ڤولتير

فرانسوا-ماري أرويه
"ڤولتير"
ڤولتير في الرابعة والعشرين، رسم كاثرين لوسرير، من لوحة نيكولا ده لارجيليير.
وُلِد 21 نوفمبر 1694
باريس، فرنسا
توفي 30 مايو1778(1778-05-30) (عن عمر 83 عاماً)
باريس، فرنسا
الوظيفة محرر، فيلسوف، محرر مسرحي
القومية فرنسي


آخر تماثيل ڤولتير، للنحات جان-أنتوان أودو(1781).

فرانسوا-ماري أرويه (1694-1778) عهد باسمه المستعار ڤولتير فليسوف وصحفي فرنسي. أكد في مجمل فلسفته أنه لايمكن لنا كأفراد أنه لايمكن حتى تكون هناك حريات فردية أساسية ضمنها حرية التعبير، اذا لم نتمكن من التدليل والتوثيق لمعتقداتنا الشخصية.

حياته

العمل المبكر

اسم "ڤولتير"

في باريس 1729-1734

لدى عودة فولتير من إنجلترا في أواخر عام 1728 أوأوائل عام 1729 اتخذ مسكناً مغموراً في حي سان جرمان-ان لي-على بعد 11 ميلاً إلى الشمال الغربي من باريس، وحشد أصدقاءه لينشروا أنباء غير معتمدة عن إلغاء قرار نفيه من فرنسا ثم من العاصمة، ونجحوا في هذا، بل في استعادة معاشه الملكي كذلك. وما حل شهر أبريل حتى ظهر فجأة، وأخذ يجول خلال العاصمة. وفي أحد الاجتماعات سمع حتى العالم الرياضي كوندوا مين حسب حتى من يشتري جميع أوراق "اليانصيب" التي تصدرها باريس لا بد حتى يحقق ثراء، فأسرع فولتير واقتراض نقوداً من رجال المصارف من أصدقائه. واقتنى جميع الوراق، فكان ما تنبأ به العالم الرياضي، ولكن المراقب العام للحسابات رفض الدفع، فحمل فولتير دعوى أمام القضاة وكسب القضية وتسلم المبلغ(1) وفي أخريات عام 1729 بتر 150 ميلاً في ليلتين ونهار واحد من باريس إلى نانسي ليشتري أسهماً في مشروع دوق اللورين، وعادت عليه هذه المغامرة بأرباح طائلة. إلى غير ذلك أعان فولتير مدبر الأعمال المالية فولتير الشاعر الفيلسوف.

نراه في 1730 مرة أخرى في باريس مفتوناً إلى حد الجنون بالمغامرات والمشروعات، وكان لديه عادة عدة أعمال أدبية قيد الإنجاز في وقت واحد، يتنقل من واحد إلى الآخر، ولذة الهوى في التنقل، دون حتى يضيع وقتاً. وكان آنذاك يخط رسائل عن الإنجليز وتاريخ شارل الثاني عشر "موت الآنسة ليكوفرير"، والصفحات الأولى في الغادة العذراء. وذات يوم 1730 اقترح عليه زائري الدوق دي ريشيليووهم يتحدثون عن جان دارك حتى يخط لها تاريخاً، ولمقد يكونوا بعد في فرنسا قد اعترفوا بها قديسة حامية لفرنسا. وبدا للمفكر الحر فولتير حتى العناصر الخارقة للطبيعة في أسطورة جان دارك تشد انتباهه إلى معالجة تاريخها معالجة فكاهية. فتحداه ريشيليوحتى يحاول ذلك، وخط فولتير المقدمة في تلك الليلة، ولم تكن مرثيته في ليكوفرير قد نشرت بعد، ولكن صديقه الأخرق نيقولا ثيوريوكان قد قرأها على الملأ على أوسع نطاق. وأستأنفت الأصوات اللاهوتية البغيضة طنينها المزعج حول رأس فولتير.

وفي 11 ديسمبر وكأنما كان فولتير ظمآناً إلى كسب الأعداء، أخرج قصته لوسيوس جينيوس بروتوس الذي أطاح طبقاً لرواية ليفي بعرش الملك تاركينيوس وأسهم في إقامة الجمهورية الرومانية، وأنكرت المسرحية على الملوك قدسيتهم وعدم جواز انتهاك حرماتهم، ونادت بحق الشعب في تغير حكامه. وشكا الممثلون من حتى الرواية خالية من فكرة الحب ووافقت باريس على أنها بدعة خرقاء سخيفة. وسميت المسرحية بعد عرضها 16 مرة. وبعد اثنتين وستين عاماً أعيد تمثيلها من جديد، لأن باريس كانت آنذاك تواقة إلى مشاهدة مقصلة لويس السادس عشر.

