الحضارة الصينية

عودة للموسوعة

الحضارة الصينية

نسور بريشة لين ليانگ. توجد في متحف القصر الوطني.
البرقوق الثلجي وكركيان توأم بريشة بيان جينگ‌ژاو. توجد في متحف گوانگ‌دونگ الإقليمي.
قارورة الحاج، من الپورسلين مع تزجيج تحتاني أزرق ونمط أحمر حديدي. أسرة تشينگ، فترة چيان‌لونگ في القرن 18. الپورسلين الصيني مرتبط جداً بالصين حتى أنه ما زال يُسمى "صيني China" في العامية اليومية لمختلف لغات العالم.


الحضارة الصينية (الصينية المبسطة: 中华文化; الصينية التقليدية: 中華文化; پن‌ين: Zhōnghuá wénhuà)، هي واحدة من أقدم حضارات العالم، وتمتد بأصولها لآلاف السنين. هيمنت الحضارة الصينية على منطقة جغرافية شاسعة في شرق آسيا حيث تختلف العادات والتنطقيد بشكل كبير ما بين المحافظات، المدن، وحتى البلدات أيضاً. باعتبار الصين واحدة من الحضارات المبكرة الأولى، نجد الحضارة الصينية متبانية ومختلفة بشكل كبير، ويظهر تأثيرها العميق في الفلسفة، الفضيلة، الإتيكيت، والتنطقيد في آسيا حتى اليوم.

تاريخياً، تعتبر الحضارة الصينية هي الحضارة المهيمنة في شرق آسيا، وكانت أيضاً الحضارة ذات التأثير الأكثر سيادة في المنطقة التي وضعت الأساس الثقافي لحضارة شرق آسيا.اللغة، الخزف، العمارة، الموسيقى، الرقص، الأدب، الفنون القتالية، المطبخ، الفنون البصرية، الفلسفة، الأسس الاقتصادية، الديانة، السياسات والتاريخ الصيني، كان لها أثر كبير على العالم، كما حتى للتنطقيد والمهرجانات تُحترم وتمارس ويحتفى بها أيضاً من قبل الأشخاص في جميع أنحاء آسيا.

الهوية

تعتبر الحضارة الصينية من أقدم وأعرق الحضارات وذلك ليس في آسيا وحدها ولكن في حضارات العالم أجمع، وليس هناك أنسب من قول فولتير ووصفه لتلك الحضارة حين نطق: "لقد دامت هذه الإمبراطورية أربعة آلاف عام دون حتى يطرأ عليها تغير يذكر في القوانين، أوالعادات، أواللغة، أوفي أزياء الأهلين. وإن نظام هذه الإمبراطورية لهوفي الحق خير ما شهده العالم من نظم".

وهذا الإجلال الذي ينظر به فهماء ذلك الوقت إلى بلاد الصين قد حققته دراستنا لتلك البلاد عن كثب، والذين خبروا تلك البلاد وعهدوها حق الفهم قد بلغ اعجابهم بها غايته. أنظر إلى ما نطقه الكونت كيسرلنج Count Keyserling في خاتمة كتاب له يعد من أغزر الخط فهما وأعظمها نفعا وأبرعها تصويراً:

"لقد أخرجت الصين القديمة أكمل صورة من صور الإنسانية. وكانت فيها صور مألوفة عادية. وأنشأت أعلى ثقافة عامة عهدت في العالم كله. وإن عظمة الصين لتتملكني وتؤثر قيّ جميع يوم أكثر من الذي قبله. وإن عظماء تلك البلاد لأرقى ثقافة من عظماء بلادنا. وإن أولئك السادة لهم طراز سام من البشر. وسموهم هذا هوالذي يأخذ بلبي. إذا تحية الصيني المثقف لتبلغ حد الكمال. وليس ثمة من يجادل في تفوق الصين في جميع شأن من شئون الحياة. ولعل الرجل الصيني أعمق رجال العالم على بكرة أبيهم".

والصينيون لا يهتمون كثيراً بإنكار هذه الأقوال، وقد ظلوا حتى هذا القرن )ماعدا نفراً قليلاً في الوقت الحاضر( مجمعين على حتى أهل أوربا وأمريكا برابرة همج. وكان من عادة الصينيين قبل سنة 1860 حتى يترجموا لفظ "أجنبي" في وثائقهم الرسمية باللفظ اللقاء لهمجي أوبربري، وكان لا بد للبرابرة حتى يشترطوا على الصينيين في معاهدة رسمية إصلاح هذه الترجمة. والصينيون كمعظم شعوب الأرض "يرون أنهم أعظم الأمم مدنية وأرقهم طباعاً". ولعلهم محقون في زعمهم هذا رغم ما في بلادهم من فساد وفوضى من الناحية السياسية، ذلك حتى ما وراء هذا المظهر المظلم الذي يظهر الآن لعين الغريب عن بلادهم مدنية من أقدم المدنيات القائمة في العالم وأغناها: فمن ورائه تنطقيد قديمة في الشعر، يرجع عهدها إلى عام 1700 ق. م، وسجل حافل بالفلسفة الواقعية المثالية العميقة غير المعجزة الدرك، ومن ورائه براعة في صناعة الخزف والنقش لا مثيل لها من نوعها، واتقان مع يسر لجميع الفنون الصغرى لا يضارعهم فيه الا اليابانيون، وأخلاق قويمة قوية لم نر لها نظيراً عند شعوب العالم في أي وقت من الأوقات، ونظام إجتماعي ضم عدداً من الخلائق أكثر مما ضمه أي نظام آخر عهد في التارخ كله ودام أحقابا لم يدمها غيره من النظم، ظل قائما حتى قضت عليه الثورة ويكاد انقد يكون هوالمثل الأعلى للنظم الحكومية التي يدعواليها الفلاسفة ؛ ومجتمع كان راقيا متمدنا حين كانت بلاد اليونان مسكن البرابر ة؛ شهد قيام بابل وآشور ؛ وبلاد الفرس واليهود، وأثينا وروما والبندقية وأسبانيا، ثم شهد سقوطها كلها، وقد يبقى بعد حتى تعود بلاد البلقان التي نسميها أوربا إلى ما كانت عليه من جهالة وهمجية. ترى أي سر عجيب أبقى هذا النظام الحكومي تلك القرون الطوال، وحرك هذه اليد الفنية الصناع، وأوحى إلى نفوس اولئك القوم ذينك العمق والاتزان،يا ترى؟


التاريخ

الدولة الوسطى الزاهرة

إذا عددنا روسيا بلادا أسيوية - وقد كانت كذلك إلى أيام بطرس الأكبر وقد تعود أسيوية مرة أخرى - لم تكن أوربا الا أنفا مسننا في جسم آسيا ، وإمتدادا يشتغل بالصناعة من خلفه قارة زراعية كبيرة ، ومخالب أونتوءات ممتدة من قارة جبارة مهولة. وتشرف الصين على تلك القارة المترامية الأطراف ، وهي لا تقل عن أوربا في اتساع رقعتها وتعداد عامرها. وقد كان يكتنفها في معظم مراحل تاريخها أكبر المحيطات وأعلى الجبال ، وصحراء من أوسع صحارى العالم.

لذلك إستمتعت بلاد الصين بعزلة كانت هي السبب في حظها النسبي من السلامة والدوام ، والركود وعدم التغيير ، وهوحظ كبير اذا قيس إلى حظ غيرها من الأمم. ومن أجل هذا فان الصينيين لم يسموا بلادهم- الصين ، بل سموها تيان- هوا- "تحت السماء " أوزهاي- "بين البحار الاربعة"-أوجونج- جوو"الدولة الوسطى"- أوجونج- هوا- جوو- "الدولة الوسطى الزاهرة" أوالاسم الذي سماها به مرسوم الثورة جونج- هوا- مين- جوو- "مملكة الشعب الوسطى الزاهرة". والحق ان الازهار اليانعة كثيرة فيها ، كما ان فيها جميع المناظر الطبيعية المتنوعة التي يمكن ان تهبها اياها الشمس الساطعة ، والسحب السابحة ، وشعاب الجبال الوعرة ، والانهار العظيمة ، والاغوار العميقة ، والشلالات الدافقة بين التلال العابسة. ويجري في قسمها الجنوبي الخصيب نهر يانج- دزه الذي يبلغ طوله ثلاثة آلاف ميل ، وفي الشمال يتحدر الهوانج هو، أوالنهر الأصفر من سلاسل الجبال الغربية مخترقا سهولا من اللويس ، ويحمل معه الغرين ليصبه الآن في خليج بتشيلي ، وكان من قبل يصبه في البحر الاصفر ، ولعله سيعود في الغد فيصبه في هذا البحر مرة أخرى. على ضفاف هذين النهرين وعلى ضفتي نهر الواي وغيره من المجاري الواسعة ، بدأت الحضارة الصينية تنتزع الارض من الوحوش والآجام ، وتصد عنها الهمج المحيطين بها ، وتنظف الارض من الحسك والعليق ، وتطهرها من الحشرات المهلكة والرواسب الأكالة القارضة كأملاح البوتاسا وغيرها. وتجفف المناقع ، وتقاوم الجفاف والفيضان ، وما يطرأ على مجاري الأنهار من تحول يعود على البلاد وسكانها بالخراب والهلاك ، وتجري الماء في صبر وحذر من اولئك الاعداء الأوداء في آلاف القنوات ، وتقيم يوما بعد يوم خلال القرون الطوال أكواخا وبيوتا ومعابد ومدارس وقرى ومدنا ودولا. ألا ما أطول الآجال التي يكد الناس خلالها ليشيدوا صرح الحضارة التي يدمرونها في سهولة وسرعة عجيبتين.

وليس في الناس من يعهد من أين اتى الصينيون ، أوإلى أي جنس ينتسبون ، أومتى بدأت حضارتهم في الزمن القديم. وكل ما نستطيع حتى نقوله واثقين حتى بقايا "إنسان بيكين" توحي بأن السلالة البشرية جد قديمة في بلاد الصين. وقد استنتج أندروز Andrews من بحوثه في تلك البلاد حتى منغوليا كان يعمرها من عشرين ألف سنة قبل الميلاد أجيال من الناس تشبه أدواتهم الأدوات "الأزيلية" التي كانت أوربا تستخدمها في العصر الحجري الأوسط ، وأن خلفاء هذه الاجيال انتشروا في سيبيريا والصين حينما جفت منغوليا الجنوبية وأجدبت واستحالت إلى صحراء جوبي الحالية. وتدل كشوف أندرسن Anderson وغيره في هونان ومنشوريا الجنوبية على حتى ثقافة تنتسب إلى العصر الحجري الحديث وجدت في تلك البلاد متأخرة بألفي عام من مثيلتها في عصر ما قبل التاريخ في مصر وسومر. ويشبه بعض ما عثر من الادوات في الرواسب الباقية من العصر الحجري الحديث ، في شكله وتسنينه ، المدى الحديدي التي يستخدمها سكان الصين الشمالية في هذه الايام لحصاد الذرة الصينية ، وهذه الحقيقة على ضآلة شأنها ترجح القول بأن الثقافة الصينية قد دامت سبعة آلاف عام متواصلة غير منبترة ، وهوعهد ما أطوله ، وقل حتى يوجد له في غير الصين نظير.

على حتى طول هذه العهود يجب ألا يغشى أبصارنا فنبالغ في تجانس هذه الثقافة أوتجانس الشعب الصيني نفسه. فقد يلوح حتى بعض فنونهم وصناعاتهم الأولى اتىتهم من بلاد النهرين والهجرستان. من ذلك حتى خزف هونان المنتمي إلى العصر الحجري الحديث لا يكاد يفترق في شيء عن خزف أنووالسوس. والجنس "المغولي" الحاضر مزيج معقد اختلطت فيه السلالة البدائية مرارا وتكرارا بمئات السلالات الغازية أوالمهاجرة من منغوليا وجنوب روسيا (السكوذيين) ووسط آسيا. فالصين من هذه الناحية كالهند يجب ان نشبهها بأوربا بأكملها لا بأمة واحدة من أممها؛ فليست هي موطنا موحدا لأمة واحدة ، بل هي خليط من أجناس مختلفة الاصول متباينة اللغات غير متجانسة في الاخلاق والفنون ؛ وكثيرا ما يعادي بعضها بعضا في العادات والمبادئ الخلقية والنظم الحكومية.


القرون الغابرة المجهولة

تسمى الصين "جنة المؤرخين" ؛ ذلك أنها ظلت مئات وآلافا من السنين ذات مؤرخين رسميين يسجلون جميع ما يقع فيها ، وكثيرا مما لا يقع. على أننا لا نثق بأقوالهم عن العهود السابقة لعام 76 ق. م ، ولكننا اذا استمعنا إلى هذه الاقوال رأيناهم يحدثوننا أحاديث مفصلة عن تاريخ الصين منذ 3000 ق. م ، ورأينا أكثرهم تقى وصلاحا يصفون خلق العالم كما يعمل المطلعون على الغيب في هذه الايام.

ومن أقوالهم في هذا حتى "بان كو" أول الخلائق استطاع حتى يشكل الأرض حوالي عام 2.229.000 ق. م بعد حتى ظل يكدح في عمله هذا ثمانية عشر ألف عام. وتجمعت أنفاسه التي كان يخرجها في أثناء عمله فكانت رياحا وسحبا ، وأضحى صوته رعدا ، وصارت عروقه أنهارا ، واستحال لحمه أرضا ، وشعره نبتا وشجرا ، وعظمه معادن ، وعرقه مطرا ؛ أما الحشرات التي كانت تعلق بجسمه فأصبحت آدميين.

وليس لدينا من الادلة القاطعة ما ننقض به هذا الفهم الكوني العجيب. وتقول الاساطير الصينية ان الملوك الاولين حكم جميع منهم ثمانية عشر ألف عام ، وانهم جاهدوا أشق جهاد ليجعلوا من قمل "بان كو" خلائق متحضرين. وتقول لنا هذه الاساطير ان الناس "كانوا قبل هؤلاء الملوك السماويين كالوحوش الضارية يلبسون الجلود ويقتاتون باللحوم النيئة ، ويعهدون أمهاتهم ، ولكنهم لا يعهدون آباءهم"- ولا يرى استرندبرج strendberg حتى هذا الوصف الاخير مقصور على الأقدمين أوعلى الصينيين. ثم اتى من بعد هؤلاء الامبراطور فوشي في عام 852 ق. م بالتحديد ، عملم الناس بمعاونة زوجه المستنيرة الزواج ، والموسيقى والكتابة والتصوير ، وصيد السمك بالشباك ، وتأنيس الحيوان ، واطعام دود القز للحصول منها على الحرير. وأوصى وهوعلى فراش الموت حتى يخلفه سن نونج ، فقد أدخل هذا الامبراطور في البلاد الزراعة ، واخترع المحراث الخشبي ، وأقام الاسواق وأوجد التجارة ، وأنشأ فهم الطب بما عهده من خواص النبات العلاجية ، هذا ما تقوله الاساطير التي تعلي الاشخاص أكثر مما تعلي الافكار ، وتعزوإلى عدد قليل من الافراد نتائج كدح الاجيال الطوال. ثم حكم امبراطور محارب قوى يدعى هوانج دي لم يطل عهده أكثر من مائة عام ، فأدخل إلى الصين المغناطيس والعجلات ، ووظف المؤرخين الرسميين ، وشاد أول أبنية من الآجر في الصين ؛ وأقام مرصدا لدراسة النجوم ، وأصلح التقويم ، وأعاد توزيع الأرض على الأهلين. وحكم "يَو" قرنا آخر ، وبلغ من صلاح حكمه حتى كنفوشيوس ، حين خط عنه بعد زمانه بثمانمائة وألف عام في عهد كان يظهر له بلا ريب عهدا "حديثا" فاسدا ، أخذ يندب ما طرأ على الصين من ضعف وانحلال. ويحدثنا الحكيم القديم- الذي لم يستطع رغم حكمته التورع عن "الكذبة الصالحة" يضيفها إلى السيرة ليجعل لها مغزى خلقيا- يحدثنا هذا الحكيم القديم حتى الناس أصبحوا أفاضل أتقياء بمجرد النظر إلى "يو" ، وكان أول ما قدمه "يو" من معونة للمصلحين حتى وضع في خارج باب قصره طبلا يضربونه اذا أرادوا حتى يدعوه لسماع شكواهم ولوحا يخطون عليه ما يشيرون به على الحكومة ويقول كتاب التاريخ الذائع الصيت: "أما يَوْ الصالح فيقولون عنه انه حكم جونج- جُوُومائة عام لأنه عاش مائة عام وعشرة وستة ؛ وكان رحيما خيرا كالسماء ، حكيما بصيرا كالآلهة ، وكان ضياؤه يظهر من بعيد كالسحابة اللامعة ، فاذا اقتربت منه كان كأنه الشمس الساطعة. وكان غنيا في غير زهو، عظيما في غير ترف وكان يلبس قلنسوة صفراء ، ومئزرا قاتم اللون ، ويركب عربة حمراء تجرها جياد بيض. وكانت طنف أسقف بيته غير مشذبة ، وألواحه غير مسحجة ، ونادىئمه الخشبية غير ذات أطراف مزينة. وكان أغلب ما يقتات به الحساء أيا كان ما يصنع منه ، لا يهتم باختيار الحبوب التي يصنع منها خبزه ، وكان يشرب حساء العدس من صفحة مصنوعة من الطين ، ويتناوله بملعقة من الخشب. ولم يكن يتحلى بالجواهر ، ولم تكن ثيابه مطرزة ، بل كانت بسيطة لا يختلف بعضها عن بعض. ولم يكن يعني بغير المألوف من الاشياء أوالغريب من الاحداث ، ولم يكن يقيم وزنا للأشياء النادرة الغريبة ، يستمع لأغاني الغزل ، عربته الرسمية خالية من مسببات الزينة. يلبس في الصيف رداء بسيطا من القطن ، ويلف جسمه في الشتاء بجلود الظباء. ومع هذا كله فقد كان أغنى من حكم جونج- جوو، طوال عهدها كله ، وأرجحهم عقلا ، وأطولهم عمرا ، وأحبهم إلى قلوب الشعب.

وكان شون آخر هؤلاء "الملوك الخمسة" مثالا في البر البنوي ، كما كان هوالبطل الذي جاهد لحماية البلاد من فيضانات نهر هوانج- هو، والذي أصلح التقويم ، وضبط الموازين والمقاييس ، وكسب محبة الاجيال التي اتىت بعده من تلاميذ المدارس بتقصير طول السوط الذي كانوا يربون به. وتقول الروايات الصينية إذا شون في آخر أيامه حمل معه على العرش أقدر مساعديه ، وهوالمهندس العظيم يو، الذي تغلب على فيضان تسعة أنهار بشق تسعة جبال واحتفار تسع بحيرات ، ويقول الصينيون "لولا يو، لكنا كلنا سمكا". وتقص الأساطير المقدسة ان خمر الأرز عصر في أيامه وقدم للامبراطور ، ولكن "يو" صبه على الارض ونطق متنبئا: "سيأتي اليوم الذي يخسر فيه أحد الناس بسبب هذا الشيء ملكا" ، ثم نفي من كشف هذا الشرب من البلاد وحرم على الناس شربه. فلما عمل هذا جعل الناس خمر الأرز شرابهم القومي ، فكان ذلك درسا فهموه لمن اتى بعدهم من الخلائق. وغيّر يوالمبدأ الذي كان متبعا من قبله في وراثة الملك وهوحتى يعين الامبراطور قبل وفاته من يخلفه على العرش ، فجعل الملك وراثيا في أسرته ، وأنشأ بذلك أسرة الشيتية (أي المتحضرة)، فكان ذلك سببا في حتى يتعاقب على حكم الصين العباقرة والبلهاء وذووالمواهب الوسطى. وقضى على هذه الاسرة امبراطور ذوأطوار شاذة ، يدعى جية أراد حتى يسلي نفسه هووزوجته فأمر ثلاثة آلاف من الصينيين حتى يموتوا ميتة هنيئة بالقفز في بحيرة من النبيذ.

وليس لدينا ما يحقق لنا صدق ما ينقله إلينا المؤرخون الصينيون الأقدمون من أخبار هذه الاسرة. وكل ما نستطيع حتى نقوله حتى فهماء الفلك في هذه الايام قد حققوا تاريخ الكسوف الشمسي الذي ورد ذكره في السجلات القديمة فنطقوا انه قد وقع في عام 2165 ق. م، ولكن الثقاة الذين يعتد بآرائهم لا يؤمنون بحساب أولئك الفلكيين. وقد وجدت على بعض العظام التي كشفت في هونان أسماء حكام تعزوهم الروايات الصينية إلى الاسرة الثانية أوأسرة شانج ؛ ويحاول المؤرخون حتى يعزوا بعض الاواني البرونزية الموغلة في القدم إلى أيام تلك الأسرة. أما فيما عدا هذا فمرجعنا الوحيد هوالقصص الذي يحوي من الطرافة واللذة أكثر مما يحوي من الحقيقة. وتقول الروايات القديمة ان وو- يي أحد أباطرة أسرة شانج كان كافرا يتحدى الآلهة ويسب روح السماء ، ويلعب الشطرنج مع ذلك الروح ويأمر احد افراد حاشيته بان يحرك البتر بدل الروح ، فاذا أخطأ سخر منه. ثم أهدى اليه كيسا من الجلد وملأه دماً ، وأخذ يسلي نفسه بأن يصوب اليه سهامه. ويؤكد لنا المؤرخون- وفيهم من الفضيلة أكثر مما في التاريخ نفسه- ان وو- يي أصابته صاعقة فأهلكته. وكان جوسين آخر ملوك هذه الاسرة ومخترع عصى الطعام خبيثا آثما إلى حد لا يكاد يصدقه العقل ، فقضى بإثمه على اسرته. ويحكى عنه أنه نطق: "لقد سمعت حتى لقلب الانسان سبع فتحات ، وأحب حتى أتثبت من صدق هذا القول في بي كان"- وزيره وكانت تاكي زوجة جومضرب المثل في الفجور والقسوة ، فكانت تعقد في بلاطها حفلات الرقص الخليع ، وكان الرجال والنساء يسرحون ويمرحون عارين في حدائقها. فلما غضب الناس من هذه الفعال عمدت إلى كم أفواههم باختراع ضروب جديدة من التعذيب ، فكانت ترغم المتذمرين على حتى يمسكوا بأيديهم معادن محمية في النار أويمشوا على قضبان مطلية بالشحم ممتدة فوق حفرة مملوءة بالفحم المشتعل ، فإذا سقط الضحايا في الحفرة طربت الملكة حين تراهم تشوى أجسادهم في النار.

وقضت على عهد جوسين مؤامرة دبرها الثوار في داخل البلاد ، وغارة من ولاية جوالغربية ، وحمل المغيرون على العرش أسرة جو، وقد دام حكمها أطول من حكم أية أسرة مالكة أخرى في بلاد الصين. وكافأ الزعماء المنتصرون من أعانوهم من القواد والكبراء بأن جعلوهم حكاما يكادون حتىقد يكونوا مستقلين في الولايات الكثيرة التي قسمت اليها الدولة الجديدة. وعلى هذا النحوبدأ عهد الاقطاع الذي كان فيما بعد شديد الخطر على حكومة البلاد ، والذي كان رغم هذا باعثا على النشاط الادبي والفلسفي في بلاد الصين. وتزاوج القادمون الجدد والسكان الأولون وامتزجوا جميعا، وكان امتزاجهم هذا تمهيدا بيولوجيا لأولى حضارات الشرق الأقصى في الازمنة التاريخية.


