يوسف الثاني، الامبراطور الروماني المقدس

عودة للموسوعة

يوسف الثاني، الامبراطور الروماني المقدس

يوسف الثاني
Joseph II
ملك الرومان (ملك في ألمانيا)
الحكم 27 March 1764 - 20 فبراير 1790
التتويج 3 أبريل 1764, Frankfurt
سبقه فرانسيس الأول
تبعه ليوپولد الثاني
الامبراطور الروماني المقدس
الحكم 18 Aug 1765 - 20 February 1790
سبقه فرانسيس الأول
تبعه ليوپولد الثاني
ملك المجر وكرواتيا
ملك بوهيميا
أرشدوق النمسا
الحكم 1780 - 1790
(حاكم مشارك منذ 1765)
سبقه ماريا تريزا
تبعه ليوپولد الثاني
الزوج Isabella of Parma
Maria Josepha of Bavaria
الأنجال Archduchess Maria Theresa

Archduchess Maria Christina

الاسم الكامل
Joseph Benedikt August Johannes Anton Michael Adam
البيت الملكي House of Habsburg-Lorraine
الأب فرانز الأول، الامبراطور الروماني المقدس
الأم ماريا تريزا من النمسا
الدفن Imperial Crypt


الوريث والحاكم المشارك

ظلت ماريا تريزا فترة محطمة الجسد والعقل بعد موت الإمبراطور فرانز الأول (18 أغسطس 1765). وشاركت خليلته الحزن عليه، ونطقت لها: "يا عزيزتي الأميرة؛ لقد فقدت كلتانا الكثير".(30) وقصت شعرها، وتصدقت بصيوان ثيابها، ونبذت جميع أنواع الخلي ولبست السواد إلى يوم مماتها. وسلمت شؤون الحكم ليوزف ورددت حديث الاعتكاف في أحد الأديرة. على أنها عادت إلى الحياة العامة لخشيتها من حتىقد يكون وريثها الطائش غير كفء للحكم؛ ثم سقطت في 17 نوفمبر إعلاناً رسمياً بالمشاركة في الحكم. واحتفظت بالسلطة العليا في الشؤون الداخلية للنمسا والمجر وبوهيميا؛ أما يوزف فتقرر باعتباره إمبراطوراً حتى يناط به الشؤون الخارجية الجيش؛ ثم الإدارة والمالية بسلطة أقل؛ ولكنه في الشؤون الخارجية قبل إرشاد، كاونتز، وفي جميع الميادين خضعت قراراته لمراجعة الإمبراطورة. وقد خفف احترامه وحبه لأنه من حدة شغفه بالسلطة. فلما أشرفت على الموت تقريباً بالجدري في 1767 لزم سريرها إلا نادراً؛ وأذهل الحاشية بعمق قلقه وحزنه. وأخيراً أقنعت هذه الهجمات الثلاث التي أصاب بها السقم الأسرة المالكة الأطباء النمساويين بإدخال التطعيم ضد الجدري.

وأقلق الابن النحب أمه بإلحاح أفكاره المطالبة بالإصلاح. ففي نوفمبر 1765 أوفد إلى مجلس الدولة مذكرة لابد أنها أفزعت قراءها: "رغبة في الاحتفاظ بالمزيد من كفاءة الرجال القادرين على خدمة الدولة سأصدر أمراً-مهماً نطق البابا وجمع الرهبان في العالم-يحرم انقطاع أي من رعاياي للعمل الكنسي قبل...سن الخامسة والعشرين. فالعواقب والوخيمة-للجنسين-التي كثيراً ما تنجم عن النذور المبكرة خليق بها حتى تقنعنا بنفع هذه الترتيب، فضلاً عن المبررات المتصلة بالدولة.

"وينبغي حتىقد يكون التسامح الديني والرقابة المعتدلة على المطبوعات، والكف عن المحاكمة على الأخلاق وعلى التجسس في خصائص الناس-ينبغي حتىقد يكون هذا كله من مبادئ الحكم الأساسية. إذا الدين والأخلاق هما ولا شك من بين أهداف الملك الرئيسية". ولكن غيرته يجب ألا تتجاوز الحد إلى عقاب الأجانب وتحويلهم عن دينهم. فالعنف لا جدوى منه في مسائل الدين والأخلاق؛ إنما الحاجة إلى الإقناع. أما عن الرقابة فينبغي حتى نكون شديدي التنبه لما يخط ويباع ولكن تفتيش جيوب الناس وحقائبهم ولا سيما الأجانب إجراء متطرف في الغيرة.ومن اليسير حتى نثبت حتى جميع كتاب محرم يوجد الآن في فيينا رغم الرقابة الصارمة على المطبوعات الآن، وفي وسع أي إنسان حتى يغريه هذا التحريم حتى يشتريه بمثلي ثمنه.. "ويجب دفع الصناعة والتجارة قدماً بحظر جميع البضائع الأجنبية فيما عدا التوابل، وبإلغاؤ الاحتكارات، وإنشاء مدارس تجارية، وبالقضاء على الوهم الذي يزعم حتى الاشتغال بالتجارة لا يتفق مع النبالة. وينبغي تقرير حرية الزواج، حتى ما ندعوه الآن بالزواج غير المتكافئ. فلا القانون إلهي ولا الطبيعي يحرمه، فالتحيز وحده هوالذي يوهمنا بأنني أعظم قدراً لأن حدي كان كونتاً، أولأنني أملك رقاً سقط عليه شارل الخامس. أننا لا نرث من آبائنا غير الوجود البدني، إذن فالملك أوالكونت أوالبرجوازي أوالفلاح كلهم سواء(31)".

ولابد حتى ماريا تريزا ومستشاريها قد شموا ريح فولتير أو"الموسوعة" في هذه المقترحات. وكان على الإمبراطور الشاب حتى يسير الهوينا، ولكنه تقدم. فنقل إلى الخزانة عشرين مليون جولدن-نقداً وسندات وأملاكاً-خلفها له أبوه يف وصيته، ثم غير الدين القومي بفائدة أربعة في المائة بدلاً من ستة. وباع أراضي الصيد والقنص التي كانت للإمبراطور المتوفى، وأمر بذبح الخنازير البرية التي كانت هدفاً وأداة تدمير لمحاصيل الفلاحين. وفتح البراتر وغيره من البساتين للشعب رغم احتجاجات النبلاء ولكن بموافقة أمه(32).

وفي 1769 صدم الإمبراطور والبلاط بذهابه إلى نايسي في سيليزيا وقضائه ثلاثة أعوام أيام (25-27 أغسطس) في مناقشات ودية مع فردريك الأكبر أعدى أعداء النمسا. وكان قد أخذ عن ملك بروسيا فكرة الملك "الخادم الأول للدولة". وأعجب بإخضاع فردريك الكنيسة للدولة، والتسامح مع شتى المذاهب والديانات، وحسد بروسيا على تنظيمها العسكري وإصلاح شرائعها. وقد شعر كلا الرجلين حتى الوقت حان لإغراق خلافتهما في اتفاق وقائي ضد روسيا الصاعدة. وخط يوزف لأمه يقول "بعد العشاء...دخنا ودار حديثنا حول فولتير(33)" ولم يكن الملك البالغ من العمر آنئذ سبعة وخمسين عاماً فكرة طيبة عن الإمبراطور ذي الثمانية والعشرين. خط يقول "لقد اتخذ الملك الشاب مظهر الصراحة الذي ناسبه تماماً...أنه رغب في حتى يتفهم، ولكنه لم يؤت من الصبر ما يتيح له حتى يفهم نفسه، ومنصبه الرفيع يجعله سطحياً والطمع الذي لا حد له ينهش قلبه..وله من الذوق ما يكفي لقراءة فولتير وتقدير مزاياه(34).

وقد حمل المنذر بالخطر، الذي حققته كاترين الثانية في روسيا، كاونتز على ترتيب اجتماع ثانٍ مع فردريك. والتقى الملك والإمبراطور والأمير في تويشتات بمورافيا في 3-7 سبتمبر 1770. ولابد حتى يوزف تطور تطوراً كبيراً خلال ذلك العام، لأن فردريك خط الآن إلى فولتير يقول "أن الإمبراطور الذي نشئ في بلاط متعصب قد نبذ الخرافة، واتخذ العادات البسيطة رغم أنه ربي في جوف مترف، وهومتواضع رغم ما يحرق له من بخور، وهومع شوقه للعظمة والمجد يضحي بأطماعه في سبيل واجبه البنوي(35).

وكان هذان اللقاءان جزءاً من تربية يوزف السياسية. وقد أضاف إليها بزيارة ممتلكاته وفحصه مشكلاتها وإمكاناتها بنفسه. ولم يزرها بوصفه إمبراطور بل سافر مثل عامة الناس يركب جواداً. وتجنب المراسم ونزل في الفنادق بدلاً من قصور الريف. وحين زار المجر في 1764 و1768 لاحظ فقر الأقنان المدقع وصعق حين رأى في أحد الحقول جثث أطفال ماتوا جوعاً. وفي 1771-72 رأى مثل ه1ا في بوهيميا ومورافيا وكان حيثما مضى يسمع أنباء أويشهد الأدلة على خشية الإقطاعيين وجوع الأقنان. وخط يقول "إن الموقف الداخلي لا يصدق ولا يوصف، أنه يفطر القلوب(36)". فلما عاد إلى فيينا سخط على التحسينات التافهة التي ينويها مستشاروالإمبراطورة فنطق "إن الإصلاحات الصغيرة لن تجدي قتيلاً، إذ لابد من تغيير في الكل". واقترح البدء بالاستيلاء على بعض الأرضي الكنسية في بوهيميا ليبني فوقها مدارس وملاجئ ومستشفيات. وبعد نقاش طويل اقنع المجلس بأن يصدر (1774) قانوناً ميسراً يقلل وينظم حجم تشغيل اٌنان (الذي كان البوهيميون يسمونه روبوتا) الواجب عليهم للسيد الإقطاعي وقاوم إقطاعيوبوهيميا والمجر، وهب الأقنان البوهيميون في ثورة غير منظمة، فأخضعتهم قوات الجيش. ولامت ماريا تريزا ابنها على هذه الضجة الكبرى فخطت لعاملها في باريس مرسي دارجنتو:

"إن الإمبراطور الذي يسرف في شعبيته قد أفرط في الحديث خلال لرحلاته المتنوعة...حول الحرية الدينية وتحرير الفلاحين. وقد أحدث هذا كله الاضطراب في جميع ولايتنا الألمانية...فليس الفلاح البوهيمي وحده هوالذي يخشى منه، بل المورافي والستيري والنمساوي أيضاً، لا بل أنهم في قسمنا يجرءون على التمادي في أشد الوقاحات(37)".

