الدولة السعودية الأولى

عودة للموسوعة

الدولة السعودية الأولى

الدولة السعودية الأولى
1744–1818
فهم الدرعية
العاصمة الدرعية
اللغات الشائعة العربية، الفارسية، الهجرية العثمانية
الدين سنة إسلام
الحكومة ملكية
الإمام  
• 1744-1765
محمد بن سعود
• 1765-1803
عبد العزيز بن محمد بن سعود
• 1803-1814
سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود
• 1814-1818
عبد الله بن سعود
التاريخ  
• ميثاق الدرعية
1744
• الحرب المصرية السعودية
1818
Preceded by
Succeeded by
ولاية مصرية
الدولة السعودية الثانية
Today part of  السعودية
 الإمارات العربية
قطر
البحرين
عُمان
اليمن
خريطة الشعيب والمحمل، الدولة السعودية الأولى.

الدولة السعودية الأولى هي الدولة التي تأسست في الدرعية عام 1744 وضمت أجزاء كبيرة من شبه الجزيرة العربية وانتهت الدولة السعودية الأولى بسقوط عاصمتها الدرعية بيد القوات المصريه تحت قيادة إبراهيم باشا عام 1818 وأستسلام عبد الله بن سعود.

الخريطة السياسية لشبه الجزيرة العربية

النهضة العربية الحديثة: حركة علي بك الكبير - التنافس الاستعماري - الحملة الفرنسية علي مصر - صعود الدولة السعودية الأولي، تأليف: عبد العزيز نوار، راندا عبد العزيز نوار.لقراءة الكتاب، اضغط على الصورة.

كانت تتقسم شبه الجزيرة العربية إلى عدة أجزاء هي الحجاز ويضم المناطق الممتدة من شرق البحر الأحمر من تهامة عسير جنوباً إلى العقبة شمالاً وكان خاضعاً لحكم الأشراف في مكة ثم لسلطة الدولة العثمانية.

بينما كانت بلدان نجد تخضع لنفوذ بعض الأسر مثل آل سعود بالدرعية والمزاريع في منفوحة دهام بن دواس في الرياض وبني زيد في الوشم, اما منطقة شمال نجد وعاصمتها حائل فكانت خاضعة لحكم آل علي وقبائل بني رشيد.

اما عسير وجازان التي كانت تسمى المخلاف السليماني نسبة إلى سليمان بن طرف الحكمي ويعتمد السكان على الزراعة والصيد والتجارة وينتشر الممضى السني الشافعي ، وفي نجران يوجد المكارمة والممضى الشيعي الإسماعيلي واشتهرت المنطقة بالقوة العسكرية والخصومة والحرب مع الدولة السعودية الأولى الناشئة.

وكان إقليم الأحساء في شرق الجزيرة العربية على الخليج العربي وتشتهر المنطقة بالزراعة لوجود عيون الأحساء والصيد والتجارة ، ويوجد فيها الممضى السني وتتميز بنشاطها الفهمي والفهماء ، وكان الحكم فيها لأسرة زامل الجبري تلتها السلطة العثمانية وحكم بني خالد.


آل سعود ونشأة إمارة الدرعية

خريطة منطقة الوشم، الدولة السعودية الأولى.

تنسب بعض المصادر آل سعود إلى قبيلة عنزة، المعروفة بهذا الاسم، في الوقت الحاضر. وهذا شائع، أيضاً، لدى الناس. وذكر بعض المؤرخين حتى آل سعود، هم من بني حنيفة. ومن المعلوم حتى عنزة، وبني حنيفة، هم من وائل. ومن ثَم، فآل سعود وائليون. وكانت الأسرة السعودية، تدعى آل مقرن، نسبة إلى مقرن بن مرخان، جد محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى. وكان أحد أجداد آل سعود، يسمى مانع بن ربيعة المريدي، يقيم بمكان، ينطق له الدرعية، قرب بلدة القطيف، على ساحل الخليج العربي، وذلك في النصف الأول من القرن التاسع الهجري..

وكان لمانع المريدي هذا، قريب، يسمى ابن درع، يقيم بمنطقة حجر اليمامة، قريباً من مسقط مدينة الرياض الحالية. وكان ابن درع صاحب نفوذ في تلك الجهة. فقدم إليه مانع المريدي، من القطيف، في عام 850هـ/1446م. ومنحه موضعَي غصيبة والمليبيد، في وادي حنيفة. (انظر خريطة وادي حنيفة وروافده، وخريطة الرياض وفروع وادي حنيفة)

وأطلق مانع المريدي، وأتباعه، اسم "الدرعية" على موطنهم الجديد؛ إما إحياء لاسم بلدتهم القديمة، التي هاجروا منها، أونسبة لقريبه ابن درع، الذي منحهم هذا الموطن، اعترافاً بفضله، وتخليداً لذكره.

وقد قويت هذه الأسرة، وازداد نفوذها في المنطقة، وتوسعت على حساب جيرانها، من آل يزيد، الحنفيين. وكان أمير الدرعية، محمد بن مقرن بن مرخان، جد آل سعود، قد توفي عام 1106هـ/ 1694م. وفي عام 1121هـ/ 1709م، أصبح موسى بن ربيعة بن وطبان، أميراً على البلدة. ثم خلع، فتوجه إلى العيينة. وتولى الإمارة سعود بن محمد بن مقرن، الذي توفي عام 1137هـ/ 1724م. ولم يتول، من بعده، ابنه، محمد بن سعود بن محمد أمارة الدرعية، بل تولاها زيد بن مرخان بن وطبان، لكن محمد بن سعود كان له تأثير قوي على سير الأحداث في البلدة.

وفي عام 1138هـ/1725م، حاول أمير الدرعية، زيد بن مرخان، الاستفادة من ظهور الوباء في العيينة، الذى توفي فيه أمير العيينة المشهور، عبدالله بن معمر، وعدد كبير من رجالها. فبدأ يخطط، مع فريق من قبيلة سُبيع، لمهاجمة هذه البلدة المزدهرة. ولكن أمير العيينة الجديد، محمد بن حمد بن عبدالله بن معمر، المعروف بلقب خرفاش، اتخذ خطة، أنقذته مما يخطَّط ضده؛ إذ نادى أمير الدرعية، زيد بن مرخان إلى التفاوض واعداً إياه، حتى يستجيب ما أراده منه. وحينما قدم زيد إليه مع أربعين من رجاله، ومنهم محمد بن سعود، غدر به محمد بن معمر وقتله. وقد تحصن محمد بن سعود، بمن معه، بموضع، ولم يخرجوا، إلا بأمان من الجوهرة بنت عبدالله بن معمر، وكان ذلك عام 1139هـ/1726م. وكان أمير الدرعية المخلوع، موسى بن ربيعة حاضراً تلك الواقعة، في منزل خرفاش، فأصيب برصاصة، توفي على أثرها.

وعاد محمد بن سعود وجماعته إلى الدرعية. واستقل بإدارتها. وأصبح أميراً لها. وبذلك، مضى أكثر من مائتَين وثمانين عاماً، على تأسيس مانع المريدي للدرعية، ولإمارة آل سعود فيها.

واستمرت إمارة محمد بن سعود قرابة أربعين عاماً، من عام 1139 هـ/1726م إلى وفاته، في عام 1179هـ/1765م.

وكانت إمارة الدرعية، قد اكتسبت مسقطاً مهماً، بين إمارات العارض، بدليل أنها تعرضت لهجوم من حكام الأحساء، بني خالد، عام 1133هـ/ 1720م. وتمكنت من صده.

وشهدت استقراراً داخلياً، بعد تولي محمد بن سعود إمرتها. وفي العقود التالية، نمت أحياء البلدة، واتسعت في جنبات وادي حنيفة وصارت تمتد من المَلْقَى، شمالاً، إلى حدود بلدة عِرقة، جنوباً. وضمت حدودها مناطق من الوادي مثل: العلب، وسمحة، وغبيراء، وقليلقل، وكتلة، والرفايع، وخيس نصرالله، والسهل، والقرين.

وضمت البلدة أحياء عديدة مثل: الطريف، حيث مساكن آل سعود، والبجيري، والبليدة، والطوالع، والسهل، وملوي، وغيرها.

وأسست حصون وقلاع وأبراج على سورها، مثل: حصن الرفايع في قرى عمران، وحصن سمحة، وحصن شمالي الطريف، وحصن شُديّد اللوح في ظهرة ناظرة، وحصن المغترة. وشيدت، في الدرعية، قصور لآل سعود، مثل قصر الطريف، وقصر البليدة، وقصر الشعراء. وقصر ابن طوق في السريحة.

وبعد قيام الدولة السعودية، وتوليها مهمة الدعوة الإصلاحية، التي نادى إليها الشيخ محمد بن عبدالوهاب ـ أطلق أمراء الدرعية على أنفسهم لقب إمام، وهولقب الحاكم، السياسي والديني، للدولة.

وخلف الإمامَ محمد بن سعود، ابنُه، الأمير عبدالعزيز، الذي ولد عام 1133هـ/1720م. واغتيل في أواخر رجب من عام 1218هـ/نوفمبر1803م. بعد حكم دام 38 سنة، ما بين عامَي 1179هـ ـ 1218هـ/1765-1803م . وكان يقود الغزوات والحملات، في عهد والده. وفتح غير بلدة، بعد معارك فاصلة. وواصل سيرة والده، في التوسع وفتح البلدان، حتى العراق. وصد الغزوات، الموجهة ضد الدرعية. واغتاله، في مسجد الطريف، في الدرعية، رجل كردي، قدم لهذه الغاية، من العمادية، في الموصل. ولقد تزوج الإمام عبدالعزيز بن محمد من ابنة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

وبعد الإمام عبدالعزيز، اتى ابنه، الإمام سعود بن عبدالعزيز. ولقب، بعد وفاته، بسعود الكبير. وحكم قرابة 11 سنة، ما بين عامَي 1218 ـ 1229هـ/ 1803 ـ 1813م، إذ توفي ليلة الإثنين 11 من جمادى الأولى 1229هـ/مايو1814م. وكان والده، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، قد أخذا البيعة له من أهل نجد، بولاية العهد، في عام 1202هـ/ 1787م. وكان هذا الأمير، أيضاً، يقود الحملات، في عهد والده. فسار في أول غزوة له، عام 1181هـ/ 1767م، فهاجم بلدة العودة، من أعمال منطقة سدير.

ثم خلفه ابنه، الأمير عبدالله بن سعود. وحكمخمسة سنوات، بدأت عام 1229هـ/1814م. وفي عهده، سقطت الدولة السعودية الأولى، باستسلامه لقوات إبراهيم باشا، فيثمانية ذي القعدة عام 1233هـ/9 سبتمبر 1818م. وأعدم، في الآستانة، في صفر عام 1234هـ/ديسمبر 1818م. 2. ظهور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وبدء الدعوة الوهابية الإصلاحية

ينتمي الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى أسرة آل مُشرف، من فروع آل وُهَبَة، أحد بطون قبيلة تميم. فهومحمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن أحمد بن راشد بن بُريد بن محمد بن بُريد بن مشرف. كان جده، سليمان، عالماً من فهماء نجد، في القرن الحادي عشر الهجري. وتولى القضاء في روضة سدير. كما كان والده، عبدالوهاب، قاضياً في بلدة العيينة، ثم عُزل عام 1139هـ، وعين قاضياً لبلدة حريملاء.

ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب في بيت فهم، في بلدة العيينة، سنة 1115هـ /1703م. وتلقى تعليمه الأولي على يد والده، وحفظ القرآن الكريم، في صغره. كما تفهم الفقه والتفسير والحديث. ثم مضى للحج. ومن مكة المكرمة، توجه إلى المدينة المنورة، ثم عاد إلى العيينة.

وتميز محمد بن عبدالوهاب بقوة الذاكرة، والتعلق بالفهم. فانطلق طالباً المزيد منه. فرحل إلى مكة المكرمة، ثانية، ومنها إلى المدينة المنورة، حيث جاء حلقات الدرس، في الحرم النبوي، للشيخ النجدي، عبدالله بن إبراهيم بن سيف، الذي شجعه على القراءة في الفقه الحنبلي. وتلقى الفهم، أيضاً، من عالم الحديث، الشيخ محمد حياة السندي المدني (توفي عام 1165هـ)، الذي تأثر به محمد بن عبدالوهاب، في الدعوة إلى التجديد، ومحاربة البدع في الدين، وما يؤدي إلى الشرك من الأعمال.

وعاد محمد بن عبدالوهاب إلى بلدته، العيينة. ومكث بها عاماً. وتوجه إلى البصرة، ليرضي نهمه في الفهم. وفيها تفهم الفقه، وعلوم الحديث، وقواعد اللغة العربية.

وفي البصرة، التي كانت، آنذاك، تعج بالمذاهب والفِرق، آنس في نفسه القدرة على معارضة الأمور، التي كانت تجري على خلاف الشرع؛ وأن ينكر ما يرتكب، هناك، من البدع التي تفضي إلى الشرك؛ وأن يشهجر في النقاش، حول التوحيد والعقيدة، مما أثار عليه بعض الأهلين، وآذوه. ولهذا، أجبر على مغادرة البصرة، فتوجه إلى الزبير، ومنها إلى الأحساء، حيث مكث بعض الوقت، واستفاد من فهمائها، مثل عبدالله بن فيروز، ومحمد بن عفالق، وعبدالله بن محمد بن عبداللطيف الشافعي الأحسائي.

خريطة منطقة السدير والغاط والزلفى، الدولة السعودية الأولى.

وخلال طلبه الفهم، عكف الشيخ محمد بن عبدالوهاب، على دراسة خط شيخ الإسلام، تقي الدين أحمد ابن تيمية (المتوفي عام 728هـ/1327م ). ودرس آثار تلميذه، ابن قيم الجوزية (المتوفي 751هـ/1350م). وتأثر بهما جميع التأثر، خاصة رأي ابن تيمية في ضرورة العودة، في أمور الدين، إلى الكتاب والسُّنة، وما صح عن الصحابة من آثار؛ وتسليم العقيدة وتنقيتها من بدع المتصوفة والمتحدثة. وتأثر به في محاربته للبدع والمنكرات، التي تؤدي إلى الشرك، مثل الاستغاثة بغير الله، والتوسل بالأولياء والموتى، والاعتقاد أنهم يجلبون النفع، ويدفعون الضر. وكذلك، التبرك بالأضرحة والأشجار، وغير ذلك. وكان الشيخ محمد بن عبدالوهاب، دائم التمثل بآراء ابن تيمية، في خطه ورسائله.

ورجع الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى بلدة حريملاء، التي عُيّن أبوه قاضياً لها. وكان وصوله إلى نجد بين عامَي 1144هـ ـ 1149هـ/ 1731 ـ 1736م.

وقد استنكر الشيخ ما كان عليه الناس، في منطقته، من جهل بأمور عقيدتهم، وشيوع البدع والخرافات بينهم. فصح منه العزم على دعوة الناس إلى العقيدة السليمة، وإلى التوحيد الخالص لله، وتنقية معتقداتهم مما شابها، من أعمال الشرك. فألف كتابه، "كتاب التوحيد الذي هوحق الله على العبيد"، الذي لاقى رواجاً كبيراً بين الناس، في نجد.

وأهم ما اتى في دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إحياء عقيدة التوحيد، وإخلاص العبادة لله، وإفراده ـ سبحانه ـ بها؛ ومحاربة الشرك، بأنواعه، وسد الذرائع المؤدية إليه، والتصدي للبدع، التي أحدثت في الدين، والقضاء عليها؛ وتطبيق الشريعة، في جميع أمور الحياة. وفي الحقيقة حتى هذا هوجوهر الإسلام، ولم يكن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، مبتنادىً في ما نادى قومه إليه. ولم يأت بممضى جديد. ولا هونادى إلى تشريع مختلف. إنما جدد ما اندرس من أمور الدين، ونادى للعودة إلى النبع الصافي للعقيدة الإسلامية..

خريطة منطقة الخراج، الدولة السعودية الأولى.

وقد انقسم الناس، إزاء هذه الدعوة بين مؤيد ومعارض. فوجدت لها أنصاراً، ممن شرح الله صدورهم لفهم الحق. ولاقت معارضة الجهال، من العامة، الذين رفضوا حتى يهجروا ما نشأوا عليه. وعارضتها فئة من الفهماء، الذين كانت لهم مصالح دنيوية. وكان عبدالوهاب بن سليمان، والد الشيخ محمد، معارضاً لأسلوب ابنه في الدعوة، وليس للدعوة نفسها. وبعد وفاة والده، عام 1153هـ / 1740م، اشتد الشيخ في دعوته. وازداد إنكاره لما يراه باطلاً. وانتشرت الدعوة الإصلاحية في أراتى المنطقة. وتوافد على الشيخ المؤيدون، ومنهم أمير بلدة العيينة، عثمان بن حمد بن عبدالله بن معمر. خروج الشيخ محمد بن عبدالوهاب، من حريملاء إلى العيينة

انتقل الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في عام 1154هـ/1741م، من بلدة حريملاء، إلى بلدة العيينة. وكان في حريملاء قبيلتان متنازعتان. ولإحداهما عبيد ينطق لهم الحمّيان، كثر منهم الفسق والفساد. فأراد الشيخ محمد حتى يمنعهم من ذلك، وينفذ فيهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهمّ العبيد حتى يفتكوا به ويقتلوه، في الليل، سراً. فلما تسوروا عليه الجدار، انكشف أمرهم، فهربوا. وانتقل الشيخ، بعدها، إلى العيينة.

وربماقد يكون السبب الأهم في انتنطقه، هوقبول أمير العيينة، عثمان بن حمد بن عبدالله بن معمر، دعوته الإصلاحية. يضاف إلى ذلك، حتى العيينة، هي مسقط رأس الشيخ، ومكان نشأته الأولى.

ووجد في العيينة، جميع ترحيب وحفاوة من أميرها. وتزوج الشيخ محمد الجوهرة بنت عبدالله بن معمر، عمة الأمير عثمان، مما زاد من الأواصر بين الشيخ والأمير. وعرض الشيخ على الأمير عثمان، ما قام به، ونادى إليه. ونطق له: "إني أرجو، إذا قمت بنصر لا إله إلا الله، حتى يظهرك الله ـ تعالى ـ وتملك نجداً وأعرابها". فساعده الأمير عثمان بن معمر على ذلك.

خريطة منطقة الحوطة، الدولة السعودية الأولى.

وسار الشيخ قدماً في التطبيق العملي لدعوته، بعد دعم الأمير له. فقام، مع أنصاره، ببتر الأشجار، التي كان العامة يتوسلون بها. وهدم القبة، التي كانت على قبر، يظن أنه لزيد بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في الجبيلة؛ وكان العامة يتبركون بها، ويقدمون إليها النذور.

كما قام الشيخ بمعاقبة من لا يؤدون الصلاة مع الجماعة، في المساجد. وأوفد النادىة إلى البلدان المجاورة، في نجد، لنشر دعوته. ولكن أعظم الأعمال، التي قام بها، فهزت المجتمع، واشتهر بها أمره، في الآفاق، إقامة حد الرجم على امرأة، اعترفت بأنها ارتكبت جريمة الزنا، وهي محصنة. وكان يعلن، بذلك، دخول دعوته فترة جديدة مهمة.

فقد أدت هذه الأنشطة إلى زيادة المعارضة للدعوة الإصلاحية، من قبل بعض الفهماء، في نجد، الذين رأوا فيها زعزعة لمكانتهم الاجتماعية وبخاصة حتى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، أنكر على بعضهم أخذ أجر من المتخاصمين، لقاء الفصل بينهم، وعدّ ذلك من الرشوة. فقام بعض هؤلاء الفهماء بإرسال الرسائل، إلى فهماء البصرة والأحساء، يستنهضونهم للرد على دعوة الشيخ.

كل ذلك، لم يمنع الدعوة الوهابية من الانتشار، وإقبال الناس عليها، مما أثار حفيظة الأمراء، خاصة زعماء بني خالد، في الأحساء، التي كانت مصدراً للتجارة، في نجد.

ولهذا، خط زعيم بني خالد، وحاكم الأحساء والقطيف، سليمان بن محمد بن غرير آل حميد، رسالة إلى صديقه، أمير العيينة، عثمان بن معمر، يطلب منه، حتى يتخلص من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بالقتل. وهدد، في رسالته، بأنه يفترض أن يبتر الخراج أوالمعونة الاقتصادية، وهي كثيرة، عن ابن معمر، ويمنعه من استلام ولج مغرسته، في الأحساء؛ وأنه لن يسمح لتجار بلدته، بدخول الأحساء واستخدام موانئها. انتنطق الشيخ محمد، من العيينة إلى الدرعية

ما كان في وسع أمير العيينة مخالفة حاكم الأحساء، فطلب من الشيخ محمد، حتى يغادر العيينة، بعد حتى أبلغه بأمر رسالة زعيم الأحساء، وطلبه حتى يقتله. ولم تفلح محاولات الشيخ في إقناع الأمير بالصمود، أمام تهديدات حاكم الأحساء، ورفض أوامره.

خريطة منطقة الأفلاج، الدولة السعودية الأولى.

واختار الشيخ محمد بن عبدالوهاب بلدة الدرعية، التي كان يحكمها محمد بن سعود. ووصلها، عصر اليوم، الذي غادر فيه العيينة، في عام 1157هـ/1744م. وحل ضيفاً على رجل من تلاميذه، يدعى محمد بن سويلم العريني، في أعلى الواحة. وخشي المضيف من سطوة الأمير محمد، خاصة بعد حتى أقبل الناس، من مريدي الشيخ، ليأخذوا عنه أمور دينهم، ومن بينهم ثنيان بن سعود، ومشاري بن سعود، شقيقا الأمير محمد بن سعود. وقد بذل الأخوان، ثنيان ومشاري، جهدهما في إقناع الأمير بلقاءة الشيخ. وتروى سيرة، مفادها، حتى موضي بنت أبي وطبان، زوجة الأمير محمد بن سعود، كانت ذات عقل وفهم، سعت لدى زوجها، ليقف إلى جانب الشيخ ويعاضده، بعد ما فهمت من أخباره، وما يأمر به وينهى عنه، قائلة: "إن هذا الرجل، أتى إليك، وهوغنيمة ساقها الله لك. فأكرمْه، وعظمْه، واغتنم نصرته". فاقتنع الأمير بقولها، ونادى أخاه، مشاري، وطلب منه حتى يدعوالشيخ للقاءته. ولكن مشاري، استعطف أخاه الأمير، حتى يسير بنفسه للقاءة الشيخ، ونطق له: "سرْ إليه برِجلك، وأظهر تعظيمه وتوقيره، ليسلم من أذى الناس".

3. ميثاق الدرعية، وقيام الدولة السعودية الأولى

سار الأمير محمد بن سعود، إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، في بيت ابن سويلم. ورحب به قائلاً: "أبشر ببلاد خير من بلادك. وأبشر بالعز والمنعة". فنطق الشيخ: "وأنا أبشرك بالعز والتمكين. وهذه حدثة لا إله إلا الله، من تمسك بها، وعمل بها، ونصرها، ملك بها البلاد والعباد. وهي حدثة التوحيد، وأول ما دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم".

ولا تذكر المصادر تاريخاً لهذه اللقاءة المهمة. ولكنها كانت بعد قدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية، بفترة قصيرة.

ولقد خشي الأمير محمد بن سعود أمرَين، إذا قام بنصرة دعوة الشيخ:

أولهما: حتى يهجره الشيخ إلى مكان آخر، ويستبدل به غيره.

ثانيهما: حتى يقف الشيخ في وجه ما يأخذه من مال، من أهل الدرعية.

لذلك، أراد الأمير، حتىقد يكون بينه وبين صاحب الدعوة، عهد وميثاق، فنطق له:

"يا شيخ، إذا هذا دين الله ورسوله، الذي لا ريب فيه. وأبشر بالنصرة لك، ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد. ولكن أريد حتى أشرط عليك شرطَين اثنَين:

الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك، والجهاد في سبيل الله، وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف حتى ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.

خريطة منطقة وادي حنيفة، الدولة السعودية الأولى.

الثاني: إذا لي على الدرعية قانوناً (أي ما يدفعه الضعيف إلى القوي، ليحميه ويدافع عنه) آخذه منهم، في وقت الثمار، وأخاف حتى تقول، لا تأخذ منهم شيئاً".

فأجاب الشيخ: "أيها الأمير، أما الأول، فابسط يدك. الدم بالدم والهدم بالهدم.

وأما الثاني، فلعل الله حتى يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما خير منها".

ثم بسط محمد بن سعود يده، وبايع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على نصرة دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

يقول المؤرخ حسين بن غنام: "وقد بقي الشيخ، بيده الحلّ والعقد، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير. ولايركب جيش، ولا يصدر رأي من محمد بن سعود، ولا من ابنه، عبدالعزيز، إلا عن قوله ورأيه. فلما فتح الله الرياض، واتسعت ناحية الإسلام، وأمنت السبل، وانقاد جميع صعب، من باد وحاضر، جعل الشيخ الأمر بيد عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وفوض أمور المسلمين وبيت المال إليه..."


تأسيس الدولة السعودية الأولى (1745 – 1811)

خريطة منطقة الرياض، الدولة السعودية الأولى.

على أثر انتنطق محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية لحق به الكثير من أتباعهه من العيينة وسائر واحات نجد. كانت عاصمة الدولة السعودية الشاسعة آنذاك تعيش حياة البؤس . ولم يتمكن ابن سعود حتى من تأمين الأغذية لأعز تلاميد محمد بن عبد الوهاب الذي كان يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط .

واطلع محمد بن عبدالوهاب أتباعه وأنصاره على مبادئ ممضىه وأوحى لهم فكرة ضرورة الجهاد ضد الكفرة . وبعد أولى غزوات الدرعيين على جيرانهم وزعت الغنائم بالعدل طبقا لأحكام الوهابية : الخمس لابن سعود والباقي للجند : ثلث للمشأة وثلثان للخيالة . وكان التمسك بالوهابية يكافأ ماديا . وإذا كان الغزوفي السابق مجرد حملة شجاعة ، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين.

ولم تكن عمليات الوهابيين الحربية تختلف عن النزاعات العادية بين الدويلات – الواحات . غارة سريعة وكمين تنصبه بضع عشرات من المحاربين وبضع عشرات من الإبل أوالأغنام التي يتم الاستيلاء عليها في حالة الفوز وأشجار نخيل مقطوعة وحقل منهوب أوعدة منازل منهوبة – تلك هي (منجزات) الدرعيين في لاسنوات الأولى بعد مجيء محمد بن عبدالوهاب إليهم.

إلا حتى راية تجديد الدين منحت أمير الدرعية وزنا ومنزلة . وأخذ مؤرخونجد يلقبونه بالإمام . وصار يعتبر أميرا للمؤمنين ، أي لجميع المنضمين إلى الوهابية . وأثناء الصلاة كان في مقدمة جمهور المصليين .

فرض زعامة الدرعية في وسط نجد

كان المحاربون من العيينة بزعامة بن مصر أنصارا ثابتين للدرعيين ، حتى حتى أميرا من العيينة قاد القوات التي توحدت في السنوات الأولى . وارتبط عثمان بن معمر بالسعوديين بصلة قربى حيث زوج ابنته من عبدالعزيز بن محمد . وفي عام 1748 ولد ابنهما سعود الذي بلغ الوهابيون أوج قوتهم في عهده . إلا حتى العداء حتى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماما في الجزيرة العربية ، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقا . وكان لموقف محمد بن عبدالوهاب الذي لم ينس حتى أمير العيينة نفاه منها أهمية حاسمة في التنافس بين حكام الدرعية والعيينة .

واتهموا أمير العيينة كذلك بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الإحساء محمد بن عفالق وأعد العدة للخيانة. وفي حزيران (يونيو) 1750 قتله الوهابيون من أبناء واحته بعد صلاة الجمعة . وصار حاكما للواحة قريبه مشاري بن ابراهيم بن معمر المعتمد على الدرعية . وبعد عشر سنوات فقدت العيينة استقلالها نهائيا . فقد نحى محمد بن عبدالوهاب مشاري وأسكنه الدرعية مع عائلته وعين بدلا منه شخصا خاضعا للسعوديين كليا . ووصل محمد بن عبدالوهاب شخصيا إلى العيينة وأمر بتدمير قصر آل معمر .

وبعد خمس سنوات من التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود كانت سلطة أمير الدرعية لاتزال موضعا للشك والمجادلة حتى في أقرب الواحات . وفي 1750-1753 حاولت إمارات منفوحة وحريملا وضرمى التي كانت بين أوائل الذين تحالفوا مع الوهابيين حتى تفصم عرى التبعية للدرعية . وشجع الانتفاضة في حريملا سليمان أخومحمد بن عبدالوهاب . وبعث إلى كافة أراتى نجد رسائل شجب فيها تعاليم أخيه . وبتأثير النادىية المناهضة للوهابية بدأت القلاقل حتى في العيينة. إلا حتى عبد العزيز تمكن مع 800 من المشأة و20 من الخيالة من الاستيلاء على حريملا في عام 1755 ، وفر سليمان إلى سدير .

وظل أمير الرياض دهام بن دواس المنافس الرئيس للسعوديين . وكانت الغزوات من الدرعية والرياض على بعضهم البعض تجري جميع عام تقريبا . وقاتل مع دهام على التوالي سكان مناطق وواحات الوشم وسدير وثادق وحريملا . إلا حتى الوهابيين كانوا هم الجانب المهاجم في الغالب .

وعلى مسرح الأحداث في نجد ظهر الإحسائيون من حديث في أواخر الخمسينات ، وقد قادهم خلال بضع سنين حتى ذلك الحين زعيم نشيط هوعريمر بن دجين . فقد قاموا بحملة على وسط الجزيرة ، ولكنهم لم يوفقوا فيها . وانتقلت المبادرة مرة أخرى إلى الدرعية .

وفي أواخر عام 1764 قام زعيم القبائل البدوية في منطقة نجران الحسن بن هبة الله بحملة على الدرعية . ودحر قوات عبدالعزيز عن آخرها ، حيث كبدها حوالي 500 قتيل و200 أسير . وأبدى محمد بن عبدالوهاب دهاءا دبلوماسيا كبيرا فسارع لعقد الصلح على أساس دفع تعويضات الحرب وتبادل الأسرى . وانسحب النجرانيون دون حتى ينتظروا وصول عريعر من الإحساء .

ووصلت قوات عريعر المسلحة بالمدافع إلى ضواحي الدرعية في بداية عام 1765 . وانضم إليها الكثير من النجديين ، بمن فيهم دهام أمير الرياض وزيد بن زامل أمير الخرج . إلا حتى حصار الدرعية أخفق . وفي ذلك العام توفي محمد بن سعود. وخلفه عبد العزيز بن سعود الأول. ويشير ابن غنام وابن بشر إلى حتى عبد العزيز لم يكن ولي العرش فقط ، بل كان إماما للوهابيين .

وبعد الهزة التي نجمت عن لهزيمة أمام النجرانيين وغزوالإحسائيين تماثلت إمارة السعوديين للشفاء بسرعة . واستمر توسعها بوتائر متسارعة ، وفي أواخر الستينات أخضع الوهابيون كليا الوشم وسدير وهاجموا واحة الزلفى الواقعة شمال شرقي مقاطعة القصيم النجدية الغنية وشنوا حملات ناجحة على البدوجنوبي وشرقي نجد . وخضعت مفارز من قبائل سبيع والظفير للوهابيين . وفي عام 1769-1770 أقسم القسم الأكبر من القصيم يمين الولاء للوهابية والسعوديين .

وفي هذه الظروف غدا وضع الرياض المطرقة من جميع الجهات باتباع أوحلفاء الوهابيين ميئوسا منه . وفي إحدى المناوشات اغتال الدرعيون اثنين من أبناء دهام . وتدهورت معنويات أمير الرياض العجوز . وعندما وصل الوهابيون في صيف 1773 إلى الرياض رأوا حتى المدينة خالية من سكانها . وفر أمير الرياض مع عائلته . وحذت حذوه أغلبية السكان الذين كانوا يخشون ، وليس بدون حق ، من ثأر خصومهم القدامى . وهلك كثير من سكان الرياض في الطريق بسبب الحر والعطش ، كما سقط الكثيرون بسيوف الوهابيين .

وانتهى الصراع من أجل السيطرة في وسط نجد بعد حتى استغرق حوالي ربع قرن . ولكنه لم يخرج عن نطاق النزاع القبلي. وتفيد حسابات المؤرخين التي هي من الممكن أقل مما في الواقع حتى عدد القتلى بلغ 4-5 آلاف إنسان يشكل اتباع دهام أكثر من نصفهم . ويمكن حتى نوافق على رأي فيلبي الذي خط يقول : (حتى ذلك الحين كان عبدالعزيز يتربع منذ ثماني سنوات على عرش الدرعية التي كانت أكبر شأنا بقليل من سائر (primus inter pares) الدويلات الكثيرة في الجزيرة العربية . إلا حتى الوهابيين حصلوا على قاعدة متينة لمواصلة توسيع دولتهم .

كانت سلطة السعوديين قائمة ليس فقط على قوة السلاح . فكل واحة تضم إلى الدولة يصلها من الدرعية فهماء وهابيون يدعون إلى التوحيد الحقيقي . وأخذ قسم من سكان نجد يعتبر الدرعية ليس مجرد عاصمة لإمارة قوية بل ومركزا روحيا ، ويعتبر حكام الدرعية ليس مجرد أمراء أقوياء بل ومناضلين في سبيل نقاوة الدين . ولا يغيبنعن البال حتى الفهمءا وأنصار الوهابيين في الإمارات المعادية للدرعية كانوا يفتتون المقاومة من الداخل .

وعلى العموم تمكن السعوديون بصعوبة كبيرة ، رغم الجهود الهائلة ، من قهر مقاومة الأمراء المستقلين . وكان واضحا أثر قوى التجزئة واللامركزية والفوضى القبلية . ولذا تعين مرور عشرة أوإثنى عشر عاما على سقوط الرياض لتقع نجد كلها تحت سيطرة الدرعية .


توحيد وسط الجزيرة العربية

بعد ضم الرياض صار الخصم الرئيسي للسعوديين في نجد هوزيد بن زامل الأمير الداهية الشجاع وحاكم الدلم ومنطقة الخرج كلها . وقد حاول من حديث اجتذاب قبائل نجران للمشاركة في مكافحة الوهابيين . ولهذا الغرض توجه بطلب إلى أمير نجران ليرسل محاربين لنجدته ووعده بمكافأة معينة . ووصل أبناء نجران ولكنهم بدلا من تقديم النجدة أخذوا يبتزون النقود وينهبون سكان الخرج . فأخفق التحالف المنشود . وفي منتصف السبعينات ولج محاربوبني خالد وعلى رأسهم عريعر نجد قادمين من الإحساء واحتلوات بريدة في القصيم ونهبوها بوحشية . وكان الكثير من حكام واحات نجد المتذمرين من سلطة السعودين مستعدين لدعم الإحسائيين ، ولكن عريعر توفي بغتة . وبدأ عند بن خالد صراع من أجل الرئاسة . وفاز في هذا الصراع مؤقتا أحد أبناء عريعر وهوسعدون ، إلا حتى أمراء الدرعية أخذوا يحرضون إخوانه ضده . وخلال السنوات القليلة التالية كان الإحسائيون يظهرون في نجد جميع عام تقريبا . وشاركت مع بني خالد في الغزوات قبائل سبيع والظفير وبني رشيد . وكان عدد من واحات نجد تارة ينضم إلى الوهابيين وتارة ينفصل عنهم ويعمل بصورة مستقلة وتارة يتحالف مع أعداء الدرعية.

ويبين مشهد هام ذكره منجين سير العمليات الحربية آنذاك . فقد أنشأ الوهابيون قرب الدلم قلعة للتضييف على عمليات مفارز زيد بن زامل . وكانت مشارف القلعة صعبة المنال وقد وقفت في حمايتها عساكر وهابية مختارة .. وبغية إخراج العدومن القلعة أنشأ أهل الدلم بإشراف أحد الفرس القانطين في الواحة برجا متنقلا على أربع عجلات ولبسوه بالرصاص لحمايته من النار . ودخله محاربون ودحرجه آخرون نحوالقلعة . إلا أنه تلكأ عند مشارفها ، ولم ينقذ المحاربين القابعين في البرج المتنقل إلى عملية مستميتة لمفرزة من شجعان الدلم .

ورغم المقاومة وسعت الدولة السعودية نفوذها وأراضيها بالتدريج . وبعد احتلال الوهابيين لواحة المجمعة توقف عمل أنشط النادىة المعاديين للوهابية ، ونعني سليمان بن عبدالوهاب . فقد نقل مع عائلته إلى الدرعية حيث ظل حتى وفاته . وفي مطلع الثمانينات تقرر مصير القصيم نهائيا . فطوال عدة سنوات استمرت القلاقل والنزاعات التي تخللتها عمليات ضد الدرعية . ولم يخفت أوار العداء القديم ، وظل باقيا مفعول علاقات التحالف والترابط والنفور والتضاد السابقة . وفي عام 1782 ولج القصيم سعدون بن عريعر على رأس قوات بدوية من بني خالد وشمر والظفير . وكان مصمما على طرد الوهابيين . وانضم إليه زيد بن زامل وقواته . وطوال عدة أسابيع حاصروا بريدة التي ظلت موالية للوهابيين ، ولكن دون جدوى هذه المرة . وانحل الائتلاف المعادي للوهابيين وغادر الإحسائيون نجد .

وفي عام 1783 اغتال زيد بن زامل . وتزعم الدلم ابنه براك . إلا حتى مكانة الأمير الجديد كانت مضعضعة بسبب التنافس داخل الأسرة الحاكمة . وفي الفترة 1783 – 1786 أصاب نجد جفاف مرعب وتفشت المجاعة . وغدت حالة الخرج التي حاصرها الوهابيون ميئوسا منها . وفي عام 1785 تم احتلال الدلم بهجوم سريع . وقتل الأمير وبعض أنصاره . وأقسمت منطقة الخرج كلها يمين الولاء للسعوديين . وعين القائد العسكري الوهابي سليمان بن عفيصان حاكما للدلم .

وفي تلك السنوات على وجه التقريب خضعت للدرعية الأفلاج والدواسر ، مع حتى الانتفاضات ضد الوهابيين استمرت أمدا طويلا في الدواسر . وشعرت أقوى القبائل البدوية في الجزيرة العربية بثقل قبضة حكام الدرعية . وعندما دحر الوهابيون بدوالظفير في عام 1781 انتزعوا منهم جميع مايملكون : أدوات المخيمات و17 ألف نعحة وماعز و5 آلاف جمل و15 حصانا وقام الوهابيون كذلك بغزوات على آل مرة وقحطان وسبيع وبني خالد . وتوغلوا في الشمال وأخضعوا جبل شمر في لانصف الثاني من الثمانينات .