الحضارة الصينية الأولى

لم تكن الولايات الإقطاعية ، التي وهبت الصين بعدئذ ما استمتعت به من نظام سياسي قرابة ألف عام ، من عمل الفاتحين ، بل نشأت من المجتمعات الزراعية التي قامت في الأيام البدائية بامتصاص أقوياء الزراع ضعافهم ، أوباندماج الجماعات تحت رياسة زعيم واحد حتى يستطيعوا حتى يدفعوا عن حقولهم من يغيرون عليها من الهمج المحيطين بهم. وبلغ عدد هذه الإمارات في وقت من الأوقات سبع عشرة ولاية تتكون جميع منها في العادة من بلدة مسورة تحيط بها أرض زراعية ومن ضواح مسورة أصغر منها يتألف من مجموعها محيط دفاعي واحد. ثم أخذت هذه الولايات يندمج بعضها في بعض على مهل حتى نقص عددها إلى خمس وخمسين ولاية تضم الإقليم الذي يعهد الآن بإقليم هونان وما جاوره من أنطقيم شانسي ، وشنسى ، وشانتونج. وكان أبرز هذه الولايات الخمس والخمسين ولاية تشي التي وضعت أساس الحكومة الصينية ، وولاية تشين التي أخضعت سائر الولايات لحكمها وأنشأت منها امبراطورية موحدة ، وخلعت على بلاد الصين اسمها المعروفة به في جميع بلاد العالم إلاّ فيها هي نفسها. وكان السياسي العبقري الذي وضع لولاية تشي نظامها هوجوان جونج مستشار الدوق هوان. وقد بدأ جوان حياته السياسية بمساعدة أخى هوان عليه في نزاعهما من أجل السيطرة على تشي ، وكاد يقتل هوان في إحدى الوقائع الحربية. ولكن هوان انتصر في آخر الأمر وأسر جوان وعينه رئيس وزراء دولته. وزاد جوان من قوة سيده باستبدال الأسلحة والأدوات الحديدية بنظائرها المصنوعة من البرونز ، وباحتكار الحكومة للحديد والملح أوبالسيطرة عليهما ، ثم فرض الضرائب على النقود والسمك والملح "لكي يساعد الفقراء ويكافئ الحكماء وذوي المواهب". وأصبحت تشي في أيام وزارته الطويلة الأجل دولة حسنة النظام ذات عملة مستقرة ، ونظام اداري محكم ، وثقافة زاهرة. وقد نطق عنه كنفوشيوس- وهوالذي لم يكن يمتدح الساسة إلا بأوجز عبارة- "إن الناس لا يزالون حتى اليوم يستمتعون بالنعم التي أسبغها عليهم ، ولولا جوان جونج لظللنا حتى اليوم ذوي شعر أشعث ، ولظلت ملابسنا تزرر جهة الشمال". وفي بلاط نبلاء الاقطاع نشأت كيفية التحية التي امتاز بها الصينيون المهذبون ، كما نشأت فيها شيئا فشيئا تنطقيد من الاخلاق والاحتفالات ومراسم التكريم بلغت من الدقة حدا يكفيها لأن تحل محل الدين عند الطبقات العليا في المجتمع. ثم وضعت أسس الشرائع وبدأ نزاع شديد بين حكم العادات التي نمت عند عامة الشعب وبين حكم القانون الذي وضعته الدولة. وأصدرت دوقيتا جنج وتشين (في عامي 535 512 ق. م) خطا في القانون ملأت قلوب الفلاحين رعبا ، وتنبئوا بما سيحل بهما من عقاب سماوي شديد على هذه الجريمة الشنيعة. وحدث بالعمل حتى دمرت النار عاصمة جنج بعد ذلك بقليل. وكان في هذه الشرائع محاباة للطبقات العليا ، فقد أعفتها من كثير من الواجبات المفروضة على غيرها من الطبقات على شريطة حتى يؤدب أفرادها أنفسهم. من ذلك حتى القاتل منهم كان يسمح له بأن ينتحر ، وكان الكثيرون منهم ينتحرون بالعمل على النحوالذي أصبح فيما بعد عادة مألوفة بين طبقة السموراي في اليابان. واحتج عامة الشعب على هذه التفرقة ، ونطقوا حتى في مقدورهم هم أيضا حتى يؤدبوا أنفسهم ، وتمنوا حتى يقوم بينهم وطني مخلص شبيه بهرموديس أوأرستجيتون يحررهم من ظلم القوانين. ثم تراضت الفئتان آخر الأمر واتفقتا على حل سليم فضيقت دائرة القانون الوضعي حتى لم تعد تضم الا المسائل الكبرى أوالمسائل القومية ، وظلت أحكام العهد والعادة هي الفيصل فيما دونها من الأمور.

واذ كانت الكثرة الغالبة من شئون البشر من المسائل الصغرى فقد ظل حكم العادة هوالسائد بين كافة الطبقات. واستمر تنظيم الولايات يجري في مجراه ، وجمعت قواعد هذا النظام في الجو- لي ، أو"دستور جو" وهومجموعة من الشرائع تعزوها الروايات إلى جوجونج عم دوق جوالثاني وكبير وزرائه ، وهومن طبيعة الحال قول لا يقبله عقل لأن هذه الشرائع لا يمكن حتى تكون من وضع رجل واحد. والواقع إذا الإنسان يلمح فيها روح كونفوشيوس ومنشيس ، ولهذا فأكبر الظن أنها وضعت في آخر أيام أسرة جولا في أيامها الاولى. وقد ظلت مدى ألفي عام تمثل فكرة الصينيين عن النظام الحكومي: وقوامه إمبراطور يحكم نيابة عن الخالق ، وأنه "ابن السماء" يستمد سلطانه مما يتصف به من الفضيلة والصلاح ؛ وأعيان ، بعضهم بحكم مولدهم وبعضهم بحكم تربيتهم وتدريبهم ، يصرفون أعمال الدولة ؛ وشعب يرى حتى واجبه فلح الارض يعيش في أسر أبوية ويتمتع بالحقوق المدنية ولكنه لا رأي له في تصريف الشؤون العامة ؛ ومجلس من ستة وزراء جميع واحد منهم على ناحية من النواحي الآتية وهي: "حياة الإمبراطور وأعماله ، ورفاهية الشعب وزواج أفراده المبكر ، والمراسيم والتنبؤات الدينية ، والاستعداد للحرب والسير فيها ، وتوزيع العدالة بين السكان وتنظيم الأشغال العامة".

ويكاد هذا القانونقد يكون قانونا مثاليا ، وأكبر الظن أنه نبت في عقل فيلسوف أفلاطوني مجهول لم يتحمل أعباء الحكم ، لا من تجارب زعماء دنستهم السلطة العملية ويتعاملون مع خلائق حقيقيين. ولما كان الشر المستطير قد يجد له مكانا حتى في أكمل الدساتير ، فقد كان تاريخ الصين السياسي هوالتاريخ المألوف الذي يتناوبه الفساد الطويل وفترات الإصلاح القصيرة. ذلك حتى الثروة حين زادت أدت إلى الإسراف والترف فأفسدا الطبقة العليا ، كما غصّ بلاد الأباطرة وغصت فيما بعد لويانج عاصمة الدولة بالموسيقيين والقتلة والسفاحين والسراري والفلاسفة. وقلما كانت تمضي عشر سنين دون حتى يهاجم فيها الدولة الجديدة البرابرة الجياع الذين لم ينبتروا يوما ما عن الضغط على حدودها ، حتى أضحت الحرب أولا ضرورة لا بد منها للدفاع ، ثم صارت بعد قليل حرب هجوم واعتداء ، وتدرجت من ألعاب يتسلى بها الأعيان إلى مسابقات في التقتيل بين عامة الشعب ، يطاح فيها بعشرات الآلاف من الرؤوس ، فلم يمض إلاّ قرنان من الزمان أوأكثر منهما بقليل حتى اغتال من الملوك ستة وثلاثون ، وعمت البلاد الفوضى ، ويئس الحكام من إصلاح الأمور. وظلت الحياة تتعثر في طريقها متخطية هذه العقبات القديمة فكان الفلاّح يغرس ويحصد لنفسه في أحيان قليلة وللنبلاء الإقطاعيين في أكثر الاحيان ، لأنه هووأرضه كانا ملكا لهؤلاء النبلاء ، ولم يبدأ الفلاحون في امتلاك الارض الاّ في أواخر أيام هذه الأسرة. وكانت الدولة- وهي مجتمع مهلهل من النبلاء الإقطاعيين يعترفون بعض الاعتراف بسيادة واحد منهم- تجند العمال للأشغال العامة ، وتروى الحقول من قنوات كثيرة منبثة في أنحاء البلاد ؛ وكان الموظفون العموميون يعلّمون الأهلين غرس الحقول وغرس الأشجار ؛ ويشرفون على صناعة الحرير بكافة أجزائها. وكان صيد السمك واستخراج الملح من باطن الأرض احتكارا للحكومة في كثير من الولايات.

وكانت التجارة الداخلية رائجة في المدن فنشأت من رقابلا طبقة وسطى صغيرة العدد تستمتع بنعم لا تكاد تفترق عن نعم الحياة الحديثة ، وكان أفرادها ينتعلون أحذية من الجلد ، ويرتدون ملابس من الحرير ، أومن نسيج آخر يغزلونه بأيديهم ، وينتقلون في عربات مختلفة الانواع ، أوفي قوارب تسير في الأنهار ، ويسكنون بيوتا حسنة البناء ، ويستخدمون الكراسي والنضد ، ويتناولون طعامهم في صحاف وأواني من الخزف المنقوش. وأكبر الظن حتى مستوى حياتهم كان أرقى من مستوى حياة معاصريهم في بلاد اليونان أيام صولون Solon أوفي روما أيام نوما Numa.

وسرت في الحياة الذهنية في الصين بين ظروف التفلك ومظاهر الفوضى السائدة في البلاد حيوية تنقض ما يضعه المؤرخون من نظريات وقواعد عامة يريدون حتى يأخذ بها الناس ؛ فقد وضعت في هذا العهد المضطرب قواعد اللغة الصينية والأدب والفلسفة والفن. ونشأ من ائتلاف الحياة التي أصبحت آمنة بفضل التنظيم الاقتصادي والادخار مع الثقافة التي لم تكن قد وحدت بعد أوقيدت بالقيود والأحكام التي تفرضها عليها التنطقيد والحكومة الإمبراطورية القوية السلطان ، نشأ من ائتلافهما ذلك الاطار الاجتماعي الذي احتوى أكثر العهود إبداعا وإنشاء في تاريخ الصين الذهني. فكان في جميع قصر من قصور الأباطرة والأمراء وفي آلاف من المدن والقرى شعراء ينشدون القصائد ، وصناع يديرون عجلة الفخار أويصبون الآنية الفخمة الجميلة ، وخطة ينمقون على مهل حروف الكتابة الصينية وسفسطائيون يفهمون الطلبة المجدين أساليب الجدل والمحاجة الذهنية ، وفلاسفة يتحسرون ويأسون لنقائص البشر وتدهور الدول. وسندرس في الفصول التالية حال الفن واللغة في أكمل تطوراتهما وأخص خصائصهما ، ولكن الشعر والفلسفة من نتاج هذا العصر الذي نتحدث عنه بنوع خاص ، وهما يجعلانه أكثر عصور الفكر الصيني ازدهارا. ولقد ضاع معظم ما خط من الشعر قبل كنفوشيوس ، وأكثر ما بقي منه هوما اختاره هذا الفيلسوف من نماذج كلها جد وصرامة ، جمعت في الشي- جنج ، أي "كتاب الأغاني" وقيلت في فترة تزيد على ألف عام تمتد من أيام الشعر القديم الذي قيل في أيام أسرة شانج إلى الشعر ذي الصبغة الحديثة الذي قيل في زمن معاصر لفيثاغورس. وتبلغ عدة هذه القصائد الباقية خمس قصائد وثلثمائة قصيدة ، وكلها موجزة إيجازا يجعلها مستعصية على الترجمة ، ذات تصوير إيحائي ، تتحدث عن الدين ومتاعب الحرب وهموم الحب. والى القارئ أمثلة من نواح الجنود الذين انتزعوا من بيوتهم في غير الأوقات المناسبة ؛ ليلقى بهم في مخالب المنايا لغير سبب تدركه عقولهم:


ألا ما أعظم حرية الإوز البري وهويطير في الفضاء

ثم يتمتع بالراحة فوق أغصان شجر اليوالملتف الكثيف!

أما نحن الدائموالكدح في خدمة الملك ،

فإنا لا نجد من الوقت ما نغرس فيه الذرة والأرز

ترى على أي شيء يعتمد آباؤنا،يا ترى؟

حدثيني أيتها السماء النائية الزرقاء!

متى ينتهي هذا كله؟..

وهل في الاشجار أوراق لم تصبح بعد أرجوانية،يا ترى؟

وهل بقي في البلاد رجل لم ينتزع من بين ذراعي زوجته،يا ترى؟

رحمة بنا نحن الجنود

ألسنا نحن أيضا آدميين،يا ترى؟


وفي القصائد كثير من أغاني الحب المتنوعة النغم التي تضرب على أوتار القلوب ، وان كان ذلك العصر يظهر لنا لفرط جهلنا عصر الهمجية الصينية وبداية تاريخها. ونحن نستمع في احدى هذه القصائد إلى صوت الشباب المتمرد إلى أبد الدهر يهمس في آذاننا من خلال القرون البائدة ، التي كانت تبدوعهودا نموذجية لكنفوشيوس ، وكأنما هي تقول حتى لا شيء يماثل التمرد والعصيان في قدم العهد:


أتوسل إليك يا حبيبي

أن تغادر قريتي الصغيرة

وألاّ تهشم أغصان صفصافي ؛

وليس ذلك لأن تهشيمها يحزنني

بل لأني أخشى حتى يثير تهشيمها غضب أبي.

والحب يناديني بعواطفه المقهورة

"إن أوامر الأب يجب حتى تطاع"

أتوسل إليك يا حبيبي

أوتحطم أغصان توتي

وليس ذلك لأني أخشى سقوطها

بل لأني أخشى حتى يثير سقوطها غضب أخي.

والحب يناديني بعواطفه المقهورة

"إن كلام الأخ يجب حتى يطاع"

أتوسل إليك يا حبيبي ،

ألاّ تتسلل إلى الحديقة

ولا تحطم أشجار الصندل ؛

وليس هذا لأني أعني بهذه أوتلك

بل لأني أرهب حديث المدينة ،

وإذا ما سار المحبون على هواهم

فماذا يقولون عنهم جيرانهم،يا ترى؟


وثمة قصيدة أخرى هي أقرب هذه القصائد إلى الكمال ، أوأحسنها ترجمة ، وهي تدل على حتى العواطف البشرية قديمة موغلة في القدم:


جلال الصباح يعلوفوق هامتي

وتحيط بي الازهار الشاحبة بيضاء وأرجوانية وزرقاء وحمراء وأنا قلقة البال

وتحرك شيء بين الحشائش الذابلة

فظننت حتى ما سمعته هوسقط أقدامه ،

وإذا جندب يصر ،

وتسلقت التل ساعة حتى بزغ الهلال

فأبصرته مقبلا من الطريق الجنوبي

فاستراح قلبي وأطرح عنه حمله.


المجتمع

Relief of a fenghuang in Fuxi Temple (Tianshui). They are mythological birds of East Asia that reign over all other birds.
Relief of a dragon in Fuxi Temple (Tianshui). It was a symbol and representative for the Son of Heaven, the Mandate of Heaven, the Celestial Empire and the Chinese Tributary System during the history of China.
Residence of the Lu Family in Dongyang, built in the Ming period.
Fenghuang County, an ancient town that harbors many architectural remains of Ming and Qing styles.
Hongcun, a village in Yi County in the historical Huizhou region of southern Anhui Province.
Xinye, a village noted for its well-preserved Ming and Qing era architecture and ancient residential buildings.
Flower Theatre, a Qing period guildhall.




الحياة الروحية والقيم

الفلسفة

الفلاسفة قبل كنفوشيوس

يمتاز هذا العصر بفلسفته. وليس يعيب الجنس البشري حتى تشوفه كان في جميع عصر من العصور يسبق حكمته ، وأن مثله العليا كانت تخطوبأسرع من خطى مسلكه. وها هوذا يو- دزه في عام 1250 ق. م ينطق بتلك العبارة القصيرة التي تعد من جوامع الحدث ، والتي طالما رددها الناس من قبله ، ولكنها لم تبل جدتها بعد؛ اذ لا يزال الناس في حاجة إلى من يذكرهم بأن جميع مجد مآله كرب وشقاء:

"من يطرح المجد ولا يعبأ به ينج من الاحزان".

ألا ما اسعد الانسان الذي لا تاريخ له! وقد ظلت بلاد الصين من ذلك العهد القديم إلى يومنا هذا تخرج فلاسفة. فكما ان الهند أرقى بلاد الفهم في الاديان ، وفهم ما وراء الطبيعة ، فكذلك الصين أرقاها في الفلسفة الانسانية غير الدينية ، اذ لا يكاد يوجد في الادب الصيني كله كتاب ذوشأن في فهم ما وراء الطبيعة غير تلك الوثيقة العجيبة التي يبدأ بها تاريخ التفكير الصيني المدون ، وهي الوثيقة المعروفة بإسم إي- جنج ، أو"كتاب التغيرات". وتقول الرواية المأثورة إذا هذا الكتاب قد خطه ون وانج ، أحد مؤسسي أسرة جوفي سجنه ، وان أبسط مبادئه مستمدة من فوشي الذي عاش قبله بزمن طويل. وهم يقولون لنا ان هذا الامبراطور الاسطوري قد اخترع الجوات الثماني أوالتثاليث الرمزية التي ترى علوم ما وراء الطبيعة عند الصينيين أنها تنطبق على قوانين الطبيعة وعناصرها. وهم يقولون حتى جميع واحد من هذه التثاليث يتألف من ثلاثة خطوط بعضها متصل ويمثل عنصر الذكورة أواليانج وبعضها متبتر ويمثل عنصر الأنوثة أوالين. وكذلك يمثل اليانج في هذه الثنائية الرمزية العنصر الايجابي الفعال، المنتج، السماوي عنصر الضوء والحرارة والحياة؛ على حين حتى الين يمثل العنصر السلبي المنعمل، الأرضي، عنصر الظلمة والبرودة والموت وقد خلد ون يانج ذكره، وأتعب عقول آلاف الملايين من الصينيين بمضاعفة عدد الشرط في الخطوط المتصلة والمتبترة، فحمل بذلك عدد تباديلها وتوافيقها إلى أربعة وستين جميع منها يقابل قانونا من قوانين الطبيعة، ويحتوي على جميع العلوم والتاريخ. والحكمة جميعا تكمن في هذه الأربع والستين شَيْبَنْجَة- أوالآراء الممثلة تمثيلا رمزيا في التثليثات السالفة الذكر. والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون وهما عنصرا الذكورة والأنوثة أي اليانج والين.

وكان الصينيون يتخذون كتاب التغيرات كتابا يدرسون فيه طرق التنبؤ بالغيب ، ويعدونه أعظم تراثهم الأدبي ، ويقولون حتى جميع من فهم ما فيه من توافيق يدرك جميع القوانين الطبيعية. وقد نشر كنفوشيوس هذا الكتاب بنفسه ، وجمله بما علق عليه من الحواشي ، وكان يفضله على جميع ما عداه من خط الصينيين ، ويتمنى حتى يخلولنفسه خمسين عاما يقضيها في دراسته. ولا يتفق هذا السفر العجيب مع روح الفلسفة الصينية ، وهي الروح الايجابية العملية ، وان كان يلائم غموض النفس الصينية ونحن نجد في الصين فلاسفة في أبعد الازمان التي وصل إلينا تاريخها ، ولكن جميع ما حفظه التاريخ لهم قبل أيام لو- دزه ، لا يعدوحتىقد يكون بترة مبتورة من هنا وهناك ، أومجرد أسم من الاسماء ، وقد شهد القرنان السادس والخامس في بلاد الصين ، كما شهدا في الهند وفارس وبلاد اليهود واليونان ، عاصفة قوية من العبقرية الفلسفية والأدبية ، بدأت كما بدأت في بلاد اليونان بعصر من "الاستنارة" العقلية. ولقد تجاوز هذه الاستنارة عهد من الحروب والفوضى فتح أمام المواهب غير ذات الانساب العريقة مسالك للرقي ، وحفز أهل المدن على حتى يطلبوا لأنفسهم مفهمين يثقفون أذهانهم بالفنون العقلية. وسرعان ما كشف مفهموالشعب ما في علوم الدين من ابهام وغموض ، وما في الأداة الحكومية من نقص ، وعهدوا حتى المقاييس الاخلاقية مقاييس نسبية ، وشرعوا يبحثون عن المثل العليا والكمال المطلق. وقد أعدم الكثيرون من هؤلاء الباحثين على يد ولاة الامور الذين وجدوا حتى قتلهم أسهل من محاججتهم. وتقول احدى الروايات الصينية ان كنفوشيوس نفسه ، وهووزير الجريمة في مقاطعة لو، حكم بالاعدام على موظف صيني متمرد بحجة أنه "كان في وسعه حتى يجمع حوله طائفة كبيرة من الرجال ؛ وأن آراءه كانت تجد بسهولة من يستجيب لها من العامة ، وأن تجعل العناد صفة خليقة بالإكبار والإجلال ؛ وأن سفسطته كان فيها من المعارضة والمعاندة ما يمكنها من الوقوف في وجه الأحكام الحقة المعترف بها من الناس".

ويصدق زوما- تشين هذه السيرة ولكن بعض المؤرخين الصينيين يرفضونها ؛ ونحن نرجوألا تكون سليمة. وأشهر هؤلاء المتمردين العقليين هوتنج شي الذي أعدمه دوق جنج في شباب كنفوشيوس ، ويقول كتاب ليه- دزه: ان تنج هذا كان "يفهم النظريات القائلة ان الحق والباطل أمران نسبيان ، ويؤيد هذه الآراء بحجج لا آخر لها". واتهمه أعداؤه بأنه لم يكن يستنكف حتى يثبت اليوم رأيا ويثبت عكسه في غد ، إذا ما نال على عمله هذا ما يرتضيه من الاجر ؛ وكان يعرض خدماته على من لهم قضايا في المحاكم ، ولا يرى ما يعوقه عن تقديمها لمن يطلبها من الناس. ويروي عنه أحد أعدائه من المؤرخين الصينيين هذه السيرة الطريفة: غرق رجل موسر من الولاية التي كان يقيم فيها تنج في نهر واي ، وأخرج رجل جثته من الماء ، وطلب إلى أسرة القتيل مبلغا كبيرا من المال نظير إخراجها من النهر. ومضىت أسرة القتيل إلى تنج تستشيره في الأمر ، فأجابها السفسطائي بقوله: "تريثوا فلن تؤدي المال المطلوب أسرة غير أسرتكم"، وعملت أسرة القتيل بهذه النصيحة. وقلق الرجل الذي كانت الجثة في حوزته فاتى هوأيضا إلى تنجشي يستنصحه. فنصحه السفسطائي بما نصح به أهل القتيل إذ نطق له: "تريث ؛ فإنهم لن يحصلوا على الجثة إلاّ منك". ووضع تنج شي قانونا للعقوبات تبين أنه أرقى مما تطبقه حكومة جنج. ولما ضاق رئيس الوزراء ذرعا بالنشرات التي كان تنج يحمل فيها على سياسته حرم إلصاقها في الأماكن العامة ، فما كان من تنج الا حتى عمد إلى توزيعها على الناس بنفسه ، فلما حرم الوزير توزيع النشرات أخذ تنج يهربها إلى القراء مخبوءة بين أشياء أخرى ، فلما أعيت الحكومة الحيل أمرت ببتر رأسه.


المفهم القديم

كان لودزه ، أعظم فلاسفة الصين قبل كنفوشيوس ، أكثر حكمة من تنج شي ؛ فقد كان يعهد حكمة الصمت ، وما من شك أنه عمر طويلا وإن لم نكن واثقين من أنه عاش حقا. ويحدثنا المؤرخ الصيني زوماتشين حتى لو- دزه عافت نفسه سفالة السياسيين ، ومل عمله في أمانة مخطة جوالملكية ، فاعتزم حتى يغادر الصين ليبحث له عن ملجأ بعيد منعزل في الريف. "فلما حتى وصل إلى حدود البلاد نطق له الحارس ين شي: إنك إذن تنشد العزلة ، وأنا أرجوك حتى تخط لي كتابا. فخط له لو- دزه كتابا من جزأين في الدووالدي يشتمل على خمسة آلاف حدثة. ولما حتى أتمه اختفى ولم يفهم أحد أين مات". لكن الروايات والاقاصيص ، التي لا تخفى عليها خافية ، تقول أنه عاش سبعة وثمانين عاما. ولم يبق لنا منه الا اسمه وكتابه وقد لاقد يكون هذا أوذاك له. فأما لو- دزه ، فوصف معناه "المفهم القديم" وأما أسمه الحقيقي فهو، كما تقول الرواية، لي أي البرقوقة. والكتاب الذي يعزى إليه مشكوك فيه شكا أثار كثيرا من الجدل الفهمي حول أصله ولكن الباحثين جميعا متفقون على حتى الدو- ده- جنج- أي "كتاب الطريقة والفضيلة"- هوأبرز النصوص الخاصة بالفلسفة الدوية التي يقول الفهماء الصينيون انها وجدت قبل لو- دزه بزمن طويل ، والتي كان لها من بعده أنصار من الطراز الاول ، والتي صارت فيما بعد دينا تعتنقه أقلية كبيرة من الصينيين من أيامه إلى وقتنا هذا ، وجملة القول حتى مؤلف الدو- ده- جنج مسألة ذات أهمية ثانوية ، وأما الآراء التي احتواها الكتاب فمن أبدع ما خط في تاريخ الفكر الانساني. ومعنى لفظ الدَّوهوالطريقة: وهي أحيانا طريقة الطبيعة، وأحيانا الطريقة الدوية للحياة الحكيمة. أما المعنى الحرفي لهذا اللفظ فهوالطريق. وهوفي الاصل طريقة للتفكير أوللامتناع عن التفكير ، وذلك لأن الدويين يرون حتى التفكير أمر عارض سطحي لاغير فيه الا للجدل والمحاجاة ، يضر الحياة اكثر مما ينفعها. اما "الطريقة" فيمكن الوصول اليها بنبذ العقل وجميع مشاغله ، وبالالتاتى إلى حياة العزلة والتقشف والتأمل الهادئ في الطبيعة. وليس الفهم في رأي صاحب الكتاب فضيلة ، بل ان السفلة قد زاد عددهم من يوم حتى انتشر الفهم. وليس الفهم هوالحكمة ، ذلك لأنه لا شيء أبعد عن الرجل الحكيم من "صاحب العقل". وشر أنواع الحكومات التي يمكن تصورها حكومة الفلاسفة ؛ ذلك أنهم يقحمون النظريات في جميع نظام طبيعي ؛ وأكبر مرشد على عجزهم عن العمل هوقدرتهم على إلقاء الخطب والإكثار من الاراء ، وفي ذلك يقول الكتاب: ان المهرة لا يجادلون ؛ وأصحاب الجدل عطل من المهارة. واذا ما نبذنا المعارف نجونا من المتاعب. والحكيم يبقي الناس على الدوام بلا فهم ولا شهوة ، واذا عثر من لهم فهم منعهم من الاقدام على العمل. وان الاقدمين الذين أظهروا براعتهم في العمل بما في الدولم يعملوا ما عملوه لينيروا عقول الناس بل ليجعلوهم سذجا جهلاء.

