سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية

عودة للموسوعة

سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية

خريطة متحركة للجمهورية والامبراطورية الرومانية بين 510 ق.م. و530 م ██ الجمهورية ██ الامبراطورية ██ الامبراطورية الرومانية الشرقية/البيزنطية ██ الامبراطورية الغربية

سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية (ويسمى أيضاً سقوط الامبراطورية الرومانية أوسقوط روما)، هي عملية أفول في الامبراطورية الرومانية الغربية التي فشلت في فرض حكمها، وتقسمت أراضيها الشاسعة إلى عدة كيانات سياسية. فقدت الامبراطورية الرومانية قوتها التي سمحت لها بممارسة السيطرة الفعالة على الغرب؛ ويشير المؤرخون المعاصرون إلى العوامل التي أدت إلى هذا والتي تضم كفاءة وعدد الجيش، صحة وأعداد السكان الرومان، قوة الاقتصاد، تنافس الأباطرة، الصراعات الداخلية على السلطة، التغيرات الدينية في تلك الفترة، وكفاءة الادارة المدنية. الضغط المتزايد من البرابرة خارج الثقافة الرومانية ساهم أيضاً بشكل كبير في انهيارها. مسببات الانهيار من الموضوعات الهامة ضمن تأريخ العالم القديم والتي قدمت الكثير من المعلومات عن سقوط الدول.

التواريخ ذات الصلة والتي تضم عام 117 ق.م، عندما كانت الامبراطورية في أقصى اتساعها، والتقاء ديوكلتيانوس العرش عام 284. ومع ذلك فقد بدأت خسارة الأراضي الكبرى عام 376 مع ثورات واسعة النطاق بين القوط وجماعات أخرى. عام 395، بعد الفوز في اثنين من الحروب المدنية المدمرة، توفي ثيودوسيوس الأول، تاركاً جيشاً ميدانياً وامبراطورية منهارة، لا زالت تعاني مع القوط، ومنقسمة بين ولديه العاجزين. بحلول 476، عندما خلع اودواكر الامبراطور رومولوس، كان الإمبراطور الروماني الغربي يمتلك قوة عسكرية، سياسية، ومالية لا تذكر، ولم يكن له سيطرة عملية على المقاطعات الغربية المتفرقة التي لا يزال من الممكن وصفها بأنها رومانية. أسس الغزاة البرابرة سلطتهم الخاصة في معظم أنحاء الإمبراطورية الغربية. في حين حتى شرعيتها استمرت لقرون أطول وتأثيرها الثقافي لا يزال قائماً اليوم، لم تكن لدى الإمبراطورية الغربية قوة للصعود مرة أخرى.

لم يكن السقوط هوالمفهوم الوحيد الموحد لهذه الأحداث؛ فقد أكدت الفترة التي وصفت بالعصر العتيق المتأخر على الاستمرارية الثقافية أثناء وبعد الانهيار السياسي.


النهج التاريخية

منذ عام 1776، عندما نشر إدوارد گيبون الجزء الاول من كتابه تاريخ تراجع وسقوط الامبراطورية الرومانية، كان التراجع والسقوط موضوعاً للكثير من الدراسات التاريخية للامبراطورية الرومانية. "منذ القرن الثامن عشر وما بعدها"، خط المؤرخ گلن باورسوك، "كنا مهووسين بالسقوط: فقد تم تقييمه كنموذج أصلي لكل تراجع متسقط، وبالتالي، كرمز لمخاوفنا الخاصة."


أوج السلطة، الأزمات والتعافيات

أوج السلطة

خريطة الامبراطورية الرومانية في أوائل القرن الثاني.


أزمة القرن الثالث

الامبراطورية المقسمة عام 271 ق.م.


إعادة التوحيد والانقسام السياسي

خريطة الامبراطورية الرومانية تحت الحكم الثلاثي، توضع الأبرشيات ومناطق الحكم الثلاثي الأربعة.



تزايد الانقسامات السياسية

313–376: غياب السلطة، الحروب الحدودية، وصعود المسيحية

Solidus of Julian, c. 361. Obverse: Julian with the beard appropriate to a Neoplatonic philosopher. Inscription: FL(AVIVS) CL(AVDIVS) IVLIANVS PP(=Pater Patriae, "father of the nation") AVG(=Augustus). Reverse: an armed Roman, military standard in one hand, a captive in the other. Inscription: VIRTVS EXERCITVS ROMANORVM, "the bravery/virtue of the Roman army"; the mint mark is SIRM, Sirmium



376–395: الغزوات، الحروب الأهلية والخلاف الديني

ولم تقفر الإمبراطورية في هذه الأزمة من الحكام القادرين. فقد نقل الجيش ومجلس الشيوخ تاج الإمبراطورية إلى فلنتنيان وهوجندي فظ مقطوع الصلة بالثقافة اليونانية يذكرنا بفسبازيان. وعين فلنتنيان أخاه الأصغر فالنز، بموافقة مجلس الشيوخ، أوغسطس وإمبراطوراً على الشرق، واختار هولنفسه الغرب الذي كان يظهر أشد خطراً من الشرق. ثم أعاد تحصين حدود إيطاليا وغالة، وأعاد إلى الجيش قوته ونظامه، وصد مرة أخرى الغزاة الألمان إلى ما وراء نهر الرين، وأصدر من عاصمته ميلان تشريعات مستنيرة حرم فيها على الآباء اغتال الأبناء، وأنشأ الكليات الجامعية، ووسع نطاق المساعدات الطبية الحكومية في روما، وخفض الضرائب، وأصلح النقد الذي تقلصت قيمته، وقاوم الفساد السياسي، ومنح جميع سكان الإمبراطورية حرية العقيدة والعبادة. وكان لهذا الإمبراطور عيوبه ونقاط ضعفه. من ذلك كان يقسوأشد القسوة على أعدائه؛ وإذا جاز لنا حتى نصدق سقراط المؤرخ فإنه شرع الزواج باثنتين لكي يجيز لنفسه حتى يتزوج جستينا(11)، التي غالت زوجته في ووصف جمالها له. ومع هذا كله فقد كان موته العاجل (375) مأساة كبرى حلت بروما. وخلفه ابنه جراتيان Gratian على عرش الإمبراطورية في الغرب، وسار فيها سيرة أبيه عاماً أوعامين، ثم أطلق العنان للهووالصيد، وهجر أزمة الحكم إلى موظفين فاسدين عرضوا جميع المناصب والأحكام للبيع. لهذا خلعه القائد لكسموس عن العرش وغزا إيطاليا ليحاول تنحية فلنتنيان الثاني خلف جراتيان وأخيه غير الشقيق عن ولاية الملك، ولكن ثيودوسيوس الأول الأكبر الإمبراطور الجديد على الشرق زحف غرباً، وهزم الغاصب، وثبت الشاب فلنتنيان على عرشه في ميلان (388).

وكان ثيودوسيوس من أصل أسباني، أظهر مواهبه الحربية ومهارته في القيادة أسبانيا، وبريطانيا، وتراقية. وكان قد أقنع القوط المنتصرين بالانضواء تحت لوائه بدل حتى يحاربوه، وحكم الولايات الشرقية بحكمة وروية في جميع شيء إلا في عدم تسامحه الديني؛ فلما تولى الملك روع نصف العالم بما اجتمع فيه من صفات متناقضة هي جمال خلقه، ومهابته، وغضبه السريع ورحمته الأسرع، وتشريعاته الرحيمة، وتمسكه الصارم بمبادئ الدين القويم. وبينا كان الإمبراطور يقضي الشتاء في ميلان وقع في تسالونيكي (سالونيكا) اضطراب كان من خصائص تلك الأيام. وكان سببه حتى بُثريك Botheric نائب الإمبراطور في ذلك البلد قد سجن سائق عربة محبوب من أهل المدينة جزاء له على جريمة خلقية فاضحة، فطلب الأهلون إطلاق سراحه، وأبى بثريك حتى يجيبهم إلى طلبهم، وهجم الغوغاء على الحامية وتغلبوا عليها، وقتلوا الحاكم وأعوانه ومزقوا أجسامهم إرباً، وطافوا بشوارع المدينة متظاهرين يحملون أشلاءهم دلالة على ما أحرزوه من نصر. ولما وصلت أنباء هذه الفتنة إلى مسامع ثيودوسيوس فاستشاط غضباً وبعث بأوامر سرية تقضي بأن يحل العقاب بجميع سكان تسالونيكي. فدعى أهل المدينة إلى ميدان السباق لمشاهدة الألعاب، ولما حضروا انقض عليهم الجند المترصدون لهم وقتلوا منهم سبعة آلاف من الرجال والنساء والأطفال، (390). وكان ثيودوسيوس قد بعث بأمر ثان يخفف به أمره الأول ولكنه وصل بعد فوات الفرصة.

وارتاع العالم الروماني لهذا الانتقام الوحشي وخط الأسقف أمبروز Ambrose الذي كان يجلس على كرسي ميلان ويصرف منه على شؤون الأبرشية الدينية بالجرأة والصلابة الخليقتين بالمسيحية الحقه، خط إلى الإمبراطور يقول إنه (أي الأسقف) لا يستطيع بعد ذلك الوقت حتى يقيم القداس في حضرة الإمبراطور إلا إذا كفر ثيودوسيوس عن جرمه هذا أمام الشعب كله. وأبى الإمبراطور حتى يحط من كرامة منصبه بهذا الإذلال العلني وإن كان في خبيئة نفسه قد ندم على ما عمل، وحاول حتى يدخل الكنيسة، ولكن أمبروز نفسه سد عليه الطريق، ولم يجد الإمبراطور بداً من الخضوع بعد حتى قضى عدة أسابيع يحاول فيها عبثاً حتى يتخلص من هذا المأزق، فجرد نفسه من جميع شعائر الإمبراطورية، ودخل الكنيسة دخول التائب الذليل، وتوسل إلى الله حتى يغفر له خطاياه (390). وكان هذا الحادث نصراً وهزيمة تاريخيين في الحرب القائمة بين الكنيسة والدولة.

ولما عاد ثيودوسيوس إلى القسطنطينية تبين حتى فالنتنيان الثاني؛ وهوشاب في العشرين من عمره، عاجز عن حل المشاكل التي تحيط به. فقد خدعه أعوانه وجمعوا السلطة كلها في أيديهم المرتشية، واغتصب أربوجاست Arbogast الفرنجي الوثني قائد جيشه المرابط السلطة الإمبراطورية في غالة، ولما قدم فلنتنيان إلى فين ليؤكد فيها سيادته اغتال غيلة (292). وحمل أربوجاست على عرش الغرب تلميذاً وديعاً سلس القياد يدعى اوجنيوس Eugenius وبدأ بعمله هذا سلسلة من البرابرة صانعي الملك. وكان أوجينوس مسيحياً: ولكنه كان وثيق الصلة بالأحزاب الوثنية في إيطاليا إلى حد جعل أمبروز يخشى حتى يصبح يولياناً ثانياً. وزحف ثيودوسيوس مرة أخرى نحوالغرب ليعيد إلى تلك الأنحاء السلطة الشرعية ويردها إلى الدين القويم. وكان تحت لوائه جيش من الهون والقوط، والألاني، وأهل القوقاز، وأيبيريا، وكان من بين قواده جيناس Gainas القوطي الذي استولى فيما بعد على القسطنطينية، واستلكوالوندالي الذي دافع في المستقبل عن روما، وألريك القوطي الذي نهبها. ودارت بالقرب من أكويليا معركة دامت يومين، هزم فيها أربوجاست وأوجينوس (394)؛ فأما أوجينوس فقد ذبح بعد حتى أسلمه جنوده، وأما أربوجاست فقد اغتال نفسه بيده. واستدعى ثيودوسيوس ابنه هونوريوس Honorius وهوغلام في الحادية عشرة من عمره ليقيمه إمبراطور على الغرب، ورشح ابنه أركاديوس Arcadius البالغ من العمر ثماني عشر سنة ليكون إمبراطور معه على الشرق ثم توفي بعدئذ في ميلان منهوكاً من كثرة الحروب (395) ولما يتجاوز الخمسين من عمره. وانقسمت بعد موته الإمبراطورية التي طالما وحدها، ولم يجتمع ضمها مرة أخرى بعد ذلك الوقت إلا في فترة قصيرة تحت حكم جستنيان.

