فتح سمرقند
في سنة 93هـ/712م وبعد حتى فتح قتيبة بن مسلم الباهلي بخارى وما حولها، نطق المجشر بن مزاحم السلمي لقتيبة: إذا لي حاجة فأخلني، فأخلاه، فنطق: إذا أردت الصغد يوماً من الدهر فالآن، فإنهم آمنون من حتى تأتيهم من عامك هذا وإنما بينك وبينهم عشرة أيام، نطق: أشار بهذا عليك احد ،يا ترى؟ نطق: لا، نطق: فأفهمته أحداً ،يا ترى؟ نطق:لا، نطق: والله لئن تحدث به احد لأضربن عنقك.
فأقام يومه ذلك، فلما أصبح من الغد نادى أخاه عبد الرحمن بن مسلم الباهلي فنطق: سر في الفرسان والرماة، وقدم الأثنطق إلى مرو. فوجهت الأثنطق إلى مرويومه كله، فلما أمسى خط إليه: إذا أصبحت فوجه الأثنطق إلى مرو، وسر في الفرسان والرماة نحوالصغد، واكتم الأخبار، فإني بالأثر. عبر عبد الرحمن ومن معه النهر، وسار إلى سمرقند، وعبر قتيبة بالأثر، وعبر ومن معه نهر جيحون، وحوصرت سمرقند. استنجد (غورك) ملك الصغد بعد خوفه من طول الحصار بملك الشاش وبملك فرغانة، وخط إليهما: إذا العرب إذا ظفروا بنا عادوا عليكم بمثل ما أتونا به فانظروا لأنفسكم. فأجمع ملك الشاش وفرغانة على نجدة الصغد، وأوفدا حتى شاغلوا قتيبة ومن معه كي نفاجئهم على حين غرة. انتخب أهل الشاش وفرغانة جميع شديد السطوة من أبناء الملوك والأمراء والأشداء الأبطال وأمروهم حتى يسيروا إلى قتيبة ليفاجئوه، ولكن استطلاع قتيبة يقظ فاتىته الأخبار، فانتخب ستمائة من أهل النجدة وجعل عليهم أخاه صالح بن مسلم أميراً، ووضع على العدوعيوناً حتى إذا قربوا منه قدر ما يصلون إلى عسكره من الليل أدخل الذين انتخبهم فحدثهم وحضهم، فخرجوا من العسكر عند المغرب، فساروا، فنزلوا على فرسخين من العسكر على طريق القوم الذين وصفوا لهم، ففرق صالح خيله، وأكمن كميناً عن يمينه، وكميناً عن يساره، وأقام هووبعض فرسانه على قارعة الطريق، حتى إذا مضى نصف الليل أوثلثاه، اتى العدوباجتماع وإسراع وصمت، وصالح واقف في خيله، فلما رأوه شدوا عليه، حتى إذا اختلفت الرماح، شد الكمينان عن يمين وعن شمال، فلم نسمع إلا الاعتزاء، فلم نر قوماً كانوا أشد منهم.
لم يفلت من هذه النجدات إلا النفر اليسير، وغنم المسلمون أسلحتهم، ونطق بعض الأسرى: تفهمون أنكم لم تقتلوا في مقامكم هذا إلا ابن ملك، أوبطل من الأبطال المعدودين بمئة فارس، أوبألف فارس. ونطق فارس مسلم من الجند الذين كانوا في كمين صالح: إنا لنختلف عليهم بالطعن والضرب إذ تبينت تحت الليل قتيبة، وقد ضربت ضربة أعجبتني وأنا أنظر إلى قتيبة، فقلت: كيف من الممكن أن ترى بأبي أنت وأمي ! نطق: اسكت دق الله فاك ! نطق: فقتلناهم فلم يفلت منهم إلا الشريد، وأقمنا نحوي الأسلاب ونحتز الرؤوس حتى أصبحنا، ثم أقبلنا إلى العسكر، فلم أر جماعة قط جاؤوا بمثل ما جئنا به، ما منا رجل إلا معلق رأساً معروفاً باسمه، وأسير في وثاقه.