واكتمل التفاف أراضي وسط الجزيرة حول الدرعية . ومع حتى بعض العمليات كانت لاتزال جارية في بعض المناطق ضد السعوديين فلم يعد جائزا اعتبار الأمراء المحليين من منافسيهم . وفي أفضل الأحوال كانوا شبه تابعين لهم ، وفي الغالب كانوا صنائع مباشرين للدرعية يؤدون دور الولاة . وأدى تعزز سلطة آل سعود ونفوذهم عموما إلى جعل عبدالعزيز ومحمد بن عبدالوهاب يقدمان في عام 1788 على خطوة هامة . فقد أمنا لسعود حق ولي العرش بالوراثة والإمام عبدالعزيز لايزال على قيد الحياة . وأخذ محمد بن عبدالوهاب على عاتقه مهمة جعل مدن ومناطق الدولة تقسم يمين الولاء . وكان سعود حظي أصلا بشعبية واسعة بفضل بسالته وفوزات الحربية ومشاركته في تصريف شئون الولة . وكان الإعلان عن ولي العهد قد تعزز أسرة آل سعود لأنه أمن انتنطق السلطة بصورة أصهل نسبيا من الأمير إلى ابنه .

إن وراثة الإبن لأبيه شيء معتاد في الجزيرة العربية ولكنه غير الزامي . فالسلطة كانت تنتقل حسب الأقدمية في العمر داخل الفخذ وحسب السجايا الشخصية لأقرب الأقوياء . وتعود الحدثة الحاسمة في اختيار الأمير الجديد إلى كبار الوجهاء . وإن إصرار المؤرخ الوهابي ابن غنام على تبرير شرعية يمين الولاء لسعود يشير إلى حتى فكرة لزوم انتنطق السلطة من الأب إلى إبنه صادفت ، على الأرجح ، بعض المقاومة والاعتراض . وبالاعتماد على موارد وسط الجزيرة بدأ الوهابيون تقدما ناجحا في جميع الاتجاهات : نحوالشرق والشمال الشرقي – إلى الإحساء وجنوب العراق ، ونحوالغرب – إلى الحجاز ، ونحوالجنوب الغربي – إلى اليمن ، ونحوالجنوب الشرقي – إلى عمان ، ونحوالشمال إلى حدود الشام .

الوهابيون في شرقي الجزيرة

خط سير حملة ابراهيم باشا من الحناكية إلى الدرعية أثناء الحرب السعودية المصرية.

مما سهل هجوم الوهابيين على الإحساء النزاعات الداخلية في هذه المنطقة الغنية . وفي عام 1785-1786 دبر أقرب أقرباء سعدون بن عريعر مؤامرة ضده . وطلبوا من شيخ المنتفق ثويني بن عبدالله حتى يؤيدهم . فبدأت العمليات الحربية . ومنى سعدون بالهزيمة في الاشتباك الحاسم وولى هاربا . وطلب من الدرعية حتى تمنحه اللجوء فاستقبلته بحفاوة . وتفيد بعض المعلومات أنه سرعان ما توفي بعد ذلك . وصار دويحس حاكما للإحساء بعض الوقت.

وخف ضغط الوهابيين على الإحساء فترة قصيرة بسبب الغارة غير المتسقطة التي قام بها شيخ المنتفق ثويني على القصيم في 1786-1787 . فقد جمع قوات كبيرة مزودة بالمدفعية . وشاركت معه في هذه الغزوة بعض قبائل شمر وكذلك سكان الزبير . وحطمت قوات ثويني عدة قرى في القصيم ولكنها ردت على أعقابها. وبعد حتى عاد ثويني إلى منطقة قبائل المنتفق أراد حتى يستولي على البصرة ويعلن عن نفسه حاكما لها . إلا حتى والي بغداد سليمان باشا المستقل في الواقع عن الباب العالي هاجم ثويني في خريف 1787 وهزمه قرب مدينة سوق الشيوخ ، ثم أمر فيما بعد برصف ثلاثة أبراج من جماجم قتلاه . وفر ثويني وصار حمود بن ثامر شيخا للمنتفق .

وتصادف كثيرا في كتابات مؤرخي الجزيرة التي تتناول بداية نشاط الدولة الوهابية معلومات عن الاشتباكات بين قوات السعوديين والبدو. ولكنه في أواخر الثمانينات تلاحظ مشاركة متزايدة من بدوبعض القبائل في الحملات التي يشنها الوهابيون أنفسهم . وقد يردد ابن بشر الإشارة إلى ذلك مرارا.

وكان الوهابيون يقومون سنويا بحملات على أعماق الإحساء حتى بلغوا سواحل الخليج . ولم يكتف الوهابيون بغزوواحات شرق الجزيرة وقبائل بني خالد ، بل هاجموا كذلك قبيلة المنتفق شمالي الإحساء . وقمع الوهابيون المقاومة بمنتهى القسوة . فقد خط ابن غنام حتى الوهابيين عندما عادوا ذات مرة من الواحات وجدوا (أكثر الرجال ...في بيت من البيوت ، وكانوا ثلاثمائة نفس فقتلوا جميعا) .

وفي خريف 1788 صار بعض أفخاذ قبيلة بني خالد يقاتل في صف الوهابيين . ونصبت الدرعية زيد بن عريعر شيخا لمشايخ بني خالد . إلا حتى الإحساء كانت لاتزال غير راضخة بعد , فإن المقاومة اللاحقة التي أبداها سكانها وانتفاضاتهم المتكررة تدل على حتى الميول المعادية للوهابية كانت قوية هنا . وربما يعزي ذلك إلى وجود عناصر شيعية قوية في الإحساء ، وإلى كون وجهائها الذين تعودوا على اعتبار النجديين جهة لهجماتهم لم يستطيعوا الرضوخ لدور الخضوع . وفي 1791-1792 اجتاح سعود بالحديد والنار واحات شرقي الجزيرة فاحتل القطيف . وفي تلك الأثناء قام سليمان بن عفيصان بغزوة على قطر . إلا حتى الإحساء كلها سرعان ماهبت في انتفاضة عارمة . ودحر بنوخالد صنيعة الوهابيين ، وصار شيخا للإحساء براك بن عبدالمحسن الذي بدأ غزواته فورا على البدووالواحات الخاضعة للسعوديين إلا حتى بني خالد اندحروا في إحدى المعارك ففقدوا أكثر من ألف إنسان . وأعربت واحات الإحساء عن خضوعها لسعود . وظل الوهابيون شهرا في هذه المنطقة فدمروا قباب الأضرحة وجميع العتبات المقدسة للشيعة . وتوجه الفهماء الوهابيون إلى المدن والواحات هناك .

وفي معمعان إخضاع الإحساء ، في عام 1792 ، توفي مؤسس الحركة الوهابية محمد بن عبدالوهاب . وكان شخصية بارزة بالنسبة لعصره ومجتمعه وطبقته . وكان يتحلى ببسالة وحماسة متناهيتين . فإن تحدي النظام الديني في الجزيرة العربية آنذاك ولقاءة حماة القديم الهائجين يتطلبان بسالة منبترة النظير . وتعرضت حياته للخطر مرارا ، وقد أجلى ثلاث مرات ، ولكن ذلك لم يئن عزيمته . وساعد محمد بن عبدالوهاب لدرجة كبيرة ، بخطبه الحماسية وبلاغته ، على نجاح الحركة الدينية التي بدأها وعلى توسيع الدولة السعودية . وخط ابن بشر عنه أنه نشر (راية الجهاد بعد حتى كانت فتنا وقتالا) . ويقول منجين : ( كان يتحلى بأكبر قدر من فن الإقناع ويخلب الألباب بخطبه ...) .

ويشير مؤلف (لمع الشهاب) إلى نقطة هامة أخرى وهي حتى محمد بن عبدالوهاب بالذات فهم سكان الدرعية ، كما يزعمون ، على خلق واستخدام السلاح الناري . وإذا كان قد اضطلع بهذا الدور الذي لايميز الفقهاء فيمكن الافتراض بأن مكانته في تأسيس إمارة الدرعية وفوزاتها الحربية أكبر مما يشير إليه مؤرخونجد . كان محمد بن عبدالوهاب يتحلى بهمة حياتية فائقة . ويقول منجين أنه (كان يهوى النساء وله عشرون زوجة أنجب منهن 18 طفلا) . وقد غدا خمسة من أبنائه وكثير من أحفاده فقهاء معروفين. وهجر محمد بن عبدالوهاب لورثته أرضا فيها نخيل وأشجار فاكهة وحقول وتبلغ عائداتها 50 ألف درهم مضىي سنويا ، بالإضافة إلى مخطة تضم بضع مئات من الخط . وبعد وفاة الشيخ محمد بن عبدالوهاب صار ابنه حسين ، وهوضرير تقريبا ، مفتيا للدرعية ، وبعده شغل أخوه هذا المنصب .

إن أسرة الفقهاء التي صارت تسمي آل الشيخ قد احتفظت بوزنها ونفوذها ومكانتها في الدولة السعودية حتى اليوم ، ولكن أحدا من أحفاد محمد بن عبدالوهاب لم يرتفع إلى منزلة مؤسس الوهابية في إمارة الدرعية . وفي تلك الأثناء بدأت في الإحساء من حديث انتفاضة ضد سلطة النجديين . فقد اغتال سكان الهفوف ثلاثين من ممثلي الدرعية – الحاكم والموظفين والفهماء الوهابيين وسحلوا جثثهم في شوارع المدينة ومثلوا بها على رؤوس الأشهاد . وأيدت الهفوف عدة واحات أخرى . وكان صنيعة الوهابيين زيد بن عريعر ، زعيم بني خالد ، قد خان أسياده وشارك في الانتفاضة .

وفي خريف 1793 توجه سعود مع قوات كبيرة إلى الإحساء . ونهبت قواته البدوية جميع ماصادفته في طريقها وقتلت دون رحمة جميع من أبدى مقاومة ودمرت بساتين النخيل واستأثرت بمحاصيل التمور ورعت الماشية في الحقول . وكان منافس زيد بن عريعر وخصم الوهابيين سابقا براك بن عبدالمحسن قد انتقل إلى جانبهم . وأعربت الإحساء كلها عن خضوعها لهم . وعين براك بن عبدالمحسن أمير للإحساء ، ولكنه حاول في ربيع 1796 حتى يتخلص من سلطة الوهابيين الذين انشغلوا بعمليات حربية غربي وجنوغربي نجد . وبعد عدة أشهر وصل سعود مع جيش قوي إلى الإحساء وقمع الحركة فيه من حديث .

وخط ابن بشر وصف إخضاع الإحساء يقول : (فلما أصبح الصباح وحل سعود بعد صلاة الصبح فلما استووا (يقصد الوهابيين) على ركائبهم وساروا ثوروا بنادقهم دفعة واحدة . فأظلمت المساء وأرجفت الأرض وتأرجح الدخان في الجووأسقط كثير من النساء الحوامل في الإحساء . ثم هبط سعود ... وظهر عليه جميع أهل الإحساء على إحسانه وإساءته . وأمرهم بالخروج إليه فخرجوا فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله ، ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه ، ويأخذ من الأموال ، ويهدم من المحال ، ويبني ثغورا ويهدم دورا ، وضرب عليهم الوفا من الدراهم وقبضها منهم . وذلك لما يتكرر منهم من نقض المعهد ومنابذة المسلمين ، وجرهم الأعداء عليهم . وأكثر فيهم سعود القتل . فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ونقاض العهد ... فهذا مقتول في البلد ، وهذا يخرجونه إلى الخيام ويضرب عنقه عند خيمة سعود ، حتى أفناهم إلا قليلا . وحاز سعود الأموال في تلك الغزوة ما لا يعد ولا يحصى . فلما أراد سعود الرحيل من الإحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهلها ... وظهر بهم إلى الدرعية وأسكنهم فيها واستخدم في الإحساء أميرا ناجم المذكور ، وهورجل من عامتهم .

هذكا تم إخضاع شرق الجزيرة العربية للوهابيين وصارت تابعة للسعوديين الممتلكات العائدة في الجزء القاري لأسرة آل خليفة الحاكمة في البحرين . وفي بداية التسعينات كانت على أشدها أيضا العمليات الحربية غربي نجد .

إمارة السعوديين والحجاز قبل عام 1802

بعد بدء الحركة الوهابية وتوسع إمارة السعوديين لم تنشب أية صدامات حربية بين حكام الدرعية ووجهاء الحجاز .

ولم تكن سلطة شريف مكة مساعد الذي حكمها من 1752 حتى 1770 متينة . ففي هياة حكمه خيم على مكة خطر فقدان الاستقلال الواسع الذي كانت تتمتع به في الإمبراطورية العثمانية . وفي عام 1769 أعرب حاكم القاهرة علي بك استقلال مصر عن الباب العالي . وضم الحجاز إلى ممتلكاته بيد حتى محاولة علي بك لتأسيس دولة عربية مستقلة لم تكلل بالنجاح . فتخلص الحجاز من حكم المصريين .

ويقول مؤرخوالجزيرة حتى السعوديين ومحمد بن عبدالوهاب أقاموا مع حكام مكة علاقات ودية . وعلى أثر انتنطق محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية وصل إلى مكة ثلاثون فقيها وهابيا للحصول على موافقة بالحج وإجراء محادثة مع فقهاء مكة . واعتبر فقهاء مكة ، كما يفيد دحلان تعاليم الوهابيين زندقة فظيعة وكفرا . وأمر شريف مكة بأن تنشر في رسائل بكل مكان أدلة تثبت كفر الوهابيين وبأن يقيد هؤلاء الكفرة بالسلاسل ويزج بهم في السجن . وتمكن قسم منهم من الفرار فحملوا إلى الدرعية أخبار ما حدث.

وفي مطلع السبعينات أجرى محمد بن عبدالوهاب وعبدالعزيز مراسلات مع شريف مكة وتبادلوا الهدايا . وفي تلك السنوات لم يعرقل الإشراف أحيانا حج الوهابيين . وعندما صار سرور حاكما لمكة في عام 1773 بعث إليه عبدالعزيز هدايا ثمينة ليعرب عن المودة .

ويبدوحتى حكام مكة والدرعية كانوا يقيمون علاقات ودية معتدلة فيما بينهم طالما حتى مصالح النجديين والحجازيين لم تتصادم مباشرة وطالما كان الحجازيون يخشون تدخل المصريين أوالأتراك في شئونهم ، أما تعاليم الوهابيين فإن فهماء الحجاز ووجهاءه قد استقبلوا بالعداء على الأكثر منذ البداية .

وتمكن حاكم مكة سرور من التخفيف من غلواء عوائل الإشراف وتعزيز مواقعه في الحجاز . ولكنه على أثر وفاة سرور صار شريفا لمكة في عام 1788غالب بن مساعد وهوفتى لايمتلك سلطة عملية فظل لبعض الوقت أداة في أيدي عبيد ومملوكي الأمير السابق الذين أخذوا يضيقون على لاسكان المحليين فصاروا يضمرون لهم حقدا . وهذا ماساعد غالب في القريب العاجل على التخلص من العبيد العاصين وتعزيز منزلته . وكان غالب محاربا شجاعا وسياسيا نافذ البصيرة . فاستطاع حتى يقيم علاقات طيبة مع القبائل البدوية المجاورة لمكة ، وقام بالغزوات معتمدا على هذه القبائل وعلى حرس العبيد المكون من بضع مئات من الأشخاص بعد تجديده .

وفي عام 1790-1791 أعد شريف مكة حملة على نجد من قوات بعشرة آلاف محارب و20 مدفعا . إلا حتى محاولاته في السيطرة على واحات نجد المحصنة قد أخفقت ، فهجرهه حلفاؤه من بعض قبائل البدو. وعاد إلى مكة مع النواة الأساسية لقواته . وفي صيف 1791 الحق سعود هزيمة ماحقة بحلفاء الشريف في منطقة حائل بعد حتى شاركوا في حملاته ، ونعني بدوشمر ومطير وبني رشيد. وفي البدوتاركين للوهابيين غنائم وفيرة جدا – حوالي مائة ألف من الغنم والماعز وبضعة آلاف من الإبل.

وبدأت فصائل الوهابيين غزوات على المناطق الواقعة بين نجد والحجاز وعلى الواحات والقبائل الخاضعة لشريف مكة . وفي آيار (مايو) 1795 حاصر سعود تربة التي هي مركز استراتيجي هام على مشارف الحجاز .

وفي صيف العام نفسه وردا على هجوم الوهابيين قام الحجازيون بغزوة على نجد . وتشجع غالب بنجاح هذه الغزوة فجهز في شتاء 1795-1796 قوات كبيرة جديدة مزودة بالمدافع للقيام بحملة في أعماق الجزيرة العربية . وقد أبيدت هذه الحملة عن آخرها على يد القوات الموحدة التابعة للدرعية والمكونة من بدومطير وسبيع والسهول والدواسر والعجمان والرشايدة وبعض من قبائل عتيبة على مايبدو. ويؤكد ابن غنام حتى غنائم الوهابيين بلغت 30 ألفا من الإبل و200 ألف من الغنم والماعز . وأرغمت الهزيمة الماحقة غالب على توقيع الصلح . وكان واضحا حتى النجديين متفوقون في القوات . فقد واصلوا تقدمهم نحوالجنوب حتى وصلوا نجران والحدود الشمالية لليمن . ويبدوحتى اتصالاتهم مع سكان عسير تعود إلى تلك الفترة .

كانت قبيلة عتيبة الجبارة الخاضعة في السابق لإشراف مكة قد انضمت إلى إمارة الدرعية في 1797-1798 . ورافق البدوعلى تطبيق جميع أ؛كام الوهابية وتسديد الزكاة ودفع تعويضات الحرب لقاء العمليات العدائية السابقة . ويقول منجين حتى البدودفعوا من جميع عائلة أربعة ريالات ، ومن جميع فخذ كمية معينة من السلاح والخيل والإبل .

وفي عام 1798 حاول غالب الذين ضمت قواته مرتزقة من الأتراك والمصريين والمغاربة حتى يتقدم مرارا نحوالحرمة وبيشة ، ولكنه دحر . وسيطر أمير الدرعية على بيشة . وأقدم شريف مكة من حديث على لاصلح وسمح للوهابيين بالحج . وبعد عامين ، كما يقول ابن بشر ، أدى سعود وعائلته وبعض قواته فريضة الحج لأول مرة ، وفي السنة التالية قام بالحج للمرة الثانية . وقدم هناك الهدايا بسخاء وحصل على أنصار . وفي هذا الوقت بالذات أقام عثمان المضايفي ، وهومن أقرباء شريف مكة ، ارتباطا معه وعرض عليه خدماته.

وغدا واضحا حتى الوهابيين يكادوون يخضعون الحجاز بالكامل .

فشل حملتي والي بغداد على الإحساء

في نفس فترة غزوالإحساء ، وخصوصا بعد إخضاعها قامت فصائل الوهابيين بحملات على المناطق الواقعة بشماليها . فقد تعرضت لهجماتهم قبائل وقرى جنوب العراق . واستعد والي بغداد الذي دفعه الباب العالي لمحاربة الوهابيين . كان والي بغداد آنذاك يتمتع بحظوة خاصة عند الإمبراطورية العثمانية . فبعد الحروب الهجرية الفارسية المدمرة وبعد الفتن والنزاعات الداخلية استولى المماليك على السلطة في بغداد . واعتبارا من عام 1780 حكم بغداد بصورة مستقلة في الواقع سليمان باشا ، وهومملوك جورجي لوالي بغداد السابق . واضطرت الاستانة إلى للموافقة على تسلمه هذا المنصب .

كان تسوع إمارة الدرعية في هذه المنطقة يستهدف الشمال الشرقي . وفي هذا الاتجاه كانت القبائل العربية تنزح عموما طوال القرون . فمن المعروف ، مثلا ، حتى قبائل شمر في القرن الثامن عشر تغلغلت في أعماق العراق بعيدا حتى أنها انتقلت إلى ماوراء دجلة . وأثناء القحط الفظيع في وسط الجزيرة في الستينات انتقل بعض سكان نجد إلى الزبير وشمالها .

وكانت قبائل البدوالمترحلة في جنوب العراق قد أقامت علاقات وثقى مع مدن العراق وقراه . وكانت لحكام بغداد مصلحة في مساعدة البدولأجل حماية الطرق التجارية والقرى والمدن ، كما كان هؤلاء الحكام يشترون من البدوماشية الحمل والركوب . وواصل ولاة بغداد تنطقيد حكام مابين النهرين منذ آلاف السنين فراحوا يمنحون الهدايا لشيوخ البدو، بل ويسلحونهم لك يصدوا الحملات البدوية المنطلقة من مناطق وسط الجزيرة لاعربية . وكان استخدام قبائل المنتفق وغيرهم في محاولة لتقويض سلطة الوهابيين في الإحساء يستجيب كليا لهذه السياسة .

وتزعم ثويني الحملة على الوهابيين . كان زعيم المنتفق السابق هذا قد طاف أمدا طويلا عندما أجلى بعد إخفاق محاولته لترسيخ أقدامه في البصرة حتى أنه حل بعض الوقت بمثابة ضيف كريم على الدرعية . ثم استولى على السلطة في قبيلته من حديث ، كما تفيد بعض الروايات . وتوجه يطلب إلى سليمان باشا ليسلحه ضد الوهابيين . وتقول رواية أخرى حتى ثويني أقنع والي بغداد بأن يسلمه السلطة في المنتفق ووعده بالقيام بحملة علىنجد ودحر الوهابيين ، وعند ذاك نحى سليمان باشا حمود بن ثامر عن رئاسة القبيلة وعين ثويني بدلا عنه .

وفي مطلع عام 1797 بدأ ثويني حملته على الوهابيين . كان تحت قيادته جنود القوات النظامية بالإضافة إلى فصائل من البصرة والزبير . وانضمت إلى حملته بعض أفخاذ بني خالد برئاسة براك بن عبدالمحسن الذي هرب من الإحساء . وجمع عبدالعزيز جميع قواته مدركا خطورة الموقف . وأمر البدوالمخلصين له بأن يحتلوا أراضي قبيلة بن خالد التي يمكن حتى تنضم إلى ثويني ، كما أمرهم بحماية الآبار الرئيسية . وعلى أثر ذلك أوفدمت إلى الإحساء أكثر قوات الوهابيين صمودا ، وهي مكونة من جاء العارض .

وبدأت في افحساء معارك طاحنة بين قوات ثويني والوهابيين ، إلا حتى الحظ ابتسم لحاكم الدرعية فجأة . ففي معمعان الحملة اغتال ثويني على يد عبده الأسود طعيس ، وهووهابي متعصب . بتروا عنق طعيس في الحال إلا حتى مقتل ثويني قد قرر مآل النزاع . انفصل بنوخالد بزعامة براك على المنتفق ، الأمر الذي جعل الاضطراب يستولي على قوات ثويني . وذعرت فصائل البدووالهجر وأخذت تنسحب على عجل إلى الشمال تاركة الأسلحة والذخيرة . وسقط معسكر ثويني كله ومدفعيته في أيدي الوهابيين في حزيران (يونيو) 1797 . وطارت الفصائل الوهابية العدوحتى وصلت مشارف الفرات الأوسط . وفي العام التالي تغلغل الوهابيون في بادية الشام ، كما وصولوا إلى مدينتي سوق الشيوخ والسمارة في العراق .

في أواخر التسعينات كان الباب العالي يبعث إلى والي بغداد بأوامر متواصلة للقضاء على الوهابيين . وعين علي باشا قائدا للجيش , وقد اختلفت المؤرخون في تحديد وقت الحملة العراقية على الإحساء . وبغية إيضاح التواريخ العملية يجدر بنا حتى ننطلق من إفادة شاهد العيان بريجيز الذي وصل إلى بغداد بصفة مندوب سياسي بريطاني في حلظة قيام جيش علي بالحملة . تحركت قوات الجيش من بغداد نحوالفرات الأوسط بأحمال ثقيلة وأخذت تستوعب في الطريق المتطوعين من البدو. ولذا ماكان بوسعها حتى تظهر في الإحساء قبل أواخر عام 1798 وأوائل عام 1799 ، وهذا يتفق مع ما أورده ابن بشر وابن سند ومنجين .

كان الجيش الذي بعثه والي بغداد بضم المشأة والخياة وكذلك فصائل البدوغير النظامية من قبائل شمر والمنتفق والظفير . وتجاوز عدد أفراد تلكالقوات عشرة آلاف إنسان . وسلم سكانا لهفوف والواحات الأخرى وصاروا تحت رحمة علي . وقاتل الوهابيون المتمركزون في الحصون فصدوا ببسالة جميع الهجمات . ولم تفد المهاجمين في بعض المواقع لا المدافع ولا آلات الحصار ولا الحفر تحت الأسوار . وانهارت معنويات القوات الهاجمة وبدأت تنسحب والوهابيون يلاحقونها . وجرت ممحررات بين علي وسعود وتم بينهم الاتفاق على الصلح . وكان السبب في إخفاق علي هوضعف المعنويات عموما وصعوبات اجتياز الأماكن الخالية من مياه الشرب والتي يسيطر عليها الوهابيون . ثم إذا حماس الهجوم عند الوهابيين لم يستنفد بعد ، وقد حول التعصب الديني والانضباط النجديين إلى مقاتلين صامدين .

وفي عام 1799 وصل إلى بغداد ممثل أمير الدرعية لأجل مصادفة الوالي على الاتفاق بين سعود وعلي . وهجر لنا ح. بريجيز الذي جاء لقاء رسول الدرعية مع والي بغداد وصفا طريفا لهذا اللقاء . فقد جرى في قصر الوالي الإعداد اللازم لهجر انطباع لدى سكان البادية . استقبلت رسول الدرعية بطانة سليمان باشا مرتدين أفخر الألبسة وقد ارتسمت إمارات الغضب على وجوههم . وكان الرسول الوهابي في لباس متواضع . وقد أبعد مستقبليه وتوجه رأسا نحوسليمان باشا الذي كان يرتدي لباسا من حرير وفرومزينا بأحجار كريمة . وجلس الرسول جنب الباشا ونطق له ما فحواه : يا سليمان السلام على من اتبع الهدى . بعثني عبدالعزيز لأسلمك هذه الرسالة وأستلم منك تصديقا على الاتفاقية المسقطة بين ابنه سعود وخادمك علي . فليتم ذلك بسرعة وبالشكل السليم . ولعنة الله على من يخون . ثم أضاف بلهجة شديدة : إذا كنت تنشد النصح فاستنصح عبدالعزيز . نطق ذلك ملمحا إلى حتى الوهابيون يعتبرون سليمان من المشركين . ومد يده إلى الوالي بالاتفاقية المكتوبة على قصاصة من ورق .

كان واضحا حتى حكام الدرعية لايقيمون ثمنا للاتفاقية مع والي بغداد . وتوجه مبعوث خاص من سليمان باشا إلى الدرعية لأجل التفاوض مع سعود . وحاول حتى يحصل على التزامات من الوهابيين بعدم مهاجمة العتبات الإسلامية في الفرات الأوسط . ولكن سعود قهقه ونطق لرسول الوالي : (جميع غربي الفرات لنا وشرفيه له ...) . ومما شجع الوهابيين الأنباء التي وردت عن دخول جيش نابليون مصر في عام 1798 وعجز الباب العالي أمام الغازي الفرنسي . في عام 1801 حل الإنجليز محل الفرنسيين في مصر . وغدت الجزيرة العربية طرفا بعيدا لمسرح العمليات الحربية الرئيسي . وهذا ما أطلق أيدي الوهابيين في مواصلة توسعهم .

تدمير كربلاء

اختمرت لدى أمراء الدرعية خطة الاستيلاء على كربلاء وفيها العتبات المقدسة الشيعية التي يكرهونها ، وخصوصا ضريح الإمام الحسين حفيد النبي محمد . وحقق الوهابيون نواياهم في آذار – نيسان (مارس – إبريل) 1803 . اعتاد المستشرقون الأوروبيون والسوفييت على اعتبار نيسان 1801 تاريخا لتدمير كربلاء . وإذا تناولنا مصادر هذه المعلومات نجد حتى هذا التاريخ قد ذكره ج. روسوول . كورانسيز وبوركهاردت وف. منجين.

أما المراجع التاريخية العربية ، ومعها من الأوروبيين فيلبي ، فتنقل هذا الحادث إلى العام التالي : آذار – نيسان 1802 . والأساس المعتمد في ذلك هومصنف ابن بشر . ويؤيد هذا التاريخ ابن سند وج. رايسون و(مجلة المنوعات الأدبية) . وجميع هذه المصادر قريبة زمنيا من الأحداث . والقول الفصل بهذا الخصوص ، وهولصالح عام 1802 ، وارد في تقرير وصل من العراق إلى سفارة روسيا في الاستانة وخط قبل صيف عام 1803 . فالشخص الذي عاش آنذاك في العراق وتحدث شخصيا مع شهود عيان عن تدمير كربلاء من المستبعد حتى يخطئ لعام تام بخصوص تاريخ هذا الحادث الهام . وبالمناسبة فإن مقارنة ذلك بنص التقرير الوارد من العراق عن تدمير كربلاء على يد الوهابيين والذي تضمنه كتاب ج. روسوبعد ست سنوات تدل على تماثلهما الحرفي تقريبا . ومن الصعب القول كيف من الممكن أن وصل تقرير القنصل الفرنسي في العراق إلى سفارة روسيا في الاستانة . أما تغيير تاريخ احتلال الوهابيين لكربلاء في كتاب روسوفلعله ناتج عن تهاون المؤلف أوسهوالمطبعة . ويبدوحتى روسووكورانسيز هما المصدر الأول للمعلومات غير السليمة بهذا الخصوص . فهما على العموم يتناولان التواريخ بشيء من التصرف . أما بوركهاردت ومنجين المطلعان على مؤلفاتهما فقد أوردا هذا التاريخ دون تمحيص . وقد خط المستشرق الفرنسي أ. دريوفي مقدمته لتقرير رايمون المطبوع حتى كورانسيز في منطقاته المبكرة اعتبر عام 1802 أيضا هوتاريخ تدمير كربلاء.

ويقول محرر التقرير : (رأينا مؤخرا في المصير الرهيب الذي كان من نصيب ضريح الإمام الحسين مثالا مرعبا على قساوة تعصب الوهابيين . فمن المعروف أنه تجمعت في هذه المدينة ثروات لاتعد ولا تحصى وربما لايوجد لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي . لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين طوال عدة قرون هدايا من الفضة والمضى والأحجار الكريمة وعدد كبير من التحف النادرة ... وحتى تيمورلنك صفح عن هذه الحضرة ، وكان الجميع يعهدون حتى نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام على قسما كبيرا من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه ثروته الشخصية وها هي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح الأول تثير شهية الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل .. فقد كانوا دوما يحلمون بنهب هذه المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة حتى دائنيهم حدودا موعد تسديد الديون في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم .

وها قد حل هذا اليوم في الأخير ، وهو20 نيسان (إبريل) 1802 . فقد هجم 12 ألف وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين . وبعد حتى استولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الفوزات هجروا جميع ماتبقى للنار والسيف ... وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرابرة . وكانت قساوتهم لاتشبع ولا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى سالت الدماء أنهارا ... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من أربعة آلاف إنسان ... ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من أربعة آلاف جمل . وبعد النهب والقتل دمروا كذلك ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء . وحطموا خصوصا المنائر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من مضى) .

وبنفس هذه الصبغة تقريبا يصف منجين تدمير كربلاء ولكنه يقول حتى الوهابيين أقدموا على مجزرة في المدينة ، غير أنهم رأفوا بالنساء والأطفال والشيوخ والمعجزة . ودمروا قبة ضريح الحسين . وحصل الوهابيون على أغنى الغنائم ، ومنها سيوف مرصعة بالأحجار الكريمة ، ولؤلؤة هائلة بحجم بيضة الحمام . وقد استأثر سعود شخصيا بالسيوف واللؤلؤة . واستولوا كذلك على مزهريات وفوانيس من المعادن النفيسة وحل مضىية ملبسة على لاجدران وسجاجيد فارسية ونحاس ملبس بالمضى من السطوح . وسقطت في أيدي الوهابيين كذلك احتياطات فوطات كشمير والأقمشة الهندية وألفان من السيوف العادية وألفان وخمسمائة بندقية وعبيد سود ومبالغ هائلة من النقود المعدنية . واستمر النهب ثماني ساعات . وعند الظهر غادر الوهابيون كربلاء .

وخط المؤرخ الوهابي ابن بشر عن هذا الحادث يقول : (سار سعود بالجيوش المنصورة والخيل والعتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد أرض كربلاء ... فحشد عليها المسلمون وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت . وهدموا القبة الموضوعة (بزعم من افترض فيها) على قبر الحسين . وأخذوا ما في القبة وماحولها وأخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرسوفة بالزمرد والياقوت والجواهر وأخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح واللباس والفرش والمضى والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل) . ولم يقابل الوهابيون أية مقاومة تقريبا . ويعزي ذلك إلى حتى قسما من السكان توجهوا للزيارة إلى النجف . ومن المحتمل كذلك حتى حاكم كربلاء ، وهوسني متعصب ، لم يتخذ الإجراءات اللازمة للدفاع عن هذه المدينة .

كان تدمير كربلاء أفدح هزيمة لسليمان باشا العجوز . وكان السلطان يتحين الفرصة من زمان لتنحية هذا الوالي المستقل الذي كان له داخل العراق أيضا خصوم يتحلون بقدر كاف من الفتوة والنشاط . ومما زاد في تدهور وضع الوالي إلى حتى الشاه الفارسي فتح علي كان يلومه دوما متهما إياه بالعجز عن تأمين حراسة العتبات الشيعية ، ويهدده بإرسال قوات فارسية إلى كربلاء . وبالعمل فبعد بضع سنين من تدمير كربلاء بدأت فارس تحارب ولاية بغداد . إلا حتى المسئولين في بغداد كانوا يعتقدون بعدم إمكان إلحاق الهزيمة بالوهابيين في أعماق الجزيرة العربية . ولذا وجهوا جل اهتمامهم لتعزيز المدن وترميم كربلاء وضريح الحسين .

استيلاء الوهابيين على مكة مؤقتا ورد عمل الباب العالي

بعد تدمير كربلاء غدا الحجاز مسرحا رئيسيا للعمليات الحربية . وحتى ذلك الحين أدى سعود فريضة الحج مع قواته وعائلته مرتين ليستعرض قوته العسكرية ويتأكد من الموقف في الحجاز محليا . وانضمت قبائل عسير إلى الوهابيين . كانت أحوال غالب في تلك الأثناء معقدة . وأثار ابتزازه وإدارته المتعسفة استياء في مكة والمدن الأخرى . وكانت الرسوم المتزايدة دوما في جدة قد حرمته من تعاطف النجار . ورجعت كفة النجديين ، وصار الإشراف يطلبون السلاح من الاستانة . إلا حتى الباب العالي كانت لديه آنذاك هموم أكثر خطورة من تهديد الوهابيين لمكة . وفي أواخر عام 1798 وصل إلى مكة فرمان من السلطان تضمن طلبا بتعزيز تحصينات المدن في الحجاز خوفا من احتمال هجوم القوات الفرنسية . وجرى ترميم أسوار جدة وأخذ السكان يمارسون الاستعدادات الحربية .

وفي عام 1798 قصفت العمارة البريطانية بقيادة الأميرال بلانكيت مدينة السويس المحتلة من قبل الفرنسيين . وفي طريق العودة ألقت العمارة مراسيها في جدة . وطالب الإنجليز بوقف تجارة الحجاز مع مصر . ورافق الشريف على هذا لاطلب شفويا ، ولكن التجارة استمرت ، بل وإن غالب أقام اتصالات مع الفرنسيين ، ولكنه لم يحل دون إرسال فصيلة من متطوعي الجزيرة الذين حاربوا ضد الفرنسيين في صعيد مصر . ورغم الجهود التي بذلها غالب لزيادة حرسه وفصائل المرتزقة تقلصت قواته العسكرية بسبب انفصال بعض قبائل بدوالحجاز . إلا حتى أكبر خسارة مؤلمة بالنسبة له هي انتنطق قريبه ومساعده المقرب عثمان المضايفي إلى صف الوهابيين ، وقد بدأ هذا الأخير بجمع البدوالذين كانوا في السابق من أنصار غالب . وبدأ المضايفي بهجوم نشيط على الحجاز . وفي عام 1802 استولى بدون قتال تقريبا على مدينة وواحة الطائف ونهبهما بلا رحمة . وقتل الوهابيون حوالي 200 من السكان ودمروا عددا من المنازل . وكان البدويداهمون المدينة يوميا وينهبون جميع ثمين ، وقد اتلغوا آلاف الخط .

وكان تدمير كربلاء لايزال عالقا بالذاكرة في الاستانة ، فصار المسئولين هناك يخشون كثيرا على مصير مكة وحاولوا اتخاذ بعض الإجراءات لمقاومة الوهابيين . وفي أواخر آذار (مارس) 1803 خط أ. ايتالينسكي سفير روسيا في الاستانة إلى سانت بطرسبورج يقول : (في ظروف الوضع الراهن يعتقد الباب العالي حتى الخطر عليه نابع فقط من نوايا فرنسا ومن حركات التمرد لعدة قبائل عربية تسمى الوهابية وعدد العسكريين لديها زهاء 60 ألف إنسان . وهم يتوقون إلى الاستيلاء على ثروات الحرمين في مكة والمدينة وينوون معارضة المحمدية بممضى التوحيد وبغية جعلهم يحترمون القرآن أوفد إليهم من هنا عالم فقيه متبحر في هذا الكتاب ، بينما تتخذ إجراءات أخرى ، فقد عينت قوات يراد لها حتى تهاجمهم من جهة الخط البادي من البصرة إلى العريش في حين سيهاجمهم الشريف من جهة الحجاز) .إلا حتى محاولات الحيلولة دون سقوط مكة قد أخفقت . ففي أواخر آذار (مارس) 1803 توجه سعود مع قوات الوهابيين الرئيسية إلى الحجاز . وفي تلك الأثناء كان في مكة حجاج مسلحون من الشام ومصر والمغرب ومسقط وبلدان أخرى . ولكنهم رفضوا المشاركة في العمليات الحربية ضد الوهابيين . أما الشريف الذي ظل مع قلة قليلة من المحاربين المخلصين له فقد فر إلى جدة وأخذ يؤيد تحصيناتها على عجل . وبعث سعود إلى أهالي مكة رسالة عرض فيها آراء الوهابيين ووعد بالرأفة بمن ينصاع لهم .