وكان ولدا ثيودوسيوس شخصين ضعيفين مخنثين، درجا في مهد الأمن والدعة الموهن للعزيمة، فلمقد يكونا خليقين بأن يوجها سفينة الدولة فيما يحيط بها من عواصف، وإن كانت أخلاقهما لا تقلان طيبة عن نواياهما. وسرعان ما أفلت زمام الأمور من أيديهما، وأسلما أعمال الدولة الإدارية والسياسة -إلى وزيرهما- إلى روفينوس Rufinus المرتشي الشره في الشرق، وإلى استلكوالقدير المجرد من الضمير في الغرب. ولم يلبث هذا الشريف الوندالي حتى زوج ابنته مارية Maria بهونوريوس في عام 398 راجياً حتى يصبح بهذا الزواج جداً لإمبراطور وصهراً لآخر. ولكن هونوريوس أثبت أنه مجرد من العاطفة تجره من الفطنة، فكان يقضي وقته في إطعام الدجاج الإمبراطوري ويحبوهذا الدجاج بحبه وعطفه، حتى ماتت مارة عذراء بعد حتى لبثت زوجة عشرة سنين(13).

وكان ثيودوسيوس قد جعل القوط يجنحون إلى السلم باستخدامهم في الحرب، وبتقديم معونة سنوية من المال لهم بوصفهم حلفاء له؛ ولكن خلفه بتر عنهم هذه المعونة، ولما اتى استلكوسرح جنوده الوط؛ وقام المحاربون المتعطلون يطلبون المال والمغامرات وهيأ لهم ألريك زعيمهم الجديد كليهما واستعان على ذلك بمهارة بزَّ بها الرومان في الحرب وفي السياسة على السواء، ونطق لأتباعه إنه لا يدري كيف من الممكن أن يَخضع القوطُ ذووالأنفة والرجولة ويعملون أجزاء عند الرومان أواليونان الضعفاء المنهوكين، بدل حتى يعتمدوا على بسالتهم وقوة سواعدهم فيقتطعوا من الإمبراطورية المتداعية المحتضرة مملكة لهم،يا ترى؟ وقاد ألريك في السنة التي توفي فيها ثيودوسيوس قوط تراقية كلهم تقريباً وزحف بهم على بلاد اليونان، واجتاز ممر ترموبيلي دون حتى يلقي مقاومة، وذبح جميع من لقي في طريقه من الرجال الذين في سن العسكرية، وسبى النساء، وخرب بلاد البلوبونيز، ودمر هيكل دمتر في إليوسيز، ولم يبق على أثينة إلا بعد حتى افتدت نفسها بفدية استنفدت معظم ثروتها غير العقارية (393). واتى استلكولينقذها ولكنه وصل إليها بعد فوات الفرصة، فاستدرج القوط إلى مسقط غير حصين، ولكن ثورة شبت في إفريقية اضطرته إلى حتى يعقد معهم هدنة عاد بعدها إلى العرب. ثم سقط ألريك ميثاق حلف مع أركاديوس أجاز فيه ثانيهما للأول حتى يستقر أتباعه من القوط في إبيروس، وبسط السلم لواءه بعدئذ على الإمبراطورية أربع سنين.

وفي هذه السنين الأربع ألقى سينيسيوس القوريني، وهوأسقف نصف مسيحي ونصف وثني، خطاباً في القسطنطينية أمام حاشية أركاديوس المترفة وصف فيها في وضوح وقوة المشكلة التي تقابلها روما وبلاد اليونان والتي لا بد لها حتى تتخذ فيها واحدة من اثنتين. وكان مما نطقه في هذه الخطبة: كيف من الممكن أن تستطيع الإمبراطورية البقاء إذا ظل أهلها يتهربون من الخدمة العسكرية، ويكلون الدفاع عنها إلى الجنود المرتزقة، تجندهم من الأمم التي تهدد كيانها،يا ترى؟ وعرض على الولاة الأمور حتى يضعوا حداً للترف والنعيم، وأن يجيشوا جيشاً من أهل البلاد بالتطوع أوالتجنيد الإجباري يدافع عنها وعن حريتها؛ وأهاب بأركاديوس وهونوريوس حتى ينفضا عنهم غبار الخمول وأن يوجها ضربة قاصمة إلى جموع البرابرة الوقحين الذين في داخل الإمبراطورية، وأن يردوهم إلى مرابضهم وراء البحر الأسود ونهري الدانوب والراين. وصفق رجال الحاشية إعجاباً بما حواه خطاب سينيسيوس من عبارات منمقة بليغة، ثم عادوا من فورهم إلى ولائمهم وكان ألريك في هذه الأثناء يرغم صناع الأسلحة في أبيروس على حتى يصنعوا لرجاله القوط جميع ما هم في حاجة إليه من الحراب والسيوف والخوذ والدروع.


وفي عام 401 غزا إيطاليا، بعد حتى نهب جميع ما مر ب في طريقه من البلاد، وهرع آلاف من اللاجئين إلى ميلان ورافنا، ثم فروا منهما إلى روما. واحتمى الزراع في داخل المدن المسورة، وجمع الأغنياء جميع ما استطاعوا نقله من ثروتهم، وحاولوا وهم في شدة الذعر حتى يعبروا البحر إلى كورسكا، وسردينية، وصقلية. وجرد استلكوولايات الدولة من حامياتها ليجمع منها جيشاً يستطيع صد تيار القوط الجارف، وانقض به عليهم في بولنتيا Pollentia في صباح يوم عيد القيامة من عام 402 حين وقفوا أعمال النهب ليؤدوا الصلاة. ونشبت بين الجيشين معركة لم تكن فاصلة، ارتد على أثرها ألريك إلى روما التي لم تكن فيها من يدافع عنها، ولم يغادر إيطاليا إلا بعد حتى نفحه هونوريوس برشوة سخية.

وكان الإمبراطور الوجل قد فكر أثناء زحف ألريك على ميلان حتى ينقل عاصمته إلى غالة، أما الآن فقد أخذ يبحث له عن مكان آخر أعظم منها أمناً، فوجد ذلك المكان في رافنا، التي تجعلها المناقع والبحيرات الضحلة، منيعة من البر، والشواطئ الرقراقة مستعصية على العدومن جهة البحر. ولكن العاصمة الجديدة أخذت ترتجف من الخوف كالعاصمة القديمة حين زحف ردگايسوس Radagaisus البربري بجيش تبلغ عدته مائتي ألف مقاتل من الألاني، والكوادي، والقوط الشرقيين، والوندال، وعبر بهم جبال الألب، وهاجم مدينة فلورنتيا الناشئة. وفي هذه العصيبة برهن استلكومرة أخرى على براعته في القيادة، فهزم الجحفل المختلط بجيش أقل منه عدداً، وساق ردجيسيوس مكبلاً بالأغلال أمام هونوريوس، وتنفست إيطاليا الصعداء مرة أخرى، وعادت حاشية الإمبراطور، من أشراف وأميرات، وأساقفة، وخصيان، وطيور داجنة وقواد إلى ما ألفته من ترف، وفساد، ودسائس.

وكان أولمبيوس وزير الإمبراطور، يغار من استلكوويرتاب في نواياه. فقد ساءه حتى يتغاضى القائد العظيم، كما بدا له، عن هرب ألريك المرة بعد المرة. وخيل إليه أنه قد كشف ما بين القائد الألماني والغزاة الألمان من عطف كامن. واحتج على الرشا التي نفح بها ألريك أووعد بها بناء على طلب استلكو. وتردد هونوريوس في إقصاء الرجل الذي لبث ثلاثة وعشرين عاماً يقود جيوش روما من نصر إلى نصر، والذي أنجى الغرب مما كان يتهدده من أخطار؛ فلما حتى أقنعه أولمبيوس بأن استلكويأتمر به ليجلس ابنه هوعلى العرش، وافق الشاب الوجل على اغتال قائده، وأوفد أولمبيوس من فوره سرية من الجند لينفذوا قرار الإمبراطور. وأراد أصدقاء استلكوحتى يقاوموا ولكنه أمرهم ألا يعملوا ومد رقبته للسيف (408). وبعد بضعة أشهر من هذا الحادث عاد ألريك إلى إيطاليا.


عدم الفاعلية العسكرية، المالية والسياسية: عملية السقوط

كانت الدولة الرومانية الغربية في أواخر القرن الرابع تطالعنا بصورة معقدة مركبة من الانتعاش والاضمحلال، ومن النشاط والعقم الأدبي، ومن الأبهة السياسية والانحلال العسكري. وكانت غالة في هذه الأثناء تزدهر ويعمها الرخاء، وتنازع إيطاليا في جميع الميادين؛ فقد كان عدد الغاليين في الإمبراطورية عشرين مليوناً أويزيدون من سكانها الذين يقربون من سبعين مليوناً، في حين حتى الإيطاليين لا يكادون يبلغون ستة ملايين؛ وأما من عدا هؤلاء وأولئك فكانت كثرتهم من الشرقيين الذين يتحدثون اللغة اليونانية. وقد استحالت روما نفسها منذ بداية القرن الثاني بعد الميلاد مدينة شرقية من الأجناس التي تسكنها. لقد كانت روما من قبل تعتمد في حياتها على الشرق كما كانت أوربا الحديثة تعتمد في حياتها على فتوحها ومستعمراتها إلى أواسط القرن العشرين، وكانت الفيالق الرومانية تستحوذ على غلات ولاياتها التي تزيد على عشرة، وتنتزع منها معادنها الثمينة التي كانت تنساب في قصور الظافرين وخزائنهم. أما في الوقت الذي نتحدث عنه فقد انقضى عهد الفتوح وبدأ عهد التقهقر والتراجع، واضطرت إيطاليا إلى الاعتماد على مواردها البشرية والمادية التي اضمحلت اضمحلالاً ينذر بأشد الأخطار من جراء تحديد النسل، والقحط والوباء، والضرائب الفادحة، والإتلاف والحرب. ولم تزدهر الصناعة يوماً ما في شبه الجزيرة الصقلية؛ ولآن وقد أخذت تفقد أسواقها في الشرق وفي غالة، لم يعد في وسعها حتى تعول سكان المدن الذين كانوا يحصلون على الكفاف من العيش بالكدح في الحوانيت وفي البيوت. وكانت الكجلييا Cellegia أونقابات أصحاب الحرف تعاني الأمرين من جراء عجز أفرادها عن بيع أصواتهم في دولة ملكية مطلقة كان التصويت فيها نادراً. وكسدت التجارة الداخلية، وانتشر قطاع الطرق، وأخذت الطرق التي كانت من قبل مضرب الأمثال في العظمة تضمحل وتتحطم وإن ظلت وقتئذ أحسن من أي طريق في العالم كله قبل القرن التاسع عشر.