وفي نفس الوقت كان فولتير قد حصل على ترخيص ملكي بنشر "تاريخ شارل الثاني عشر ملك السويد". وهنا كان الموضوع لا يكاد يسيء إلى لويس الخامس عشر أوالكنيسة، كما يسر الملكة، لأن الرواية تناولت موقف أبيها ستانسلاس بشكل لائق كريم. وظهرت طبعة من 2600 نسخة في الوقت الذي ألغى فيه الترخيص الملكي دون سابق إنذار، وصودرت جميع النسخ فيما عدا واحدة احتفظ بها فولتير. واحتج فولتير لدى حامل الأختام فأبلغ أنه قد وقع تغيير في السياسة الخارجية مما كان لزاماً معه إرضاء غريم شارل الثاني عشر وضحيته، وهوأوغسطس "القوي" الذي ما زال ملكاً على بولندة. وقرر فولتير حتى يتجاهل أمر الحظر وانتقل متنكراً إلى روان وباشر طبع تاريخه سراً. وفي أكتوبر 1731 تداوله الناس في حرية مطلقة وأقبلوا على قراءته وكأنه قصص.

ومضى بعض النقاد إلى انه محشوبالخيال، واسماه بعض المؤرخين الواسعي الاطلاع رومانسية "في أسلوب مشرق بارع في السرد القصصي، ولكنه غير دقيق في التفاصيل(2)ولكن فولتير كان قد أعد الكتاب على طريقة الباحث المدقق إنه لم يطلع على وثائق الدولة فحسب بل إنه كذلك توقف ليستقي المعلومات من مصادرها الأصلية: الملك السابق ستانسلاس، ماريشال دي ساكس دوقة مالبرو، بولنجيروك، آكسل سبار (الذي اشهجر في معركة نارفا) فونسيكا (طبيب برتغالي كان يعمل في هجريا أثناء وجود شالر هناك) والبارون فابريس (سكرتير شارل سابقاً). وأكثر من هذا فإن فولتير كان قد أقام فترة مع البارون فون جورتز وزير شارل ذي الحظوة لديه. وربما حول إعدام البارون 1719 نظر فولتير إلى دراسة أسد الشمال "وفي 1740 أشار جوران برج الذي كان قسيس شارل إلى الأخطاء التي سقط فيها فولتير، وقام فولتير بتصويب هذه الخطاء في الطبعات اللاحقة. وكانت هناك أخطاء أخرى وبخاصة في الوصف التفصيلي للمعارك. وجادل النقاد المتأخرون(3)في حتى فولتير بالغ في تقدير شارل على "إنه الرجل الأكثر استثناء وخرقاً للعادة الذي ظهر على الأرض" وجمع في شخصيته بين أعظم مناقب أسلافه. ولا عيب فيه ولا ينغص عليه حياته إلا أنه جمع بين هذه المناقب في إفراط زائد(4)وربما تخفف الحدثة الأخيرة من حدة النقد، فقد أوضح فولتير حتى شارل جاوز الحد وافرط في التحلي بهذه المناقب البطولية حتى أصبحت عيوباً وعددها، ومنها التبذير والتهور والقسوة وعدم القدرة على المغفرة والصفح. كما أوضح كيف من الممكن أن حتى أخطاء الملك قد أضرت بالسويد. وانتهى إلى حتى شارل "كان رجلاً شاذاً استثنائياً لا رجل عظيماً(5)"وعلى أية حال لم يكن الكتاب عملاً ثقافياً فحسب، بل عملاً فنياً كذلك-من حيث الهجريب والشكل والحيوية والأسلوب-وسرعان ما أقبل جميع المتفهمين في أوربا على قراءة شارل الثاني ملك السويد وذاعت شهرة فولتير إلى حد لم يسبق له مثيل.