والصعوبة التي يقابلها الحكام انما تنشأ من كثرة ما عند الناس من الفهم ، ومن يحاول حكم دولة من الدول بفهمه وحكمته ينكل بها ويفسد شئونها ، أما الذي لا يعمل هذا فهونعمة لها وبركة. وانما كان صاحب الفكر خطرا على الدولة لأنه لا يفكر الا في الانظمة والقوانين ؛ فهويرغب في اقامة مجتمع على قواعد هندسية ، ولا يدرك حتى أنظمته انما تقضي على ما يتمتع به المجتمع من حرية حيوية ، وما في أجزائه من نشاط وقوة. أما الرجل البسيط الذي يعهد من تجاربه ما في العمل الذي يتصوره ويقوم به بكامل حريته من لذة ، وما ينتجه من ثمرة ، فهوأقل من العالم خطرا على الامة اذا تولى تدبير أمورها ، لأنه لا يحتاج إلى من يدله على حتى القانون شديد الخطر عليها ، وأنه قد يضرها أكثر مما ينفعها. فهذا الرجل لا يضع للناس من الانظمة الا أقل قدر مستطاع ، واذا تولى قيادة الامة ابتعد بها عن جميع أفانين الخداع والتعقيد ، وقادها نحوالبساطة العادية التي تسير فيها الحياة سيرا حكيما على النهج الطبيعي الحكيم الرتيب الخالي من التفكير ، وحتى الكتابة نفسها يهمل أمرها في هذا النمط من الحكم لأنها أداة غير طبيعية تهدف إلى الشر. فإذا تحررت غرائز الناس الاقتصادية التلقائية التي تحركها شهوة الطعام والحب من القيود التي تفرضها الحكومات دفعت عجلة الحياة في مسيرها البسيط السليم. وفي هذه الحال تقل المخترعات التي لا تفيد الا في زيادة ثراء الاغنياء وقوة الاقوياء ؛ وتنمحي الخط والقوانين والصناعات ولا تظل الا التجارة القروية. "ان كثرة النواهي والمحرمات في المملكة تزيد من فقر الأهلين. وحدثا زاد عدد الأدوات التي تضاعف من كسبهم زاد نظام الدولة والعشيرة اضطرابا ، وحدثا زاد ما يجيده الناس من أعمال الختل والحذق زاد عدد ما يلجئون إليه من حيل غريبة وحدثا كثرت الشرائع والقوانين كثر عدد اللصوص وقطاع الطرق ؛ ولهذا نطق أحد الحكماء: " لن أعمل شيئا ، فيتبدل الناس من تلقاء أنفسهم ، وسأولع بأن أبقى ساكنا فينصلح الناس من تلقاء أنفسهم ، ولن أشغل بالي بأمور الناس فيثرى الناس من تلقاء أنفسهم ؛ ولن أظهر شيئا من المطامع فيصل الناس من تلقاء أنفسهم إلى ما كانوا عليه من سذاجة بدائية.

وسأنظم الدولة الصغيرة القليلة السكان بحيث اذا عثر فيها أفراد للواحد منهم من الكفايات ما لعشرة رجال أومائة رجل فلنقد يكون لهؤلاء الافراد عمل ؛ وسأجعل الناس فيها ، وان نظروا إلى الموت على أنه شيء محزن يؤسف له ، لا يخرجون منها (لينجوا بأنفسهم منه) ؛ ومع حتى لهم سفنا وعربات فإنهم لا يرون ما يدعوا إلى ركوبها ؛ ومع حتى لهم ثيابا منتفخة وأسلحة حادة ، فإنهم لا يجدون ما يدعوا إلى لبس الاولى أواستخدام الثانية ، وسأجعل الناس يعودون إلى استخدام الحبال المعقودة. وسيرون حتى طعامهم (الخشن) وملابسهم (البسيطة) جميلة ، ومساكنهم (الحقيرة) أمكنة للراحة ، وأساليبهم العادية المألوفة مصادر للذة والمتعة ، وإذا كانت هناك دولة مجاورة قريبة منا نراها بأعيننا وتصل إلى آذاننا منها نقنقة الدجاج ونباح الكلاب ، فإني لن أجعل للناس وان طال عمرهم صلة بها إلى يوم مماتهم". ترى ما هي هذه الطبيعة التي يرغب لَوْ- دزه ، في حتى يتخذها مرشدا له وهاديا،يا ترى؟ ان هذا المفهم القديم يفرق بين الطبيعة والحضارة تفريقا محددا واضح المعالم ، كما عمل روسومن بعده في عباراته الطنانة الرنانة التي يطلق عليها الناس اسم "التفكير الحديث" ؛ فالطبيعة في نظره هي النشاط التلقائي ، وانسياب الحوادث العادية المألوفة ، وهي النظام العظيم الذي تتبعه الفصول وتتبعه السماء ؛ وهي الدوأوالطريقة الممثلة المجسمة في جميع مجرى وكل صخرة وكل نجم ؛ وهي قانون الاشياء العادل الذي لا يحفل بالاشخاص ، ولكنه مع ذلك قانون معقول يجب حتى يخضع له قانون السلوك اذا اراد الناس حتى يعيشوا في حكمة وسلام.

وقانون الاشياء هذا هوالدوأوطريقة الكون كما حتى قانون السلوك هوالدوأوطريقة الحياة. ويرى لودزه ، حتى الدوين في واقع الامر دوواحد وأن الحياة في تناغمها الاساسي السليم ليست الا جزءا من تناغم الكون. وفي هذا الدوالكوني تتوحد جميع قوانين الطبيعة وتكون مادة الحقائق كلها التي يقول بها اسبنوزا ؛ وفيه تجد جميع الصور الطبيعية على اختلاف أنواعها مكانها السليم ، وتجتمع جميع المظاهر التي تبدوللعين مختلفة متناقضة ، وهوالحقيقة المطلقة التي تتجمع فيها جميع الخصائص والمعضلات لتتكون منها وحدة هيجل Hegel الكاملة". ويقول لوإذا طبيعة قد جعلت حياة الناس في الايام الخالية بسيطة آمنة ، فكان العالم كله هنيئا سعيدا. ثم حصل الناس "الفهم" فعقدوا الحياة بالمخترعات وخسروا جميع طهارتهم الذهنية والخلقية ، وانتقلوا من الحقول إلى المدن ، وشرعوا يؤلفون الخط ، فنشأ من ذلك جميع ما أصاب الناس من شقاء ، وجرت من أجل ذلك دموع الفلاسفة. فالعاقل اذن من يبتعد عن هذا التعقيد الحضري وهذا التيه المفسد الموهن تيه القوانين والحضارة ، ويختفي بين أحضان الطبيعة ، بعيدا عن المدن والخط ، والموظفين المرتشين ، والمصلحين المغترين.

وسر الحكمة كلها وسر القناعة الهادئة ، وهي وحدها التي يجد فيها الانسان السعادة الابدية ، هوالطاعة العمياء لقوانين الطبيعة ، ونبذ جميع أساليب الخداع وأفانين العقل ، وقبول جميع أوامر الطبيعة الصادرة من الغرائز ، والشعور في ثقة واطمئنان ، والجري على سنن الطبيعة الصامتة وتقليدها في تواضع. ولعلنا لا نجد في الأدب كله فقرة أكثر انطباقا على العقل والحكمة من الفقرة الآتية: ان جميع ما في الطبيعة من أشياء تعمل وهي صامتة ، وهي توجد وليس في حوزتها شيء ، تؤدي واجبها دون حتى تكون لها مطالب ، وكل الاشياء على السواء تعمل عملها ثم تراها تسكن وتخمد ، واذا ما ترعرعت وازدهرت عاد جميع منها إلى أصله ، وعودة الاشياء إلى أصولها معناها راحتها وأداؤها ما قدر لها حتى تؤديه. وعودتها هذه قانون أزلي ، وفهم هذا القانون هي الحكمة. والخمود الذي هونوع من التعطل الفلسفي وامتناع عن التدخل في سير الاشياء الطبيعي وهوما يمتاز به الحكيم في جميع مناحي الحياة ، فاذا كانت الدولة مضطربة مختلة النظام فخير ما يعمل بها ألا يحاول الانسان اصلاح أمورها ، بل حتى يجعل حياته نفسها أداء منظما لواجبه ، واذا ما لاقى الانسان مقاومة فأحكم السبل ألا يكافح أويقاتل أويحارب بل حتى يتروى في سكون ، وأن يكسب ما يريد حتى يكسبه ، اذا كان لا بد من الكسب ، بالخضوع والصبر ؛ ذلك حتى المرء ينال من النصر بالسكون أكثر مما يناله بالعمل ، وفي هذا يحدثنا لو- دزه حديثا لا يكاد يختلف في لهجته عن حديث المسيح: "اذا لم تقاتل الناس فان أحدا على ظهر الارض لن يستطيع حتى يقاتلك. قابل الاساءة بالإحسان. أنا خير للأخيار ، وخير أيضا لغير الأخيار ؛ وبذلك يصير الناس جميعاأخيارا ؛ وأنا مخلص للمخلصين ، ومخلص أيضا لغير المخلصين وبذلك يصير الناس جميعامخلصين.

وألين الأمور في العالم تصدم أصلبها وتتغلب عليها. وليس في العالم شيء ألين أوأضعف من الماء ، ولكن لا شيء أقوى من الماء في مغالبة الأمور الصلبة القوية". وتبلغ هذه الآراء غايتها في الصورة التي يتخيلها "لو" للرجل الحكيم. وقبل حتى نرسم للقارئ هذه الصورة نقول حتى من أخص خصائص المفكرين الصينيين أنهم لا يتحدثون عن القديسين بل يتحدثون عن الحكماء ، وأنهم لا يتحدثون عن الصلاح بقدر ما يتحدثون عن الحكمة. فليس الرجل المثالي في نظر الصينيين هوالتقي العابد ، بل هوصاحب العقل الناضج الهادئ ، الذي يعيش عيشة البساطة والسكون وان كان خليقا بأن يشغل مكانا ساميا في العالم. ذلك حتى السكون هوبداية الحكمة ، والحكيم لا يتحدث حتى على الدووالحكمة ، لأن الحكمة لا تنقل الا بالقدوة والتجربة لا بالألفاظ ؛ والذي يعهد الطريقة لا يتحدث عنها ؛ والذي يتحدث عنها لا يعهدها ؛ والذي يعهدها يقفل فاه ويسد أبواب خياشيمه" ، والحكيم شيمته التواضع ، لأن الانسان متى بلغ الخمسين من عمره فقد آن له حتى يدرك حتى الفهم شيء نسبي ، وأن الحكمة شيء ضعيف سهل العطب ؛ واذا عهد الحكيم أكثر مما يعهد غيره من الناس حاول حتى يخفي ما يعهده "فهويحاول حتى يقلل من سناه ولألائه ويوائم بين سناه وقتام غيره ؛ وهويتفق مع السذج أكثر مما يتفق مع الفهماء ، ولا يألم من غريزة المعارضة التي هي غريزة طبيعية في الأحداث المبتدئين. وهولا يعبأ بالثروة أوالسلطان ، بل يخضع شهواته إلى الحد الادنى الذي يكاد يتفق مع العقيدة البوذية: "ليس لشيء عندي قيمة ، وأشتهي حتى يخضع قلبي خضوعا تاما ، وأن يفرغ حتى لا يبقى فيه شيء قط. يجب حتى يبلغ الفراغ أقصى درجاته ، وأن يحاط السكون بقوة لا تمل. ومن كانت هذه صفاته لا يمكن حتى يعامل بجفاء أوفي غير كلفة. وهوأكبر من حتى يتأثر بالمكاسب أوالاذى وبالنبل أوالانحطاط وهوأنبل انسان تحت قبة السماء".

ولسنا نرى حاجة لبيان ما في هذه الآراء من اتفاق مع آراء جان جاك روسووحسبنا حتى نقول ان الرجلين قد صبا في نطقب واحد مهما يكن بعد ما بينهما من الزمن ، وان فلسفتهما من نوع الفلسفة التي تظهر وتختفي ثم تعود إلى الظهور في فترات دورية ؛ ذلك بأن الناس في جميع جيل يملون ما في حياة المدن من كفاح وقسوة وتعقيد وتسابق ، فيخطون عن مباهج الحياة الريفية الرتيبة كتابة تستند إلى الخيال أكثر مما تستند إلى الفهم بحقائق الامور. وما من شك في حتى المرء لا بد له من خبرة سابقة طويلة بحياة المدن اذا شاء حتى يخط شعرا عن الريف "والطبيعة" لفظ طيع سهل على لسان جميع باحث في الاخلاق أوالدين ؛ وهولا يوائم فهم دارون ولا أخلاقية نتشة أكثر مما يوائم فلسفة "لودزه" والمسيح المتعقلة الحلوة. ذلك حتى الانسان اذا ما سار على سنن الطبيعة أدى به هذا إلى اغتال أعدائه وأكل لحومهم لا إلى ممارسة الفلسفة ، وقلّ حتىقد يكون وضيعا ذليلا ، وأقل من هذا حتىقد يكون هادئا ساكنا. بل ان فلح الارض- وهوالعمل الشاق المؤلم- لا يوائم قط ذلك الجنس من الناس الذي اعتاد الصيد والقتل ؛ ولهذا كانت الزراعة من الاعمال "غير الطبيعية" مثلها في هذا كمثل الصناعة سواء بسواء. على حتى في هذه الفلسفة رغم هذا كله شيئا من السلوى وراحة البال. وأكبر ظننا أننا نحن أيضا حين تبدأ نيران عواطفنا في الخمود سنرى فيها غير قليل من الحكمة ؛ وسنرى فيها السلم المريح الذي ينبعث من الجبال غير المزدحمة ومن الحقول الرحبة. ان الحياة تتأرجح بين فولتير وروسو، وبين كونفوشيوس ولو- دزه ، وبين سقراط والمسيح. واذا ما استقرت جميع فكرة زمنا ما في عقولنا ، ودافعنا عنها دفاعا ليس فيه شئ من البسالة أومن الحكمة ، مللنا نحن أيضا تلك المعركة وهجرنا إلى الشباب ما كان قد تجمع لدينا من مثل عليا تناقص عديدها.

فاذا ما وقع هذا لجأنا إلى الغابات مع جان جاك ومع لو- دزه وأمثالهما ؛ وصادقنا الحيوان ؛ وتحدثنا ونحن أكبر رضا وأطمئنانا من مكيفلي إلى عقول الزراع السذج ، وهجرنا العالم ينضح بالشرور ، ولم نفكر قط في اصلاحه. ولعلنا وقتئذ نحرق وراءنا جميع كتاب فيه الا كتابا واحدا ، ولعلنا نجد خلاصة الحكمة كلها في الدو- دي- جنج. وفي وسعنا حتى نتصور ما كان لهذه الفلسفة في نفس كنفوشيوس من أثر مؤلم محنق. فقد اتى هذا الفيلسوف في سن الرابعة والثلاثين ، وهي السن التي لا يكتمل فيها نضوج الذهن ، إلى لويانج حاضرة جوليستشير المفهم الكبير في بعض أمور دقيقة ذات صلة بالتاريخ وينطق ان لو- دزه أجابه إجابة فظة غامضة قصيرة: "ان الذين تسأل عنهم قد استحالوا هم وعظامهم ترابا ، ولم يبق إلا الفاظهم ، واذا ما حانت ساعة الرجل العظيم قام من فوره وتولى القيادة ، أما قبل حتى تحين هذه الساعة فإن العقبات تقام في سبيل جميع ما يحاوله. ولقد سمعت حتى التاجر الموفق يحرص على اخفاء ثروته ، ويعمل عمل من لا يملك شيئا من حطام الدنيا- وأن الرجل العظيم سهل في أخلاقه ومظهره رغم ما يقوم به من جلائل الاعمال ، فتخلص من كبريائك ومطامعك الكثيرة ، وتصنعك وآمالك المفرطة البعيدة. ان هذه كلها لا تحمل قط من أخلاقك. وهذا ما أشير به عليك". ويقول المؤرخ الصيني الذي يروي هذه السيرة ان كونفوشيوس أحسّ من فوره بسداد هذه النصيحة ، ولم ير في هذه الألفاظ ما يسيء إليه ، بل أنه رأى فيها عكس هذا ، ونطق لتلاميذه بعد حتى عاد من عند الفيلسوف المحتضر: "إني أعهد كيف من الممكن أن يطير الطير، ويسبح السمك، ويجري الحيوان ؛ ولكن الذي يجري على الارض يمكن اقتناصه ، والذي يسبح في الماء يمكن صيده ، والذي يطير في الجويمكن اصابته بالسهام. غير حتى هناك تنينا مهولا- ولست أستطيع حتى أقول كيف من الممكن أن يركب الريح ويخترق به السحاب ويعلوفي أجواز الفضاء. لقد قابلت اليوم لو- دزه ، ولست أستطيع حتى أجد له مثيلا غير التنين". ثم خرج المفهم الجديد ليؤدي رسالته ، وليكون أعظم فلاسفة التاريخ أثراً.



كنفوشيوس

الحكيم يبحث عن دولة

ولد كونج- فو- دزه أوكونج المفهم كما كان تلاميذ كونج- تشيويسمونه في عام 551 ق.م في مدينة تشو- فوإحدى البلاد التي كانت تُكوّن وقتئذ مملكة لو، والتي تُكوّن الآن ولاية شان تونج. وتصف الأقاصيص الصينية ، وهي التي لا تضارعها أقاصيص أخرى في خصب خيالها ، كيف من الممكن أن أعربت الأشباح إلى أمه الشابة مولده غير الشرعي ، وكيف كانت الهولات تحرسها والأرواح الإناث تعطي لها الهواء وهي تلده في أحد الكهوف. وتقول تلك الأقاصيص إنه كان له ظهر تنين ، وشفتا ثور ، وفم في سعة البحر ، وإنه ولد من أسرة هي أقدم الأسر الباقية على قيد الحياة إلى الآن لأنه (كما يؤكد فهماء الأنساب الصينيون) من نسل الإمبراطور العظيم هوانج- دي ، وإن له أحفاداً كثيرين ، وإن نسله لم ينبتر إلى وقتنا هذا. ولقد بلغ عدد من تناسل منهم منذ مائة عام أحد عشر ألفاً من الذكور ، ولا تزال البلدة التي ولد فيها حتى هذا اليوم لا يعمرها إلا نسله- أوبعبارة أدق إلا نسل ابنه الوحيد ؛ ومن نسله وزير المالية في الحكومة الصينية القائمة للآن في نانكنج.

وكان والد كونج في السبعين من عمره حين ولد له ولده ، ومات حين بلغ ابنه سن الثالثة. وكان كنفوشيوس يعمل بعد الفراغ من المدرسة ليساعد على إعالة والدته ، ولعله قد تعود في طفولته تلك الرزانة التي هي من خصائص كبار السن ، والتي لازمته في جميع خطوة خطاها طوال حياته. لكنه مع هذا عثر متسعاً من الوقت يحذق فيه الرماية والموسيقى ؛ وبلغ من شدة ولعه بالموسيقى أنه كان يستمع مرة إلى لحن مطرب ، فتأثر به تأثراً حمله على حتى يمتنع عن أكل اللحوم ، وظل بعدئذ ثلاثة أشهر لا يذوق فيها اللحم أبداً. ولم يكن يتفق اتفاقاً تاماً مع تخصصه في حتى ثمة شيئاً من التناقض بين الفلسفة والزواج ، ذلك أنه تزوج في التاسعة عشرة من عمره ، ولكنه طلق زوجته وهوفي الثالثة والعشرين ، ويلوح أنه لم يتزوج بعدها أبداً. ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره بدأ يشتغل بالتعليم ، واتخذ داره مدرسة له ، وكان يتقاضى من تلاميذه ما يستطيعون أداءه من الرسوم مهما كانت قليلة. وكانت الموارد التي يضمها برنامجه ثلاثاً: التاريخ والشعر وآداب اللياقة.

ومن أقواله: "إن أخلاق الرجل تكونها القصائد وتنميها المراسم" (أي آداب الحفلات والمجاملات) "وتعطرها الموسيقي". وكان تعليمه كتعليم سقراط شفهياً لا يلجأ فيه إلى الكتابة ، ولهذا فإن أكثر ما نعهده من أخباره قد وصل إلينا عن طريق أتباعه ومريديه ، وذلك مصدر لا يوثق به. وقد هجر إلى الفلاسفة مثلاً قل حتى يعبئوا به- وهوألا يهاجموا قط غيرهم من المفكرين ، وألا يضيعوا وقتهم في دحض حججهم. ولم يكن يفهم طريقة من طرائق المنطق الدقيق ، ولكنه كان يشحذ عقول تلاميذه بأن يعرض بأخطائهم في رفق ويطلب إليهم شدة اليقظة العقلية.

ومن أقواله في هذا المعنى: "إذا لم يكن من عادة الشخص حتى يقول: ماذا أرى في هذا،يا ترى؟ فإني لا أستطيع حتى أعمل له شيئاً". وإني لا أفتح باب الحق لمن لا يحرص على معهدته ، ولا أعين من لا يعنى بالإفصاح عما يكنه في صدره. وإذا ما عرضت ركناً من موضوع ما على إنسان ، ولم يستطع مما عرضته عليه حتى يعهد الثلاثة الأركان الباقية فإني لا أعيد عليه درسي" ، ولم يكن يشك في حتى صنفين اثنين من الناس هما وحدهما اللذان لا يستطيعان حتى يفيدا من تعاليمه وهما أحكم الحكماء وأغبى الأغبياء ، وأن لا أحد يستطيع حتى يفهم الفلسفة الإنسانية بأمانة وإخلاص دون حتى تصلح دراستها من خلقه وعقله. "وليس من السهل حتى نجد إنسانا واصل الدرس ثلاث سنين دون حتى يصبح إنساناً صالحاً". ولم يكن له في بادئ الأمر إلا عدد قليل من التلاميذ ، ولكن سرعان ما تواترت الإشاعات بأن وراء شفتي الثور والفم الواسع كالبحر قلباً رقيقاً وعقلاً يفيض بالفهم والحكمة ، فألتف الناس حوله حتى استطاع في آخر أيام حياته حتى يفخر بأنه قد تخرج على يديه ثلاثة آلاف شاب غادروا منزله ليشغلوا مراكز خطيرة في العالم.