وكانت الطبقات الوسطى قبل ذلك الوقت عماد حياة المدن في إيطاليا؛ أما الآن فقد ضعفت هي الأخرى من جراء الانحلال الاقتصادي والاستغلال المالي؛ فقد كان جميع ذي مال يخضع لضرائب مطردة الزيادة لإعالة بيروقراطية آخذة في الاتساع، وأهم ما تقوم به من الأعمال هوجباية الضرائب. وكان الهاتىون الفكهون حين يشكون من هذه الحال يقولون إذا "الذين يعيشون على الأموال العامة أكثر عدداً من الذين يمدونهم بهذه الأموال. وكانت الرشا تستنفد الكثير مما يجبى من الضرائب؛ وسن ألف قانون وقانون لمقاومة اختلاس إيرادات الحكومة أوأملاكها، والكشف عن هذه الاختلاسات ومعاقبة مرتكبيها، وكان الكثير من الجباة يفرضون على البسطاء أكثر مما يجب حتى يؤدوه؛ ويحتفظون بالزيادة لأنفسهم؛ وكان في وسعهم في لقاء هذا حتى يخففوا الضرائب عن الأغنياء نظير جعل يأخذونه منهم.

وكان الأباطرة يبذلون غاية جهدهم لكي تراعى الأمانة في جبايتها؛ من ذلك حتى فلنتيان الثاني عين في جميع بلدة موظفاً يسمى "المدافع عن المدينة" ليحمي أهلها من حيل الجباة، وأعفى هونوريوس المدن التي كانت تعاني الأزمات المالية مما كان متأخراً عليها من الضرائب. ومع هذه فإن بعض سكان المدن -إذ صدقنا قول سلفيان Salvian- كانوا يفرون إلى خارج الحدود ليعيشوا تحت حكم الملوك البرابرة الذين لم يتفهموا بعد فن جباية الضرائب كاملاً؛ فقد بدا لهم حتى عمال الخزنة أشد رهبة من العدو". وكان من أثر هذه الظروف حتى قلت الرغبة في النسل فأخذ عدد السكان في النقصان، وبقيت آلاف الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة بوراً لا تجد من يفلحها، فنشأ من ذلك فراغ اقتصادي اجتمع إلى ما بقي في المدن من ثروة فأدى إلى اجتذاب البرابرة الذين كانوا في أشد الحاجة إلى تلك الأرض. ووجد كثيرون من أصحاب الأراضي الزراعية أنهم عاجزون عن أداء الضرائب أوالدفاع عن مساكنهم ضد الغزاة أواللصوص، فتخلوا عن أملاكهم لمن هم أكبر منهم من الملاك أوأعظم قوة، وعملوا عندهم زراعاً (Coloni)، وأخذوا على أنفسهم يقدموا لسادتهم قدراً معيناً من غلة الأرض ومن العمل والوقت، وعلى حتى يضمن لك أولئك السادة ما يكفيهم من العيش، ويحموهم في وقتي السلم والحرب. وبهذا كانت إيطاليا، التي لم تعهد فيما بعد الإقطاع بمعناه الكامل، من أوائل الأمم التي عدت أسس هذا الإقطاع. وكانت خطة شبيهة بهذه تحدث في مصر وإفريقية وغالة.

وكان الاسترقاق آخذاً في الزوال على مهل، وسبب ذلك ألا شيء في الحضارة الراقية يعدل أجر الرجل الحر أومرتبه أومكتسبة من حيث هودافع اقتصادي للعمل والإنتاج. ولم يكن كدح الأرقاء مجزياً من هذه الناحية إلا حين يكثر عددهم؛ وكانت أعباء الاحتفاظ بهن قليلة؛ ولكن نفقات الحصول عليهم زادت حين لم تعد الفيالق الرومانية تنقل إلى بلادها ثمار النصر من الآدميين؛ يضاف إلى هذا حتى فرار الأرقاء من سادتهم أصبح الآن أمراً يسيراً بسبب ضعف الحكومة؛ هذا إلى أنه كان لا بد من العناية بهم إذا سقموا أوتقدمت بهم السن. ولما حتى زادت تكاليف الأرقاء رأى سادتهم حتى يحافظوا على الأموال التي استثمروها فيه بحسن معاملتهم له؛ ولكن أولئك الأسياد كان لا يزال لهم على عبيدهم حق الحياة والموت، وإن كان هذا الحق مقيداً ببعض القيود، كما كان في مقدور السيد حتى يستعين بالقانون للقبض على العبد الآبق، وأن يشبع شهوته الجنسية مع من يهوى منهم رجالاً كانوا أونساءً؛ وهل أدل على هذا من حتى بولينوس البلائي Paulinus of Pella كان يفخر بطهارة ذيله في شبابه حين "كبحت جماح شهواتي... فلم أستجيب لعشق امرأة حرة... واكتفيت بالإماء اللاتي كن في بيتي".

وكان معظم الأغنياء يعيشون الآن في بيوتهم الريفية بمنجاة من ضجيج المدن وغوغائها، غير حتى الجزء الأكبر من ثروة إيطاليا كان لا يزال ينصب في روما؛ ولم تكن المدينة العظيمة، كما كانت من قبل، عاصمة الدولة، وقلّما كانت ترى الإمبراطور، ولكنها ظلت مركز الحياة الاجتماعية والذهنية في الغرب. وفي روما كانت أعلى درجات الطبقة الأرستقراطية الإيطالية الجديدة. ولم تكن هذه، كما كانت من قبل، طبقة وراثية، بل كانت طائفة يختارها الأباطرة بين الفينة والفينة على أساس الملكية العقارية. وكان أعضاء مجلس الشيوخ يعيشون بأعظم مظاهر الأبهة والفخامة وإن كان مجلسهم قد فقد بعض هيبته وكثيراً من سلطانه. وكانوا يشغلون بعض المناصب الإدارية الهامة ويظهرون فيها كثير من المقدرة والكفاية، ويقيمون الألعاب العامة على نفقتهم الخاصة. وكانت بيوتهم غاصة بالخدم مملوءة بالأثاث الغالي الثمن، وليس أدل على ذلك من حتى طنفسة واحدة قد كلفت صاحبها ما قيمته أربعمائة ألف ريال أمريكي. وتكشف رسائل سيماركوس Symmacus وسيدنيوس Sidonius. كما يكشف شعر كلوديان عن الناحية الطيبة من حياة أولئك الأشراف الجدد، وما تمتاز به من نشاط اجتماعي وثقافي، وخدمة للدولة وولاء لها؛ وما كان بينهم من صداقة ورقة، وإخلاص متبادل بينهم وبين أزقابلم، وحب لأبنائهم وعطف عليهم.

لكن قس من مرسيلية عاش في القرن الخامس قد صور الحالة في إيطاليا وغالة بصورة أقل جاذبية من الصورة السابقة. فقد عالج سلفيان Salvian في كتابه "عن حكومة الله" (حوالي 450) نفس المشكلة التي أوحت إلى أوغسطين بكتابه "مدينة الله" وإلى أورسيوس Aorsius بكتابه "التاريخ ضد الوثنيين"-وهي كيف من الممكن أن يستطاع التوفيق بين الشرور الناجمة من غزوات البرابرة وبين العناية الإلهية الرحيمة الخيرة،يا ترى؟ وقد أجاب سلفيان عن هذا السؤال بأن الآلام يقاسيها سكان الإمبراطورية إذا هي إلا قصاص عادل لما كان متفشياً في العالم الروماني من استغلال اقتصادي، وفساد سياسي، واستهتار أخلاقي؛ ويؤكد لنا أنا لا نستطيع حتى نجد بين البرابرة مثل ما نجده بين الرومان من ظلم الأغنياء للفقراء، لأن قلوب البرابرة أرق من قلوب الرومان؛ ولوحتى الفقراء وجدوا وسيلة للانتنطق لهاجروا بقضهم وقضيضهم ليعيشوا تحت حكم البرابرة. يواصل هذا الواعظ الأخلاقي وصفه فيقول إذا الأغنياء والفقراء، والوثنيين والمسيحيين، في داخل الإمبراطورية كلهم غارقون في حمأة من الفساد لا يكاد التاريخ يعهد لها مثيلاً؛ فالزنى، وشرب الخمر قد أصبحا من الرذائل المألوفة في هذه الأيام، كما أضحت الفضيلة والاعتدال مثار السخرية ومبعث الآلاف من الفكاهات القذرة؛ وصار اسم المسيح لفظاً تدنسه أفواه الذين يسمونه إلهاً. ويمضي هذا التاستس Tacitus الثاني فيدعونا إلى حتى ننظر إلى الفرق بين هذا كله وبين ما يتصف به الألمان من قوة وشجاعة، ومن مسيحية مليئة بالتقي خالية من التعقيد، ومن لين في معاملتهم للرومان المغلوبين، ومن ولاء متبادل بينهم، ومن عفة قبل الزواج، ووفاء بعده. لقد ذهل جيسريك Gaiseric الزعيم الوندالي إذ عثر حين استولى على قرطاجنة المسيحية أنه لا يكاد يخلوركن فيها من بيت للنادىرة، فما كان منه إلا حتى أغلق هذه المواخير وخير العاهرات بين الزواج والنفي. وجملة القول حتى العالم الروماني سائر إلى الانحطاط جسيماً، وقد فقد جميع ما كان يتصف به من شجاعة أدبية، وهجر الدفاع عنه إلى الأجانب المأجورين. ويختتم سلفيان هذا الوصف بقوله إذا الإمبراطورية الرومانية "إما حتى اكون قد ماتت وإما أنها تلفظ آخر أنفاسها"؛ وإذ كنا نراها في ذروة ترفها وألعابها، فإنها تضحك حين تموت Moritur et ridet.

تلك هي صورة مروعة، ظاهر فيها الغلو، لأن البلاغة قلّما تصحبها الدقة، وما من شك في حتى الفضيلة قد توارت حياء في ذلك الوقت كما تتوارى الآن، وأفسحت الطريق للرذيلة، والبؤس، والسياسة، والجريمة. ويرسم أوغسطين صورة لا تقل عن هذه الصورة قتاماً يهدف بها إلى مثل هذه الغاية الأخلاقية؛ فهويشكومن حتى الكنائس كثيراً ما تخلومن المصلين لأن البنات الراقصات في دور التمثيل يجتذبن الناس منها بما يعرضنه من فتنتهن السافرة. وكانت الألعاب العامة لا تزال تشهد اغتال الأسرى والمجرمين ليستمتع الناس بهذه المناظر البشعة في أعيادهم. وفي وسعنا حتى نتصور ما في هذه المناظر من قسوة حين نقرأ ما يقوله سيماكوس من أنه أنفق ما قيمته 900.000 ريال أمريكي في إقامة حفلة واحدة، ومن حتى المجالدين السكسون التسعة والعشرين الذين سقط الاختيار عليهم ليقاتلوا في المجتلد قد فوتوا عليه غرضه بأن خنقوا بعضهم بعضاً فانتحروا جميعاً قبل حتى تبدأ الألعاب. وكان لروما في القرن الرابع 175 عيداً في العام، منها عشرة تقام فيها مباريات المجالدين، وأربعة وستون تعرض فيها ألعاب الوحوش، وما بقي منها بعد ذلك تعرض فيه مناظر في دور التمثيل. واغتنم البرابرة فرصة ولع الرومان بهذه المعارك الزائفة فانقضوا على قرطاجنة، وأنطاكية، وترير Trier حين كان الأهلون منهمكين في مشاهدتها في المدرجات أوحلبات اقتتال الوحوش. وحدث في عام 404 حتى أقيمت في روما ألعاب للمجالدين احتفالاً بذكرى فوز استلكوفي بولنتيا نصراً مشكوكاً فيه. وحين بدأ الدم يراق قفز راهب شرقي يدعى تلمكس Telemachus من قاعدة النظارة إلى المجتلد ونادي بوقف القتال. ولكن النظارة استشاطوا غضباً فأخذوا يرجمونه بالحجارة حتى قتلوه؛ وأثر هذا المنظر في الإمبراطور هونوريوس فأصدر مرسوماً بإلغاء ألعاب المجالدين . أما السباق فقد بقي حتى عام 549 حين قضى عليه استنزاف الحروب القوطية لثروة المدن.