وزاد توتر العلاقات بين الابن والأم (1772) حين انظم يوزف إلى فردريك وكاترين الثانية في التقسيم الأول لبولندا. فاحتجت على اغتصاب أمة صديقة وكاثوليكية. وبكت حين أقنعها يوزف وكاونتز بعد إلحاح بإضافة توقيعها إلى الاتفاق الذي منح شطراً من بولندا للنمسا. وقد علق فردريك بخبث "أنها تبكي، ولكنها تأخذ(38)". على أنها كانت مخلصة في أسفها كما نرى من خطابها لولدها فرديناند "كم من مرة جاهدت لأتجنب اشتراكي في عمل يلوث ملكي كله،يا ترى؟ ليت الله يمنحني الإعفاء من تبعته في عالم آخر. إنه يثقل قلبي ويعذب ذهني، ويشيع المرارة في أيامي.

وقد تأملت خلق ولدها في خوف ومحبة. "إنه يحب الاحترام والطاعة،،ويرى المعارضة شيئاً كريهاً لا يكاد يحتمل...وكثيراً ماقد يكون غير مراع لشعور الآخرين... وحيويته الكبيرة المتزايدة تفضي إلى رغبة عاتية في حتى ينال ما يريد بكل دقائقه... حتى لولدي قلباً طيباً. ومرة أنبته بمرارة:

"حين أموت أخادع نفسي بأنني سأظل حية في قلبك، بحيث لا تخسر الأسرة والدولة بموتي...أن تقليدك (لفردريك) ليس بالأمر السار. فهذا البطل... هذا الفاتح-أله صديق واحد؟...أية حياة هذه التي تنعدم فيها الإنسانية. أياً كانت مواهبك فليس حتى تكون جربت جميع شيء. حذار من الوقوع في خطيئة الحقد،يا ترى؟ إذا قلبك ليس شريراً إلى الآن، ولكنه سيكون كذلك. لقد حان الوقت للكف عن التلذذ بكل هذه الملاحظات الظريفة، هذه الأحاديث الذكية البارعة التي لا هدف لها إلا السخرية من الغير...إنك عابث تتظاهر وأنت في الواقع لست إلا مقلداً عديم التفكير حين تحسب نفسك مفكراً مستقلاً".

وكشف يوزف عن جانبه من الموقف في خطاب إلى ليوبولد:

"لقد بلغت شكوكنا وعدم ثقتنا هنا قمة لا تستطيع تخيلها. فالواجبات تتراكم جميع يوم ولا شيء يعمل. وأنا أكدح جميع يوم حتى الخامسة أوالسادسة لا يتخلل ذلك غير ربع ساعة أتناول فيها الطعام وحيداً، ومع ذلك لا شيء يحدث. فإن أسباباً تافهة، ودسائس طالما كنت ضحيتها تسد الطريق، وكل شيء أثناء ذلك يمضى إلى الشيطان. أنني أهديك منصبي بوصفي الابن البكر(41)".

وقد احتقر الرجال الذين شاخوا في خدمة أمة. ولم يؤيده غير كاونتز، ولكن في حذر يغيظه.

وأما الإمبراطورة المسنة فقد استمعت إلى أفكار ابنها الثورية في ذعر. وصارحته برأيها: "إن أبرز مبادئك السياسية هي: 1- إطلاق الحرية في ممارسة الدين، وهوما لا يستطيع ملك أوأمير كاثوليكي السماح به دون حتى يتحمل تبعة ثقيلة. 2- القضاء على طبقة النبلاء القنية... 3- الدفاع عن الحرية في جميع شيء وهومبدأ يتردد كثيراً جداً...أنني بلغت من الشيخوخة حداً لا يستطيع معه تقبل أفكار كهذه، وأسأل الله ألا يجربها خلفي أبداً. حتى التسامح الديني، وعدم الاكتراث واللامبالاة هما بالضبط يكبح الجماح،يا ترى؟ لا ضابط ولا المشنقة ولا دولاب التعذيب.. إنني أتحدث سياسياً لا كمسيحية. فما من شيء ألزم وأنفع من الدين. أتريد السماح لكل إنسان بأن يسلك على هواه،يا ترى؟ وإذا لم يكن هناك عادة ثابتة، وخضوع للكنيسة، فأين ترانا نكون،يا ترى؟ ستكون النتيجة قانون القوة...ليس لي من أمنية إلا حتى أستطيع حين أموت الانضمام إلى أسلافي متعرية بأن ابني سيكون عظيماً تقياً كأجداده، وأنه سيقلع عن حججه الباطلة، وعن الخط الشريرة، وعن الاتصال بأولئك الذين أغووا روحه على حساب جميع شيء ثمين مقدس، لا لشيء إلا لإقامة حرية موهوبة لا يمكن..أن تفضي لغير الخراب الكامل".

ولكن إذا كان ثمة شيء يتوق إليه يوزف فهوحرية الدين. من الممكن لم يكن ملحداً كما خاله بعضهم، ولكنه كان قد تأثر تأثيراً عميقاً بأدب فرنسا. وكانت جماعة من رجال الفكر النمساويين وقد ألفت عملاً في 1772 حزب التنوير. وفي 1772 نشر جورجي بيسينيي المجري في فيينا مسرحية تردد أفكار فولتير، وقد قبل الدخول في الكاثوليكية إرضاء لماريا تريزا، ولكنه ارتد إلى العقلانية بعد موتها(45). ولا ريب حتى يوزف كان على فهم بهذا الكتاب المشهور المسمى "الوضع الكنسي والقانوني لبابا روما" (1763)، الذي أكد فيه أسقف كاثوليكي بارز تخفى تحت اسم ڤرونيوس، من حديث سموالمجامع العامة على الباباوات، وحق جميع كنيسة قومية في حتى تحكم نفسها. ورأى الإمبراطور الشاب في ثروة الكنيسة النمساوية الموطدة الأركان عقبة كؤوداً في طريق التطور الاقتصادي، وفي سيطرة الكنيسة على التعليم، المعوق الأكبر لنضج العقل النمساوي. وفي يناير 1770 خط إلى شوازيل:

"أما عن خطتك للتخلص من اليسوعيين فأنا موافق عليها موافقة تامة...ولا تسرف في الاعتماد على أمي، فإن التعلق الوثيق باليسوعيين صفة موروثة في أسرة الهابسبورج...على حتى لك صديقاً في كاونتز، وهوينفذ ما يشاء من الإمبراطورة". ويبدوحتى يوزف استخدم نفوذه في روما ليوصل حدثنت الرابع عشر إلى المستوى النهائية، وقد أبهجه إلغاء البابا للطائفة 1773. ولوعهدت ماريا تريزا من خطابات ولدها مبلغ انحرافه إلى معسكر "الفلاسفة" لصعقت. لقد بذلت قصاراها لتمنع حل جمعية اليسوعيين، ولكن كاونتز أقنعها بالامتثال لرأي سائر الدول الكاثوليكية. خطت إلى صديقة لها تقول "إنني مغمورة يائسة لما أصاب اليسوعيين. لقد أحببتهم وأكرمتهم طوال حياتي، ولم أرَ قط فيهم غير جميع شيء بناء للروح". وقد عطلت تطبيق الأمر البابوي بتعيين لجنة لدراسة. وأتيح لليسوعيين النمساويين الوقت لنقل أموالهم ومقتنياتهم الغالية وأوراقهم من البلد. وصودرت أملاك اليسوعيين، ولكن الإمبراطورة حرصت على حتى يلتقي أعضاء الطائفة المعاشات والثياب وشتى العطايا.

ووسع اغتباط يوزف الواضح بحل جماعة اليسوعيين الهوة بين الأم وولدها. ففي ديسمبر 1773 انهار تحت وطأة التوتر وتوسل إليها حتى تعفيه من جميع مشاركة في شؤون الحكم. وأفزعها اقتراح مذهل كهذا، وخطت إليه نداء مؤثراً للمصالحة:

"يجب حتى أعترف بأن قدراتي، ووجهي، وسمعي، وحذقي-كلها تتدهور سريعاً وبأن الضعف الذي ارتعت منه طوال حياتي-وهوالتردد في اتخاذ القرارات-يرافقه الآن، تثبيط الهمة والافتقار إلى الخدام الأوفياء فالجفوة منك ومن كاونتز وموت مستشاري المخلصين، والمروق عن الدين، وتدهور الأخلاق، والرطانة التي تجري على جميع لسان، والتي لا أفهمها-كل هذا يكفي لسحقي. أنني أقدم لك تام ثقتي، وأسألك حتى تنبهني لأي خطأ ارتكبه..أعن أما...تعيش في وحدة، وسيقضي عليها حتى ترى جميع جهودها وأحزانها مضىت أدراج الرياح. قل لي ما ترغب أعمله لك".

ميدالية صكت في عهد يوسف الثاني، لتخلد منحه الحرية الدينية لليهود والپورتستانت.

وتصالح معها، ووافقت المرأة التي حاربت يوماً فردريك وأوقفت تقدمه، مؤقتاً على حتى تتعاون مع تلميذ فردريك المعجب به. واستخدما معاً ثروة اليسوعيين المصادرة في الإصلاح التعليمي. وفي 1774 أصدرا "نظاماً عاماً للتعليم" أحدث تنظيماً جديداً أساسياً للمدارس الابتدائية والثانوية. فوفرت مدارس متدرجة للتعليم الإلزامي لجميع الأطفال، وسمحت بدخول البروتستنت واليهود طلاباً ومفهمين، وقدمت لتلاميذها التعليم الديني في جميع دين، ولكنها وضعت الأشراف في أيدي موظفين حكوميين. وسرعان ما أصبحت مدارس الشعب Volkschulen هذه تعد خير المدارس في أوربا. وأنشئت مدارس لتدريب المفهمين، وتخصصت المدارس العليا Hauptschulen في العلوم والتكنولوجيا، وفهمت المدارس الثانوية Gymnasien اللاتينية والعلوم الإنسانية، وخصصت جامعة فيينا إلى حد كبير للقانون والعلوم السياسية والإدارة، وأدت وظيفة دار الحضانة لموظفي الدولة. واستبدل بإشراف الكنيسة على التعليم إشراف من الدولة لا يقل عنه صرامة ودقة.