لقد منع قتيبة بهذا الكمين وصول النجدات إلى ميدان المعركة، مع إشغال النجدات قبل وصولها بكمين ليلي، ريثما يتسنى له سحب بتراته من حوالي أسوار سمرقند، والقيام بحركة خاطفة ليلية للقضاء على أرتال النجدات في معركة ليلية، في الوقت الذيقد يكون الكمين قد أوقف تقدمها. نصب قتيبة المجانيق حول سمرقند، ورمت بهجريز دقيق على سور المدينة، فثلمت فيها ثملة، فرممها المدافعون عنها بسرعة كبيرة، واتى رجل قام على الثلمة، فشتم قتيبة (بعربية فصيحة)، وكان مع قتيبة قوم رماة، يُسمون (رماة الحدق) لدقة تصويبهم، فنطق لهم قتيبة: اختاروا منكم رجلين، فاختاروا، فنطق: أيكما يرمي هذا الرجل، فإن أصابه فله عشرة آلاف، وإن أخطأه بترت يده، فتلكأ أحدهما وتقدم الآخر، فرماه فلم يخطئ عينه، فأمر له بعشرة آلاف.
نطق خالد مولى مسلم بن عمرو: كنت في رماة قتيبة، فلما افتتحنا المدينة صعدت السُّور، فأتيت مقام ذلك الرجل الذي كان فيه، فوجدته ميتاً على الحائط، ما أخطأت النشابة عينه حتى خرجت من قفاه. نطق غوزك(ملك الصُّغد) لقتيبة: إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي، فاخرج إليّ في العرب، فغضب قتيبة عند ذلك، وميز العرب من العجم، وأمر العجم باعتزالهم، وقدم الشجعان من العرب، وأعطاهم جيد السلاح، وزحف بالأبطال على المدينة، ورماها بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة، ونطق قتيبة: (ألحوا عليها حتى تعبروا الثلمة)، فقاتلوهم حتى صاروا على ثلمة المدينة، عندها نطق غوزك لقتيبة: ارجع عنا يومك هذا ونحن نصالحك غداً، فنطق قتيبة: لا نصالحهم إلا ورجالنا على الثلمة، ومجانيقنا تخطر على رؤوسهم ومدينتهم. وسمع قسم من المسلمين قتيبة يناجي نفسه: حتى متى يا سمرقند يعشعش فيك الشيطان، أما والله لئن أصبحت لأُحاولن من أهلك أقصى غاية. وفي اليوم التالي، والمسلمون على الثلمة، عاود غوزك يطالب بالصلح، فصالحه قتيبة على: الجزية، وتحطيم الأصنام وما في بيوت النيران، وإخلاء المدينة من المقاتلة، وبناء مسجد في المدينة ووضع منبر فيه.
وتم الصلح، وأخلوا المدينة، وبنوا المسجد، واستلم قتيبة ما صالحهم عليه، وصلى في المسجد وخطب فيه، وأتى بالأصنام، وألقيت بعضها فوق بعض. حتى صارت كالقصر العظيم، ثم أمر بتحريقها، فتصارخ الأعاجم وتباكوا، ونطقوا: إذا فيها أصناماً قديمة، من أحرقها هلك، فنطق قتيبة: أنا أحرقها بيدي، واتى غوزك فنهى عن ذلك، ونطق لقتيبة: أيها الأمير، إني لك ناصح، وإن شكرك عليّ واجب، لا تعرض لهذه الأصنام، فقام قتيبة، ونادى بالنار، وأخذ شعلة بيده، ونطق: أنا أحرقها بيدي، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون، وسار إليها وهويكبر الله عز وجل، وألقى فيها النار، فاحترقت، فوجدوا من بقايا ما كان فيها من مسامير المضى والفضة خمسين ألف مثنطق.
وصنع غوزك طعاماً، ونادى قتيبة، فأتاه غي عدد من أصحابه، فلما تغدى، استوهب منه المدينة، فنطق قتيبة: إني لا أريد منكم أكثر مما صالحتكم عليه، ولكن لا بد من جند يقيمون عندكم من جهتنا، وأن ينتقل عنها غوزك، فانتقل عنها ملكها غوزك، فتلا قتيبة (وأنه أهلك عاداً الأولى، وثمود فما أبقى)، ثم ارتحل قتيبة راجعا إلى مرو، مستخلفاً على سمرقند أخاه عبد الله بن مسلم، وخلّف عنده عدداً من الجند كبيراً، وآلة من آلة الحرب كثيرة، مع تعليمات حازمة تتعلق بالداخلين إلى سمرقند، والخارجين منها. وكان أهل خراسان يقولون: إذا قتيبة غدر بأهل سمرقند، فملكها غدراً.
المصادر
"فتوحات وثورات : فتح سمرقند". الموسوعة العربية.
