تيتيان

تيتيان
القديس يوحنا المعمدان، لوحة لتيتيان، 1542 م

تيتسيانوفيتشيلو (Tiziano Vecellio) واسم الشهرة تيتيان، عاش (1488-1576 م) هورسّام إيطالي من عصر النهضة. بعد حتى أمضى فترة حياته الفنية الأولى في رعاية أستاذه "جيورجيوني"، اكتسب سمعة طيبة في أوروبا، فاشتغل لدى الباباوات في روما، وصار مطلوبا لدى الملوك الأوربيين: فرونسوا الأول، ملك فرنسا وشارل الخامس (أنجز له عدة لوحات شخصية) ثم فيليبي الثاني (ملوك أسبانيا). مع بلوغه سنا متقدمة كان فنه قد نضج تماما، وتجلى ذلك في شاعرية أعماله والجرأة التي أبداها في ابتكار تقنيات تصويرية جديدة. كان له تأثير كبير على فن التصوير الأوروبي.

سيرته

This early portrait (c. 1512) was long wrongly believed to be of Ariosto; it is more likely a self-portrait, and the composition was borrowed by Rembrandt for his own self-portraits.
Salome, or Judith; this religious work also functions as an idealized portrait of a beauty, a genre developed by Titian, supposedly often using Venetian courtesans as models.

ولد في بلدة پييڤه Pieve في السلسلة الكادورية Cadorico من جبال الدلميت Dolmites، ولم ينس قط هذه الجبال الوعرة في مناظره. ولما بلغ التاسعة أوالعاشرة من عمره جيء به إلى البندقية وتتلمذ على سيبستيانوزكاتو، وجنتيلي بيليني، وجيوفيني بيليني جميع واحد منهم بعد الآخر، وكان هوفي مرسم جيوفيني الذي لم يكن يكبره بأكثر من عام. ولما أنشأ هذا الغلام المصور مرسمه الخاص وأخذ ينتج الصور كما كان الغلام الشاعر كيتس يقرض الشعر، مضى إليه تيشيان في أغلب الظن مساعداً له أوزميلاً، وبلغ من تأثير جيوفني فيه إذا بعض صوره الأولى تعزى إلى جيوفني، وأن بعض صور جيوفني المتأخرة تعزى إلى تيشيان. وأكبر الظن حتى صورة الحفلة الموسيقية التي تجل عن المحاكاة مما صور في تلك الفترة، وقد عملا معاً في نقش جدران مخزن التجار التيوتون.

It took Titian two years (1516-1518) to complete the oil painting Assunta, whose dynamic three-tier composition and color scheme established him as the preeminent painter north of Rome.

وفر تيشيان من الوباء الذي قضى على حياة جيورجيوني - أولعله في من الجمود الذي أصاب الفن بسبب حرب عصبة كمبرية - إلى بدوا (1511)، حيث حكمنا بما يظهر في المظلمات من فجاجة قلنا انه هوفي الخامسة والثلاثين من عمره كان لابد له حتى يبتر شوطاً طويلاً قبل حتى يبلغ المستوى الذي بلغته خير أعمال جيورجيوني، غير حتى جوته Goethe قد رأى بعين بصيرته النافذة أنها تبشر بالشيء الكثير(36). ولما عاد تيشيان إلى البندقية وجه إلى الدوج ومجلس العشرة (31 مايوسنة 1513) رسالة تذكرنا بالدعوة التي وجهها لدوفيكوقبل ذلك بجيل من الزمان:

أيها الأمير الجليل، أيها السادة الأعلون العظماء! لقد ظللت أنا تيشيان الكادوري منذ طفولتي أدرس فن التصوير، وأهدف بذلك إلى حتى أنال قليلاً من الشهرة أكثر مما أنال من المال .... ولقد تلقيت في الماضي وفي الحاضر دعوات ملحة من قداسة البابا وغيره من العظماء للدخول في خدمتهم، ولكنني وأنا أحد رعاياكم المخلص الأمين تحدوني الرغبة الصادقة في حتى أهجر لي أثراً في هذه المدينة الذائعة الصيت. فإذا راقكم ذلك يا أصحاب السعادة فإني أحب حتى أزين قاعة المجلس الكبير وأن أبذل في هذا جميع ما وهبت من قوة، وأن أبدأ برسم صورة على القماش للمعركة التي دارت على جانب الميدان الأصغر، وهوموضوع يبلغ من الصعوبة درجة لم يجرؤ معها أحد على محاولته. وإني قابل حتى أتناول على جهودي أية مكافأة ترون أنها تليق بها أوأقل .. وإذ لم أكن، كما قلت قبل، أرغب إلا في حتى أنال ذلك الشرف، وأن أدخل السرور على نفوسكم، فإني أرجوحتى أنال أول رخصة لسمسار مدى الحياة تخلوفي مخزن التجار التيوتون، وألا تحول بيني وبينها أية وعود بذلت لغيري، مع ما يصحبها من التكاليف والإعفاءات التي نالها السيد دسوان بيلين Zuan Belin (جيان بيليني)، فضلا عن تعيين مساعدين لي يتناولان أجرهما من مخط الملح، وأن أحصل على جميع الألوان وما أحتاجه غيرها ... وأعدكم في نظير ذلك حتى أقوم بالعمل السالف الذكر بالسرعة والإتقان اللذين يرضيان مجلس السيادة(37).

وكانت »رخصة السمسار« الواردة في هذه الرسالة وظيفة رسمية يعمل صاحبها وسيطاً بين تجار البندقية والتجار الأجانب. كانت رخصة السمسار لدى التجار الألمان في البندقية تجعل الحائز لها عملاً المصور الرسمي للدولة ويتقاضى نظير ذلك 300 كرون (3750 دولاراً) في العام نظير رسم صورة للدوج وما عسى حتى تتطلبه الحكومة من الصور الأخرى. ويبدوحتى المجلس قبل اقتراح تيشيان على سبيل التجربة، وسواء كان ذلك أولم يكن فقد بدأ الفنان برسم معركة كادوري في قصر الدوج. ولكن شانئيه أقنعوا المجلس بسحب الرخصة منه والامتناع عن أداء أجر مساعديه (1514). ثم دارت مفاوضات ضايقت جميع من اشهجر فيها، وانتهت بتعيينه في المنصب ونيله أجره دون لقبه (1516). وأخذ يؤجل العمل ويتباطأ فيه فلم يتم حتى عام 1537 الرسمين اللذين بدأهما في قاعة المجلس الأكبر. ودمرت النار الرسمين في عام 1577.