وكان بعض الطلبة- وقد بلغ عددهم في وقت من الأوقات سبعين طالباً- يعيشون معه كما يعيش الطلبة الهنود المبتدئون مع مدرسيهم (الجورو) ؛ ونشأت بين المدرس وتلاميذه صلات ود وثيقة دفعت هؤلاء التلاميذ في بعض الأحيان إلى الاحتجاج على أستاذهم حين رأوه يعرّض نفسه للخطر أواسمه للمهانة. وكان رغم شدته عليهم يحب بعضهم أكثر مما يحب ابنه ، ولما توفي هُوِي بكى عليه حتى قرحت دموعه مآقيه. وسأله دوق جاي يوماً من الأيام أي تلاميذه أحبهم إلى المفهم فأجابه: "لقد كان أحبهم إلى الفهم ين هُوِى ، لقد كان يحب حتى يتفهم. ولم أسمع بعد عن إنسان يحب حتى يتفهم (كما كان يحب هُوِي). لم يقدم لي هُوِي معونة ، ولم أقل قط شيئاً لم يبتهج له. وكان إذا غضب كظم غيظه ؛ وإذا أخطأ مرة لم يعد إلى خطئه. ومما يؤسف له أنه كان قصير الأجل فمات وليس له في هذا الوقت (نظير). وكان الطلبة الكسالى يتحاشون لقاءه فإذا لقيهم قسا عليهم ، وذلك لأنه لم يكن يتورع عن حتى يفهم الكسول بضربة من عكازته ويطرده من حضرته دون حتى تأخذه به رأفة. ومن أقواله: "ما أشقى الرجل الذي يملأ بطنه بالطعام طوال اليوم ، دون حتى يجهد عقله في شيء. لا يتواضع في شبابه التواضع الخليق بالأحداث ، ولا يعمل في رجولته شيئاً خليقاً بأن يأخذه عنه غيره ، ثم يعيش إلى أرذل العمر- إذا هذا الإنسان وباء". وما من شك في أنه كان يظهر غريب المنظر وهوواقف في حجرته أوفي الطريق العام ، يفهم مريديه التاريخ والشعر والآداب العامة والفلسفة ، ولا يقل استعداده وهوفي الطريق عن استعداده وهوفي حجرته. وتمثله الصور التي رسمها له المصورون الصينيون في آخر سني حياته رجلاً ذا رأس أصلع لا تكاد تنموعليه شعرة ، قد تجعد وتعقد لكثرة ما مر به من التجارب ، ووجه ينم عن الجد والرهبة ولا يشعر قط بما يصدر عن الرجل في بعض الأحيان من فكاهة ، وما ينطوي عليه قلبه من رقة ، وإحساس بالجمال مرهف يُذكّر المرء بأنه أمام إنسان من الآدميين رغم ما يتصف به من كمال لا يكاد يطاق ، وقد وصفه في أيام كهولته الأولى مدرس له كان ممن يفهمونه الموسيقى فنطق: "لقد تبينت في جونج- تي كثيراً من دلائل الحكمة ، فهوأجبه واسع العين ، لا يكاد يفترق في هذين الوصفين عن هوانج- دي. وهوطويل الذراعين ذوظهر شبيه بظهر السلحفاة ، ويبلغ طول قامته تسع أقدام (صينية) وست بوصات. وإذا تحدث أثنى على الملوك الأقدمين ، وهويسلك سبيل التواضع والمجاملة ؛ وما من موضوع إلا سمع به ، قوي الذاكرة لا ينسى ما يسمع ؛ ذوفهم بالأمور لا يكاد ينفد. ألسنا نجد فيه حكيماً ناشئاً؟". وتعزوإليه الأقاصيص "تسعاً وأربعين صفة عجيبة من صفات الجسم يمتاز بها عن غيره من الناس". ولما فرّقت بعض الحوادث بينه وبين مريديه في أثناء تجواله ، عهدوا مكانه على الفور من سيرة قصها عليهم أحد المسافرين ، نطق إنه التقى برجل بشع الخلقة "ذي منظر كئيب شبيه بمنظر الكلب الضال". ولما أعاد هذا القول على مسامع كنفوشيوس ضحك منه كثيراً ولم يزد على حتى نطق: "عظيم!عظيم!". وكان كنفوشيوس مفهماً من الطراز القديم يعتقد حتى التنائي عن تلاميذه وعدم الاختلاط بهم ضروريان لنجاح التعليم. وكان شديد المراعاة للمراسم ، وكانت قواعد الآداب والمجاملة طعامه وشرابه ، وكان يبذل ما في وسعه للحد من قوة الغرائز والشهوات وكبح جماحها بعقيدته المتزمتة الصارمة. ويلوح أنه كان يزكي نفسه في بعض الأحيان. ويروى عنه أنه نطق عن نفسه يوماً من الأيام منطقة فيها بعض التواضع- "قد يوجد في كفر من عشر أسر رجل في مثل نبلي وإخلاصي ، ولكنه لنقد يكون مولعاً بالفهم مثلي".

ونطق مرة أخرى "قد أكون في الأدب مساوياً لغيري من الناس ، ولكن (خلق) الرجل الأعلى الذي لا يختلف قوله عن عمله هوما لم أصل إليه بعد "لوعثر من الأمراء من يوليني عملاً لقمت في اثني عشر شهراً بأعمال جليلة ، ولبلغت (الحكومة) درجة الكمال في ثلاث سنين". على أننا نستطيع حتى نقول بوجه عام إنه كان متواضعا في عظمته. ويؤكد لنا تلاميذه حتى "المفهم كان مبرأ من أربعة عيوب ؛ كان لا يجادل وفي عقله حكم سابق مقرر ، ولا يتحكم في الناس ويفرض عليهم عقائده ، ولم يكن عنيداً ولا أنانياً". وكان يصف نفسه بأنه "ناقل غير منشىء". وكان يدعي حتى جميع ما يعمله هوحتى ينقل إلى الناس ما تفهمه من الإمبراطورين العظيمين يووشون. وكان شديد الرغبة في حسن السمعة والمناصب الرفيعة ، ولكنه لم يكن يقبل حتى يتراضى على شيء مشين ليحصل عليهما أويستبقيهما. وكم من مرة رفض منصباً رفيعاً عرضه عليه رجال بدا له حتى حكومتهم ظالمة.

وكان مما نصح به تلاميذه حتى من واجب الإنسان حتى يقول:"لست أبالي مطلقاً إذا لم أشغل منصباً كبيراً ، وإنما الذي أعنى به حتى أجعل نفسي خليقاً بذلك المنصب الكبير. وليس يهمني قط حتى الناس لا يعهدونني ؛ ولكنني أعمل على حتى أكون خليقاً بأن يعهدني الناس". وكان من بين تلاميذه أبناء هانج هِي ، أحد وزراء دوق لو، وقد وصل كنفوشيوس عن طريقهم إلى بلاط ملوك جوفي لو- يانج ، ولكنه ظل بعيداً بعض البعد عن موظفي البلاط ، وآثر على الاقتراب منهم زيارة الحكيم لو- دزه وهوعلى فراش الموت كما تجاوز القول. فلما عاد إلى لووجدها مضطربة ممزقة الأوصال بما قام فيها من نزاع وشقاق ، فانتقل منها إلى ولاية تشي المجاورة لها ومعه طائفة من تلاميذه مخترقين في طريقهم إليها مسالك جبلية وعرة مهجورة. ولشد ما كانت دهشتهم حين أبصروا في هذه القفار عجوزا تبكي بجوار أحد القبور. فأوفد إليها كنفوشيوس تسه- لويسألها عن سبب بكائها وحزنها ، فأجابته قائلة: "إن والد زوجي قد فتك به نمر في هذا المكان ، ثم ثنى النمر بزوجي ، وهاهوذا ولدي قد لاقى هذا المصير نفسه". ولما سألها كنفوشيوس عن سبب إصرارها على الإقامة في هذا المكان الخطر ، أجابته قائلة: "ليس في هذا المكان حكومة ظالمة". فالتفت كنفوشيوس إلى طلابه ونطق لهم: "أي أبنائي اذكروا قولها هذا ؛ إذا الحكومة الظالمة أشد وحشية من النمر". ومثل كنفوشيوس بين يدي دوق تشي وسرّ الدوق من جوابه حين سأله عن ماهية الحكومة الصالحة: "توجد الحكومة الصالحة حيثقد يكون الأمير أميراً ، والوزير وزيراً ، والأب أباً والابن ابناً" ، وعرض عليه الدوق نظير تأييده إياه خراج مدينة لن -شيو، ولكن كنفوشيوس رفض الهبة وأجابه بأنه لم يعمل شيئاً يستحق عليه هذا الجزاء. وأراد الدوق حتى يحتفظ به في بلاطه وأن يجعله مستشاراً له ، ولكن جان ينج كبير وزرائه أقنعه بالعدول عن رأيه ونطق له: "إن هؤلاء الفهماء رجال غير عمليين لا يستطاع تقليدهم ؛ وهم متغطرسون مغرورون بآرائهم ، لا يقنعون بما يعطى لهم من مراكز متواضعة. وللسيد كونج هذا من الخصائص ما يبلغ الألف عداً. ولوأردنا حتى نلم بكل ما يعهده عن مراسم الصعود والنزول لتطلب منا ذلك أجيالاً طوالاً". ولم يثمر هذا اللقاء ثمرة ما ، وعاد كنفوشيوس على أثره إلى لووظل يفهم تلاميذه فيها خمسة عشر عاماً أخرى قبل حتى يستدعى ليتولى منصباً عاماً في الدولة. وواتته الفرصة حين عُيّن في أواخر القرن السادس قبل الميلاد كبير القضاة في مدينة جونج- دو.

وتقول الرواية الصينية إذا المدينة في أيامه قد اجتاحتها موجة جارفة من الشرف والأمانة ، فكان إذا سقط شيء في الطريق بقي حيث هوأوأعيد إلى صاحبه. ولما رقاه الدوق دنج دوق لوإلى منصب نائب وزير الأشغال العامة شرع في مسح أرض الدولة وأدخل إصلاحات جمة في الشئون الزراعية ، وينطق أنه لما رقي بعدئذ وزير للجرائم كان مجرد وجوده في هذا المنصب كافياً لبتر دابر الجريمة. وفي ذلك تقول السجلات الصينية: "لقد استحت الخيانة واستحى الفساد حتى يطلاّ برأسيهما واختفيا ، وأصبح الوفاء والإخلاص شيمة الرجال ، كما أصبح العفاف ودماثة الخلق شيمة النساء. واتى الأجانب زرافات من الولايات الأخرى ، وأصبح كنفوشيوس معبود الشعب". إذا في هذا الإطراء من المبالغة ما يجعله موضع الشك ؛ وسواء كان خليقاً به أولم يكن فإنه كان أرقى من حتى يعمر طويلاً. وما من شك في حتى المجرمين قد أخذوا يأتمرون بالمفهم الكبير ويدبرون المكائد للإيقاع به. ويقول المؤرخ الصيني: إذا الولايات القريبة من "لو" دب فيها دبيب الحسد وخشيت على نفسها من قوة "لو" الناهضة. ودبّر وزير ماكر من وزراء تشي مكيدة ليفرق بها بين دوق "لو" وكنفوشيوس، فأشار على دوق تشي بأن يبعث إلى تنج بسرب من حسان "الفتيات المغنيات" وبمائة وعشرين جواداً تفوق الفتيات جمالاً.

وأسرت البنات والخيل قلب الدوق فغفل عن نصيحة كنفوشيوس (وكان قد فهمه حتى المبدأ الأول من مبادئ الحكم الصالح هوالقدوة الصالحة) ، فأعرض عن وزرائه وأهمل شئون الدولة إهمالاً معيباً. ونطق دزه لولكنفوشيوس: "أيها المفهم لقد آن لك حتى ترحل". واستنطق كنفوشيوس من منصبه وهوكاره ، وغادر لو، وبدأ عهد تجوال وتشرد دام ثلاثة عشر عاماً. ونطق فيما بعد "إنه لم ير قط إنساناً يحب الفضيلة بقدر ما يحب الجمال". والحق حتى من أغلاط الطبيعة التي لا تغتفر لها حتى الفضيلة والجمال كثيراً ما يأتيان منفصلين لا مجتمعين. وأصبح المفهم وعدد قليل من مريديه المخلصين مغضوباً عليهم في وطنهم ، فأخذوا يتنقلون من إقليم إلى إقليم ، يلقون في بعضها مجاملة وترحاباً ، ويتعرضون في بعضها الآخر لضروب من الحرمان والأذى. وهاجمهم الرعاع مرتين ، وكادوا في يوم من الأيام يموتون جوعاً ، وبرّح بهم ألم الجوع حتى شرع تْزَه- لونفسه يتذمر ويقول إذا حالهم لا تليق "بالإنسان الراقي". وعرض دوق وى على كنفوشيوس حتى يوليه رياسة حكومته، ولكن كنفوشيوس رفض هذا العرض ، لأنه لم تعجبه مبادئ الدوق. وبينما كانت هذه الفئة الصغيرة في يوم من الأيام تجوس خلال تشي إذ التقت بشيخين عافت نفسهما مفاسد ذلك العهد ، فاعتزلا الشئون العامة كما اعتزلها لودزه ، وآثرا عليها الحياة الزراعية البعيدة عن جلبة الحياة العامة. وعهد أحد الشيخين كنفوشيوس ، ولام تْزَه- لو، على سيره في ركابه ، ونطق له: "إن الاضطراب يجتاح البلاد اجتياح السيل الجارف ، ومن ذا الذي يستطيع حتى يبدل لكم هذه الحال،يا ترى؟ أليس خيراً لكم حتى تتبعوا أولئك الذين يعتزلون العالم كله ، بدل حتى تتبعوا ذلك الذي يخرج من ولاية إلى ولاية؟". وفكر كنفوشيوس في هذا اللوم طويلاً ولكنه لم يفقد راتىه في حتى تتيح له ولاية من الولايات فرصة يتزعم فيها حركة الإصلاح والسلم.

ولما بلغ كنفوشيوس التاسعة والستين من عمره جلس دوق جيه آخر الأمر على عرش لووأوفد ثلاثة من موظفيه إلى الفيلسوف يحملون إليه ما يليق من الهدايا بمقامه العظيم ، ويدعونه حتى يعود إلى موطنه. وقضى كنفوشيوس الأعوام الخمسة الباقية من حياته يعيش معيشة بسيطة معززاً مكرماً ، وكثيرا ما كان يتردد عليه زعماء لويستنصحونه ، ولكنه أحسن جميع الإحسان بأن قضى معظم وقته في عزلة أدبية منصرفاً إلى أنسب الأعمال وأحبها إليه وهونشر روائع الخط الصينية وكتابة تاريخ الصينيين. ولما سأل دوق شي تْزَه- لوعن أستاذه ولم يجبه هذا عن سؤاله ، وبلغ ذلك الخبر مسامع كنفوشيوس ، نطق له: " لِمَ لم تجبه بأنه ليس إلا رجلاً ينسيه حرصه على طلب الفهم الطعام والشراب ، وتنسيه لذة (طلبه) أحزانه، وبأنه لا يدرك حتى الشيخوخة مقبلة عليه" وكان يسلي نفسه في وحدته بالشعر والفلسفة ، ويسره حتى غرائزه تتفق وقتئذ مع عقله ، ومن أقواله في ذلك الوقت: "لقد كنت في الخامسة عشرة من عمري مكباً على الفهم ، وفي الثلاثين وقفت ثابتاً لا أتزعزع ، وفي سن الأربعين زالت عني شكوكي ، وفي الخمسين من عمري عهدت أوامر السماء، وفي الستين كانت أذني عضواً طيعاً لتلك الحقيقة، وفي السبعين كان في وسعي حتى أطيع ما يهواه قلبي دون حتى يؤدي بي ذلك إلى تنكب طريق الصواب والعدل. ومات كنفوشيوس في الثانية والسبعين من عمره ، وسمعه بعضهم يوماً من الأيام يغني في الصباح الباكر تلك الأغنية الحزينة:

سيدك الجبل الشاهق دكا ،

وتتحطم الكتلة القوية ،

ويذبل الرجل الحكيم كما يذبل النبات.

ولما أقبل عليه تلميذه تْزَه- كونج نطق له: "لن يقوم في البلاد ملك ذكي أريب ؛ وليس في الإمبراطورية رجل يستطيع حتى يتخذني مفهماً له. لقد تصرم أجلي وحان يومي". ثم آوى إلى فراشه ومات بعد سبعة أيام من ذلك اليوم. وواراه تلاميذه التراب باحتفال مهيب جدير بما تنطوي عليه قلوبهم من حب له وجلال ، وأحاطوا قبره بأكواخ لهم أقاموا فيها ثلاث سنين يبكونه كما يبكي الأبناء آباءهم. وبعد حتى مضت هذه المدة غادروا جميعا أكواخهم إلاّ تْزَه- كونج ، وكان حبه إياه يفوق حبهم جميعاً ، فبقي بجوار قبر أستاذه ثلاث سنين أخرى واجماً حزيناً تتشعبه الهموم.


الخط التسعة

وهجر كنفوشيوس وراءه خمسة مجلدات يلوح أنه خطها أوأعدها للنشر بيده هونفسه ، ولذلك أصبحت تعهد في الصين باسم "الجنحات الخمسة" أو"خط القانون الخمسة". وكان أول ما خطه منها هواللي- جي أوسجل المراسم ، لاعتقاده حتى هذه القواعد القديمة من آداب اللياقة من الأسس الدقيقة التي لا بد منها لتكوين الأخلاق ونضجها ، واستقرار النظام الاجتماعي والسلام.

ثم خط بعدئذ ذيولاً وتعليقات على كتاب إلاي- جنج أوكتاب التغيرات ، وكان يرى حتى هذا الكتاب خير ما أهدته الصين إلى ذلك الميدان الغامض ميدان فهم ما وراء الطبيعة الذي كان جد حريص على ألا يلج بابه في فلسفته.

ثم اختار ورتب الشي- جنج أوكتاب الأناشيد ليشرح فيه كنه الحياة البشرية ومبادئ الأخلاق الفاضلة.

وخط بعد ذلك التشو- شيوأوحوليات الربيع والخريف، وقد سجل فيه تسجيلاً موجزاً خالياً من التنميق أبرز ما سقط من الأحداث في "لو" موطنه الأصلي.

وكان خامس أعماله الأدبية وأعظمها نفعا أنه أراد حتى يوحي إلى تلاميذه أشرف العواطف وأنبل الصفات فجمع في الشو- جنج أي كتاب التاريخ أبرز وأرقى ما وجده في حكم الملوك الأولين من الحوادث أوالأقاصيص التي تسموبها الأخلاق وتشرف الطباع، وذلك حين كانت الصين إمبراطورية موحدة إلى حد ما وحين كان زعماؤها ، كما يظن كنفوشيوس ، أبطالاً يعملون في غير أنانية لتمدين الشعب وحمل مستواه.

ولم يكن وهويعمل في هذه الخط يرى حتى وظيفته هي وظيفة المؤرخ بل كان فيها كلها مفهماً ومهذباً للشباب ، ومن أجل هذا اختار عن قصد من أحداث الماضي ما رآه ملهماً لتلاميذه لا موئساً لهم. فإذا ما عمدنا إلى هذه المجلدات لنستقي منها تاريخاً فهمياً نزيها لبلاد الصين فإنا بهذا العمل نظلم كنفوشيوس أشد الظلم. فقد أضاف إلى الحوادث الواقعية خطباً وقصصاً من عنده ، صب فيها أكثر ما يستطيع من الحض على الأخلاق الكريمة والإعجاب بالحكمة. وإذا كان قد جعل ماضي بلاده مثلاً أعلى بين ماضي الشعوب ، فإنه لم يعمل أكثر مما نعمله نحن‌ بماضينا الذي لا يعدل ماضي الصين في قدمه. وإذا كان رؤساء جمهوريتنا الأولون قد أضحوا حكماء وقديسين ، ولما يمض عليهم أكثر من قرن أوقرنين من الزمان ، فإنهم سيكونون بلا شك في نظر المؤرخ الذي يُحَدّث عنهم بعد ألف عام من هذه الأيام مثلاً علياً للفضيلة والكمال شأنهم في هذا شأن يووشون.

ويضيف الصينيون إلى هذه الجنحات الخمسة أربع شوءات أو"خط" (خط الفلاسفة) يتكون منها كلها "التسعة الخط القديمة". وأول هذه الخط وأهمها جميعاً كتاب لوق بوأوالأحاديث والمحاورات المعروف عند قُرَّاء اللغة الإنجليزية باسم "مجموعة الشذرات" أي شذرات كنفوشيوس ، كما سماه "لج Legge" في إحدى نزواته ، وليست تلك الخط مما خطه قلم المفهم الكبير ، ولكنها تسجل في إيجاز ووضوح منبتري النظير آراءه وأقواله كما يذكرها أتباعه. وقد جمعت كلها بعد بضع عشرات السنين من وفاته، ولعل الذين جمعوها هم مريدومريديه ، وهي أقل ما يرتاب فيه من آرائه الفلسفية. وأكثر ما في الخط الصينية القديمة طرافة وأعظمها تهذيباً ما اتى في الفقرتين الرابعة والخامسة من الشوالثاني ، وهوالمؤلف المعروف عند الصينيين باسم الداشوه أوالتعليم الأكبر. ويعزوالفيلسوف والناشر الكنفوشي جوشي هاتين الفقرتين إلى كنفوشيوس نفسه كما يعزوباقي الرسالة إلى دزنج- تسان أحد أتباعه الصغار السن. أما كايا- كويه العالم الصيني الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد فيعزوهما إلى كونج جي حفيد كنفوشيوس؛ على حين حتى فهماء اليوم المتشككين يجمعون على حتى مؤلفهما غير معروف. والفهماء كلهم متفقون على حتى حفيده هذا هومؤلف كتاب جونج يونج أوعقيدة الوسط وهوالكتاب الفلسفي الثالث من خط الصين. وآخر هذه الشوءات هوكتاب منشيس الذي سنتحدث عنه توّاً. وهذا الكتاب هوخاتمة الآداب الصينية القديمة وإن لم يكن خاتمة العهد القديم للفكر الصيني. وسنرى فيما بعد أنه خرج على فلسفة كنفوشيوس التي تعد آية في الجمود والمحافظة على القديم متمردون عليها وكفرة بها ذوومشارب وآراء متعددة متباينة.


لا أدرية كنفوشيوس

فلنحاول حتى نكون منصفين في حكمنا على هذه العقيدة. ولنقرّ بأنها ستكون نظرتنا إلى الحياة حين يجاوز الواحد منا الخمسين من عمره ، ومبلغ فهمنا أنها قد تكون أكثر انطباقاً على مقتضيات العقل والحكمة من شعر شبابنا. وإذا كنا نحن ضالين وشباناً فإنها هي الفلسفة التي يجب حتى نقرن بها فلسفتنا نحن ، لكي ينشأ مما لدينا من أنصاف الحقائق شئ يمكن فهمه وإدراكه. ولا يظن القارئ أنه سيجد في لا أدرية كنفوشيوس نظاماً فلسفياً- أي بناء منسقاً من علوم المنطق وما وراء الطبيعة والأخلاق والسياسة تسري فيه كله فكرة واحدة شاملة (فتحيله أشبه بقصور نبوخذ نصر (بختنصّر) التي نقش اسمه على جميع حجر من حجارتها). لقد كان كنفوشيوس يعلّم أتباعه فن الاستدلال ، ولكنه لم يكن يفهمهم إياه بطريق القواعد أوالقياس المنطقي ، بل بتسليط عقله القوي تسليطاً دائماً على آراء تلاميذه ؛ ولهذا فإنهم كانوا إذا غادروا مدرسته لا يعهدون شيئاً عن المنطق ولكن كان في وسعهم حتى يفكروا تفكيراً واضحاً دقيقاً. وكان أول الدروس ، التي يلقيها عليهم المفهم ، الوضوح والأمانة في التفكير والتعبير ، وفي ذلك يقول: "كل ما يقصد من الكلام حتىقد يكون مفهوما"- وهوتفهم لا تذكره الفلسفة في جميع الأحوال. "فإذا عهدت شيئاً فتمسك بأنك تعهده ؛ وإذا لم تعهده ؛ فأقرّ بأنك لا تعهده- وذلك في حد ذاته فهم".

وكان يرى حتى غموض الأفكار ، وعدم الدقة في التعبير ، وعدم الإخلاص فيه ، من الكوارث الوطنية القومية. فإذا كان الأمير الذي ليس أميراً بحق والذي لا يستمتع بسلطان الإمارة لا يسميه الناس أميراً ، وإذا كان الأب الذي لا يتصف بصفات الأبوة لا يسميه الناس أباً ، وإذا كان الابن العاق لا يسميه الناس ابناً ؛ إذا كان هذا كله فإن الناس قد يجدون في "تزه- لو" ما يحفزهم إلى إصلاح تلك العيوب التي طالما غطتها الألفاظ. ولهذا فإنه لما نطق لكنفوشيوس: "إن أمير ويه في انتظارك لكي تشهجر معه في حكم البلاد فما هوفي رأيك أول شيء ينبغي عمله،يا ترى؟ فأجابه كنفوشيوس جوابا دهش له الأمير والتلميذ: "إن الذي لا بد منه حتى تصحح الأسماء". ولما كانت النزعة المسيطرة على كنفوشيوس هي تطبيق مبادئ الفلسفة على السلوك وعلى الحكم فقد كان يتجنب البحث فيما وراء الطبيعة ، ويحاول حتى يصرف عقول أتباعه عن جميع الأمور الغامضة أوالأمور السماوية. سليم حتى ذكر "السماء" والصلاة كان َيرِدْ على لسانه أحياناً، وأنه كان ينصح أتباعه بألا يغفلوا عن الطقوس والمراسم التقليدية في عبادة الأسلاف والقرابين القومية ، ولكنه كان إذا وجه إليه سؤال في أمور الدين أجاب إجابة سلبية جعلت شرّاح آرائه المحدثين يجمعون على حتى يضموه إلى طائفة اللا أدريين. فلما حتى سأله تزه- كونج ، مثلا: "هل لدى الأموات فهم بشيء أوهل هم بغير فهم؟" أبى حتى يجيب جواباً صريحاً. ولما سأله كي -لو، عن "خدمة الأرواح" (أرواح الموتى) أجابه "إذا كنت عاجزاً عن خدمة الناس فكيف تستطيع حتى تخدم أرواحهم؟". وسأله كي- لو: "هل أجرؤ على حتى أسألك عن الموت؟" فأجابه: "إذا كنت لا تعهد الحياة ، فكيف يتسنى لك حتى تعهد شيئاً عن الموت". ولما سأله فارشي عن "ماهية الحكمة" نطق له: "إذا حرصت على أداء واجبك نحوالناس ، وبعدت جميع البعد عن الكائنات الروحية مع احترامك إياها أمكن حتى تسمي هذه حكمة".