وأصبح فولتير بعد عودته من روان (5 أغسطس 1731) ضيفاً مقيماً على الكونتيس دي فونتين مارتل في قصرها بالقرب من "الباليه رويال"، وقد وجدت في رفقته سعادة بالغة حتى ظلت تؤويه وتطعمه حتى مايو1733 وترأس في حيوية شديدة ولائم العشاء الأدبية التي كانت تقيمها، ومثل المسرحيات وبخاصة مسرحياته هوعلى مسرحها الخاص. وفي أثناء إقامته هناك خط نص "أوبرا شمشون" لرامو-وهوملحن فرنسي في القرن الثامن عشر (1732)-ومن المحتمل أنه شهد من مقصورة الكونتيس في "المسرح الفرنسي" سقوط روايته "اريفيل" (1732) كما شهد النجاح الباهر الذي لقيته مأساة زائير (13 أغسطس 1732) فخط إلى صديق له: "ما مثلت رواية بمثل الروعة التي مثلت بها زائير في عرضها الرابع. وكم وددت لوأنك كنت معي لتشهد حتى الجمهور لم يسخط على صديقك، وظهرت في المقصورة، واتجهت جميع الأيدي بالتصفيق لي، فأستحيت وخبأت نفسي. ولكني أكون مرائياً إذا لم اعترف لك بأني قد اهتزت مشاعري وتأثرت كثيراً(6).

وظلت هذه المسرحية أحب مسرحياته إليه حتى النهاية. إنها كلها ليس لها وجود الآن، قضى عليها تغير الأذواق والأمزجة والأسلوب، ولكنا بجدر بنا حتى نبعث إحداها على الأقل من قبرها، لأنها لعبت جميعاً دوراً مثيراً كبيراً في حياته. وزائير طفلة مسيحية أسرها المسلمون في صباها في الحروب الصليبية، وأنشئوها على العقيدة الإسلامية، وهي لا تعهد إلا القليل عن فرنسا اللهم إلا أنها مسقط رأسها، وهي الآن غادة فاتنة في حريم السلطان أوروزمان في بيت المقدس. وهام السلطان وهامت هي به حباً. وفي مستهل الرواية كانت على وشك حتى تصبح زوجة له. وتؤنبها أسيرة مسيحية أخرى اسمها فاتيما على نسيانها أنها كانت مسيحية. وفي رد زائير توضيح لأثر الجغرافيا في تحديد العقيدة الدينية: "إن أفكارنا وعاداتنا وعقيدتنا الدينية إنما الأعراف والتنطقيد والنزعة القومية السائدة في أيامنا الأولى. فإذا رأت النور على ضفاف نهر الكنج لعبدت أوثان الهند، وإذا ولدت في باريس لكن مسيحية. وأنا الآن مسلمة سعيدة. إننا لا نعهد إلا ما تلقناه إذا أبدى الأبوين اللذين يتوليان تربيتنا وتعليمنا هي التي تنقش على قلوبنا الغضة تلك الأحرف التي ينقحها الزمن ويصقلها. وتعمل القدرة على تثبيتها عميقة في عقولنا، ولا يقدر على محوها إلا الله(7).

ويصور فولتير أوروزمان رجلاً يتحلى بكل الفضائل بشكل واضح إلا الصبر. إذا المسيحيين ليصعقون ويذهلون إذ يرون مسلماً وقوراً مهذباً مثل المسيحيين. وتتولى السلطان الدهشة إذ يرى مسيحية فاضلة، ويرفض حتى يحتفظ بحريم، ويعد بالاقتصار على زوجة واحدة. ولكن فولتير كان منصفاً لشخصياته المسيحية كذلك، فهوينظم أبياتاً عامرة في جمال الحياة المسيحية الحقة. وهناك أسير مسيحي آخر هونير ستام، سقط في الأسر في طفولته كذلك، ونشأ مع زائير، وفك أساريره حين تعهد بالرجوع ليفتدي بالمال عشرة من الأسرى، ويمضى ثم يعود ليدفع مبلغ الفدية المطلوب من ماله الخاص. ويكافئه أوروزمان بإطلاق سراح مائة لا عشرة فقط من المسيحيين. ولكن نير ستام بحزن لأن زائير ولوسنيان لمقد يكونا من بين من أطلق سراحهم، ومكان هذا الملك بيت المقدس (1186-1187). وتناشد زائير السلطان أوروزمان حتى يطلق سراح لوسنيان، فيجيبها إلى طلبها. إذا الملك العجوز يعتبر زائير في منزلة ابنته ونير ستام في منزلة ابنه. إنها الآن موزعة بين حبها للسلطان الكريم وولائها لأبيها وأخيها وعقيدتهما المسيحية. ويهيب بها لوسنيان حتى تتخلى عن السلطان والإسلام معاً: "أواه يا أبنتي، فكري في الدم الزكي الذي يجري في عروقك، دم عشرين ملكاً كلهم مسيحيون مثلي، دم الأبطال، دم المدافعين عن العقيدة، دم الشهداء والقديسين. إنك لا تعهدين مصير أمك، إنك لا تعهدين أنه في نفس اللحظة التي ولدت فيها ذبحها أولئك المتبربرون الذي تعتنقين دينهم البغيض على مرأى مني. إذا أخوتك والشهداء الأعزاء يمدون إليك أيديهم من السماء، يريدون حتى يحتضنوا أختاً لهم. آه يا ابنتي! تذكريهم! إذا الرب الذي خنث عهده، لفظ النفس الخير من أجلنا ومن أجل البشر جميعاً. انظري إلى الجبل المقدس الذي اغتال عليه مخلصنا، والمقبرة التي نهض منها ظافراً منتصراً. في جميع طريق تمشين فيه سترين خطوات الرب، هل تنكرين خالقك،يا ترى؟ زائير:... يا إلهي العظيم... تحدث يا أبتاه ماذا أعمل،يا ترى؟ لوسنيان:... أمضىي عني العار والحزن بحدثة منك، وقولي أني مسيحية. زائير: إذن يا إلهي، أنا مسيحية..... لوسينان: أقسمي بأنك ستحفظين هذا السر الخطير. زائير: اقسم لك على ذلك(8).