وفي نيسان (إبريل) 1803 ولج الوهابيون بانتظام إلى مكة . وبعد أداء مراسم الحج أخذوا يدمرون جميع الأضرحة والمزارات ذات القباب والتي انشئت تكريما لأبطال فجر الإسلام . ومسحوا من وجه الأرض جميع المباني التي لاتناسب معتقداتهم . وألزموا أهالي مكة بأداة الصلاة بانتظام وبدون ألبسة حريرية ، كما ألزموهم بعدم التدخين بحضور الآخرين . وأحرقت أكوام الغلايين في الساحات ، وحرم بيع التبغ . وألغيت الصلاة ف المساجد تكريما للسلطان العثماني . وعين الوهابيون عبدالمعين ، شقيق غالب ، حاكما لمكة . وبدلا من القاضي الهجري عين فقيه من الدرعية قاضيا لمكة . وخلافا لسابقه الهجري هجر هذا القاضي انطباعا وكأنه يحكم بالعدل .

أثار نبأ احتلال مكة الذعر والهلع والاكتئاب في الاستانة . وسدد فقدان مكة أقسى ضربة إلى سمعة الخليفة العثماني ومكانته بوصفه حامي الحرمين والمدن المقدسة . فقد كان السلطان – الخليفة يسمي نفسه رسميا على النحوالتالي : (نحن خادم وحامي الحرمين في مكة والمدينة أنبل المدن وأقدس العتبات واللذين تتيمم جميع الأمم شطرهما أثناء الصلاة ، وكذلك مدينة القدس الطاهرة . أنا الخليفة الأعلى والملك السعيد لمماليك وأنطقيم ومدن لاتعد ولاتحصى تثير حسد ملوك العالم وتقع في آسيا وأوروبا وعلى البحرين الأبيض والأسود وفي الحجاز والعراق ...) وغيرها إلى غير ذلك دواليك .

واتى في (مذكرة أنباء الاستانة وأخبارها) التي أعدتها سفارة روسيا مايلي : (إن الخلافات التي تنهش أحشاء الإمبراطورية الهجرية ونهب الوهابيين لمكة والأتاوات المتزايدة بلا انقطاع جميع ذلك آثار عند رعاع هذه العاصمة استياءا شاملا من الحكومة) .

كان يجب القيام بشيء إلا حتى الاستانة عجزت عن إرسال قواتها لمحاربة الوهابيين ، فطلبت المساعدة من عكا وبغداد . ويقول ايتالينسكي : (القرار الذي اتخذه الديوان الوزاري الحاكم لاستخدام (والي عكا أحمد) باشا الجزار ضد الوهابيين حظي بدعم هام ... لسبب غير متسقط . فقد استلم الباب العالي رسائل مستعجلة من الجزار تتضمن أنباء غزوات عبدالوهاب وتقول بعدم وجود عوائق تحول دون تقدمه اللاحق وتشير إلى نيته في احتلال الشام ... وأخيرا يعرب الجزار عن استعداده للنهوض في وجه هذا العدوالخطر على الدين والعرش ويعد بالقضاء عليه وتشتيت قواته في غضون ستة أشهر وإعادة الممتلكات التي نهبها إلى الباب العالي) .

وخط والي بغداد إلى الباب العالي بأنه متوجه في حملة للبحث عنهم في عقر دارهم وأنه ينوي إبادتهم ولديه من أجل ذلك خيالة بخمسة آلاف فارس ومشاة بـ10 آلاف رجل و60 ألف جمل ، ويأمل بأن هذه الحملة يمكن حتى تتم في غضون ستة أشهر . وطلب من الباب العالي مدفعية وبارودا وخياما . وعندما استلم الباب العالي هذه المعلومات من حاكمي الشام والعراق (أخذ يعلل نفسه بالآمال بالتخلص من الخوف نهائيا في القريب العاجل) . إلا حتى سفير روسيا يشك في قدرة بغداد على تسديد الضربة ويلاحظ بحق (إن الجزار يفكر بالاستيلاء على دمشق الشام أكثر مما يفكر بالحملة على الوهابيين) .

ومع ذلك تمكن الباب العالي من إرسال فصيلة هجرية غير كبيرة بقيادة شريف باشا إلى الحجاز . ولم يتمكن أمير الدرعية هذه المرة من تثبيت أقدامه في الحجاز لأن عدد قواته تقلص كثيرا بسبب الأمراض . وخط روسيتي يقول : (إن الأمراض التي تفشت في جيش عبدالوهاب أرغمته على حمل حصار جدة . والتفت قوات شريف باشا بقوات شريف (مكة) فتمكنت من دخولها) . وظلت قلعة المدينة التي رابط فيها فصيل من الوهابيين تبدي مقاومة بعض الوقت ثم سقطت في تموز (يوليو) 1803 .

وخط ايتالينسكي 25 آب – ثلاثة أيلول (إن الباب العالي استلم من المدينة المنورة تقارير من شريف باشا والي جدة وصلت بعد 50 يوما . وهي تؤكد الأنباء التي وصلت سابقا عن الفوز الذي تم على الوهابيين قرب جدة والمدينة وعن انسحابهم إلى عاصمتهم الدرعية) .

وكان مقتل أمير الدرعية عبدالعزيز ضربة جديدة للوهابيين . ففي خريف عام 1803 اغتال في مسجد الطريف بالعاصمة على يد درويش غير معروف يدعى عثمان ، وهوكردي من إحدى قرى الموصل . وكان هذا الدرويش قد حل ضيفا على البلاط . وعندما سجد عبدالعزيز أثناء الصلاة في الصف الأمامي من المسلمين هجم هذا الدرويش الذي كان في الصف الثالث على الأمير وقتله بطعنة من خنجر ، ثم جرح أخاه عبدالله . وعم المسجد هرج ومرج وتمكن الجريح عبدالله من ضرب الدرويش بالسيف ، وأجهز عليه الآخرون في الحال .

وتفيد بعض المعلومات حتى قاتل عبدالعزيز شيعي هلك جميع أفراد عائلته أثناء غزوكربلاء . وخط منجين حتى عمامته احتوت على رسالة بنص مكتوب بالفارسية : (ربك ودينك يوجبان عليك اغتال عبدالعزيز . إذا تمكنت من الفرار ستحظى بمكافأة سخية وإذا مت فأبواب الجنة مفتوحة أمامك) . إذا هذا النبأ يشبه لدرجة كبيرة تكتيك الإسماعيلية في القرون الوسطى والروايات المرتبطة بنشاطهم . وكان ابن بشر يشك في حتى مقتل الإمام عبدالعزيز كان ثأرا لكربلاء ، وذلك لأن القاتل كردي والأكراد سنة كما هومعروف . يؤكد مؤلف (لمع الشهاب) حتى والي بغداد بعث عميلا إلى الدرعية ودفع بسخاء لعائلته فيما بعد . ومع ذلك يظل جواب السؤال عن هوية قاتل عبدالعزيز ودوافع سلوكه في طي الافتراضات . فقد كان لدى الوهابيين عدد كبير من الأعداء الحاقدين عليهم .

وأسرع سعود إلى الدرعية بعد مقتل أبيه ، وبايعه سكانها في الحال . واعترفت جميع المناطق بالأمير الجديد . وبعث سعود إلى حكام المناطق وسائل عاهدهم فيها على حتى يلتزم بالعدل ، ولكنه سينتقم بلا رحمة من العصاة والمتآمرين .

السيطرة على الحجاز

في العام التالي أخذ الوهابيون من حديث يضيقون على خصومهم في الحجاز واستمرت طوال العام المعارك التي شارك فيها الأتراك إلى جانب قوات الشريف .

وفي عام 1805 هاجمت قوات غالب وعددها حواليعشرة آلاف إنسان اتحاد القبائل الموالية للوهابيين وعلى رأسها الأمير عبدالوهاب أبونقطة وهومن شيوخ عسير ومنى الشريف غالب بهزيمة فقد فيها بضع مئات من القتلى ، وأغلبهم من الأتراك . ويبدوحتى حلفاء غالب البدوقد هجروه ، بينما دحرت نهائيا الفصيلة الهجرية في قواته . وعلى أثر ذلك طوق الوهابيون مكة وأعاقوا الحج وتأجج العداء من حديث بين الأتراك والشريف غالب آنذاك ، فرفض الأتراك مساعدته .

وفي شتاء عام 1805-1806 عزم سعود على تسديد ضربة قاضية إلى غالب . وحاصر مكة بدوبزعامة عبدالوهاب أبي نقطة وعثمان المضايفي وسالم بن شكبان (أمير بيشة) . وفي تلك الفترة (من 1804حتى 1809) كانت الجزيرة العربية تعاني من قحط شديد . ويفضل طرق القوافل الأمينة كانت الأغذية تصل بانتظام إلى نجد ، الأمر الذي خفف من أعباء أهاليه . إلا حتى الوضع لم يعد يطاق في مكة المحاصرة . وصار الناس يأكلون الكلاب والجلود . ولم تنجح محاولة الانتقام من أنصار الصلح فطلب غالب ذلك الصلح . ودخلت القوات الوهابية مكة .

وسرعان ما اقتنع غالب بعدم جدوى مقاومته للوهابيين فأعرب الخضوع لهم في عام 1806 . وفي العام ذاته وصلت إلى مكة جماعة من الفهماء الوهابيين وعلى رأسهم الفقيه حميد بن ناصر للتبشير بأفكار تجديد الإسلام . وكان نجاح الوهابيين في إقامة سلطتهم شمالي مكة من الأسباب التي دفعت غالب للكف عن المقاومة . فمنذ عام 1803 تبني عدد من مشايخ قبائل حرب الممضى الجديد ووصل نادىة الوهابية إليهم . ولم تتكلل بالنجاح محاولة احتلال المدينة المنورة رأسا في عام 1803 . إلا أنها استسلمت عام 1805 . وفي الوقت ذاته احتل الوهابيون ينبع الواقعة تحت سيطرة شريف مكة .

وتم ضم الحجاز إلى دولة السعوديين . سليم حتى تبعيته للوهابيين كانت أقل من تبعية بعض مناطق نجد أوالإحساء ، مثلا ، واحتفظ شريف مكة باستقلال كبير ، فلم يدفع الضرائب لا هوولا رعيته . إلا حتى عائداته من الرسوم الجمركية في جدة تقلصت كثيرا ، لأنه لم يعد باستطاعته حتى يجبي تلك الرسوم من التجار الوهابيين . وتقلصت عائداته الأخرى أيضا .

يقول بوركهاردت : (ظلت بيد الشريف سلطة كبيرة مع حتى الحجاز قد احتل . فإن اسمه ومنصبه الرفيع وتأثيره الشخصي على الكثير من القبائل اليودوية التي كانت لاتزال تقاوم سعود ، وكذلك الهدايا الثمينة التي يقدمها لسعود عندما يزور هذا الأخير مكة – جميع ذلك جعل زعيم الوهابيين يتساهل بخصوص بعض تصرفات غالب) . كانت سلطة سعود في مكة متوازنة مع نفوذ غالب ، أما جدة فقد ظلت بالأساس تحت سيطرة غالب . ولتحقيق المزيد من التوازن عين المضايفي حاكما للطائف وخضعت له بعض قبائل الأطراف.

توقف الحجيج من الدولة العثمانية

اعتبارا من عام 1807 أخذ سعود يؤدي فريضة الحج سنويا على رأس قواته . وكان عادة يعين موضعا قرب المدينة المنورة لتجمع الوهابيين ثم يتحرك نحوالجنوب . وفي الطريق تنضم إليه فصائل من عسير والطائف وبدومن مناطق الحدود بين الحجاز ونجد وعسير ومحاربون من مختلف مناطق نجد وجبل شمر بزعامة إمرأتهم . وكان سعود جميع مرة يوزع الصدقات في مكة ويتبادل الهدايا مع غالب ويحمل كسوة ثمينة للكعبة . وقد شهد ابن بشر حج سعود ذات مرة وهجر وصفا تفصيليا له .

وقد أجل سعود من الحجاز القضاة والموظفي العثمانيين الذين كانوا في مكة والمدينة . وكان يؤيد دوما تحصينات المدينة المنورة ويحتفظ بحامية قوية فيها يستبدلها جميع عام .

واعتبارا من عام 1803 أخذ الوهابيون يعيقون بمختلف الوسائل قوافل الحجاج من أراتى الدولة العثمانية ، ومنها الشام ومصر . كانت قوافل الحجاج التي تتوارد على الحجاز سنويا تحضر معها المحمل وهوتعبير عن هودج مزين بفخامة على ظهر جعل يحظى بالتقدير . وفي المحمل كسوة الكعبة أونسخ من القرآن أونفائس الأحجار الكريمة . ويسير مع الحجاج موسيقيون يعزفون على الطنبور والطبول وغيرها ز وكان بعض الحجاج يحضرون معهم مشروبات وترافقهم محظيات . ولا بد حتى ينير ذلك تذمر الوهابيين لأنه يتعارض مع أصول الدين ومبادئهم الأخلاقية .

وطالب الوهابيون بأن تصل قوافل الحجاج إلى الحجاز بدون محمل وبدون آلات موسيقية . وأخذوا في الوقت ذاته يزيدون ضريبة الحج . وفي عام 1803 دفع جميع حاج شامي إلى الوهابيينثمانية بيزات لقاء حق دخول مكة . وسرعان ما اضطر الحجاج إلى دفععشرة بيزات عن الشخص الواحد و10 بيزات عن جميع من دواب الركوب و7 بيزات عن جميع قنطار من الأحمال و100 كيسة عن مرور القافلة كلها . وفي عام 1805 أخذوا من القافلة الشامية 200 كيسة ولكنهم سمحوا بالدخول لحجاج منفردين . ويقول كورانسيز حتى الأتراك حاولوا في عام 1806 شراء حق أداء فريضة الحج بمبلغ هائل هوألفا كيسة (مليون بيزة) ولكن قافلة الشام لم تتمكن من دخول مكة مع ذلك .

وبغية تأمين السماح بالحج تظاهر والي دمشق يوسف باشا بأنه يلتزم بكل فرائض الوهابية . فقد منع الخمر وأمر بغلق جميع الأسواق في دمشق أثناء الصلاة وفرض تقييدات مشينة على أهل الكتاب (زيا خاصا وهلم جرا) ، بل ومنع حلق اللحية . وخط بازيلي (إن الوهابيين طالبوا ، وليس دون سبب ، بعدم احتواء القافلة على غلمان أوحليقي اللحى عموما) . وفي عام 1807-1808 حاولت قافلة الشام حتى تدخل مكة بدون جند ولا سلاح ولا موسيقى ولكن دون جدوى . وتوقف في الواقع توارد وفود كبيرة من الحجاج من الباب العالي .

بريطانيا والصراع من أجل عمان

لم يقتصر تقدم الوهابيين على العمليات الحربية في الحجاز وشمال شرقي الجزيرة العربية في بداية العقد الول من القرن التاسع عشر . فقد تمكنوا من فرض سيطرتهم تدريجيا على جميع الساحل العربي للخليج بما فيه البحرين وتغلغلوا في أعماق عمان أكثر فأكثر .

كان سكان عمان مكونين من مجموعتين من القبائل : الإباضية الهناوية وسنة الغفري . وكان الصراع بين هاتين المجموعتين قد حدد تاريخ عمان طوال القرون . وهوالذي سهل تغلغل الوهابيين إلى هذه البقاع . ونشير ، دون حتى ندخل في التفاصيل ، إلى حتى سلطان ، أحد أبناء أحمد بن سعيد زعيم وإمام الإباضية الذي طرد الفرس من عمان في عام 1744 ، صار حاكما لمسقط في عام 1793 . ولكن سلطان لم يعتبر زعيما روحيا (إماما) ، وأدى ذلك إلى إضعاف سلطته . وعلى لاساحل العماني من الخليج ، وهوساحل تخترقه الروافد والخلجان والمرافئ الملائمة ، كانت تعيش قبائل أخرى تمارس التجارة البحرية والقرصنة وصيد اللؤلؤ والأسماك . كانوا من أهل السنة وكانوا منعزلين عن الهناوية وعن الغفري . وفي عام 1801 شن سلطان بن أحمد حملة على البحرين . وطلب سكان البحرين النجدة من الدرعية . وطرد الوهابيون المسقطيين وألحقوا بهم خسائل فادحة ، ولكنهم جعلوا البحرين تابعة لدولة السعوديين .

وقبل ذلك بقليل بعث عبدالعزيز إلى عمان نسخة من مؤلف لمحمد بن عبدالوهاب ، وطالب بتبني الممضى الوهابي والخضوع لسلطة الدرعية . وفهم العمانيون ، وأغلبهم من الإباضية ، مضمون الكتاب بشكل فريد . فقد خط المؤرخ العماني ابن رزيق ما معناه حتى هذا الكتاب يحلل اغتال جميع المسلمين غير المثقفين مع محمد بن عبدالوهاب والاستيلاء على أملاكهم واستعباد أبنائهم واستحلال نسائهم دون موافقة أزقابلم . ورفض الإباضية مطالب الوهابيين ، إلا حتى الغفري تحالفوا مع أمام الدرعية .

ووردة في (لمع الشهاب) حتى الوهابيين في العقد الأخير من القرن الثامن عشر بدأوا بالحملات على عمان بقيادة مطلق المطيري وإبراهيم بن عفيصان وحولوا مجموعة واحات البريمي إلى قاعدة لهم . وكانت البريمي ملتقى لطرق القوافل المؤدية إلى شواطئ الخليج العربي وخليج عمان والجبل الأخضر .

وفي عام 1800-1801 قام جيش الوهابيين بحملة موفقة على عمان قادها سالم الحرق أحد مملوكي عبدالعزيز . وأقسم صقر حاكم مدينة رأس الخيمة التي هي مرفأ هام من الناحية الاستراتيجية ومركز لقبيلة القواسم يمين الولاء للوهابيين . وسقطت تحت سيطرتهم المشيخات والإمارات الصغيرة الأخرى على شاطئ الخليج العربي .

وغدا حاكم مسقط سلطان في تبعية للدرعية . حاول حتى ينظم المقاومة ضد الوهابيين فصمم على تقوية الصلات مع والي بغداد الذي كان مبعوثوه يحرضونه من زمان على محاربة العدوالمشهجر. وفي أواخر عام 1804 توجه شخصيا مع أسطول إلى البصرة . وفي طريق العودة إلى مسقط نشبت معركة مع أسطول رأس الخيمة اغتال فيها سلطان.

وعاد إلى مسقط قريبه بدر الذي كان منفيا إلى الدرعية مؤهلا بأن يركز أقدامه بمساعدة حماته الوهابيين . وبقى على دست الحكم عدة سنوات وحاول غرس الممضى الوهابي ولكن دون نجاح كبير . فإن أبناء سلطان بن أحمد ثاروا في عام 1807 وأزاحوا بدر وفي البداية التزم حاكم مسقط الجديد سالم ومن بعده أخوه سعيد بالخضوع للسعوديين ، ولكنهما رفضا فيما بعد دفع الأتاوات وأخذا يستعدان للعمليات الحربية . وطلب سعيد النجدة من الشاه الفارسي فأوفد إليه هذا بضعة آلاف من الجنود . وفي 1808-1809 بدأ المسقطيون مع حلفائهم من صحار العمليات الحربية ضد رأس الخيمة ولكنهم أعربوا عن خضوعهم للسعوديين بعد حتى فقدوا عدة آلاف من الأشخاص .

وغدا سكان الساحل العماني للخليج العربي ، وخصوصا قبيلة القواسم الذين توحدوا تحت سلطة السعوديين وكفوا عن الحزازات الداخلية ، قوة كبيرة راح أسطولها المكون من بضع مئات من السفن الكبيرة والصغيرة يجوب الخليج سيدا فيه . وفرضوا الرسوم والضرائب ونهبوا السفن التجارية العائدة لشركة الهند الشرقية والتي تمخر البحر بين بومباي والبصرة .

ونعيد إلى الأذهان حتى المؤرخين الغربيين يركزون على (الطابع القرصني) المزعوم لسكان ساحل الخليج العربي . إلا حتى الحقيقة هي أنهم كانوا يعيشون بالدرجة الأولى على الملاحة البحرية التجارية (دون حتى يستنكفوا عن القرصنة إذا سنحت الفرصة) وكانوا يعتبرون السفن البريطانية منافسة فتاكة لهم . وينبغي على الأكثر اعتبار (قرصنتهم) ضد السفن البريطانية حربا ضد القادمين غير المرغوب فيهم .

وقد اصطدم توسع إمارة الدرعية في عمان وساحل الخليج العربي مع المصالح البرياطنية الاستعمارية . في أواخر القرن الثامن عشر ترسخت سيطرة بريطانيا نهائيا على الهند ، حيث تمكنت بعد صراع دام قرنين تقريبا من التفوق على سائد منافسيها الأوروبيين . وكان الإنجليز قد سعوا على الإبقاء على الخليج العربي مفتوحا أمام تجارتهم وخاليا من نفوذ أية دولة يمكن حتى تهدد الهند . وظلت فرنسا أخطر دولة عليهم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر ، ولذا اعتبرا الإنجليز المتمركزون في الهند حملة نابليون على مصر عام 1798 مظهرا للخطر القديم . ولم يغير انهزام الفرنسيين في مصر فيما بعد خططهم (المشكوك في إمكان تحقيقها) الرامية إلى التقدم نحوالهند عن طريق الشام والعراق والخليج العربي مثلا .

وعلى تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر صار الوكلاء التجاريون البريطانيون في البلدان المرتبطة بالخليج العربي يتحولون الواحد تلوالآخر إلى ممثلين سياسيين . وفي عام 1798 سقطت بريطانيا معاهدة مع حاكم مسقط موجهة ضد الفرنسيين ، ولكنها أرست بداية تبعية مسقط لبريطانيا . وبعد عامين وصل ممثل بريطانيا إلى المدينة .

وحاولت بريطانيا حتى تقيم علاقات ودية مع حكومة السعوديين التي كانت تتقوى آنذاك . وكانت وكالة شركة الهند الشرقية التي كانت موجودة في البصرة في أواخر القرن الثامن عشر تبعت الهدايا دوما إلى سعود . وكانت للإنجليز مصلحة في دعم تجارتهم المنتعشة بين بومباي والبصرة ، وكذلك في سلامة الطريق البريدي من الهند إلى الشام عبر البصرة . وحاولوا إقناع الوهابيين بعدم المساس بسعاة البريد من البصرة إلى حلب . بيد حتى الإنجليز لمقد يكونوا يتورعون كذلك عن استخدام القوات العسكرية . فإن الفصيل الوهابي الذي اقترب في عام 1798-1799 من الوكالة البريطانية المتواجدة آنذاك في أراضي الكويت الحالية قد تراجع أمام مدافع سفينة حربية بريطانية . وبغية تسوية النزاع علىنحوما وصل إلى الدرعية رينوممثل شركة الهند الشرقية . وكان يريد الحصول من الوهابيين على ضمانات للمصالح البريطانية في الخليج العربي . ولكنه لم يبلغ مقصده . وحاول الإنجليز في عام 1805 حتى يفرضوا الحماية على الكويت إلا حتى أميرها عبدالله الصباح فضل حتى يبقى مستقلا .

وفي العقد الأول من القرن التاسع عشر شنت السفن الحربية البريطانية عمليات حربية مباشرة ضد أسطول عرب عمان ، وفي عام 1805 شنت أول حملة على القواسم . وغدا المسقطيون حلفاء طبيعيين للإنجليز . وفي عام 1809 زحف سعيد بن سلطان بقواته وأسطوله الذي قاده ضابط إنجليزي على رأس الخيمة . وتوجهت إليها عمارة حربية بريطانية . وقام الإنجليز بإنزال قواتهم بعد حتى دحروا أسطول العمانيين الضعيف التسليح . وأزالوا المدينة من سطح الأرض ودمروا جميع المستونادىت وأحواض بناء السفن وقتلوا السكان المحليين . وكانت هزيمة حلقاء السعوديين وأتباعههم ضربة شديدة للدرعية .

وأخذ حاكما البحرين والزيارة من آل خليفة يبديان تذمرهما من سلطة الوهابيين فاقتيدا إلى الدرعية رهينتين. وهرب أبناؤهما إلى مسقط وطلبوا النجدة من الإنجليز . ودمرت السفن الحربية البريطانية حامية الوهابيين في الزيارة ثم في المنامة . وأخفقت محاولات الدرعية لاستعادة سلطتها في البحرين مع حتى البحرانيين ظلوا يدفعون جزية ما إلى السعوديين .

وبعد جلاء الإنجليز من رأس الخيمة عمرها سكانها من حديث . ورغم تدمير رأس الخيمة مجددا في عام 1816 فقد تمكن القواسم في العام التالي من جمع قوات بحرية كبيرة نسبيا وظهروا على بعد 70 ميلا عن بومباي . ولكن تلك الأحداث جرت فيما بعد .

في مطلع القرن التاسع عشر سعى الإنجليز إلى فرض سيطرتهم على البحر في هذه المنطقة . ولم تكن سياستهم آنذاك تنص على تدخل نشيط في الأحداث في الجزيرة العربية . فلم تكن قوى الإنجليز كافية لهذا الغرض ، ثم إذا المكافأة التي يتسقطونها في صحاري الجزيرة ضئيلة للغاية . وكان خصومهم الفرنسيون قد أبعدوا عموما عن مسرح الجزيرة مع حتى نابليون ، كما يعتقد المؤرخ الهجري المعروف أ. جودت ، كان بوسعه حتى يقيم اتصالا مع السعوديين . إلا حتى فرنسا كانت مشغولة في مسارح العمليات الحربية الأوروبية ، ثم إذا الفرنسيين فقدوا في عام 1810 جزيرة موريشيس القاعدة الرئيسية لأسطولهم في المحيط الهندي.

وقد بلغ نفوذ الوهابيين في عمان أوجه في عهد القائد العسكري السعودي مطلق المطيري في بداية العقد الثاني من القرن التاسع عشر . وبالرغم من الدعم البريطاني اضطر حاكم مسقط سعيد بن سلطان لدفع 40 ألف ريال إلى أمير الدرعية . ويبدوحتى الوهابيين توغلوا في نفس تلك الفترة إلى الجنوب الغربي ، إلى ما وراء مسقط ، واقتحموا حضرموت ، حيث كان أوائل المبشرين الدرعيين قد وصولا في عام 1803-1804 . ولم تكن جهودهم النادىئية موفقة آنذاك ، إلا حتى حضرموت دفعت هذه المرة الجزية إلى الدرعية . غير حتى مطلق المطيري اغتال في عام 1813 خلال مناوشة غير كبيرة . وفي تلك الأثناء بدأ الغزوالمصري للجزيرة ، فأخذ الوهابيون يسحبون قواتهم من عمان . وكان بعد هذا البلد وعداء الإباضية للوهابية ومقتل القائد العسكري الموهوب مطلق وغزوالمصريين للحجاز والإجراءات المضادة التي اتخدتها بريطانيا – جميع تلك العوامل أعاقت توسع إمارة الدرعية في جنوب شرقي الجزيرة .

الزحف على عسير واليمن

على تخوم القرنين الثامن عشر والتاسع عشر انضمت عسير إلى الوهابيين . وعلى أثرها رضخت إمارة أبوعريش للدرعية . ويصعب القول حتى سيطرة الوهابيين على المناطق الواقعة جنوبي مكة كانت سيطرة كاملة . فهناك على الأصح حلفاء سعوديين بحقوق منقوصة ، وليس رعيةب المعنى الكامل .

وفي وقت زحف الوهابيين على اليمن كان الوضع هناك ملائما لتوسعهم . فالبلاد منقسمة على نفسها بسبب الخلافات الداخلية والفوضى العشائرية والإقطاعية . وفقد أئمة الزيدية سلطتهم على المنطقة الساحلية إلا حتى التوسع في اليمن لم يحقق نصرا كاملا . فإن حملة قوات أمير الدرعية عام 1805-1806 على نجران لم تتكلل بفوز حاسم مع حتى حاميات وهابية ظلت في قلاع تلك المنطقة . وسقطت الحديدة في أيدي الوهابيين مرارا . وظلت المنطقة الجبلية في اليمن مستقلة في الواقع مع حتى قوات السعوديين حاصرت صنعاء في عام 1808 .

لقد مارس الوهابيون نادىية نشيطة في اليمن وكانوا يرسلون إليها جميع عام تقريبا جماعة من الفهماء ولكن دون جدوى . وكان الشافعيون من سكان الساحل – تهامة اليمن – يتعاطفون مع الممضى الوهابي بسبب عدائهم لأئمة صنعاء الزيديين . إلا حتى الشافعيين ماكانوا راغبين بالتفريط في استقلالهم العملي والخضوع للسعوديين .

وكان حمود أبومسمار صاحب أبي عريش الذي ضمت سلطته جزءا من تهامة اليمن قد انضم إلى الوهابيين ، حتى أنه شارك ، على مايبدو، في العمليات الحربية ضد أمام صنعاء . إلا حتى ما كان يقلقه هوازدياد نجم جاره ومنافسه حاكم عسير عبدالوهاب أبونقطة تحت رعاية الوهابيين . ويقول ابن بشر حتى سعود استدعى كلا الرجلين المتنافسين إلى الدرعية وحاول إصلاح ما بينهما ولكن دون جدوى . وأحس سعود بأن روح التمرد تتصاعد عند أبي مسمار فأمره بشن حملة على صنعاء إلا حتى صاحب أبي عريش رفض .

وبعد حتى توفرت لدى سعود أدلة على عدم ولاء تابعه المشاكس هذا أخذ يجمع المحاربين من كافة أراتى الجزيرة للقضاء عليه . وبلغ عدد القوات الوهابية حوالي 50 ألف إنسان ، مع حتى هذا الرقم قد تكون فيه مبالغة . وكان يقاتل إلى جانب أبي مسمار بدومن نجران واليمن . وفي أواخر عام 1809 نشبت معركة ضارية اغتال فيها أبونقطة . ولكن قوات أبي مسمار منيت بالهزيمة ، ففر من المعركة وراح يؤيد مواقعة في عاصمته أبوريش التي لم يتمكن الوهابيون من احتلالها . وبأمر من سعود شغل منصب أبي نقطة قريبه طامي بن شعيب .

غزوالعراق والشام

إذا تناولنا من حديث الوضع في الحدود الشمالية الشرقية للدولة السعودية نرى للوهلة الأولى حتى الأحداث تطورت بصورة ملائمة للوهابيين . فما كاد سليمان باشا يقضي نحبه في آب (أغسطس) 1802 حتى بدأ صراع مستميت من أجل السلطة شارك فيه الإنجليز والفرنسيون بشكل محموم . وتمكن كيخياه علي قريب سليمان من القضاء على منافسيه فصار واليا لبغداد . واحتفظ بالسلطة خمس سنوات تقريبا . كانت الولاية مضعضعة بسبب القلاقل الداخلية والانتفاضات الشعبية وبسبب نضالات الأكراد المتواصلة . وفي آب 1807 ذبح الوالي على في أحد المساجد . وبعد قليل استولى على منصبه كوجوك سليمان الذي ظل واليا حوالي ثلاث سنوات وانشغل بالحرب ضد الأكراد والوهابيين حتى اغتال في تشرين الأول (أكتوبر) 1810 . واستمرت الصدامات الحربية مع الفرس في النصف الثاني من العقد الأول من القرن التاسع عشر .

وطوال السنوات التي أعقبت تدمير كربلاء قام الوهابيون بغزوات عنيدة على العراق . ولكن حملاتهم التي استمرت حتى عام 1810 كانت محصورة في نهب القرى غير المحمية وفي نهب البدو. ورغم المشاكل الداخلية في العراق لم يتمكن الوهابيون من تحقيق نجاحات تضاهي غزوكربلاء .

ولم تسفر عن فوزات حاسمة كذلك غزوات الوهابيين على الشام مع حتى القبائل البدوية فيها أخذت تدفع الجزية لأمير الدرعية في مطلع القرن التاسع عشر . وفي عام 1808 بعث سعود رسالة إلى مشايخ دمشق وحلب ومدن الشام الأخرى طالبا تبني الممضى الوهابي والخضوع لسلطة سعود ودفع الجزية . وساد الذعر والاضطراب ودمرت فصائل الوهابيين القرى في أطراف حلب ، وتغلغلت في فلسطين في الوقت ذاته . وقد اتخذت إجراءات عاجلة لحماية المدن إلا حتى الوهابيين لم يتجرأوا على اقتحامها . وفي عام 1810 قام سعود مع بضعة آلاف من المقاتلين بغزوة جسورة للشام ونهب بضع عشرات من القرى ووصل إلى دمشق تقريبا . وكانت تلك آخر حملة له في الاتجاه الشمالي .

لقد بلغت إمارة الدرعية أقصى حدودها توسعها . وانتشرت سلطة السعوديين في شبه الجزيرة العربية كلها تقريبا ، ودفع لهم الجزية حتى سلطان مسقط وإمام اليمن وحكام حضرموت . وخضعت لأمير الدرعية القبائل القاطنة في ابوادي والفيافي الممتدة حتى أراضي الهلال الخصيب . وبقدر مؤلف (لمع الشهاب) عدد السكان الخاضعين للسعوديين في نجد بـ 300 ألف وفي الحجاز وتهامة 400 ألف وفي اليمن 400 ألف أوأكثر وفي شرقي اليمن 200-300 ألف وفي شرقي الجزيرة 400 ألف وفي القبائل المترحلة ، مثل عنزة ، في البوادي بين المدينة المنورة والشام حوالي 400 ألف ، وفي عمان وسواحلها من بدووحضر 200 ألف . إلى غير ذلك ضمت إمارة الدرعية عموما حوالي 2.4 مليون نسمة . وهذا الرقم يظهر واقعيا ، مع حتى مايخص اليمن قليل أومن الممكن لم يدرج المؤلف عمدا هذا البلد كله ضمن دولة السعوديين .


النظام الاجتماعي والسياسي في إمارة الدرعية

لم تغير الوهابية النظام الاجتماعي في الجزيرة العربية مع حتى فئة الوجهاء والأعيان في إمارة الدرعية التاسعة قد برزت من بين سواد السكان وكان نشاطها الاستغلالي منظما بعض الشيء . إذا استئثار الوجهاء الحاكمين بالثروات عن طريق النهب والجزية ومصادرة الأموال وفرض الضرائب واستلام بدلات الإيجار قد اتسع ولكنه لم يكن يختلف من حيث الجوهر عن الممارسات السابقة .

النهب في الغزوات والغرامات الحربية كانت حملات الوهابيين تحت راية تجديد الدين تستهدف تحقيق مهمات دنيوية بحتة تتلخص في زيادة ثروات حكام الدرعية ووجهاء الجزيرة المرتبطين بها (وجهاء نجد بالدرجة الأولى) . ويدل ما خطه مؤرخوالجزيرة والرحالة الأوروبيون على حتى الغزوظل هوالطريق الرئيسي لحصول الوجهاء والأعيان على الثروة . وخط المؤرخ الوهابي ابن بشر يقول ، بعد حتى عدد الضرائب التي وردت إلى الدرعية : (وما ينقل إليها من الأخماس والغنائم أضعاف ذلك) . ويعقتد بوركهاردت كذلك حتى الأخماس تحتل المرتبة الأولى بين عائدات حاكم الدرعية . كانت غزوات الوهابيين الأولى تنتهي بالاستيلاء على بضع عشرات من الإبل والأغنام ونهب الحقول أوبساتين النخيل ، أما في سنوات أوج قوتهم فقد كانت غنائمهم تبلغ عشرات الآلاف من رؤوس الماشية المنهوبة . وفي عام 1796 بعد دحر قوات شريف مكة سقط في أيدي الوهابيين 30 ألفا من الإبل و200 ألف من الأغنام والماعز .

ويقول ابن بشر أنه عندما تم في عام 1790-1791 دحر قبائل مطير وشمر حصل الوهابيون على (غنائم كثيرة من الإبل والغنم والأثاث والأمتعة) . وسرعان ماتعرض سائر البدولمثل هذا المصير . فقد كان الوهابيون يطاردونهم يومين أوثلاثة (ويأخذون منهم الأموال ويقتلون الرجال) . إذا المصنفات التاريخية العربية غاصة بوقائع من هذا النوع .

وكما هوحال الغزوات البدوية كان النهب الوهابي يسفر عن تجريد القبائل المستضعفة ليس فقط من المنتوج الزائد ، بل وكذلك من قسم كبير من المنتوج الضروري ، وغالبا ما يحكم على السواد الأعظم من السكان المنهوبين بالموت جوعا . ولم يقتصر النهب على البسطاء من أبناء القبائل أوسكان المدن ، فقد تعرض للنهب الوجهاء والأعيان أيضا . إلا حتى هؤلاء لايندر حتى يعوضوا عن خسائرهم على حساب بسطاء البدوأوالفلاحين . وكان الوهابيون المنتصرون يرأفون عادة بحال الوجهاء ، ويفضلون إقامة علاقات طيبة معهم . وكان الوجهاء المغلوبون يفقدون استقلاليتهم السابقة ، ولكنهم يصبحون جزءا من الطبقة الحاكمة في الدولة السعودية .

ويدل كبر حصة غنائم الحرب في مداخيل الدولة الوهابية على طابعها الحربي التوسعي . فقد تعرضت للنهب القبائل والمدن والواحات والمناطق غير المنضمة إليها أوالتي حاولت التخلص من سلطة أمراء الدرعية ، وكانت الحروب والغزوات والنهب والتوسع المتواصل من أبرز شروط وجود الدولة السعودية . وكان مستوى تطور القوى المنتجة في الجزيرة العربية لا يزال عاجزا عن تمكين الوجهاء والأعيان الوهابيين من الاستئثار بمنتوج عمل السكان بواسطة الأنواع الأكثر تنظيما من الاستغلال بنفس المقادير التي يؤمنها النهب السافر . وبغية الحفاظ على مداخيل الطبقة الحاكمة تعين على إمارة الدرعية حتى تتوسع بلا انقطاع . وفي حالة توقف التوسع لن يتمكن الوجهاء الحضر ، وخصوصا وجهاء البدو، من استلام المداخيل التي تعودوا على استلامها من السكان الخاضعين لهم . وفي تلك الحالة تنتفي دوافع توحيد الوجهاء والأعيان في إطار دولة موحدة . وفي ذلك يكمن التناقض الداخلي الرئيسي للدولة الوهابية الأولى التي كانت تحمل في أحشائها منذ لحظة ظهورها جنين هلاكها وسقوطها .