ويقول لنا تلاميذه إذا "الموضوعات التي لم يكن المفهم يخوض فيها هي الأمور الغريبة غير المألوفة ، وأعمال القوة ، والاضطراب ، والكائنات الروحية". وكان هذا التواضع الفلسفي يقلق بالهم ، وما من شك في أنهم كانوا يتمنون حتى يحل لهم مفهمهم مشاكل السموات ويطلعهم على أسرارها. ويقص علينا كتاب- لياتزه وهومغتبط سيرة غلمان الشوارع الذين أخذوا يسخرون من كنفوشيوس حين أقر لهم بعجزه عن هذا السؤال السهل وهو: "هل الشمس أقرب إلى الأرض في الصباح حين تبدوأكبر ما تكون ، أوفي منتصف النهار حين تشتد حرارتها". وكل ما كان كنفوشيوس يرضى حتى يقره من البحوث فيما وراء الطبيعة هوالبحث عما بين الظواهر المتنوعة جميعهاً من وحدة ، وبذل الجهد لفهم ما يوجد من تناغم وانسجام بين قواعد السلوك الحسن واطراد النظم الطبيعية. ونطق مرة لأحد المقربين إليه: "أظنك يا تزه تعتقد أني من أولئك الذين يحفظون أشياء كثيرة ويستبقونها في ذاكرتهم؟" فأجابه تزه- كونج بقوله: "نعم أظن ذلك ولكني قد أكون مخطئاً في ظني؟" فرد عليه الفيلسوف قائلا "لا ، إني أبحث عن الوحدة ، الوحدة الكاملة" وذلك بلا ريب هوجوهر الفلسفة. وكانت الأخلاق مطلبه وهمه الأول ، وكان يرى حتى الفوضى التي تسود عصره فوضى خلقية ، لعلها نشأت من ضعف الإيمان القديم وانتشار الشك السفسطائي في ماهية الصواب والخطأ. ولم يكن علاجها في رأيه هوالعودة إلى العقائد القديمة ، وإنما علاجها هوالبحث الجدي عن فهم أتم من الفهم السابقة وتجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم. والفقرتان الآتيتان المنقولتان عن كتاب التعليم الأكبر تعبران أصدق تعبير وأعمقه عن المنهج الفلسفي الكنفوشي. "إن القدامى الذين أرادوا حتى ينشروا أرقى الفضائل في أنحاء الإمبراطورية قد بدءوا بتنظيم ولاياتهم أحسن تنظيم ، ولما أرادوا حتى يحسنوا تنظيم ولاياتهم بدءوا بتنظيم أسرهم ، ولما أرادوا تنظيم أسرهم بدءوا بتهذيب نفوسهم ؛ ولما أرادوا حتى يهذبوا نفوسهم بدءوا بتطهير قلوبهم ، ولما أرادوا حتى يطهروا قلوبهم عملوا أولاً على حتىقد يكونوا مخلصين في تفكيرهم ؛ ولما أرادوا حتىقد يكونوا مخلصين في تفكيرهم بدءوا بتوسيع دائرة معارفهم إلى أبعد حد مستطاع ، وهذا التوسع في المعارف لاقد يكون إلا بالبحث عن حقائق الأمور.

فلما حتى بحثوا عن حقائق الأمور أصبح فهمهم كاملاً ، ولما كمل فهمهم خلصت أفكارهم ، فلما خلصت أفكارهم تطهرت قلوبهم ، ولما تطهرت قلوبهم ، تهذبت نفوسهم ، ولما تهذبت نفوسهم انتظمت شئون أسرهم ، ولما انتظمت شئون أسرهم صلح حكم ولاياتهم ؛ ولما صلح حكم ولاياتهم أضحت الإمبراطورية كلها هادئة سعيدة. تلك هي مادة الفلسفة الكنفوشية ، وهذا هوطابعها ، وفي وسع الإنسان حتى ينسى جميع ما عدا هذه الألفاظ من أقوال المفهم وأتباعه ، وأن يحتفظ بهذه المعاني التي هي "جوهر الفلسفة وقوامها" وأكمل مرشد للحياة الإنسانية. ويقول كنفوشيوس "إن العالم في حرب لأن الدول التي يتألف منها فاسدة الحكم ؛ والسبب في فساد حكمها حتى الشرائع الوضعية مهما كثرت لا تستطيع حتى تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الذي تهيئه الأسرة. والأسرة مختلة عاجزة عن تهيئة هذا النظام الاجتماعي الطبيعي ، لأن الناس ينسون أنهم لا يستطيعون تنظيم أسرهم من غير حتى يُقوّموا نفوسهم وهم يعجزون عن حتى يقوموا أنفسهم لأنهم لم يطهروا قلوبهم أي أنهم لم يطهروا نفوسهم من الشهوات الفاسدة الدنيئة ؛ وقلوبهم غير طاهرة لأنهم غير مخلصين في تفكيرهم ، لا يقدرون الحقائق قدرها ويخفون طبائعهم بدل حتى يكشفوا عنها ؛ وهم لا يخلصون في تفكيرهم لأن أهواءهم تشوه الحقائق وتحدد لهم النتائج بدل حتى يعملوا على توسيع معارفهم إلى أقصى حد مستطاع ببحث طبائع الأمور بحثاً منزهاً عن الأهواء. فليسع الناس إلى المعارف المنزهة عن الهوى يخلصوا في تفكيرهم ، وليخلصوا في تفكيرهم تتطهر قلوبهم من الشهوات الفاسدة ؛ ولتطهر قلوبهم على هذه الصورة تصلح نفوسهم ؛ ولتصلح نفوسهم تصلح من نفسها أحوال أسرهم ؛ وليس الذي تصلح به هذه الأسر هوالمواعظ التي تحث على الفضيلة أوالعقاب الشديد الرادع ، بل الذي يصلحها هو، ما للقدوة الحسنة من قوة صامتة ؛ ولتنظم شئون الأسرة عن طريق الفهم والإخلاص والقدوة الصالحة ، يتهيأ للبلاد من تلقاء نفسه نظام اجتماعي يتيسر معه قيام حكم صالح. ولتحافظ الدولة على الهدوء في أرضها والعدالة في جميع أرجائها يسد السلام العالم بأجمعه ويسعد جميع من فيه- تلك نصيحة تدعوإلى الكمال المطلق وتنسى حتى الإنسان حيوان مفترس ؛ ولكنها كالمسيحية تحدد لنا هدفاً نسعى لندركه وسلماً نرقاه لنصل به إلى هذا الهدف. وما من شك في حتى في هذه النصوص قواعد فلسفية مضىية.


طريقة الرجل الأعلى

إذن فالحكمة تبدأ في البيت ، وأساس المجتمع هوالفرد المنظم في الأسرة المنتظمة ، وكان كنفوشيوس يتفق مع جوته في حتى الرُقيّ الذاتي أساس الرُقيّ الاجتماعي ؛ ولما سأله تزه- لو"ما الذيقد يكون الرجل الأعلى؟" أجابه بقوله "أن يثقف نفسه بعناية ممزوجة بالاحترام". ونحن نراه في مواضع متفرقة من محاوراته يرسم صورة الرجل المثالي كما يراه هوجزءاً جزءاً- والرجل المثالي في اعتقاده هوالذي تجتمع فيه الفلسفة والقداسة فيتكون منهما الحكيم. والإنسان الكامل الأسمى في رأي كنفوشيوس يتكون من فضائل ثلاث كان جميع من سقراط وتخصصه والمسيح يرى الكمال جميع الكمال في جميع واحدة منها بمفردها ؛ وتلك هي الذكاء والشجاعة وحب الخير. وفي ذلك يقول: "الرجل الأعلى يخشى ألا يصل إلى الحقيقة ، وهولا يخشى حتى يصيبه الفقر. وهوواسع الفكر غير متشيع إلى فئة. وهويحرص على ألاقد يكون فيما يقوله شئ غير سليم". ولكنه ليس رجلاً ذكياً وحسب ، وليس طالب فهم ومحباً للفهم وكفى ، بل هوذوخلق وذوذكاء. "فإذا غلبت فيه الصفات الجسمية على ثقافته وتهذيبه كان جلفاً ، وإذا غلبت فيه الثقافة والتهذيب على الصفات الجسمية تمثلت فيه أخلاق الخطة ؛ أما إذا تساوت فيه صفات الجسم والثقافة والتهذيب وامتزجت هذه بتلك كان لنا منه الرجل الكامل الفضيلة". فالذكاء هوالذهن الذي يضع قدميه على الأرض.

وقوام الأخلاق الصالحة هوالإخلاص، "وليس الإخلاص الكامل وحده هوالذي يميز الرجل الأعلى" "إنه يعمل قبل حتى يتحدث ، ثم يتحدث بعدئذ وفق ما عمل" "ولدينا في فن الرماية ما يشبه طريقة الرجل الأعلى. ذلك حتى الرامي إذا لم يصب مركز الهدف عاد إلى نفسه ليبحث فيها عن سبب عجزه". "إن الذي يبحث عنه الرجل الأعلى هوما في نفسه ؛ أما الرجل المنحط فيبحث عما في غيره. والرجل الأعلى يحزنه نقص كفايته ، ولا يحزنه. ألا يعهده الناس" ، ولكنه مع ذلك "يكره حتى يفكر في ألاّ يذكر اسمه بعد موته" وهومتواضع في حديثه ولكنه متفوق في أعماله. قل حتى يتحدث ، فإذا تحدث لم يشك قط في أنه سيصيب هدفه. والشيء الوحيد الذي لا يدانى فيه الرجل الأعلى هوعمله الذي لا يستطيع غيره من الناس حتى يراه". وهومعتدل في قوله وعمله "والرجل الأعلى يلتزم الطريق الوسط" في جميع شيء؛ ذلك حتى "الأمور التي يتأثر بها الإنسان كثيرة لا حصر لها ؛ وإذا لم يكن ما يحب وما يكره خاضعين للسنن والقواعد تبدلت طبيعته إلى طبيعة الأمور التي تعرض له" "والرجل الأعلى يتحرك بحيث تكون حركاته في جميع الأجيال طريقاً عاماً ؛ ويكون سلوكه بحيث تتخذه جميع الأجيال قانوناً عاماً ، ويتحدث بحيث تكون ألفاظه في جميع الأجيال مقاييس عامة لقيم الألفاظ" وهويستمسك أشد الاستمساك بالقاعدة المضىية التي نص عليها هنا صراحة قبل هِلِل بأربعة قرون وقبل المسيح بخمسة: "فقد سأل جونج- جونج المفهم عن الفضيلة الكاملة فكان جوابه. الفضيلة الكاملة ألا تعمل بغيرك ما لا تحب حتى يعمل بك". وهذا المبدأ يتكرر مراراً وهودائماً يتكرر في صيغة النفي ، وقد ذكر مرة في حدثة واحدة. ذلك حتى تزه- جونج سأله مرة: أليس ثمة حدثة واحدة يستطيع الإنسان حتى يتخذها قاعدة يسير عليها طوال حياته،يا ترى؟ فأجابه المفهم: أليست هذه الحدثة هي المبادلة؟" ، ولكنه لم يكن يرغب فيما يرغب فيه لوَ دْزَه وهوحتى يقابل الشر بالخير ، فلما حتى سأله أحد تلاميذه: "ما قولك في المبدأ القائل بأن الإساءة يجب حتى تجزى بالإحسان؟" أجاب بحدة لم يألفها تلاميذه منه: "وبأي شيء إذن تجزي الإحسان،يا ترى؟ لتكن العدالة جزاء الإساءة ، وليكن الإحسان جزاء الإحسان". وكان يرى حتى القاعدة الأساسية التي تقوم عليها أخلاق الرجل الأعلى هي العطف الفياض على الناس جميعاً. والرجل الأعلى لا يغضبه حتى يسموغيره من الناس ، فإذا رأى أفاضل الناس فكر في حتىقد يكون مثلهم ؛ وإذا رأى سفلة الناس عاد إلى نفسه يتقصى حقيقة أمره"،يا ترى؟ ذلك أنه قلما توجد أخطاء لا نشهجر فيها مع جيراننا. وهولا يبالي حتى يفتري عليه الناس أويسلقوه بألسنة حداد ، مجامل بشوش لجميع الناس ، ولكنه لا يكيل المدح جزافاً ؛ لا يحقر من هم أقل منه ، ولا يسعى لكسب رضاء من هم أعلى منه ، وهوجاد في سلوكه وتصرفاته ، لأن الناس لا يوقّرون من لا يلتزم الوقار في تصرفاته معهم ؛ متريث في أقواله ، حازم في سلوكه ، يصدر في أعماله عن قلبه ؛ غير متعجل بلسانه ولا مولع بالإجابات البارعة السكاتة ؛ وهوجاد لأن لديه عملاً يحرص على أدائه- وهذا هوسر مهابته غير المتكلفة ؛ وهوبشوش لطيف حتى مع أقرب الناس إليه وألصقهم به ، ولكنه يصون نفسه عن التبذل مع الناس جميعاً حتى مع ابنه.

ويجمع كنفوشيوس صفات رجله الأعلى الكثير الشبه "برجل أرسطوذي العقل الكبير" في هذه العبارة. "يضع الرجل الأعلى نصب عينيه تسعة أمور لا ينفك يقلبها في فكره. فأما من حيث عيناه فهويحرص على حتى يرى بوضوح ، وأما من حيث وجهه فهويحرص على حتىقد يكون بشوشاً ظريفاً ؛ وأما من حيث سلوكه فهويحرص على حتىقد يكون وقوراً ؛ وفي حديثه يحرص على حتىقد يكون مخلصاً ؛ وفي تصريف شئون عمله يحرص على حتى يبذل فيه عنايته ، وأن يبعث الاحترام فيمن معه ؛ وفي الأمور التي يشك فيها يحرص على حتى يسأل غيره من الناس ؛ وإذا غضب فكر فيما قد يجره عليه غضبه من الصعاب ؛ وإذا لاحت له المكاسب فكر في العدالة والاستقامة.

سياسة كنفوشيوس

ويعتقد كنفوشيوس حتى هؤلاء وحدهم هم الذين يستطيعون حتى يعيدوا بناء الأسرة وأن ينقذوا الدولة. فالمجتمع يقوم على إطاعة الأبناء آباءهم ؛ والزوجة زوجها ؛ فإذا مضىت هذه الطاعة حلت محلها الفوضى. وليس ثمة ما أسمى من قانون الطاعة هذا إلا شيء واحد وهوالقانون الأخلاقي. "في وسع (الابن) وهوفي خدمة أبويه حتى يجادلهما بلطف ؛ فإذا رأى أنهما لا يميلان إلى اتباع (نصيحته) زاد احترامه لهما ، من غير حتى يتخلى عن (قصده) ؛ فإذا أمر الوالد ابنه أمراً خطأ وجب عليه حتى يقاومه ، وعلى الوزير حتى يقاوم أمر سيده الأعلى في مثل هذه الحال". وفي هذا القول يضع كنفوشيوس مبدأ من مبادئ منشيس التي تقرر حق الناس المقدس في الثورة.

على حتى كنفوشيوس لم يكن بالرجل الثوري النزعة ؛ ولعله ما كان يظن حتى من تحملهم الثورة لم يخلقوا من طينة غير طينة من تطيح بهم. ولكنه رغم هذه الميول كان جريئاً فيما خطه في كتاب الأغاني: "قبل حتى تفقد ملوك (أسرة) شانج (قلوب) الشعب كانوا أحباء الله. فليكن فيما حل ببيت شانج نذير لكم ؛ إذا الأمر العظيم لا يسهل دائماً الاحتفاظ به". والشعب هوالمصدر العملي الحقيقي للسلطة السياسية ، ذلك حتى جميع حكومة لا تحتفظ بثقة الشعب تسقط لا محالة عاجلاً كان ذلك أوآجلاً. "وسأل تزه- كونج ، عن الحكم فنطق له المفهم: "(لا بد للحكومة) من حتى تحقق أموراً ثلاثة ، حتىقد يكون لدى الناس كفايتهم من الطعام ، وكفايتهم من العتاد الحربي ، ومن الثقة بحكامهم". فنطق تزه- كونج: "فإذا لم يكن بد من الاستغناء عن أحد هذه الشروط ، فأي هذه الثلاثة يجب حتى تتخلى عنه أولاً؟" فأجاب المفهم: "العتاد الحربي". وسأله تزه- كونج مرة أخرى: "وإذا كان لا بد من الاستغناء عن أحد الشرطين الباقيين فأيهما يجب حتى تتخلى عنه؟".

فأجاب المفهم: "فلنتخل عن الطعام ؛ ذلك حتى الموت كان منذ الأزل قضاء محتوماً على البشر ، أما إذا لم يكن للناس ثقة (بحكامهم) فلا بقاء (للدولة)". ويرى كنفوشيوس حتى المبدأ الأول الذي يقوم عليه الحكم هونفس المبدأ الأول الذي تقوم عليه الأخلاق- ألا وهوالإخلاص. ولهذا كانت أداة الحكم الأولى هي القدوة الصالحة ؛ ومعنى هذا حتى الحاكم يجب حتىقد يكون هوالمثل الأعلى في السلوك الحسن ، حتى يحذوالناس حذوه ، فيعم السلوك الطيب جميع أفراد شعبه. وسأل كي كانج كنفوشيوس عن الحكومة قائلاً: "ما قولك في اغتال من لا مبدأ لهم ولا ضمير لخير أصحاب المبادئ والضمائر؟" ، فأجابه كنفوشيوس: "وما حاجتك يا سيدي إلى القتل في قيامك بأعباء الحكم،يا ترى؟ لتكن نيتك الصريحة البينة عمل الخير ، فيكون الناس أخياراً. إذا العلاقة القائمة بين الأعلى والأدنى لشبيهة بالعلاقة بين الريح والكلأ ، فالكلأ يميل إذا هبت عليه الريح. وما أشبه الذي ينهج في حكمه نهج الفضيلة بالنجم القطبي الذي لا يتحول عن مكانه والذي تطوف النجوم كلها حوله.." ، وسأل كي كانج كيف من الممكن أن ُيحمل الناس على حتى يجلوا (حاكمهم) ، وأن يخلصوا له ، وأن يلتزموا جانب الفضيلة،يا ترى؟ فأجابه المفهم: "فليرأسهم في وقار- يحترموه ، وليكن عطوفاً عليهم رحيماً بهم ، يخلصوا له. وليقدم الصالحين ويعلّم العاجزين- يحرصوا على حتىقد يكونوا فضلاء".

وإذا كانت القدوة الحسنة أولى وسائل الحكم ، فإن حسن الاختيار للمناصب وسيلته الثانية: "استمل الصالحين المستقيمين ، وانبذ المعوجين ، وبهذه الطريقة يستقيم المعوج". وتقول عقيدة الوسط: "إن تصريف شئون الحكم إنما يقوم على (استعمال من يصلح له من الناس). وما من سبيل إلى الحصول على هؤلاء الناس إلا حتى تكون أخلاق (الحاكم) نفسه صالحة". وأي شيء لا تستطيع الوزارة المؤلفة من الرجال الأعلين حتى تعمله في جيل واحد لتطهير الدولة والارتفاع بالشعب إلى مستوى عال من الحضارة،يا ترى؟ - إذا أول ما يحرصون عليه ألا تكون لهم قدر المستطاع علاقات خارجية ، وأن يعملوا على حتى يكتفوا بغلاتهم عن غلات غيرهم، حتى لا تشن أمتهم الحرب على غيرها من الأمم للحصول على هذه الغلات ، ثم يقللون من ترف بطانة الملوك ويعملون على توزيع الثروة في أوسع نطاق لأن "هجريز الثروة هوالسبيل إلى تشتيت الشعب ، وتوزيعها هوالسبيل إلى جمع شتاته" ، ثم يخففون العقاب وينشرون التعليم العام لأن "التعليم إذا انتشر انعدمت الفروق بين الطبقات". ويشير كنفوشيوس بألا تدرس الموضوعات العليا لذوي المواهب الوسطى ، أما الموسيقى فيجب حتى تفهم للناس أجمعين. ومن أقواله في هذا: "إذا أتقن الإنسان الموسيقى ، وقوم عقله وقلبه بمقتضاها وعلى هديها ، تطهر قلبه وصار قلباً طبيعياً ، سليماً ، رقيقاً، عامراً بالإخلاص والوفاء ، يغمره السرور والبهجة. وخير الوسائل لإصلاح الأخلاق والعادات. حتى توجه العناية إلى الموسيقى التي تعزف في البلا. والأخلاق الطيبة والموسيقى يجب ألاّ يهملهما الإنسان. فالخير شديد الصلة بالموسيقى والاستقامة تلازم الأخلاق الطيبة على الدوام". وعلى الحكومة حتى تُعنى أيضاً بغرس الأخلاق الطيبة ، ذلك حتى الأخلاق إذا فسدت فسدت الأمة معها. وآداب اللياقة هي التي تكون على الأقل المظهر الخارجي لأخلاق الأمة وإن لم يدرك الناس هذا ، وهي تضفي على الحكيم لطف الرجل المهذب ؛ وما من شك في حتى المرء ابن عادته.

أما من الوجهة السياسية "فآداب اللياقة حواجز تقوم بين الناس وبين الانغماس في المفاسد" ، و"من افترض حتى الحواجز القديمة لا نفع فيها فهدّمها حلّت به الكوارث الناشئة من طغيان المياه الجارفة". ويكاد الإنسان حتى يسمع هذا القول الصارم الذي نطق به المفهم الغاضب يتردد هذه الأيام في جنبات "بهوالآداب القديمة" التي نقشت ألفاظها على حجارته ، والتي دنستها أوضار الثورة وحقرتها. ومع هذا فقد كان لكنفوشيوس أيضا أحلامه ومثله العليا في الحكومات والدول. فقد كان يعطف بعض الأحيان على الذين إذا اقتنعوا بأن الأسرة الحاكمة فقدت "الأمر الأعلى" أي "أمر السماء" ، قوضوا أركان نظام من نظم الحكم لكي يقيموا على أنقاضه نظاماً خيراً منه. وقد اعتنق في آخر الأمر المبادئ الاشتراكية وأطلق فيها لخياله العنان! "إذا ساد المبدأ الأعظم (مبدأ التماثل الأعظم) أصبح العالم كله جمهورية واحدة ؛ واختار الناس لحكمهم ذوي المواهب والفضائل والكفايات ؛ وأخذوا يتحدثون عن الحكومة المخلصة ، ويعملون على نشر لواء السلم الكامل. وحينئذ لا يرى الناس حتى آباءهم هم من ولدوهم دون غيرهم ، أوحتى أبناءهم هم من ولدوا لهم ، بل تراهم يهيئون سبل العيش للمسنين حتى يستوفوا آجالهم ، ويهيئون العمل للكهول ، ووسائل النماء للصغار ، ويكفلون الحياة للأرامل من الرجال والنساء واليتامى وعديمي الأبناء ، ومن أقعدهم السقم عن العمل. هنالكقد يكون لكل إنسان حقه ، وهنالك تصان شخصية المرأة فلا يتعدى عليها. وينتج الناس الثروة ، لأنهم يكرهون حتى تبدد وتضيع في الأرض ، ولكنهم يكرهون حتى يستمتعوا بها دون غيرهم من الناس ، وهم يعملون لأنهم يكرهون البطالة ، ولكنهم لا يهدفون في عملهم إلى منفعتهم الشخصية. وبهذه الطريقة يقضى على الأنانية والمآرب الذاتية ، فلا تجد سبيلاً إلى الظهور ، ولا يرى أثر للصوص والنشالين والخونة المارقين ، فتبقى الأبواب الخارجية مفتحة غير مغلقة. هذا هوالوضع الذي أسميه التماثل الأعظم.