وارتقى تيشيان على مهل كما يرتقي أي كائن حي وهب من العمر مائة عام. ولكنه في عام 1508 لا بعد أظهر من تباشير نفاذ الروح وقوة التطبيق ما حمله بعدئذ فوق منافسيه في التصوير. ولدينا الآن صورة لا اسم لها تعهد فيما مضى باسم أريستوتطالعنا بذكريات من طراز جيورجيوني - بالوجه الشعري والعينين اللتين تشع منهما الدقة وقليل من الخبث، وأثواب فخمة كانت نموذجاً نسجت على منواله ألف صورة أخرى، وفي هذه الفترة (1506 - 1516) كان الفنان السائر في طريق النهوض يعهد كيف من الممكن أن يخلع على صور النساء قدراً كبيراً من الجمال فبدأت بذلك تختلف عن نساء جيورجيوني وتتجه نحونساء روبنز Rubens. واستمر الانتنطق من صور العذراء إلى صور فينوس على يد تيشيان، حتى وهويرسم صوراً دينية ذات روعة وشهرة فائقة. فكانت اليد التي تبعث في القلوب التقي بصورة السيدة الغجرية وعبادة الرعاة هي نفسها التي تستطيع حتى تصور امرأة تزدان وتصور تلك البراءة الخليعة التي نشاهدها في صورة فلورا الموجودة في معرض أفيزي. وأكبر الظن حتى هذا الوجه الظريف وهذا الصدر الناهد وجدا أيضاً في صورة ابنة هرودياس، وشالوم في هذه الصورة لا يفترق في شيء عن أهل البندقية كما حتى الرأس المقطوع رأس عبري بكل ما فيه.

وأخرج تيشيان في عام 1515 أوحواليه صورتين من أشهر صوره هما ثلاثة أعمار الإنسان وهي جماعة من الأطفال العراة نائمين تحت شجرة، ومعهم كيوبيد يلقنهم في هذه السن الصغيرة جنون الحب، وشيخ في العقد التاسع يتأمل جمجمة، وفتى وفتاة سعيدين في ربيع الحب، ولكن كليهما ينظر إلى الآخر نظرة تنم عن قلق كأنهما قد عهدا مقدماً إصرار الزمن على إبلاء تلك العاطفة. وصورة الحب الطاهر والحب الدنس قد خلع عليهما اسم حديث لوبعث تيشيان حيا لدهش منه. وقد سميت الصورة حين ذكرت لأول مرة الجمال المزدان وغير المزدان(38)، وأكبر الظن انه لم يكن بقصد بها تلقين تفهم في الأخلاق بل كان الغرض منها حتى تزدان بها سيرة من القصص. والجسم العاري الدنس في الصورة هوأكمل شكل في سجل أعمال تيشيان، فكأنه صورة فينوس ده ميكونقلت إلى عصر النهضة. ولكن صورة المرأة الطاهرة عليها أيضاً صبغة دنيوية، فمنطقتها المزدانة بالحلي تستلفت الأنظار، ورداؤها الحريري يغري باللمس، وأكبر الظن أنها هي الخليلة المرحة التي كانت نموذج صورة فلورا أوالمرأة تتزين. وإذا ما أنعم الإنسان النظر فيها تكشفت له خلف صور الآدميين عن منظر طبيعي معقد فيه نبات وحيوان وأجمة كثيفة من الأشجار، وراع يتعهد قطيعه، وعاشقان، وصائدون وكلاب يطاردون أرنباً برياً، وبلدة وأبراجها، وكنيسة وبرج جرسها، وبحر أزرق جيورجيوني الطراز، وسماء ملبدة بالغيوم. ترى ماذا يهمنا إذا كنا لا نعهد ماذا تعني هذه الصورة بالضبط،يا ترى؟ إنها الجمال ((يبقى برهة)) أمامنا، أليس هذا هوالذي يظن فاوست Faust انه هوالحياة والروح؟.

ولما استوعب تيشيان حتى الجمال النسوي مزداناً أوطبيعياً يجد له على الدوام من يطلبه اتخذه موضوعاً له وهوجذلان، فقبل في بداية عام 1516 دعوة ألفنسوالأول لرسم بعض لوحات في قصره بفيرارا. وهيئ للفنان مسكن في القصر ومعه مساعدان له، وقضى فيه نحوخمسة أسابيع، ويلوح انه تردد عليه بعدئذ قادماً من البندقية. ورسم تيشيان لقاعة المرمر ثلاث صور واصل فيها مزاج جيورجيوني الوثني. ففي صورة السكارى نرى رجالاً ونساء، وبعضهم عرايا، يشربون، ويرقصون، ويتغازلون، أمام منظر من الأشجار السمراء، وبحيرة زرقاء، وسحب فضية، وأمامهم على الأرض ملف يحمل شعاراً بالفرنسية: ((من يشرب ولا يعد إلى الشرب لا يعهد ما الشرب)). وعلى بعد من هذا الشعار نرى نوحاً طاعناً في السن يتمطى وهوعار سكران، وبالقرب من الجزء الأول فتى وفتاة يرقصان معاً، وأثوابهما تدور في الهواء، وفي الجزء الأمامي من الصورة امرأة يشير ثدياها الناهدان على أنها في مقتبل العمر نائمة على الكلأ عارية، والى جانبها طفل قلق يدفع ثوبه ليروح عن مثانته ويتم بذلك دورة السكارى خارجاً من الغابات يفاجئ المرأة المهجورة، ونرى ساتيرات مخمورات، ورجلاً عارياً تلتف الأفاعي حوله، وإله الخمر العاري يقفز من عربته ليمسك بالأميرة الهاربة. وتبلغ النهضة الوثنية في هذه الصورة وفي صورة عبادة فينوس أعظم ما بلغته من قوة وسلطان.