أما من الناحية الثقافية فلم تشهد روما منذ أيام بلني وتاستوس عصراً نشطت فيه الثقافة مثل ما نشطت في ذلك الوقت. لقد كان جميع إنسان مولعاً بالموسيقى حتى لقد شكا أميانوس من أنها قد حلت محل الفلسفة، وأنها قد "حولت الخط إلى مقابر"؛ وهويصف لنا أراغن مائية ضخمة، وقيثارات في حجم المركبات. وكانت المدارس كثيرة العدد، ويقول سيماكوس إذا جميع إنسان كان يجد الفرصة سانحة لتنمية ملكاته. وكانت "جامعات" الأساتذة الذين تؤدي لهم الدولة رواتبهم تفهم النحو، والبلاغة، والأدب، والفلسفة لطلاب اتىوا إليها من جميع الولايات الغربية، وذلك في الوقت الذي كان فيه البرابرة المحيطون بالدولة يدرسون فنون الحرب. إذا جميع حضارة ثمرة من ثمار شجرة الهمجية الصلبة وهي تسقط حين تسقط عند أبعد نقطة من جزع هذه الشجرة.

واتى إلى المدينة التي يبلغ عدد سكانها مليوناً من الأنفس حوالي عام 365 يوناني سوري، كريم المحتد، وسيم الخلق، يدعى أميمانوس مرسلينوس الإنطاكي. وكان من قبل جندياً تحت قيادة أرسينوس Ursinus في أرض الجزيرة، واشهجر بنشاط في حروب قنسطنطيوس ويوليان وجوفيان. وقد عاش هذا الرجل عيشة الجد والعمل قبل حتى يشتغل بالكتابة. ولما عاد السلام إلى ربوع الشرق ارتحل إلى روما وأخذ على عاتقه إتمام العمل الذي بدأه ليفي وتاستوس، وذلك بكتابة تاريخ الإمبراطورية من عهد نيفا إلى عهد فالنز. وخط بلغة لاتينية عسيرة معقدة، تشبه اللغة الفرنسية إذا ما خطها ألماني؛ وكان من مسببات هذا العسر والتعقيد في كتاباته كثرة ما قرأه من كتابات تاستوس وطول الزمن الذي كان يتحدث فيه اللغة اليونانية. وكان هذا الرجل وثنياً سافراً، من المعجبين بيوليان، ومن الذين يزدرون الترف الذي كان يعزوه إلى أساقفة روما؛ ولكنه رغم هذا كله كان بوجه عام منزهاً عن الهوى فيما خط، يمتدح كثيراً من فضائل المسيحية، ويلوم يوليان على تقييده الحرية الفهمية، ويقول إذا هذا خطأ يجب "أن يقضي عليه بالسكوت الأبدي"(. وكان قد حصل من الفهم أقصى ما يسمح وقت الجندي له بتحصيله. وكان يؤمن بالشياطين والسحر، ويقتبس من شيشرون أكبر المعارضين للقدرة على فهم الغيب مما يؤيده به هذه العقيدة. ولكنه كان إلى حد كبير رجلاً شريفاً لا يداجي ولا يجامل، عادلاً مع جميع الناس وجميع الأحزاب؛ "لا أزين قصتي بالألفاظ الخداعة، أمين على الحقائق إلى أبعد حدود الأمانة". وكان يكره الظلم، والبذخ، والمظاهر الكاذبة، ويجهر برأيه فيها أينما وجدت؛ وكان آخر المؤرخين اليونان والرومان الأقدمين، وكان جميع من اتى بعده في العالم اللاتيني مجرد إخباريين.

لكن مكروبيوس Macerobius قد عثر في هذه المدينة نفسها، أي في روما، التي كانت أخلاقها في نظر أميانوس وضيعة متعاظمة فاسدة، مجتمعاً من الناس، يجملون ثراءهم باللطف والكياسة، والثقافة، ومحبة الناس. وكان مكروبيوس هذا في أول الأمر من رجال الفهم مولعاً بالخط وبالحياة الهادئة، لكننا نجده في عام 399 يعمل مبعوثاً للإمبراطور في أسبانيا. وقد أصبح تعليقه على كتاب شيشرون المسمى "أحلام سبيو" الوسيلة التي انتقل بها تصوف الأفلاطونية الجديدة وفلسفتها إلى عامة الشعب. وخير خطه على الإطلاق هوكتاب الساترناليا Saturnalia أوعيد زحل الذي لا يكاد كتاب تاريخي في الخمسة عشر قروناً الأخيرة يخلومن مقتبسات منه. وهومجموعة من (غرائب الأدب) أورد فيه المؤلف ما حصله من معلومات غير متجانسة في أيام جده ودراسته، ولياليه الطوال التي قضاها ينقب في بطون الأسفار. وقد تفوق في كتاباته على ألوس جليوس Oulus Gellius في الوقت الذي كان يسطوعليه، ذلك بأنه صاغ المادة التي أخذها عنه في صورة محادثة خيالي بين رجال حقيقيين هم بروتكستاتوس Proetextatus وسيماخوس Symmachus، وفلافيان، وسرفيوس وغيرهم ممن اجتمعوا ليحتفلوا بعيد الساترناليا بالخمر الطيب، والطعام الشهي، والنقاش الفهمي. وألقيت في هذا النقاش على الطبيب ديزاريوس Disarius أسئلة فهمية منها: هل الطعام البسيط خير من الطعام المتعدد الألوان،يا ترى؟ ولم يندر حتى ترى امرأة سكرى،يا ترى؟ ولم يسكر المسنون من الرجال على الدوام،يا ترى؟ هل طبيعة الرجال أقل أوأكثر حرارة من طبيعة الناس؟. ويدور النقاش حول التقويم، وفيه تحليل طويل لألفاظ فرجيل، ونحوه، وأسلوبه، وفلسفته، وسرقاته؛ وفيه فكاهات مأخوذة من جميع العصور، ورسالة عن الولائم الدسمة، والأطعمة النادرة. وتبحث في المساء مسائل أخف من هذه يتسلى بها هؤلاء الفهماء منها: لم تحمر وجوهنا من الخجل وتصفر من الخوف؟-ولم يبدأ الصلع من أعلى الرأس،يا ترى؟ وأيهما أسبق من الآخر الفرخ أوالبيضة،يا ترى؟

ونجد في مواضع متفرقة من هذا الخليط المهوش فقرات سامية كالتي يتحدث فيها بريتكستاتوس عن الرق فيقول: لن أقدر الناس بمراكزهم بل بآدابهم وأخلاقهم، لأن الثانية ثمرة طباعنا أما الأولى فهي نتيجة الصدفة.. وينبغي لك يا إفنجيلوس حتى تبحث عن أصدقائك في منزلك لا في السوق العامة ولا في مجلس الشيوخ. عامل عبدك بالرفق والحسنى، وأشركه في حديثك، وأدخله أحياناً في مجالسك الخاصة. وقد عمل أباؤنا على محوالكبرياء من نفس السيد والخجل من نفس العبد بأن سموا الأول "والد الأسرة" وسموا الثاني "أحد أفراد الأسرة" وإن عبيدك ليبادرون إلى احترامك أكثر من مبادرتهم إلى خوفك.

وكانت ندوة شبيهة بهذه الندوة هي التي رحبت في عام 394 بأن ينضمم إليها شاعر شاءت الأقدار حتى يتغنى بمجد روما في ساعة احتضارها. ولد كلوديوس كلوديانوس Claudius Claudianus كما ولد أميانوس، في بلاد الشرق، وكانت لغته الأصلية هي اللغة اليونانية. ولكنه تفهم اللاتينية بلا ريب في حداثة سنه، لأنه كان يخط بها أسلوب سلس. وبعد حتى أقام في روما زمناً قصيراً نزح إلى ميلان، واستطاع حتى يجد له مكاناً في أركان حرب استلكو، ثم صار شاعراً غير رسمي لبلاط الإمبراطور هونوريوس، وتزوج سيدة ذات ثراء من أسرة شريفة. وكان كلوديوس يترقب حتى تواتيه الفرصة الكبرى ولا يحب حتى يموت وهوخامل الذكر. ولذلك كان يمدح استلكوبقصائد عصماء ويهاجم أعداءه بقصائد أخرى حوت أقذع الألفاظ. وعاد إلى روما في عام 400 ولقي منها أعظم آيات الشكر والترحاب حين مدح المدينة الخالدة في قصيدة "عن قنصلية استلكو" لا تقل روعة عن قصائد فرجيل نفسه:

«

أيا قنصل الناس جميعاً، ويا من تضارع الآلهة في المنزلة، وأنت حامي المدينة التي لا تدانيها مدينة يحيط بها الهواء الذي على سطح الأرض، ولا تبلغ مداها العين، ولا يتصور جمالها الخيال، ولا يوفيها صوت مهما علا حقها من الثناء. إنها تحمل هامتها المضىية تحت ما جاورها من النجوم، وتحاكي بتلالها السبعة السبع السموات العلي. هي أم الجيوش والشرائع التي عنت لجبروتها الأرض بأجمعها وكانت أقدم مهد للعدالة على ظهر الأرض. تلك هي المدينة التي نشأت نشأة متواضعة، ولكنها امتدت إلى القطبين وبسطت سلطانها من مكانها الصغير حتى بلغ مداه منتهى ما يصل إليه ضياء الشمس... فهي دون غيرها من البلاد قد فتحت صدرها لاستقبال من غلبتهم على أمرهم، وعاملت الجنس البشري معاملة الأم الرؤوم لا معاملة الحاكم المتغطرس، فحمته وخلعت عليها اسمها، ودعت من هزمتهم إلى مشاركتها في حقوق المواطنية، وربطت الشعوب البعيدة برباط المحبة. وبفضل حكمها السلمي أصبح العالم كله وطناً لنا، نعيش فيه أينما شئنا، وأصبح في مقدورنا حتى نزور ثول Thule ونرتاد براريها التي كانت من قبل تقذف الرعب في القلوب، والتي أصبح ارتيادها الآن نزهة هينة، وبفضلها يستطيع جميع من أراد حتى يشرب من مياه الرون ويعب من مجرى نهر العاصي، وبفضلنا صرنا كلنا شعباً واحداً. »

وأراد مجلس الشيوخ حتى يعبر لكلوديوس عن شكره واعترافه بفضله فأقام في سوق تراجان تمثالاً "لأجَلّ الشعراء" الذي جمع بين سلاسة فرجيل، وقوة هومر. وقضى كلوديان بعض الوقت يقرض الشعر في موضوعات تدر عليه المال، ثم وجه مواهبه وجهة أخرى فأنشأ قصيدته "اغتصاب بسبرين Brosperine" وقص فيها السيرة القديمة وصور البر والبحر وأسبغ على تلك الصورة من رقيق النغم ما يعيد إلى الذاكرة روايات الحب اليونانية في العصر الذي ظهرت فيه أول مرة. وبلغه في عام 408 حتى استلكوقد اغتال غيلة، وأن الكثيرين من أصدقاء هذا القائد قد قبض عليهم وأعدموا. واختفى الرجل بعدئذ من ميدان التاريخ فلم نعهد باقي قصته. وبقيت في روما كما بقيت في الإسكندرية أقليات وثنية كبيرة العدد، وكان فيها حتى نهاية القرن الرابع سبعمائة هيكل وثني. ويبدوحتى جوفيان وفلنتنيان الأول لم يغلقا الهياكل التي فتحها يوليان؛ فظل القساوسة الرومان حتى عام 394 يجتمعون في مجامعهم المقدسة، وظلت أعياد اللوبركاليا يحتفل بها بكل ما فيها من شعائر نصف همجية، كما ظلت الطريق المقدسة نتردد فيها بين الفينة والفينة أصداء خوار الأثوار التي تساق للضحية.