واستمر التعاون بين الأم وولدها فألغى التعذيب (1776). ولكن الاتفاق بينهما حطمته أحداث السنة التالية. ذلك حتى يوزف كان بنوي منذ زمن زيارة باريس-لا ليرى "الفلاسفة" وسيدفئ في الصالونات، بل ليدرس موارد فرنسا جيشها وحكومتها، وليرى ماري أنطوانيت، وليقوي الروابط التي ربطت ربطاً واهياً جداً بين الأعداء القدامى في حلفهما الهش. فلما توفي لويس الخامس عشر، وبدا حتى فرنسا على شفا التمزق، خط يوزف إلى ليبوبولد يقول: "أنني قلق على أختي فسيكون عليها حتى تلعب دوراً شاقاً". ووصل باريس في 18 إبريل 1777، وحاول حتى يتكتم زيارته فتخفى تحت اسم الكونت فون فلكشتين وأشار على الملكة الشابة المرحة بأن تقلع عن الإسراف والطيش، وصبغ وجنتيها وشفتيها، وأصغت إليه في ضجر. وحاول ولكنه فشل في كسب لويس السادس عشر إلى حلف سري لكبح توسع روسيا. وتحرك بسرعة في أراتى العاصمة و"لم تمضِ أيام حتى عهد عنها أكثر مما سيعهد لويس السادس عشر طوال حياته". وزار الأوتيل ديوولم يخف دهشته لسوء الإدارة غير الإنسانية لذلك المستشفى. وفتن أهل باريس، وذعرت حاشية فرساي، حين وجدت أحمل ملوك أوربا يمشي في زي مواطن بسيط، يتحدث الفرنسية كأحد أبنائها. ويلتقي بجميع الطبقات دون تكلف. أما عن نجوم الأدب فقد التمس أولاً لقاء روسوويوفون. وحضر أمسية عند مدام نكير، والتقى بجبون، ومارمونتيل، والمركيزة دودفان، ومما يشرفه حتى رباطة جأشها وشهرتها أربكتاه أكثر مما أربكها مقامه الرفيع، فالعمى يسوي بين الناس لأن الشالات يتكون نصفها من الثياب. وحضر جلسة لبرلمان باريس وأخرى للأكاديمية الفرنسية. وأحس الفلاسفة أنهم وجدوا في النهاية الحاكم المستنير الذي تطلعوا إليه أداة لثورة سليمة. وبعد حتى قضى يوزف شهراً في باريس هجرها في جولة بالأنطقيم فسافر شمالاً إلى نورمندية، ثم على الساحل الغربي إلى بايون، ثم تولوز، فمونيليه فمرسليا، ثم صعد مع الرين إلى ليون وشرق إلى جنيف. ومر بفرنيه دون حتى يزور فولتير، إذ لم يشأ حتى يغضب أمه أويرتبط جهاراً برجل يخاله الشعب النمساوي والملك الفرنسي شيطاناً مجسماً. وكان حريصاً على استرضاء أمه، لأن عشرة آلاف مورافي هجروا الكثلكة في غيبته إلى الممضى البروتستنتي، وكان رد العمل من جانب ماريا تريزا-أومجلس الدولة-على هذه الكارثة اتخاذ إجراءات تذكرنا بغارات الفرسان على بيوت الهجونوت أيام لويس الرابع عشر. فقبض على زعماء الحركة وشتتت اجتماعات البروتستنت وجند المتحولون العنيدون في الجيش وفرضت عليهم الأشغال الشاقة وأوفدت نساؤهم إلى الملاجئ. فلما عاد يوزف إلى فيينا نطق لأمه محتجاً "أن السبيل لإعادة هؤلاء الناس إلى الكثلكة حتى تجعلي منهم جنوداً أوترسليهم إلى المناجم أوتستخدميهم في الأشغال العامة...يجب حتى أعرب صراحة...أن المسئول عن هذا الأمر، أيا كان، هوأحقر خدامك، وهولا يستحق مني غير الازدراء، لأنه أحمق وقصير النظر(53)". وأجابت الإمبراطورة بأنها ليست مصدرة هذه المراسيم بل مجلس الدولة، ولكنها لم تسحبها. واتى وفد من المورافيين البروتستنت للقاءة يوزف، فأمرت ماريا تريزا بالقبض على أفراده. وكانت الأزمة بين الأم وولدها تسير إلى طريق مسدود حتى أقنعها كاونتز بسحب المراسيم. فأوقفت الاضطهادات، وسمح لمعتنقي البروتستنتية بممارسة عبادته الجديدة شريطة حتىقد يكون ذلك في هدوء ببيوتهم. وتوقف صراع الجيلين برهة.

ثم استؤنفت لما توفي مكسمليان يوزف ناخب بافاريا في 30 ديسمبر 1777 دون حتى يعقب بعد حكم طويل رخي. وفي الصراع على وراثة دولته أيد يوزف الثاني ناخب بالاتين شارل (كارل) تيودور شريطة حتى ينزل للنمسا عن جزء من بافاريا، وأيد فردريك الأكبر شارل دوق تزافا يبروكن، وأعرب أنه سيقاوم أي محاولة من النمسا لتملك أرض بافارية. وحذرت الإمبراطورة ولدها من تحدي ملك بروسيا الذي لم يزل منيعاً لم يقهر بعد. ولكن يوزف تجاهل نصيحتها، وأيده كاونتز، وجردت قوة نمساوية على بافاريا. وأمر فردريك جيشه بدخول بوهيميا والاستيلاء على براغ ما لم يجل النمساويون عن بافاريا. وقاد يوزف جيشه الرئيسي ليدافع عن براغ، واقترب الجيشان العدوان، ولاح حتى حرباً نمساوية بروسية أخرى وشيكة على سفك دماء الأخوة. أما فردريك فقد تجنب خوض المعركة منتهكاً بذلك السوابق والتسقطات، واكتفى بإطلاق جنوده على المحاصيل البوهيمية ليأتوا عليها، وأما يوزف فقد تردد في الهجوم لفهمه بشهرة فردريك قائداً للجيوش. وكان يأمل حتى تخف فرنسا لنجدته، وأوفد على وجه السرعة نداءات لماري أنطوانيت. فأوفد له لويس السادس عشر خمسة عشر مليون جنيه، ولكنه لم يستطع حتى يعمل أكثر من هذا، لأن فرنسا كانت قد سقطت (6 فبراير 1778) حلفاً من المستعمرات الأمريكية الثائرة، وكان عليها حتى تعد نفسها لخوض حرب مع إنجلترا. وأقام يوزف في معسكره نهباً للغيظ والقلق بينما نهبته البواسير في الطرف الآخر.

وهنا قبضت ماريا تريزا على أزمة الأمور انتفاضة أخيرة من انتفاضات الإرادة، وأوفدت إلى فردريك عرضاً للصلح (12 يوليو) ووافق فردريك على للتفاوض، وأذعن يوزف لأمه، وتوسط لويس ملك فرنسا وكاترين قيصرة روسيا في النزاع. وانتهى الأمر بمعاهدة تشن (13 مايو1779) التي عزت بوزف بأربعة وثلاثين ميلاً مربعاً من بافاريا، ولكن شارل تيودور استأثر بكل ما بقي من تلك الإمارة الناخبة، إلى غير ذلك توحدت بافاريا وبالاتينات، واتفق على حتى تحصل بروسيا على بايرويت وانسباخ بعد موت حاكمها الأبتر. وادعى جميع فريق أنه المنتصر.

هذه الأزمة الثالثة بين فردريك المسن والإمبراطورة المسنة قضت عليها. وكانت لا تتجاوز الثالثة والستين عام 1780، ولكنها كانت بدينة مصابة بالربو، أضعف قلبها حربان وستة عشر حملاً فضلاً عن الهم المقيم.وفي نوفمبر حاصرها مطر غزير وهي راكبة عربة مكشوفة، فأصابها سعال خبيث، ولكنها أصرت على حتى تقضي الغد تعمل في مخطها. وقد نطقت مرة "إنني ألوم نفسي على الوقت الذي أنفقه في النوم"(54) وقضت أيام سقمها الأخيرة جالسة على كرسي إذ استحال عليها تقريباً حتى تتنفس وهي راقدة. واستدعى يوزف أخوته وأخواته إلى جوارها، وقام على رعايتها في محبة. وطلق الأطباء جميع أمل في شفائها فارتضت حتى تتناول الأسرار الأخيرة. وفي ساعاتها الأخيرة قامت وتعثرت من كرسيها إلى سريرها. وحاول يوزف حتى يريحها فنطق "إن جلالتك في سيئ". فأجابت "نعم، ولكنه وضع مناسب للموت فيه". وماتت في 29 نوفمبر 1780.


المستبد المستنير 1780 - 1790

بعد حتى حزن يوزف حزناً صادقاً على أم استوعب الآن مبلغ عظمتها، شعر بأنه حر في حتىقد يكون نفسه، وأن يبدأ بتطبيق أفكاره المتفتحة في الإصلاح. كان الحاكم المطلق للنمسا والمجر وبوهيميا والأراضي الواطئة الجنوبية، وكان أخوه ليوبولد مطيعاً له في تسكانيا، وأخته ماري أنطوانيت معينة له في فرنسا. وأحس إحساساً عميقاً بالفرص التي واتته في قمة حياته وذروة سلطته.

فأي رجل كان يومئذ،يا ترى؟ لقد بلغ الأربعين، ما زال في ربيع الحياة وكان وسيماً جداً حين يغطي رأسه الأصلع بباروكة. وقد وهب عقلاً يقظاً نشطاً نشاط شبه محموم، متمشياً مع جيله، ولكن هدأه شيئاً إلمامه بالتاريخ وخلق البشر. وكان دائم الإحساس بشح الوقت، لذلك لم يخطئ إلا بسبب التسرع والعجلة، وقلما أخطأ عن سوء قصد. وتروي القصص الكثيرة عن رفاهة حسه بخطوب غيره واستعداده لحمل المظالم التي يمكن حملها(55). وقد أباح للشعب الالتقاء به على قدر ما سمحت به واجباته. وكان يعيش عيشة البساطة ويرتدي من الثياب ما يرتديه أي جندي، ويتجنب الظهور في ثياب الملوك الفاخرة. وكان مبرأ كفردريك من مخاللة الخليللات، ولم يكن له "أصدقاء إغريق"، وكان عمله غرامه الذي استغرقه. وكان كفردريك يبذل من الجهد في عمله أكثر مما يبذل أي مساعد له. وكان قد أعد نفسه إعداداً صادقاً أميناً للقيام بتبعاته، فلم يسافر للمتعة والظهور، بل للملاحظة والدراسة وفحص صناعات الكثير من الأقطار وفنونها وبيوتها الخيرية ومستشفياتها ومحاكمها ومؤسساتها البحرية والحربية؛ ونظر بعينيه هوإلى شعوب مملكته وطبقاتها ومشكلاتها. فصحت نيته الآن، على قدر ما وسع رجلاً واحداً، على تحقيق أحلام الفلسفة. "ما دامت قد ارتقت العرش، ولبست أعظم تاج في العالم، فقد جعلت الفلسفة المشرع لإمبراطوريتي"(56) ونظر الفلاسفة في جميع أراتى أوربا إلى المغامرة الكبرى وكلهم تطلعات صادقة. وكانت أولى الصعوبات في طريقه حتى يجد الأعوان الذين يشاركونه حلمه. فأكثر الذين آلوا إليه بالوراثة كانوا من الطبقات العليا التي اختزلت إصلاحاته امتيازاتهم. لقد أيده كاونتز وفان شفيتن، وشجعه اثنان من المستشارين الخصوصيين-هما كوالتنبورج وجيلر-واثنان من أساتذة جامعة فيينا هما-مارتيني وزوننفيلس-، ولكن الأعوان الأدنى مرتبة من هؤلاء لمقد يكونوا سوى بيروقراطيين تجمدوا في المألوف من العادات، واستراحوا إلى الموروث من التنطقيد، وقاوموا التغيير تلقائياً. وراح يوزف في عجلة لا تسمح بالمجاملة يعامل هؤلاء الأعوان معاملة الخدم، ويربكهم بحشد من الأوامر، ويطلب إليهم إبلاغه عن أي خطأ جسيم يرتكبه مساعدوهم(57)، ويغرقهم بالاستبيانات ويطالبهم بجهد لا يفتر كجهده. ووعدهم هم وأراملهم بمعاشات يستحقونها بعد خدمة عشر سنين، فشكروه، وأنكروا أساليبه، وسدروا في كبريائهم. وأفضت ثقة يوزف بعدالة أهدافه إلى ضيقه بكل نقد أونقاش. وخط إلى شوازيل (الذي كان الآن ينعم بالتقاعد) "عش أسعد مما أستطيع إنني لم أكد أعهد السعادة، وسوف أشيخ قبل حتى أكمل الطريق الذي رسمته لنفسي"(58). ولكن أجله قصر عن حتى يدرك سن الشيخوخة.