ورسم تيشيان في هذه الثناء صورة تستلفت الأنظار للدوق ألفنسونصيره الجديد: رسمه ذا وجه جميل ينم عن ذكاء، وجسم ممتلئ تزيده مهابة ثياب رسمية فخمة، ويد جميلة (يصعب حتى تكون يد فخراني ومحارب) متكئة على مدفع محبوب، وتلك هي الصورة التي أحب بها وأثنى عليها ميكل أنجيلونفسه. وجلس إريستولتيشيان ليصوره، ورد هذه التحية لتيشيان ببيت من الشعر في إحدى طبعات فيور بوسوالمتأخرة، كذلك جلست لكريدسيا بورجيا للمصور العظيم، ولكن أثراً ما لم يبق لهذه الصورة، ولربما جلست أيضاً لورا ديانتي Laura Diante عشيقة ألفنسولصورة لم تبق إلا نسخة مأخوذة عنها في مودينا. وأكبر الظن حتى ألفنسوهذا هوالذي رسم له تيشيان صورة من أجمل صوره وهي صورة مال الخراج، ترى فيها فريسياً له رأس فيلسوف يوجه سؤاله في إخلاص والمسيح يجيبه في غير غضب جواباً بليغاً.

Titian's state portrait of Emperor Charles V (1548) at Mühlberg established a new genre, that of the grand equestrian portrait. The composition is steeped both in the Roman tradition of equestrian sculpture and in the medieval representations of an ideal Christian knight, but the weary figure and face have a subtlety few such representations attempt.

ومن المميزات الخاصة بذلك العصر حتى تيشيان قد استطاع الانتنطق من تصوير باخوس إلى تصوير المسيح، ومن فينوس إلى مريم، ثم عاد من مريم والمسيح إلى فينوس وباخوس، دون حتى يضطرب لذلك عقله، ذلك انه صور في عام 1518 لكنيسة الرهبان أعظم صورة على الإطلاق وهي صورة صعود العذراء. ولما وضعت هذه الصورة في إطار فخم من الرخام خلف المذبح العالي رأى سانودوSanudo محرر اليوميات البندقي حتى هذا الحادث خليق بالإنضمام فخط يقول: ((في 20 مايو1518: أقيمت بالأمس اللوحة التي صورها تيشيان ... للرهبان الفرنسيس))(39). ولا تزال رؤية صورة الصعود في كنيسة الرهبان من الحوادث الهامة في حياة إنسان ذي إحساس رقيق. ويرى الإنسان في وسط اللوحة الضخمة التي رسمت عليها هذه الصورة العذراء كاملة قوية، مكتسبة ثوباً أحمر ومئزراً أزرق، ذاهلة متوجسة، تحملها خلال السحب هالة مقلوبة من صغار الملائكة المجنحين. وفوق صورة العذراء حاول المصور محاولة مخففة - وكان لابد لها حتى تخفق - حتى يصور الله - فلم يرسم إلا ثوباً، ولحية، وشعراً تنفشه رياح السماء، وأجمل من هذا صورة الملك الذي يأتيه بتاج لمريم. وتحت هذا صور الرسل، وهم عدد متباين من الصور الفخمة، ينظر بعضهم في دهشة، وبعضهم يركع للصلاة والعبادة، وبعضهم يتطلع إلى أعلى كأنه يريد حتى يؤخذ إلى الجنة. وإذا ما وقف متشكك نافر أمام هذه الدعوة القوية إلى الإيمان لم يسعه إلا حتى يأسف لتشككه، ويقر بما في هذه الأسطورة من جمال، وما تبعثه في النفس من أمل.

French ambassador to the Ottoman Porte Gabriel de Luetz d'Aramont, 1541-1542.

وأراد ياقوبوبيزارو، أسقف باقوس Paphos في قبرص حتى يعبر عن شكره لله لما أحرزه أسطول البندقية من نصر على العمارة الهجرية فعهد إلى تيشيان حتى يصور ستاراً آخر في محراب كنيسة الرهبان - للمعبد الذي دشنته من قبل أسرة هذا الأسقف. وأدرك تيشيان الخطر الذي يفترض أن يتعرض له إذ يقوم على رسم صورة عذراء أسرة بيزارويتحدى بها تحفته الفنية التي نالت الإعجاب من وقت قريب. لكنه ظل يعمل في الصورة الجديدة سبع سنين قبل حتى يطلقها من مرسمه. وآثر فيها حتى يرسم العذراء جالسة على عرشها، لكنه خرج على السوابق المألوفة فرسم صورتها إلى اليمين مائلة من ركن فوضع بذلك من يقدم لها التاج جهة اليسار، كما وضع القديس فرانسس عند قدميها. ولولا النقش البراق الذي يركز انتباه الناظر على الأم وطفلها لأختل توازن الصورة. ورحب كثيرون من الفنانين بهذه التجربة وحذوا حذوه فيها بعد حتى ملوا الهجريب التقليدي المألوف المركز أوالهرمي.

ونادى المركيز فيدريجوجندساجا تيشيان إلى مانتوا في عام 1523، لكن الفنان لم يقم فيها طويلاً لأنه كلف بأعمال في البندقية وفيرارا. غير أنه بدأ فيها سلسلة من إحدى عشرة صورة تمثل أباطرة الرومان، وقد فقدت هذه كلها. وقد رسم في إحدى زياراته صورة جذابة للمركيز الشاب الملتحي. وكانت إزبلا العظيمة أم فيدريجولا تزال على فقيد الحياة، فجلست إليه ليصورها، ولما وجدت حتى الصورة واقعية أكثر مما تطيق، وضعتها بين عادياتها القديمة، وطلبت إلى تيشيان حتى ينسخ لها صورة كان فرانتشيا Francia قد رسمها قبل أربعين عاماً من ذلك الوقت. تلك هي الصورة التي أخذ عنها تيشيان (ولعل ذلك كان في سنة 1534) صورة المشهورة ذات القلنسوة الشبيهة بالعمامة، والأكمام المزركشة، والفراء المثناة، والوجه الظريف. واحتجت إزبلا قائلة أنها لم تكن تظن نفسها بهذا الجمال، ولكنها عملت على حتى تنحدر هذه الصورة التذكارية إلى الخلف.

Titian's unmatched handling of color is exemplified by his Danaë with Nursemaid, one of several mythological paintings, or "poesie" ("poems") as the painter called them, done for Philip II of Spain. Although Michelangelo adjudged this piece deficient from the point of view of drawing, Titian and his studio produced several versions for other patrons.