وكان أعظم الناس إجلالاً بين الوثنيين في روما في أيامها الأخيرة هوفتيوس بريتكستاتوس، زعيم الأقلية الوثنية في مجلس الشيوخ. وكان الناس جميعاً يعترفون بفضائله-باستقامته، وفهمه، ووطنيته، وحياته العائلية اللطيفة. ومن الناس من يقول إنه يماثل كاتووسنسناتوس Cincinnatus؛ ولكن الزمان يذكر أكثر منه صديقه سيماخوس (345-410)، الذي ترسم رسائله صورة رائعة ساحرة للأرستقراطية التي كانت تظن نفسها مخلدة وهي تحتضر. وحتى أسرته نفسها قد بدت أنها من المخلدين: فقد كان جده قنصلاً في عام 364، وكان هونفسه حاكماً في عام 384، وقنصلاً في عام 391. وكان ابنته بريتورا، وحفيده قنصلاً في عام 485 بعد وفاة جده، وكان اثنان من أحفاده قنصلين في عام 522. وكان هوذا ثروة طائلة؛ فقد كانت له ثلاثة قصور ريفية بالقرب من روما، وسبعة أخرى في لاتيوم، وخمسة على خليج نابلي، فضلاً عن قصور أخرى مثلها في أماكن أخرى من إيطاليا؛ وبفضل هذه القصور "كان في وسعه حتى يسافر من أقصى شبه الجزيرة إلى أقصاها ثم يأوي إلى منزله في جميع مكان يحل به". ولا يذكر لنا التاريخ حتى أحداً من الناس كان يحسده على ثروته، لأنه كان ينفق منها بسخاء وينميها بحياة الدرس، والخدمة العامة، والأخلاق الفاضلة، وأعمال البر والإنسانية، التي لا تعهد فيها شماله ما تعمل يمينه. وكان من أصدقائه الأوفياء مسيحيون ووثنيون، وبرابرة رومان. ولعله كان يضع وثنيته قبل وطنيته؛ فقد كان يظن حتى الثقافة التي يمثلها ويستمع بها وثيقة الصلة بالدين القديم، وكان يخشى حتى يؤدي سقوط أيهما إلى سقوط كليهما. ويعتقد حتى المواطن بإخلاصه للشعائر القديمة يحس أنه حلقة في سلسلة مترابطة متصلة أحب اتصال-تمتد من رميولوس إلى فلنتنيان، وأن هذا الإخلاص يبعث في نفسه حب المدينة وحب الحضارة التي نشأت بفضل الأجيال المتعاقبة خلال ألف عام. وقد استحق كونتس أورليوس سيماخوس بفضل أخلاقه الطيبة حتى يختاره مواطنوه ممثلاً لهم في آخر كفاحهم الرائع في سبيل آلهتهم.

وقد استطاع أمبروز حتى يجعل الإمبراطور جراتيان مسيحياً متحمساً لدينه، وأغراه تحمسه للدين القديم حتى يعلن على الملأ حتى العقيدة النيقية فريضة واجبة على جميع الشعوب الخاضعة لحكمنا الرحيم"، وأن إتباع غيرها من العقائد "مفتونون مسلوبوالعقول"، وفي عام 382 أمر ألا تؤدي خزانة الإمبراطورية أوخزائن البلديات أية إعانات لإقامة الاحتفالات الوثنية، أوللعذارى الفستية أوالكهنة الوثنيين، ثم صادر الأراضي التي تملكها الهياكل، جماعات الكهنة، وأمر أتباعه بأن يحملوا من قاعة مجلس الشيوخ في روما تمثال إلهة النصر الذي أقامه فيها أغسطس في عام 29 ق. م، والذي ظل اثنا عشر جيلاً من الشيخ يقسمون بين يديه يمين الولاء للإمبراطور؛ وانتدب مجلس الشيوخ وفدا برياسة سيماخوس يشرح لجراتيان قضية تمثال النصر هذا. ولكن جراتيان أبى حتى يستقبل الوفد، وأمر ينفي سيماخوس من روما (382)؛ وفي عام 383 اغتال جراتيان وبعث هذا الأمل في مجلس الشيوخ فأوفد وفداً إلى خليفته على العرش؛ وكانت الخطبة التي ألقاها سيماخوس بين يدي فلنتنيان الثاني آية من آيات الدفاع البليغ، وكان مما نطقه فيها إنه ليس من الحكمة في شيء حتى يقضي هذا القضاء العاجل المفاجئ على شعائر دينية ظلت طوال ألف عام مرتبطة أشد الارتباط باستقرار النظام الاجتماعي وبهيبة الدولة، ثم نطق: "ماذا يهمنا، في آخر الأمر، أي طريق يسلكا إنسان ليصل به إلى الحقيقة،يا ترى؟ والحق حتى في وسع الناس حتى يصلوا إلى فهم هذا السر العظيم من طريق واحد".

وتأثر فلنتنيان الشاب بهذا القول، ويقول أمبروز إذا من كان في المجلس الإمبراطوري من المسيحيين أنفسهم قد أشاروا على الإمبراطور بإعادة تمثال النصر إلى مكانه، ولكن أمبروز، وكان في ذلك الوقت غائباً في بعثة دبلوماسية الدولة، تغلب على المجلس برسالة قوية مليئة بالكبرياء والغطرسة أسلها إلى الإمبراطور. وعدد فيها حجج سيماخوس حجة بعد حجة، ثم دحضها كلها بما وهب من قوة وبلاغة. وقد حوت هذه الرسالة ما يعد في الواقع تهديداً للإمبراطور بإخراجه من حظيرة الدين إذا أجاب الوفد إلى طلبه، "وقد يحدث في وسعك حتى تدخل الكنيسة ولكنك لن تجد فيها قساً يستقبلك، أوأنك قد نجدهم فيها ليحرموا عليك دخولها". وكان من أثر ذلك حتى رفض فلنتنيان طلب مجلس الشيوخ.

وبذل الوثنيون في إيطاليا مجهوداً آخر في عام 393، فأعربوا الثورة وخاطروا في سبيل غايتهم بكل شيء. وكان ثيودوسيوس قد أبى حتى يعترف بالإمبراطور يوجنيوس نصف الوثني، فرأى هذا الإمبراطور حتى يستعين بوثني الغرب في دفاعه عن نفسه، فأعاد تمثال النصر إلى مكانه. وتباهى بقوله إنه حين تم له النصر على ثيودوسيوس سيربط خيله في الكنائس المسيحية. وسار نقوماكس خوس فلافيانوس Nicomachus زوج ابنة سيماخوس، على رأس جيش ليساعد به يوجنيوس، فقاسمه الهزيمة وانتحر. وزحف ثيودوسيوس على روما، وأرغم مجلس الشيوخ على حتى يعلن إلغاء الوثنية بجميع أشكالها (394). ولما نهب ألريك روما حسب الوثنيون حتى ما أصاب هذه المدينة التي كانت من قبل سيدة العالم من إذلال كان نتيجة غضب الآلهة الذين تخلت عنهم. وفككت حرب الأديان هذه وحدة الشعب. وحطمت قواه المعنوية، ولما حتى وصل إليهم سيل الغزوالجارف لم يجدوا وسيلة يقابلونه بها إلا تبادل اللعنات والصلوات المتنافرة.


395–406: ستيليخو

The emperor Honorius, a contemporary depiction on a consular diptych issued by Anicius Petronius Probus to celebrate Probus's consulship in 406, now in the Aosta museum


محاولات ستيليخوتوحيد الامبراطورية، الثورات والغزوات

The Favorites of the Emperor Honorius, by John William Waterhouse, 1883
An ivory diptych, thought to depict Stilicho (right) with his wife Serena and son Eucherius, ca. 395 (Monza Cathedral)


Christian pendant of Empress ماريا، ابنة Stilicho، وزوجة هونوريوس. Musée du Louvre. The pendant reads, around a central cross (مع عقارب الساعة):
HONORI
ماريا
سرينا
VIVATIS
STELICHO.
The letters form a Christogram


408-410: نهاية الجيش الميداني النظامي الفعال، التوجيع في إيطاليا، نهب روما

عقب أولمبيوس على الأمر القاضي بقتل استلكوبأمر آخر يقضي بقتل آلاف من أتباعه ومنهم رؤساء فيالقه البربرية. وكان ألريك يتحين الفرصة السانحة له وراء جبال الألب، فوجد في هذا فرصته السانحة ولم يدعها تفلت من يده؛ فنطق إذا الربعة الآلاف من الأرطال المضىية التي وعد الرومان بأدائها إليه لم تصله بعد، ونطق إنه في نظير هذا المال يرضى حتى يقدم أنبل الشباب القوطي ضماناً لولاته في مستقبل الأيام. فلما رفض هونوريوس طلبه اجتازا جبال اللب ونهب أكويليا وكرمونا، وضم إليه ثلاثين ألفاً من الجنود المرتزقة الذين أغضبهم اغتال زعمائهم، وزحف بطريق فلامنيوس حتى وصل إلى أسوار روما (408). ولم يلق في هذا الزحف مقاومة اللهم إلا من راهب واحد نطق له إنه قاطع طريق، فرد عليه إلريك بجواب حيره إذ نطق له إذا الله نفسه قد أمره بهذا الغزو. وارتاع مجلس الشيوخ كما ارتاع في أيام هنيبال، ودفعه الروع إلى ارتكاب أعمال وحشية. فقد افترض حتى أرملة استلكوكانت تساعد ألريك فأمر بقتلها؛ ورد ألريك على هذا ببتر جميع الطرق التي يمكن حتى يصل منها الطعام إلى العاصمة، وسرعان ما أخذ الناس يموتون فيها من الجوع، وشرع الرجال يقتل بعضهم بعضاً، والنساء يقتلن أبنائهن ليتخذنهم طعاماً. وسار وفد من أهل المدينة إلى ألريك ليسأله عن شروط الصلح، وهددوه بأن ألف ألف من الرومان على استعداد لمقاومته، فتبسم ضاحكاً من قولهم وأجابهم "حدثا ازداد سمك القش كان حصده أيسر". ثم رق قلبه فرضى حتى ينسحب إذا منح جميع ما في المدينة من مضى وفضة، وكل ما تحتويه من ثروة منقولة قيمة. ولما سأله المبعوثون: "وأي شيء بعد هذا يبقى لنا؟" أجابهم في ازدراء: "حياتكم". وآثرت روما حتى تمضي في المقاومة؛ ولكن الجوع اضطرها حتى تطلب شروطاً جديدة للاستسلام؛ فقبل ألريك منها 5000 رطل من المضى وثلاثين ألف رطل من الفضة، وأربعة آلاف قباء من الحرير، وثلاثة آلاف من جلود الحيوان، وثلاثة آلاف رطل من الفلفل.