أثر كنفوشيوس في الأمة الصينية

كان نجاح كنفوشيوس بعد موته ولكنه كان نجاحاً كاملاً. لقد كان يضرب في فلسفته على نغمة سياسية عملية حببتها إلى قلوب الصينيين بعد حتى زال بموته جميع احتمال لإصراره على تحقيقها. وإذ كان رجال الأدب في جميع زمان لا يرتضون حتىقد يكونوا أدباء فحسب ، فإن أدباء القرون التي أعقبت موت كنفوشيوس استمسكوا أشد استمساك بمبادئه ، واتخذوها سبيلاً إلى السلطان وتسلم المناصب العامة ، وأوجدوا طبقة من الفهماء الكنفوشيين أصبحت أقوى طائفة في الإمبراطورية بأجمعها. وانتشرت المدارس في أنحاء البلاد لتفهم الناس فلسفة كنفوشيوس التي تلقاها الأساتذة عن تلاميذ المفهم الأكبر ، ونماها مِنْشِيس وهذبها آلاف مؤلفة من الفهماء على مدى الأيام. وأضحت هذه المدارس المراكز الثقافية والعقلية في الصين فأبقت شعلة الحضارة متقدة خلال القرون الطوال التي تدهورت فيها البلاد من الوجهة السياسية ، كما احتفظ رهبان العصور الوسطى بجذوة الثقافة القديمة وبقليل من النظام الاجتماعي في العصور المظلمة التي تلت سقوط روما. وكانت في البلاد طائفة أخرى هي طائفة "القانونيين" استطاعت حتى تناهض وقتاً ما آراء كنفوشيوس في عالم السياسة ، وأن تسير الدولة حسب مبادئها هي في بعض الأحيان. ومن أقوالهم في الرد على كنفوشيوس حتى نظام الحكم على المثل الذي يضربه الحاكمون ، وعلى الصلاح الذي تنطوي عليه قلوب المحكومين ، يعرّض الدولة لأشد الأخطار ، إذ ليس في التاريخ أمثلة كثيرة تشهد بنجاح الحكومات التي تسترشد في أعمالها بهذه المبادئ المثالية. وهم يقولون حتى الحكم يجب حتى يستند إلى القوانين لا إلى الحكام ، وإن الناس يجب حتى يرغموا على إطاعة القوانين حتى تصبح إطاعتها طبيعة ثانية للمجتمع فيطيعوها راضين مختارين. ولم يبلغ الناس من الذكاء مبلغاً يمكنهم من حتى يحسنوا حكم أنفسهم ، ولهذا فإنهم لا يصيبون الرخاء إلا تحت حكم جماعة من الأشراف ؛ وحتى التجار أنفسهم ، وإن أثروا ، لا يشير ثراؤهم على أنهم متفوقون في ذكائهم ، فهم يسعون وراء مصالحهم الخاصة ، وكثيرا ما يتعارض سعيهم هذا مع مصالح الدولة. ويقول بعض القانونيين إنه قد يحدث من الخير للدولة حتى تجعل رؤوس الأموال ملكاً عاماً للمجتمع ، وأن تحتكر هي التجارة ، وأن تمنع التلاعب بالأثمان وهجريز الثروة في أيدي عدد قليل من الأفراد. هذه آراء ظهرت ثم اختفت ثم عادت إلى الظهور مرة بعد مرة في تاريخ الحكومة الصينية. ولكن فلسفة كنفوشيوس خط لها النصر آخر الأمر. وسنرى فيما بعد كيف من الممكن أن سعى شي هوانج دي ، صاحب الحول والطول ، يعاونه رئيس وزراء من طائفة القانونيين ، للقضاء على نفوذ كنفوشيوس ، فأمر حتى يحرق جميع ما كان موجوداً وقتئذ من الكتابات الكنفوشية. ولكن تبين مرة أخرى حتى قوة اللسان أعظم من قوة السنان. ولم يكن لعداء "الإمبراطور الأول" من نتيجة إلاّ حتى يجعل الخط التي أراد حتى يعدمها خطاً مقدسة قيمة ، وأن يستشهد الناس في سبيل المحافظة عليها.حتى إذا انقضى عهد شي هوانج- دي ، وعهد أسرته القصير الأجل ، وجلس على العرش إمبراطور أحكم منه ، أخرج الآداب الكنفوشية من مخابئها وعيّن الفهماء الكنفوشيين في مناصب الدولة ، وثبّت حكم أسرة هان ، وقوى نادىئمه ، بأن أدخل آراء كنفوشيوس وأساليبه الحكيمة في برامج تعليم الشبان الصينيين وفي الحكومة. وقربت القرابين تكريماً لكنفوشيوس ، وأمر الإمبراطور بأن تنقش نصوص الخط القديمة على الحجارة ، وأصبحت الكنفوشية دين الدولة الرسمي. وناهض الكنفوشية في بعض الأحيان نفوذ الدَّوية ، كما طغى عليها أحياناً أخرى سلطان البوذية ، حتى إذا كان عهد أسرة تانج أعادتها إلى مكانتها السابقة ، وأعلت من شأنها. ولما جلس على العرش تاي دزونج الأعظم أمر حتى يشاد هيكل لكنفوشيوس في جميع مدينة وقرية في جميع أنحاء الإمبراطورية ، وأن يقرب له فيها القرابين الفهماء والموظفون.

وفي عهد أسرة زونج نشأت مدرسة قوية للكنفوشية الجديدة أضافت شروحاً وتعليقات لا حصر لها على الخط الكنفوشية القديمة ، وعملت على نشر فلسفة أستاذها الأكبر وما أضافته إليها من شروح مختلفة في بلاد الشرق الأقصى ، وبعثت في اليابان نهضة فلسفية قوية. وظلت مبادئ كنفوشيوس من مبدأ قيام أسرة هان إلى سقوط أسرة منشو- أي ما يقرب من ألفي عام- تسيطر على العقلية الصينية وتصوغها في نطقبها.والفلسفة الكنفوشية أبرز ما يقابل المؤرخ لبلاد الصين ؛ ذلك حتى كفايات مفهمها الأكبر ظلت جيلاً بعد جيل النصوص المقررة في مدارس الدولة الصينية ، يكاد جميع صبي يتخرج في تلك المدارس حتى يحفظها عن ظهر قلب ، وتغلغلت النزعة المتحفظة القوية التي يمتاز بها الحكيم القديم في قلوب الصينيين ، وسرت في دمائهم ، وأكسبت أفراد الأمة الصينية كرامة وعمقاً في التفكير لا نظير لهما في غير تاريخهم أوفي غير بلادهم ، واستطاعت الصين بفضل هذه الفلسفة حتى تحيا حياة اجتماعية متناسقة متآلفة ، وأن تبعث في نفوس أبنائها إعجاباً شديداً بالفهم والحكمة ، وأن تنشر في بلادها ثقافة مستقرة هادئة أكسبت الحضارة الصينية قوة أمكنتها من حتى تنهض من كبوتها وتسترد قواها بعد الغزوات المتكررة التي اجتاحت بلادها ، وأن تشكل هي الغزاة على صورتها وتطبعهم بطابعها. ولسنا نجد في غير المسيحية والبوذية ما نجده في الكنفوشية من جهود جبارة لتحويل ما جبلت عليه الطبيعة البشرية من غلظة ووحشية إلى تأدب ورقّة. ولسنا نجد في هذه الأيام- كما لم يجد الأقدمون في الأيام الخالية- دواء يوصف للذين يقاسون الأمرّين من جراء الاضطراب الناشئ من التربية التي تُعنى بالعقل وتهمل جميع ما عداه ، ومن انحطاط مستوى القانون الأخلاقي وتدهوره ، ومن ضعف الأخلاق الفردية والقومية ، لسنا نجد دواء لهذا كله خيراً من تلقين الشباب مبادئ الفلسفة الكنفوشية. لكن تلك الفلسفة لا تستطيع وحدها حتى تكون غذاء كاملاً للروح. لقد كانت فلسفة تصلح لأمة تكافح للخروج من غمرات الفوضى والضعف إلى النظام والقوة، ولكنها غل ثقيل يقيد البلد الذي ترغمه المنافسات الدولية على حتى ينموويتطور.

ذلك حتى قواعد الأدب واللياقة التي شكلت أخلاق الصينيين ونظامهم الاجتماعي أضحت قوة جارفة تسير جميع حركة حيوية في طريق مرسوم لا تتحول عنه ، وكانت الفلسفة الكنفوشية تصطبغ بصبغة جامدة متزمتة ، وتقف في سبيل الدوافع الطبيعية القوية المحركة للجنس البشري ، وسمت فضائلها حتى بلغت حد العقم ؛ ولم يكن فيها قط مجال للهووالمجازفة كما لم يكن فيها إلا القليل من الصداقة والحب ، وقد أعانت على تحقير النساء وإذلالهن ، كما أعان ما فيها من كمال بارد على تجميد الأمة الصينية وجعلها أمة متحفظة لا يضارع عداءها للرقي إلا حبها للسلام. وليس من حقنا حتى نعزوهذا كله إلى كنفوشيوس ، وأن نوجه إليه اللوم من أجله ، إذ ليس في مقدور إنسان أياً كان شأنه حتى يسيطر على تفكير عشرين قرناً من الزمان. بل جميع ما يحق لنا حتى نطلبه إلى المفكر حتى يضيء لنا بطريقة ما ، وبفضل تفكيره طوال حياته ، سبيل الفهم السليم. وقَلَّ حتى تجد في العالم من اضطلع بهذا الواجب كما اضطلع به كنفوشيوس. وإذا ما قرأنا تعاليمه، وتبينا ما يجب حتى نمحوه من فلسفته بسبب تقدم المعارف في العالم وتبدل أحواله ، وعهدنا قيمة ما يسديه إلينا من هداية في عالمنا الحاضر نفسه ، إذا عملنا هذا نسينا من فورنا ما يشوب فلسفته من تفاهة تارة ومن كمال لا تطيقه الطبيعة البشرية تارة أخرى ، واشهجرنا مع كونج جي حفيده الصالح التقي في هذا التسبيح الأعلى الذي كان بداية تأليه كنفوشيوس.

لقد نقل جونج- في عقائد يُووشوِن كأنهما كانا من آبائه ، ونشر نظم وُن ووُوواتخذهما مثلين يحتذيهما وينسج على منوالهما. وكان في صفاته الروحية قديساً أوملاكاً يتناغم مع السماء، ولكنه لم ينس قط أنه مخلوق من طين وماء. وهويشبه السماء والأرض في أنه كان عماداً لكل شيء وعائلاً لكل شيء، يحجب نوره جميع شيء، وتغطي ظلاله جميع شيء. وهوأشبه بالفصول الأربعة في تتابعها وانتظام سيرها، وأشبه بالشمس والقمر في تتابع ضيائهما.

فهوفي شموله واتساع آفاقه كالسماء ، وفي عمق تفكيره ونشاطه كالهوة السحيقة والعين الجائشة الفوارة. إذا رآه الناس وقروه وعظموه ، وإذا تحدث صدقوه ، وإذا عمل أعجبوا بعمله وأحبوه. ولهذا ذاع صيته في "المملكة الوسطى" وانتشر بين القبائل الهمجية ، فحيثما وصلت السفائن والمركبات ، وحيثما نفذت قوة الإنسان ، وفي جميع مكان امتد على سطح الأرض وأظلته السماء وأضاءته الشمس وأناره القمر ، وفي جميع بقعة مسها الصقيع وطلها الندى- يجله ويحبه جميع من سرى فيه دم الحياة وترددت في صدره أنفاسها ، حباً صادقاً لا تكلف فيه ولا رياء ، ولهذا قيل عنه إنه: "هووالسماء صنوان".


اشتراكيون وفوضويون

لقد كانت المائتا عام التي أعقبت عصر كنفوشيوس أعوام جدل شديد وردَّة عنيفة ، ذلك أنه لما كشف الفهماء عن لذة الفلسفة وبهجتها قام رجال من أمثال هْوِ ادزه ، وجونج سون لويانج يتلاعبون بالمنطق ويخترعون القضايا المنطقية المتناقضة التي لا تقل في تباينها ودقتها عن قضايا زينون. واحتشد الفلاسفة من جميع أنحاء البلاد في مدينة لويانج، كما كانوا يحتشدون في نفس هذا القرن في مدينتي بنارس وأثينة ، وكانوا يستمتعون في عاصمة الصين بحرية القول والتفكير التي جعلت أثينة وقتئذ العاصمة الفكرية لبلاد البحر الأبيض المتوسط. وغصت عاصمة البلاد بالفلاسفة المسمين تزونج- هنج- كيا أي "فلاسفة الجدل" ، الذين اتىوا من كافة أنحاء البلاد ليفهموا الناس على اختلاف طبقاتهم فن إقناع أي إنسان بأي شيء أرادوا إقناعه به. فاتى إلى لويانج منشيس الذي خلف كنفوشيوس في منصبه ، كما اتى إليها جَونْج- دْزَه أعظم أتباع لودْزَه ، وشِون- دْزَه القائل بأن الإنسان شرير بطبعه، ومودي نبي الحب العالمي.


مودي العيري

نطق منشيس عدومودي "لقد كان يحب الناس جميعاً ، وكان يود لويستطيع حتى يبلى جسمه كله من قمة رأسه إلى أخمص قدمه إذا كان في هذا خير لبني الإنسان ؛ وقد نشأ مودي في بلدة لوالتي نشأ فيها كنفوشيوس ، وذاعت شهرته بعد وفاة الحكيم الأكبر بزمن قليل. وكان يعيب على كنفوشيوس حتى تفكيره خيالي غير عملي ، وأراد حتى يستبدل بهذا التفكير دعوة الناس جميعاً لأن يحب بعضهم بعضاً. وكان من أوائل المناطقة الصينيين ومن شر المجادلين المحاجين في الصين ؛ وقد عهد القضية المنطقية تعريفاً غاية في البساطة فنطق: هذه هي التي أسميها قواعد الاستدلال الثلاث: أين يجد الإنسان الأساس،يا ترى؟ ابحث عنه في دراسة تجارب أحكم الرجال الأقدمين. كيف من الممكن أن يلم الإنسان به إلماماً عاماً،يا ترى؟ افحص عما في تجارب الناس العقلية من حقائق واقعية. كيف من الممكن أن تطبقها،يا ترى؟ ضعها في قانون وسياسة حكومية ، وانظر هل تؤدي إلى خير الدولة ورفاهية الشعب أولا تؤدي إليهما. وعلى هذا الأساس جَدَّ مودي في البرهنة على حتى الأشباح والأرواح حقائق واقعية، لأن كثيرين من الناس قد شاهدوها ، وكان من أشد المعارضين لآراء كنفوشيوس المجردة غير المجسمة عن الله ، وكان من القائلين بشخصية الله. وكان يظن كما يظن بسكال حتى الدين رهان مربح في كلتا الحالين: فإذا كان آباؤنا الذين نقرب لهم القرابين يستمعون إلينا فقد عقدنا بهذه القرابين صفقة رابحة ، وإذا كانوا أمواتاً لا حياة لهم ولا يشعرون بما نقرب إليهم فإن القرابين تتيح لنا فرصة الاجتماع بأهلينا وجيرتنا ، لنستمتع جميعاً بما نقدمه للموتى من طعام وشراب". وبهذه الطريقة عينها يثبت مودي حتى الحب الكامل هوالحل الوحيد للمشكلة الاجتماعية ؛ فإذا ما عم الحب العالم أوجد فيه بلا ريب الدولة الفاضلة والسعادة الكاملة التي بها "يحب الناس كلهم بعضهم بعضاً ، ولا يفترس أقوياؤهم ضعفاءهم ، ولا تنهب كثرتهم قلتهم ، ولا يزدري أغنياؤهم فقراءهم ، ولا يسفه عظماؤهم صغارهم ، ولا يخدع الماكرون منهم السذج". والأنانية في رأيه مصدر جميع شر سواء كان هذا الشر رغبة الطفل في التملك أورغبة الإمبراطوريات في الفتح والاستعمار.

ويعجب مودي كيف من الممكن أن يدين الناس أجمعون من يسرق خنزيراً ويعاقبونه أشد العقاب ، أما الذي يغزومملكة ويغتصبها من أهلها ، فإنه يعد في أعين أمته بطلاً من الأبطال ومثلاً أعلى للأجيال المقبلة. ثم ينتقل مودي من هذه المبادئ السلمية إلى توجيه أشد النقد إلى قيام الدولة حتى لتكاد عقيدته السياسية تقترب جميع القرب من الفوضى ، وحتى أزعجت هذه العقيدة ولاة الأمور في عصره. ويؤكد لنا كتاب سيرته حتى مهندس الدولة في مملكة جوهَمَّ بغزودولة سونج ليجرب في هذا الغزوسلماً جديداً من سلالم الحصار اخترعه في ذلك الوقت ؛ فما كان من مودي إلا حتى أخذ يعظه ويشرح له عقيدة الحب والسلم العالميين حتى أقنعه بالعدول عن رأيه ، وحتى نطق له المهندس: "لقد كنت قبل حتى ألقاك معتزماً فتح بلاد سونج ، ولكني بعد حتى لقيتك لا أحب حتى تكون لي ولوسلمت إلي من غير مقاومة ومن غير حتىقد يكون ثمة سبب حق عادل يحملني على فتحها". فأجابه مودي بقوله: "إذا كان الأمر كذلك فكأني قد أعطيتك الآن دولة سونج. فاستمسك بهذه الخطة العادلة أعطك ملك العالم كله".

وكان الفهماء من أتباع كنفوشيوس والساسة أتباع لوينج يسخرون من هذه الأفكار السلمية ؛ ولكن مودي رغم هذه السخرية كان له أتباع ، وظلت آراؤه مدى قرنين كاملين عقيدة تدين بها شيعة تدعوإلى السلام ، وقام اثنان من مريديه وهما سونج بنج ، وجونج سون لونج بحملة قوية لنزع السلاح ، وجاهدا في سبيل هذه الدعوة حق الجهاد. وعارض هان- في أعظم النقاد في عصره هذه الحركة ، وكان ينظر إليها نظرة في وسعنا حتى نسميها نظرة تخصصية ، وكانت حجته في معارضته حتى الحرب ستظل هي الحكم بين الأمم حتى تنبت للناس بالعمل أجنحة الحب العام. ولما أصدر شين هوانج- دي أمره الشهير "بإحراق الخط" ألقيت في النار جميع الآداب المودية كما ألقيت فيها جميع الخط الكنفوشية ؛ وقضى هذا الحريق على الدين الجديد وإن لم يقض على عقيدة المفهم الأكبر وكتاباته.

يانج جو

وكانت عقيدة أخرى ، تختلف عن العقيدة السابقة جميع الاختلاف ، قد أخذت تنتشر وتشتد الدعوة إليها بين الصينيين ، فقد قام رجل يدعى يانج جولا نعهد عنه شيئاً إلا ما نطقه عنه شانئوه وجهر بهذه الدعوة المتناقضة ، وهي حتى الحياة ملأى بالآلام وأن اللذة هدفها الأعلى ، وكان ينكر وجود الله ، كما ينكر البعث ، ويقول إذا الخلائق ليست إلا دمى لا حول لها ولا طول ، تحركها القوى الطبيعية العمياء التي أوجدتها ، والتي وهبتها أسلافها دون حتىقد يكون لها في ذلك خيار ، ورسمت لها أخلاقها ، فلا تستطيع حتى تتحول عنها أوحتى تبدلها غيرَها. فأما الحكيم العاقل فيرضى بما قسم له دون حتى يشكوا أويتذمر ، ولكن لا يغتر بشيء من سخافات كنفوشيوس ومودي ، وما يقولانه عن الفضيلة الفطرية والحب العالمي ، والسمعة الطيبة. ومن أقواله حتى المبادئ الخلقية شراك ينصبه الماكرون للسذج البسطاء ، وأن الحب العالمي وهمُ يتوهمه الأطفال الذين لا يعهدون كنه البغضاء العالمية التي هي سُنَّة الحياة ، وأن حسن الأحدوثة ألعوبة لا يستطيع الحمقى الذين ضحوا من أجلها حتى يستمتعوا بعد وفاتهم بها ، وأن الأخيار يقاسون في الحياة ما يقاسيه الأشرار ، بل إنه ليبدوحتى الأشرار أكثر استمتاعاً بالحياة من الأخيار. وأن أحكم الحكماء الأقدمين ليسوا هم رجال الأخلاق والحاكمين كما يقول كنفوشيوس بل هم عبدة الشهوات ، الذين كان من حظهم حتى استبقوا المشترعين والفلاسفة ، فاستمتعوا بكل لذة دفعتهم إليها غرائزهم.

نعم إذا الأشرار قد يخلّفون وراءهم سمعة غير طيبة ، ولكن ذلك أمر لا يقلق عظامهم. ثم يدعونا يانج جوإلى حتى نفكر في مصير الأخيار والأشرار ، فيقول: إذا الناس كلهم مجمعون على حتى شون ، ويو، وجوجونج ، وكنفوشيوس كانوا خير الناس وأحقهم بالإعجاب ، وأن جياه، وجو، شرهم جميعاً. ولكن شون قد اضطر إلى حرث الأرض في جنوب نهر هو، والى خلق آنية الفخار بجوار بحيرة لاي ، ولم يكن في وسعه حتى يستريح من عناء العمل لحظة قصيرة ، بل إنه لم يكن يستطيع حتى يجد شيئاً من الطعام الشهي والملابس المدفئة ، ولم يكن في قلب أبويه شيء من الحب له ، كما لم يكن يجد من أخوته وأخواته شيئاً من العطف عليه. فلما هبط له "ياو" آخر الأمر عن المُلك ، كان قد تقدمت به السن ، وانحطت قواه العقلية ؛ وظهر حتى ابنه شانج جوإنسان ناقص العقل عديم الكفاية؛ فلم يجد بداً من حتى ينزل عن الملُك إلى يو. ومات بعدئذ ميتة محزنة. ولم يكن بين البشر كلهم إنسان قضى حياته كلها بائساً منغصاً ، كما قضى هوحياته. "وكان يوقد صرف جميع جهوده في فلح الأرض ، وولد له طفل ولكنه لم يستطيع حتى يربيه ؛ فكان يمر على باب داره ولا يدخلها ، وانحنى جسمه وانضمر وغلظ جلد يديه وقدميه وتحجر. فلما حتى هبط له شون آخر الأمر عن العرش عاش في بيت وطئ حقير ، وإن كان يلبس ميدعة وقلنسوة ظريفتين. ثم توفي ميتة محزنة ، ولم يكن بين الآدميين كلهم من عاش معيشة نكدة حزينة كما عاش يو. "وكان كنفوشيوس يفهم أساليب الملوك والحكام الأقدمين ، ويستجيب إلى دعوات أمراء عصره. ثم بترت الشجرة التي يستظل بها في سونج ، وأزيلت آثار أقدامه من ويه ، وحل به الضنك في شانج وجو، وحوصر في شان وتشي ؛ وأذله يانج هووأهانه ، ومات ميتة محزنة. ولم يكن بين بنى الإنسان كلهم من عاش عيشة مضطربة صاخبة كما عاش كنفوشيوس.

"ولم يستمتع هؤلاء الحكماء الأربعة بالسرور يوماً واحداً من أيام حياتهم ، وذاعت شهرتهم بعد موتهم ذيوعاً يفترض أن يدوم عشرات الآلاف من الأجيال ، ولكن هذه الشهرة هي الشيء الذي لا يختاره قط من يعنى بالحقائق ويهتم بها. هل يحتفلون بذكراهم،يا ترى؟ هذا مالا يعهدونه. وهل يكافئونهم على أعمالهم،يا ترى؟ وهذا أيضاً لا يعهدونه وليست شهرتهم خيراً لهم مما هي لجذع شجرة أومَدَرة. أما (جياه) فقد ورث ثروة طائلة تجمعت مدى قرون طويلة ؛ ونال شرف الجلوس على العرش الملكي ؛ وأوتي من الحكمة ما يكفيه لأن يتحدى جميع من هم دونه مقاماً ؛ ومن القوة ما يكفي لأن يزعزع به أركان العالم كله. وكان يستمتع بكل ما تستطيع العين والأذن حتى تستمتعا به من ضروب الملذات ؛ ولم يحجم قط عن عمل جميع ما سولت له نفسه حتى يعمله. ومات ميتة هنيئة ؛ ولم يكن بين الآدميين كلهم من عاش عيشة مترفة فاسدة كما عاش هو. وورث جو(شِنْ) ثروة طائلة تجمعت في مدى قرون طويلة ، ونال شرف الجلوس على العرش الملكي ، وكان له من القوة ما يستطيع به حتى يعمل جميع ما يريد. وأباح لنفسه في قصوره عمل جميع ما يشتهيه ، وأطلق لشهواته العنان خلال الليالي الطوال ؛ ولم يكدر صفوسعادته قط بالتفكير في آداب اللياقة أوالعدالة ، حتى قضى نحبه كأبهج ما يقضى الناس نحبهم. ولم يكن في الآدميين كلهم من كانت حياته داعرة فاجرة كما كانت حياة جو. وقد استمتع هذان الرجلان السافلان في حياتهما بما شاءا من الملذات وأطلقا لشهواتهم العنان ، واشتهر بعد وفاتهما بأنهما كانا من أشد الناس حمقاً واستبداداً ، ولكنهما استمتعا باللذة وهي حقيقة لا تستطيع حتى تهبها حسن الأحدوثة. فإذا لامهم الناس فإنهم لا يعهدون ، وإذا اثنوا عليهم ظلوا بهذا الثناء جاهلين ، وسمعتهم (السيئة) لا تهمهم أكثر مما تهم جذع شجرة أومَدَرة.