والى هنا نهجر تدسيانوفيتشيلي بعض الوقت، ذلك أننا لا نستطيع حتى نفهم الشطر المتأخر من حياته إلا إذا أحطنا فهماً بالحوادث السياسية التي كان لشارل الخامس أكبر أنصاره فيها شأن كبير بعد عام 1533. وكان تيشيان قد بلغ السادسة والخمسين من العمر في ذلك العام. ومنذا الذي كان يظن وقتئذ انه لا يزال أمامه من العمر ثلاثاً وأربعين سنة، وأنه سيرسم في النصف الثاني من حياته عدداً من روائع الفن لا يقل عما رسمه منها في نصفها الأول.


تيشيان والملوك 1530-1576

في عام 1530 وفي مدينة بولونيا عرَف أريتينوشارل الخامس بتيشيان. وكان الإمبراطور وقتئذ منهمكاً في إعادة تنظيم إيطاليا فجلس إلى تيشيان ليصوره وهوقلق نافذ الصبر، ودهش الفنان حين لم يعطه إلا دوقة واحدة (دولاراً ونصف دولار). فما كان من فيديريجودوق مانتوا إلا حتى نفح الفنان من جيبه الخاص بهبة سخية قدرها 150 دوقة تكملة لأجره. وما لبث الدوق في أثر في شارل أقنعه برأيه هوفي تيشيان. ثم التقى الفنان والإمبراطور مرة أخرى في عام 1532،وفي خلال الأعوام الستة عشر التالية رسم تيشيان طائفة مدهشة من الصور للإمبراطور: رسم شارل في عدته الحربية الكاملة (1532 وقد ضاعت)؛ ورسمه في سترة موشاة بالقصب، وصدارة مطرزة، وسروال قصير أبيض، وجورب وحذاء، وقلنسوة سوداء، تعلوها ريشة بيضاء غير ملائمة لها (1533؟)؛ ورسمه مع الإمبراطورة إزبلا (1538)؛ ورسمه في حلة من الزرد براقة على جواد وائب، في واقعة موهلبرج Muhlberg (1548)- بلغت الذروة في جمال اللون والافتخار؛ ورسمه في ثياب سود، جالساً جلسة المفكر في إحدى الشرفات (1548). ومما يذكر بالفضل للمصور والمليك على السواء حتى هذه الصور لا تحاول قط حتى تجعل من موضوعها مثلاً أعلى إلا من حيث الملبس؛ فهي تكشف عن ملامح شارل غير الجذابة، وعن إهابه غير الحسن، وعن روحه المكتئبة، وعن بعض المقدرة على القسوة؛ ومع هذا فإنها تظهر الإمبراطور رجلاً ثقيل الأعباء، عظيم السلطان، ذا عقل بارد جامد، أخضع نصف أوربا لسلطانه. لكنه رغم ذلك يستطيع حتىقد يكون رحيماً، وأن يكفر بسخاء عن شحه الأول. من ذلك أنه بعث إلى تيشيان في عام 1533 ببراءة يعينه بها أميراً في قصره، وفارساً من طبقة المهماز المضىي، وأصبح تيشيان من ذلك الحين مصور البلاط الرسمي لأقوى مليك في العالم المسيحي.

وكان تيشيان في هذه الأثناء قد بدأ يراسل فرانتشيسكوماريا دلا روفيري دوق أربينوالذي تزوج اليونور جندسا، أخت فدريجووابنة إزبلا. وإذ كان فرانتشيسكووقتئذ القائد الأعلى لجيوش البندقية، فكثيراً ما كان هووالدوقة زوجته يأتيان إلى البندقية؛ وفيها رسم تيشيان صورهما: رسم فرانتشيسكورجلا تسعة أعشاره مغطاة بالزرد (لأن تيشيان كان يحب بريقه) ورسم الدوقة امرأة شاحبة اللون مستسلمة لقدرها بعد حتى انتابتها الأمراض. ورسم لها تيشيان على الخشب صورة مجدلية ليس فيها ما يجعلها جذابة إلا اختلاف الضوء واللون اللذين أضفاهما الفنان على شعرها الأصحم؛ ثم رسم لهما صورة أخرى جميلة؛ باللونين الأخضر والأسمر تعهد باسم La Bella "الجميلة" لا أكثر، وتوجد الآن في معرض بتي. ورسم تيشيان للدوق جويدوبلدوالثاني الذي خلف فيديريجوصورة من أعظم الصور العارية هي صورة فينوس أربينو(حوالي 1538). وينطق إذا تيشيان كان له بعض اللمسات النهائية في صورة فينوس النائمة لأربينو؛ وهاهوذا يقلد هذه الآية الفنية في جميع شيء عدا ملامحها ومصاحباتها. وفيها ترى الوجه يعوزه الهدوء البريء الذي نشاهده في صورة جيورجيوني؛ ونشهد بدل المنظر الطبيعي الهادئ منظراً داخلياً من ستار أخضر، وجوخ بني، واريكة حمراء، كما ترى فتاتين تبحثان عن رداءين يبلغان من العظمة درجة تليق بإهاب السيدة المضىي.