وقد نبذ جميع تفكير في الديمقراطية، فقد أحس حتى أفراد شعبه غير مستعدين لإصدار الحكم الصائب في السياسة، وأنهم باستثناءات قليلة سيعتنقون أي آراء يتسلمونها من سادتهم أوكهنتهم. وحتى الملكية الدستورية بدت له غير مبشرة بخير؛ فبرلمان كالبرلمان الإنجليزي سيكون مجتمعاً مغلقاً من كبار ملاك الأرض والأساقفة الذين يتحدون أي تغيير جذري. وكان من المسلمات في رأي يوزف حتى الملكية المطلقة دون غيرها هي القادرة على تحطيم جدار العادات وكسر أغلال التعصب وحماية الضعفاء السذج من الأقوياء الماكرين.

ومن ثم تناول جميع معضلة بشخصه، وأصدر توجيهات نظمت جميع مناحي الحياة. ورغبة في تشجع الأمثال لأوامره أنشأ نظام جاسوسية أفسدت عليه حسناته. وكان من مقومات حكمه المطلق حتى يجند بالإلزام جيشاً دائماً كبيراً لا يعتمد على أمراء الإقليم، يغذيه بالتجنيد الإلزامي العام، ويخشنه بالتدريب البروسي. وراوده الأمل في حتى يقوى هذا الجيش من صوته في المسائل الدولية، وأن يلزم فردريك حدوده، وربما أعانه على التهام بافاريا وطرد الهجر من البلقان المجاورة (ولا عجب فقد كان في نفس فيلسوفنا شيء من شهوة التملك). ثم عين لجنة من الفقهاء لإصلاح القوانين وتنسيقها، وبعد حتى قضت اللجنة ست سنوات من العمل الشاق نشرت قانوناً مدنياً جديداً للإجراءات القضائية. فخففت العقوبات، وألغيت عقوبة الإعدام. (في إنجلترا المعاصرة كانت مائة جريمة لا تزال تعتبر من الجرائم الجسمية) ولم تعد الشعوذة ولا السحر ولا الارتداد جرائم يعاقب عليها القانون. وحرمت المبارزة؛ واعتبر قضاء المبارز على غريمه في مبارزة جريمة قتل. وجعل الزواج عقداً مدنياً، وأحل الزواج بين المسيحيين وغير المسيحيين، وقضى بإمكان الحصول على الطلاق من السلطة المدنية. أما القضاة فلا يعينون إلا بعد تريب خاص وبعد اجتيازهم امتحانات عسيرة، وألغى الكثير من المحاكم الكنسية. وتقررت مساواة جميع الأشخاص أمام القانون، وصعق النبلاء حين عرض أحد أفرادهم في المشهرة وحكم على آخر بكنس الشوارع. وألغيت القنية بسلسلة من المراسيم، 1781-85. وكفل للجميع حق تغيير المسكن أوالمهنة، وحق التملك، وحق الزواج بالرضى المتبادر، وأعد محامون خصوصيون لحماية الفلاحين في حرياتهم الجديدة. وفقد البارونات حق محاكمة مستأجريهم جنائياً، ولكن تحاشياً لضعف الإنتاج في ضياع البارونات، أجيز للسادة حتى يقتضوا أقنانهم السابقين بعض الخدمات المألوفة.

وشجع بوزف الصناعة الرأسمالية لاقتناعه بأن لوائح الطوائف الحرفية معطلة للتطور الاقتصادي، ولكنه عارض في الاستكثار من الآلات مخافة (أن تحرم الألوف من أرزاقهم)(59). وأعفى العمال الصناعيين من التجنيد، ولكنهم تذمروا من إنقاصه أيام العطلات المقدسة. ثم حمل من مقام التجار ورجال الصناعة والمصارف وخلع عليهم ألقاب الشرف وأسباب التكريم القومي. وألغى المكوس الداخلية أوخففها، ولكنه أبقى على الرسوم الحماية الجمركية المرتفعة على الواردات. وحمل رجال الصناعة الوطنيون الأسعار بعد حتى حصلوا على التحصن من المنافسة الأجنبية وانتخبوا السلع الرديئة(60). وساء بروسيا وسكسونيا وهجريا فرض هذه التعريفات فأوصدت أبوابها في وجه حاصلات الإمبراطورية. وفقد الألب والاودر والدانوب بعض تجارتها. وحاول يوزف حتى يزيد حركة التجارة البرية مع ثغور الأدرياتيكي بشق طريق حديث هوطريق يوزفينا الذي اخترق جبال الألب الكرنيوليه، وأسس شركة هند شرقية وراوده الأمل في تطوير التجارة مع الشرق وأفريقيا وأمريكا بطريق ثغري فيومي وتريسته الحرين. وفي 1784 أبرم معاهدة تجارية مع هجريا، ولكن بعد ثلاث سنوات أغلقت حربه مع هجريا منافذ الدانوب إلى البحر الأسود وأفلس تجار الدانوب الواحد تلوالآخر.

وتشجيعاً لتداول رأس المال ألغى من القوانين التحريم القديم للفائدة، وأحل القروض بفائدة 5% ورقى مصرفياً يهودياً إلى رتبة البارونية. وقدم القروض الحكومية والاحتكارات الموقوتة إلى المشروعات الجديدة. واقتبس فكرة الفزيوقراطيين في فرض ضريبة واحدة تقع على الأرض فقط، وتتفاوت حسب المسقط والخصوبة، ويؤديها ملاك الأرض كبارهم وصغارهم واقتضى المشروع مسح جميع أراضي الإمبراطورية، فتم هذا بنفقة بلغت 120.000.000 جولدن دفعها الملاك. وقضى القانون الجديد بأن يحتفظ الفلاح بسبعين في المائة من محصوله أودخله، ويعطي للدولة اثني عشر في المائة، ويقسم الباقي بين الفروض الإقطاعية والعشور الكنسية، وكان قبل ذلك يدفع للدولة أربعاً وثلاثين في المائة وللملك تسعاً وعشرين في المائة، وللكنسية عشرة في المائة، ولا يحتفظ لنفسه إلا بسبعة وعشرين في المائة(61). واحتج النبلاء بأن هذا التقسيم الجديد سيجلب عليهم الخراب، وفي المجر قاموا بثورة.

وزاد عدد سكان النمسا والمجر وبوهيميا من 187.700.000 في 1780 21.000.000 في 1790(62). وقرر محرر معاصر حتى الأكواخ المبنية بالآجر أخذت تحل محل الزرائب الريفية العتيقة، وأن الآجر يأخذ مكان الخشب في منازل المدن(63). وظل الفقر جاثماً على الصدور، ولكن مرسوماً إمبراطورياً صدر في 1781 أنشأ "مؤسسات للفقراء، يستطيع أي إنسان عاجز عن التكسب حتى يطالب بالمعونة منها دون حتى يريق ماء الوجه.

ومع حتى يوزف كان من الناحية الرسمية "نائب المسيح" والمدافع عن الكنسية المسيحية و"حامي فلسطين...والإيمان الكاثوليكي"، فقد شرع بمجرد تقليده زمام السلطة المطلقة في تقليص دور الكنيسة في أراضيه "المورثة"-أي النمسا والمجر وبوهيميا. ففي 12 أكتوبر 1781 أصدر مرسوم التسامح، وبمقتضاه تقررت حرية البروتستنت والروم الأرثوذكس في حتىقد يكون لهم معابدهم ومدارسهم واجتماعاتهم، وفي تملك الأملاك وامتهان المهن الراقية، وشغل المناصب السياسية والحربية. وحث الإمبراطور الشعب على تجنب جميع دواعي النزاع بسبب الخلافات الممضىية....ومعاملة من ينتمون لطائفة دينية أخرى بالود واللطف(64). وفي توجيه أصدره يوزف إلى فان زفيتن كشف في صراحة عن مصادر إلهامه: "إن التعصب قضي عليه في إمبراطوريتي التي قد يسعدها أنها لم تضح بأشخاص مثل كالاس وسرفن...أن التسامح هوثمرة انتشار التنوير (Les Iumieres) الذي شاع الآن في جميع أراتى أوربا. وهوقائم على الفلسفة، وعلى عظماء الرجال الذي أسسوها...إن الفلسفة دون غيرها هي التي يجب حتى تكون رائد الحكومات"(65). على أنه كان لهذا التسامح حدود كما كان في منطق فولتير "عن التسامح" (1763)، فقد نبه بعض المستشارين يوزف إلى حتى إزالة جميع الضوابط والقيود ستسفر عن نموالعقائد الجامحة نمواً مفرطاً، لا بل الإلحاد السافر، وأن هذا سيفضي إلى المذاهب المتناحرة والفوضى الاجتماعية وامتهان جميع سلطة فلما نما إليه حتى بضع مئات من البوهيميين جاهروا بالربوبية (1783) أمر بأن أي رجل يجهر بعقيدته هذه "يجب دون مزيد من التحقيق حتى يجلد أربعاً وعشرين جلدة على ردفيه بسوط من جلد ثم يصرف". وتكرر هذه العملية حدثا تجدد الجهر بهذه العقيدة(66). ورحل بعض الغلاة من الربوبيين إلى المستعمرات العسكرية. وسترى في مكان لاحق إلى أي حد بلغت جهود يوزف في تحرير اليهود.