ألا ما أعظم الفرق بين هذه الفلسفة وبين فلسفة كنفوشيوس وهنا أيضاً نظن حتى الزمان وهورجعي كالرجعيين من الآدميين قد أبقى لنا آراء أجل المفكرين الصينيين وأعظمهم ، ثم عدا على الباقين كلهم تقريباً فطواهم في غمرة الأرواح المنسية. ولعل الزمان محق في عمله هذا ، ذلك حتى الإنسانية نفسها ما كانت لتعمر طويلاً لوكان فيها كثيرون ممن يفكرون كما يفكر ينج جو. وكل ما تستطيع حتى ترد به عليه هوحتى المجتمع لا يمكن حتى يقوم إذا لم يتعاون الفرد مع زملائه أخذاً وعطاءاً ؛ وإذا لم يتحملهم ويصبر على أذاهم ، ويتقيد بما في المجتمع ، من قيود أخلاقية ، وإن الفرد الكامل العقل لا يمكن حتى يوجد في غير مجتمع، وأن حياتنا نفسها إنما تعتمد على ما فيها من قيود. ومن المؤرخين من يرى في انتشار هذه الفلسفة الأنانية بعض الأسباب التي أدت إلى ما أصاب المجتمع الصيني من انحلال في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد. فلا عجب والحالة هذه حتى يحمل منشيس، جنسن (Dr. Johnson) زمانه ، عقيرته بالاحتجاج الشديد وبالتشهير بأبيقورية ينج جووبمثالية مودي فنطق: "إن أقوال ينج جوومودي تملأ العالم؛ وإذا سمعت الناس يتحدثون وجدتهم قد اعتنقوا آراء هذا أوآراء ذاك. فأما المبدأ الذي يدعوإليه ينج فهوهذا. "كل إنسان وشأنه" وهومبدأ لا يعترف بمطالب الملك. أما مبدأ موفهوهذا: "أحب الناس جميعا بقدر واحد"- وهومبدأ لا يعترف بما يحق للأب من حب خاص. ومن لا يعترف بحق الملك ولا بحق الأب كان في منزلة الحيوان الأعجم. فإذا لم يوضع لمبادئهما حد ، وإذا لم تسد مبادئ كنفوشيوس ، فإنهما سيخنادىن الناس بحديثهما المقلوب ، ويسدان في وجوههم طريق الخير والصلاح. "ولقد أزعجتني تلك الأمور وأسقمت قلبي ، فوقفت أدافع عن عقائد الحكماء والأقدمين ، وأعارض ينج ومو، وأطارد أقوالهما المنحطة ، حتى يتوارى هؤلاء المتحدثون الفاسدون فلا يجرءوا على الظهور. ولن يغير الحكماء من أقوالي هذه إذا ما عادوا إلى الظهور".


منشيس

لقد شاءت الأقدار حتىقد يكون منشيس أنبه الفلاسفة الصينيين ذكراً بعد كنفوشيوس ؛ وما أحفل تاريخ الصين بالفلاسفة. وكان منشيس من سلالة أسرة مانج العريقة ، وكان اسمه في بادئ الأمر مانج كو، ثم صدر مرسوم إمبراطوري بتغييره إلى مانج- دزه أي مانج المفهم أوالفيلسوف. وقد بدل فهماء أوروبا الذين مرنوا على الأسماء اللاتينية هذا الاسم إلى منشيس كما بدلوا كونج- فو- دزه إلى كنفوشيوس. ويكاد فهمنا بأم منشيس يبلغ من الدقة فهمنا به هونفسه؛ ذلك بأن المؤرخين الصينيين قد خلدوا ذكرها وجعلوها نموذجاً للأمهات بما قصّوه عنها من القصص الكثيرة الممتعة. فهم يقولون إنها بدلت مسكنها ثلاث مرات من أجله ؛ بدلته أول مرة لأنهما كانا يسكنان بجوار مقبرة فبدأ الصبي يسلك مسلك دافني الأموات ؛ وبدلته في المرة الثانية لأنهما كانا يسكنان بجوار مذبح ، ولذلك بدأ الغلام يجيد محاكاة أصوات الحيوانات المذبوحة ؛ ثم بدلته في المرة الثالثة لأنهما كانا يسكنان بجوار سوق فشرع الصبي يسلك مسلك التجار ثم وجدت آخر الأمر داراً بقرب مدرسة فرضيت بها. وكانت إذا أهمل الغلام دروسه تبتر خيط المُوم ، فإذا سألها عن سبب هذا الإتلاف أجابت بأنها إنما تعمل ما يعمله هونفسه بإهماله وعدم مثابرته على الدرس والتحصيل. وبذلك أصبح الصبي طالباً مجداً ؛ ثم تزوج وقاوم في نفسه الميل إلى تطليق زوجته ، وافتتح مدرسة لتعليم الفلسفة جمع فيها حوله طائفة من الطلاب ذاع صيتهم في الآفاق ؛ وبعث إليه من كافة الأنحاء يدعونه ليناقشوه في نظرياته عن الحكم. ولم يشأ في أول الأمر حتى يهجر أمه المسنة ، ولكنها أقنعته بالذهاب بخطبة حببتها إلى جميع رجال الصين ، ولعل واحداً منهم هوالذي وضع هذه الخطبة: "ليس من حق المرأة حتى تفصل في أمر بنفسها ، وذلك لأنها تخضع لقاعدة الطاعات الثلاث: فإذا كانت شابة وجب عليها حتى تطيع أبويها ، وإذا تزوجت كان عليها حتى تطيع زوجها ، وإذا ترملت وجب عليها حتى تطيع ولدها.وأنت رجل تام الرجولة ، وأنا الآن عجوز ، فاعمل ما توحيه إليك عقيدتك بأنه حق واجب عليك حتى تعمله ، وسأعمل أنا ما يوجبه عليّ القانون الذي أأتمر بأمره. فلم إذن تشغل نفسك بي؟".

وأجاب منشيس ما طلب إليه لأن اللهفة على التعليم جزء من اللهفة على الحكم ، ترتبط كلتاهما أشد الارتباط بالأخرى. وكان منشيس مثل فولتير يفضل الملكية المطلقة على الديمقراطية ، وحجته في هذا حتى الديمقراطية تتطلب تعليم جميع الشعب كله إذا أريد نجاح الحكم ، أما النظام الملكي المطلق فكل ما يطلب فيه حتى يثقف الفيلسوف رجلاً واحداً هوالملك ويفهمه الحكمة لكي ينشئ الدولة الكاملة.

ومن أقواله في هذا المعنى: "أصلح ما في عقل الأمير من خطأ. فإنك إذا قومت الأمير استقرت شؤون الدولة". وسافر أولاً إلى تشي وحاول حتى يقوم أميرها شوان ، ورضي حتىقد يكون له فيها منصب فخري ، ولكنه رفض مرتب هذا المنصب. وسرعان ما عثر حتى الأمير لا يعنى بالفلسفة ، فغادر تلك الإمارة إلى إمارة تانج الصغيرة ، ووجد في حاكمها تلميذاً مخلصاً وإن يكن تلميذاً عاجزاً ضعيفاً. فعاد مرة أخرى إلى تشي ، وأثبت أنه قد زاد حكمة وفهمهاً لحقائق الأمور بأن قبل منصباً ذا مرتب كبير عرضه عليه الأمير شوان. ولما توفيت أمه في هذه السنين الرغدة دفنها باحتفال عظيم وجه اللوم من أجله إلى تلاميذه ، ولكنه برر لهم هذا العمل بقوله إذا جميع ما يرمى إليه هوحتى يظهر إخلاصه ووفاءه لوالدته.

وبعد بضع سنين من ذلك الوقت تورط شوان في حرب للفتح والتملك ، وساءه ما أشار به عليه منشيس من دعوة إلى السلام ، رأى أنها اتىت في غير أوانها فأنطقه من منصبه. وسمع منشيس حتى أمير سونج يريد حتى يحكم حكم الفلاسفة فسافر إلى عاصمته ولكنه عثر حتى ما سمعه مبالغاً فيه كثيراً، وأن الأمراء الذين تردد عليهم كانت لهم أعذار كثيرة يبررون بها عدم استقامتهم واتباعهم النصح. فقد نطق واحد منهم: "إن لدي ناحية من نواحي الضعف، وهي أني أحب البطولة والبسالة". ونطق آخر: "إن لدي ناحية من نواحي الضعف وهي أني أحب الثروة". واضطر منشيس آخر الأمر إلى حتى يعتزل الحياة العامة، وقضى أيام شيخوخته وضعفه في تعليم الطلاب وتأليف كتاب وصف فيه أحاديثه مع ملوك زمانه. وليس في وسعنا حتى نقول إلى حد يمكن مقارنة هذه الأحاديث بأحاديث وولتر سفدج لاندر Walter Savage Lander ؛ ولسنا واثقين من حتى هذا الكتاب من تأليف منشيس نفسه أومن تأليف تلاميذه أوأنه هووتلاميذه قد اشهجروا في وضعه ، أوأنه مدسوس عليه وعليهم.

وكل ما نستطيع حتى نقوله واثقين حتى كتاب منشيس من أعظم الخط الفلسفية الصينية القديمة وأجلها قدراً. وعقيدته عقيدة دنيوية خالصة لا تقل في هذا عن عقيدة كنفوشيوس ، ولا يكاد يوجد فيها شيء عن المنطق أوفلسفة الفهم أوما وراء الطبيعة. لقد هجر الكنفوشيون هذا إلى أتباع لودزه ، ووجهوا همهم إلى البحوث الأخلاقية والسياسية. وكان الذي يهم منشيس هوحتى يرسم طريقة للحياة الصالحة وتولي خيار الناس منطقيد الحكم. وكان مبدؤه الأساسي حتى الناس أخيار بطبيعتهم ، وأن ليس منشأ المشاكل الاجتماعية طبيعة الناس بل منشؤها فساد الحكومات ؛ ومن ثم يجب حتى يصبح الفلاسفة ملوكاً ، أوحتى يصبح ملوك هذا العالم فلاسفة. انظر إلى ما يقوله في هذا المعنى: "والآن إذا أردتم جلالتكم حتى تنشئوا حكومة أعمالها صالحة ، فإن هذا سيبعث في جميع موظفي مملكتكم الرغبة في حتىقد يكونوا في بلاط جلالتكم ، وفي جميع الزراع الرغبة في حتى يفلحوا أرض جلالتكم ، وفي جميع التجار الرغبة في حتى يخزنوا بضائعهم في أسواق جلالتكم ، وفي جميع الرحالة الأغراب الرغبة في حتى يسافروا في طرق جلالتكم ، وفي جميع من يشعرون في أنحاء مملكتكم بأن ظلماً قد سقط عليهم من حكامهم الرغبة في حتى يأتوا ويشكوا إلى جلالتكم. وإذا ما اعتزموا حتى يعملوا هذا فمن ذا الذي يستطيع حتى يقف في سبيلهم؟" فنطق الملك: "إنني غبي وليس في وسعي حتى أرقى إلى هذا الحد". والحاكم الصالح في رأيه لا يشن الحرب على البلاد الخارجية بل يشنها على العدوالمشهجر وهوالفقر ، لأن الفقر والجهل هما منشأ الجرائم واضطراب النظام ، وعقاب الناس على ما يرتكبونه من الجرائم لأنهم لا تتاح لهم فرص لعمل شَرَك دنيء ينصب للإيقاع بالناسز

وواجب الحكومة حتى توفر مسببات الرفاهية لرعاياها ، ولهذا ينبغي لها حتى تضع الخطط الاقتصادية الكفيلة بتحقيق هذه الغاية. عمليها حتى تفرض أكثر الضرائب على الأرض نفسها لا على ما تعمله أوما يقام عليه من المنشآت، وعليها حتى تلغي جميع العوائد الجمركية وأن تجعل التعليم عاماً وإجبارياً لأن هذا أصلح أساس لنشر الحضارة وتقدمها ؛ "والقوانين الطيبة لا تعادل كسب الناس بالتعليم الطيب". "وليس الذي يفرق بين الإنسان والحيوان الأعجم بالشيء الكثير ، ولكن معظم الناس يطرحونه وراء ظهورهم ، ولا يحتفظ به إلا عظماء الرجال". وفي وسعنا حتى ندرك قدم المشاكل السياسية التي تقابل عصرنا المستنير ، وموقفنا منها ، وما نضعه لها من الحلول ، إذا عهدنا حتى منشيس قد نبذه الأمراء المتطرفون ، وسخر منه الاشتراكيون والشيوعيون في عصره لمحافظته واستمساكه بالقديم. ولما قام شوشنج جزار الجنوب الهمجي ينادي بإنشاء دكتاتورية الصعاليك ، ويطالب بأنقد يكون الصناع على رأس الدولة ، "وأنقد يكون العملة هم الحكام" لما قام يدعوإلى هذا ، واعتنق دعوته كثيرون من "المتفهمين" ، كما اعتنق المتفهمون هذه الدعوة نفسها في أيامنا الحاضرة ، وانضووا تحت لوائه ، رفض منشيس هذه الفكرة بازدراء ، ونطق "إن الحكومة يجب حتى يتولاها المتفهمون". ولكنه ندد أيضاً بالفكرة القائلة إذا الكسب يجب حتىقد يكون هوالباعث على العمل في المجتمع الإنساني ، وعاب على سونج كانج قوله إذا الملوك يجب اكتسابهم لقضية السلام بإقناعهم في لغة هذه الأيام بأن الحرب عمل غير مربح. وفي هذا يقول: "إن غرضك شريف ، ولكن منطقك غير سليم. ذلك بأنك إذا اتخذت الكسب أساساً لحجتك ، واستطعت حتى تقنع بها ملوك تشين وتشي ، وأعجب هؤلاء الملوك بفكرة الكسب فأمروا بوقف حركات جيوشهم ، فإن جميع المتصلين بهؤلاء الجيوش سيفرحون بوقف (القتال)، وسيجدون أعظم السرور في (السعي وراء) الكسب.

فنرى الوزراء يخدمون الملك جرياً وراء الكسب الذي حبب إليهم والأبناء يخدمون آباءهم ، والأخوة الصغار يخدمون الكبار من أخوتهم، لهذا السبب عينه. ونتيجة هذا حتى الملك والوزراء ، والأب والابن ، والأخ الأكبر والأصغر ينسون كلهم بواعث الخير والصلاح ، ويوجهون أعمالهم كلها نحوالكسب المحبب إليهم العزيز عليهم. ولم يوجد قط (مجتمع) كهذا إلا كان مآله الخراب". وكان يعترف بحق الشعوب في الثورة وينادي بهذا المبدأ في حضرة الملوك. وكان يندد بالحرب ويراها جريمة ، ولشد ما صدم عقائد عباد الأبطال في أيامه حين خط يقول: "من الناس من يقول أني بارع في تنظيم الجند ، وأني ماهر في إدارة المعارك. أولئك هم كبار المجرمين". ونطق في موضع آخر: "ليس ثمة حرب عادلة". وكان يندد بترف حاشية الملوك ، ويوجه أشد اللوم للملك الذي يطعم كلابه وخنازيره ويهجر الناس يموتون جوعاً". ولما نطق أحد الملوك إنه لا يستطيع منع المجاعة أجابه منشيس بأنه ينبغي له حتى يعتزل المُلك.

وكان يقول لتلاميذه: "إن الناس أبرز عنصر (من عناصر الأمة). وإن الملك أقل هذه العناصر شأناً". وإن من حق الناس حتى يخلعوا حكامهم ، بل إذا من حقهم حتى يقتلوهم في بعض الأحايين. "وسأل الملك شوان عن الوزراء العظام. فأجابه منشيس: "إذا كان الملك يرتكب أغلاطاً شنيعة وجب عليهم حتى يعارضوه ، فإذا لم يستمع إليهم بعد حتى يعملوا هذا مرة بعد مرة، وجب عليهم حتى يخلعوه...". ثم واصل منشيس حديثه قائلا: "إذا فرض حتى القاضي الأكبر الذي يحكم في الجرائم قد عجز عن السيطرة على الموظفين (الخاضعين له) فماذا تعمل به؟". فأجابه الملك بقوله: "أفصله من منصبه". ثم نطق له منشيس: "وإذا لم يكن في داخل حدود (مملكتك) الأربعة حكومة صالحة فماذا تعمل؟". فتلفت الملك يمنة ويسرة وأخذ يتحدث عن أمور أخرى. وسأله الملك شوان: "وهل من أجل ذلك أمر تانج بنفي جياه وضرب الملك "وُو" حاكم جو(سن)،يا ترى؟ فأجاب منشيس: "هكذا تقول السجلات". وسأله الملك: "وهل يحق للوزير حتى يقتل مليكه؟" فأجابه منشيس: "إن الذي يخرج على ما أودع فيه من (طبيعة خيرة) يسمى لصاً ؛ والذي يخرج على قواعد الاستقامة يسمى وغداً ؛ وليس جميع من اللص والوغد في عهدنا إلا شخصاً لا قيمة له ؛ ولقد سمعت بتقطيع أوصال الشخص جو، ولكني لم أسمع بقتل ملك". تلك عقيدة ما أجرأها ، ولقد كانت عاملاً كبيراً في تقرير المبدأ الذي يقره ملوك الصين وأهلها ، وهوحتى الحاكم الذي يستثير عداوة الشعب يفقد " حقه الإلهي " في الحكم ، ومن حق الشعب حتى يخلعه. فلا عجب والحالة هذه إذا غضب هونج وو، مؤسس أسرة منج ، حين قرأ هذا الحديث الذي دار بين منشيس والملك شوان ، وأمر حتى يمحى اسم منشيس من مكانه في هيكل كنفوشيوس ، وكانت لوحة تذكارية قد وضعت له في هذا المعبد بأمر ملكي في عام 1084م ؛ ولكن اللوحة أعيدت إلى مكانها ولم يمض عام واحد على إزالتها ، وظل منشيس من ذلك الوقت إلى ثورة عام 1911م يعد بطلاً من أبطال الصين وثاني اثنين ذاع صيتهما في جميع عهود تاريخها ، وكان لهما أعظم الأثر في فلسفتها السليمة. وإليه وإلى جوشي يرجع الفضل في احتفاظ كنفوشيوس بزعامته الفكرية في الصين أكثر من ألفي عام.


شون دزه

كان في فلسفة منشيس كثير من نقط الضعف ، وكان يسر معاصريه حتى يشهروا بهذه النقط بأعظم ما يستطيعون من قوة. أحق حتى الناس أخيار بطبيعتهم ؛ وأنهم لا ينحدرون إلى الشر إلا إذا فسدت النظم التي يعيشون في كنفها،يا ترى؟ أم السليم حتى الطبيعة هي السبب في شرور المجتمع،يا ترى؟ وقد كان هذان الرأيان المتعارضان مثاراً لجدل عنيف ظل قائماً آلاف السنين بين المصلحين والمحافظين. فهل تستطيع التربية حتى تنقص الجرائم ، وتزيد الفضائل ، وتأخذ بيد الناس إلى المثل العليا وتمكنهم من إقامة الدولة الفاضلة المثالية،يا ترى؟ وهل يصلح الفلاسفة لحكم الدول أوحتى فلسفتهم لا تؤدي إلا إلى زيادة ما يحاولون علاجه من فوضى واضطراب،يا ترى؟ وكان أشد الناس نقداً لمنشيس وأصعبهم مراساً أحد الموظفين العموميين ، ويلوح أنه توفي في عام 235 ق.م وهوفي سن السبعين. ذلك هوشون- دزه الذي سبقت الإشارة إليه في هذا الباب. وكما كان منشيس يعتقد حتى الناس جميعهم أخيار بطبيعتهم ، كان شون- دزه يرى أنهم جميعاً أشرار بفطرتهم ، وحتى شون ويوكانا متوحشين حين ولدا. وقد وصلت إلينا بترة من كتابات شون- دزه يظهر فيها أشبه الناس بالفيلسوف الإنجليزي هبز Hobbes إذ يقول: "النفس البشرية أمارة بالسوء ، وما تعمله من خير متكلف مصطنع. فهي قد غرس فيها من ساعة مولدها حب الكسب ؛ وإذا كانت أعمال الإنسان إنما تقوم على الحب فإن هذا يؤدي إلى انتشار المنازعات والسرقات. وليس إنكار الذات والاستسلام للغير من (طبيعة) الإنسان ، بل إذا من طبيعته التحاسد والتباغض ، ولما كانت أعمال الناس لا بد حتى تتفق مع طباعهم فإنهم لا يصدر عنهم إلا العنف والأذى ، ولا نرى فيهم إخلاصاً أووفاء. ومن طبيعة الإنسان أيضاً إشباع الأذن والعين ، وهذا يؤدي إلى حب الأصوات العذبة والمناظر الجميلة. ولما كانت أعمال الناس لا حتى تتفق مع هذه وتلك كان لا بد حتى توجد النادىرة وسوء النظام ، وأن تنعدم الاستقامة والاحتشام ومظاهرهما المتنوعة المتسقة. ومن هذا يتضح حتى السير وفق الطبيعة البشرية وإطاعة أحاسيسها ، يؤديان حتماً إلى الخصام واللصوصية ، وإلى مخالفة الواجبات التي تتفق مع الوضع الذي عثر فيه جميع إنسان ، وإلى الخلط بين جميع المراتب والمميزات حتى تعم الهمجية. ولهذا كان لا بد من قيام سلطان المفهمين وسلطان الشرائع ، والاهتداء بقواعد الاستقامة والاحتشام التي ينشأ عنها إنكار الذات والخضوع للغير ومراعاة قواعد السلوك المنظمة ، مما يؤدي إلى قيام الدولة ، ذات الحكومة الصالحة. وقد استوعب الملوك الأقدمون الحكماء ما طبعت عليه النفس البشرية من شر، فوضعوا قواعد الاستقامة والآداب ، وسنوا النظم والقوانين ليقوموا طبائع الناس ومشاعرهم ويصلحوهم. حتى يسلكوا جميعاً الحكم الصالح الذي يتفق مع العقل". ووصل شون- دزه في بحوثه إلى ما وصل إليه ترجنيف وهوحتى الطبيعة ليست معبداً يضم الصالحين ، بل هي مصنع يجتمع فيه الصالح والطالح ؛ وهي تقدم المادة الغفل ، التي يعمل فيها الذكاء فيصوغها ويشكلها. وكان يظن حتى أولئك الناس الأشرار بطبعهم ، إذا دربوا على الخير، قد يصلحون ، بل إذا في وسعهم إذا أريد لهم ذلك حتىقد يكونوا قديسين.

ولما كان شون دزه شاعراً وحكيماً معاً فقد نظم فلسفة فرنسيس بيكن في هذا الشعر الركيك:


إنكم تمجدون الطبيعة وتتفكرون فيها ،

فلم لا تسخرونها وتنظمونها،يا ترى؟

إنكم تطيعون الطبيعة وتسبحون بحمدها ،

فلم لا تسيطرون على أساليبها وتستخدمونها ،

إنكم تنظرون إلى الفصول نظرة الإجلال وتنتظرونها ،

فلم لا تستجيبون إليها لبذل النشاط في أوانه،يا ترى؟

إنكم تعتمدون على الأمور الخارجة عنكم وتعجبون بها ،

فلم لا تكشفون عن كفاياتكم،يا ترى؟

وتوجهونها الوجهة الصالحة،يا ترى؟


جونج دزه

على حتى "الرجوع إلى الطبيعة" لم يكن من السهل حتى يقاوم بهذه الطريقة ؛ بل قام في ذلك العصر من يدعوإليه كما قام من يدعوا إليه في جميع العصور. ومن المصادفات التي يمكننا حتى نسميها مصادفات طبيعية إذا كان الداعي إلى هذا الرجوع أبلغ كتاب عصره وأفصحهم لساناً. لقد كان جونج دزه مولعاً بالطبيعة يرى أنها سيدته التي تتحفي به على الدوام مهما كان بغيه أوكانت سنه، ومن أجل هذا فاضت فلسفته بأحاسيس روسوالشعرية مضافاً إليها مُلَحُ فلتير الهجائية. ومن ذا الذي يستطيع حتى يتصور حتى منشيس ينسى نفسه بحيث يصف أحد الناس

بأن له: "جدرة كإبريق من الفخار" ، وقصارى القول حتى جونج أديب وفيلسوف معاً. ولد هذا الفيلسوف في ولاية سونج ، وتقلد وقتاً ما منصباً صغيراً في مدينة خيان. وزار قصور الملوك التي زارها منشيس ، ولكن كلا الرجلين لا يذكر فيما بقي لنا من كتاباته اسم الآخر. ولعل كليهما كان يحب صاحبه كما يحب المعاصرون بعضهم بعضاً. ويروى عنه أنه رفض منصباً كبيراً مرتين. ولما عرض عليه دوق- ويه رياسة الوزارة ردّ على رسول الملك رداً مقتبضاً يشير على ما يتراءى للمحرر من أحلام: "امضى من هنا لساعتك ولا تدنسني بوجودك ، لخير لي حتى أسلي نفسي وأمتعها في حفرة قذرة من حتى أخضع لقواعد في بلاط ملك من الملوك". وبينما كان يصطاد السمك في يوم من الأيام إذ أقبل عليه رجلان من كبار الموظفين يحملان إليه رسالة من ملك خويقول فيها: "أريد حتى أحملك عبء جميع ملكي" ، فأجابه جونج ، كما يقول هونفسه ، دون حتى يحمل نظره عن صيده: "لقد سمعت حتى في خوصدفة سلحفاة كأنها روح من الأرواح، وقد ماتت سلحفاتها منذ ثلاثة آلاف عام ، وأن الملك يحتفظ بهذه الصدفة في معبد أسلافه ، وأنه يضعها في سلة مغطاة بالقماش. فهل كان خيراً للسلحفاة حتى تموت وتهجر صدفتها تعظم على هذا النحو،يا ترى؟ أوهل كان خيراً لها حتى تظل حية تجر ذيلها من خلفها في الوحل؟" فأجاب الموظفان الكبيران: "لقد كان خيراً لها حتى تعيش وتجر ذيلها من خلفها في الوحل" فنطق لهما جونج: "امضىا في سبيلكما، وسأظل أجر ذيلي ورائي في الوحل".