وانتقل تيشيان من رسم الدوق والإمبراطور إلى رسم البابا. ولم يكن البابا بول الثالث يقل في العظمة عن الإمبراطور: كان رجلا قوي الخلق، عظيم الدهاء، ذا وجه طبع عليه جيلان من التاريخ. وقد عثر فيه تيشيان فرصة خيراً مما وجده في ملامح الإمبراطور الخفية التي لا تفصح عن شيء من نفسيته. وقابل بولس في بولونيا عام 1535 في شجاعة ما وجده في صورة تيشيان له من واقعية. وكان البابا وقتئذ في السابعة والستين من عمره، متعباً ولكن الأحداث لم تنل من قواه. وقد جلس أمام المصور في ثياب البابوية الفضفاضة، وأحنى رأسه الطويل، ولحيته العريضة، فوق جسمه الذي كان من قبل قوياً، وظهر خاتم السلطان واضحاً في يده الأرستقراطية. وهذه الصورة وصورة يوليوس الثاني تتنازعان تلك الميزة الكبرى وهي: أيهما أجمل وأعمق صورة في النهضة الإيطالية. وفي عام 1545 نادى البابا نيشيان وكان وقتئذ في الثامنة والستين من عمره إلى روما. وهيأ للفنان مسكن في بلدفير، وقدمت له المدينة جميع مظاهر التكريم؛ وعمل فاساري مرشداً له فأطلعه على عجائب روما في عهدها القديم وفي عصر النهضة، وحتى ميكل أنجيلونفسه رحب به، وأخفى عنه في ساعة من ساعات المجاملة رأياً له عبر عنه لاصدقائه وهوحتى تيشان كان يصبح مصوراً أعظم مما هولوأنه تفهم الرسم(22). وهناك صور تيشيان البابا بولس مرة أخرى فأظهره أكبر سناً، وأكثر انحناء، وأشد قلقاً وضجراً مما كان قبل، بين اثنين من أحفاده الخانعين لم يلبثا حتى خرجا على البابا بعد قليل. وهذه الصورة أيضاً من أعمق الصور التي أخرجتها يد تيشيان. وقد رسم كذلك لأحد هذين الحفيدين وهوأتافيوفارنيزي Ottavio Farnese صورة دانائي Danae الشهوانية المحفوظة في متحف نابلي. وأقام تيشيان ثمانية أشهر في روما سافر بعدها عائداً على مهل إلى البندقية عن طريق فلورنس (1546)، وهويرجوحتى يقضي فيها الأيام الباقية من حياته في راحة وسلام.

ولكنه لم يكد يتم العام حتى أوفد إليه الإمبراطور دعوة عاجلة يطلب إليه فيها اجتياز جبال الألب إلى أوجزبرج Augsburg. وأقام في هذه المدينة تسعة أشهر رسم فيها للإمبراطور صورتين من الصور التي ذكرناها قبل، وخلد فيهما عظماء الأسبان والتيوتون أبناء الجبال مثل المنتخب جوهان فريدريخ السكسوني Elector Johann Eriedrlch والتقى تيشيان في زيارة أخرى لأوجزبرج (1550) بالأمير الذي أصبح فيما بعد فيليب الثاني ملك أسبانيا، ورسم له عدة صور؛ منها واحدة في البرادوPrado تعد من آيات التصوير في عهد النهضة. وأجمل من هذه على جمالها الصورة التي مثل فيها الإمبراطورة وإزبلا زوجة شارل البرتغالية. وكانت هذه الزوجة قد توفيت في عام 1539، ولكن الإمبراطور منح تيشيان بعد أربع سنين من وفاتها صورة لها وهي نَصَفٌ رسمها لها مصور مغمور، وطلب إليه حتى يحيلها تحفة فنية رائعة. وربما كانت الصورة النهائية غير شبيهة بالإمبراطورة، ولكنها حتى إذا كانت إزبلا البرتغالية صورة خيالية فإنها يجب حتى تكون في أسمى مرتبة من مراتب صور تيشيان: فهي ذات وجه رقيق حزين، وثياب ملكية فخمة، وفي يدها كتاب صلوات يسري عنها ما تتسقطه من موت قريب، وفي الصورة منظر طبيعي بعيد يضيف إليها منظراً يجمع بين الخضرة، والسمرة، والزرقة.

وشعر تيشيان بعد عودته من أوجسبورج (1552) أنه قد نال كفايته من الأسفار. فقد كان وقتئذ في الخامسة والسبعين من عمره، وما من شك في أنه كان يظن أنه لم يبق له من الحياة الشيء الكثير. ولعل عمله كان من شأنه حتى يطيل الحياة، فقد أنساه انهماكه في الصورة بعد الصورة حتى يموت. وقد صور في سلسلة طويلة من الصور الدينية (1522-1570) فكرته الواضحة الرائعة عن العقيدة المسيحية وسيرة الخلق من آدم إلى المسيح . وقد خلد في صور قوية حياة الرسل والقديسين، وأحسن هذه الصور وأكثر ما تعافه النفس منها صورة استشهاد القديس لورنس (1558 وهي الصورة رقم 1 في متحف جزويتي Gesuiti، بالبندقية): وفيها يرى القديس يشويه على السفود جنود وعبيد رومان يزيدون آلامه بكيه بالحديد المحمي وجلده بالسياط. وهذه الصور الدينية لا تؤثر في النفس كما تؤثر فيها أمثالها من صور الفنانين الفلورنسيين. نعم إنها تسموعليها من حيث التشريح، ولكنها لا تشعر الإنسان بالتقى، فنظرة واحدة إلى أجسام المسيح والحواريين الرياضية توحي بوضوح حتى تيشيان لم يكن يهتم إلا بالفن، وأنه كان يفكر في الأجسام الرائعة، لا في أجسام القديسين النساك. ذلك حتى المسيحية في الفترة الواقعة بين آل بليني وتيشيان، فقد فقدت سيطرتها الروحية على فن البندقية، وإن كانت لا تزال توحي إلى الفنانين بالموضوعات(23).