وكان المصدر الآخر لإثراء الطبقة الحاكمة هوالغرامات ، وهي تعبير عن جزئية نقدية أوعينية تفرض على القبائل أوالواحات الخاضعة للوهابيين أوالمنضمة إليهم . وكانت الغرامات تفرض مرة واحدة ، ولكن تسديدها قد يستمر عدة سنوات فيكتسب شكل الجزية أوالضريبة المتواصلة . ففي عام 1787-1788 فرضت على أهالي واحات وادي الدواسر الذين أخضعهم الوهابيون غرامات بمبلغ ألفي ريال كان يجب تسديد ألف منها فورا . وبعد حتى منى أمير الإحساء عريعر بالهزيمة في هجومه على الوهابيين تهيأ أمير الدرعية للتنكيل بحلفائه الذين انتقلوا إلى صف الإحسائيين . وطلبت منه واحات المحمل وثادق حتى يعفوعنها ، فعفا عنها ، ولكنه فرض عليها ، كعقوبة ، غرامات (من ثمر الغرس والتمر) .

وفي عام 1767-1768 انضم إلى الوهابيين سكان الوشم وسدير و(بايعوا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة) . والتزموا بأن يدفعوا إلى الدرعية غرامات نقدية وعينية . وعندما أخضع أمير الدرعية سكان الحوطة والحريق واليمامة والسلمية وقسم من الخرج فرض عليهم جزية (بما شاء من النقود) .

وفرض الوهابيون غرامات بشكل نقود وأسلحة وأفضل الخيول مع عدتها على قبائل البدوالمجاورة لمكة .

الاستيلاء على الملكية العقارية

لم يورد المؤرخون الوهابيون عن انتزاع الأراضي من الفلاحين وتحويلهم إلى مستأجرين إلا أنباء متفرقة وشحيحة . عندما احتل عبدالعزيز الرياض (ملك بيوتها ونخيلها إلا قليلها) . ويبدوحتى مساكن أهل الرياض غدت ملكا لأمير الدرعية . ولكن ماذا يستفيد من هذه الملكية إذا كان الكثير من سكان الرياض قد هربوا،يا ترى؟ وهل يستطيع الأمير حتى يؤجر تلك الدور،يا ترى؟ لعل أمير الدرعية قد باع في أغلب الظن الأدوات المنزلية المنهوبة وليس واضحا كذلك كيف من الممكن أن جرى التصرف بالنخيل . فمن الذي صار يسهر عليها ،يا ترى؟ وما الذي يعنيه المؤرخ بقوله (إلا قليلها ؟) من الممكن كانت هذه النخيل ملكا لأنصار الوهابيين من أهالي الرياض أوحتى عبدالعزيز وزعها على المقربين إليه .

ونجد معلومات أكثر تحديدا عن بساتين النخيل في الخرمة . فقد احتل الوهابيون الواحة ووافق سكانها على إحالة النخيل إلى بيت المال . أما باقي المزروعات المغروسة بين النخيل أوفي الحقول الخالية من النخيل فلا نعهد عنها شيءا . (وبالمناسبة فإن شروط هذا الاتفاق لم تنفذ . فقد اعتبرها عبدالعزيز سهلة جدا ، ولذا أمر بتدمير أسوار الواحة وتهديم قسم من الدور وطرد جماعة من السكان) .

وفي معرض الحديث عن مداخيل الدولة السعودية أشار بوركهاردت إلى حتى بيت المال (الخزينة) يقسم إلى قسمين أحدهما للإمام والآخر للدولة . (ويتسلم زعيم الوهابيين القسم الأكبر من مداخيله من عائدات أملاكه الخاصة . وقد جرت العادة على حتى ينهب إحدى مناطقه أومدنه إذا كانت قد تمردت لأول مرة . وإذا تكرر التمرد لايكتفي بالنهب ، بل يصادر جميع أراضي السكان ويحيلها إلى بيت المال . ثم يهدي قسما منها إلى الغير ، ولكنه يهجر القسم الأكبر لأصحابها السابقين الذين يتحولون إلى مستأجرين ويجب عليهم حتى يدفعوا له تبعا للظروف ثلث المحصول أونصفه . إذا ملكية الأشخاص الذين شاركوا أنشط مشاركة في التمرد تحال إلى غيرهم . أما هم أنفسهم فيطردون أويقتلون ... وفي الوقت الحاضر يعود القسم الأكبر من الملكية العقارية في نجد إلى بيت المال أي خزينة الدولة . وإن ملكية جميع الأراضي في القصيم التي كان سكانها يتمردون دوما قد هجرت لهم على سبيل الإيجار . والكثير من القرى في الحجاز وفي الجبال الواقعة على جانب اليمن يعود إلى بيت المال أيضا) .

إن نظام استغلال السكان الخاضعين الذين يتحدث عنهم المقتطف أعلاه يظهر على العموم ناجزا وكاملا ، مع حتى الكثير من جوانبه يبقى غامضا ، ومن ذلك ، مثلا ، مسألة ما إذا كان بدل الإيجار يرد إلى بيت المال أويوضع تحت تصرف أمير الدرعية شخصيا . ومن يقصد بوركهاردت بحدثة (الغير) هل يقصد الفلاحين الذين استقروا في المناطق التي استولى عليها الوهابيون أم يقصد ملاكا جددا يستأجر الملاك السابقون الأراضي منهم ،يا ترى؟ سؤال تصعب الإجابة عليه .

إن معطيات هذا الرحالة الأوروبي والمصنفات العربية تكمل بعضها البعض ، ولكنها متعارضة بعض الشيء . وهناك مبررات تجعلنا نصدق بقدر أكبر ما يقوله مؤرخوالجزيرة . فإن ابن بشر ، مثلا ، كانت له علاقات مع موظفي المالية في البلاط وقد استقى معلوماته منهم شخصيا . أما بوركهاردت فكان يتناول الكثير من ظواهر الحياة في الجزيرة من مواقع الأوروبي المتحيزة دون قصد . إن مؤرخي الجزيرة لا يتحدثون إلا نادرا جدا عن ملكية الأراضي المحالة إلى بيت المال . وهم يشيرون في عدة حالات فقط إلى وجود الخراج (ضريبة الأرض) في الدولة الوهابية ، ولكنهم لايحددون طابعه . وإذا كان الخراج هوإيجار الأرض الذي يقدم لقاء أراضي الدولة فإن معطيات بوركهاردت تحصل على برهنة كافية إلى حد ما . وفي هذه الحالة يمكن الكلام عن إعادة توزيع مكثفة لملكية الأراضي في الدولة السعودية وعن التوافق بين ريع الأرض والخراج الذي يجبيه بيت المال .

وعندما أبدى حليف الوهابيين أمير حريملا مبارك بن عدوان تذمرا اقترح عليه محمد بن عبدالوهاب وأمير الدرعية قائلين (خذ من نخيل حريملا ما ترغب واجلس عندنا ولك الحشمة والوقار وخراجك علينا) . وصار مبارك بن عدوان أسيرا فخريا عند الوهابيين . ولكنه ، على مايبدو، احتفظ بريع بساتين النخيل .

الزكاة

من أبرز المستحدثات في إمارة الدرعية فرض ضريبة مركزية منتظمة على جميع سكان الدولة بشكل الزكاة المنصوص عليها في القرآن لمساعدة الفقراء والمساكين والتي هي واحد من أركان الإسلام . إذا الأهداف الدينية المتجسدة في بعث الزكاة تستجيب بأفضل شكل لمتطلبات ومهمات الدولة السعودية الإقطاعية . وأشار ابن بشر وهويتحدث عن استيفاء الزكاة إلى حتى (الإسلام الحقيقي) انتشر في نجد ونطق (بعثت العمال لقبض الزكاة وخراج الثمار بعد حتى كانوا قبل ذلك يسمون عند الناس مكاسا وعشارا) .

ويقول هذا المؤرخ النجدي أنه كانت تخرج من الدرعية سنويا جماعات لقبض الزكاة من البدو. وكل جماعة تتكون من سبعة أشخاص تضم أميرا ومحررا وحامل الدفتر وجابيا لجمع النقود من بيع الإبل والغنم والماعز المخصصة لتسديد الزكاة . بالإضافة إلى ثلاثة حراس مسلحين يقومون بجمع البتران واقتيادها وحراستها . وكان حكام الدرعية يرسلون إلى البدوأكثر من سبعين جماعة لقبض الزكاة ز وكان هناك مخولون خاصون باستيفاء الزكاة من محاصير المزارعين ومن القرى الصغيرة والكبيرة وموظفون لاستيفاء الزكاة من البضائع. وخط بوركهاردت يقول (كان جباة الزكاة يرسلون سنويا من الدرعية إلى مختلف المناطق والقبائل . وهم يستلمون مبلغا نقديا معينا لقاء عملهم وكذلك نفقات السفر) .

وتبين معلومات ابن بشر حتى جماعات قبض الزكاة كانت تعيش على حساب الأشخاص الذين تستوفي عنهم الزكاة . وهذا يهيئ الفرصة للفساد . وتبلغ الزكاة عشر محصول الأراضي الديمية وخمس محصول الأراضي الأروائية وربع العشر عن رأسمال التاجر . ويقول بوركهاردت أنهم كانوا يأخذون ريالا من قبيلة عنزة لقاء جميع خمسة جمال وثمن نعجة واحدة لقاء جميع 40 رأسا من الغنم ، وما يادسبعة شلنات عن جميع حصان . ولكنه يمكن الافتراض بأن مبلغ الزكاة يختلف باختلاف المناطق .

ويصعب تحديد المبالغ الإجمالية للزكاة التي كانت ترد إلى الدرعية ، مع حتى ابن بشر قد أورد بعض الأرقام وخط يقول : (وأبلغني أحمد بن محمد المدلجي نطق كنت محررا لعمال علوي من مطير مرة في زمن عبدالعزيز . فكان ماحصل منهم من الزكاة في سنة واحدة أحد عشر ألف ريال . نطق وكان عمال بريه من مطير رئيسهم عبدالرحمن بن مشاري بن سعود . فكان ماجبى منهم إثنى عشر ألف ريال . ومن بني رشيد ثلاث ثلاثون الف. وكانت زكاة مطير في تلك السنة ثلاثين ألف ريال . وكان عنزة أهل الشام وبوادي خيبر وبوادي الحويطات المعروفات ومن في نجد من عنزة يبعث إليهم عوامل كثيرة ويأتون منهم بأموال عظيمة . وأبلغني من أثق به نطق أناخ في يوم واحد تحت الطلحة المعروفة عند باب بلد شقرا أربع عوامل من عمال بوادي الشام ، جميع عاملة معها عشرة آلاف ريال . قلت ويأتي غير ذلك من زكاة بوادي شمر وبوادي الظفير قريب مايأتي من عنزة ، ومن قحطان وبوادي حرب وعتيبة وجهينة وبوادي اليمن وعمان وآل مرة والعجمان وسبيع والسهول وغيرهم ما يعجز الحصر . وتؤخذ منهم الزكاة على الأمر الشرعي ولايؤخذ فيها كرائم الأموال ولا دونها إلا من غيب من إبله أوغنمه شيئا عن الزكاة في الدرعية قد ازداد بقدر أكبر في عهد سعود بن عبدالعزيز .

فقد نطق عنه ابن بشر مايلي : (وأما عماله الذين يبعثهم لقبض زكاة الإبل والغنم في بوادي جزيرة العرب مما وراء الحرمين الشريفين وعمان واليمن والعراق والشام ومابين ذلك من بوادي نجد فذكر لي بعض خواص سعود ممن قد صار محررا عنده ، نطق : كان يبعث إلى تلك البوادي بضعا وسبعين عاملة في جميع منها سبعة رجال ... وأبلغني ذلك الرجل حتى سعودا بعث عماله لبوادي الغز المعروفين في ناحية مصر ، وبعث عماله أيضا لبوادي يام نجران وقبضوا من الجميع الزكاة ونطق : آتوا عمال آل فنادىن المعروفين من بوادي عنزة بزكاتهم بلغت أربعين ألف ريال من غير خرج العمال وثماني أفراس من الخيل الجياد . نطق : وهذا أكثر ماتأتي به العاملة من تلك العمال جميع سنة ، وأقل ماتأتي به العاملة من أولئك العمال المذكورين ثلاثة آلاف ريال وألفين ونصف ، نطق : والذي يأخذه سعود علي بندر اللحية المعروفة في اليمن مائة وخمسون ألف ريال وهولايأخذ إلا ربع العشر ، ومن بندر الحديدة نحوذلك ...

قلت : وأما غير ذلك مما يجيء إلى الدرعية من الأموال من القطيف والبحرين وعمان واليمن وتهامة والحجاز وغير ذلك وزكاة ثمار نجد وعروضها وأثمانها لايستطيع أحد عده ولا حصره ...) . ولم يذكر ابن بشر المبلغ الإجمالي لمداخيل امرأة الدرعية . وربما لايعهد ذلك المبلغ الأمراء أنفسهم . وقد قدر بوركهاردت العائدات السنوية لبيت مال الوهابيين بمليون ريال ، فهما بأن أفضل الأعوام عاد عليهم بمليوني ريال . إلا حتى الرحالة لم يؤكد ما إذا كان هذا الرقم يضم غنائم الحرب ومختلف أنواع الغرامات أم أنه يضم الضرائب فقط .

ويقول مؤلف (لمع الشهاب) حتى العائدات الضرائبية السنوية لسعود في عز جبروته بلغت كما يلي : 400 ألف ريال من سكان نجد البدووالحضر و500 ألف ريال من بدوالشام واليمن وتهامة وعمان وحوالي 400 ألف من الإحساء و200 ألف من القطيف و40 ألفا من البحرين , و300 ألف من اليمن (من السكان الحضر على مايبدو) و200 ألف من بدوالحجاز وبعض المناطق الأخرى و120 ألفا من رأس الخيمة (بما فيها حصة النهب) و120 ألفا من جاء وبدو(؟) عمان ، فضلا عن نفقات القوات الوهابية هناك . أما غنائم الغزوات فلا تعد ولاتحصى . وكان سعود شخصيا يستلم مداخيل كبيرة بشكل هدايا من الحجاج الأثرياء ، وكانت الأراضي التي يملكها في نجد والإحساء تعود عليه بـ 300 ألف ريال (23) إلى غير ذلك يصل المبلغ الإجمالي لمداخيل أمير الدرعية بشكل ضرائب حسب معلومات (لمع الشهاب) إلى مليوني ريال تقريبا . وهذا يتفق مع ما نطقه بوركهاردت .

كانت عائدات الأمراء السعوديين هائلة بالنسبة للجزيرة العربية آنذاك . ولكنه ينبغي حتى نأخذ بعين الاعتبار التذبذب الكبير في الأسعار من موسم لآخر أومن منطقة لأخرى . ويكفي القول حتى حمل الحطب في الدرعية ، كما يقول ابن بشر ، يكلف 5-6 ريالات وأن ثمن النخلة الواحدة يصل إلى 50 ريالا . إن الطابع الطبقي للدولة السعودية التي كانت تخدم مصالح وجهاء الجزيرة العربية قد تجلى كذلك في ميدان التوزيع المركزي للثروات . ولكنه لايمكن تحديد المبالغ المطلقة والنسبية لنفقات الدولة إلا بصورة تقريبية .

البلاط السعودي

إن الأموال التي تنفق على بلاط أمراء الدرعية وأسرة محمد بن عبدالوهاب تشكل واحدا من أبواب الصرف الرئيسية . فقد تجمعت كملكية شخصية للسعوديين ثروات بشكل أراض في الواحات وماشية وأحجار كريمة ومجوهرات وأموال أخرى . وخط ابن بشر يقول حتى ثلث الضرائب المستحصلة في منطقة الإحساء ينفق على بلاط السعوديين وأسرة ابن عبدالوهاب والحاشية . إنعوائل الوجهاء العرب عموما كبيرة للغاية . فالأموال الكثيرة تمكن أبناء الوجهاء من التزوج من أربع نساء على الأقل كما ينص القرآن ، بالإضافة إلى الجواري . وإن التغذية الجيدة والظروف الصحية الأفضل بعض الشيء مما لدى باقي السكان تقلل من وفيات الإطفال في العوائل اموسرة . وكانت عائلة السعوديين كبيرة جدا (الأمير وإخوانه وأولاده وأعمامه وأبناء عمومته وأبناؤهم) . ويقول بوركهاردت أنه كان لدى سعود عدة زوجات ووصايف حبشيات .

إن أمراء الدرعية بعد حتى انضووا تحت لواء الوهابية التي باركت سلطتهم والتي تدعوإلى البساطة والاعتدال صاروا يعيشون بقدر كبير من البذخ والفخفخة بالنسبة للجزيرة العربية . وأشار كورانسيز إلى (أن سعود ذاق طعم الترف وكان لابد من حتى يتأثر به) . ويضيف المؤرخ الفرنسي قائلا : (ذلك هوطريق جميع الطوائف التي تبدأ بالبساطة والتقشف لتجتذب الجماهير وتنتهي بالترف للزعماء) .

ونقرأ في (لمع الشهاب) عن سعود مايلي : ( وكان تحته أربع نسوة بالعقد وست جوار من القرج أوفد بعض الناس خفية إلى أطراف بلاد الروم فاشتروهن له بقيمة كبيرة قبل جميع واحدة اشتراها بثلاثة آلاف ريال أوأكثر لأنهن متناهيات في حسن الصورة وأيضا له عشر وصايف حبشيات بعضهن أهداه له الشريف حمود أبومسمار صاحب أبي عريش وتهامة اليمن وبعضهن أتوه به القواسم أهل رأس الخيمة من ما اكتسب من الغنايم وقد غير بنيان البيت الذي كان لأبيه عبدالعزيز فوسع عرصته وبنى غرفا وخلوات وعين لكل امرأة موضعا خاصا هي وخدمها ... وأما لباس نسائه فكان أطيب لباس وغالبه من الحرير الهندي المصنوع بالمضى أحمر أوأصفر أوأخضر وغير ذلك من الألوان وكذلك يلبس من بز الشام الحرير العال المطرز بالمضى ... وقد جملهن من الحلى شيءا عظيما من المضى المرصع بالجواهر النفيسة من الياقوت الأحمر وغيره كثيرا ...وكان يرسل بعض الناس إلى ملك فارس فيشترون له ذلك ... وكان سعود يترف في المأكول كما يترف في الملبوس وغالب قوته وقوت عياله الرز وصار أكل الحنطة لديهم قليلا واتخذ له أناساس من أهل الإحساء أوالقطيف يصنعون له الأطعمة الحسنة من اللحوم المقلية والطيور المحشية والحلويات ...) .

وخط رايمون (إن سعود يحب إبداء جميع مظاهر الفخفخة . وكل شيء في قصره يشير على لاعظمة والبذخ ولايرفض أي شيء من أجل تزيين القصر . ولايبخلون بالمضى واللؤلؤ وأغلى الأقمشة الهندية من أجل جعله أكثر روعة . وينطق حتى عباءة سعود بديعة الصنع للغاية وقد كلفته ما لايقل عن 60 ألف بيزة) . في أقوال رايمون مبالغة. ولكن من الواضح حتى أمراء الدرعية في تلك الأزمان الغابرة لم يبخلوا على أنفسهم بالترف الذي يتمكنون عليه . وإلى جانب الماشية والأراضي والأحجار الكريمة والسلاح المزين بالنفائس والقصور والقلاع كانوا يمتلكون كذلك الخيول الأصيلة التي يعتز بها وجهاء الجزيرة جميع الاعتزاز . ومن المعروف حتى سعود بن عبدالعزيز أنفق أموالا طائلة على رعاية تلك الخيول . وبلغ عدد الخيول الأصيلة في بترانه 2.5 ألف رأس . وخصص منها 600 حصان لأشجع البدووالمماليك . وكان لدى جميع من أبناء سعود 100-150 حصانا ، وكان عند ولي العهد عبدالله 300 . كان أمراء الدرعية يستولون على الخيول في الغزوات ويستلمونها بشكل هدايا وزكاة وغرامات ، ولايتورعون حتى عن ابتزازها . خط بوركهاردت يقول (الأعراب يتشكون من أنه عندما يمتلك أحد ما حصانا جيدا فإن سعود يجد ضده تهمة مابخرق القانون حتى بسوء السلوك لكي يبرر مصادرة ذلك الحصان) .

وكانت أموال كبيرة تنفق على الضيافة التقليدية . ففي جميع يوم يحل على سعود بضع مئات من الضيوف . وكان سعود يخصص للضيوف سنويا 500 صاع من الرز والقمح . (يتراوح الصاع في الجزيرة العربية ما بين لتر واحد ولترين ونصف) . وخلال يومين من ولائم زفاف أحد أبناء سعود التهم الضيوف 140 ناقة و1300 خروف . إن ضيوف سعود الكثيرين لمقد يكونوا من الفقراء عادة . وكان سخاء الأمير يعم الموسرين في الغالب . ثم إذا الغذاء المقدم للضيوف يختلف . فالوجهاء يقدم لهم اللحم والرز ، والأقل منهم جاها يقدم لهم التمر والبرغل . وكان سعود بمتلك عددا كبيرا من العبيد . خط ابن بشر يقول : (ومماليكه الذكور أكثر من خمسمائة مملوك ونطق غيره : ستمائة الذكور ونطق آخر حتى مماليكه ألف الذكور أكثر من خمسمائة ومائتان الإناث والذي يظهر من القصر آخر رمضان ألف وثلاثمائة فطرة عن خدمه وعبيده ومافي قصره من الأيتام) . وكان عبيد الأمير يتمتعون بالامتيازات بالمقارنة مع مجموع سكان الجزيرة الفقراء شبه الجياع . وكانوا يشكلون حرس البلاد وحاشية شخصية للأمير . وقد ارتقى بعضهم إلى مناصب عليا في الدولة . فإن المملوك الخرق صار قائدا للقوات الوهابية في المعارك . وقد تم انعتاق الكثيرين من العبيد .

واحتفظ بلاط السعوديين ، وخصوصا في المراحل الأولى ، ببساطة العادات ، و(بديمقراطيتها) إذا استخدمنا المصطلحات الحديثة . ولم يظهر بشكل واضح جدا الانفصال الظاهري بين أصحاب السلطة والأمير الإقطاعي وبين جمهور السكان . ومن الناحية الظاهرية احتفظ أمير الدرعية ببعض التشابه م شيوخ القبائل البدوية . فإن أبسط البدوكانوا يخاطبونه بدون رسميات : يا سعود ، يا أبا عبدالله ، يا أبا شوارب . وخط كورانسيز عن (بساطة وخشونة العادات) في بلاط أمير الدرعية . كان مجلس سعود مفتوحا للجميع . ويستطيع جميع قادم حتى يؤمل في كرمه وحسن ضيافته . وكان الأمير شخصيا ينظر في شكاوي رعيته . وكان حكمه القضائي يتميز بالسمات العشائرية . وقد خط بوركهاردت حتى سعود بنفسه كان أحيانا يجلد الكاذب ، ولكنه يأسف لذلك طويلا فيما بعد ، ويطلب من المحيطين به حتى يخففوا من غضبه .

وكان سكان الدرعية غالبا مايحضرون دروس الفقه التي يأتي إليها جميع الوجهاء وأبناء محمد بن عبدالوهاب وأبناء سعود وأقاربه . وكان الأمير نفسه يحضرها . (فإذا اجتمع الناس خرج سعود من القصر ومعه دولة وجلبة عظيمة تسع جلبتهم كأنها جلبة النار في الحطب اليابس من قرع السيوف بعضها بعضا من شدة الازدحام ، لاترى فيهم الأبيض من الرجال إلا نادرا ، بل كلهم مماليكه عبيد سود ، ومعهم السيوف الثمينة المحلاة بالمضى والفضة ، وهوبينهم كالقمر تبين في فتق سحاب . فإذا أقبل على ذلك قام له الذين في طريقه لئلا يطأهم العبيد حتى يخلص إلى مكانه . فيسلم على الكافة ثم يجلس بجانب عبدالله ابن الشيخ وهوالذي عليه القراءة في الدرس ... فإذا تكامل سعود جالسا التفت الفهماء والرؤساء من المسلمين ... ودخل القصر وجلس في منزل من منازله القريبة للناس وحملوا إليه حوائجهم حتى يتعالى النهار ويصير وقت القيلولة فيدخل إلى حرمه ... وكان من أحسن الناس كلاما وأعذبهم لسانا وأجودهم بيانا فإذا سكت قام إليه أهل الحوائج من أهل الشكايات من البوادي وغيرهم وكان محرره على يساره فهذا قاض له حاجة وهذا محرر له شكاية وهذا دافعه وخصمه إلى الشرع فيجلس في مكانه ذلك نحوساعتين حتى ينقضي أكثرها ، ثم ينهض قائما ويدخل القصر ويجلس في جلسة في المقصورة ويصعد إليه محرره ويخط جوابات تلك الخط التي حملت إليه في ذلك المجلس) ...

كان الحراس يحيطون بسعود دوما . وعندما يصلي في مسجد القصر يحرسه عبدان ، وعندما يخرج إلى لاصلاة مع الناس يرافقه ستة عبيد يحملون السيوف : إثنان أمامه وإثنان خلفه وإثنان وراء الصف الثاني من المصلين . وقد اتخذت هذه الإجراءات تحوطا للطوارئ بعد مقتل أبيه عبدالعزيز في المسجد . ويستنتج مما ذكره ابن بشر مع ذلك أنه نشأت في بلاط السعوديين مراسيم خاصة للفصل الظاهري بين الوجهاء والشعب والتأثير على بسطاء الناس عن طريق الأبهة والفخفخة عند الحاشية والخدم وخصوصا آداب السلوك وهلمجرا .

نفقات الدولة خارج بلاط الأمير

كانت الهدايا التي يقدمها أمراء الدرعية إلى الوجهاء والأعيان بشكل عيني (خيول أصيلة وأسلحة وماشية) وبشكل مكافأة مالية واحدا من أساليب إعادة توزيع الثروات المستحصلة داخل الطبقة الحاكمة . وخط بوركهاردت حتى أمير الدرعية كان يهدي لشيوخ البدوما بين 50 و300 ريال . ونطق ابن بشر حتى أمير الدرعية كان (كثير العطاء والصدقات للرعية من الوفود والأمراء) .

وتلقى المعلومات الخاصة بالميزانيات المحلية وميزانيات المناطق ضوءا إضافيا على طابع النفقات فيا لدولة الوهابية . ويتوقف بوركهاردت طويلا عند هذه المسألة . سليم حتى ملاحظاته تنم عن رغبة غير متعمدة في تصوير جهاز الدولة الوهابية بصورة أكثر تنظيما مما كان عليه عملا . ويقول بوركهاردت (إن جميع المداخيل ، ماعدا زكاة البدو، ترد إلى بيت المال . ولكل مدينة أوقرية ذات شأن بيت مال محلي يدفع له السكان مايترتب عليهم . وفي بيت المال محرر يبعثه زعيم الوهابيين ويأمره بعدم السماح للشيخ المحلي بإساءة التصرف بالأموال بأي حال . ولايسمح للشيوخ لا باستحصال النقود ولا بالتصرف بما يتم جمعه منها .

فهذه الأموال مخصصة للخدمات العامةوهي تقسم إلى أربعة أقسام . يرسل ربع إلى بيت المال المركزي في الدرعية ، ويخصص ربع للتخفيف من أعباء الفقراء ... وهوينفق على فهماء الدين الذين يرشدون التلامين وعلى القضاة وعلى إعمار المساجد وصيانة الآبار العامة ... ويخصص النصف للصرف على الجنود الفقراء الذين يزودون بالأغذية أثناء الحملات ، ويزودون بناقة عند الاقتضاء ، وكذلك على الضيوف . وأن النقود المخصصة للضيوف تسلم إلى الشيوخ الذين يقتحون مضايف ليتوقف فيها الضيوف ويتغذون . وتخصص لهذا الغرض كذلك الضرائب العينية .

إن هذا المقتطف لايقدم جواباعلى أسئلة كثيرة . فليس واضحا ما إذا كان بيت المال المحلي يستلم قسما من الزكاة أوأنه يفرض ضرائب إضافية ، وما إذا كان بيت المال المركزي يساهم في النفقات المحلية . وخط بوركهاردت حتى المركز يعوض عن الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية وغزوات الأعداء . ولكن هل حتى ذلك مشاركة من بيت المال المركزي في النفقات المحلية لمرة واحدة أوأنه يجري على الدوام ،يا ترى؟ وأورد ابن بشر تقسيما آخر للميزانية المحلية فقد خط عن توزيع أمير الدرعية لأموال الإحساء يقول : (والذي يحصل من بيت مال الإحساء يقسم ثلاثا ، ثلث يدخره لنغوره وخراجا لأهلها والمرابطة فيها ، وثلث خراجا لخيالته ورجاله ونوابه وما يخرجه لقصره وبيوت بنيه وبيوت آل الشيخ وغيرهم في الدرعية ، وثلث يباع بدراهم وتكون عند عماله لعطاياه وحوالااته ... ويحصل بعد ذلك ثمانون ألف ريال تظهر للدرعية) .

إلى غير ذلك كانت الأموال المحلية توزع في عدة اتجاهات أساسية ينفق القسم الرئيسي منها على الأغراض الحربية – لتأمين حاجة الجنود الفقراء وتزويد الحاميات بالأغذية ودفع الرواتب والإنفاق على الخيالة (أي الوجهاء المسلحين) . والباب الهام الثاني للصرف هوالهدايا التي تقدم إلى الوجهاء المحليين الذين يحتلون أبرز المناصب في الإدارة الوليدة ويتصرفون بجزء من النفقات ، وليس بدون نفع شخصي طبعا . أما النفقات على (الفقراء) فتغطي حاجات فهماء الدين والقضاة .

الأعمال الخيرية

يتحدث ابن بشر عن سجايا أمير الدرعية عبدالعزيز فيقول : (وكان عطاؤه للضعفاء والمساكين في الغاية ، فكان منهم من يخط إليه منه ومن أمه وزوجتهوابنته من جميع واحد كتابا وحده ، فيسقط لكل كتاب منهم عطاءه فكان الرجل يأتيه بهذا السبب عشرون ريالا وأقل وأكثر . وكان إذا توفي الرجل من جميع نواحي نجد يأتي أولاده إلى عبدالعزيز وابنه يستخلفونه فيعطيهم عطاءا جزيلا . وربما خط لهم راتبا في الديوان ... في جميع وقت وكل سنة يعطي جميع أهل بلد وكل أهل ناحية ألف ريال وأقل وأكثر ... وأبلغني محرره نطق حتى عبدالعزيز أخذه يوما صداع فنادىني ونطق أخط صدقة لأهل النواحي فأملي على لأهل منفوحة خمسمائة ريال . وأهل العيينة مثل ذلك . وأهل حريملا سبعمائة ريال ، وأهل المحمل ألف ومائة ريال ولجميع نواحي نجد على هذا المنوال . نطق قيمتها تسعون ألف ريال . وأتى إليه يوما خمسة وعشرون حملا من الريالات ، فمر عليها وهي مطروحة ، فنخسها بسيفه . ونطق : اللهم سلطتي عليها ولاتسلطها على ، ثم بدأ في تفريقها) .

ووصف ابن غنام المجاعة المرعبة التي اجتاحت نجد في أواسط الثمانينات من القرن الثامن عشر حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى أقصى حد وهلك الرجال والنساء ناهيك عن الشيوخ والأطفال . كان الناس يسقطون أثناء الصلاة بسبب الهزال . واستمرت المجاعة عدة سنوات . وعندذاك بدأ عبدالعزيز بإطعام الأرامل والأيتام والضعفاء .

وهذكا طبقت الدولة السعودية عمليا واحدا من المستحدثات العبقرية (أوعلى الأصح المكتسبات) التي اتى بها الإسلام ، ونعني الأعمال الخيرية أوالعمل بالمعروف . فهذا العمل الذي (يفتح) أمام القائمين به أبواب الجنة في الآخرة كان يحميهم في الدنيا ولومؤقتا من غضب الفقراء وانتفاضاتهم وتمرداتهم . وكانت الأعمال الخيرية تجرد الفقراء من سلاحهم الفكري وتوحي إليهم بأنه خلاصهم من الجوع والحرمان والتخفيف من أعبائهم يتمان ليس بالكفاح الحازم ، بل بصدقات الأثرياء والوجهاء . ولعبت أعمال السعوديين الخيرية دورا سياسيا لايقل أهمية : فقد تحسنت الأوضاع المادية بعض الشيء لسكان المناطق الوسطى من الدولة الوهابية على حساب الأطراف ، وأدى ذلك إلى زيادة ولاء أولئك السكان لأمراء الدرعية . وكان قسم من الأموال المخصصة للأغراض الخيرية يقع في أيدي الوجهاء والأعيان المحليين أويخدمهم بصورة غير مباشرة إذ يخلصهم من لزوم الإنفاق من جيوبهم على فقرائهم . وكانت الأعمال الخيرية في إمارة الدرعية بمثابة ترجمة للتضامن العشائري في لقاءة الكوارث .

البنية السياسية للدولة وتنظيم السلطة

لقد توحدت بقوة السلاح تحت سلطة أمير الدرعية مختلف المناطق والقبائل البدوية . وكانت درجة تبعيتها للدرعية متباينة . ويقول ابن غنام حتى القبائل أوالواحات عندما يجري ضمها إلى الوهابيين تقسم أمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب والأمير ابن سعود على خوض الجهاد ضد المشركين (أي غير الوهابيين) وتقديم العون للوهابيين . وعندما انضم سكان الخرمة والمجمعة إلى الوهابيين بعثوا وفدا إلى الشيخ وإلى عبدالعزيز للإعراب عن رغبتهم في التمسك بالإسلام وأداء جميع الفرائض بما فيها الزكاة ، ولكنهم طلبوا السماح لهم بعدم المشاركة في الجهاد خلال عامين .

فما الذي يعنيه مثل هذه الاتفاقيات ،يا ترى؟ لقد كانت تلك ، بالدرجة الأولى ، تحالفات عسكرية التزم فيها الطرف المنضم إلى الوهابيين بشن العمليات الحربية ضد غير الوهابيين . وهذا هوالأمر الرئيسي . وليس من قبيل الصدفة حتى تأجيل المشاركة في الجهاد عامين كان يعتبر استثناءا من القاعدة . لقد ألزم التحالف مع الوهابيين القبائل والواحات بأن تدفع ضريبة دائمية إلى بيت المال المركزي وقيد استقلالها بقدر كبير .

وفي عام 1865 زار المندوب البريطاني ل. بيلي الدولة الوهابية التي بعثت مع عاصمتها الجديدة الرياض بعد تدميرها على يد المصريين . وأشار إلى مختلف أشكال تبعية القبائل التي انضمت أوضمت إلى الوهابيين للرياض . ويمكن ، ببعض التصرف الحذر ، تطبيق أقواله على الدولة الوهابية الأولى . كانت بعض القبائل تدفع الضرائب وتشارك في الحملات الحربية وتؤدي مختلف الواجبات ، بينما تقوم قبائل أخرى برعي الماشية في نجد وأطرافها وإذا تعرضت لهجوم من طرف ثالث فإن الوهابيين لايتحدثون . والمجموعة الأخرى من القبائل تلتزم بعدم الاعتداء على القبائل الخاضعة لأمير الرياض ، لقاء التزام مماثل من جانب هذه القبائل الأخيرة . وتتكون المجموعة الرابعة والأخيرة من قبائل لاتعترف بسلطة أمير الرياض ولكنها تدفع الأتاوات له .

وكانت السلطة المركزية تتخذ الإجراءات لإلغاء العادات العشائرية القديمة في حل النزاعات وتسعى إلى تسوية التناقضات المحلية في إطار الدولة الموحدة . وأفاد بوركهاردت حتى النزاعات القبلية في الدولة الوهابية تحل من قبل أمير الدرعية نفسه . وهويعاقب بشدة المذنبين فيها . واستخدم السعوديون قسما من الوجهاء والأعيان المحليين الذين انضموا إليهم بمثابة سند وحليف لهم . وفي بعض الأحيان ظل الأمراء والشيوخ السابقون على دست الحكم في القبائل والواحات . ولكنه بقدر اتساع الدولة الوهابية وتعزز السلطة المركزية أخذت الدرعية تستبدل الحكام المحليين أكثر فأكثر بممثلي الأفخاذ والبطون المنافسين لهم أوأبناء الأسر التي لم يكن لها في الماضي أمل في الارتقاء . ويقول بوركهاردت : (يعتقد الوهابيون حتى من الضروري استبدال جميع الشيوخ تقريبا في القبائل التي ضموها إليهم . ولم يهجروا السلطة في أيدي أبناء الشيخ بل أحالوها إلى أسر الأعيان المنافسة . وعندما احتل محمد علي الحجاز أعاد حقوق الشيوخ المحليين وأنشأ بذلك معقلا ضد الوهابيين) .

ومن الإجراءات التي اتخذها السعوديون لضمان ولاء القبائل والواحات للسلطة المركزية الإجراء المجرب في ممارسات الغزاة والفاتحين ، ونهني أخذ الرهائن . وفي بعض الأحيان يأخذون عددا من الأعيان بمثابة رهائن بعد أداء يمين الولاء من قبل الواحة أوالفخذ . وكان بعض الشيوخ المتمردين يقيمون بصورة دائمة في الدرعية ، وقد عين بدلا منهم أشخاص موالون للسطلة المركزية . وبغية أضعاف القدرة الكفاحية للبدووتشويش تنظيمهم فرضت الإقامة في الدرعية على بعض عقداء القبائل .

إلى غير ذلك ، بدلا من الشيوخ والأمراء السابقين المستقلين رسميا وعمليا ظهر اتباع لأمير الدرعية يكادون غير مستقلين أوصنائع سافرون له . وخط بوركهاردت يقول (يتلقى كبار شيوخ البدومن الزعيم الوهابي لقبا تقديريا هوأمير الأمراء . إذا سلطة هؤلاء الأمراء على الأعراب محدودة جدا ، ولا تزيد إلا قليلا على السلطة التي يتمتع بها الشيخ البدوي المستقل ، ما عدا كونه يستطيع حتى يفرض الخضوع للقانون بحبس المخالف أوفرض غرامة عليه) . إذا هذا (القليل) هوأبرز سمة تميز الشيخ في الدولة السعودية عن زعيم القبيلة في عصر ماقبل الوهابية : أي تعزيز السلطة العامة (السجون والغرامات) وفصل السلطة العامة عن جمهور البدو. كان أمراء المناطق من أتباع السعوديين يجمعون القوات ويساعدون جباة الضرائب . وسلطتهم يقيدها القضاة القادمون من المركز .