وكان احترامه للحكومات يعدل احترام سلفه الروحي لو- دزه ، فكان يسره حتى يشير إلى عدد ما يتصف به الملوك والحكام من صفات اللصوص. ويقول إنه إذا أدى الإهمال بأحد الفلاسفة الحقيقيين ، فرأى نفسه يتولى شؤون إحدى الدول ، فإن الخطة المثلى التي يجب عليه حتى يسلكها هي حتى لا يعمل شيئاً ، وأن يهجر الناس أحراراً يضعون ما يشاءون من نظم حكمهم الذاتي. "لقد سمعت عن هجر العالم وشأنه والكف عن التدخل في أمره ولم أسمع عن حكم العالم". ولم يكن ثمة حكومات في العصر المضىي الذي تجاوز عهد أقدم الملوك. ولم يكن يووشون خليقين بما حبتهما الصين وحباهما كنفوشيوس من تشريف وتعظيم ، بل كانا خليقين بأن يتهما بالقضاء على ما كانت الإنسانية تستمتع به من سعادة بدائية قبل إقامة نظم الحكم في الحكم في العالم: "لقد كان الناس في عهد الفضيلة الكاملة يعيشون مجتمعين كما يعيش الطير والحيوان ، ولا يفترقون عنهما في شيء ، تتألف منهم ومن جميع المخلوقات أسرة واحدة. وأنى لهم حتى يعهدوا فيما بينهم ما يميز العظماء فيهم من غير العظماء؟".

ويرى جونج حتى من واجب الرجل العاقل حتى يولي الأدبار حين يشاهد أولى معالم الحكومة، وأن يعيش أبعد ما يستطيع عن الفلاسفة والملوك ، ينشد السلام والسكون في الغابات (وذلك موضوع جد آلاف من المصورين الصينيين في رسمه) وأن يهجر كيانه كله يتبع الدَّوالمقدس- قانون حياة الطبيعة ومجراها الذي لا تدركه العقول- من غير حتى يعوقه في ذلك تفكير أوتدبير، لا يتحدث إلا قليلاً لأن الكلام يضل بقدر ما يهدى، ولأن الدَّو- طريقة الطبيعة وجوهرها- لا يمكن التعبير عنه بالألفاظ أوفي أفكار ، بل جميع ما في الأمر أنه يمكن الشعور به في الدم. وهويرفض حتى يستعين بالآلات ويؤثر عليها الطرق القديمة المجهدة التي كان يجري عليها بسطاء الرجال ، وذلك لأن الآلات تؤدي إلى التعقيد والفتنة وعدم المساواة بين الناس، وليس في مقدور أي إنسان حتى يعيش بين الآلات ويستمتع بالسلام.

وهويأبى حتىقد يكون له ملك خاص ولا يجد للمضى نفعاً له في حياته ؛ ويعمل ما عمله تيمن الأثيني فيهجر المضى مخبوء في جوف التلال واللآلىء في أعماق البحار. والذي يمتاز به من غيره أنه يفهم حتى الأمور جميعها تخص خزانة واحدة وأن الموت والحياة يجب حتى ينظر إليهما نظرة واحدة" ، على أنهما نغمتان من أنغام الطبيعة المتناسقة أوموجتان في بحر واحد. وكان الأساس الذي يقوم عليه تفكير جونج عين الأساس يقوم عليه تفكير لو- دزه شبه الأسطوري، وكان تفكير لو- دزه هذا يظهر لجونج أعمق كثيراً من تفكير كنفوشيوس، وكان في جوهره النظرة الصوفية لوحدة الكون غير الشخصية الشبيهة شبهاً عجيباً بنظرة بوذا وأتباع أبانيشاد ، حتى ليكاد المرء يعتقد حتى فلسفة ما وراء الطبيعة الهندية قد تسربت إلى الصين قبل أربعمائة عام من ظهور البوذية فيها حسبما يسجله المؤرخون. نعم إذا جونج فيلسوف لا أدري ، جبري ، من القائلين بالحتمية ومن المتشائمين ، ولكن هذا لا يمنعه حتىقد يكون قديساً متشككاً، ورجلاً أسكرته الدَّرَّية ؛ وهويعبر عن تشككه هذا تعبيراً يميزه من غيره من أمثاله في السيرة الآتية: نطق شبه الظل يوماً ما للظل" إنك تارة تتحرك وتارة تثبت في مكانكـ تارة تجلس وتارة تقوم. فلم هذا التذبذب في القصد وعدم الاستقرار فيه؟" فأجابه الظل بقوله: "إن شيئاً أعتمد عليه هوالذي يجعلني أعمل ما أعمله ،

ولكن هذا الشيء نفسه يعتمد على شيء آخر يضطره إلى حتى يعمل هوالآخر ما يعمل. وأنى لي حتى أعهد لم أعمل هذا الشيء ولا أعمل ذاك؟. إذا الجسم إذا بلى بلى العقل معه ؛ ألا ينبغي لنا حتى نقول إذا هذه حال يرثى لها كثيراً؟. إذا ما يحدث في الأمور كلها من تغيير- وجود ثم عدم- يسير (بلا انقطاع) ؛ ولكننا لا نعهد من ذا الذي يسير هذه الحركة في طريقها على الدوام: وأنى لنا حتى نعهد متى يبدأ الواحد منا،يا ترى؟ وأنى لنا حتى نعهد متى ينتهي ،يا ترى؟ إذا جميع ما في وسعنا حتى ننتظر هذه البداية والنهاية، لا أكثر من هذا ولا أقل". ويظن جونج حتى هذه المشاكل إنما تنشأ من قصر تفكيرنا أكثر مما تنشأ من طبيعة الأمور نفسها. فلا عجب والحالة هذه حتى تنتهي الجهود التي تبذلها عقولنا الحبيسة لفهم العالم الأكبر الذي تكون هي جزيئات صغيرة منه ، لا عجب حتى تنتهي هذه الجهود بالمتناقضات والقوانين المتعارضة. ولقد كانت هذه المحاولة التي ترمي إلى تفسير الكل بإصلاحات الجزء إسرافاً في التطاول والاعتداد بالنفس ، لا نجيزها إلا لما فيها من تسلية وفكاهة ؛ لأن الفكاهة، كالفلسفة ، هي النظر إلى الكل بمصطلحات الجزء ، وكلاهما لا يمكن وجوده بغير الآخر. ويقول جونج- دزه إذا العقل لا يفيد في فهم الأمور الغائية أوأي شيء عميق كنموالطفل مثلاً. "وليس الجدل إلا دليلاً على عدم وضوح الرؤيا" ، وإذا أراد الإنسان حتى يفهم الدَّو"عمليه حتى يكبت فهمه أشد الكبت. إذا من واجبنا حتى ننسى نظرياتنا ونشعر بالحقائق؛ وليس التعليم بنافع لنا في هذا الفهم، وأهم شيء في هذا حتى نلقي بأنفسنا في غمرات الطبيعة. وما هوالدَّوالذي يراه الصوفي المحظوظ النادر الوجود،يا ترى؟ إنه شيء لا يمكن التعبير عنه بالألفاظ ؛ وكل ما نستطيع حتى نصفه به في عبارات ضعيفة ملأى بالمتناقضات هوقولنا إنه وحدة الأمور كلها وانسيابها الهادىء من نشأتها إلى كمالها والقانون الذي يسيطر على هذا الانسياب. "ولقد كان موجوداً ثابتاً منذ الأزل قبل حتى توجد السماء والأرض" وفي هذه الوحدة العالمية تتلاشى جميع المتناقضات ، وتزول جميع الفروق ، وتتلاقى جميع الأمور المتعارضة ؛ وليس فيه ولا في نظرته إلى الأمور طيب أوخبيث ، ولا أبيض أوأسود ، ولا جميل أوقبيح ، ولا عظيم أوحقير. "ولوعهد الإنسان حتى العالم صغير كحبة الخردل ، وأن طرف الشعرة لا يقل في الارتفاع عن قمة الجبل ، أمكن حتى ينطق عنه أنه يعهد النسبة بين الأمور. وفي هذا الكل المبهم الغامض لا يدوم شكل من الأشكال ، وليس فيه صورة فذة لا تنتقل إلى صورة أخري في دورة التطور التي تسير على مهل: "إن بذور (الأمور) دقيقة ولا حصر لها. وهي تكون على سطح الماء نسيجاً غشائياً. فإذا وصلت إلى حيث تلتقي الأرض والمياه اجتمعت وكونت (الحزاز الذيقد يكون) كساء الضفادع والحيوانات الصوفية. فإذا دبت فيها الحياة على التلال والمرتفعات صارت هي الطلح ؛ فإذا غذاها السماء أضحت نبات عش الغراب. ومن جذور عش الغراب ينشأ الدود ومن أوراقه ينشأ الفراش. ثم يستحيل الفراش حشرة- وتعيش تحت موقد. ثم تتخذ الحشرة صورة اليرقة، وبعد ألف عام تصبح اليرقة طائراً. ثم تتحد الينجشي مع خيزرانة فينشأ من اتحادهما الخنج- تنج ؛ ومنه ينشأ النمر ، ومن النمر ينشأ الحصان ، ومن الحصان ينشأ الإنسان. فالإنسان جزء من آلة (التطور) العظيمة ، التي تخرج منها جميع الأمور ، والتي تدخل فيها بعد موتها". لا ننكر حتى هذه الأقوال ليس فيها من الوضوح ما في نظرية دارون ولكنها أياً ما كان غموضها نظرية تطور. "وفي هذه الدورة اللانهائية قد يستحيل الإنسان إلى صورة أخري غير صورته ؛ ذلك حتى صورته الحالية ليست إلا فترة عابرة من مراحل الانتنطق، وقد لا تكون في سجل الخلود حقيقة إلا في ظاهر أمرها- أوجزءاً من الفوارق الخداعة التي تُغَشّي بها مايا جميع الكائنات. "رأيت أنا جونج دزه مرة في منامي أني فراشة ترفرف بجناحيها في هذا المكان وذاك ، أني فراشة حقاً من جميع الوجوه. ولم أكن استوعب شيئاً أكثر من تتبعي لخيالاتي التي تشعرني بأني فراشة. أما ذاتيتي الإنسانية فلم أكن أدركها قط. ثم استيقظت على حين غفلة وهاأنذا منطرح على الأرض رجلاً كما كنت ، ولست أعهد الآن هل كنت في ذلك الوقت رجلاً يحلم بأنه فراشة ، أوأنني الآن فراشة تحلم بأنها رجل". وليس الموت في رأيه إلا تغيراً في الصورة ، وقد يحدث تغيراً من حال إلى حال أحسن منها ؛ أوأنه كما نطق إبسن Ibsen فيما بعد الصائغ الذي يصهرنا مرة أخرى في أتون التغير والتطور: "سقم تزه- لاي حتى أصبح طريح الفراش يلفظ آخر أنفاسه، ووقف من حوله زوجه وأبناؤه يبكون. ومضى لي يسأل عنه فلما أقبل عليهم نطق لهم: "اسكتوا وتنحوا عن الطريق! ولا تقلقوه في حركة تبدله"... ثم اتكأ على الباب وتحدث إلى (الرجل المحتضر). فنطق له تزه- لاي: "إن صلة الإنسان بالين واليانج أقوى من صلته بأبويه. فإذا كانا يتعجلان موتي وأعصي أنا أمرهما فإني أعد حينئذ عاقاً شرساً. هنالك "كتلة (الطبيعة) العظمى" التي تجعلني أحمل هذا الجسم ، وأكافح في هذه الحياة، وتهد قواي في سن الشيخوخة، ثم أستريح بالموت. وإذن فذلك الذي يعنى بمولدي هوالذي يعنى بوفاتي. فهاهوذا صاهر يصب المعادن. فإذا كان المعدن الذي يتأرجح أثناء صبه يناديه. "يجب حتى أكون مويه (سيفاً قديماً مشهوراً) فإن الصاهر العظيم يعد هذا المعدن معدناً خبيثاً بلا ريب. وذلك أيضاً شأن الإنسان ، فإذا ما أصر حتىقد يكون إنساناً ولا شيء غير إنسان، لأنه في يوم من الأيام قد تشكل في صورة الإنسان ، إذا عمل هذا فإن من بيده تصوير الأمور وتشكيلها سيعده بلا ريب مخلوقاً خبيثاً. وإذن فلننظر إلى السماء والأرض نظرتنا إلى مصهر عظيم ، ولننظر إلى مبدل الأمور نظرتنا إلى صاهر عظيم ؛ فهل لا نكون في مكاننا الحق أينما مضىنا،يا ترى؟ إذا السكون هونومنا والهدوء هويقظتنا".

ولما تصرم أجل جونج نفسه أعد أتباعه له جنازة فخمة ولكنه نهاهم عن ذلك ونطق لهم: "أليس موكب جنازتي معداً إذا كانت السماء والأرض تابوتي وغطائي ، والشمس والقمر والنجوم شعائري ، والخلائق كلها تشيعني إلى قبري؟" ولما عارض أتباعه في هذا ، ونطقوا إنه إذا لم يدفن أكلت طيور الهواء الجارحة لحمه ، رد عليهم جونج بقوله: "سأكون فوق الأرض طعاماً للحِدَأ ، وسأكون تحتها طعاماً لصراصير الطين والنمل ؛ فلم تحرمون بعضها طعامها لتقدموه للبعض الآخر؟". وإذا كنا قد أطنبنا في الكلام على فلاسفة الصين الأقدمين فإن بعض السبب في هذا يرجع إلى حتى مشكلات الحياة الإنسانية المعقدة العسيرة الحل ومصائرها تستغرق تفكير العقل الباحث ، وأن بعضه الآخر يرجع إلى حتى فهم فلاسفة الصين الأقدمين هوأثمن تراث خلفته تلك البلاد للعالم. ومن الدلائل القوية على قدر هذه الفلسفة حتى ليبنتز Leibbnitz صاحب العقل العالمي الواسع ، قام من زمن بعيد (في عام 1697م) ، بعد حتى تفهم الفلسفة الصينية، ينادي بضرورة تطعيم فلسفة الشرق والغرب كلتيهما بالأخرى وعبر عن رأيه هذا بألفاظ ستظل محتفظة بقيمتها في جميع عصر ولكل جيل: "إن الأحوال السائدة بيننا وما استشرى في الأرض من فساد طويل العهد تكاد كلها تحملني على الاعتقاد بأن الواجب حتى يرسل إلينا مبشرون صينيون ليفهمونا أساليب الأديان القومية وأهدافها... ذلك بأني أعتقد أنه لوعين رجل حكيم قاضياً... ليحكم أي الشعوب أفضل أخلاقاً من سواها، لما تردد في الحكم للصين بالأسبقية في هذا المضمار".

وقد طلب ليبنتز إلى بطرس الأكبر حتى ينشأ طريقاً برياً للصين ، ونادى إلى إنشاء جمعيات في موسكووبرلين "لارتياد الصين وتبادل المدينتين الصينية والأوربية". وفي عام 1721م بذل كرستيان ولف Christian Wolff مجهوداً آخر في هذا السبيل وذلك بما ألقاه من محاضرات في جامعة هالHalle "عن فلسفة الصينيين العملية"، واتهمه ولاة الأمور بالإلحاد وفصلوه من منصبه ، فلما حتى جلس فردرك الأكبر على عرش بروسيا نادىه إليها ورد إليه اعتباره. واتى عصر الاستنارة في فرنسا فعني بالفلسفة الصينية كما عني بتنسيق الحدائق الفرنسية على نمط الحدائق الصينية وتزيين المنازل بالنقوش والأدوات الصينية. ويلوح حتى الفلاسفة الاقتصاديين الطبيعيين (الفزيوقراطيين) قد تأثروا بآراء لودزه ، وجونج دزه في نظرية "التخلي" Laissez faire وهجر الأمور تجري في مجراها ، وهي النظرية الاقتصادية التي يقولون بها ويدعون إليها. ولقد كان روسويتحدث في بغض الأحيان كما يتحدث المفهم القديم وإنا لنتبين صلة وثيقة بينه وبين لودزه وجونج ، ولوحتى كنفوشيوس ومنشيس قد وهبا ملكة الفكاهة لكانت الصلة وثيقة بينهما وبين فولتير. وفي هذا يقول فلتير نفسه: "لقد قرأت خط كنفوشيوس بعناية، واقتبست فقرات منها ولم أجد إلا أنقى المبادئ الخلقية التي لا تشوبها أقل شائبة من الشعوذة". وقد خط جيته في عام 1770م يقول إنه اعتزم حتى يقرأ خط الصين الفلسفية القديمة، ولما دوت مدافع نصف العالم في ليبزج Leipzig بعد ثلاثة وأربعين عاماً من ذلك الوقت لم يلتفت إليها الحكيم الشيخ لأنه كان منهمكاً في دراسة الآداب الصينية.

الديانات

Hanging Monastery, a temple with the combination of Taoism, Buddhism, and Confucianism.


The Fengxian cave (c. 675 AD) of the Longmen Grottoes, commissioned by Wu Zetian.
Inside a cave of Longmen Grottoes


الفلسفة والانصياع للقانون


مدارس الفكر المائة

Birth places of notable Chinese philosophers of the Hundred Schools of Thoughts in the Zhou dynasty.


اللغات

نطاق اللهجات الصينية حسب أطلس لغات الصين


فن الخط

The Four Treasures of the Study - brush, ink, paper and ink stone in Chinese calligraphy traditions.


Chinese calligraphy written by the poet Wang Xizhi (王羲之) of the Jin dynasty



الآداب

صناعة الفخار في عهد أسرة تانگ

A Tang dynasty era copy of the preface to the Lantingji Xu poems composed at the Orchid Pavilion Gathering, originally attributed to Wang Xizhi (303–361 AD) of the Jin dynasty



تسي في عهد أسرة سونگ

The study house of Li Qingzhao (李清照), who was a famous Chinese Ci writer and poet in the Song dynasty.




تشو في عهد أسرة يوان

الروايات في عهد أسرتي مينگ وتشينگ

Ming Dynasty wood carving books in Tian Yi Chamber colllection




الموضة والأزياء

هان‌فو

12th-century Chinese painting of The Night Revels of Han Xizai (韓熙載夜宴圖) showing Han Chinese clothing of the era.



تشي‌پاو

Qianlong Emperor (A Chinese Emperor of Qing Dynasty) wore Manchurian Chinese clothing – Qipao.(旗袍)



الفنون

Close up on Double Happiness (Cui Bai). It was painted by Cui Bo, active during the reign of Shenzong. National Palace Museum
Cats in the Garden, by Mao Yi, 12th century.




المصباح الصيني

Red lanterns are hung from the trees during the Chinese New Year celebrations in Ditan Park (Temple of Earth) in Beijing.



الصقل المنحوت

Box with the character for "Spring" (), Qianlong period, Qing Dynasty. Nanjing Museum



الساتر المطوي

Chinese folding screen used at the Austrian imperial court, 18th century, the Imperial Furniture Collection


اليشم الصيني

A Chinese jade named Bi(璧) with a dual dragon motif, Warring States period


الموسيقى، الآلات والرقص

Guzheng, a type of Chinese instrument.
Bian Lian("Face-Changing") Performer



العمارة

مشهد من حديقة صينية في الجليد.



القصور الصينية

Corner tower of the Forbidden City, Beijing




پاي‌فانگ


الحدائق الصينية

Jichang Garden in Wuxi (1506–1521), built during the Ming Dynasty, is an exemplary work of South Chinese style garden.



الفنون القتالية


الترفيه

المطبخ

Spring rolls are a large variety of filled, rolled appetizers or dim sum found in Chinese cuisine. Spring rolls are the main dishes in Chinese Spring Festival (Chinese New Year).



ثقافة الشاي

A traditional Chinese tea culture (茶艺,茶藝) set and three gaiwan.



ثقافة الطعام

Photo showing serving chopsticks (gongkuai) on the far right, personal chopsticks (putongkuai) in the middle, and a spoon. Serving chopsticks are usually more ornate than the personal ones.




أبرز الحضارات الفرعية

الجنوب

  • Cantonese culture (粵/粤)
  • Hakka culture (客)
  • Teochew culture (潮)
  • Hokkien culture (閩/闽)
  • Jiangxi culture (贛)
  • Hunanese culture (湘)
  • Sichuanese culture (蜀)
  • Wuyue culture (吳/吴)
  • Haipai culture (海)

الشمال

  • Zhongyuan culture (豫)
  • Culture of Beijing (京)
  • Culture of Shandong (魯/鲁)
  • Jin culture (晉/晋)
  • Dongbei culture (東北/东北)

معرض الصور

انظر أيضاً

اقرأ اقتباسات ذات علاقة بالحضارة الصينية، في فهم الاقتباس.
  • Bian Lian
  • East Asian cultural sphere
  • فهم الصينيات
  • أدب صيني
  • اسم صيني
  • تنين صيني
  • Fenghuang
  • ثوب صيني
  • حديقة صينية
    • Penjing
  • فلكلور صيني
  • اللون في الثقافة الصينية
  • الأعداد في الثقافة الصينية
  • العلوم والتكنولوجيا في الصين
    • الفلك الصيني
    • التقويم الصيني
    • الرياضيات الصينية
    • الطب الصيني
    • وحدات القياس الصينية
  • Customs and etiquette in Chinese dining

الهوامش

المصادر

  1. ^ "Chinese Dynasty Guide – The Art of Asia – History & Maps". Minneapolis Institute of Art. Retrieved 10 October 2008.
  2. ^ "Guggenheim Museum – China: 5,000 years". Solomon R. Guggenheim Foundation & Solomon R. Guggenheim Museum. Retrieved 10 October 2008.
  3. ^ Wong, David (2017). "Chinese Ethics". The Stanford Encyclopedia of Philosophy. Metaphysics Research Lab, Stanford University.
  4. ^ Walker, Hugh Dyson (2012). East Asia: A New History. AuthorHouse. p. 2.
  5. ^ "Chinese Culture, Tradition, and Customs — Penn State University and Peking University". elements.science.psu.edu (in الإنجليزية).
  6. ^ "The original and unique culture of China". www.advantour.com (in الإنجليزية).
  7. ^ "Chinese Culture: Ancient China Traditions and Customs, History, Religion". www.travelchinaguide.com.
  8. ^ ول ديورانت. سيرة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود. Unknown parameter |coauthors= ignored (|author= suggested) (help)
  9. ^ Wurm et al. (1987).
  10. ^ 晉語的使用範圍與歷史起源
  11. ^ 晉語是中國北方的唯一一個非官話方言,但是否歸屬官話
  12. ^ 山西方言與山西文化

وصلات خارجية

  • Aspect of Chinese culture, Chang Zonglin. Li Xukui, ISBN 9787302126324, Tsinghua University Press
  • Exploring Ancient World Cultures – Ancient China, University of Evansville
تاريخ النشر: 2020-06-05 03:52:19
التصنيفات: CS1 الإنجليزية-language sources (en), Pages with citations using unsupported parameters, Pages using multiple image with auto scaled images, Articles containing non-English-language text, Portal templates with redlinked portals, Commons category link is locally defined, ثقافة صينية, ألعاب صينية, صفحات بها أخطاء في البرنامج النصي

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الملياردير إيلون ماسك يحذر من خطر إفلاس "تويتر"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:26:23
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 67%

تسجيل 108 إصابات جديدة بـ"كورونا" خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:26:25
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

الملياردير إيلون ماسك يحذر من خطر إفلاس "تويتر"

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:26:20
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

بايدن يقدم 500 مليون دولار لتمويل تحول مصر الى الطاقة النظيفة

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:25:23
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 66%

جوارديولا يعلق على غياب هالاند ومحرز عن المونديال

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:25:33
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 57%

تسجيل 108 إصابات جديدة بـ"كورونا" خلال الـ24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:26:27
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

قيادات غرب ليبيا تحذر من مؤامرات «إقصاء وتهميش»

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:25:35
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 66%

تنبيه من أمطار غزيرة تهطل على محافظة الطائف

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:25:25
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 60%

اغتيال صاحب مطعم  بعين الحمام بتيزي وزو 

المصدر: آخر ساعة - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:24:36
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 62%

افتتاح أشغال منتدى باريس الخامس من أجل السلم

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-11 18:24:58
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 60%

تحميل تطبيق المنصة العربية