وبقي العنصر الجنسي الذي هومن مستلزمات فن التصوير بالألوان أوبالمواد اللينة، قوياً عند تيشيان مدة تكاد تصل إلى قرن من الزمان. وقد يردد صورة دانائي Danae الفرنيزية في عدة أشكال مختلفة، ورسم عدة صور لفينوس طلبها إليه حماة الدين. وكان فيليب الثاني ملك أسبانيا خير عميل له في ابتياع هذه "الأساطير"؛ فقد زينت مساكن الملك في مدريد يصور لدانائى، وفينوس وأدونيس، وبرسيوس وأندرمدا، وجبسن وميديا Jassa & Medea وأكتائيون وديانا Actaeon & Diana، واغتصاب أوربا The Rapc of Europa، وتاركون ولكريشيا Tarquin & Lucretia، وجوبتر وأنتيوبي Jupiter & Antiope (وتعهد أيضاً بصورة فينوس الباردوئية) Venus of Pardo. وكل هذه الصور عدا الأخيرة منها قد صورها تيشيان بعد عام 1553، وهوفي سن السادسة والسبعين أوبعدها. ومما يزيدنا تقديراً للفنان العظيم حتى نرى خياله خلاقا مبنادىً في سن الثمانين وما بعدها فيصور نساء عاريات لا تقل كمالا عن الصور التي رسمها في عنفوان شبابه، فصور ديانا بشعرها الأصحم المرفوع إلى أعلى من الطراز الذي كان فيرونيز يصوره، فهي فينوس الشقراء تكاد تكون أجمل من صور أفروديتي اليونانية. ولعل صورة فينوس والمرأة (حوالي 1555 وتوجد الآن في واشنجتن) وهي صورة لهذه السيدة نفسها بعد ان امتلأ جسمها؛ وهي بعينها أيضاً فينوس التي تتعلق بأرنيس في الصورة الموجودة في برادو، والتي تحاول حتى تتودد إليه وتبعده عن كلابه. ولسنا نجد مثل هذه الشهوانية الصريحة واضحة في جسم انثى حتى صور كرجيوني. وتوجد صور أخرى لفينوس منتشرة في معارض الصور في أنحاء العالم ولكنها كانت في يوم ما تحتل مكانها في رأس تيشيان: منها صورة فينوس أناديوميني Venus Anadyomene (حوالي 1520) الموجودة في بردجووتر هوس Bridgewater House، وتمثلها الصورة واقفة في الحمام ومغطاة من تحت الركبتين في حياء؛ وصورة فينوس وكيوبد (حوالي 1545)، الموجودة في معرض أفيزي- وهي ذات شقرة ألمانية ويدين ناصعتين، وفينوس المكتسبة في صورة تعليم كيوبد (حوالي 1565)، وفي معرض بورغير، وفينوس العازف على الأرغن (حوالي 1545) المحفوظة في برادووالتي يظهر فيها العازف عاجزاً عن هجريز عقله على الموسيقى؛ وفينوس والعازف على العود (1560) المحفوظة في المتحف الفني بنيويورك. على أننا يجب حتى نقول إذا النساء في هذه الصور لسن إلا جزءاً مما فيها من سحر وفتنة، ذلك حتى تيشيان يهتم بالطبيعة اهتمامه بالنساء، ويصور في عدد من هذه اللوحات مناظر طبيعية رائعة لا تقل جمالا في بعض الأحيان عن الإلهة فينوس نفسها.

وأعظم من هذه الصور الأسطورية وأكثر عمقاً صور الآدميين، فإذا كانت صور فينوس تكشف عن الإحساس بجمال الصورة ولاتفقد قط روعتها، فإن صور الآدميين تكشف في تيشيان عن مقدرة على الإلمام بالأخلاق البشرية ونقلها بقوة فنية لا تضارعها في معارضها جميعاً صور غيره من الفنانين مجتمعة. وهل ثمة ما أرق من صورة الرجل ذي القفاز (حوالي 1520 في متحف اللوفر) وهي صورة لا يُعهد شخصية من تمثله- وفيها ترى اليد اليسرى المقفزة، والمخصل الأبيض الرقيق الملتف بالعنق يوائمان أحسن موائمة الروح الحساسة التي تنم عليه العينان. وصورة الكردينال إيوليتوده ميديتشي (1533 في متحف بتي) أقل من السابقة عمقاً، ولكننا مع ذلك نرى في الوجه ما يتسم به آل ميديتشي من دهاء، وإحساس فني، وحب للسلطان. وصورة فرانسس الأول (حوالي 1538 المحفوظة في اللوفر) أذاعت شهرة ملامح ملك فرنسا، فقد بعثت في أنحاء العالم في مائة ألف نسخة منقولة عنها القبعة المراشة، والعينين المرحتين، والأنف الأقنى، واللحية الجميلة، والقميص القرمزي يرتديه الرجل الذي خسر إيطاليا ولكنه كسب ليوناردووتشيلني ومائة امرأة. وقد تطلب منصب تيشيان الرسمي منه حتى يرسم صوراً لعدد من أدواج البندقية، ولكن هذه كلها تقريباً قد ضاعت. وبقيت ثلاث صور عظيمة لأشخاص حقيقيين: صورة نقولومارتشلوNiccolo Marcello (الذي توفي قبل حتى يولد تيشيان)- وهي ذات وجه قبيح ورداء فخم-؛ وصورة أنطونيوجرماني (التي تظهر في صورة الإيمان في قصر الدوج)، وصاحبها ذووجه كوجه النساك وثوب فخم؛ وصورة أندريا جرتي، ويرتدي صاحبها ثوباً أقل من الثوبين السابقين فخامة ولكنه ذووجه قوي يهجرز فيه جميع ما في البندقية من جلال وصدق عزيمة. وتختلف عن هذه في طرازها صورة كلاريس استروتسي الرقيقة التي أثنى عليها أريتينوثناء جماً مستطاباً. وليست الصور التي تمثل أريتينووالمحفوظة في معرض بني بفلورنس وفي مجموعة فرك Frick في نيويورك إلا صراخاً مجرداً من الرحمة صادراً من وغد فاتن ساحر رسمها أعز أصدقائه. وأرق من هذه الصور التي خلد بها تيشيان ذكرى بمبومحب الشعراء الذي صار وقتئذ كردنالا (1542). ومن أروع الصور التي يضمها معرض تيشيان صورة المشترع إبوليتورمنالدي (1542)، والتي كانت تعهد في يوم من الأيام بأنها صورة دوق فورفوك وهي ذات شعر منفوش أغبش، وجبهة عالية، وشاربين ولحية قليلة الشعر، وشفتين قويتين، وانف رقيق، ونظرات نفاذة. وإنا لنبدأ في حتى نفهم إيطاليا والبندقية أحسن فهم حين نرى أنهما أنجبتا أمثال أولئك الرجال، وهم رجال ليست أجسامهم وأثوابهم الجميلة إلا الصورة الظاهرة للإرادة القوية المتأهبة للقاء جميع تحد؛ وللعقل النافذ المتيقظ لكل صور التجارب والفن.

وأكثر ما يثير اهتمامنا من رسوم تيشيان الصور التي رسمها لنفسه. وهي كثيرة متنوعة آخرها صورة له في التاسعة والثمانين من عمره. وإذا ما وقفنا أمام صوره الذاتية في معرض برادورأينا وجهاً قد غضنه مر الأيام التي لا تحصى ولكنه زاده صفاء، ورأينا فوق جمجمته قلنسوة لا تغطي شعره الأبيض كله، ولحية صهباء تكاد تغطي وجهه كله، وأنفاً كبيراً ينفث القوة، وعينين زرقاوين، تغشاها كآبة قليلة، تريان الموت أقرب إليه مما كان في الواقع، وبدا تمسك بفرشاة- لأن شغفه العظيم بالفن لم تكن تارة قد خبت بعد. لقد كان هذا الرجل- لا الأدواج، ولا الشيوخ، ولا التجار- هوسيد البندقية نصف قرن من الزمان، يهب الخلود للأشراف والملوك العابرين القصار الآجال، ويسموبالبلد الذي اتخذه موطناً له ويضعه إلى جانب فلورنس وروما في تاريخ النهضة.