واتى في (لمع الشهاب) : كان شأن السعوديين حيث تولوا بلدا كبيرة أوكورة بنوا حصنا في تلك البلد على حدة عن حصنها الأول إذا كان لها حصن وبحثوا حوله خندقا إذا كانت الأرض صلبة وأحكموا بنيان القلعة ورتبوا في الحصن قدر خمسمائة رجل عسكري أوألف رجل على قدر البلاد وخراجها وسموهم الأمنا أما من أهلها إذا استصلحوهم أومن غيره من بلاد لكن بشرط كشف حالهم عن الاستقامة التامة بحب الاعتقاد بهذا الدين ويعينون لهؤلاء متاعا كثيرا من الممكن كفاية سنتين أوثلاث سنين ويجعلون في الحصن أيضا بنادق عديدة وبارودا كذلك وربما جعلوا في بعض الحصون مدافع) .

وعين الوهابيون المفتين والقضاة في الواحات . وفي القرى الصغيرة كانوا يعينون قضاة فقط كما يقول (لمع الشهاب) . وكانت رواتبهم من بيت المال . وكانوا يبعثون قابضي الزكاة إلى جميع واحة . وفي بعض الأماكن كان هناك أربعة جباة ، وفي بعضها الآخر سبعة . وهم مستقلون عن الأمير ولكنه كان يساعدهم في قبض الزكاة . كما كان يعين محتسب وظيفته مراقبة أداء الشعائر الدينية وصواب عقد الصفقات التجارية ومراعاة المقاييس والأوزان وأداء القضاة لواجباتهم وبتر دابر الارتشاء . إلى غير ذلك ، يمثل السلطة المحلية الأمير قائد الحامية وكذلك القاضي (أوالمفتي) وجباة الزكاة والمحتسب . كان أمراء الدرعية يبتون في أبرز شئون الدولة بعد التشاور مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه وأحفاده وفهماء الدين ووجهاء القبائل وأعيان الواحات وأفراد عائلة السعوديين .

ويقول إبن غنام أنه عندما عاد سعود منتصرا من الإحساء (قصد والده والأهل والذرية ، واستقر مجلسه مع والده وأعيان الرعية) . وتحدث ابن بشر عن سعود بمزيد من التحديد فنطق : ( ومع ذلك إذا أهمه وأراد إنفاذ رأي أوفد إلى خواصه من رؤساء البوادي واستشارهم فإذا أخذ رأيهم وخرجوا من عنده أوفد إلى خواصه وأهل الرأي من أهل الدرعية ثم أخذ رأيهم . فإذا خرجوا أوفد إلى أبناء الشيخ وأهل الفهم من أهل الدرعية واستشارهم . وكان رأيه يميل إلى رأيهم ويظهر لهم ما عنده من الرأي) . ولاتوجد معطيات تفصيلية عن تنظيم السلطة المركزية في الدولة السعودية الأولى . وليس معروفا ما إذا كان لدى أمراء الدرعية مجلس دائم من كبار الوجهاء والأعيان . فالمؤرخون الوهابيون يتحدثون عن وجود ديوان عند الأمير ولكنهم لايحددون وظائفه . وعلى أية حال فقد كانت هناك دوائر أومصالح مركزية .

فهماء الدين والقضاة

قدم فهماء الدين الوهابيون دعما كبيرا للسياسة التوحيدية لأمراء الدرعية . وقد أوردنا أمثلة على مشاركتهم الواسعة المستمرة في أبرز شئون الدولة . وكان مؤسس الوهابية الشيخ محمد بن عبدالوهاب يتمتع بمنزلة رفيعة للغاية . وفي السنوات الأولى لتحالفه مع محمد بن سعود لم يكن مجرد عالم دين ومفهم ومفت . فقد قام بتنظيم القوات ومارس الشئون الداخلية والخارجية وأجرى الممحررات والمراسلات مع فهماء الدين في الجزيرة وبشر بتعاليمه ونادى إلى التمسك بالولاء لأمير الدرعية . وساهم مساهمة نشيطة في تأسيس وإدارة الدولة الوهابية . وكانت دعوة الشيخ قد ضبطت الوهابيين ورصت صفوفهم حول الأمير وأججت تعصبهم . وماكان عبدالعزيز يوزع غنائم الحرب إلا بعد التشاور مع محمد بن عبدالوهاب .

كان محمد بن عبدالوهاب يحافظ على سمعته فلا يستأثر صراحة بدرهم واحد من غنائم الحرب . وبعد احتلال الرياض التي كانت الخصم الرئيسي للدرعية في نجد اعتزل محمد بن عبدالوهاب شئون الدولة وأناط بعبدالعزيز مراقبة بيت المال وكرس نفسه لشئون الدين والممضى والدعوة . وانهمك أبناء الشيخ وأحفاده بتأليف خط الفقه استنادا إلى تعاليمه وبتفسير مؤلفاته . وعلى هذا النحونشأت مدرسة رجال الدين الوهابيين التي ظلت سالمة بعد الغزوالمصري . وخط ابن بشر عن أمير الدرعية يقول (وكان رحمه الله تعالى مع ذلك كثير العطاء والصدقات للرعية من ... القضاة وأهل الفهم وطلبته ومفهمة القرآن والمؤذنين وأئمة المساجد) . وبعد إنهاء التفهم كان الشبان يحصلون على هدايا كبيرة . وكان بيت المال ينفق على تلاميذ أبناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب . وكانت النفقات على المساجد والقائمين على خدمتها تعتبر من طبيعة الحال من أسمى وأنبل نفقات بيت المال . ويقول منجين حتى المساجد في الدولة السعودية ، تعتمد ماليا على جزء من العشر وعلى عائدات الأوقاف المخصصة لها . ويديرها مدير يمينه فهماء الدين) . ومما مؤسف له أننا لم نعثر على معطيات أخرى تثبت وجود وانتشار أموال الأوقاف في الجزيرة العربية . ويقول مؤلف (لمع الشهاب) حتى محمد بن عبدالوهاب وعائلته يمتلكان أراضي واسعة ، وبالإضافة إلى ذلك كان يستلم مداخيل هائلة من بيت المال وهدايا من الأمراء التابعين .

وكانت الدرعية ترسل فهماء الدين إلى جميع الواحات والمدن والقبائل الهامة . وكانت مهمتهم تتلخص في توعية السكان دينيا واجتثاث تمسكهم بالمذاهب الأخرى وفرض أصول الوهابية وإثارة الحماسة الحربية والولاء للدرعية . وقد افتتحت كتاتيب قام فهماء الدين فيها بتعليم القراءة والكتابة وتجويد القرآن . ويقول بوركهاردت حتى فهماء الدين جمعوا مخطات كبيرة في الدرعية . وكانت لدى سعود كذلك مخطة كبيرة . وكان القضاة الوهابيون يمارسون القضاء مسترشدين بالكتاب والسنة على أساس الممضى الحنبلي . وكانت الشريعة تغرس بنجاح أكبر في الواحات التي تتسم بتمايز طبقي متطور .

أما البدوفإن الشريعة الإسلامية لاتطبق عندهم إلا قليلا . ودخل النظام القضائي الوهابي في خلاف شديد مع العهد البدوي . وهناك مبررات للافتراض بأن العهد هوالذي فاز مع حتى ازدياد الوظائف الطبقية لأعيان القبائل البدوية قد وسع إمكانيات تطبيق الشريعة . وفي الوقت الحاضر شهد محرر هذه السطور محاكمة في منطقة مأرب في اليمن الشمالي . فإن المحافظة نظر في النزاعات القبلية استنادا إلى العهد وحده . وحدثت بعض التغيرات في مطاردة المجرمين قضائيا وإنزال العقوبة بهم في الدولة الوهابية . وبموجب الشريعة كانوا يبترون يد اللص أويفرضون عليه غرامة حسب الظروف .

وكما هوالحال في عهد النبي محمد سعى الوهابيون إلى تقييد الثأر فاستبدلوه بتعويض قدره 100 ناقة أو800 ريال . (أورد بوركهاردت هذه المعلومات دون أني يؤكد ما إذا كان ذلك يسري على جميع مناطق الجزيرة) . ويبدوحتى السعوديين تمكنوا من تضييق مفعول عادات الثأر بعض الشيء دون حتى يقضوا عليها . ولم يكن الوهابيون يعترفون بعادات الحماية التي يقدمها بعض أبناء القبائل للمجرمين .

الاقتصاد والتجارة (الجوانب الإيجابية للمركزية)

لأول مرة خلال قرون عديدة ساد الاستقرار الجزيرة العربية ، وخصوصا مناطقها الوسطى ، وإن بصورة مؤقتة . فقد اتخذ الأمراء إجراءات لا هوادة فيها لإحلال الأمن في الطرق وحماية التجارة الداخلية من النهب وحماية الملكية . وخط المؤرخ البصري ابن سنة حتى ضمان الأمن والسلامة في الطرق يكادقد يكون واحدا من الوصايا الأساسية للوهابيين . ويقول ابن بشر عن عبدالعزيز (كان رحمه الله تعالى رافقا بالرعية شديدا على من جنى جناية من الأعراب أوبتر سبيلا أوسرق شيئا من مسافر بحيث من عمل شيئا من ذلك أخذ ماله نكالا أوبعض ماله أوشيءا منه على حسب جنايته وأدبه غير ذلك أدبا بليغا ...) .

واستحدث أمراء الدرعية نظام المسئولية المشهجرة للقبائل عن الأمن في أراضيها . كما ألغي الوهابيون الرسوم التي كانت تتقاضاها القبائل لقاء (حماية) و(مرافقة) القوافل ولقاء مرورها في أراضيها . فالتجار والرحالة ، كما يقول ابن بشر (لايخشون أحدا من جميع البوادي مما احتوت عليه هذه المملكة لا بحرب ولا سرق . وليس يؤخذ منهم شيء من الأخاوات والجوائز على لادروب التي للأعراب التي أحيوا بها سنن الجاهلية . يخرج الراكب وحده من اليمن وتهامة والحجاز والبصرة والبحرين وعمان ونقرة الشام ولا يحمل سلاحا بل سلاحه عصاه لايخشى كيد عدوولا أحد يريده بسوء ... وكانت الأقطار والرعية في زمنه (عبدالعزيز) آمنة مطمئنة في عيشة هنية . وهوحقيق بأن يلقب مهدي زمانه . لأن الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أي وقت شاء شتاء وصيفا يمينا وشمالا شرقا وغربا في نجد والحجاز واليمن وتهامة وغير ذلك لايخشى أحدا إلا الله لا سارقا ولا مكابرا) .

وقد استفاد السكان الحضر ، سكان الواحات والمدن . من استتباب الأمن والاستقرار . فقد توقفت الغارات على نخيلهم وحقوقهم . وفي ظروف الدولة المركزية ماكان بوسع البدوحتى يستحصلوا الأخاوات بالاعتماد على العنف الحربي أوالتهديد باستخدامه وتهيأت مقدمات إلغاء علاقات الأتاوة . ويصعب القول إلى أي مدى سارت مثل هذه الاتجاهات . وخط ابن بشر يقول : (وكانت جميع بلدان نجد من العارض والخرج والقصيم والوشم والجنوب وغير ذلك من النواحي في أيام الربيع يسيبون جميع مواشيهم في البراري والمفالي من الإبل والخيل الجياد والبقر والأغنام وغير ذلك ليس لها راع ولا مراع بل إذا عطشت وردت على البلدان ثم تصدر إلى مفاليها حتى ينقضي الربيع أويحتاج لها أهلها ... وربما تلقح وتلد ولا يدري أهلها إلا إذا اتىت وولدها معها ، إلا الخيل الجياد ، فإن لها من يتعامدها في مفاليها لسقيها وحدها بالحديد .

وكانت إبل أهل سدير ونجائبهم وخيلهم مسيبات أيام الربيع في الحمادة وفي أراط والعبلة ، ومعها رجل واحد يتعاهدها ويسقيها ويزور أهله ويرجع إليها وهي في مواضعها فيصلح ربطها وقيودها ثم يغيب عنها . وكذلك خيل أهل الوشم ونجائبهم . إلى غير ذلك يعملون بها . وكذلك خيل عبدالعزيز وبنيه وعشيرته في النقعة الموضع المعروف قرب بلد ضرمى ، وفي الشعيب المعروف بقرى عبيد من وادي حنيفة وليس عندها إلا من يتعاهدها لمثل ما ذكرنا . وكذلك جميع النواحي تعمل ذلك ...

وكان في الدرعية راعية إبل كثيرة وهي ضوال الإبل التي توجد ضائعة في البر والمفازات جمعا أوفرادى ، فمن وجدها من باد أوحاضر في جميع أقطار الجزيرة أتى بها إلى الدرعية خوفا حتى تعهد عندهم ... وجعل عبدالعزيز عليها رجلا ينطق له عبيد بن يعيش يحفظها ويجعل فيها رعاة ويتعاهدها بالسقى والقيام بما ينويها . فكانت تلك الإبل تتوالد وتتناسل وهي محفوظة . فكل من ضاع له شيء من الإبل من جميع البادية والحاضرة أتى إلى تلك الإبل . فإذا عهد ماله أتى بشاهدين أوشاهد ويمينه ثم يأخذه) . كان الواقع الاقتصادي للدولة الوهابية الأولى بعيدا ، طبعا ، عن الصورة الطوباوية التي رسمها ابن بشر . فقد وقع نهب في الطرق (وإلا لما عاقب أمراء الدرعية أحدا) وحدث هجوم على بساتين وحقول السكان الحضر ، وقامت انتفاضات متكررة للبدووأهل الواحات .

وقد وصف المؤرخ الحجازي أحمد بن زيني دحلان النهب في الدروب عندما بدأ الوهابيون يستولون على الحجاز تدريجيا ، وكان أمير مكة هوالشريف عبد المعين الموالي لهم . كانت إجراءات الوهابيين الرامية إلى إحلال الأمن في الطرق وإلغاء الرسوم (الجمركية) الداخلية وحماية الملكية قد هيأت إمكانيات ملائمة للتجارة داخل الجزيرة العربية . وتوفر حافز إضافي للتبادل في مجتمع الجزيرة ، وهوتبادل متطور أصلا . ولكن المقصود ، ونحن نؤكد على ذلك ، هوالتجارة الداخلية بالذات ز فإن سياسة الوهابيين في ميدان التجارة الخارجية كانت تدميرية كما سنتأكد أدناه .

وقد أثرى البعض بقدر هائل بمقاييس الجزيرة من التجارة ، وخصوصا في سنوات القحط عندما ارتفعت الأسعار بدرجة كبيرة جدا . وخط بوركهاردت يقول (في نجد كانوا يتاجرون أساسا بالمواد الغذائية – وأكد منجين هذه المعلومات أيضا – فالقبائل القادمة من أعماق البادية تشتري ماتحتاج إليه . وطالما حتى سنوات القحط تتكرر فإن الأثرياء يكدسون كميات كبيرة من الحبوب . ولم يتدخل سعود في ذلك مطلقا ، وفي سنوات شحة الأغذية كان يسمح ببيع الحبوب بالأسعار التي يحددونها هم مهما كان ذلك صعبا على الفقراء . وكان يقول حتى النبي محمد لم يمنع أبدا الحصول على أي كسب ممكن من الأموال) . وبالمناسبة فإن الوهابيين منعوا الربا طبقا لأصول فجر الإسلام .

وقد ساعد تطور التجارة داخل الجزيرة على ازدهار الدرعية عاصمة الدولة . وقد زارها ابن بشر في عهد سعود وهجر لنا وصفا للمدينة حيث خط يقول : (ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود ... وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالمضى والفضة الذي لايوجد مثله والخيل الجياد والنجايب العمانيات والملابس الفاخرة وغير ذلك من الرفاهيات ما يعجز عن عده اللسان وبكل عن حصره الجنان والبنان . ولقد نظرت إلى موسمها يوما في مكان مرتفع وهوفي الموضع المعروف بالباطن ، بين منازلها الغريبة التي فيها آل سعود المعروفة بالطريف ومنازلها الشرقية المعروفة بالبجيري التي فيها أبناء الشيخ . ورأيت موسم الرجال في جانب ... وموسم النساء في جانب وموسم اللحم في جانب ومابين ذلك من المضى والفضة والسلاح والإبل والأغنام والبيع والشراء والأخذ والإعطاء وغير ذلك وهوأعطى البصر . ولاتسمع فيه إلا كدوى النحل من النجناج وقول بعت وشريت والدكاكين على جانبيه الشرقي والغربي ، وفيها من الهدوم والسلاح والقماش ...) .

ويضيف ابن بشر (وكان قوة هذه البلد وعظم مبانيها وقوة أهلها وكثرة رجالها وأموالها لايقدر الوصف صفتها ...) فلومضىت أعد رجالها وإقبالهم فيها وأدبارهم في كتائب الخيل والنجائب العمانيات وما يدخل على أهلها من أحمال الأموال من سائر الأجناس التي لهم مع المسافرين من أهلها ومن أهل الأقطار لم يسعه كتاب ... وكان الداخل في موسمها لايفقد أحدا من أهل الآفاق من اليمن وتهامة والحجاز وعمان والبحرين وبادية لاشام ومصر وأناس من حاضرتهم إلى غير ذلك من أهل الآفاق ممن يطول عدهم هذا الداخل فيها وهذا خارج منها وهذا مستوطن فهيا .

وكانت الدور لاتباع فيها إلا نادرا وأثمانها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف والداني بألف ريال وأقل وأكثر وكل شيء بقدره على هذا التقدير . كروة الدكان الواحد في الشهر خمسة وأربعون ريالا وسائر الدكاكين الواحد بريال في اليوم وشيء نصف ريال . وذكر لي حتى القافلة من الهدم إذا أتت إليها بلغت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة اريل . وأراد رجل منهم حتى يوسع بيته ويعمره فاقتنى نخيلات تحت الحطب بلغ خمسة اريل وستة والذراع من الخشبة الغليظة بريال) .

لقد غدت الدرعية مركزا تجاريا كبيرا للجزيرة العربية . فعندما تلتقي الطرق التجارية منكافة أجزاء الجزيرة. وكانت وفرة الثروات لمنهوبة المتواردة على المدينة قد خلقت انتعاشا مفتعلا وتسببت في تجمهر أعداد غفيرة من الناس مما أدى إلى ازدياد الغلاء . ولم تكن موجودة آنذاك المقدمات الاقتصادية الضرورية لإنشاء مراكز سكنية كبرى من هذا القبيل . وتدل على ذلك الأسعار الباهظة للأخشاب والنخيل والحطب . ومع ذلك أسفرت سلامة الطرق عن تعزز الصلات الاقتصادية داخل الجزيرة بقدر ما ، وإن بصورة مؤقتة .

وأدت الإجراءات الاقتصادية والسياسية والفكرية لمركزية الدولة إلى ظواهر لم يشهدها وسط الجزيرة فيما مضى . فقد ظهر اتجاه نحوتكوين وحدة فوق القبائل . وكان ذلك أمرا مدهشا جعل المؤرخ الوهابي ابن بشر يهتف متعجبا وأن بشيء من المغالاة : (والرجل يأكل ويجلس مع قاتل أبيه وأخي كالإخوان) . وأشار ابن سند إلى حتى الوهابيين أزالوا غارات البعض إلى البعض وصار جميع البدورغم الفوارق بينهم ، من حضرموت إلى الشام إخوة وأبناء إنسان واحد . وكان بالإمكان حتى يرى المرء في بعض المناطق خيمة لعنزة وخيمة لعتيبة وخيمة لحرب وكانوا يعيشون بوئام . إلا حتى العساكر ظلت هي الأداة الرئيسية للسياسة المركزية ولرص صفوف مختلف المناطق والقبائل في إطار الدولة السعودية . وطالما حتى العساكر قوية ومظفرة ظل وجود إمارة الدرعية مكفولا .

العساكر

خط بوركهاردت يقول حتى سعود وأباه لم يحتفظا بجيش نظامي أبدا ماعدا بضع مئات من الجنود المختارين كانت لهما في الدرعية . ولكن جميع الرجال مابين الثامنة عشرة والستين كانوا يعتبرون ملزمين بالخدمة العسكرية . وكان جميع بدوي أوحضري سليم الجسم وقوي يعتبر في الواقع محاربا . عندما ينوي أمير الدرعية القيام بغزوة يبعث رسلا إلى شيوخ القبائل وبأمرهم بالحضور في يوم معين إلى منطقة بئر معين . ويقول ابن بشر (ولا يتخلف أحد عن ذلك الموعد لا حقير ولا جليل ، لا من بوادي الحجاز ولا العراق ولا الجنوب ولا غير ذلك) . وإذا تختلف أحد تفرض عليه غرامة . وكان أشخاص مختصون يبعثهم الأمير فيأخذون الغرامة بشكل مختلف الأموال والجياد والإبل ويضربون المذنبين) ... ويعذبون المجرم بأنواع العذاب ... ولايتجاسر أحد حتى يقول لهم شيءا ، أويشفع فيه بل كلهم طائعون مذعنون) . وخط المؤرخ البصري ابن سند يقول : (فإذا أراد ابن سعود قتال قرية أوقبيلة فأولا يرسل إلى القرى التي أطاعته ويطلب من جميع قرية مقدار العسكر المفروض على تلك القرية أوالقبيلة فيأتي إليه ...) . وخط الرحالة الإسباني باديا – أي ليبليخ (عندما يحتاج أمير الوهابيين إلى العساكر يخط إلى مختلف القبائل ويحدد عدد المحاربين الذين يتعين إرسالهم إليه) .

وخط منجين بهذا الخصوص : (قبيل بدء الحملة الحربية كان سعود يطلب من المناطق حتى ترسل له العدد اللازم من العسار . وكان الأمراء يصدرون الأوامر لمن هم تحت سلطتهم . وكان جميع من وجهاء المدينة والمنطقة يقود محاربيه المسلحين بنفسه إلى المكان المخصص له ويبقى رئيسا وقائدا لهم طوال فترة الحرب . وتتشكل في جميع منطقة مفارز خاصة بقيادة أميرها ، وفي جميع مفرزة محرران وإمام . وتتلخص وظيفة الإمام في أداء الصلاة في المعسكر ، وهوفي الوقت ذاته حكم في الخلافات التي يمكن حتى تنشأ) . كانت أكبر قبائل وسط الجزيرة – عنزة وقحطان ومطير – تخضع لأوامر حكام الدرعية وإن كانت تقيم بعيدا عن مسرح العمليات الحربية . سليم حتى وصف الغزوات يبين حتى القبائل القريبة فقط تشارك فيها بالقدر الكامل عادة .

وخط منجين (أن جميع محارب يحمل معه سلاحا وطعامه وذخيرته . وكانوا يقدمون للمحاربين الفقراء مساعدة في التجهيز . والأثرياء يزودون أسرة الفقير بما بحاجة إليه . ويستطيع الشخص الذي يطلب منه الأمير المشاركة في الغزوحتى يقدم شخصا آخر بدلا عنه لهذا الغرض . وهويزوده بكل مايلزم أويتعهد بمنحه جملا أوحصانا . ولم يكن الرجالة والهجانة على الجمال يستلمون أية أجور . أما الخيالة فيستلمون علقا للحصان وراتبا شهريا) .

ويقول بوركهاردت حتى قوت الجندي يتكون من 100 أوقية من الدقيق و50-60 أوقية من التمر و20 أوقية من السمن وكيس من القمح أوالشعير للبعير وقربة ماء . بديهي حتى هذه الاحتياطات أقصى ما يمكن حتى يأخذه المحارب ، وإن كميتها تختلف باختلاف مدة الغزوة . وقد أشار ابن سند إلى ذلك . فهويقول حتى ابن سعود نفسه يحدد مقدار الدواب أوالذخيرة التي يتعين على المشاركين في الغزوة حتى يأخذوه معهم . ولكنه لم يكن يحب الغزوات التي تطول أكثر من شهر ، كيلا يزود الجنود بالعتاد والأغذية بنفسه . ففي الغزوة التي لاتزيد على شهر يتزود المحاربون بما هوضروري بأنفسهم ، وإذا زادت الفترة على لاشهر فإن أمير الدرعية يقدم لهم جزءا . وإذا اتى المتطوعة سيئي التجهيز فإن الأمير الوهابي يعيدهم من حيث اتىوا . ثم يعاقب الواحات أوالقبائل التي أوفدتهم إليه بهذه الصورة . إن المؤونة الشخصية التي يتزود بها المحاربون تعفي بيت المال من الاهتمام بتغذيتهم وتزيد من استقلالية العساكر في الحملات . إلا حتى تجنيد المحاربين وتهيئة المؤونة لهم كان عبئا ثقيلا على القسم الفقير من السكان . وهم لايستطيعون ، مثل الأغنياء ، حتى يقدموا البدل عن الخدمة العسكرية ، وكانوا يضيعون الأيدي العاملة ، ولايمكن لأية معونة حتى تعوض عن فقدان المعيل . ولايعول المحاربون البسطاء الذين يشاركون في الغزوات على شيء سوى حصة في الغنائم . ولذلك فإن سكان الواحات والبدو، كما يقول بوركهاردت كانوا كثيرا مايتهربون من المشاركة في الحملات .

وبعد انقطاع خمس غنائم الحرب لصالح أمير الدرعية يقسم الباقي على المحاربين . ومن المقرر حتى الفارس ، أي ممثل الوجهاء والأعيان ، يستلم بقدر حصتي الرجالة . وفي الواقع ، على مايبدو، كان الوجهاء يستأثرون بحصة الأسد . وأشار رايمون إلى حتى الجند في عهد عبدالعزيز كانوا يتشكون من الظلم في توزيع الغنائم ، حيث يستلم قادتهم حصة الأسد . وكان يتعين على أمير الدرعية حتى يتدخل ويحق الحق . وخط بوركهاردت حتى حرس أمراء الدرعية يتكون من أفضل الجنود وعددهم 300 إنسان . وهذا لحرس هوالاحتياطي الرئيسي في سرح القتال . وهم مسلحون جميعا أفضل تسليح وينفق الأمير عليهم . ولايذكر المؤرخون النجديون شيئا عن مثل هذا الحرس . فهم يتحدثون فقط عن العبيد المسلحين . ويبدوحتى الحرس الشخصي للأمير يضم المماليك المسلحين والأحرار .

كان سعود منذ الطفولة وحتى شيخوخة يجب الغزووالجهاد . وشارك معه في الغزوات فهماء الدين من الدرعية والواحات القريبة . وكان يهجر في العاصمة أحد أبنائه خليفة له ، وهوعبدالله في أغلب الأحوال . ويقول ابن بشر حتى سعود يثير الرعب في الأعداء (فإذا سمعوا بمغزاه هرب جميع منهم وهجر أخاه وأباه وماله وما حواه) .

ويقول منجين (خلال الحملات النهارية والليلية تخصص مقدمة ومؤخرة . وتتقدم العساكر بطابور أوعدة طوابير تبعا للملابسات . وكان الأمراء دوما يقودون المحاربين الخاضعين لهم . تسير الخيالة والهجانة في مقدمة الطابور وفي مؤخرته . والوسط يخصص للمدفعية والرجالة الذين يمتطي جميع إثنان منهم جملا . وأثناء الحملات يقتات الوهابيون على التمر مع لبن الإبل ونادرا مايتناولون الخبز واللحم .

ويدخل الوهابيون المعركة بشكل كتائب . ويهجر الرجالة الجمال تحت رعاية الخدم . وعندما يقترب العدوأويتفوق تغدوالجمال بمثابة الدروع الواقية للمتحاربين . وتتكون جميع كتيبة من سكان منطقة معينة يتزعمهم أمير أووجيه قروي . صفوف المحاربين مزدوجة وعندما يتعب الصف الأول أويتكبد خسائر كبيرة يحل محله الصف الثاني . وتنقل جثث القتلى من مساحة القتال ومن العيب عدم مواراتهم التراب . وفي حالة الهزيمة تنسحب العساكر بلا ذعر ولا اضطراب . وإذا منى العدوبالهزيمة فإنا لرجالة لاتطارده . ولكن الخيالة والهجانة تطارده لمسافة معينة) .

وفي المعسكر (يعهد جميع فرد مكانه . والقائد في وسط المعسكر . والخيالة حول خيمته . وعلى مقربة من المعسكر مخافر الرجالة والخيالة . ويجري استبدال الخفراء جميع أربع وعشرين ساعة . وفي النهار الجميع ينامون ولا ينهضون إلا لأداء الصلاة خمس مرات . وفي الليل يتجاذبون أطراف الحديث ويجودون القرآن ويحكون الحكايات والقصص .

كان الانضباط متشددا عند الوهابيين . فالقائد الذي لايؤدي واجباته أوالذي يبدر منه مايثير الشكوى ينحني من منصبه . وأحيانا تفرض عليه غرامة . وتجري معاقبة الجنود المذنبين بالجلد بالعصى . وإذا اقترف الجندي جريرة كبيرة تبتر رقبته . ويعملون به الشيء ذاته إذا فر من العدو) . وفي الواحات الكبيرة والمدن (في الإحساء والقصيم ومكة والمدينة) كانت لأمراء الدرعية حاميات من النجديين الموالين لهم .

كانت عساكر الجزيرة العربية مسلحة بالسيوف والحراب والخناجر والرماح القصيرة للرجالة والدروع والهراوات والبنادق الحارقة والمسدسات . وكان الوهابيون يصنعون البارود بأنفسهم . وأحيانا كانوا يرتدون خوذا وأردية حماية جلدية . وكانت لدى الوجهاء قمصان من زرد . ولدى المحارب كذلك خنجر مشدود إلى حزامه وحقيبة مليئة بالخراطيش . وكان لدى البعض مسدسات . ولم تستخدم البنادق الحارقة كثيرا ، فلم تكن السلاح الرئيسي لدى العساكر . ويقول ابن بشر أنه كان لدى سعود 30 مدفعا كبيرا و30 مدفعا صغيرا . وقد تم الاستيلاء على أكثر هذه المدافع من العدوولم تستخدم تقريبا في القتال . وبلغ عدد العساكر تحت رايات أمير الدرعية 50 ألفا وكان الأوروبيون ميالين إلى المبالغة ، فيذكرون أرقاما مثل 100 ألف و120 ألفا وحتى 200 ألف . لم يكن للوهابيين نظير في شبه الجزيرة ، ولكن ذلك لايعني أنهم كانوا منتصرين دوما .

مقدمات تحلل وسقوط الدولة السعودية الأولى . اتضح حتى مهمة إخضاع شبه جزيرة العرب كلها كبيرة على أمراء الدرعية . فإن أراضي الجزيرة الشاسعة وسوء طرق المواصلات عبر البوادي القاحلة والجبال الوعرة جعلت المناطق منعزلة عن بعضها البعض وخلقت الصعوبات أمام الغزوات وتموين العساكر . ولم تكن الطاقات والعساكر كافية لأمراء الدرعية كي يخضعوا المناطق الجبلية في اليمن وحتى في الحجاز وساحل مسقط وحضرموت ، وكي يثبتوا مواقعهم في تهامة ونجران . وكان ذلك يشكل تهديدا متواصلا ومصدرا للاضطراب في أطراف الدولة وأرغم الوهابيين على تبديد قواهم وأموالهم على العمليات الحربية التي لم تنته دوما بالعقوبة المثلى (للمشركين) وبثواب (الموحدين) بغنائم وفيرة . ولم تكن العساكر الوهابية خارج شبه الجزيرة العربية وفي المناطق الصحراوية بقادرة على خوض معارك كبيرة ناجحة . فبعد غزوكربلاء ، كما أسلفنا ، لم تقع في أيدي الوهابيين أية مدينة محصنة وإن كانت صغيرة في الشام أوالعراق . كانت عساكر السعوديين تحجم أمام المدن المحصنة والمحمية ببسالة وبفهم في الفن العسكري .

كانت حماسة الوهابيين في الهجوم تتسم بطابع حروب الغزوفي القرون الوسطى . ومن الصعب التكهن بمصير دولتهم لوكانت قد ظهرت قبل القرن التاسع عشر بعدة قرون . بيد حتى سير التطور التاريخي لايعترف بأية افتراضات . فعندما تجاوز الوهابيون إطار الجزيرة العربية التي كان مستواها هومستوى القرون الوسطى اصدموا بالقوات الأكثر تطورا للإمبراطورية العثمانية والتي سبقتهم من حيث التطور بعدة قرون . في تلك الأثناء كانت بعض ولايات الإمبراطورية العثمانية تقوم بمحاولات مستميتة ، وإن دون جدوى حتى ذلك الحين ، من أجل التحول إلى دولة عصرية . وتبنت بالدرجة الأولى التكتيك الحربي الأوروبي والتنظيم العسكري الأوروبي . ومنى الوهابيون بالهزيمة في الصدام مع جيش مدرب ومسلح على الطريقة الأوروبية .

ويكمن في وقف التوسع بحد ذاته خطر على وجود الدولة السعودية . فإن المشاركة في الغزوات الموفقة والنهب المشهجر ، كما أسلفنا ، هما الأمر الرئيسي الذي وحد وجهاء وأعيان مختلف الواحات والقبائل . وعندما تباطأ التوسع العسكري لإمارة الدرعية بعد حتى بلغ حدوده الطبيعية ، ثم توقف في الواقع فقد التوحيد كثيرا من جاذبيته بالنسبة لوجهاء الجزيرة . وتقلص ورود الثروات المنهوبة . وصار بوسع الوجهاء الإقطاعيين حتى يحصلوا على مداخيل أكثر عن طريق تطبيق سياسة مستقلة وممارسة الغزوالتقليدي .

وكانت القبائل البدوية الجبارة تشعر خصوصا بثقل نير الدولة المركزية . فالكثير من البدوالذين لمقد يكونوا يعهدون الضرائب في السابق وأبدا صاروا يسددون الزكاة الإلزامية خوفا من التنكيل الشديد ، وكثيرا ما أخذوا يتمردون . وكان البدومستعدين دوما للتخلص من نير الوهابية . ولم يكن اعترافهم بالوهابية إلا ظاهريا كما يقول بوركهاردت . وكانت غنائم الحرب تعوض بشكل ما عن تسديد الزكاة وفقدان مداخيل مختلف أنواع الأخاوات ، ولكنه في حالة توقف الغزوات الناجحة صار عبء الدولة المركزية ثقيلا لايطاق . كان الاستغلال الضرائبي والأتاوات والغرامات في بعض الحالات أثقل من مزايا السلامة والأمن والاستقرار . وعند ذاك كانت قبائل ومناطق بكاملها ترفض دفع الأتاوات . وكان سعود يقوم سنويا بعدة حملات ليس فقط على أطراف الجزيرة المتمردة أوولايات الإمبراطورية العثمانية ، بل وكذلك على القبائل والمناطق المتمردة في دولته .

وسارت داخل الدولة السعودية عملية التعمق المتزايد في فوارق الملكية والمتناقضات الطبقية . وصار وجهاء وسط الجزيرة الذين أثروا من الغزوات يبتعدون أكثر فأكثر عن بسطاء البدووالفلاحين ويتذوقون طعم الترف والفخفخة . وتعمقت الهوة بين الدعوة الوهابية الموجهة إلى الرعية وبين نمط حياة الوجهاء والأعيان . وكانت الحملات البعيدة تلهي فلاحي نجد عن الأعمال الزراعية دون تكافئهم دوما بالغنائم . وكانت من مسببات تذمر قسم من السكان الحضر ضرورة تسديد بدل الإيجار للإقطاعيين أوللدولة بالإضافة إلى الزكاة . إن تضاؤل مصلحة الوجهاء والأعيان في وجود الدولة المركزية بعد توقف التوسع ، وتذمر البدووأعيانهم من سلطة السعوديين ، وخيبة أمل الفلاحين المزارعين في أمراء الدرعية والوهابية – جميع ذلك كان مقدمات موضوعية ، خارجة عن إرادة الأمراء ، لتحلل الدولة المركزية في الجزيرة العربية . كانت تلك المقدمات موجودة بشكلها لاكامن ، ولكنها لم تظهر إلا بعد فترة زمنية طويلة نسبيا . إلا حتى بعض الإجراءات السياسية والاقتصادية التي فرضها التعصب الضيق على أمراء الدرعية قد أدت إلى تفاقم الصعوبات أمام الدولة وعجلت في تحللها .

وكان تعصب الوهابيين الشديد قد حملهم على بتر العلاقات التجارية مع (المشركين) أي مع غير الوهابيين . وحتى عام 1810 ظلت التجارة مع الشام والعراق محرمة . وكانوا إذا وجدوا تاجرا في طريق يؤدي إلى (المشركين) صادروا بضاعته كلها . ومن السهل تصور الضربة الفظيعة التي تتلقاها الحياة الاقتصادية في بعض المناطق في حالة التطبيق الحرفي للأوامر المتعصبة .

بيد حتى الحاجات الاقتصادية كانت أقوى من القرارات المتهورة والتعصب الأعمى . فقد تقلصت تجارة الجزيرة مع (المشركين) ولكنها ظلت مستمرة . وفي فترة تأزما لعلاقات مع مصر والعراق والشام لم تتوقف تجارة لاقمح . وكان الوهابيون أنفسهم يبيعون في اهند المجوهرات المنهوبة . إذا أمراء الدرعية عندما قاموا بمحاولة فاشلة لإقامة (الحصار الذاتي) على الجزيرة وعجزوا عن الاستغناء عن التجارة مع (المشركين) قد أساءوا إلى سمعتهم هم .

وكانت سياسة الوهابيين تدميرية خصوصا بالنسبة للحجاز . وكانت الضربة الأشد قد نجمت عن منع وصول أغلبية الحجاج من الإمبراطورية العثمانية . ولم يعد البدويستلمون بدل مرور القوافل عبر أراضيهم ولا أجور دواب الحمل . وفقد عدد غفير من المتسولين المحترفين والأدلاء وسدنة العتبات المقدسة مداخيلهم .ولم تعد هدايا السلطان السنوية تصل إلى الحرمين . وبنتيجة ذلك ، كما يقول الجبرتي ، لم يعد سكان مكة والمدينة يستلمون ما يعيشون عليه : الصدقات والأغذية والنقود . فأخذوا نساءهم وأطفالهم وهجروا ديارهم ولم يبق هناك إلا الذين لمقد يكونوا يعتمدون على تلك المصادر للعيش . وتوجه أولئك الناس إلى مصر والشام وسافر قسم منهم إلى الاستانة .