وكان من نتائج مرسون التسامح الزيادة السريعة في عدد من جهروا بالبروتستنتية في المملكة، من 74.000 في 1781 إلى 157.000 في 1786. ونمت حرية الفكر، ولكنها ظلت محصورة في الدوائر الخاصة. أما الماسون الأحرار الذين رسخت أقدامهم في النمسا فقد نظموا في فيينا (1781) محفلاً أنظم إليه الكثير من المواطنين البارزين، وقد حماه الإمبراطور نفسه (رغم ربوبيته المفهومة ضمناً). نطق أحد أعضائه "كان هدف الجماعة إعمال حرية الضمير والفكر التي احتضنتها الحكومة هذا الاحتضان الموفق، ومكافحة الخرافة والتعصب في ...طوائف الرهبان التي هي أبرز سند لهذه الشرور(67), وتكاثرت المحافل الماسونية حتى بلغت ثمانية في فيينا وحدها، وأصبح من مجاراة العصر حتى ينتمي إنسان إليها، وارتدى الجنسان الشعارات الماسونية، وألف موتسارت الموسيقى للحفلات الماسونية. وبمضي الوقت اشتبه يوزف في اشتعال هذه المحافل بالتآمر السياسي. ففي 1785 أمر بأن تندمج محافل فيينا في محفلين فقط، ولم يسمح بأكثر من محفل واحد في عاصمة إقليمية.

وعين يوزف لجنة لتراجع قوانين الرقابة على المطبوعات. وفي 1782 نشر النتائج التي انتهت إليها في مدونة جديدة. فخطرت الخط التي دأبت على مهاجمة المسيحية أوالمحتومة على "عبارات لا أخلاقية وبذاءات قذرة"، ولكن حظرت أيضاً الخط "المحتومة على أخبار المعجزات والأشباح والرؤى الخرافية وما إلى ذلك مما قد يقضي بعامة الناس إلى الإيمان بالخزعبلات ويثير الاشمئزاز في نفوس الدارسين"(68). وسمح بالمطبوعات المحتومة على انتقادات أوهجائيات ساخرة حتى لوهاجمت الإمبراطور، شريطة حتى تحمل اسم المؤلف الحقيقي، وأن تخضع لقانون القذف. وأبيح للدارسين حتى يقرءوا في المخطات الخط المدرجة في فهرس الخط التي حرمتها الكنيسة الرومانية. وتعفى الخط الفهمية من الرقابة كلية، وكذلك الخط الثقافية، شريطة حتى تؤكد طابعها الثقافي سلطة معترف بها. وأبيح استيراد الخط المؤلفة بلغات خارجية وبيعت دون معوق. ووسعت الحرية الأكاديمية. فلما اتهم أربعة عشر طالباً بجامعة انزبروك مفهمهم أمام السلطان لأنه زعم حتى العالم أقدم من ستة آلاف سنة، حسم يوزف الأمر بهذه العبارة السريعة الموجزة "يجب حتى يطرد الطلاب الأربعة عشر، لأن أدمغة في فقر أدمغتهم لن تفيد من التعليم(69)". وأثارت النظم الجديدة الاحتجاجات الغاضبة من الكهنوت، فرد يوزف بإعطاء فيينا حرية النشر الكاملة (1787). وحتى قبل هذا التحرير أفاد ناشروفيينا من التراخي في تطبيق قانون 1782: فأغرقت النشرات والخط والمجلات النمسا بالفحش أوما يقرب من الفحش، وبكشف أسرار الراهبات، وبالهجمات على الكنيسة الكاثوليكية أوعلى المسيحية ذاتها.

وأحس يوزف حتى واجبه أيضاً حتى ينظم الشؤون الكنسية. ففي 29 نوفمبر 1781 أصدر مرسوماً أغلق عدداً كبيراً من أديرة الرهبان والراهبات التي "لا تدير مدارس ولا تعنى بسقمى ولا تشتغل بدراسات". فأغلق 413 بيتاً دينياً من 2163 بتاً دينياً في الأنطقيم الألمانية (النمسا وستيريا وكارنثيا وكارنيولا). وأفرج عن 27.000 من شاغليها البالغ عددهم 65.000 وقررت لهم معاشات، وأجرى مثل هذا الخفض في بوهيميا والمجر. نطق يوزف "أن المملكة أشد فقراً وتخلفاً من حتى تسمح لنفسها بترف الإنفاق على العاطلين(70)". أما ثورة هذه المؤسسات المنحلة-التي بلغت نحوستين مليون جولدن-فقد أعرب أنها ملك للشعب، وصادرتها الدولة.

وأعرب حتى الأديرة الباقية لا يجوز لها حتى ترث أملاكاً. أما طوائف الرهبان المتسولين فأمرت بأن تكف عن التسول ومنعت من قبول رهبان جدد. وألغيت جماعات الأخوان الدينية. وتقرر حتى تسجل جميع الممتلكات الكنسية لدى الحكومة، التي حرمت بيعها أوتبادلها.

ثم واصل يوزف جهوده ليخضع الأساقفة الكاثوليك لإشراف الدولة. فاشترط على الأساقفة الجدد حتى يقسموا يمين الطاعة للسلطات الفهمانية. وتقرر ألا تجار أي لائحة أومرسوم بابوي في النمسا إلا بإذن الحكومة. أما الأوامر البابوية الصادرة في 1362 و1713، التي دانت المهرطقين والجانسنيين فتهمل. على حتى يوزف نظم أبرشيات جديدة، وبنى الكنائس الجديدة، وقد الرواتب لإعانة طلاب القسوسة، وفتح مدارس لاهوتية جديدة ووضع لها برنامجاً يؤكد على العموم المعارف الفهمانية كاللاهوت والطقوس سواء بسواء.

وأثارت هذه القوانين الأكليروس في جميع أراتى أوربا. ورجا أحبار كثيرون يوزف حتى يلغي مراسيمه المعادية للأكليروس. فلما لم يلق إليهم بالا هددوه بالجحيم، فايتسم ومضى في طريقه. وأخيراً اتخذ البابا بيوس السادس بشخصه، وكان رجلاً وسيماً مثقفاً رقيقاً مغروراً، خطوة غير مألوفة، إذ غادر إيطاليا (27 فبراير 1782) وعبر الابنين والألب في الشتاء ووصل إلى فيينا (22 مارس) وقد عقد النية على الاتجاه براتى شخصي للإمبراطور، وكانت هذه أول مرة منذ 1414 تطأ فيها أقدام أحد الباباوات أرض ألمانيا. أما يوزف خرج من المدينة مع رفيقيه في الشكوكية كاونتز ليرافقا الحبر الأعظم إلى الأجنحة التي كانت تشغلها ماريا تريزا. وخلال إفاقة البابا كانت الجموع تحتشد جميع يوم تقريباً أمام القصر الملكي التماساً لبركته. وقد وصفهم بعد ذلك يوزف بهذه العبارات:

غصت جميع ممرات القصر وسلالمه بالناس، واستحال على الإنسان رغم مضاعفة عدد الحراس حتى يحمي نفسه من جميع الأمور التي أتوا بها إليه ليباركها: أوشحة كتفيه، ومسبحات، وصور، وكان يتجمع لنيل البركة التي يمنحها من الشرفة سبع مرات في اليوم حشد من الناس لا يمكن حتىقد يكون المرء فكرة عن ضخامته إلا إذا رآه. وليس من المبالغة القول أنه تجمع مرة ستون ألفاً على الأقل. وكان المنظر غاية في الجمال، فقد أقبل الفلاحون وزوجاتهم وأبنائهم من مناطق تبعد عشرين فرسخاً. وبالأمس ديست امرأة تحت نافذتي مباشرة(71).

وكان تأثر يوزف بمناشدات البابا البليغة أقل من تأثره بهذا الدليل على سلطان الدين على العقل البشري، ومع ذلك واصل إغلاق الأديرة "حينما كان بيوس في ضيافته(73)". وحذره البابا تحذير المتنبئ. أنك إذا مضيت في مشروعاتك المدمرة للإيمان وقوانين الكنيسة فإن يد الرب ستكون ثقيلة الوطأة عليك، وستعطلك في مسيرتك، وستحفر من تحتك هوة تبتلعك وأنت بعد في عنفوانك، وستضع حداً للملك الذي كان في وسعك حتى تجعله ملكاً عظيماً مجيداً(73). وبعد شهر من مسببات التكريم والإخفاق عاد بيوس حزيناً إلى روما. وعقب ذلك عين الإمبراطور رئيساً لأساقفة ميلان رجلاً يدعى فسكونتي غير مقبول من الإدارة البابوية، ورفض البابا حتى يصدق على التعيين، وأشرفت الكنيسة والإمبراطورية على القطيعة. ولم يكن يوزف مستعداً لمثل هذه المستوى العنيفة، فهرول إلى روما (ديسمبر 1782) وزاد بيوس وأعرب ولاءه للكنيسة وكسب موافقة البابا على تعيين الدولة للأساقفة-حتى في لمبارديه. وافترق الملك والحبر الأعظم على ود. ونثر يوزف ثلاثين ألف سكودي على جماهير روما، وهتف له القوم بصيحات الشكر "يحيا إمبراطورنا". فلما عاد إلى فيينا واصل حركته الإصلاحية الدينية القائمة على فرد واحد. وبعد حتى تحدى البابا كما تحداه لوثر (الذي يشبهه به الكثير من البروتستنت وهم معترفون بفضلهم)، وبعد حتى هاجم الأديرة كما هاجمها هنري الثاني، شرع مثل كلفن في تطهير الكنائس، فأمر بإزالة لوحات النذور ومعظم التماثيل، وبكف المصلين عن لمس الصور وتقبيل الرفاة وتوزيع التمائم...ونظم طول الخدمات الدينية وعددها، والملابس التي تغطي تماثيل العذراء، وطابع الموسيقى الكنسية، وتقرر حتى تتلى الابتهالات مستقبلاً بالألمانية لا باللاتينية، وأن تحصل رحلات الحج والمواكب الدينية على موافقة السلطات المدنية، وانتهى الأمر بعدم التصريح إلا بموكب واحد-لعيد القربان المقدس، وأحيط الشعب رسمياً بأنه لا داعي للركوع في الشوارع أمام أي موكب ديني حتى ولوحمل القربان المقدس، ويكفي في هذه المناسبات خلع القبعات. وأبلغ أساتذة الجامعات بأنه لا حاجة تدعوهم بعد اليوم إلى حتى يقسموا بأنهم يؤمنون بعقيدة حمل العذراء غير المدنس.

ولم يستطع أحد حتى يتشكك في إنسانية أهداف يوزف. فالثروة التي أخذها من الأديرة المستغنى عنها خصصها لإعانة المدارس والمستشفيات والمبرات، ولصرف معاشات الرهبان والراهبات الذين أخرجوا من أديرتهم، ولصرف إعانات إضافية لكهنة الأبرشيات الفقراء. وأصدر الإمبراطور سلسلة طويلة من الأوامر للنهوض بالتعليم، فكان على جميع الجماعات المحتوية على مائة طفل بلغوا سن الالتحاق بالمدارس حتى تمول مدارس أولية لهم. وتقرر حتىقد يكون التعليم الأولي إلزامياً وعاماً. ووفرة الأديرة أوالدولة مدارس للبنات وأعينت الجامعات في فيينا وبراغ ولمبرج وبست ولوفان، أما جامعات انزبروك وبرون وجراتز وفرايبورج فحولت إلى معاهد Lyc(es لتعليم الطب أوالقانون أولفنون العملية. وأنشئت مدارس للطب من بينها "اليوزفينوم" للطب والجراحة العسكريين. وأخذت فيينا تشق طريقها لتصبح من أرقى المراكز الطبية في العالم.


