مائة وستين مسرحية. ولما حتى عاد إسكيلوس، وعادت أثينة، ظافرين من معركة سلاميس بعد خمسين سنة من حياة ثسبيس كان المسرح قد تهيأ لاستقبال العصر المجدي في تاريخ المسرحية اليونانية.


الدين والأساطير

السياسة والمجتمع

ملف:Ancient Greek cities.PNG
Cities and towns of ancient Greece

الهيكل السياسي

الحكومة والقانون

الهيكل الاجتماعي

الرق

التعليم

نطقب:Refimprove section

الإقتصاد

الحرب

Legacy

انظر أيضاً

  • Outline of ancient Greece
    • Regions of ancient Greece
  • Outline of ancient Rome
  • Outline of ancient Egypt
  • Outline of classical studies
    • Regions in Greco-Roman antiquity
    • Classical demography
    • History of science in Classical Antiquity
  • Ancient Macedonia
    • Ancient Macedon

قراءات أخرى

  • Goodrich, S. G. (1849). A pictorial history of Greece: Ancient and modern. New York: Huntington & Savage


المصادر

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help).
  • [1]
  • [2]
هوامش
قائمة المراجع
  • Charles Freeman (1996). Egypt, Greece and Rome. Oxford University Press.
  • Paul MacKendrick (1962). The Greek Stones Speak: The Story of Archaeology in Greek Lands. St. Martin's Press.

وصلات خارجية

  • The Canadian Museum of Civilization—Greece Secrets of the Past
  • Ancient Greece website from the المتحف البريطاني
  • Economic history of ancient Greece
  • The Greek currency history
  • Limenoscope, an ancient Greek ports database
  • The Ancient Theatre Archive, Greek and Roman theatre architecture
  • Illustrated Greek History—Dr. Janice Siegel, Department of Classics, Hampden-Sydney College, Virginia


نطقب:Ancient Greek and Roman wars

تاريخ النشر: 2020-06-04 18:40:04
التصنيفات: صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي, صفحات تستخدم وسوم HTML غير صالحة, صفحات تحوي وصلات ملفات معطوبة, Portal templates with all redlinked portals, Pages with citations using unsupported parameters, Commons category link is locally defined, Ancient Greece, حضارة يونانية, حضارات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

ثقافة القليوبية تناقش أدب الطفل بين الواقع والمأمول

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

شحن أكثر من 17 الف طن من الحبوب الأوكرانية منذ إبرام اتفاقية اسطنبول

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:06
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 67%

الزمالك يتقدم على بيراميدز بهدف حسام عبد المجيد بالشوط الأول

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 56%

الرئيس السيسي يتابع موقف المشروعات بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:41
مستوى الصحة: 35% الأهمية: 47%

البنك المركزي يُصدر بيانًا بشأن سوق الصرف فى مصر

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:12
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 65%

رئيس جامعة الأقصر يطمئن على سير الامتحانات بلجان الكليات

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:11
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 65%

انطلاق فعاليات الدورة الـ27 لسيمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:21:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

الاحتفاظ بإمرأة من أجل شبهة التدليس

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:13
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

نشاط ثقافي متنوع ببيت ثقافة طوخ

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:01
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 59%

اليوم السابع: توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر احتياجا

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:33
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 39%

محققون أوروبيون يبدأون في بيروت الاستماع لشهود في قضية سلامة

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:09
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 58%

الطبوبي يؤكد ضرورة الاستفادة من نموذج الدولة الراعية في النرويج

المصدر: جريدة المغرب - تونس التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:24
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 52%

إيمان تجوب شوارع القاهرة بالاسكوتر لتوصيل "البنات فقط".. مشاوير وفسحة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-01-16 18:22:37
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 43%

تحميل تطبيق المنصة العربية