وعندما اجتاحت المجاعة بسبب الجفاف المرعب الجزيرة العربية طوال خمس أوست سنوات كانت الأغذية تصل إلى الحجاز مع ذلك من بلدان أخرى . بيد حتى عمليات الوساطة أوالسمسرة وبيع البضائع من قبل الحجاج هي الأنواع الرئيسية للتجارة في الحجاز . وهي بالذات التي تضررت أكثر من غيرها . وتقلص مرور البضائع عبر جدة بسبب التقلص الشديد في عدد الحجاج الذين كان كثير من البضائع يجلب من أجلهم ، في حين حتى تجار البن والأقمشة الهندية لم يجروا على الظهور في المرفأ ، لأنهم يعاملون معاملة (المشركين) . وأصاب الكساد التجارة مع مصر . وتجلى الأثر السلبي لذلك كله ليس فقط عند التجار الأثرياء بل وكذلك بسطاء الناس في جدة ومكة ومدن أخرى ، لأنهم هم أيضا مرتبطون بالتجارة . وأصاب الإفلاس كثيرين منهم ، وخلت جدة من أهلها . وألغى أمراء الدرعية مختلف الأتاوات الجائرة وحاولوا دون الابتزاز من جانب شريف مكة أوآغا المدينة المنورة . ولكنهم فرضوا الزكاة الإلزامية في المناطق غير الخاضعة للشريف مباشرة . ويمكن حتى نتصور مشاعر البدوأوسكان المدينة المنورة الذين فقدوا مداخيلهم من الحج وصاروا مضطرين على تسديد الزكاة .

لقد هجرت لشريف مكة مداخيله ، ولكنها تقلصت كثيرا بسبب تقلص توارد الحجاج وركود التجارة ومنع استحصال الرسوم من التجار الوهابيين ، ناهيك عن الأثر الذي هجره فيه فقدان الاستقلال السياسي . ولم تكن المشاركة في الغزوات لتبشر سكان الحجاز عموما بخير ، فقد تعودوا الحصول على مسببات العيش بأساليب أسهل . ويكفي القول حتى سكان المدينة المنورة الذين كانوا يمتلكون جيادا قد باعوها فورا لتفادي الاستنادىء للخدمة في عساكر الوهابيين .

وكانت العادات الصارمة (النقية) التي استحدثت في مكة تتعارض مع عادات ومفاهيم سكانها . إذا الانتماء إلى الحرم الشريف قد ولد لدى سكان مكة شعورا بالتفوق على سائر المسلمين ، الأمر الذي قدم لهم تبريرات جاهزة للتسيب . وكانت الأنظمة الجديدة تحظى بتأييد فهماء الدين الأتقياء والمؤمنين الصادقين ، ولكنها كانت ثقيلة على أغلبية السكان . وكان ثقيلا أيضا الشعور بالإهانة بسبب الخضوع للنجديين لأول مرة بعد قرون عديدة .

إن جميع هذه العوامل الاقتصادية والسياسية والسيكولوجية قد أثارت في الحجاز جوالعداء والحقد على الوهابيين الذين كانت مكانتهم وسلطتهم تستندان إلى القوة العسكرية فقط . وكان بوسع أي دافع خارجي قوي أني يزدي إلى بدء عملية تحلل الدولة السعودية الأولى ، في حين حتى التناقضات التي كانت تفتتها من الداخل ببطء قد اكتسبت طابعا تدميريا .


دحر الوهابيين على أيدي المصريين (1811-1818)

مقدمات لتوسع الحملة المصرية على لجزيرة العربية كان الوهابيين لمكة والمدينة المنورة قد ألحق ضررا هائلا بسمعة السلطان العثماني سليم الثالث . فإن خليفة المسلمين وسادن الحرمين الشريفين لم يكن قادرا على تأمين الحج لرعيته ويعتبر واحد من أركان الإسلام الخمسة . وبعد الإطاحة بالسلطان سليم الثالث حاول السلطان الجديد الذي كان في السابق لعبة في أيدي الانكشارية إعادة الحجاز مهما جميع الثمن إلى حظيرة الإمبراطورية العثمانية . واتضح أنه لا أمل في محاولات دفع والي بغداد ووالي دمشق إلى العمليات النشيطة ضد الوهابيين .

وكانت الإمكانية الواقعية الوحيدة لدحر إمارة الدرعية هي استخدام قوات والي مصر الذي أخذ يتقوى . وعندما ترسخت أقدام محمد علي في مصر وصار واليا للقاهرة في عام 1805 كلفه الباب العالي بمهمة استعادة الحرمين من الوهابيين . كان الوالي الجديد مشغولا بتعزيز سلطته ومكافحة منافسيه والمماليك والدفاع عن مصر دون الإنجليز ومهتما بالإصلاحات الداخلية فلم تكن لديه طوال عدة سنين قوي كافية لمعالجة شئون الجزيرة العربية . ولكنه اعتبارا من نهاية عام 1809 أخذ يبدي اهتماما جديا بالتحضير للحملة . ولم تكن رغبة الباب العالي السبب الرئيسي الوحيد الذي دفع حاكم مصر المستقل في الواقع للقيام بحملة طويلة الأمد وباهظة التكاليف على الجزيرة العربية . كان محمد علي يأمل من وراء تحرير الحرمين الشريفين بتقوية سمعته في الإمبراطورية العثمانية كلها وبكسب شعبية كبيرة . وكانت خطط والي القاهرة ، مثل خطط علي بك في حينه ، تستهدف السيطرة على تجارة السلع الهندية والبن اليمني التي تمر عبر جدة ، ثم الاستيلاء على اليمن نفسه . وكان محمد علي ينوي كذلك ، من وراء الشعارات النبيلة لتحرير مكة والمدينة المنورة ، إخراج الجنود الذين نصبوه على دست الحكم في مصر ولكنهم تحولوا إلى قوة خطيرة للغاية وصاروا يقيدون أعماله . وأخيرا فإن الباب العالي قد وعد ، على مايبدو، في مباحثات غير معتمدة بتسليم ولاية دمشق إلى أحد أبناء محمد علي حالما يتم تحرير مكة والمدينة . كان بضع مئات من العمال يمارسون بناء السفن في السويس ، وحتى آذار (مارس) 1810 كانتهناك تقريبا عشرون سفينة جاهزة .

ثم بنيت عدة سفن أخرى . وحول المصريون أحد مرافئ البحر الأحمر إلى قاعدة رئيسية لتموين الحملة وعززوا القلاع في القسم الشمالي من طريق قوافل الحجاج من مصر إلى الحجاز حيث أوفدوا إليها حاميات من الجنود المغاربة المرتزقة ، ووزعوا الهدايا على القبائل البدوية . وفي الأول من آذار (مارس) 1811 فتك والي مصر بالمماليك في قلعة القاهرة ، ثم استمر قتلهم في المدينة كلها . تمت تصفية منافسي محمد علي الخطرين في الوجه البحري .

وكانت الحرب في أوروبا قد أزالت مؤقتا خطر اقتحام دولة الدول الأوروبية لمصر وساعدت على القيام بالحملة على الجزيرة العربية . وعين لقيادة الحملة طوسون ابن محمد علي وهوفتى شجاع كان لايزال آنذاك في السادسة عشرة أوالثامنة عشرة من العمر . وبغية الحصول على تأييد شريف مكة غالب بدأ محمد علي مراسلات سرية معه . ووعده الشريف بالتأييد . وكانت المعلومات التي حصل عليها رجال محمد علي تبعث على الارتياح . فإن سكان الحجاز يكنون العداء للوهابيين وكأنما كانوا ينتظرون (الأتراك) كمخلصين لهم . (في بادئ الأمر ولج محمد علي الجزيرة العربية وكأنما نزولا عند إرادة السلطان العثماني ، ولذا استقبل السكان جيشه بوصفه جيشا لهجريا) . وكانت مثل هذه المعلومات تتوارد على حاكم مصر من مصادر أخرى أيضا ، فقرر حتى الوقت قد حان .

هزيمة طوسون في وادي الصفراء

في أواخر العقد الأول من القرن التاسع عشر لوحظ ضعف العمليات الهجومية لإمارة الدرعية . فبعد تدمير كربلاء والاستيلاء على الحجاز لم يحقق الوهابيون فوزت كبيرة . فقد ألحق الإنجليز المتحالفون مع أهل مسقط عدة هزائم شديدة بالوهابيين في البر والبحر ومكنوا البحرين من الخروج على الدرعية . وقامت في عمان تمردات متواصلة على الوهابيين . وادي الجفاف والقحط في الجزيرة العربية لسنوات عديدة وحتى عام 1809 إلى أضعاف تحرك الدولة السعودية . ومما زاد في الطين بلة وباء الكوليرا الذي تفشى آنذاك . ففي الدرعية وحدها كان يموت يوميا عشرات الأشخاص . وكانت الخلافات في الأسرة الحاكمة تفتت سلطة السعوديين من الداخل . إلا حتى الدول السعودية احتفظت ببعض جوانبها القوية . فإن تعصب الوهابيين القتالى لم يستنفد بعد . وكان أمراء الدرعية لا يزالون قادرين على الاعتماد على مفارز صلبة من جاء نجد وبعض القبائل البدوية . ثم إذا الطبيعة الصعبة في الجزيرة أخيرا كانت إلى جانب الوهابيين في الكفاح ضد العدوالخارجي .

كان الجيش المصري المكون من المرتزقة الأتراك والألبان والمغربة مسلحا بصورة جيدة ، ولديه مدفعية . وكانت لدى الكثير من قادته خبرة الحروب ضد الفرنسيين والإنجليز وكانوا مطلعين على التكتيك الحربي الأوروبي . بيد حتى الانضباط والمعنويات عند الجيش لم تكن عالية آنذاك . وفي آب (أغسطس) 1811 أوفد قسم من القوات المصرية إلى الحجاز بحرا للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال ، بينما توجهت الخيالة بحرا للاستيلاء على ينبع بواسطة الإنزال ، بينما توجهت الخيالة بقيادة طوسون إلى هناك برا ز ويقول بوركهاردت أنه أوفد عن طريق البحر 1500 جندي ، بينما وصل مع طوسون 800 فارس (يذكر عبدالرحيم أ. عبدالرحيم ، استنادا إلى الأرشيفات المصرية ، إذا عدد الذين اتىوا معه ثلاثة آلاف ، بمن فيهم البدو) .

ووصل مع طوسون واحد من أفضل القادة العسكريين عند محمد علي وهوأحمد الملقب بونابرت ، وكان بمثابة مستشار عسكري عنده ، وكان هوالقائد العملي . وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته احتلت قوات الإنزال البحري المصرية مدينة ينبع ، ولم تكن فيها قوات وهابية ، بل كان هناك حامية صغيرة خاضعة لشريف مكة ولم تبد في الواقع أية مقاومة . ونهب الجنود جميع ماكان في ينبع (من الودائع والأموال والأقمشة والبن وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر وأخذوهن أسرى ويبيعونهن على بعضهم البعض) . ومن المستبعد حتى يحظى سلوك الجنود هذا باستحسان السكان . بيد حتى المهمة الرئيسية للفترة الأولى من الحملة قد نفذت فقد تم الاستيلاء على رأس جسر هام لمواصلة العمليات ضد الوهابيين .

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) وصل طوسون وخيالته إلى ينبع . ويقول ابن بشر حتى أكثر من 14 ألف إنسان تحشدوا في ينبع . وحتى لوأخذنا بنظر الاعتبار حتى بوركهاردت حاول التقليل بعض الشيء من تعداد القوات المصرية فإن عدم تطابق أرقامه مع أرقام المؤرخ النجدي يثير الدهشة . ويبدوحتى حاميات أخرى أوفدها محمد علي سابقا إلى القلاع على طريق القوافل قد التحقت بقوات طوسون في مسيرتها بالإضافة إلى بعض البدو.

ظل طوسون عدة أسابيع في ينبع ، وبعد حتى وصلته إمدادات من مصر سار بقواته نحوالمدينة المنورة . كان سعود مطلعا على استعدادات محمد علي الحربية ، فقد أطلعه مخبروه في القاهرة على أنبائها . ويبدوحتى ذلك هوسبب اهتمامه المتواصل بتعزيز المدينة المنورة . وعندما احتل طوسون ينبع عبأ سعود أفضل قواته وأوفدها إلى الحجاز بقيادة ابنه عبدالله . وشغل 18 ألفا من الوهابيين ، بمن فيهم 600 من الخيالة ، مواقعهم عند وادي الصفراء على منتصف الطريق بين ينبع والمدينة . ونشبت المعارك الحاسمة في كانون الأول (ديسمبر) . كان جيش طوسون يلاحق قبيلة حرب التي لم يقم معها علاقات ودية فدخل في ممر جبلي ضيق قرب وادي الصفراء وتعرض لضربات قوات الوهابيين المختارة التي لم يكن لطوسون أي فهم بوصولها . وفر الجيش المصري البالغ تعدادهثمانية آلاف إنسان . ولم تنقذ الموقف بسالة طوسون شخصيا . فقد دمرت قواته تدميرا وفقدت نصف أقرادها . ولم ينقذ المصريين من الهلاك عن بكرة أبيهم إلا انشغال الوهابيين بنهب المعسكر الذي هجروه ، فعادت إلى ينبع بقية ضئيلة من قوات طوسون إلا حتى الوهابيين لم يهاجموا هذه المدينة . فظل المصريون يحتفظون بأهم رأس جسر .

ووصف الجبرتي سلوك جنود طوسون حالما لاحت أولى علامات الهزيمة : (فما يشعر السفلانيون إلا العساكر الذين في الأعالي هابطون منهزمون فانهزموا جميعا وولوا الأدبار وطلبوا جميعا الفرار وهجروا خيامهم وأحلامهم وأثنطقهم وطفقوا ينهبون ويخطفون ما خف عليهم من أمتعة رؤسائهم فكان القوي منهم يأخذ متاع رفيقه الضعيف ويأخذ دابته ويركبها وربما قتله وأخذ دابته وساروا طالبين الوصول إلى السفائن بساحل البريك لأنهم كانوا أعدوا عدة مراكب بساحل البريك من باب الاحتياط وسقط في قلوبهم الرعب واعتقدوا حتى القوم في أثرهم والحال أنه لم يتبعهم أحد لأنهم لا يمضىون خلف المدبر ولوتبعوهم مابقى منهم إنسان واحد فكانوا يصرخون على القطائر فتأتي إليهم القطيرة وهي لاتسع إلا القليل فيتكاثرون ويتزاحمون على النزول فيها فيصعد منهم الجماعة يمنعون البواقي من إخوانهم فإن لم يمتنعوا مانعوهم بالبنادق والرصاص ...) .

كان الجبرتي من الأزهريين المعارضين لمحمد علي . وقد قدم توضيحاته لأسباب هزيمة القوات المصرية : (ولقد نطق لي بعض أكابرهم الذين يدعون الصلاح والتورع أين لنا بالنصر وأكثر عساكرنا على غير الملة وفيهم من لا يتدين بدين ولاينتحل ممضىا وصحبتنا صناديق المسكرات ولايسمع في عرضنا أذان ولا تقام به فريضة ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين والقوم إذا ولج الوقت أذن المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذن المؤذن وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب وتتأخر أخرى للصلاة وعسكرنا يتعجبون من ذلك لأنهم لم يسمعوا به فضلا عن رؤيته وينادون في معسكرهم هلموا إلى حرب المشركين المحلقين الذقون المستبيحين الزنا واللواط والشاربين الخمر والتاركين للصلاة والآكلين الربا القاتلين الأنفس المستحلين الحرمات) .

وبالإضافة إلى الأسباب العسكرية الصرف – عنصر المباغتة عند الوهابيين وسوء المسقط عند القوات المصرية ، ومعنويات الوهابيين الي كانت لاتزال مرتفعة ، وتدهور معنويات جنود طوسون – لعب دورا كبيرا عجزه في تلك الفترة عن إقامة علاقات ودية مع القبائل البدوية المحلية . فإن قوات طوسون مرت بمناطق كان سكانها حلفاء للوهابيين ولم يقرروا بعد مهاجمتهم .

احتلال الحجاز

كان تسليم الأوضاع قد تطلب استمالة شيوخ البدوالمحليين . وتطلب ذلك أموالا . وسرعان ماوصلت تلك الأموال من مصر . خط قنصل روسيا في مصر ش. روسيتي : يقول ( إذا استمرار تصدير الأطعمة من هنا (من الاسكندرية) إلى مالطة وأسبانيا يقدم له (لمحمد علي) وسيلة لسد العجز في خزينته ويمكنه من أنفاق الأموال اللازمة على استئناف تحصين هذه المدينة ... وعلى الاستعدادات الهامة للحملة على عبدالوهاب . والحال تصل من هجريا إلى الاسكندرية بلا انقطاع قوات جديدة يرسلها هوبفصائل صغيرة إلى ينبع عن طريق السويس . وينطق حتى عبدالوهاب يتخذ من جانبه إجراءات نشيطة للقاءة هذه الحملة الجديدة . ويوجد خلاف شديد بين عبدالوهاب المذكور وشريف مكة ...) . وخط ش. روسيتي كذلك عن الإشاعات الدائرة عن الاستعداد للحرب بين فرنسا وروسيا . وكان ذلك قد ساعد والي القاهرة في العمل دون حتى يعبأ كثيرا بالدول الأوروبية .

ووصلت إلى ينبع إمدادات جديدة ومعدات حربية ، واجتذب طوسون بالهدايا الكبيرة شيوخ قبائل جهينة وحرب وكثيرا من الحضر . وخصص راتب شهري لكل شيخ من شيوخ القبائل . كان التذمر من الوهابيين في الحجاز قد تحول من زمان إلى حقد ، ولذلك أخذت سياسة طوسوهذه تعود بثمارها . وفي خريف 1812 توجه طوسون على رأس قوات كبيرة نحوالمدينة المنورة واقترب منها في تشرين الأول (أكتوبر) دون حتى يقابل مقاومة في الطريق . وكانت حامية من الوهابيين بسبعة آلاف إنسان تدافع عن المدينة . إلا حتى السقم ، كما يقول ابن بشر ، أصاب قسما كبيرا من الجند . ولم يكن سكان المدينة راغبين كثيرا في القتال إلى جانب الوهابيين .

وأخذ طوسون يقصف المدينة بالمدفعية ففتحت الإنفجارات ثغرات في أسوارها . واستسلمت المدينة المنورة . والتجأت حامية الوهابيين إلى قلعة المدينة ، ولكن الجوع أرغمها على هجر القلعة بعد ثلاثة أسابيع ، في تشرين الثاني (نوفمبر) . ووعد طوسون بالسماح بجلاء بقايا الحامية الوهابية بشروط مشرفة . ويقول منجين حتى جنود طوسون تصرفوا تصرفا نبيلا ، إلا حتى بوركهاردت المطلع عن كثب على سير الحملة يقول حتى هؤلاء الجنود قتلوا ونهبوا في الطريق أغلبية الوهابيين . وأوفدت إلى القاهرة أربعة آلاف أذن اقتطعت من الوهابيين وأعدت لإرسالها إلى الاستانة . وانتقل آغا المدينة المنورة حسن إلى صف المصريين ولكنه اعتقل ونفى إلى الاستانة حيث أعدم . وعين حاكما للمدينة بدلا عنه توماس قيس وهواسكتلندي أسر في مصر واعتنق الإسلام .

ولعب الشريف غالب على حبلين . فقد كان مسرورا لهزيمة الوهابيين وكان يأمل في التخلص من ظلمهم بمساعدة المصريين . إلا انه لم يكن راغبا في تقوى مواقع والي القاهرة في الحجاز لدرجة كبيرة . وكان أفضل مايناسب غالب هواستنزاف القوات المصرية وقوات الوهابيين وعودة السلطة العملية في الحجاز إليه . وها هويقسم الولاء من حديث لسعود الذي أدى فريضة الحج آخر مرة في نهاية عام 1812 ، ويستعد لتسليم مكة وجدة إلى قوات والي القاهرة . وفي تلك الفترة كان معسكر قوات عبدالله يرابط ليس بعيدا عن مكة . إلا حتى مصنفات ابن بشر والمصادر الأخرى لاتشير إلى قيام الوهابيين باستعدادات ما لعمليات حربية . ولم تكن سلبية سعود وابنه تعني بأنهما لم يفهما مدى الخطر الذي يتهددهما . ولايمكن حتى يفسر سكوتهما إلا بالحالة الداخلية للدولة الوهابية وعدم الاستقرار في المؤخرة وعدم أمانة البدو.

وفي كانون الثاني (يناير) 1813 احتل فصيل مصري غير كبير مدينة جدة بلا قتال . وخوفا من تلقي ضربة غادرة من غالب سحب عبدالله الحامية الوهابية من مكة وانسحب بجيشه كله إلى الخرمة . وفر عثمان المضايفي وعائلته من الطائف . وسقطت مكة ، والطائف بعد بضعة أيام ، وسقطتا في يد طوسون بلا قتال . وأعرب غالب ، وعلى أثره قبائل الحجاز البدوية ، الولاء للأسياد الجدد . وانتزع المصريون الحجاز من الوهابيين بدون جهود حربية كبيرة رغم هزيمتهم الفادحة ولعب الدور الحاسم في فوزهم عداء الحجازيين لأمير الدرعية وللوهابية وكذلك المضى المصري الذي وزع بسخاء على وجهاء وأعيان البدووعلى البدوأنفسهم ، وأخيرا انتنطق شريف مكة إلى جانب والي القاهرة .

وبمناسبة احتلال المدينتين المقدستين أقيمت في القاهرة احتفالات صاخبة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية . وتوجه رسول من محمد علي إلى الاستانة يحمل مفاتيح مكة والمدينة المنورة وجدة . وخطت السفارة الروسية من الاستانة تقول : ( جاء جميع أعضاء الحكومة العثمانية لاستلام المفاتيح في مسجد أيوب ، ومن هناك نقلت إلى السلطان في السراي . وفي ذلك اليوم دوت ثلاث مرات صليات المدفعية من جميع بطاريات المدينة والأسطول ومضيق البحر الأسود احتفالا بهذا الحادث . واستمرت الاحتفالات سبعة أيام) . وعين السلطان العثماني طوسون واليا لجدة ، واستلم محمد علي والشريف غالب هدايا ثمينة من السلطان .

ولم تعد الشهور التالية على المصريين بما يفرحهم . ففي ربيع وصيف 1813 قام الوهابيون بغزوتين موفقتين على الحجاز . وظهر سعود بنفسه قرب المدينة المنورة مع أنه لم يتمكن من احتلالها . وهجم أهالي عسير الذين ظلوا موالين للوهابيين على الفصائل المصرية قرب أسوار مكة وجدة تقريبا .

وفقد جيش الاحتلال المصري بسبب الإرهاق والحر والأمراض المتواصلة الناجمة عن سوء التغذية وتلوث المياه عددا من الجنود أكبر مما فقده في المعارك . ويقول منجين حتى جيش والي القاهرة فقد خلال هذه الحملةثمانية آلاف إنسان و25 ألف جمل . وكان هلاك دواب الركوب والنقل قد حرم المصريين من إمكانية المناورة والمسيرات البعيدة وإيصال العتاد والذخيرة والأغذية في الوقت اللازم . وبدأت آمال البدوفي والي مصر تخيب . وصاروا يتعاونون مع قواته على مضض .

وفي خريف 1813 ابتسم الحظ لطوسون من حديث . فقد قام القائد العسكري الوهابي عثمانا لمضايفي بغارة على الطائف ولكنه منى بالهزيمة وفر . وقبض عليه بدوعتيبة وسلموه إلى غالب . ثم أوفد إلى القاهرة ومنها إلى الاستانة حيث أعدم .

سياسة محمد في الحجاز

كان حاكم مصر يدرك بأن الوهابيين لم ينتهوا رغم احتلال الحجاز . فقرر حتى يتوجه شخصيا إلى الجزيرة العربية ويدرس الموقف هناك ، ويؤدي فريضة الحج في الوقت ذاته . وفي خريف 1813 وصل محمد علي مع بضعة آلاف من الجنود إلى جدة . واستقبله غالب ، وعاهد أحدهما الآخر بالصداقة ، وأقسما على ذلك في الكعبة . إلا حتى خلافا جديا كان يختمر بين الوالي والشريف .

كانمركز شريف مكة قويا بحيث لايسمح بالتطاول السافر على سلطته . وكان مبعث قوته وجود بضعة آلاف من العبيد المسلحين والجنود المرتزقة والحجازيين الموالين له وسيطرته على قلعة مكة . إلا حتى الوالي الداهية اعتقل غالب غدرا في أواخر عام 1813 بزعم حتى السلطان طلب ذلك وأرغم محمد علي شريف مكة تحت تهددي الموت بأن يصدر أمره إلى أبنائه ليكفوا عن المقاومة ، وبعد ذلك نفاه مع عائلته كلها إلى القاهرة . وعين محمد علي بدلا منه صنيعته يحيى بن سرور وهومن أقرباء الشريف غالب وصادر أموال الشريف من نقود وإناث وبضائع وبن وتوابل بلغت قيمتها مايعادل 250 ألف جنيه استرليني .

إلا حتى السلطان أمر بإعادة قسم من تلك الأموال إلى الشريف يتلخص في إخضاع الحجاز بصورة تامة . فقد جرد شريف مكة من السلطة والنفوذ واستبعد احتمال انتنطق غالب إلى صف الوهابيين . ووضع يده على مداخيل الشريف السابقة كلها تقريبا وساعد ذلك على تمويل الحملة الباهظة . وأخيرا حرم الباب العالي من إمكانية الاستفادة من التناقضات بينه وبين غالب .

إلا حتى النتيجة المباشرة لغدر محمد علي تجلت في غضب سكان الحجاز ، وخصوصا البدو، ولجوء الكثير من عوائل الوجهاء إلى الوهابيين خوفا من التنكيل ومشاركتها في الحرب إلى جانب الوهابيين . وكان من بين هؤلاء الشريف راجح وهوقائد عسكري شجاع . كما التجأ إلى الوهابيين جزء من حرس غالب . ومن الناحية العسكرية كان الإخفاق يلاحق محمد علي في بادئ الأمر . ففي أواخر 1812 وأوائل 1814 منيت قواته بالهزيمة في تربة والقنفذة .

وعندما استولى الإنزال البحري على مدينة القنفذة اغتال الجنود كثيرا من السكان العزل وبتروا آذانهم لإرسالها إلى الاستانة كدليل على البسالة في القتال . ونطق ج. فيناتي الذي شارك في هذا الإنزال حتى الجنود كانوا أحيانا يبترون آذان الأحياء لكي يحصلوا على المكافأة الموعودة . وتوحد السكان المحليون الغاضبون بسبب ذلك حول طامي أمير عسير الذي حاصر القنفذة وبتر عنها مياه الآبار الموجودة حولها ثم بدأ الهجوم بعد حتى استنزف قوى المحاصرين . وفر الجنود إلى السفن في هرج ومرج . وقتل الكثيرون منهم وغرق آخرون أوهلكوا في الطريق بسبب العطش .

كان محمد علي يدرك بأنه إذا لم يحقق نصرا حاسما في الجزيرة العربية فإن مكانته في مصر يفترض أن تنتزع ، ولذا بدأ باتخاذ إجراءات عاجلة لمواصلة الحملة . وفرضت ضرائب إضافية على الفلاحين المصريين ، ووصلت إلى جدة إمدادات جديدة وذخيرة وعتاد وأغذية . فصارت المدينة بمثابة مستودع رئيسي . ووصلت عدة مئات من الخيالة من بدوليبيا الموالين لمحمد علي باشا . وكانوا سندا ثمينا له لأنهم متعودون على العمليات في الظروف الصحراوية . وازدادت وسائط النقل بآلاف الجمال التي اقتنى محمد علي بعضها من الشام وجلب البدوالليبيون بعضها الآخر . واتفق محمد علي مع إمام مسقط حول إرسال السفن لنقل القوات . واتخذت خطوات لتحسين العلاقات مع السكان المحليين . وألغى محمد علي بعض الأتاوات المرهقة جدا وقلص الرسوم الجمركية في جدة . ووزع النقود على المحتاجين ورمم الكعبة وقدم الهدايا لفهماء الدين وكشف خصيصا عن روعه وتدينه . وأمر جنوده بأن لايمارسوا النهب والتنكيل وأن يدفعوا ثمن ما يأخذونه من أغذية . وتغير موقف الحجازيين من قوات محمد علي نحوالأفضل .

إلا حتى الأمر الرئيسي يتلخص في استئناف الحج . فقد استلم البدونقودا من قافلة الشام بعد حتى كانت السلطات العثمانية لاتدفع شيئا منذ عشر سنين ، وأسفر توارد عشرات الآلاف من الحجاج عن ازدهار أحوال سكان الحجاز من حديث .

وكانت وفاة إمام الدرعية سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر . فإن موهبة سعود في ربيع 1814 قد أفادت والي مصر . فإن موهبة سعود كقائد عسكري ورجل دولة معروفة للجميع . ولم يبخل ابن بشر بالحدثات في مدحه ، فرسم له صورة الحاكم المثالي التي وردت أوصافها في الكثير من الروايات الشفهية وفي الأدب العربي . ويقول المؤرخ حتى سعود كان محبوبا عند الرعية . وكان جيد الاطلاع على الكتاب والسنة بفضل تفهمه على يد محمد بن عبدالوهاب . وقد كافح في سبيل الإسلام وخاض الجهاد ببسالة . وخط وصايا للرعية أدهشت الجميع بعمق فهم الفقه ، ودلل على أفكاره بآيات من القرآن وأقوال من الحديث ومقتطفات مما خطه أشهر الفقهاء . ونادى إلى الامتناع عن المحظورات : الزنا والنميمة والافتراء والأكاذيب والربا . وكان متواضعا ورعا سخيا وكان بسيطا في معاملة المقربين إليه . كان فطينا حا الذكاء وقد حظي بإعجاب كبير وشعبية واسعة .

في فترة وفاة سعود كان الوهابيون قد فقدوا الحجاز كله وعمان والبحرين وقسما من تهامة . وتسلم ابنه عبدالله دولة انتابها الخراب . وبعد حتى قهر مقاومة المتذمرين ثبت مركزه على العرش وأخذ يستعد لمواصلة الحرب ضد جيش محمد علي . وتشير أغلبية المؤرخين إلى حتى عبدالله كان محاربا شجاعا ، ولكنه أقل من والده من حيث الدهاء السياسي والمرونة وسائر خصال رجال الدولة . وربما كان في هذا القول بعض الحق . فالتاريخ يدين المغلوبين بوصفهم غير موهوبين ، مع حتى الملابسات أقوى منهم في كثير من الأحيان .

فوز المصريين في معركة بسل وتقدمهم نحوعسير

أخذت سياسة محمد علي في الحجاز تؤتى ببعض الثمار . فقد تمكن من تحسين العلاقات مع البدو. والدليل على ذلك ما نطقه ابن بشر من حتى عبدالله هاجم مرارا القبائل البدوية الحجازية الموالية لمحمد علي . واضطر إمام الدرعية إلى القيام بحملة تنكيلية ضد بدومطير أيضا . وفي أواخر عام 1814 وبداية 1815 حشد الوهابيون في بسل، على مقربة من تربة ، جيشا بلغ 30 ألفا كما يقول ابن بشر ، و20 ألفا كما يقول بوركهاردت. وأكثر من نصفه أحضره طامي بن شعيب من عسير. وترأس تلك القوات الموحدة فيصل شقيق عبدالله . وفي كانون الثاني (يناير) 1815 نشبت معركة انتصرت فيها قوات محمد علي المتحالفة مع البدو. ودفع محمد علىستة ريالات لقاء جميع قتيل من الأعداء . واحتفل محمد علي بالنصر حيث أعدم في مكة مئات الأسرى . وبلغت خسائر الوهابيين عدة آلاف .

ثم احتلت قوات محمد علي تربة ورنية وبيشة. ووصل المصريون إلى ساحل البحر الأحمر واستولوا على القنفذة. وجرى تسليم زعيم عسير طامي بن شعيب إلى محمد علي الذي أوفده إلى مصر ثم إلى الاستانة حيث أعدم . وكان محمد علي ينصب على القبائل البدوية في جميع مكان أناسا طائعين له . وبنتيجة العمليات الحازمة التي شنها محمد علي تم دحر الوهابيين في عسير وفي المناطق الهامة من الناحية الاستراتيجية بين الحجاز ونجد وعسير . وبعد عدة أشهر عاد محمد علي إلى مصر حيث وصلته أنباء عن القلاقل . وبالإضافة إلى ذلك كان محمد علي ، بعد احتلال الحلفاء لباريس ، يخشى من إنزال حديث يقوم به الإنجليز على مصر أومن هجوم الأتراك.

دخول طوسون القصيم والصلح مع عبدالله

لم تكلل بالنجاح محاولة طوسون الأولى لدخول القصيم . فقد عاد أدراجه عندما فهم بظهور عبدالله مع قوات كبيرة . إلا حتى التذمر في القصيم من سلطة الوهابيين قد اشتد . واتصل وجهاء الرس بطوسون ووعدوه بالمساعدة إذا ولج القصيم . وتحرك طوسون بلا إبطاء مع عدد غير كبير من القوات نحومدينة الرس ودخلها . ودمر هنا قسما من التحصينات وفرض الضرائب على لاسكان ونصب معسكرا على مقربة من المدينة مؤمنا تزويد الجيش بالأغذية على حساب السكان المحليين . فلم يتمكن من تأمين المؤن من المدينة المنورة بصورة منتظمة .

وكانت قوات عبدالله مرابطة في عنيزة . وقام الوهابيون بهجمات متفرقة باتجاه الرس وكانوا يستولون على قسم من القوافل القادمة من المدينة المنورة . فقد حمل فصيل الإمدادات الذي قاده توماس قيس في كمين نصبه الوهابيون وأبيد . واستمرت العمليات الحربية سجالا طوال عدة شهور حتى صيف عام 1815 . غدت حالة طوسون عصيبة للغاية . فإن ضغط الوهابيين الشديد كان يمكن حتى يدمره . بيد حتى قوى عبدالله لم تكن كافية علىمايبدو، ثم أنه كان يخشى تمرد أهل القصيم في مؤخرته . وتم توقيع الصلح بشروط تعكس توازن القوى المترجرج هذا .

ونص الاتفاق على توقف العمليات الحربية . وهجر جيش طوسون القصيم وكف المصريون عن التدخل في شئون نجد . وتأكد ضمان حرية التجارة والحج للجميع . وأورد ابن بشر وبوركهاردت كلاهما هذه المعلومات عن الاتفاقية . إلا حتى الرحالة بوركهاردت أورد بضعة شروط أخرى من الاتفاقية : يجب حتى تخضع لعبدالله جميع القبائل المتواجدة شرقي الحناكية . ويقول بوركهاردت كذلك حتى عبدالله وافق على اعتبار نفسه من رعية السلطن العثماني . ويؤكد المؤرخ المصري المعاصر أ. عبدالرحيم هذه الحقيقة استنادا إلى وثائق من أرشيفات القاهرة .

ووصل مبعوثوعبداله مع طوسون إلى القاهرة خريف عام 1815 . وبعد انسحاب طوسون أخذ عبدالله ينحي أمراء القصيم الذين تعاونوا مباشرة مع طوسون ، وبدأ كذلك عمليات تأديبية ضد بدوحرب ومطير الذين خانوا العهد . وإلى الجنوب من ذلك ، في مناطق بيشة وتربة ورينة التي كانت ، باعتقاد بوركهاردت ، مستثناة من الاتفاقية بين عبدالله وطوسون ، استمرت الصدامات بين الوهابيين والقوات المصرية . وأثارت أعمال عبدالله التذمر في القصيم ، ناهيك عن البدو، فأوفدت شكاوي إلى محمد علي . في المراسلات التي جرت بين عبدالله وبين محمد علي وابنه وردت إشارات متكررة إلى خرق الوهابيين لشروط الاتفاقية .

ارتفعت منزلة محمد علي في الإمبراطورية العثمانية بفرض سيطرة مصر على الحجاز . وأخذ محمد علي يطالب الباب العالي بتسليمه الشام على سبيل المكافأة عن الفوزات في الحجاز . ولذا أصبحت أكثر إلحاحا بالنسبة له مهمة تثبيت أقدامه في الحجاز وفي الجزيرة العربية عموما بتفويض الدولة السعودية الأولى نهائية .

احتلال نجد من قبل إبراهيم باشا

عين إبراهيم الإبن الأكبر لمحمد علي لقيادة الحملة هذه المرة . وظلت معروفة إحدى الطرائف التي قيلت بمناسبة تعيين إبراهيم قائدا للحملة الجديدة . ينطق حتى محمد علي جمع قواده العسكريين في القاهرة قبيل بدء الحملة ليناقش معهم خطة العمليات . ثم أشار محمد علي إلى تفاحة موجودة وسط سجادة كبيرة مفروشة في القاعة . ونطق : من يحضر هذه التفاحة ويسلمها لي دون حتى يمس السجادة برجليه سيقود القوات . انبطح المقربون إلى الوالي على الأرضية ولكنهم لم يبلغوا التفاحة . وعند ذاك اقترب إبنه إبراهيم ، وهوقصير القامة ، من السجادة فطواها وبلغ التفاحة وسلمها إلى أبيه . إلى غير ذلك لمح لأبيه كما ينطق ، حتى القوات المصرية تحت قيادة يفترض أن تطوى (سجادة) بوادي الجزيرة في البداية بتأمين المواصلات والعلاقات الطيبة مع السكان المحليين .

كانت مثل هذه المبادئ بالعمل أساسا للسياسة المصرية في الجزيرة العربية أثناء حملة إبراهيم . فقد كان يفهم جيدا حتى التوغل في أعماق الجزيرة محال بدون مساعدة البدو، ولذا سعى إلى اجتذابهم . ولهذا الغرض ألغى إبراهيم الزكاة الوهابية على البدو، وراح يدفع المال نقدا لقاء جميع الخدمات . إلا حتى فلاحي مصر هم الذين دفعوا ثمن فوزات إبراهيم .

كان إبراهيم عارفا بمدى العداء الذي خلفته تصرفات وتعسف جنوده المتباينين في الحجاز ، ولذا حاول حتى يهجر انطباعا طيبا عند الأعراب بورعه وتقواه ونبله وإيفائه بالوعد . وقد بتر بكل حزم دابر أية أعمال للعنف ضد السكان المحليين إلى حتى تم تدمير الدرعية .

في تلك الأثناء أصاب الضعف دولة السعوديين . وكانت القبائل البدوية الرئيسية مستعدة في أية لحظة لتقلب لها ظهر المجن . وابتعد وجهاء وأعيان واحات وسط الجزيرة عن الوهابيين بسبب التوقف التام تقريبا في مسيل الثروات المنهوبة . وكان السكان الحضر يتذمرون من الحروب المتواصلة الطويلة الأمد والأتاوات التي لاتنبتر . ولم تكن منزلة عبدالله رفيعة كمنزلة أبيه سعود . ولم يبق سندا لأمراء الدرعية في جميع مكان إلا فهماء الدين الوهابيون .