الإمبراطور والإمبراطورية

تضاعفت المصاعب في وجه مشروعات يوزف الثورية بسبب تنوع ملكه. لقد كان يعهد النمسا جيد الفهم، ولكنه لم يدرك رغم أسفاره الشاقة مبلغ تغلغل السادة المجريين في حياة أمتهم الاقتصادية والسياسية، ولا استوعب كيف من الممكن أن تستطيع وطنية الجماهير المجرية حتى تتغلب على المصالح الطبقية. ولقد رفض عند تقلده الملك حتى يتبع تقليداً جرى عليه السلف فيمضى إلى برسبورج ليتوج ملكاً على المجر، لأنه سيطالب في ذلك الحفل بأن يقسم يمين الولاء للدستور المجري الذي يكرس أنظمة المجتمع الاقتصادية. ثم أغضب جميع مجري حين أمر بنقل تاج القديس اسطفانوس حامي المجر من بودا إلى فيينا (1784). وكان قد أحل الألمانية لا المجرية محل اللاتينية لغة للقانون والتعليم في المجر. وأغضب رجال المال والأعمال المجريين حين عطلت رسومه الجمركية تصدير محاصيلهم إلى النمسا. ثم أنه صدم الكنيسة الكاثوليكية بتدخله في طقوسها التقليدية وبسماحه للجماعات البروتستنتية المجرية بالتكاثر من 272 إلى 758 في عام واحد (1783-84). وسقطت المجر في فوضى أصطرعت فيها الطبقات والقوميات واللغات والمذاهب. وفي 1784 قام فلاحوقلاشيا (بين الدانوب والألب الترنسلفانية) بثورة عنيفة ضد سادتهم الإقطاعيين، وأشعلوا النار في 182 قصراً ريفياً للأشراف وستين قرية، وقتلوا 4.000 مجري، وأعربوا أنهم يعملون هذا كله برضى الإمبراطور. وعطف يوزف على كرههم للظلم الطويل(75)، ولكنه كان يحاول إنهاء الإقطاع سلمياً بالتشريع، وما كان في وسعه حتى يسمح للفلاحين بتعجيل الأمور بالتحريق والتقتيل. وعليه فقد أوفد جنوده لقمع الثورة، وأعدم مائة وخمسون من زعماء الثورة، وهدأت الثورة. ولامه النبلاء على الثورة، ولامه الفلاحون على فشلها. وتهيأ المسرح لثورة قومية على الإمبراطور في 1787.

وفي نوفمبر1780 مضى يوزف بشخصه ليدرس مشكلات الأراضي الواطئة النمساوية. فزار تامور ومونز وكورتراي وابيير ودنكرك واوستنذ وبروج وغنت وأودنارد وأنتوب ومالين ولوفان بروكسل. وقام برحلة جانبية إلى الأراضي الواطئة المتحدة..إلى روتردام، ولاهاي ولايدن وهارلم وأمستردام وأوترخت وسبا (حيث تغذى مع الفيلسوف رينال). وقد راعه التناقض بين رخاء هولندا والركود النسبي في الاقتصاد البلجيكي. وعزا هذا إلى نشاط رجال الأعمال الهولنديين وفرصهم، وإلى إقفال نهر الشلت في وجه تجارة المحيط نتيجة لمعاهدة مونستر (1648) فعاد إلى بروكسل وعقد عدة اجتماعات لمحاولة تحسين التجارة والإدارة والمالية والقضاء. وفي يناير 1781 عين أخته ماريا كرستين وزوجها ألبرت دوق ساكستشن حاكمين على الأراضي الواطئة النمساوية.

وأدرك الآن لأول مرة مبلغ التضارب بين إصلاحاته والالتزامات الموروثة التي تمتعت بها الطبقات العليا في هذا البلد التاريخي. فكان إقليم من أنطقيمها مثلاً، وهوبرابانت، يملك مرسوماً للحريات يرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر ويعهد بـــ "المدخل البهيج". وكان يتسقط من جميع حاكم يدخل بروكسل حتى يقسم يمين الولاء لهذا المرسوم، واتى في إحدى مواده إنه لوانتهك الحاكم أي مادة منه كان لرعاياه الفلمنكيين الحق في حتى يمتنعوا عن أداء أي خدمة له وأن يرفضوا طاعته. وطالبت مادة أخرى الملك بأن يحافظ على الكنيسة الكاثوليكية، في جميع امتيازاتها وممتلكاتها وسلطاتها الراهنة، وأن يطبق جميع قرارات ترنت. وأشباه هذا الدستور كان يتعلق بها الأشراف والأكليروس في الأنطقيم الأخرى. وعقد يوزف النية على ألا يسمح لهذه التنطقيد بأن تتحدى إصلاحاته. وبعد حتى قام بزيارة قصيرة لباريس (يوليو1781) قفل إلى فيينا.

وفي نوفمبر بدأ يطبق مرسوم التسامح الديني على هذه الأنطقيم. فجعل الأديرة البلجيكية مستقلة عن البابا، وأغلق عدداً منها وصادر إيراداتها. واحتج أساقفة بروكسل وأنتورب ومالبن، ولكن يوزف واصل مسيرته ففرض على "بلجيكا" لوائحه الخاصة بلوحات النذور والمواكب والطقوس الدينية. ثم سحب من الأساقفة حقهم في الإشراف على المدارس قائلاً "إن أبناء لاوي (أي الكهنة) ينبغي حتى يكفوا عن احتكار عقول البشر"(76). ثم ألغى الامتيازات الخاصة التي طالما تمتعت بها جامعة لوفان. وأنشأ هناك مدرسة لاهوتية جديدة محررة من السيطرة الأسقفية، وأمر بأن يفهم فيها جميع طالب بلجيكي القسوسية خمس سنين(77). وإذ كان تواقاً إلى تحسين حكومة الأنطقيم، فقد أستبدل بالمجالس الإقليمية والمجالس الخاصة الأرستقراطية القديمة (يناير 1787) مجلساً واحداً للإدارة العامة يرأسه مفوض يعينه الإمبراطور، ثم أحل هيئة قضائية موحدة فهمانية محل المحاكم القائمة إذ ذاك، من إقطاعية وإقليمية وكنسية. وأعرب حتى جميع الأشخاص أياً كانت طبقتهم سواسية أما القانون.

وأنظم الأشراف وكثير من البرجوازيين إلى الأكليروس في مقاومة هذه القوانين. ولم يلطف من أعدائهم تلك الجهود العقيمة التي بذلها يوزف بإعادة فتح الشلت أما تجارة المحيط، فقد رفضت هولندا الإذن بها، وشاركتها الرفض فرنسا رغم توسلات ماري أنطوانيت. وف يناير 1787 أخطر مجلس برابانت يوزف بأن لا سبيل إلى إحداث تغييرات في دستور الإقليم القائم إلا بموافقة المجلس، ومعنى ذلك في الواقع أنهم أبلغوه حتى حكمه للأراضي الواطئة النمساوية يجب حتىقد يكون ملكية دستورية لا مطلقة. وتجاهل هوالإعلان، وأمر بتطبيق مراسيمه. ورفض المجلس الموافقة على الضرائب ما لم تلقَ اعتراضاتهم الاهتمام. ثم تفجر الهياج في عنف اتسع نطاقه بحيث اضطرت ماريا كرستينا إلى الوعد بإلغاء الإصلاحات البغيضة (31 مايو1787). أين كان الإمبراطور خلال هذا الجوالهائج المائج،يا ترى؟

كان يغزل كاترين الثانية دبلوماسياً، مؤمناً بأن التحالف مع روسيا سيعزل بروسيا ويشد أزر النمسا في حربها مع الهجر. وكان يوزف حتى قبل موت أمه قد زار القيصرة في موجيليف (7 يونيو1780) ومن هناك مضى إلى موسكووسانت بطرسبوج. وفي مايو1781 سقطت النمسا وروسيا تحالفاً تعهد فيه الطرفان بأن يخف الواحد لنجدة الآخر إذا هوجم.

فلما خيل إليه حتى هذا الاتفاق سيشل حركة الملك السبعيني فردريك، عاد من حديث (1784) يعرض الأراضي الواطئة النمساوية على الأمير الناخب شارل تيودور بديلاً عن بافاريا. وكان العرض مغرياً للأمير، ولكن فردريك استنفر جميع طاقاته ليفسد هذه الخطة. فحرك ثورة على الإمبراطور في المجر وبلجيكا، وحرض دوق تزفايبروكن-الوريث لعرش بافاريا-على مقاومة هذا البدل، وبعث عملاءه ليقنعوا الأمراء الألمان بأن استقلالهم يتهدده التوسع النمساوي. وأفلح في حتى ينظم (23 يوليو1785) بروسيا وسكسونيا وهانوفر وبرونزيك وماينز وهسي كاسل وبادن وساكسي فيمار وجوتا ومكلنبورج وأنزباخ وانهالت في حلف أمراء Furstenbund تعهدوا فيه بمقاومة أي توسع للنمسا على حساب أي دولة ألمانية. واستنجد يوزف ثانية بشقيقته في فرساي، واعترف يوزف بهزيمته أمام الثعلب العجوز الذي كان يوماً ما معبود شبابه. ولما تلقى في أغسطس 1786 نبأ موت فردريك أعرب عن أسف مضاعف: "بوصفي جندياً يؤسفني رحيل رجل عظيم كان صانع جيل في فنون الحرب، وبصفتي مواطناً يؤسفني حتى موته تأخر ثلاثين عاماً"(78). أصبح الآن أمل الإمبراطور الوحيد في توسيع ملكه معقوداُ على الإنضمام إلى كاترين في حملة لتقسيم أملاك هجريا الأوربية في ما بينهما. فلما خرجت قيصرة الروسيا في يناير 1787 لتزور وترهب فتوحها الجديدة في الجنوب دعت يوزف ليلتقي بها في الطريق ويرافقها إلى القرم. ولكنه لم يوافق لتوه على اقتراحها بشن حرب صليبية موحدة، ونطق "غنما أريد سيليرنيا، والحرب مع هجريا لن تنيلنيها"(79). ومع ذلك فحين أعربت هجريا الحرب على روسيا (15 أغسطس 1787) عثر يوزف نفسه مكرهاً على خوضها، فقد ألزمه تحالفه مع كاترين حتى يعينها في حرب "دفاعية". يضاف إلى هذا حتى الفرصة أتيحت الآن للنمسا بسبب اشتباك هجريا في الحرب اشتباكاً حرجاً لاسترداد الصرب والبوسنة، وربما أيضاً للحصول على ثغر على البحر الأسود. وعليه ففي فبراير 1788 أوفد جنوده إلى الحرب وأمرهم بأن يستولوا على بلغراد.