سقوط ستيليخوورد عمل ألاريك

وفي هذا الوقت عينه فر عدد لا يحصى من البرابرة الأرقاء من أسيادهم الرومان وانضموا تحت لواء ألريك. وكأن الأقدار شاءت حتى تعوض الرومان عن هذه الخسارة، ففر من جيش ألريك قائد قوطي يدعى ساروس Sarus وانضم إلى هونوريوس، وأخذ معه قوة كبيرة من القوط، وهاجم بها جيش البرابرة الرئيسي. وعد ألريك هذا العمل نقضاً للهدنة التي سقطها الطرفان، فعاد إلى حضار روما. وفتح أحد الأرقاء أبواب المدينة للمحاصرين؛ وتدفق منه القوط، واستولى العدوعلى المدينة الكبرى لأول مرة في ثمانمائة عام (410). ولبثت ثلاثة أيام مسرحاً للسلب والنهب بلا تمييز بين أماكنها أوأهلها اللهم إلا كنيستي القديسين بطرس وبولس فلم يمسسهما أحد بسوء، وكذلك نجا اللاجئون الذين احتموا فيهما. غير أنه لم يكن من المستطاع السيطرة على من كان في الجيش البالغ عدده أربعين ألف مقاتل من الهون والأرقاء. فذبح مئات من أغنياء المدينة، واغتصبت نساؤهم ثم قتلن، وبلغ من كثرة القتلى حتى لم يعد من المستطاع دفن الجثث التي امتلأت بها الشوارع. وسقط في أيدي الغزاة آلاف من الأسرى بينهم أخت لهونوريوس غير شقيقة تدعى جلا بلاسيديا Galla Placidia. وأخذ الفاتحون جميع ما سقط في أيديهم من المضى والفضة؛ وصهرت التحف الفنية للاستيلاء على ما فيها من معادن نفيسة، وحطم العبيد السابقون روائع فني النحت والخزف وهم فرحون مغتبطون انتقاماً منهم لما كانوا يعانونه من فقر وكدح، هما اللذان أثمرا هذا الجمال وهذه الثروة. ثم أعاد ألريك النظام وزحف بجيشه جنوباً ليفتح صقلية؛ ولكنه أصيب بالحمى في هذه السنة عينها ومات بها في كوسنزا Cosenza. وحول الأرقاء مجرى نهر بوسنتوBusento ليفسحوا مكاناً آمناً رحباً ينشئون فيه قبره، ثم أعيد النهر إلى مجراه الأصلي، وقتل العبيد الذين بهذه الأعمال مبالغة في إخفاء المكان الذي دفن فيه.


ألاريك يحاصر روما

واختير أتلف Atilf (أدلف Adolf) صهر ألريك ليخلفه في ملكه ورضى الملك الجديد حتى يسحب جيشه من إيطاليا إذا تزوج بلاسيديا Placidia، ومنح القوط بوصفهم أحلاف روما المتعاهدين معها غالة الجنوبية بما فيه نربونة Narbonne وطُلوشة (طولوز)، وبردو، ولتكون مملكة لهم يحكمونها مستقلة استقلالاً ذاتياً. ورفض هونوريوس الشرط الخاص بالزواج، لكن بلاسيديا قبلته، وأعرب الزعيم القوطي أنه لا يبغي تدمير الإمبراطورية، بل يريد المحافظة عليها وتقويتها، وسحب جيشه من إيطاليا، وأنشأ مملكة للقوط الغربيين في غالة مستعيناً على إنشائها بمزيج من الدهاء السياسي والقوة الحربية. وكانت هذه المملكة من الوجهة النظرية خاضعة للإمبراطورية، وتخذ طلوشة عاصمة لها (414). وقتل الزعيم القوطي بعد سنة واحدة، واعتزمت بلاسيديا من فرط حبها له حتى تعيش من بعده أرملة طول حياتها ولكن هونوريوس وهبها للقائد قنسطنطيوس. ولما توفي قنسطنطيوس (421) وهونوريوس (423) أصبحت بلاسيديا وصية على ابنها فلنتنيان الثالث، وحكمت الإمبراطورية الغربية ثلاثين عاماً حكماً يشرف بنات جنسها.


وكان الوندال حتى في أيام ناستون، أمة قوية كثيرة العدد تمتلك الأجزاء الوسطى والشرقية من روسيا الحالية. وكانوا قبيل حكم قسطنطين قد زحفوا جنوباً إلى بلاد المجر، ولما بدد القوط الغربيون ضمهم في إحدى الوقائع الحربية، طلب الباقون منهم حتى يؤذن لهم بعبور الدانوب ودخول الإمبراطورية الرومانية. ووافق قسطنطين على طلبهم هذا، وظلوا سبعين عاماً يتكاثرون ويتضاعف عددهم في بنونيا Pannonia. وأثارت فوزات ألريك حميتهم؛ ولما سحبت الدولة فيالقها من وراء جبال الألب لتدافع بها عن إيطاليا، تفتحت لهم أبواب الغرب واستهوتهم بثروته، حتى إذا كان عام 406 زحفت جموع كبيرة من الوندال، والألاني، والسيوفي وعبرت نهر الرين وعاثت فساداً في بلاد غالة، ونهبوا مينز Manz وذبحوا كثيراُ من أهلها، ثم تحركوا شمالاً إلى بلجيكا، ونهبوا مدينة تيير Tier العظيمة وأحرقوها. ثم أقاموا الجسور على نهري الموز Meause والآين Aisne ونهبوا ريمس Reims، وأمين Amiens، وأراس Arras، وتورناي Tournai، وواصلوا الزحف حتى كادوا يبلغون بحر المانش. ثم اتجهوا نحوالجنوب وعبروا نهري السين Scine واللوار Loire ودخلوا أكوتانيا Aquitaine وصبوا غضبهم الوحشي على جميع مدنها تقريباً ما عدا طلوسة، التي دافع عنها إكسبريوس Exuperius دفاع الأبطال. ووقفوا عند جبال البرنس، ثم ولوا وجههم نحوالشرق ونهبوا نربونة، وشهدت غالة من التخريب والتدمير الكامل ما لم تشهد له مثيل من قبل. وفي عام 409 دخلوا أسبانيا وكان عددهم وقتئذ نحومائة ألف. وكان الحكم الروماني في تلك البلاد قد أثقل كاهل أهلها بالضرائب، وأدخل فيها إدارة منظمة، وجمع الثروة في ضياع واسعة، وجعل الكثرة الغالبة من سكانها عبيداً، أورقيق الأرض، أوأحراراً يعانون ويلات الفقر المدقع. ولكن أسبانيا كانت بفضل ما فيها من استقرار وسلطان للقوانين أعظم ولايات الإمبراطورية رخاء، وكانت مريدة، وقرطاجنة، وقرطبة، وأشبيلية، وطركونه Tarragona من أغنى مدائن الإمبراطورية وأعظمها ثقافة. وانقض الوندال والسيوفي والألاني على هذه الشبه الجزيرة التي كانت تبدوآمنة حصينة، وأعملوا فيها السلب والنهب عامين كاملين حتى لم ينجح فيها مكان من جبال البرنس إلى جبل طارق، بل إذا فتوحهم امتدت إلى سواحل إفريقية الشمالية. وأدرك هونوريوس أنه عاجز عن حماية الأراضي الرومانية بالجيوش الرومانية، فأغرى القوط الغربيين بالمال الوفير ليردوا إليه أسبانيا. وقام ملكهم القدير واليا Wallia بهذا العمل بعد عدة وقائع حربية أحكم خططها (420)، فارتد السويفي إلى شمالي أسبانيا، كما ارتد الوندال إلى إقليم الأندلس (Andalusia) الذي لا يزال يسمى باسمهم حتى اليوم، وأعاد ولاية أسبانيا إلى حوزة الإمبراطورية، وكشف بذلك عما في أخلاق ساسة الرومان من غدر ونكث بالعهود.

وكان الوندال لا يزالون يتوقون إلى الفتح والخبز، فعبروا البحر إلى أفريقية (429). وإذا جاز لنا حتى نصدق بروكبيوس Procopius(43)، وجردانيس Jordanes قلنا إنهم اتىوا إليها بدعوة من بنيفاس Boniface حاكم أفريقية الروماني ليستعين بهم على منافسه إيتيوس Eetius الذي خلف استلكو، لكن هذه السيرة لا تعتمد على مصدر موثوق به. ومهما يكن من أمرها فإن ملك الوندال كان قادراً على خلق هذه الخطة. وكان جيرسيك ملك الوندال ابناً غير شرعي لعبد رقيق، وكان أعرج لكنه قوي الجسم، متقشفاً زاهداً، لا يهاب الردى في القتال، يلتهب غيظاً إذا غضب، ويقسوأشد القسوة على عدوه ولكنه عبقري لا يغلب في شؤون الحرب والمفاوضة. ولما هبط غلى أفريقية انضم إلى من كان معه من الوندال، والآلاني، من جند، ونساء، وأطفال المغاربة الأفريقيين الذي ظلوا عهوداً طوالاً حانقين على الحكم الروماني، كما انضم إليهم الدناتيون Donatist المارقون الذين كانوا يقاسون أشد أنواع الاضطهاد من المسيحيين أتباع الدين القويم. ورحب هؤلاء وأولئك بالغزاة الفاتحين وبالحكم الجديد. ولم يستطع بينفاس حتى يحشد من سكان شمالي أفريقية الروماني البالغ عددهم ثمانية ملايين إلا عدداً ضئيلاً يساعد جيشه الروماني. ولما هزمته جحافل جيسريك هزيمة منكرة تقهقر إلى هبوHippo حيث أثار القديس أوغسطين الطاعن في السن حمية السكان فهبوا يدافعون عن بلدهم دفاع الأبطال، وقاست المدينة أهوال الحصار أربعة عشر شهراً كاملة (430-431)، انسحب بعدها جيسريك ليلقي جيشاً رومانياً آخر، وأسقط به هزيمة منكرة اضطر على أثرها سفير فلنتنيان إلى حتى يسقط شروط هدنة يعترف فيها باستيلاء الوندال على فتوحهم في أفريقية. وحافظ جيسريك على شروط الهدنة حتى غافل الرومان وانقض على قرطاجنة الغنية واستولى عليها دون حتى يلقي أية مقاومة (439). وجرد أشراف المدينة وقساوستها من أملاكهم ونفاهم أوجعلهم أقنان أرض. ثم استولى على جميع ما وجده من متاع سواء منه ما كان لرجال الدين أولغيرهم من الأهلين، ولم يتردد في الالتاتى إلى التعذيب للوقوف على مخابئه.