وماكان بوسع المصريين حتى يرسلوا إلى نجد قوات غفيرة . إلا حتى جنودهم صاروا يختلفون عن أولئك الذين قاموا بالإنزال في الحجاز قبل ست سنوات . فهم الآن يجيدون تدبير حصار القلاع وبناء الطوابي الحامية من الهجمات المباغتة واستخدام المدفعية بمهارة ليست قليلة . وكان مع إبراهيم مدربون من جيش نابليون وأطباء أوربيون . أما عساكر عبدالله فقد ظلت على غرار المتطوعة العشائرية والحضرية كما كانت سابقا . وكان الوهابيون متخلفين عن المصريين من حيث الإعداد الحربي . سليم إنهم كانوا يقاتلون في ظروف مناخية تعودوا عليها ويدافعون هذه المرة عن ديارهم ونخيلهم وحقولهم ، إلا حتى وطنيتهم النجدية لم تكن قوية ، وكانت المشاعر التي يكنونها لآل سعود آنذاك متعارضة .

ويبدوحتى عبدالله كان يدرك تعقد الموقف بالنسبة له . كان ينوي دحر المصريين في معركة مكشوفة ، وفي حالة الإخفاق كان يريد حتى يرغمهم على محاصرة واحة محصنة بعد أخرى وينسحب إلى وسط نجد . وكانت صعوبات الحملة وسط الجزيرة البعيد عن قواعد التموين لا بد حتى ترغم المصريين ، كما يعتقد على التخلي عن نيتهم في احتلال نجد .

وفي خريف 1816 وصل إبراهيم إلى المدينة المنورة مع قوات كبيرة . واتىته من مصر قوات جديدة وأغذية ومعدات . واجتذب إبراهيم القبائل في ضواحي المدينة للعمل معه وبدأ زحفه البطيء على نجد . وبعد حتى احتل الحناكية أنشأ فيها معسكرا محصنا . ونادى إليها زعماء القبائل المجاورة وقدم لهم الهدايا واستعرض جيشه أمامهم . وفي تلك الأثناء وصل من الاستانة نبأ منحه لقب باشا . وكان ذلك بمثابة مغازلة لمشاعره لا أكثر ، فهولايعني أي دعم له .

وفي تلك الأثناء كانت القبائل البدوية تبتعد عن عبدالله الواحدة تلوالأخرى . فإن زعيم مطير فيصل آل دويش ، مثلا ، اتى إلى إبراهيم وعرض عليه خدماته لقاء تعيينه فيما بعد أميرا للدرعية . ووصل عبدالله إلى القصيم وهاجم المصريين ولكنه منى بهزيمة . وقتل كثيرون من الوهابيين واقتطعت آذانهم وأوفدت إلى القاهرة .

وفي صيف 1817 اقترب إبراهيم من الرس وبدأ حصارا استمر عدة شهور . ودافع المحاصرون عن أنفسهم ببسالة . ويمكن الافتراض من ضراوة المعركة حتى عبدالله الذي يفهم الأهمية الاستراتيجية للرس قد هجر هناك أفضل ما كان متوفرا لديه .

وخلال الحصار الطويل لمدينة الرس كان عبدالله على مقربة منها دون حتى يتمكن من نجدتها بشكل فعال . ولم تتمكن من دخول المدينة عبر المعارك إلا قافلتان وهابيتان . وبلغت خسائر إبراهيم ثلاثة آلاف وخمسمائة إنسان . وأغلبهم بسبب الأمراض . فالحصار في أوج الصيف ، مما زاد في الصعوبات أمام جيش إبراهيم . ولكنه كان يتمتع بمزايا المدفعية ومختلف آلات الحصار والقيادة الماهرة . والأمر الأهم أنه استلم إمدادات . فإن عبدالله لم يتمكن من بتر طرق التموين . وكان للمضى المصري الذي وزعه إبراهيم بسخاء ولإلغاء الزكاة على البدوأثر كبير بهذا الخصوص .

وفي تشرين الأول (أكتوبر) استسلمت الرس بشروط مشرفة . والتحقت حامية الوهابيين المتبعية حاملة أسلحتها بقوات عبدالله وحسبما يقوله ج. سالبر كان مصير الرس يختلف بعض الشيء . فالمدينة لم تستسلم ، بل وعدت بالاستسلام للمصريين بعد حتى يحتلوا عنيزة . كان يقود الدفاع عن عنيزة أشخاص من أقرباء أمام الدرعية . وكانت حامية الوهابيين مزودة بالمؤن والذخيرة بصورة جيدة . ولكن المدينة احتلت بعد عدة أيام من الحصار ، واستسلمت حاميتها بشروط مشرفة . والتحق المحاربون الوهابيون حاملين السلاح بعبدالله .

ولم يحاول أمام الوهابيين إبداء المقاومة أكثر لجيش إبراهيم في سوح مكشوفة . فإن احتياطات مصر تحمي ظهر إبراهيم . وكان هجومه بطيئا ، ولكنه لا مرد له . وبعد عنيزة استسلمت بريدة ، وفي أواخر عام 1817 أعربت القصيم كلها عن خضوعها لإبراهيم . وخط إبراهيم باشا لأبيه حتى جميع سكان المنطقة يكرهون حجيلان أمير بريدة العجوز وكذلك عبدالله . في البداية انسحب عبدالله إلى شقراء حيث كان يجري على جناح السرعة بناء المنشآت الدفاعية ، وبعد ذلك انسحب إلى الدرعية .

ظل إبراهيم في بريدة حوالي الشهرين لاستلام الإمدادات . ثم تحرك نحوشقراء . وذكر منجين حتى عدد قوات إبراهيم قليل جدا – ألف جندي . ويبدوحتى هذا الرقم أقل مما في الواقع . وبعد ذلك ذكر منجين الرقم 4500 جندي دون حتى يوضح ما إذا كان البدويضمنهم أم لا . ولكن الحقيقة هي حتى إبراهيم تمكن من قهر نجد بقوات قليلة نسبيا . إلا حتى حملته على شقراء شارك فيها بدومطير وحرب وعتيبة وبني خالد . وكان أولئك من البدوالذين كانوا آخر من خضع للوهابيين وأول من قلب لهم ظهر المجن . وخط ابن بشر بمرارة يقول أنه سار مع إبراهيم كثير من زعماء القبائل ووجهاء الواحات في نجد بأمل الغنيمة والاستقلال المرتقب ، ولكن آمالهم خابت بعد سقوط الدرعية أشد خيبة . فعندما هجر إبراهيم المدن التي احتلها كان يدمر في البداية جميع التحصينات ويأخذ رهائن معه .

وفي كانون الثاني (يناير) وصل إبراهيم إلى ضواحي شقراء . وبعد القصف المدفعي بدأ اقتحام المدينة . وسقطت شقراء بعد عدة أيام . وأطلق سراح حاميتها بعد حتى جرد أفرادها من السلاح ووعدوا بأنهم لن يشاركوا في الحرب . واستولى إبراهيم على الوشم كلها . ثم احتل سدير والمجمعة بلا قتال في الواقع ، وأعربت حريملا والمحمل عن خضوعهما .

وتحرك إبراهيم من شقراء إلى ضرمى التي كان يدافع عنها محاربون أشداء من الخرج . ورغم القصف المدفعي واستخدام تكنيك الحصار لم يتمكن إبراهيم باشا من إرغام الحامية على الاستسلام . إلا حتى القوى لم تكن متعادلة . واقتحم جنود إبراهيم المدينة ونكلوا بأهلها جزءا لهم على المقاومة . وبتروا آذان القتلى ، كما هي العادة ، وأوفدوا إلى القاهرة . ونهبوا المدينة آذان القتلى ، كما هي العادة ، وأوفدوها إلى القاهرة . ونهبوا المدينة عن آخرها . وجرى ذلك شباط (فبراير) – آذار (مارس) 1818 . وبذلك فتح الطريق نحوالدرعية .

سقوط الدرعية

في نيسان (إبريل) جرى المشهد الأخير من فاجعة الدولة السعودية الأولى . فقد بدأت معركة الدرعية . ومع حتى واحات ومدن نجد سقطت الواحدة تلوالأخرى في يد الغازي المصري ، إلا أنه كان في جميع منها وهابيون راسخوالعقيدة رفضوا حتى فكرة التعايش سلميا مع (المشركين) وظلوا مخلصين حتى النهاية لآل سعود . وتقاطروا على الدرعية للمشاركة في المعركة الأخيرة . وقابلت القوات المصرية فصائل من العاصمة والواحات الأخرى في وسط الجزيرة . وقادها ثلاثة من أشقاء عبدالله ، وهم فيصل وإبراهيم وفهد . وكانت في الدرعية قوات من منفوحة بقيادة العقيد الشجاع عبدالله بن مزروع وكذلك فصائل من حريق وسدير . وكان كهول من سكان العاصمة يدافعون عن مراكز الأسناد الصغيرة . وكانت هناك مفارز تحت قيادة أبناء آل سعود وأفراد عائلة آل معمر وغيرهم من القادة البارزين . وكان تحت أمرة إبراهيم باشا حوالي ألفين من الخيالة و4300 من الجند الألبان والأتراك و1300 من الخيالة المغاربة و150 من المدفعيين ومعهم خمسة عشر مدفعا وكذلك 20 من المختصين بالبنادق و11 من المختصين بالقذائف .

كانت واحة الدرعية تمتد لعدة كيلومترات بشكل خط على طول وادي حنيفة . وتتكون المدينة نفسها والواحة من عدة هبط متلاصقة . وتطل على المنطقة قلعة الطريف ومسجدها ومختلف المباني التابعة لها . وهي محمية بصخرة جبلية عالية من جهة وبقناة من الجهة الأخرى .

بدأ إبراهيم هجومه ببطء على طول الوادي . وبعد المناوشات الأولى مع العدوهجر المترددون عبدالله وانتقلوا إلى إبراهيم وزودوه بمعلومات عن الوضع في المدينة . وكان تفوق المصريين في المدفعية قد مكنهم من تدمير تحصينات الوهابيين ، وكان المهاجمون يحمون أنفسهم من الهجمات المباغتة ببناء الطوابي على النمط الأوروبي هنا كما عملوا في السابق . ومرت لحظة خيل فيها للوهابيين أنهم سينتزعون النصر . فقد انفجر مستودع البارود الرئيسي عند إبراهيم وتوجه الوهابيون في هجوم سريع ولكنه أخفق .

كان توارد الأغذية والذخيرة والإمدادات على إبراهيم طوال الوقت قد أمن النجاح لزحفه البطيء . وكان السقمى والجرحى من قوات إبراهيم ينقلون إلى مستشفى أنشئ في شقراء . وكانوا يتماثلون إلى الشفاء هناك أحيانا ويعودون إلى صف المقاتلين . وأرغم إبراهيم الأمراء الذين التحقوا به على حتى يرسلوا إلى الدرعية محاربين يقاتلون تحت ألويته . وكان جنود جدد يحتلون مواقع الجنود القتلى من أفراد قوات إبراهيم في حين كان صفوف المدافعين عن الدرعية تتضاءل . وكان من مسببات ذلك تقصي الأغذية في الواحة . وغدت حالة الوهابيين ميئوسا منها . وتكررت حالات الفرار . وفي مطلع أيلول (سبتمبر) بدأ الهجوم العام على المدينة . واحتمى عبدالله وقسم من أقربائه في قلعة الطريف . وفيتسعة أيلول أقدم عبدالله على المفاوضات بعد حتى استوعب حتى جميع شيء قد ضاع . وتوجه إلى معسكر المصريين عمه عبدالله بن عبدالعزيز وعلي ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب وكذلك محمد بن مشاري بن معمر . وطالبهم إبراهيم باشا بالاستسلام . واتفق مبعوثوعبدالله معه على الاستسلام بشروط مشرفة لسكان واحة الدرعية الذي كانوا لايزالون يقاومون . وقاتل عبدالله ومحاربوه المرابطون فيالقلعة قتالا باسلا يومين آخرين . وأوصل إبراهيم إلى منطقة القلعة جميع مدفعيته . وفي 11 أيلول استسلم عبدالله .

وانتهت ستة أشهر من المعارك الطاحنة . وفقد السعوديون أثناء تلك المعارك زهاء عشرين من أقرباء الإمام بمن فيهم ثلاثة من إخوانه . وقدر ابن بشر الخسائر العامة للوهابيين برقم صغير يثير التساؤلات ، وهو1300 إنسان ، بينما يقول حتى خسائر إبراهيم في معركة الدرعية حواليعشرة آلاف . وأفاد إبراهيم في رسائله إلى القاهرة والاستانة بأن الوهابيين خسروا 14 ألفا من القتلى و6 آلاف من الأسرى ، ومن بين الغنائم 60 مدفعا . وبمناسبة احتلال الدرعية جرت في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) 1818 احتفالات بهيجة أطلقت فيها نيران المدافع وأجريت الألعاب النارية وكان الناس يسرحون ويمرحون . وعلى أثر ذلك أعرب السلطان عن ارتياحه العميق عندما بلغه نبأ هزيمة (أعداء الإسلام) وأعرب شاه إيران في رسالة إلى محمد علي باشا عن تنميته لدحر الوهابيين .

نقل عبدالله عن طريق القاهرة إلى الاستانة بصحبة إثنين من المقربين إليه في مطلع كانون الأول (ديسمبر) . وأفادت السفارة الروسية من الاستانة : (في الأسبوع الماضي بترت رؤوس زعيم الوهابيين ووزيره وإمامه الذين أسروا في الدرعية ونقلوا إلى العاصمة مؤخرا . وبغية إضفاء المزيد من الفخفخة على الفوز على ألد أعداء المدينتين اللتين تعتبران مهد الإسلام أمر السلطان في هذا اليوم بعقد المجلس في القصر القديم في العاصمة . وأحضروا إلى القصر الأسرى الثلاثة مقيدين بسلاسل ثقيلة ومحاطين بجمهور من المتفرجين . وبعد المراسيم أمر السلطان بإعدامهم . بترت رقبة الزعيم أمام البوابة الرئيسية للقديسة صوفيا ، وبترت رقبة الوزير أمام مدخل اسراي وبترت رقبة الثالث في أحد الأسواق الرئيسية في العاصمة . وعرضت جثتهم ورؤوسها تحت الإبط ... وبعد ثلاثة أيام القوا بها إلى البحر . وأمر صاحب الجلالة بأداء الصلاة عمومية شكرا لله على فوز سلاح السلطان وعلى إبادة الطائفة التي خربت مكة والمدينة ونشرت الذعر في قلوب الحجاج المسلمين وعرضتهم للخطر .

الوهابية خارج الجزيرة العربية

إن تعاليم محمد بن عبدالوهاب التي بدت وكأنها ظاهرة خاصة بالجزيرة العربية وحدها قد وجدت لها بغتة أنصارا في بلدان أخرى تبعد عن الجزيرة آلاف الكيلومترات . لقد نشرها الحجاج الذين كانوا في مكة فيمطلع القرن التاسع عشر . فقد عثر شجب الوثنية ورفض عبادة الأولياء ومكافحة البدع ونشر الجهاد ضد (الكفرة) و(المشركين) والجمع بين الشعارات الطبقية والتعادلية – معتقدات وممارسات الوهابيين – تربة صالحة في بلدان ذات أنظمة اجتماعية وسياسية متباينة بعد تكيف وتعديل مناسب . ووصلت الوهابية إلى الهند وأندونيسيا وأفريقيا .

وكان لتعاليم محمد بن عبدالوهاب تأثير كبير في الهند . فقد استخدم بعض أحكامه المصلح الإسلامي والسياسي الهندي سيد أحمد بارلوي ، وهومن أتباع المفكر الإسلامي المعروف ولي الله شاه . وكان سيد أحمد بد باشر بدعوته في مطلع القرن التاسع عشر . وفي العشرينات حج إلى مكة واطلع هناك على تعاليم محمد بن عبدالوهاب وتبناها . وعندما عاد إلى الهند اتخذ من باتنا مقرا له وأخذت تتوارد عليه جموع الأنصار .

وفي عام 1824 أعرب سيد أحمد الجهاد ضد الكفار ، ثم ، في عام 1826 اجتاحت قواته البنجاب وأخذت تفتك بالسيك . وفي عام 1830 احتل الوهابيون بيشاوار وأسوسا دولة لهم حتى أنهم بدأوا بسك بتر نقدية تحمل اسم أحمد . ولكن إمام الوهابيين اغتال في العام التالي . ونشط أتباعه أعمالهم في المناطق الإسلامية من الهند ، وخصوصا في الشمال وفي البنغال الشرقية وأعربوا الجهاد ضد المستعمرين الإنجليز .

وخط مؤلف إنجليزي بمرارة في القرن التاسع عشر (كان المبشرون المتمردون الذين وعدوا المؤمنين بالخلاص أوالجنة قد أججوا الحقد على الإنجليز والذي كان يضمره بعض المسلمين الهنود . وكانت جميع صلاة يزدونها مفعمة بهذا الحقد) . كان نضال الوهابيين ضد السيطرة البريطانية قسطا في حركة الشعب الهندي ضد الاستعمار . واستمر هذا النضال عدة عقود حيث كان يشتد تارة ويخفت تارة أخرى . ومعروف جيدا دور الوهابيين الكبير في إنتفاضة 1857-1859 الشعبية ضد المستعمرين .

وعلى الحدود الشمالية ، في سنتان ، صمد المركز الوهابي في وجه حوالي عشرين حملة من القوات الاستعمارية . ولم يندحر إلا في عام 1863 . إلا حتى نشاط الوهابيين استمر بعد ذلك . وكانت السلطات البريطانية ، كما يقول المؤرخ الإنجليزي و. هنتر ، تعتبرهم (جماعة ... تشكل ، في رأي جميع الحكومات التي حلت محل بعضها البعض ، مصدرا لخطر دائم على الإمبراطورية الهندية) .

ودفعت الوهابية بعض الحجاج الأندونيسيين الذين أموا مكة في العقد الأول من القرن التاسع عشر إلى ممارسة النشاط الإصلاحي . ففي سومطرة بدأت حركة دينية سياسية استخدمت عددا من الشعارات الوهابية . وكانت في البداية موجهة ضد السكانا لمحليين غير المسلمين ، ثم اكتسبت طابعا مناوئا للهولنديين . وطوال حوالي خمسة عشر عاما ، اعتبارا من عام 1821 ، خاض المستعمرون الهولنديون الحرب ضد وهابيي سومطرة .

ويرى بعض الباحثين حتى الوهابية مارست تأثيرا معينا على حركة عثمان دان فوديوفي غرب أفريقيا في مطلع القرن التاسع عشر والتي أدت إلى تأسيس دولة سوكوتوالشاسعة هناك ، وكذلك على السنوسيين في ليبيا . وكان سلطان مراكش مولاي سليمان (1792-1822) الذي اشتهر بثقافته وروعه وحرصه على الإسلام قد استخدم الأفكار الوهابية في مكافحة التجزئة الإقطاعية والعشائرية في البلاد . وقابل نشاط المرابطين الانفصالي بمبدأ : سلطة واحدة ودين واحد ودولة واحدة . وتقليدا للوهابيين شجب السلطان الشعائر السنوية لتكريم الأولياء وألغى مختلف الضرائب التي لاينص عليها القرآن وأخذ يرسل إلى مناق البربر قضاة مسلمين يعملون على نشر الشريعة واجتثاث العهد القبلي عند البربر . وكانت إصلاحات مولاي سليمان الوهابية تشكل خطرا على المصالح المادية للجمعيات الدينية والمرابطين وسلطتهم بل وحتى على وجودهم . فتوحدوا ، إلا القليل منهم ، ضد السياسة الوهابية للحكومة وألحقوا الهزيمة بالسلطان وأرغموه على التنازل عن العرش .


الفصل من سقوط الدرعية حتى جلاء المصريين عن الجزيرة العربية (1818-1840)

السياسة المصرية في الجزيرة العربية بعد دحر الوهابيين بعد سقوط الدرعية لم يعد للدولة السعودية الأولى وجود . وأصبح المصريون أسيادا بالتمام والكمال في أواسط الجزيرة ، وأخذوا يزيلون بالحديد والنار نفوذ آل سعود والوهابيين.

عذبوا الأمراء والعقداء والفقهاء وأطلقوا النار عليهم فرادى وجماعات وربطوهم إلى فوهات المدافع ومزقوهم بالقذائف تمزيقا . وأرغموا سليمان بن عبدالله ، حفيد محمد بن عبدالوهاب ، على الاستماع إلى أنغام الربابة قبيل الإعدام ساخرين من مشاعره الدينية . وفي مدن وواحات جبل شمر والقصيم والدلم قتلوا أفراد عوائل الوجهاء والأعيان والعقداء واستولوا على أموالهم .

وأوفدوا أفراد عوائل آل سعود وآل الشيخ ووجهاء نجد (حوالي 400 إنسان مع النساء والأطفال) للإقامة في مصر . وتمكن بعضهم من الهرب فيما بعد ، بينما ارتقى بعض قليل إلى مناصب عالية في مصر . وغدا أحد أحفاد محمد بن عبدالوهاب وهوعبدالرحمن بن عبدالله ، محاضرا للفقه الحنبلي في الأزهر . وخط الكابتن ج. سادلر (إن تاريخ حملة إبراهيم باشا عموما يكشف عن سلسلة من أبشع القساوات الوحشية التي اقترفت خلافا لأكثر الالتزامات قدسية . ففي بعض الحالات اغتنى من نهب نفس القبائل التي ساهمت بقسط في فوزاته ، وفي حالات أخرى ينتزع ثروات نفس أعدائه المغلوبين الذين تمكنوا في وقت ما من تحاشي غضبه) .

وبعث محمد علي إلى إبراهيم أمرا بإزالة عاصمة الدولة الوهابية من الوجود . وقبيل تذمير المدينة ابتز المصريون النقود من أهلها ونهبوهم دون رحمة . ولم يستلم فيصل بن وطبان آل دويش منصب أمير الدرعية ، بل طالبه المصريون بأن يسدد لهم الزكاة للسنوات الخمس التي كان مدينا بها للسعوديين . فرفض زعيم مطير تلبية هذا الطلب وارتحل إلى الفرات الأوسط .

وانتهز عدد من الأفراد عائلة آل عريعر فرصة سقوط الدولة السعودية فاستولوا على السلطة في الإحساء . إلا حتى إبراهيم باشا طردهم من شرقي الجزيرة وصادر جميع أموال آل سعود ونهب الواحات . وكانت بريطانيا التي تكره إمارة الدرعية تراقب بتذمر تعزز المصريين في الجزيرة العربية . وقامت عمارة بريطانية بإنزال في القطيف . وخط فيلبي يقول (يصعب الافتراض بأن إنزال القوات البرياطنية في القطيف في وقت احتلال المصريين للإحساء تقريبا كان يمثل شيءا غير استعراض العضلات ضد المصريين . فقط كان بسط نفوذهم على ساحل الإحساء تحديا للمواقع البريطانية في ساحل الصلح البحري مع حتى المصريين يمكن حتى يعتبروا أنفسهم ورثة لسلطة الوهابيين في هذه المنطقة) .

كان الإنجليز يريدون حتى يعهدوا نوايا المصريين في الخليج . فأوفدوا ج. سادلر للقاءة إبراهيم باشا . وكان ج. سادلر أول أوروبي اجتاز الجزيرة من شرقها إلى غربها وشاهد أنقاض الدرعية . إلا حتى إبراهيم باشا غادر نجد في أواسط عام 1819 وتوجه إلى المدينة المنورة . ولم يكن للعمليات المشهجرة التي اقتحرها عليه سادلر ضد الوهابيين أي معنى . زد على ذلك حتى مصر عموما كانت ذات جهة مناوئة للإنجليز . ورفض إبراهيم اقتراح الإنجليز بشأن التعاون وطرد سادلر من جدة خريف 1819 . وسرعان ما غادر فصيل الاحتلال البريطاني القطيف بعد حتى فقد كثيرا من جنوده بسبب الأمراض .

في أواخر عام 1819 دمر الإنجليز رأس الخيمة من حديث . ووضعت الإدارة الإنكلوهندية مايسمى (بمعاهدة الصلح العامة) التي فرضة فيما بعد على جميع حكام الساحل والبحرين . وكانتت لك في الواقع معاهدة الحماية التي أضيفت إليها بمر السنين مواد جديدة متزايدة .

وسرعان ما استوعب إبراهيم باشا حتى عائدات البلد لا تسد نفقات احتلاله . فالقوات المصرية بعيدة عن القاهرة بآلاف الكيلومترات وبعيدة عن قاعدتها الرئيسية التعبوية في الحجاز بمئات الكيلومترات . وأخذ السكان ، من بدووحضر ، يضمرون للغزاة عداءات متزايدا . ولم يكن عدد الجمال كافيا . ولا يندر حتى يستولي البدوعلى قوافل الأغذية . ويمكن تصور المجاعة التي اجتاحت نجد إذا فهمنا نه في وقت ما حتى جنود إبراهيم كانوا يقتاتون على الأعشاب . وقامت تمردات في جيش الاحتلال .

وأخيرا قرر إبراهيم حتى يجلي قسما كبيرا من قواته من نجد ومن شرق الجزيرة ، فهويعهد حتى أباه يسعى بالدرجة الأولى إلى السيطرة على حوض البحر الأحمر وليس على أواسط الجزيرة العربية . وحشد المصريون قواتهم في منطقة الرس .

وقبيل الانسحاب دمروا جميع القلاع والتحصينات الدفاعية واقتادوا الماشية وبتروا النخيل وخرجوا الحقول . وخط ج. سادلر : (كان سكان منفوحة آنذاك في حالة يرثى لها ، في حالة أسوأ مما كانت في أي زمان في الماضي منذ حتى قامت سلطة الوهابيين . فإن أسوار المدينة التي هي الحامي الرئيسي لملكيتهم قد أزيلت من سطح الأرض وأخذ الأتراك محصول الموسم ولم يكن بالإمكان هنا لا شراء القمح ولا الشعير . ولم تظل في القرى ولا فرس واحدة) .

وبعثت الخلافات القبلية والمحلية بتغاض سافر أومستتر من جانب الأسياد الجدد ، وبدأت النزاعات وأخذ البعض يغزوالبعض الآخر . وتعرضت طرق القوافل للخطر . وحتى في المدن لم يكن السكان يتجرأون على الخروج إلى لاشارع بدون سلاح . ونشأ انطباع وكان سياسة المصريين تتلخص في إغراق وسط الجزيرة في حالة الفوضى والركود والخراب وإلغاء احتمال انبعاثه . وكانت الحاميات المصرية الصغيرة لاتلعب دور العامل الإيجابي للمركزية وإحلال النظام ، بل غدت مجرد أداة للنهب والدمار . كانت الدولة السعودية تحت الأنقاض وقد قهرت عساكرها ودمرت إدارتها . وبدا وكأن قوى التشتت والتجزئة التي انطلقت من عنطقها بعد دحر الوهابيين قد مزقت التوحيد السابق شذر مذر .

ولكنه بقيت داخل مجتمع أواسط الجزيرة القوى التي تمكنت قبل نصف قرن ونيف من رص صفوفه وتأسيس إمارة الدرعية .

بعد تصفية الدولة السعودية كان مزارعونجد وتجارها وصناعها يتحسرون على العهود القديمة ، عهود الاستقرار والسلامة الشخصية وسلامة الملكية والمداخيل . وكانت حروب السعوديين الموفقة التي عادت بغنائم وفيرة قد رسمت حولهم هالة في أنظار وجهاء نجد . وراح الفقهاء الوهابيون الذين سلموا بجلودهم يدعمون الذكريات ويتغنون بأمجاد السعوديين الغابرة .

وإلى جانب النزاعات القبلية الإقطاعية كان هناك تيار لرص الصفوف وسعى إلى توحيد نجد بغية طرد المحتلين الأجابن واستئناف الظروف الملائمة للحياة الطبيعية والنشاط الاقتصادي . وبين تطور الأحداث لاحقا حتى وجود الدويلات – الواحات الصغيرةوالمتناهية في الصغر قد عفا عليه الزمن . فبعد بضع سنوات من سقوط إمارة الدرعية أسفرت الحركة الواسعة للأمة ضد الاحتلال الأجنبي عن بعث الدولة السعودية التي اختيرت الرياض هذه المرة عاصمة لها .

النزاعات القبلية الإقطاعية في ظل الاحتلال المصري

حل خليل باشا ابن اخت محمد علي محل إبراهيم باشا كحاكم للجزيرة العربية . إلا حتى خليل باشا سرعان ماتوفي وعين بدلا عنه أخوه أحمد شكري يكن بك الذي ظل في الجزيرة باسم أحمد باشا حتى عام 1829 حيث استنادىه محمد علي إلى القاهرة وعينه رئيسا لحربيته .

وفي خريف 1819 عين محمد بن مشاري بن معمر حاكما لنجد . وهومن العائلة التي حكمت العيينة في فجر الحركة الوهابية . حاول ابن معمر ترميم أنقاض الدرعية ، الأمر الذي قابله السكان بالاستحسان . وأخذ أهالي مناطق الأطراف يبعثون الوفود إليه ليعبروا عن تأييدهم . وأمنت الأمطار الوفيرة محصولا لا بأس به وساعدت ابن معمر على التخفيف من المجاعة . إلا حتى الأغذية لم تكن كافية مع ذلك . وظهر منافسون لابن معمر . فقد بعث ماجد بن عريعر ، وهومن شيوخ بن خالد ، سلطته في شرقي الجزيرة . وحكم آل عريعر تلك الأنحاء حتى عام 1830 .

وظهر على مسرح الأحداث في نجد هجري بن عبدالله بن محمد بن سعود ، وهوممثل فرع جانبي من آل سعود ، وقد فر من المصريين بعد سقوط الدرعية . وكان بعض الوقت يعمل إلى جانب ابن معمر . وكان أحد إخوان آخر إمام سعودي وهومشاري بن سعود بن عبدالعزيز ، قد فر من الحرس المصري في الطريق من المدينة المنورة إلى ينبع ، ثم ظهر في سدير حيث أعرب نفسه إماما ، وفي آذار (مارس) 1820 استوى على الوشم . وحظي ببعض التأييد في القصيم وفي مناطق أخرى . بيد حتى ابن معمر تمكن من الاعتماد على قبيلة مطير ودحر قوات مشاري وتأسيره .

ظلت سلطة بن معمر مضعضعة . وأخذ المتذمرون يلتفون حول هجري بن عبدالله . واقتربت الصدامات الحاسمة بين المتنافسين . وأخيرا استولى هجري على الدرعية بسرعة كبيرة حتى تمكن من تناول الطعام في وليمة الغداء التي كان الأمير السابق قد أعدها لضيوفه . ثم تحرك نحوالرياض حيث قبض على ابن محمد بن معمر . وفي السر اغتال بن معمر مع إبنه . كان حكم بن معمر قد استمر عاما واحدا تقريبا . وكان من مسببات سقوطه تلوث سمعته كعميل للمصريين وبقاء منزلة آل سعود رفيعة كالسابق .

وعندما بلغت أنباء الاضطرابات في نجد محمد علي قرر تعزيز الحاميات في أواسط الجزيرة . وفي خريف 1820 وصل إلى القصيم حسين بك مع إمدادات وقرر التخلص من الأمير السعودي . وتحصن أنصار هجري في قلعة الرياض ، ولكنهم بعد حصار قصير من المصريين وافقوا على الاستسلام للأسر بشرط الحفاظ على حياتهم ، إلا أنهم فيما بعد قتلوا كلهم تقريبا . وتمكن هجري من الهرب .

وفي آذار 1821 أمر حسين بك جميع أهالي الدرعية الذين عادوا إليها بأن يجتمعوا واعدا إياهم بتوزيع الأراضي عليهم . وعندما اتى 230 من أهالي الدرعية قتلهم الجنود المصريون . وكان القتل والسجن بلا محاكمة وتقطيع الأعضاء والتعذيب أمورا معتادة في نجد . وكانت الحاميات في المدن تنهب الهالي . ويقتطع الجنود النخيل ويخربون الحقول . وفي الكثير من السكان إلى البوادي أوغادروا نجد . وخط ابن بشر يقول (وترأس عليهم الشيطان) . وفي عام 1821 تفشي وباء الكوليرا فزاد الطين بلة .

وقبيل العودة إلى مصر جمع حسين بك رهائن من مدن عديدة وحبسهم في الحصن الذي انشئ في ثرمداء . وظلوا هناك إلى حتى وصل إلى نجد في ربيع 1822 قائد مصري حديث هوحسن بك الذي انشغل بجمع الأتاوات والنهب . وأصبح الأمر لايطاق ، حتى حتى انتفاضات كثيرة ومقاومة مسلة قامت ضد المحتلين رغم الأرهاب . ولم تكن لدى المصريين قوات كافية ، فاكتفوا بإبقاء حاميات في عدة مدن هامة – الرس وشقراء وبريدة وعنيزة وثرمداء والرياض .

فقد أخفقت المحاولات الأولى لبعث السلطة المحلية من قبل ابن معمر في البداية ثم من قبل اثنين من أفراد العائلة السعودية . إلا حتى الوهابية احتفظت بجذور عميقة بين أهالين نجد ، في حين كانوا يتصورون حتى العائلة السعودية هي منفذة المشيئة الإلهية على الأرض .

بعث سلطة السعوديين في عهد هجري

بعد حتى وفق هجري في الهرب من المصريين عام 1820 ظل متخفيا طوال عدة سنوات ، في المناطق الجنوبية على مايبدو، ولكنه ظهر من حديث على مسرح الأحداث في نجد في آيار (مايو) أوحزيران (يونيو) 1823 ، حيث يشير ابن بشر إلى عمليات فصيله الصغير في الحلوة . ووجد هجري حلفاء وأنصارا له من بينهم سويد حاكم مدينة جلاجل في سدير . ووصلت مع سويد فصائل من بعض المناطق الأخرى . فتشجع هجري وقام بغزوة على مدينتي منفوحة والرياض المتواجدتين قرب بعضها البعض وفيهما حاميات مصرية من 600 إنسان . ولم تكن جميع المناطق بعد تؤد الأمير هجري . وعلى أية حال فإن ابن بشر ذكر حتى ثرمداء وحريملا والخرج تعاديه وأن قسما كبيرا من واحات الوشم وسدير فضل الانتظار .

وفي تلك الأثناء بدأت في اقصيم انتفاضة شاملة ضد المصريين سببها الأتاوات والابتزاز من جانب حسن بك . واضطر المصريون على الجلاء إلى الحجاز وهجروا حاميتين في الرياض ومنفوحة فقط . وانتهز هجري فرصة ضعف المواقع المصرية في نجد في عامي 1823-1824 فوسع نفوذج في المنطقة المحيطة بالرياض ومنفوحة وعزل الحاميتين المصريتين وأخضع سدير والمجمعة والوشم . وفي أواخر تموز (يوليو) 1824 شدد هجري الضغط على الرياض وثرمداء والخرج . وأجليت الحامية المصرية من منفوحة . وبعد عدة شهور من الحصار سقطت الرياض على يد هجري وتم جلاء المصريين من الحجاز وأعربت بعض مناطق القصيمن عن اعترافها بحكم هجري . وتم تطهير أواسط نجد كلها من المحتلين .

استمر حكم هجري بن عبدالله بن محمد بن سعود من عام 1813 ، عندما بدأ يحتل نجد ، حتى مقتله في عام 1834 . ويرى الكثيرون من المؤرخين حتى هجري هومؤسس الدولة السعودية الثانية لأنه كان يحكم بصورة مستقلة رغم اعترافه بسلطة الإمبراطورية العثمانية شكليا والمصريين عمليا . ولكنه لايمكن الكلام عن الاستقلال الحقيقي للإمارة الجديدة إلا بعد جلاء المصريين نهائيا من الجزيرة العربية عام 1840 . كان الأئمة السابقون يتحدرون من عبدالعزيز بن محمد بن سعود ، في حين حتى هجري وجميع الحكام اللاحقين ، بمن فيهم الملك الحالي فهد وهومن سلالة هجري كانواي تحدرون من عبدالهه بن محمد بن سعود . وفي أواخر عام 1824 استقر هجري في الرياض التي ظلت عاصمة لنجد ثم للعربية السعودية بأسرها حتى اليوم . وبدأ إنشاء المسجد والقصر والتحصينات وفي نيسان (إبريل) – أيار (مايو) 1825 توجه أمير الرياض إلى منطقة الخرج وأخضعها بعد عدة معارك .

وسيطر هجري على العارض والخرج والحوطة والمحمل وسدير والأفلاج والوشم . وفي منطقة القصيم خضعت له بعض الواحات فقط . وظلت منطقة جبل شمر في الواقع ليست في متناول يد الأمير . وربما كان هجري يدفع الحد الأدنى من الضريبة للسلطات العثمانية ، أوعلى الأصح للمصريين مباشرة في الحجاز أوفي القاهرة ، مع حتى ابن بشر لا يشير إلى ذلك .

وكان بعض الفارين قد عادوا إلى نجد التي سادتها فترة من الاستقرار المؤقت ز وكان من أبرز العائدين مشارين بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود الذي فر من مصر . وفي عام 1825 عين حاكما للمنفوحة . وفيما بعد اغتال مشاري هذا الأمير الهجري غدرا . ووصل من المنفى أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وهوعبدالرحمن بن حسن الفقيه الكبير ومفهم جيل تام من أفراد آل الشيخ الأصغر منه سنا . وقد بعثت إلى أنحاء نجد على الفور رسائل طالب فيها الجميع ، وخصوصا الفقهاء والأمراء ، بالعودة إلى (الإسلام الحقيقي) ورفض ممارسات المشركين من أدعياء الإسلام والخضوع لإمام المسلمين . واتخذ الشيخ عبدالرحمن سيرة جده الشهير مثالا وقدوة لخدمة الدين الحقيقية . ويقول الرحالة السودي فالين حتى عبدالرحمن كان قاضيا في الرياض عام 1845 ، أما بلغريف الذي زار الرياض عام 1862 فيتحدث عنه بوصفه (الزعيم الروحي للبلاط) . وتعززت سلطة السعوديين الدنيوية من حديث بفضل تأثير الوهابية مع أنها لم تعد تتميز بالتعصب الذي كانت عليه في السابق .