ولكن السويديين اغتنموا هذه الفرصة ليرسلوا قوة تهاجم سانت بطرسبورج. واستدعت كاترين الجيش من الجنوب ليدافع عن عاصمتها. فلما خف على الهجر ضغط الروس ركزوا قوتهم على النمساويين. وحين مضى يوزف ليقود جيشه رآه وقد أضعفته اللامبالاة وفرار الجند وسقمهم، فأمر بالتقهقر وعاد إلى فيينا يملؤه اليأس ويجلله العار. وسلم القيادة إلى لاودن، وهومن أبطال حرب السنين السبع وأنقذ المارشال العجوز شرف الجيش النمساوي باستيلائه على بلغراد (1789). ولما فشل هجوم السويد على روسيا عاد جنود كاترين يتدفقون على الجنوب وتباروا مع الأتراك في مذابح رهيبة هجرت الحياء منهم أكثر قليلاً من أعدائهم. وكان يوزف مغتبطاً بأمل النصر العسكري الذي طال ارتقابه، وإذا ببروسيا وإنجلترا والسويد وهولندا تتدخل لمساعدة الهجر خوفاً من توسع الروس. ووجد يوزف فجأة حتى جميع أوربا البروتستنتية تقريباً قد اتحدت وأخذت تمتشق الحسام ضده. وعاد ثانية يستنجد بفرنسا، ولكن فرنسا كانت في 1789 مشغولة بالثورة. وسقطت بروسيا التي يملك عليها فردريك وليم الثاني حلفاً مع هجريا (يناير 1790) وأوفدت العملاء لإذكاء الثورة على الإمبراطور في المجر والأراضي الواطئة النمساوية.

ورحبت المجر بهذه الدسائس لأنها كانت في ثورة سافرة على مراسيم يوزف في التجنيد الإجباري والضرائب وتغيير اللغة والإصلاح الديني. وفي 1786 نادى إمريش مالونجي المجريين إلى انتخاب ملك خاص بهم. وفي 1788 دبر رميجيوس فرانيومؤامرة لجعل فردريك وليم ملكاً على المجر، وأفشى الكونتان أسترهاتي وكاروليي سر المؤامرة للإمبراطور فحكم على فرانيوبالسجن ستين عاماً. وفي 1789 وجه مجلس الطبقات المجري إلى بروسيا نداء لتحرير المجر من سلطان النمسا. ولما بلغ نبأ الثورة الفرنسية للمجر دوت صيحات المطالبة بالاستقلال في أراتى البلاد. أما يوزف الذي شعر بالموت يسري في عروقه فلم يعد له من القوة ما يمكنه من الثبات على موقفه. وحثه أخوه ليوبولد على الاستسلام. وفي يناير 1790 أعرب ما يأتي: "لقد قررنا حتى نرد إدارة المملكة-أي المجر-إلى وضعها في 1780 لقد أرسينا (الإصلاحات) بدافع الغيرة على الصالح العام مؤمنين أنكم بعد التجربة ستجدونها مبعث سرور لكم، بيد أننا الآن أقنعنا أنفسنا بأنكم تؤثرون النظام القديم...ولكننا نريد حتى يظل قانون التسامح نافذاً...وكذلك قانون الأقنان ومعاملتهم وعلاقتهم بسادتهم"(80).

وفي فبراير رد تاج القديس أسطفانوس إلى بودا وكان يلقى الترحيب والابتهاج من الجماهير في جميع خطوة على الطريق. وهدأت الثورة. أما الثورة في الأراضي الواطئة النمساوية فقد انطلقت بكل قوتها لأنها شعرت هناك بحرارة الحرة الثورية في فرنسا المجاورة. وأبى يوزف المصادقة على الوعد الذي بترته شقيقته لمجلس برابانت بإلغاء الإصلاحات التي كرهوها. فأصدر الأمر بتطبيقها وأمر جنوده بإطلاق النار على أي حشود تقاومها، فعملوا وقتل ستة من القائمين بالشغب في بروكسل (22 يناير 1788) وعدد غير معروف في أنتورب ولوفان. ونادى محامٍ من بروكسل يسمى هنري فان دن نوت أفراد الشعب إلى التسلح والتطوع في جيش استقلال. وأيد الأكليروس النداء تأييداً إيجابياً، وأضيف إليه حافز لم يكن في الحسبان هونبأ سقوط الباستيل، وسرعان ما احتشد في الميدان عشرة آلاف من الوطنيين وعلى رأسهم قائدة أكفاء. وفي 24 أكتوبر أذاع إعلان "للشعب البرابانتي" خلع يوزف الثاني من منصب الحاكم عليهم. وفي 26 أكتوبر هزمت قوة من الوطنيين الجنود النمساويين. واحتل الثوار المدينة تلوالمدينة. وفي 11 يناير 1790 أذاعت الأنطقيم السبعة قرار استقلالها، وأعربت قيام جمهورية الولايات المتحدة البلجيكية، واتخذت اسمها هذا من القبائل البلجيكية التي دوخت قيصر قبل ثمانية عشر قرناً. وأسعد إنجلترا وهولندا وبروسا حتى تعترف بالحكومة الجديدة. واستنجد يوزف بفرنسا، ولكن فرنسا ذاتها كانت مشغولة بخلع ملكها. وبدا حتى جميع العالم القديم الذي عهده يوزف يتمزق وينهار. ثم إذا الموت كان يدعوه إليه.


الموت الأسود

كانت مرارة تلك الأشهر الأخيرة كاملة. فقد كانت المجر وبلجيكا تضطرمان بالثورة، والأتراك يتقدمون، وجيشه متمرداً، وشعبه من النمساويين الذين أحبوه يوماً ما انقلبوا عليه منتهكاً لحرمة تنطقيدهم ومعتقداتهم المقدسة. وندد به القساوسة ملحداً، وكرهه النبلاء لأنه حرر أقنانهم، وتصايح الفلاحون مطالبين بمزيد من الأرض، وكان فقراء المدن يتضورن جوعاً، ولعنت جميع الطبقات الضرائب والأسعار المرتفعة التي سببتها الحرب. وفي 30 يناير 1790 أغلى يوزف جميع الإصلاحات التي أمر بها منذ وفاة ماريا تريزا بعد حتى ألقى السلاح مستسلماً، ولم يبقَ منها إلا على إلغاء القنية. ترى لم فشل،يا ترى؟ لقد قبل بملء الإيمان وصادق الثقة نظرية جماعة الفلاسفة القائلة بأن الملك الذي يتوافر له التعليم الجيد والنية الحسنة هوخير أداة للتنوير والإصلاح. وقد أوتي التعليم الجيد، أما النية الحسنة فقد شوهها حبه للسلطة، وأخيراً غلبت لهفته على حتىقد يكون فاتحاً حماسته لإجلاس الفلسفة على العرش. كان يفتقر إلى قدرة الفيلسوف على الشك، وكان من المسلمات لديه صواب وسائله كصواب غاياته. وقد حاةول إصلاح الكثير جداً من الشرور في وقت واحد، وفي عجلة كبيرة، ولم يستطع الشعب حتى يستوعب تعدد قراراته المربك. ولقد كان يأمر بأسرع مما يستطيع حتى يقنع، وحاول حتى يحقق في عشر سنين ما يحتاج تحقيقه إلى قرن من التعليم والتغيير الاقتصادي. والشعب أساساً هوالذي خذله. فقد تعمقت جذوره وترسخت في امتيازاته وأهوائه، وفي تنطقيده وكنائسه، إلى حد منعه من حتى يعطيه التفهم والتأييد اللذين أصبح حكمه المطلق بدونهما عاجزاً لا حول له في مثل هذه الإصلاحات العسيرة..وآثر أفراده كنائسهم وقساوستهم وعشورهم على ضرائبه وجواسيسه وحروبه. ولم يستطيعوا وضع ثقتهم في رجل يهزأ بأساطيرهم الحبيبة، ويضايق أساقفتهم، ويذل باباهم.

وطوال هذه السنوات المرهقة بعد 1765 كان بدنه متمرداً على إرادته. فلم تقوَ معدته على هضم سرعة عدوه، وقد حذرته مراراً ودون جدوى بحاجته إلى الراحة. وأنذره الأمير دلين بأنه يقتل نفسه، وكان عليماً بهذا، ولكنه نطق "وما الذي أستطيعه،يا ترى؟ أنني أقتل نفسي لأنني لا أستطيع حتى استنفر الآخرين ليعملوا"(81). وكانت رئتاه مريضتين، وصوته ضعيفاً مكتوماً، وكان يشكوالدوالي وتدميع عينيه، والحمرة، والبواسير..وقد عرض نفسه لكل الأجواء في حربه مع الهجر، وأصابته حمى الربيع كما أصابت الألوف في جيشه. وكان لا يقوى على التنفس أحياناً؛ "أن قلبي يخفق لأقل حركة"(82) وفي ربيع 1789 بدأ يتقيأ دماً-تقريباً ثلاث أوقيات في الدفعة كما خط لأخيه ليوبولد. وفي يونيوأصيب بآلام عنيفة في كليتيه. "إنني أتبع أشد نظم التغذية صرامة فلا آكل لحماً ولا خضراً ولا مستحضرات ألبان، وغذائي الحساء والأرز"(83) ثم طلع له خراج شرجي وكان لابد من شقه هووبواسيره بمبضع الجراح. وأصيب بالاستسقاء. فنادى ليوبولد ليحضر ويتسلم شؤون الحكم. ونطق: "لست آسف على التخلي عن العرش. جميع ما يحزنني حتىقد يكون عدد الناس السعداء قلة قليلة كهذه"(84). وخط إلى الأمير دلين "لقد قتلني وطنك. كان الاستيلاء على عنت عذابي وخسارة بروكسل هي موتي..امضى إلى الأراضي الواطئة وأعدها إلى ملكها، فإن لم تستطع فابقَ هناك. لا تصحِ بمصالحك من أجلي فأنت أب لأطفال"(85). ثم خط وصيته وهجر الهبات السخية لخدمه وللـــ"سيدات الخمس اللاتي أطقن عشرته"(86). وتناول في استسلام أسرار الكنيسة الكاثوليكية الأخيرة وطلب الموت وفي 20 فبراير 1790 استجابت السماء وكان يومها في الثامنة والأربعين. واغتبطت فيينا برحيله وقدمت المجر الشكر لله.

أكان إنساناً فاشلاً،يا ترى؟ في الحرب نعم، بلا جدال. وقد عثر ليوبولد الثاني (1790-92) حتى من الحكمة رغم فوزات لاودن حتى يبرم الصلح مع هجريا (4 أغسطس 1791) على أساس الوضع السابق للحرب. وإذ عجز عن تهدئة الأشراف المجريين فقد ألغى منح الحرية للأقنان. أما في بوهيميا والنمسا فقد احتفظ بمعظم الإصلاحات ولم تلغَ مراسيم الصلح، ولم تفتح الأديرة التي أغلقت، وظلت الكنيسة خاضعة لقوانين الدولة. وكان التشريع الاقتصادي قد حرر التجارة والصناعة وحفزهما. وانتقلت النمسا دون ثورة عنيفة من دولة وسيطة إلى أخرى عصرية، وشاركت في حيوية القرن التاسع عشر الثقافية المنوعة.