وكان جيسريك لا يزال وقتئذ في شرخ الشباب، وكان إدارياً قديراً أعاد تنظيم أفريقية وجعل منها دولة ذات ثراء عليه المال الوفير، ولكن أسعد أوقاته كان هوالوقت الذي يشتبك فيه في القتال. وقد أنشأ له أسطولاً ضخماً، نهب به سواحل أسبانيا، وإيطاليا، وبلاد اليونان. وكان يفاجئ تلك البلاد حتى لم يكن أحد يدري أي الشواطئ سترسوفيها سفنه المثقلة بالفرسان، ولم تنتشر القرصنة في غرب البحر المتوسط طوال أيام الحكم الروماني دون حتى تلقى مقاومة كما انتشرت في تلك الأيام. واضطر الإمبراطور في آخر الأمر حتى يعقد الصلح مع ملك البرابرة ليحصل بذلك على القمح الذي تطعم منه رافنا وروما، ولم يكتف بذلك بل وعده حتى يزوجه إحدى بناته. وكانت روما في هذه الأثناء لا تزال تضحك وتلعب لاهية عما سيحل بها بعد قليل من دمار. وكانت ثلاثة أرباع قرن انقضت مذ دفع الهون أمامهم البرابرة الغزاة بعبورهم نهر الفلجا. ثم تباطأ بعد ذلك زحف الهون نحوالغرب فكان هجرة على مهل، وكان أشبه بانتشار المستعمرين في القارة الأمريكية منه بفتوح ألريك وجيسريك. وما لبثوا حتى استقروا بعدئذ شيئاً فشيئاً في داخل بلاد المجر، وبالقرب منها، وأخضعوا لحكمهم كثيراً من القبائل الألمانية.

ومات روا Rua ملك الهون حوالي عام 433 وأورث عرشه بليدا Baleda وأتلا Atilla ابني أخيه. ثم اغتال بليدا- بيد أتلا كما يقول بعضهم- حوالي عام 444، وتولى أتلا (ومعنى اللفظ باللغة القوطية الأب الصغير) حكم القبائل المتنوعة الضاربة شمال نهر الدانوب من الدن إلى الرين. ويصفه جردانس المؤرخ القوطي وصفاً لا نعهد مقدار ما فيه من الدقة فيقول:

هورجل ولد في هذا العالم ليزلزل أقدام الأمم، هوسوط عذاب سلط على الأرض، روع سكان العالم أجمع بما انتشر حوله من الشائعات في خارج البلاد، وكان جباراً متغطرساً في قوله، يقلب عينيه ذات اليمين وذات الشمال، يظهر في حركات جسمه ما تنطوي عليه نفسه من قوة وكبرياء. وكان في الحق أخاً غمرات محباً للقتال، ولكنه يتمهل فيما يقدم عليه من أعمال، وكان عظيماً فيما يسدي من نصح، غفوراً لمن يرجومنه الرحمة، رؤوفاً بمن يضع نفسه تحت حمايته. وكان قصير القامة، عريض الصدر، كبير الرأس، صغير العينين، رقيق شعر اللحية قد وخطه الشيب. وكان أفطس الأنف، أدكن اللون، تنم ملامحه على أصله.

وكان يختلف عن غيره من البرابرة في أنه يعتمد على الختل أكثر من اعتماده على القوة. وكان يحكم شعبه باستخدامه خرافاته لتقديس ذاته العليا، وكان يمهد لفوزاته بما يذيعه من القصص المبالغ فيها عن قسوته، ولعله هوالذي كان ينشئ هذه القصص إنشاء، حتى لقد سماه أعداؤه المسيحيون آخر الأمر "بسوط الله"، وارتاعوا من ختله ارتياعاً لم ينجهم من إلا القوط. وكان أمياً لا يستطيع القراءة أوالكتابة، ولكن هذا لم ينقص من ذكائه الفطري. ولم تكن أخلاقه كأخلاق المتوحشين، فقد كان ذا شرف، وكان عادلاً، وكثيراً ما أظهر أنه أعظم كرماً وشهامة من الرومان. وكان بسيطاً في ملبسه ومعيشته، معتدلاً في مأكله ومشربه، يهجر الترف لمن هم دونه ممن يحبون التظاهر بما عندهم من آنية فضية ومضىية، وسروج، وسيوف وأثواب مزركشة تشهد بمهارة أصابع أزقابلم، وكان لأتلا عدد كبير من أولئك الأزواج ولكنه كان يحتقر ذلك الخليط من وحدة الزواج والنادىرة الذي كان منتشراً عند بعض الطوائف في رافنا وروما. وكان قصره بيتاً خشبياً ضخماً أرضه وجدرانه من الخشب المسوى بالمسحج، ولكنه يزدان بالخشب الجميل الصقل والنحت، فرشت فيه الطنافس والجلود ليتقي بها البرد، وكانت عاصمة ملكه قرية كبيرة أغلب الظن أنها كانت في مكان بودا Buda الحالية؛ وقد ظل بعض المجريين حتى هذا القرن يطلقون على هذه المدينة إتزلنبرج Etzelnburg أي مدينة أتلا.

وكان في الوقت الذي نتحدث فيه عنه (444) أقوى رجل في أوربا، وكان ثيودوسيوس الثاني إمبراطور الدولة الشرقية، وفلنتنيان إمبراطور الغرب يعطيانه الجزية يشتريان بها السلام، ويتظاهرون أمام شعوبهما بأنها ثمن لخدمات يؤديها أحد أقيالها. ولم يكن أتلا، وهوقادر على حتى ينزل إلى الميدان جيشاً خمسمائة ألف مقاتل، يرى ما يحول بينه وبين السيادة على أوربا كلها وبلاد الشرق بأجمعها. ففي عام 441 عبر قواده وجنوده نهر الدانوب، واستولوا على سرميوم Sirmium، وسنجديونوم Singidiunum (بلغراد) ونيسوس Naissus (نيش) وسرديكا Sardica (صوفيا)، وهددوا القسطنطينية نفسها. وأوفد ثيودوسيوس الثاني جيشاً لملاقاتهم، ولكنه هزم، ولم تجد الإمبراطورية الشرقية بداً من حتى تشتري السلم بحمل الجزية السنوية من سبعمائة رطل من المضى إلى ألفي رطل ومائة. وفي عام 447 ولج الهون تراقية، وتساليا، وسكوذيا، (جنوبي روسيا) ونهبوا سبعين مدينة وساقوا آلافاً من أهلها أرقاء. وأضيفت السبايا إلى أزواج المنتصرين، ونشأ من ذلك جيل اختلطت فيه دماء الفاتحين والمغلوبين هجر آثاراً من الملامح المغولية في الأنطقيم الممتدة من الشرق حتى بافاريا Bavaria، وخرجت غارات الهون بلاد البلقان تخريباً دام أربعة قرون، وأتى على نهر الدانوب حين من الدهر لم يعد فيه كما كان طريق التجارة الرئيسي بين الشرق والغرب، واضمحلت لهذا السبب المدن القائمة على شاطئيه.

ولما حتى استنزفت أتلا دماء الشرق بالقدر الذي ارتضاه ولى وجهه نحوالغرب وتذرع لغزوه بحجة غير عادلة. وخلاصة تلك الحجة حتى هونوريا Honoria أخت فلنتنيان الثالث كانت قد نفيت إذا القسطنطينية بعد حتى اعتدى على عفافها أحد رجال التشريفات في قصرها. وتلمست هونوريا أية وسيلة للخلاص من النفي فلم تر أمامها إلا حتى تبعث بخاتمها إلى أتلا وتستجيره ليساعدها في محنتها، واختار الملك الداهية، الذي كانت له أساليبه الخاصة في الفكاهة، حتى يفسر إرسال الخاتم بأنه عرض منها للزواج بها، فطالب من فوره بهونوريا وبنصف الإمبراطورية الغربية بائنة لها، ولما احتج وزراء فلنتنيان على الطلب أعرب أتلا الحرب. هذا هوالسبب الظاهري، أما السبب الحقيقي فهوان مرسيان Marcian الإمبراطور الجديد في الشرق أبى حتى يستمر على أداء الجزية وان فلنتنيان قد حذا حذوه.

وفي عام 450 زحف أتلا ومعه نصف مليون رجل على نهر الرين، ونهبوا تريير ومتز Metz وأحرقوها وقتلوا أهلها. فقذف ذلك الرعب في قلوب غالة كلها فقد فهموا حتى الغزاة ليس على رأسهم جندي متمدين كقيصر، أومسيحي -ولوكان من أتباع أريوس- مثل ألريك أوجيسريك، بل كان الزاحف عليهم هوالهوني الرهيب، سقوط الله المبعوث لعذاب المسيحيين والوثنيين على السواء لما هنالك من فرق شاسع بين أقوالهم وأعمالهم. واتى ثيودريك الأول Theadoric I ملك القوط المعمر لينقذ الإمبراطورية من محنتها وانضم إلى الرومان بقيادة إيتيوس، والتقت الجيوش الضخمة في حقول قطلونيا Catalaunia بالقرب من ترويس، ودارت بينها معركة من أشد معارك التاريخ هولاً، جرت فيها الدماء انهاراً، حتى لينطق إذا 162.000 رجل قد قتلوا فيها من بينهم ملك القوط البطل المغوار؛ وانتصر الغرب في هذه المعركة نصراً غير حاسم، فقد تقهقر أتلا بانتظام، وأنهكت الحرب الظافرين، أولعلهم كانوا منقسمين على أنفسهم في خططهم، فلم يتعقبوا أتلا وجنوده ولهذا غزا إيطاليا في العام التالي.

وكانت أول مدينة استولى عليها في زحفه هي أكويليا Aquileia، وقد دمرها تدميراً قضى عليها قضاء لم تقم لها بعده قائمة حتى اليوم، أما فرونا Verona وفبسنزا Vicenza فقد عوملنا بشيء من اللين والرحمة واشترت بافيا وميلان نفسيهما من الغزاة بتسليم جميع ما فيهما من ثروة منقولة. وبعد هذا فتحت الطريق إلى روما أمام أتلا؛ وكان جيش إيتيوس قليل العدد لا يقوى على أية مقاومة جدية، ولكن أتلا تباطأ عند نهر البو، وفر فلنتنيان الثالث إلى روما، ثم أوفد إلى ملك الهون وفداً مؤلفاً من البابا ليوالأول واثنين من أعضاء مجلس الشيوخ. وما من أحد يفهم ما جرى حين اجتمع هذا الوفد بأتلا. وكان ليورجلاً مهيب الطلعة، يعزوإليه المؤرخون معظم ما أحرزه الوفد من نصر لم ترق فيه دماء. وكل ما يذكره التاريخ عن هذا النصر حتى أتلا قد ارتد لأن الطاعون فشا بين جنوده، ولأن مئونتهم كانت آخذة في النفاد، ولأن مرسيان كان المدد من الشرق (452).

وقاد أتلا جحافله فوق جبال الألب وعاد بها إلى عاصمته في بلاد المجر، متوعداً إيطاليا بالعودة إليها في الربيع التالي إذا لم ترسل إليه هونوريا، ليتخذها زوجة له. وقد استعاض عنها في هذه الأثناء بشابة تدعى إلديكوIldico ضمها إلى نسائه. وكانت هذه الفتاة هي الأساس التاريخي الواهي لسيرة Krienhild المسماة نِبل أنجليد Nibelungenlied. واحتفل بزفافها له احتفالاً أثقلت فيها الموائد بالطعام والشراب. ولما أصبح الصباح عثر أتلا ميتاً في فراشه إلى جانب زوجته الشابة، وكان سبب موته انفجار أحد الأوعية الدموية، فكتم الدم الذي تدفق منه نفسه وقضى عليه (453). وقسمت مملكته بين أولاده، ولكنهم عجزوا عن المحافظة عليها، فقد دبت الغيرة بينهم ورفضت القبائل التي كانت خاضعة لأبيهم حتى تظل على ولائها لهؤلاء الزعماء المتنازعين، ولم تمض إلا بضع سنين حتى تبترت أوصال الإمبراطورية التي كانت تهدد بإخضاع اليونان والرومان والألمان والغاليين لحكمها، وتطبع وجه أوربا وروحها بطابع آسية، ومحيت اليونان من الوجود.