وكان في الوقت الذي نتحدث عنه رجلا ثرياً، وإن كانت ذكرى حاجته الأولى وعدم طمأنينته قد جعلته جماعاً للمال إلى آخر حياته. وقد أعفته مدينة البندقية من بعض الضرائب "تقديراً لموهبته الممتازة النادرة"(34) وكان يرتدي لباساً ظريفاً رشيقاً، ويسكن بيتاً مريحاً ذا حديقة واسعة تطل على مياه البندقية الضحلة. وإنا لنتصوره ونحن نخط هذه السطور يستضيف الشعراء والفنانين، والأشراف أبناء الأسر العريقة، والكرادلة، والملوك. ولما ماتت في عام 1530 عشيقته التي تزوجها في عام 1525 بعد حتى ولدت له ولدين قبل الزواج؛ عاد إلى حريته التي كانت له وهوأعزب والتي استمتع بها ما يقرب من نصف قرن. وكانت ابنته لافينيا مصدر بهجة وفخر له؛ وقد رسم لها صوراً تدل على محبته لها حتى بعد حتى كبرت وتزوجت. ولكنها هي أيضاً توفيت بعد سنين قلائل من زقابلا. وأصبح أحد ولديه وهوبمبونيوPomponio مهملاً فاسداً، أحزن قلب الرجل في شيخوخته ورسم الثاني في بعض الصور التي ضاعت، وأكبر الظن أنه اشهجر في بعض الصور التي تعزى لأبيه في سنيه الأخيرة. وربما ساعده في ذلك الوقت أيضاً تلميذ آخر من تلاميذ تيشيان يدعى دومينيكوثيوتوكوبولوس Domenico Theotocopulos، المسمى إلجريكوElgireco (الإغريقي) ولكننا لانجد دليلاً على هذه المساعدة في صور أشخاص تيشيان المرحين ولا في مناظره البهيجة. وظل حتى بعد حتى تقدمت به السن كثيراً لا يكاد ينبتر عن الرسم يوماً واحداً من أيامه، وكان يجد في الفن سعادته الباقية الوحيدة. ففيه كان يعهد أنه السيد الذي لا يبارى، وأن العالم كله يثني عليه، وأن يده لم تفقد قدرتها على الإبداع، كما حتى عينه لم تفقد حدتها ونفاذها؛ وحتى عقله، وخياله ظلا، فيما يبدو، يحتفظان بقوتهما إلى آخر أيامه. وقد شكا بعض من ابتاعوا صوره الأخيرة بأن هذه الصور أوفدت إليهم من قبل حتى تتم. وحتى إذا كان هذا سليماً فإنها كانت معجزات بحق. وأكبر الظن أنه ما من فنان غيره- إذا استثنينا رافائيل- كان له ما لتيشيان من يسر في أصول فنه، وسيطرة على اللون والهجريب، والضوء الساحر المبرقش. أما أخطاؤه فهي الأخطاء الناتجة من السرعة في التطبيق، ومن الإهمال في الرسم أحياناً وقد كانت الكثرة الغالبة من رسومه التخطيطية الأولى تجريبية؛ ولكنه كان إذا غنى بالتأني والتؤدة، يستطيع حتى يخرج عجائب مثل صورة ميدورووانجيلكا التي رسمها بالقلم والمحفوظة في متحف بنات Bonnat في بايون Bayonne. أما في الصور الملونة فقد كان لابد له ان يعمل مسرعاً. ذلك بأن من يجلسون أمامه ليصورهم كانوا منهمكين في العمل لا يصبرون على الجلسات الطويلة أوالكثيرة التي لابد منها لإتقان الصور؛ ومن أجل هذا كان يرسم رسماً تخطيطياً سريعاً، ثم يرسم منه الصورة الملونة، ولعله كان يضع في رأس نموذجه ووجهه أكثر مما فيه حقيقة. أما في الصور التي كان يرسمها لغير الأحياء فكان يبرز الملامح أكثر مما ينبغي، وقلما كان يتعمق إلى الجوهر الروحي، ولهذا فإنه لم يصل في عمق النظرة النافذة ولا في الشعور إلى مثل ما وصل إليه ليوناردوأوميكل أنجيلو، ولكن ما أصح وأسلم فنه إذا قورن بفنهما! فلسنا نرى فيه انهماكاً في التفكير الداخلي يفسده، كما لا نرى فيه ثورة عارمة على طبيعة العالم والإنسان. لقد قبل تيشيان العالم بالصورة التي رآه عليها، وأخذ الرجال كما وجدهم، والنساء كما وجدهن، واستمتع بكل أولئك. وكان وثنياً صريحاً، يتأمل بابتهاج بناء جسم المرأة طوال سنيه التسعين؛ وحتى عذاراه سليمات الأجسام سعيدات صالحات للزواج؛ وقلما كان لما في الحياة من فقر، وحزن، واضطراب مكان في فن تيشيان، بل جميع ما فيه جمال وبهجة إذا استثنينا قليلا من صور الشهداء والمسيح المصلوب.