وكان يوزف قد خط إلى كاونتز يقول "إنني لاقتناعي العميق بنزاهة نياتي أرجوحتى يبحث الخلف بعد موتي أعمالي وأهدافي قبل حتى يحكم علي وسيكون أميل وأنزه ومن ثم أكثر إنصافاً لي من معاصري". وقد اقتضى هذا البحث الخلف ردحاً طويلاً، ولكنه تفهم في النهاية حتى يرى فيه-رغم أسفه على أوتقراطيته وتعجبه-أكثر "المستبدين المستنيرين" جرأة وتطرفاً وإن كان أقلهم حكمة..وبعد حتى ولى رد العمل الذي اتى في عهد مترنيخ، أعيدت إصلاحات يوزف الثاني واحداً بعد الآخر . ووضع ثوار 1848 إكليلاً من الزهور على قبره اعترافاً بفضله.

الألقاب والأساليب

  • 13 March 1741 – أربعة April 1764: His Royal Highness Archduke Joseph Prince Imperial of Austria, Prince Royal of Hungary and Bohemia, Prince of Tuscany
  • 4 April 1764 – 25 November 1765: His Majesty The King of the Romans
  • 25 November 1765 – 20 February 1790: His Imperial Majesty The Holy Roman Emperor

السلف

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16. Nicholas II, Duke of Lorraine
 
 
 
 
 
 
 
8. Charles V, Duke of Lorraine
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17. Princess Claude-Françoise of Lorraine
 
 
 
 
 
 
 
4. Leopold, Duke of Lorraine
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18. Ferdinand III, Holy Roman Emperor
 
 
 
 
 
 
 
9. Eleonora Maria Josefa of Austria
Queen Dowager of Poland-Lithuania
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19. Eleanor Gonzaga of Mantua
 
 
 
 
 
 
 
2. Francis I, Holy Roman Emperor
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20. Louis XIII of France
 
 
 
 
 
 
 
10. Philippe I, Duke of Orléans
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21. Anne of Austria
 
 
 
 
 
 
 
5. Princess Élisabeth Charlotte of Orléans
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22. Charles I Louis, Elector Palatine
 
 
 
 
 
 
 
11. Countess Palatine Elizabeth Charlotte of Simmern
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23. Charlotte of Hesse-Kassel (or Hesse-Cassel)
 
 
 
 
 
 
 
1. Joseph II, Holy Roman Emperor
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24. Ferdinand III, Holy Roman Emperor (= 18)
 
 
 
 
 
 
 
12. Leopold I, Holy Roman Emperor
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25. Maria Anna of Spain
 
 
 
 
 
 
 
6. Charles VI, Holy Roman Emperor
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26. Philip William, Elector Palatine
 
 
 
 
 
 
 
13. Eleonore-Magdalena of Neuburg
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27. Landgravine Elisabeth Amalie of Hesse-Darmstadt
 
 
 
 
 
 
 
3. Queen of Hungary & Bohemia
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28. Anthony Ulrich, Duke of Brunswick-Wolfenbüttel
 
 
 
 
 
 
 
14. Louis Rudolph, Duke of Brunswick-Wolfenbüttel
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29. Duchess Elisabeth of Schleswig-Holstein-Sønderburg-Norburg
 
 
 
 
 
 
 
7. Elisabeth Christine of Brunswick-Wolfenbüttel
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30. Albert Ernest I, Prince of Oettingen-Oettingen
 
 
 
 
 
 
 
15. Princess Christine Louise of Oettingen-Oettingen
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31. Duchess Christine Frederica of Württemburg
 
 
 
 
 
 

ببليوجرافيا

  • Beales, Derek. Joseph II vol 1: In the shadow of Maria Theresa, 1741-1780, (1987).
  • Beales, Derek. Joseph II: Volume 2, Against the World, 1780-1790 (2009)
  • Beales, Derek. "The false Joseph II", Historical Journal, 18 (1975), 467-95. in JSTOR
  • Beales, Derek. Enlightenment and Reform in Eighteenth-Century Europe. (2005). 326 pp.
  • Beales, Derek. Enlightenment and Reform in Eighteenth-Century Europe (2005), 256pp excerpt and text search
  • Bernard, Paul P. The Limits of Enlightenment: Joseph II and the Law (1979),
  • Blanning, T. C. W. Joseph II (1994). 228pp; a short scholarly biography
  • Blanning, T. C. W. Joseph II and Enlightened Despotism (1984).
  • Bright, James Franck. Joseph II, (1897) 222 pp full text online
  • Dickson, P. G. M. "Joseph II's Reshaping of the Austrian Church," The Historical Journal, Vol. 36, No. 1. (Mar., 1993), pp. 89-114. in JSTOR
  • Henderson, Nicholas. "Joseph II", History Today1991 41(March): 21-27. ISSN: 0018-2753 Fulltext: Ebsco
  • McHugh, James T. "Last of the Enlightened Despots: a Comparison of President Mikhail Gorbachev and Emperor Joseph II." Social Science Journal 1995 32(1): 69-85. Issn: 0362-3319 Fulltext: Ebsco
  • Padover, Saul K. The Revolutionary Emperor, Joseph the Second, 1741-1790 (1934), 414pp; a standard scholarly biography online edition
  • Wilson, Peter H. Absolutism in Central Europe (2000) online edition

الألقاب

Joseph II, by the grace of God elected Holy Roman Emperor, forever August, King in Germany, King of Jerusalem, Hungary, Bohemia, Dalmatia, Croatia, Slavonia, Galicia and Lodomeria, etc. etc. Archduke of Austria, Duke of Burgundy, Lorraine, Styria, Carinthia, Carniola, Grand Duke of Tuscany, Grand Prince of Transylvania, Margrave of Moravia, Duke of Brabant, Limburg, Luxembourg, Gelderland, Württemberg, the Upper and Lower Silesia, Milan, Mantua, Parma, Piacenza, Guastalla, Auschwitz, Zator, Calabria, Bar, Montferrat, Teschen, Prince of Swabia, Charleville, Princely Count of Habsburg, Flanders, Tyrol, Hennegau, Kyburg, Gorizia, Gradisca, Margrave of the Holy Roman Empire, Burgau, the Upper and Lower Lusatia, Pont-à-Mousson, Nomeny, Count of Namur, Provence, Vaudémont, Blâmont, Zutphen, Saarwerden, Salm, Falkenstein, Lord of the Wendish March and Mechelen

انظر أيضاً

  • Kings of Germany family tree
  • Edict on Idle Institutions
  • Patent of Toleration

الهامش

  • ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)

وصلات خارجية

Wikisource has the text of the 1911 Encyclopædia Britannica article Joseph II.
  • Joseph II at Find-A-Grave
يوسف الثاني، الامبراطور الروماني المقدس
أسرة هابسبورگ-لورين
فرع أصغر من أسرة لورين
وُلِد: 13 مارس 1741 توفي: 20 فبراير 1790
ألقاب ملكية
سبقه
ماريا تريزا
King of Hungary
1780–1790 [1]
تبعه
Leopold II
ملك كرواتيا
1780–1790
ملك بوهيميا
1780–1790
Archduke of Austria
1765–1790
مع ماريا تريزا (1765-1780)
Duke of Milan
1765–1790
مع ماريا تريزا (1765-1780)
Duke of Mantua
1765–1790
مع ماريا تريزا (1765-1780)
King of Lodomeria and Galicia
1765–1790
مع ماريا تريزا (1765-1780)
سبقه
Francis I
King in Germany
(formally King of the Romans)

1764–1790
الامبراطور الروماني المقدس (المنتخب)
1765–1790
Duke of Teschen
1765–1766
تبعه
Maria Christina
and Albert Saxe-Teschen

نطقب:Tuscan princes

تاريخ النشر: 2020-06-05 02:51:45
التصنيفات: Pages with citations using unsupported parameters, Commons category link is locally defined, بيت هابسبورگ-لورين, أباطرة رومانيون مقدسون, ملوك كاثوليك, ملوك ألمانيا, ملوك كرواتيا, ملوك بوهميا, ملوك المجر, حكام النمسا, دوقات برابنت, حكام ستيريا, دوقات كارنثيا, دوقات لوثير, دوقات ميلانو, دوقات لوكسمبورگ, دوقات تشن, كونتات الفلاندرز, كونتات تيرول, فرسان الوبر الذهبي, مواليد 1741, وفيات 1790, أرشدوقات النمسا, أمراء بوهيميون, أمراء المجر, أمراء توسكانيون, صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

بح صوته وهو يطلب النجدة.. مسن يروي تفاصيل 187 ساعة تحت الأنقاض

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:18:05
مستوى الصحة: 77% الأهمية: 87%

الحكومة السورية تطلب المباشرة الفورية ببناء 100 ألف وحدة سكنية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:47
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 85%

إسبانيا تطرد مواطنا مغربيا بدعوى تشبّعه بالفكر الإرهابي

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:50
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 88%

البرلمان الأوروبي بصدد إقرار مشروع لتزويد كييف بالمقاتلات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:49
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 98%

واشنطن تحذر بكين من تغيير جوهري للعلاقات معها إن دعمت روسيا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:47
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 99%

الجزائر.. إصابة أكثر من 150 تلميذا بتسمم غذائي في سكيكدة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:45
مستوى الصحة: 88% الأهمية: 96%

رئيسة لجنة السياحة: شرم الشيخ تمثل وجهة سياحية ساحرة وعالمية

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:19:00
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

استقالة مستشارة بايدن للشؤون الصينية

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:48
مستوى الصحة: 93% الأهمية: 97%

باكستان.. تبرئة والدي ناشطة متهمة في قضية خيانة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:49
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 87%

تفاصيل إنشاء أول مركز وطني للكفالة في مصر

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:18:56
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 58%

لعبة الزلزال.. الأطفال الناجون يبتكرون طرقا للتعايش مع الصدمة

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:18:03
مستوى الصحة: 76% الأهمية: 90%

الجزائر.. إجراءات صارمة لمراقبة المغادرين والوافدين

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:53
مستوى الصحة: 92% الأهمية: 91%

واشنطن: الولايات المتحدة متمسكة بسياسة "صين واحدة"

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:53
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 97%

البابا تواضروس يستقبل أعضاء اللجنة المشرفة على إيبارشية نجع حمادي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:18:58
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 55%

الأمم المتحدة: 117 شاحنة مساعدات دخلت إلى شمال غرب سوريا

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:16:44
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 95%

أميركا تؤكد.. زعيم القاعدة الجديد يقيم في إيران

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-02-16 03:17:41
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

تحميل تطبيق المنصة العربية