دور التسمم بالرصاص

دور التسمم بالرصاص


التعداد المصدر مستوى الرصاص في المصدر الاستهلاك اليومي معامل الامتصاص الرصاص الممتص
الأرستقراطيون
الهواء 0.05 µg/m3 20 m3 0.4 0.4 µg/day
الماء 50 (50-200) µg/l 1.0 liter 0.1 5 (5-20) µg/day
النبيذ 300 (200-1500) 2.0 لتر 0.3 180 (120-900) µg/day
الطعام 0.2 (0.1-2.0) µg/g 3 kg 0.1 60 (30-600) µg/day
غيرهم/متفرقات 5.0 µg/day
الإجمالي 250 (160-1250) µg/day
العامة
طعام أقل، ونفس استهلاك النبيذ. 35 (35-320) µg/day
العبيد
طعام أقل كثيراً، المزيد من الماء، 0.75 لتر نبيذ 15 (15-77) µg/day

457–467: العودة في عهد ماجوريان، محاولة استرداد أفريقيا، سيطرة ريسيمير

During his four-year reign Majorian reconquered most of Hispania and southern Gaul, meanwhile reducing the Visigoths, Burgundians and Suevi to federate status.


467–472: أنثميوس؛ امبراطور وجيش من الشرق

Tremissis of Anthemius


من 476: آخر الأباطرة، الولايات التالية

أوروپا والشرق الأدنى عام 476م.


The Ostrogothic Kingdom, which rose from the ruins of the Western Roman Empire


الذكرى

لم تكن الإمبراطورية الرومانية مجرد وحدة سياسية تم فرضها بالقوة. فقد كانت أيضاً الحضارة المشهجرة والمفصلة لحوض البحر الأبيض المتوسط وما وراؤه. ويضم ذلك التصنيع والتجارة والهندسة المعمارية، ومحوالأمية الفهمانية على نطاق واسع، والقانون المكتوب، ولغة دولية للعلوم والأداب. كان البرابرة الغربيون يفقتدون للكثير من هذه الممارسات الثقافية العالية، لكن اعادة تطورهم في العصور الوسطى على يد السياسيين المدركين للإنجاز الروماني شكل أساساً للتطور اللاحق في أوروپا.

رصد الاستمرارية الثقافية والأثرية من خلال وبعد فترة من السيطرة السياسية المفقودة، العملية التي وصفت بالتحول الثقافي المعقد، بدلاً من السقوط.

انظر أيضاً

  • دراسات مقارنة لامبراطورية الهان والامبراطورية الرومانية
  • سقوط الامبراطورية البيزنطية (سقوط الامبراطورية الرومانية الشرقية)
  • تأريخ سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية
  • آخر الرومان
  • الجيش الروماني المتأخر

الهوامش

  1. ^ Ward-Perkins 2007, p. 1.
  2. ^ e.g. Why Nations Fail. Acemoglu D and Robinson JA. Profile Books (Random House Inc.) 2012. ISBN 978-1-84668-429-6. pp. 166–175
  3. ^ Glen Bowersock, "The Vanishing Paradigm of the Fall of Rome" Bulletin of the American Academy of Arts and Sciences 1996. vol. 49 no.ثمانية pp 29–43.
  4. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  5. ^ Halsall 2007, p. 287.
  6. ^ Ward-Perkins 2005, pp. 87–122.
  7. ^ Bowersock 2001, pp. 87–122.

المصادر

  • Alföldy, Géza. Urban life, inscriptions,and mentality in late antique Rome. In Urban Centers and Rural Contexts in Late Antiquity, Thomas S. Burns and John W. Eadie (eds.). Michigan State University Press 2001. ISBN 0-87013-585-6.
  • Ammianus. The History. Trans. J. C. Rolfe. Loeb Classical Library, Vol. I, 1935.
  • Bowersock, Glen, Peter Brown, Oleg Grabar. Interpreting Late Antiquity: essays on the postclassical world. Belknap Press of Harvard University Press, 2001. ISBN 0-674-00598-8.
  • Brown, Peter. The Making of Late Antiquity, Harvard University Press, 1978.
  • Burns, Thomas S. Barbarians Within the Gates of Rome : A Study of Roman Military Policy and the Barbarians, ca. 375–425 A. D. Indiana University Press 1995. ISBN 978-0-253-31288-4.
  • Börm, Henning. Westrom. Von Honorius bis Justinian. Kohlhammer 2013. ISBN 978-3-17-023276-1 (Review in English).
  • Cameron, Averil. The Mediterranean World in Late Antiquity. AD 395–700. Routledge 2011, ISBN 978-0415579612.
  • Connolly, Peter. Greece and Rome at War. Revised edition, Greenhill Books, 1998. ISBN 978-1-85367-303-0.
  • Gaddis, Michael. There Is No Crime for Those Who Have Christ. Religious violence in the Christian Roman Empire. University of California Press, 2005. ISBN 978-0-520-24104-6.
  • Galinsky, Karl. Classical and Modern Interactions (1992) 53–73.
  • Gibbon, Edward. History of the Decline and Fall of the Roman Empire. With notes by the Rev. H. H. Milman. 1782 (Written), 1845 (Revised)
  • Goldsworthy, Adrian. The complete Roman Army. ISBN 978-0-500-05124-5. Thames & Hudson, 2003.
  • Goldsworthy, Adrian. The Fall of the West: The Slow Death of the Roman Superpower. ISBN 978-0-7538-2692-8. Phoenix, an imprint of Orion Books Ltd, 2010.
  • Heather, Peter. The fall of the Roman Empire. A new history. Pan Books, 2006. ISBN 978-0-330-49136-5.
  • Halsall, Guy. Barbarian Migrations and the Roman West, 376–568 (Cambridge Medieval Textbooks)
  • Harper, Kyle. Slavery in the late Roman world AD 275–425. ISBN (hardback) 978-0-521-19861-5. Cambridge University Press 2011.
  • Hunt, Lynn, Thomas R. Martin, Barbara H. Rosenwein, R. Po-chia Hsia, Bonnie G. Smith. The Making of the West, Peoples and Cultures, Volume A: To 1500. Bedford / St. Martins 2001. ISBN 0-312-18365-8.
  • Hodges, Richard, Whitehouse, David. Mohammed, Charlemagne and the Origins of Europe: archaeology and the Pirenne thesis. Cornell University Press, 1983.
  • Jones, A. H. M. The Later Roman Empire, 284–602: A Social, Economic, and Administrative Survey [Paperback, vol. 1] ISBN 0-8018-3353-1 Basil Blackwell Ltd. 1964.
  • Letki Piotr. The cavalry of Diocletian. Origin, organization, tactics, and weapons. Translated by Pawel Grysztar and Trystan Skupniewicz. Wydawnictwo NapoleonV ISBN 978-83-61324-93-5. Oświęcim 2012.
  • Macgeorge, Penny. Late Roman Warlords. Oxford University Press 2002.
  • MacMullen, Ramsay. Corruption and the decline of Rome. Yale University Press, 1988. ISBN 0-300-04799-1.
  • Martindale, J.R. The Prosopography of the Later Roman Empire volume II, A.D. 395–527. Cambridge University Press 1980.
  • Matthews, John. The Roman empire of Ammianus. Michigan Classical Press, 2007. ISBN 978-0-9799713-2-7.
  • Matthews, John. Western aristocracies and Imperial court AD 364–425. Oxford University Press 1975. ISBN 0-19-814817-8.
  • Momigliano, Arnaldo. 1973. "La caduta senza rumore di un impero nel 476 d.C." ("The noiseless fall of an empire in 476 AD"). Rivista storica italiana, 85 (1973), 5–21.
  • Nicasie, M. J. Twilight of Empire. The Roman Army from the reign of Diocletian to the Battle of Adrianople. J. C. Gieben, 1998. ISBN 90-5063-448-6.
  • Randsborg, Klavs. The First Millennium AD in Europe and the Mediterranean: an archaeological essay. Cambridge University Press 1991. ISBN 0 521 38401 X.
  • Rathbone, Dominic. "Earnings and Costs. Part IV, chapter 15", pages 299–326. In: Quantifying the Roman Economy. Methods and Problems. Alan Bowman and Andrew Wilson eds. Oxford University Press 2009, paperback edition 2013, ISBN 978-0-19-967929-4.
  • Ward-Perkins Bryan. The fall of Rome and the end of civilization. Oxford University Press 2005 (hardback edition). ISBN 978-0-19-280728-1

وصلات خارجية

  • “The Roman Empire's Collapse in the 5th Century” BBC Radio أربعة discussion with Charlotte Roueché, David Womersley and Richard Alston (In Our Time, Mar. 18, 2004)
تاريخ النشر: 2020-06-04 19:48:04
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, Missing redirects, سقوط الامبراطورية الرومانية الغربية, القرن الخامس في الامبراطورية الرومانية, انهيار مجتمعي, انحلالات الامبراطوريات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الاحتلال الإسرائيلى يشن غارات على مناطق بقطاع غزة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:21:06
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 68%

السفارة الأمريكية تصدر تحذيرًا لرعاياها فى القدس

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:51
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

بايدن يجتمع مع مسؤولى وزارة الدفاع الأمريكية حول الحرب فى أوكرانيا

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:50
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

مصرع معاون مباحث قسم العامرية أول بالإسكندرية وشقيقه فى حادث مرورى

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:51
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

دينا الشربينى تكشف حقيقة ارتباطها بـ حسن أبو الروس

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:21:02
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 60%

بينها ليلة القدر.. مواعيد الليالى الوترية فى العشر الأواخر من رمضان

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:51
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 53%

التحريات تكشف ملابسات فيديو حمل شخص لطفل وإلقائه أرضا بالجيزة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:50
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

القبض على المتهم بحمل طفل وطرحه أرضا في منشأة القناطر - حوادث

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:33
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 55%

فى ذكرى ميلاد ملك العود.. سر حب الرئيس عبد الناصر لفريد الأطرش

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:21:12
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

زمامة يتوقع سيناريو مباراة الرجاء والأهلي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:17:32
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 70%

برعاية التضامن.. افتتاح مركز استدامة لتمكين المرأة الريفية اليوم

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:17:12
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

حقيقة صدور قرار إعادة مباراة مصر والسنغال بتصفيات كأس العالم

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:17:31
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 65%

عصبة الدار البيضاء تنظم حفل إفطار جماعي

المصدر: راديو مارس - المغرب التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:17:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 64%

العنانى: غلق أى شركة سياحة تتحايل على بوابة العمرة

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:52
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 67%

إصابة 6 أشخاص فيى مشاجرة بالأسلحة النارية بالقليوبية

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:20:57
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

إخلاء مبنى الكابيتول بسبب «تهديد جوى»

المصدر: موقع الدستور - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-04-21 06:21:06
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

تحميل تطبيق المنصة العربية