بديهي حتى هجري قد حاول تسديد الضربة إلى البدو، بعد حتى احتل عدة مناطق ذات سكان جاء بكثافة كبيرة نسبيا . وفي الفترة 1826-1828 قام بغزوات على قبائل بني خالد وبني رشيد والدواسر وغيرها . وسرعان ما أوفد الكثير من شيوخ قبائل سبيع والسهول والعجمان وقحطان وكذلك مطير (الأمر الذي أفرح الأمير هجري بخاصة) وفودا أعربت عن خضوع تلك القبائل له . وبالمناسبة فإن ذلك لم يمنعها من الحنث بالوعد والقيام بغزوات جديدة .

وكان من الأحداث الهامة في 1827-1828 فرار فيصل ، ابن هجري ، من الأسر المصري . فقد كان مقدرا له حتى يحكم إمارة الرياض مرتين . إن عدم وجود منافسين كبار وعدم تدخل المصريين أوالأتراك مؤقتا في شئون نجد قد مكن الرياض من إخضاع القصيم وإن بصورة غير كاملة . ثم اتى دور جبل شمر . وفي عام 1827 اغتال يحيى ، شريف مكة ، فعين محمد علي بدلا منه محمد بن عبدالمعين بن عون الذي ظل في هذا المنصب حتى عام 1851 .

واتضح حتى عسير كان عسيرا على محمد علي . فقد دحر أهل هذه المنطقة مرارا في معارك مكشوفة ولكنه لم يتمكن من السيطرة عليها .

شرق وجنوب شرق الجزيرة في عهد هجري

لم تكن في شرقي نجد قوات تستطيع حتى تهدد إمارة الرياض كالقوات المصرية في الحجاز . وبديهي حتى هجري الذي عزز مواقعه في نجد قد بدأ غزوات على الشرق ، على الإحساء ، في تلك الأثناء كان محمد وماجد من آل عريعر قد حكما هذه المنطقة منذ عشر سنوات تقريبا . وربما كانا قد عينا رسميا من قبل محمد علي أومن الممكن كان يدفعان له الأتاوة .

وفي عام 1830 اجتاح نجد تجمع بدوي كبير من بين خالد وسبيع وعنزة ومطير وبني حسين . وبالإضافة إلى جاء نجد الموالين لهجري التزم جانبه قسم منا لبدومن قبائل أخرى . ونشبت معركة استمرت عدة أيام بين أهل نجد وخصومهم ، وانتهت بمقتل ماجد آل عريعر وتدمير بدوه . وتقررت في هذه المعركة مسألة من سيسيطر على شرقي الجزيرة ، هل هم آل سعود أم آل عريعر . وسيطر هجري على الإحساء .

وخلافا للأمراء السابقين واللاحقين طبق هجري وفيصل في الإحساء سياسة متسامحة ، الأمر الذي ساعدهما في التمركز هنا . وتجدر الإشارة إلى حتى أمراء الرياض رغم استخدامهم راية الوهابية السابقة ، قد ابتعدوا عن التقسقط الطائفي والتعصب اللذين كانا ملازمين لسابقيهم . ومن الصعب اعتبار أنصارهم من أفراد الطائفة الوهابية . ولذا فسوف نستخدم مصطلح (الوهابيين) بصورة محدودة . وفي أواخر عام 1830 فرض هجري سلطة السعوديين على حاكم البحرين عبدالله بن أحمد آل خليفة (1816-1843) الذي كان يسيطر كذلك على قسم كبير من قطر . وفي تلك الفترة توافقت مؤقتا مصالح أمير الرياض وسلطان مسقط الموجهة ضد البحرين . وبعد ذلك اختلفا فيما بينهما . وبعد مرور أقل من ثلاث سنوات بتر حكام البحرين علاقات التبعية للرياض حتى الواهية منها . وفي عام 1834 انتقل عبدالله آل خليفة إلى الهجوم وحاصر المرفأين السعوديين القطيف والعقير .

وقبل فرض السيطرة السعودية على شرقي الجزيرة أخذ الأنصار القدامى للنجديين ينشطون في جنوب شرقي الجزيرة . ففي عام 1821 استوى سعد بن مطلق ، وهوابن حاكم البريمي السعودي السابق ، على مجموعة واحات البريمي الهامة استراتيجيا وأخضع قسما من عمان . وعندما ثبت هجري في عام 1824 منصبه كحاكم للرياض أجرى معه مباحثات لسطان بن صقر ، حاكم الشارجة ، وراشد بن حميد من العجمان وكان قسم كبير من سكان الشارجة وعجمان يتعاطفون مع الوهابيين كالسابق . وفي الوقت ذاته أجرى حكام إمارات الساحل مفاوضات مع الإنجليز مؤملين بمساعدة منهم ضد خطر الوهابيين . إلا حتى الإنجليز آنذاك كانوا متمسكين بسياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية للجزيرة العربية .

وفي عام 1828 مهد أنصار الوهابيين على ساحل الخليج العربي وخليج عمان التربة لتدخل حديث من قبل القوات الموالية للرياض . وعين هجري أميرا للبريمي هوعمر بن محمد بن عفيصان الذي بدأت غزواته للمناطق الدالخية من عمان ومنطقة الباطنة الساحلية . وفي عام 1832 اعتدت قوات النجديين الكبيرة على عمخان عبر البريمي . ووافق سلطان مسقط سعيد على دفعخمسة آلاف ريال لأمير الرياض . ثم اتفقا على مساعدة بعضهما البعض في إخماد الانتفاضات في أراضيهما واقتسما ساحل الجزيرة الجنوبي الشرقي . ويقول الدبلوماسي والمؤرخ الإنجليزي ولسون (إن ساحل الخليج العربي كله اعترف بسلطة الوهابيين منذ عام 1832 وصار يدفع لهم الجزية) .

الوضع في إمارة الرياض في عهد هجري

في مطلع الثلاثينات كانت مكانة هجري في الرياض راسخة تماما . فإن نجد المخربة التي أرهقها نير الإحتلال كانت خاضعة لسلطة هجري . إلا حتى خلافا نشب في عائلة السعوديين . ففيع ام 1831 تمرد مشاري بن عبدالرحمن حاكم منفوحة مع بعض أفخاذ قبيلة قحطان على الأمير . وكلنه فر بسبب عدم حصوله على تأييد واسع . وفي عام 1832 عاد إلى نجد بعد حتى عفا عنه الأمير .

كان محدودية موارد الدولة الجديدة وعدم إمكان الحصول على غنائم وفيرة في الغزوات قد دفعا الوجهاء والأعيان إلى تشديد استغلال الرعية ، وكان أمير الرياض يجد صعوبة كبيرة في فرض مبادئ معاملة السكان (بالعدل) . وأورد ابن بشر حادثة ذات دلالة . ففي عام 1832 عاد هجري من الهفوف إلى الرياض وعقد المجلس الكبير للأمراء وأخذ يلومهم بصرامة لأنهم يعاملون الناس بتعسف ويأخذون منهم ماليس لهم حق به بموجب القانون . ونطق فيما نطق : (وإنكم إذا ورد أمري بالمغزا حملتموهم زيادة لكم وإياكم وذلك فإنه ما منعني حتى أجعل على أهل البلدان زيادة ركاب في غزوهم إلا الرفق بهم وأني ماحملتهم إلا بعض ماحملهم الذين من قبلي ... وإنه إذا ورد عليكم أمري فرحتم بذلك لتأكلوا في ضمنه وصرتم كراصد النخل يفرح بشدة الريح ليكثر الساقطة عليه وافهموا أني لا أبيحكم حتى تأخذوا من الرعايا شيئا ومن وقع منه منكم ظلم على رعيته فليس أدبه عزله بل أجليه عن وطنه . (ثم نطق للرعايا) أيما أمير ظلمكم فأبلغوني...) .

وأوصى الأمير هجري الرعية بأن يعرضوا تدينهم في الإيمان بالتوحيد وأداء الصلاة ودفع الزكاة . وشجب أمير الرياض الربا وحذر من محاولات الإلتفاف على منع ممارسته وأوصى جميع الحكام بأن يوحدوا الموازين والمكاييل في أنطقيمهم وطالب بأن لا يحنث أحد بأية صفقة أواتفاقية حتى إذا كانت معقودة مع أهل الذمة من يهود أومسيحيين أوزرادشتيين وألزم الأمراء بأن يمنعوا التدخين ويشجعوا التعليم الديني ويبنوا المساجد . ورغم القحط المتوالي فإن الأوضاع الاقتصادية في أواسط الجزيرة أبان حكم هجري قد استقرت بقدر ما بعد النهب والنزاعات والاقتتال . ولكن بعض الناس في سدير والقصيم ماتوا من المجاعة الناجمة عن الجفاف في 1826-1827 أيضا . وفي مطلع الثلاثينات ، وبفضل المحصول المتوسط والاستقرار النسبي تقلصت الأسعار وتوقفت المجاعة . إلا حتى وباء الكوليرا تفشى في نجد في عهد هجري . ظهر هذا الوباء في 1828-1829 ثم في 1830-1832 . وفي نيسان (إبريل) آيار (مايو) 1831 انتشرت الكوليرا بين الحجاج فيمكة ، فتوفي حواي 20 ألفا منهم . وهلك ثلث حجاج قافلة الشام ، كما هلك نصف حجاج قافلة نجد . وفي العام التالي اجتاح الوباء نجد كهلا ووصف ابن بشر لوحة مرعبة حيث توفي عدد هائل من الناس ولم يبق من يتمكن من دفنهم . ولا أحد يحرس الأموال المتروكة . وكانت الماشية تنفق لأن أحدا لا يقدم لها العلف والماء . وتوفي كثير من الأطفال في المساجد لأن آباءهم عندما أصيبوا بالسقم هجروهم في المساجد على أمل حتى يساعدهم أحد هناك . ولكن لم يبق أحد ليساعد أولئك الأطفال . فقد خلت الواحات من أهلها .

مقتل هجري والفترة الأولى من حكم فيصل

لم تكن القبائل البدوية في أواسط الجزيرة تهتم كثيرا بمنزلة أمير الرياض ، فكانت تتصرف بصورة مستقلة . وفي عام 1833 بدأ حاكم البحرين عمليات حربية ضد أمير الرياض وفي بداية عام 1834 تعرضت مرافئ الإحساء إلى ضربات البحرانيين الذين اعتمدوا على أسطولهم وعلى قلعة الدمام على ساحل الجزيرة العربية . وحاصر فيصل بن هجري بلدة سيهات التي تمركز فيها أنصار البحرانيين . وفي تلك اللحظة وصل نبأ مقتل أبيه في الرياض على أيدي مرتزقة مشاري بن عبدالرحمن الذي استولى على السلطة في العاصمة . حمل فيصل الحصار فورا وأسرع إلى نجد.

ويعتقد البعض حتى مشاري عمل عملته بتكليف من المصريين . ويعتقد البعض الآخر ، ومنهم لوريمير حتى لحاكم البحرين ضلعا في اغتال هجري . ولكن مطامح مشاري الشخصية هي التي لعبت ، على مايبدو، الدور الرئيسي . في التاسع من آيار (مايو) 1834 خرج هجري من باب جانبي بعد صلاة الجمعة فأحاط به ثلاثة أشخاص ، شهر أحدهم المسدس وأطلق النار على الإمام . وحاول عبدالإمام زويد حتى يدافع عنه ، فتمكن من إصابة أحد القتلة بجرح قبل حتى يقبضوا عليه . وبعد ذلك فر إلى فيصل . وظهر مشاري في الحال شاهرا سيفه وطالب السكان بأن يبايعوه .

كان هجري حكيما . ولم يكن يستخدم القوة بلا رحمة إلا في حالة الضرورة . ومن الأدلة على عدم تمسكه بالثأر موقفه من مشاري ، قاتله فيما بعد . وبالمناسبة فإن العفوعن الخصوم لم يكن ظاهرة استثنائية في الجزيرة العربية ، بل كان دليلا على ضرورة المساومات مع الأقرباء والشخصيات القوية . وكان هجري يتسم بالسخاء ، شأنه شأن الحكام السعوديين الذين سبقوه ، وحاول حتى يحد من جشع وجهائه وأعيانه . وتجدر الإشارة إلى أنه تفهم في وقت ما التطبيب عند العوام واشتهر بأنه حكيم . وكان بتصرفاته الذكية قد جعل في انسحاب المصريين من نجد ، وكانت أواسط الجزيرة موحدة في عهده طوال أحد عشر عاما . وأسفر مقتل هجري عن نزاعات قبلية واضطرابات في نجد استمرت تسعة أعوام . وخلال هذه العملية اعتل عرش الرياض أربعة من آل سعود .

ولم يبق مشاري بن عبدالرحمن في السلطة غير شهر ونصف . فقد وصل فيصل وأنصاره العاصمة وباغتوا مشاري وقبضوا عليه . ففي ليلة 28 أيار (مايو) 1834 أوفد فيصل إلى الرياض محاربين من أبناء المدينة مؤملا بأنهم سيقابلون بمقاومة أقل من أهلها . واصطدموا بجماعة من الحرس فعهدوهم ولكنهم تمكنوا من حتى يتخذوا مواقع حول القلعة . وعندما سمع مشاري إطلاق النار نصب المتاريس في القلعة . وفي صباح اليوم التالي احتل فيصل المدينة وبدأ حصار القلعة . ثم اقتحم محاربوه القلعة . وتم القبض على مشاري وأعدم .

استلم فيصل زمام الحكم وهوفي حوالي الأربعين من العمر في أوج نضوج قابلياته الجسمانية والروحية . وأسرع لتقبل البيعة من أهالي العاصمة واستدعى القضاة من مختلف المناطق إلى الرياض حيث حلوا ضيوفا عليه طوال شهر تقريبا ثم عادوا إلى ديارهم بعد حتى أغدق عليهم فيصل الهدايا . وبعد ذلك وجه الإمام إلى الواحات والبوادي رسالة نادى فيها الجميع للولاء له . وأخذ أمراء الواحات وشيوخ البدويتقاطرون على الرياض ليعربوا عن ولائهم للحاكم الجديد . وبعد ذلك فقط أوفد فيصل عملاءه إلى البرادي لجمع الزكاة . إلا حتى مقتل هجري قد زعزع السلطة في إمارة الرياض . فقد رفض أهالي وادي الدواسر والأفلاج وقبيلة قحطان دفع الزكاة واضطر فيصل حتى يرسل إليهم فصائل لإخماد القلاقل .

وسرعان ما اضطرب شرقي الجزيرة ، حيث نشبت معارك بين عساكر أمير الرياض التي قادها المملوك زويد وبين البحرانيين الذين حاضروا القطيف والعقير من حديث ، ولكنهم قابلوا خطرا آخر يتمثل في مطابع إيراه . ووافق حاكم البحرين على دفع جزية رمزية مقدارها ألفا ريال ، والتزم فيصل بحماية البحرين من العدوان الخارجي . وحمل الحصار عن القطيف والعقير .

كان نفوذ أمير الرياض في عمان كبيرا في أواسط الثلاثينات . وفي شتاء 1835-1836 تأكد كولونيل الأسطول الإنكلوهندي ج. ويلستاد ورفيقه وايتلوك ، وهما يتجولان في هذا البلد تحت حماية سلطان مسقط سعيد ، من حتى الوهابيين في عمان كانوا أحيانا أقوى من السلطان . إلا حتى عداء الإباضية ومعارضة الإنجليز جعلا مواقع النجديين هنا غير مأمونة إطلاقا . إلا حتى فيصل كان قلقا أشد القلق للأنباء الواردة من الحجاز ، حيث تأكد له حتى المصريين يستعدون لهجوم حديث على نجد .

فبعد الهزائم الجديدة في عسير في 1833-1834 حاول محمد على مرة أخرى في عام 1835 حتى يستولي على هذا الإقليم الذي كان يعتبره مفتاح الجزيرة ، إلا حتى قواته منيت بالهزيمة من حديث . وقبل حتى ننتقل إلى الأحداث المرتبطة بالهجوم المصري الأخير على نجد من المناسب حتى نتحدث عن إمارة جديدة لايعهد عنها الكثير بعد ، وقد شاركت في سيرة الجزيرة العربية الفاجعة . ونعني إمارة جبل شمر التي قدر لها حتى تلعب دورا هاما في أواسط الجزيرة .

بعد سقوط إمارة الدرعية بدأت النزاعات في جبل شمر . فقد هب ضد الأمير محمد آل علي الحاكم هنا فخذ من قبيلته هوآل رشيد ، ولكنه منى بالهزيمة . فقد طرد زعيم هذه الإمارة أسرة علي آل رشيد وإبناه عبدالله وعبيد من حائل عاصمة الإمارة . وبعد عدة سنوات ولج عبدالله في خدمة هجري أمير الرياض وتصادق مع إبنه فيصل . وكان من بين العقداء الذين بايعوا فيصل بعد مقتل أبيه مباشرة . وكان فيصل ينتظر الفرصة ليشكر صديقه المخلص ، فاستفاد من منصبه . وبعد إزاحة المنافسين أمسك الإخوان عبدالله وعبيد بزمام السلطة في جبل شمر وسرعان ما أخذا ينشئان قلعة في العاصمة في محلة البرزان التي غدت فيما بعد رمزا لأمجاد وجبروت آل رشيد . وأعرب الإخوان عبدالله وعبيد آل رشيد عن ولائها للأمير فيصل الذي أكد تعيينها لحكم جبل شمر وأوفد إلى حائل فقيها وهابيا ، ولكن الأخوين آل رشيد أخذا في الوقت ذاته يهينان الجمال ويرسلانها إلى المصريين في المدينة المنورة .

هزيمة فيصل

كان المصريون قد طلبون من أمير الرياض فيصل حتى يشارك في حملاتهم على أهالي عسير الذين هم حلفاء له سرا ، أوحتى يقدم الجمال للقوات المصرية . تملص فيصل بلياقة دون حتى يلبي هذا الطلب ولكنه أوفد أخاه إلى مكة يحمل الهدايا لأحمد باشا . في عام 1835-1836 لم تسقط الأمطار الموسمية في أواسط الجزيرة فبدأ القحط والمجاعة ، ونزح قسم كبير من سكان نجد إلى منطقة البصرة والزبير . وأشار ابن بشر إلى ظهور مذنب في كوكبة الدب الكبير واعتبر ذلك نذيرا بالقحط ، وفسر القحط بدوره على أنه عقاب على الخطايا التي اقترفت بمقتل الإمام هجري . ولكن إذا صدقنا التكهنات فإن المذنب والقحط كانا ينذران بمصائب أكبر بكثير . فقد عزم محمد علي على فرض سلطته على نجد ونصب هناك صنيعته خالد وهوابن الإمام سعود الشهير . وكان هذا الأمير الشاب الذي قضى سنوات عديدة في بلاط محمد علي هوالأخ الأكبر من إخوان عبدالله الذين ظلوا على قيد الحياة بعد إعدامه في الاستانة .

وفي تموز (يوليو) 1836 زحفت من القاهرة قوات بقيادة اسماعيل بك ، وهومدير سابق لشرطة القاهرة . وتتكون هذه القوات من أتراك وألبان ومغاربة وبدومصريين ، وهي معززة بالمدفعية . وبعد حتى هبط اسماعيل في ينبع واصل زحفه إلى المدينة ومن هناك إلى الحناكية . أما فيصل الذي يعهد حتى التدخل سيجري عبر القصيم فقد شغل هذه المنطقة ونصب معسكرا في الرس التي هي بوابة القصيم من جهة الحجاز . إلا حتى جنود فيصل كانت تعوزهم إرادة القتال وكانوا منسحقين بائسين ، إذ لايزالون يتذكرون جيدا مصير إخوانهم الأكبر وآبائهم . وعندما بدأ فيصل في نيسان (إبريل) 1837 سحب الآليات الثقيلة إلى عنيزة أصاب الذعر عساكره فأخذوا يتفرقون .

وعاد فيصل مع جماعة من أتباعه المخلصين إلى الرياض واتضح له حتى روح الهزيمة استوت على أهالي العاصمة الذين لايريدون بأية حالة دعمه والتضحية بالنفس والأموال من أجله . وعندما استوعب فيصل حتى الوضع في العاصمة غير مأمون توجه نحوالجنوب ، إلى الخرج ، ثم مضى إلى الهفوف حيث وضع حاكمها الموالي له ، عمر بن عفيصان ، قواته تحت تصرفه . وظل فيصل في الهفوف حتى تموز (يوليو) 1837 . اعترفت القصيم بسلطة خالد بن سعود بدون مقاومة تقريبا . وبعد ذلك أوفد المصريون فصيلا نظاميا ومتطوعة من القصيم للاستيلاء على جبل شمر . وأقنعهم عيسى آل علي ، وهوأحد المرتدين من أفراد الأسرة التي أسقطت في حائل ، بأن يعينوه أميرا . ويبدوحتى المصريين لمقد يكونوا يثقون بالأخوين من آل رشيد . وتم احتلال المدينة سلميا تقريبا . وفر عبدالله وأخوه عبيد . وعاد قسم كبير من المصريين إلى القصيم بعد حتى اكتفوا بغرامات حربية نقدية . إلا حتى عيسى لم يتمكن من البقاء في حائل إلا بضعة شهور . فإن ابتزاز وقساوة حماته المصريين جعلا الأهالي يهبون في وجه المحتلين وصنائعهم ، ويحرضهم في ذلك الإخوان عبدالله وعبيد اللذان اختبأ في البادية . وأصبح الوضع عسيرا لا يطاق بالنسبة للمصريين ، فأجلوا عن جبل شمر . وارتحل معهم عيسى بن علي . وعاد عبدالله بن رشيد حاكما لجبل شمر . وفي آيار (مايو) 1837 ولج اسماعيل بك وخالد الرياض . وانتهت رسميا الفترة الأولى من حكم فيصل (1834-1837) .

وتعزى سرعة هزيمة أمير الرياض وسهولة احتلال المصريين لنجد إلى فظاعة شبح إبراهيم باشا وذكر احتلاله للبلد والمصائب التي ألحقت به . فالنجديون يتذكرون تفوق المصريين في العساكر ، التي لحقت به . فالنجديون يتذكرون تفوق المصريين في العساكر ، وخصوصا في المدفعية . وكانت أواسط الجزيرة كلها قد أضعفها القحط والمجاعة والأوبئة . وكانت أواسط الجزيرة كلها قد أضعفها القحط والمجاعة والأوبئة . ومما لا ريب فيه حتى ظهور خالد بن سعود قد ولد انقساما بين الموالين لآل سعود . وعلى أية حال فإن أهالي نجد لم يبدأوا بالتمرد على المحتلين إلا بعد حتى أدركوا بأن الخضوع لن يحميهم من التعسف والنهب . وبعد الاستيلاء على الرياض أوفد خالد رسالة إلى أمير الحريق هجري الهزائي يطالبه فيها بالخضوع ، ولكنه استلم ردا يكشف عن طبيعة الأمزجة في الواحات الجنوبية : (إن كان الأمر لك ولا يأتينا في ناحيتنا عسكر من الهجر فنحن رعية لكم وإن كان الأمر للهجر فنحن لهم محاربون) .

وفي تموز (يوليو) 1837 توجه اسماعيل بك وحلفاؤه بقوات قدرهاسبعة آلاف إنسان تقريبا إلى الجنوب ولكنه لحقت بهم هزيمة ماحقة في معركة الحلوة . وكانت الهزيمة شديدة لدرجة جعلت البدو، حلفاء المصريين ، ينتزعون منهم الخيول ليهربوا عليها من ساحة المعركة بأسرع ما يمكن . وهجر المصريون مدفعيتهم كلها . وفي خالد واسماعيل بك وبعض الضباط المصريين مع فيصل صغير . إلى غير ذلك ، ففي تموز 1837 تم دحر قسم كبير من قوات الاحتلال المصرية في نجد . وحاول فيصل استعادة العاصمة . فحاصرها ، ولكنه لم يتمكن من احتلالها بعد شهرين من الحصار . وكانت قوات المتخاصمين متعادلة مؤقتا ، مع حتى إمدادات مصرية وصلت إلى القصيم في بداية عام 1838 وقد بعثها خورشيد باشا من المدينة . وتم بين فيصل والمصريين اتفاق نص على تقسيم نجد في الواقع إلى قسمين . ظل فيصل مسيطرا على شرقي الجزيرة والبريمي وجزء من جنوب نجد . وكانت أواسط نجد خاضعة رسميا لخالد .

ولكن خورشيد باشا وصل شخصيا إلى نجد في حزيران (يونيو) 1838 . وكانت من المهمات الرئيسية لحملته كالسابق جمع الجمال لإرسالها إلى الحجاز . وفي عنيزة اتى عبدالله إلى خورشيد باشا من حائل وأقنعه بالاعتراف به أميرا لمنطقة جبل شمر الخاضعة للمصريين . واتى شيوخ القبائل البدوية الكبرى ليعبروا عن خضوعهم لخورشيد باشا . وطوال عدة شهور قام خورشيد باشا بتعزيز عنيزة كقاعدة رئيسية له وبنى فيها قلعة متينة .

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 1838 توجه المصريون إلى الرياض وانضمت إليهم متطوعة بقيادة خالد بن سعود . وكان مجموع ما عند خورشيد من قوات أربعة آلاف مقاتل و10 مدافع . وتحركت تلك القوات نحوالجنوب للقضاء على فيصل المتمركز في الدلم . وبعد حصار استمر أكثر من شهر سقطت الدلم فيعشرة كانون الأول (ديسمبر) 1838 . واضطر فيصل للمرة الثانية إلى السفر إلى مصر بمثابة أسير . وللمرة الثانية سقطت أواسط الجزيرة مدمرة تحت أقدام المصريين .

الفترة الأخيرة من الاحتلال المصري

استمر حكم خورشيد باشا كعامل لمحمد علي في نجد سنة ونصف . وكان المصريون هذه المرة يعتبرون نجد ليس دولة معادية يجب تدميرها وتخريبها ، بل جزءا من ممتلكاتهم الدائمية . وكان خورشي يأمل في بسط سلطته من أواسط الجزيرة إلى الإحساء وعمان وربما العراق أيضا . وفي أمير الإحساء عمر بن عفيصان الموالي لفيصل وأعرب الباقون عن خضوعهم للمصريين الذين أوفدوا حامياتهم إلى مدن شرقي الجزيرة . وحاول خورشيد باشا عبثا حتى يرغم حاكم البحرين على دفع الجزية مجددا لصنيعة المصريين أمير نجد خالد ووضع جزيرة تاروت وقلعة الدمام تحت السيطرة المصرية وكذلك تسليم عمر بن عفيصان الذي فر إلى البحرين . وبدأ القلق على الإنجليز .

ومنذ عام 1838 كان القنصل البريطاني العام في اقاهرة الكولونيل كامبيل قد حذر محمد علي من محاولات التمركز في منطقة الخليج ، ومنها البحرين . وأصدرت السلطات البريطانية في الهند أمرا إلى الأميرال ف. مايتلاند قائد العمارة البحرية في الخليج بأن يدافع عن البحرين عند الاقتضاء . وعندما سمع حاكم البحرين عبدالله آل خليفة أنباء فوزات خورشيد بمبلغ ألفي ريال سنويا مع أنه رفض حتىقد يكون له ممثل في جزر البحرين .

وفي عامي 1838 و1839 ظهر وجود مصري في الكويت أيضا . فقد وصل مخبر من خورشيد باشا إلى المشيخة لشراء أغذية . وخط لوريمير حتى هذا المخبر كان على مايبدويؤدي وظائف سياسية وتجسسية فيما يخص نية خورشيد باشا لانتزاع العراق من الأتراك . وكان حاكم الكويت جابر الصباح يخشى المصريين لدرجة كبيرة ، حتى أنه قدم للمندوب المصري مكان الشرف في مجلسه إلى جنبه . وكان رد عمل الإنجليز شديدا جدا بهذا الخصوص .

وفي الوقت ذاته أخذ خورشيد باشا يزحف نحوعمان . ونصب هناك صنيعته سعد بن مطلق الذي كان يخدمه مثلما يخدم الأمير السعودي فيصل . وأيدته أبوظبي والشارجة ، ولكن دبي وأم القوين امتنعتا عن تأييد المصريين . وكان المقيم البريطاني الكابتن هانيل قد زار إمارات الساحل وسقط اتفاقيات مع أربعة من حكامها الذين وعدوا بتأييد الإنجليز . وخط هانيل رسالة إلى سعد بن مطلق ينصحه فيها بالعودة إلى نجد ، وأخذ يحرض قبائل عمان ضده .

كانت قوات محمد علي تحقق الفوزات في المعارك في عسير ولكنها لم تتمكن من السيطرة على البلد . وفي أيلول (سبتمبر) 1837 قام أهل عسير بانتفاضة جديدة . وتم إخماد الانتفاضة في آيار (مايو) 1838 ، ولكن أحمد باشا المقيم في مكة وإبراهيم باشا كوجوك الموجود في الحديدة كانا في عام 1840 لا يزالان يشنان حملة غير موفقة .

ويعزي استيلاء بريطانيا على عدن في عام 1839 إلى الرغبة في الحيلولة دون تقدم المصريين في عسير واليمن وإنشاء قاعدة بحرية بريطانية ومحطة للفحم في القسم الشمالي الغربي من الهندي . في عام 1840 انهارت إمبراطورية محمد علي . فأصدر أمره إلى قواته بالجلاء عن نجد واليمن في آذار (مارس) 1840 . وفي حزيران (يونيو) سار علىق دم وساق انسحاب قوات خورشيد من نجد والمنطقة الشرقية وانسحاب قوات إبراهيم كوجوك من اليمن . كان محمد علي بحاجة إلى تحشيد قواته قريبا من مصر تحوطا لما إذا كانت ستنشب حرب كبرى بين مصر وفرنسا من جهة ، وبين هجريا والإنجليز وحلفائهم من جهة أخرى .

وغادر المصريون أواسط الجزيرة العربية إلى الأبد . ولكن أحدا لم يكن يعهد ذلك آنذاك . فقد هجرت في نجد حاميات رمزية من جنود المصريين . كان عليهم حتى يحملوا الفهم ويدعموا خالد .

خريطة تبين بلدان نجد.

كانت نهاية الدولة السعودية على يد محمد على باشا وابنه إبراهيم باشا الذى قاد الحملة بعد رفض الوهابية عن الرجوع عن اراءهم العقدية ومحاولة الانضمام لمصر تحت الخلافة الاسلامية .كانت البداية عندما عين محمد على باشا ابنه إبراهيم باشا قائدا للحملة المصرية ضد آل سعود والتي جرت بين 1816 و1819، فاخمد ثورتهم وقضى على حكمهم، وأسر أميرهم وأوفده لأبيه في القاهرة يطاف به في اسواق مصر ثم اعدم ، واصبح إبراهيم باشا مكافأة سخية وسمي والياً على مكة.


قائمة أمراء الدولة السعودية الأولى

أمراء الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود

الأمير الإمارة
عبدالوهاب بن عامر المتحمي المعروف بكنيته أبونقطة. تهامة وما يليها من اليمن
عثمان بن عبدالرحمن المضايفي. معضم الحجاز
صقر بن راشد، رئيس رأس الخيمة. عُمان
سليمان بن محمد بن ماجد الناصري. الأحساء
أحمد بن غانم. القطيف
سلمان بن خليفة. الزبارة والبحرين
ربيع بن زيد الدوسري. وادي الدواسر
فرحان الرشيدي. عاليه نجد
سمره الذيابي الرشيدي . خيبر
عبدالله بن محمد بن غيهب. الوشم
عبدالله بن جلاجل. سدير
حجيلان بن حمد. القصيم (في بريدة)
محمد بن عبدالمحسن بن فايز بن علي. جبل شمر
سالم بن شكبان. بيشة
مسلط بن قطنان. رنية
حمد بن يحيي. تربة

الأمراء في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد

الأمير الإمارة
عبدالوهاب، المعروف بأبي نقطة، ولما اغتال تولى طامي بن شعيب. عسير وتهامة
عثمان بن عبدالرحمن المضايفي. الطائف والحجاز
إبراهيم بن سليمان بن عفيصان. الأحساء
أحمد بن غانم. القطيف
راشد بن عبدالله الوهيبي. شمال قطر
رحمة بن جابر . الدمام
سلمان بن خليفة. البحرين
سلطان بن صقر بن راشد ثم عزله وجعل مكانه ابن أخيه حسن بن رحمة. عمان
مطلق المطيري. قائد الجيوش في عمان
عبدالله بن سليمان بن عفيصان. الخرج
ابن عجلان القنور العوني الرشيدي. اقليم السر
ساري بن يحيى بن سويلم ومن بعده ابنه يحيي. المحمل
حمد بن سالم ثم عزل وتولى عبدالكريم بن معيقل. سدير
بدوي المضيبري الرشيدي . القصيم
محمد بن عبدالمحسن بن فايز بن علي. جبل شمر
ربيع بن زيد الدوسري. وادي الدواسر
سالم بن شكبان ثم بعده ابنه فهاد. بيشة
مسلط بن قطنان. رنية
حمد بن يحيي. تربة
الشريف غالب بن مساعد. مكة
حسن القلعي. المدينة
جابر بن جبارة الشريف. ينبع

أمراء الإمام عبدالله بن سعود

.

الأمير الإمارة
فهد بن سليمان بن عفيصان. الأحساء
إبراهيم بن غانم. القطيف
راشد بن عبدالله الوهيبي. شمال قطر
رحمة بن جابر . الدمام
حسن بن رحمة. عمان
بتال المطيري أخومطلق المطيري. قائد الجيوش في عمان
سلمان بن خليفة. الزبارة والبحرين
قاعد بن ربيع بن زيد. وادي الدواسر
عبدالله بن سليمان بن عفيصان. الخرج
محمد بن يحيي بن غيهب. المحمل
عبدالله بن محمد بن معيقل ثم محمد بن إبراهيم أبا الغنيم. سدير
حجيلان بن حمد. القصيم
محمد بن عبد المحسن بن علي. جبل شمر

أهم المعالم

في عهد آل علي تم بناء قصر برزان الشهير. وبعد سنين طويلة وتقدر بمئات السنين وذلك منذ القرن الثامن الهجري من حكم ال علي لحائل قام ال علي وبالتحديد امير المسلمين محمد بن عبد المحسن ال علي في 1792 ميلادية بالتحالف مع الدولة السعودية الأولى واستمروا حكاماً لحائل حتى عام1834 ميلادية وهوالعام الذي استطاع فيه عبدالله الرشيد تأسيس دولة آل رشيد في حائل.


انظر أيضا

اقرأ نصاً ذا علاقة في

الدولة السعودية الأولى


  • الحرب السعودية المصرية
  • الدولة السعودية الثانية
  • تاريخ السعودية
  • قائمة الأسر المسلمة السنية

المصادر

  • William Facey, Dir'Iyyah and the first Saudi State, 1997, ISBN 0905743 806
  • The first and second Saudi states in Saudi Aramco World, January/February 1999, p. 4-11

الهوامش

  1. ^ الدولة السعودية الأولى، مقاتل من الصحراء
  2. ^ وادي حنيفة يمتد بشكل متعرج من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي تحفه الجبال من جانبيه. وينبسط ويضيق حسب تكويناته الطبيعية وأرضه. وتغذيه في مواسم الأمطار روافد تنحدر من الجبال، وتكثر فيه المياه الجوفية التي تغذي بساتين النخيل والعنب والأشجار المتنوعة ممتدة من العمارية والملقى في شمال الدرعية حتى الحائر (حائر سبيع) في الجنوب منها.
  3. ^ من مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب الأخرى: مختصر السيرة النبوية، وكشف الشبهات، وأصول الإيمان، وفضائل الإسلام، وأحاديث الفتن، ومختصر زاد المعاد، ومسائل الجاهلية، مختصر سليم البخاري، ومجموعة الحديث، فيه كتاب للشيخ بعنوان نصيحة المسلمين، وكتاب الكبائر، واستنباط القرآن، ورسائل عدة ذكرها ونقل بعضها حسين بن غنام في تاريخه.
  4. ^ أطلق عليها فهماء الدولة العثمانية لقب الوهابية وعدوها ممضىاً جديداً، ووصفوا أتباع الشيخ بالروافض والخوارج، ليُنِّفروا الناس منها، وهذا غير سليم، إنما كان ذلك نوعاً من الكيد السياسي.
تاريخ النشر: 2020-06-06 15:46:08
التصنيفات: Pages using infobox country with unknown parameters, Pages using infobox country or infobox former country with the flag caption or type parameters, انحلالات 1818, دول وأراضي تأسست في 1744, تاريخ نجد, تاريخ السعودية, تاريخ الإمارات العربية المتحدة, أسر مسلمة, بلدان سباقة في الشرق الأوسط, القرن 18 في السعودية, القرن 19 في السعودية

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الرئيس السيسى يوجه بتعزيز الجهود للنهوض بقطاع الطيران المدنى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:11
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 43%

الاستخبارات البريطانية: كييف "تقلب الطاولة" على القوات الروس

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:34
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 62%

إيران: انتشار إضرابات النفط وجماعة حقوقية تحذر من هجوم ضد مد

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:27
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

البحرية التونسية تنقذ نحو 200 مهاجر قبالة سواحل البلاد

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:23:23
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 94%

محادثات بين أمريكا وتركيا لإمداد مقدونيا الشمالية وبلغاريا ب

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:23
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 55%

حجازى وطارق حامد أساسيان بتشكيل الاتحاد ضد ضمك فى الدورى السعودى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:17
مستوى الصحة: 44% الأهمية: 36%

فتح الأسواق وتوسيع الصادرات التقنية السعودية العمانية

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:23:21
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 94%

بوتين يشيد بجهود الشيخ محمد بن زايد لإيجاد حل للوضع في أوكرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:30
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 54%

صندوق النقد الدولى يتوقع نمو اقتصاد مصر بنسبة 6.6% في 2022

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:15
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 37%

انتهاء التصويت وبدء فرز انتخابات نقابة الموسيقيين على مقعد النقيب

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:13
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 48%

البرلمان العراقي يحدّد الخميس جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:43
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 68%

الليرة السورية تسجل أدنى مستوياتها مقابل الدولار في السوق السوداء

المصدر: ألشرق الأوسط - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:23:24
مستوى الصحة: 86% الأهمية: 92%

الرئيس السيسى يؤكد حرص مصر على تطوير التعاون مع منظمة الصحة العالمية

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:14
مستوى الصحة: 39% الأهمية: 46%

ارتفاع ضحايا عاصفة جوليا إلى 28 شخصًا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:20
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

«ميثاق تأسيس سلطة الشعب» من منظور لجان المقاومة في السودان

المصدر: صحيفة التغيير - السودان التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:57
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 69%

المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: تغير المناخ يهدد أمن الطاقة

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2022-10-11 18:22:39
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

تحميل تطبيق المنصة العربية