وتقدمت به السن وهويواصل عمله في الرسم، وعاش ربع قرن بعد أجل الناس المعتاد؛ وسافر إلى بريشيا وهوفي الثامنة والثمانين من عمره، وقبل فيها مهمة شاقة هي نقش سقف قصر البلدية. ولما زاره فاساري وهوفي سن التسعين وجده يعمل وفرشاته في يده. ورسم وهوفي الواحدة والتسعين من عمره صورة لياقوبودا استرادا Jacopo da Strada (توجد الآن في فينا) متلألئة الألوان قوية تكشف عن خلق الرجل. ولكن يده أخذت في آخر الأمر ترتعش، وضعفت عيناه، وأحس حتى قد آن أوان التقى والصلاح. ورضى في عام 1576 وهوفي التاسعة والتسعين من العمر حتى يرسم صورة دفن المسيح لتوضع في كنيسة فيرارى Frari بدلاً من مدفن فيها، كانت له في صورتان من أعظم صوره. غير أنه لم يتم الصورة وتوفي وقد نقصت سنه سنة واحدة عن قرن كامل. وانتشر في ذلك العام وباء الطاعون في البندقية، وكان يودي جميع يوم بحياة مائتين من أهلها، وهلك به ربع سكان المدينة. ومات تيشيان نفسه في أثناء الوباء، وأكبر الظن أنه لم يمت به، بل توفي بضعف الشيخوخة (26 أغسطس سنة 1576). وألغت الحكومة أوامرها التي تحرم الاجتماعات العامة لكي تكون له جنازة سمية، ودفن في كنيسة سانتا ماريا جلوريوزا ده فيراري Santa Maria Gloriosa de Frari تطبيقا لرغبته. وكان موته خاتمة حياة عظيمة وعصر عجيب.


السنوات الأخيرة

The Death of Actaeon. In Titian's later works, the forms lose their solidity and melt into the lush texture of shady, shimmering colors and unsettling atmospheric effects. In addition to energetic brushwork, Titian was said to put paint on with his fingers toward the completion of a painting.

العائلة

The Allegory of Age Governed by Prudence (c. 1565–1570) is thought to depict Titian, his son Orazio, and a young cousin, Marco Vecellio.


العصر الحديث

The Flaying of Marsyas, little known until recent decades, Gallery in Kroměříž - Czech Republic


أعماله

The Rape of Europa (1562) is a bold diagonal composition which was admired and copied by Rubens. In contrast to the clarity of Titian's early works, it is almost baroque in its blurred lines, swirling colors, and vibrant brushstrokes.

من أبرز أعماله:

  • الحب المقدس والحب المدنس،
  • حمل السيدة مريم (1518، البندقية)،
  • فينوس أوربينو(1518-1519 م)،
  • عملية الدفن -السيد المسيح- (1523-1525 م، متحف اللوفر، باريس)،
  • الحورية والراعي (ح. 1570 م، فيينا)،
  • بييتا -صورة للسيدة العذراء تنتحِب فوق جسد المسيح- (البندقية).


انظر أيضا

  • قائمة أعمال تيتان

الهوامش

المصادر

ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

  • Jaffé, David (ed), Titian, The National Gallery Company/Yale, London 2003, ISBN 1 857099036
  • Gould, Cecil, The Sixteenth Century Italian Schools, National Gallery Catalogues, London 1975, ISBN 0947645225
  • Landau, David, in Jane Martineau (ed), The Genius of Venice, 1500-1600, 1983, Royal Academy of Arts, London.
  • Penny, Nicholas, National Gallery Catalogues (new series): The Sixteenth Century Italian Paintings, Volume II, Venice 1540-1600, 2008, National Gallery Publications Ltd, ISBN 1857099133
  • Ridolfi, Carlo (1594–1658); The Life of Titian, translated by Julia Conaway Bondanella and Peter E. Bondanella, Penn State Press, 1996, ISBN 0271016272, 9780271016276 Google Books

وصلات خارجية

  • A closer Look at the Madonna of the Rabbit multimedia feature, Musée du Louvre official site (English version)
  • The Titian Foundation Images of 168 paintings by the artist.
  • Titian's paintings
  • Titian's Pieta at arthistorylessons.net
  • Tiziano Vecellio at Web Gallery of Art
  • Christies' sale blurb for the recently restored 'Mother and Child'
  • Bell, Malcolm , at Internet Archive
  • Titian at Panopticon Virtual Art Gallery
  • How to Paint Like Titian James Fenton essay on Titian from The New York Review of Books

نطقب:Titian

فنانون من عصر النهضة
تيتيان | رفائيلوسانزيو | بوتيتشيلي | ليوناردودا فنتشي | مايكل آنجلو | يان فان آيك | ألبرخت دورر | جيوفاني أنطونيوكانال | كارافاجيو


تاريخ النشر: 2020-06-04 20:42:38
التصنيفات: Articles which use infobox templates with no data rows, Articles with hCards, No local image but image on Wikidata, Pages using infobox artist with unknown parameters, Pages with citations using unsupported parameters, تيتان, مواليد عقد 1480, وفيات 1576, People from Pieve di Cadore, رسامون إيطاليون, رومان كاثوليك إيطاليون, Knights of the Golden Spur, رسامون بنادقة, رسامو النهضة, رسامو الكنيسة الكاثوليكية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

عنابة: توقيف 5 أشخاص وحجز 792 لتر من الزيت المدعم بالبوني

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:45
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

المغرب أول بلد يوقع شراكة خضراء مع الاتحاد الأوروبي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:25:22
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 62%

يد برشلونة تكتسح منيستروس في سوبر جلوب

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:52
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

“الأبقار” تتجول في عين خروف

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:06
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 58%

دراسة: التفكير لساعات يصيب بالإرهاق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:23:51
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 60%

شروط احتضان الأيتام تقلص نسبة إعادة الأطفال إلى الصفر السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:23:50
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

رفع 34 ألف م3 من الأنقاض في حاضرة الدمام

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 54%

تطبيق على الهواتف الذكيّة للتجسّس وانتهاك حرمة الجزائريين

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:01
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

برج بوعريريج: قاصر يستولي على سيارة ويتنقل بها عبر الطريق السيار

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:37
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 60%

 معالجة أزيد من 70 جريمة إلكترونيّة منذ مطلع السّنة في عنابة

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:23:59
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

تطبيق الإجراءات النظامية بحق 13 شخصًا لارتكابهم مخالفات رعي /عاجل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:42
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 54%

تسجيل أكثر من 93 مخالفة بالمضاربة غير الشرعية منذ بداية السنة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:22
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

الصومال تعلن مقتل 7 مدنيين في انفجار لغم أرضي

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:51
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

النساء يتصدرن إصابات فاشيات الأمراض السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:23:51
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 63%

“جاء الماء نوض تعمر”

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:09
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 69%

33% من المستهلكين ينوون الاستفادة من تخفيضات الجمعة البيضاء

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-18 18:24:54
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 55%

تحميل تطبيق المنصة العربية