ولما فهم نير ستام بإصرارها على الزواج من أوروزمان، راوده التفكير في قتلها، ولكن رق قلبه، وألح في قبولها التعميد فوافقت، وبعث إليها برسالة يحدد فيها مكان وزمان الاحتفال بتعميدها، وحسب أوروزمان الذي لم يكن يدري حتى نير ستام أخوها، إنها رسالة حب وغرام، ويفاجئ زائير في الموعد المضروب، ويطعنها. ثم يكتشف حتى العشيقين المزعومين ليسا إلا أخاً وأختاً، فينتحر.

إن حبكة الرواية موضوعة ببراعة، مبسوطة بطريقة مسرحية متماسكة وهي تمثل في شعر سلس موسيقي. وإننا لندرك من خلال البتر العاطفية التي تبدوالآن ثقيلة مبالغاً فيها، والسبب في حتى باريس أغرمت بزائير وأوروزمان، وفي حتى الملكة الصالحة الحزينة ذرفت الدمع عند تمثيل المسرحية للحاشية في فونتنبلو. وترجمت المسرحية إلى الإنجليزية ومثلت بسرعة في إنجلترا وإيطاليا وألمانيا. ونودي آنذاك بفولتير أعظم شاعر على قيد الحياة في فرنسا، وخلفاً صالحاً لطورني وراسين. ولكن هذا لم يرق في عيني جان بابتست روسو، وهوشاعر فرنسي مقيم في المنفى في بروكسل، فحكم على زائير بأنها "مسرحية تافهة فاترة... مزيج كريه من التدين والفجور". فرد عليه فولتير شعراً في معبد الذوق" يشهر فيه بروسوويمجد موليير.

وبلغ فولتير ذروة المجد وعانق النجوم، ولكنه لم يكف عن العمل. ففي شتاء 1732-1733 تفهم الرياضيات كما تفهم نيوتن، مع ضحيته مستقبلاً موبرتوي Moupertuis، وأعاد كتابة "ايريفيل Eriphile" ونقح زائير وشارل الثاني عشر، وجمع مادة كتابه "قرن لويس الرابع عشر" ووضع اللمسات الأخيرة على كتابه "رسائل عن الإنجليز" وأخرج مسرحية أخرى (أليد) كما خط أشياء صغيرة لا تحصى: رسائل، قصائد مدح، اقتراحات، بعض الحكم الساخرة، بعض أغاني الحب-وكلها تتسم بالظرف في نظم رقيق مصقول. وعندما ماتت مضيفته السخية، مدام دي فونتين مارتل، انتقل إلى داره في شارع (لونج بزان) واشتغل بتصدير القمح. ومذ جمع بين التجارة والقصص، فإنه التقى (1732) بالسيدة جبرييل اميلي لي تونلييه دي برتيل مركيزة دي شاتيليه، وارتبطت حياته بحياة السيدة الفذة المغامرة حتى وافاه الأجل المحتوم.

وكانت آنذاك في السادسة والعشرين (وهوفي الثامنة والثلاثين)، وكانت حياته بالعمل حافلة متعددة الجوانب فهي ابنة البارون دي برتييه، ولذلك تلقت تعليماً غير عادي. حتى أنها في سن الثانية عشر درست اللاتينية والإيطالية وغنت غناء رخيماً، وعزفت على البيان الصغير، وبدأت في سن الخامسة عشرة تترجم الإلياذة إلى الفرنسية شعراً، وأضافت إلى هذا اللغة الإنجليزية ودرست الرياضيات على يدي موبرتوي. وفي التاسعة عشرة تزوجت المركيز فلورنت كلود دي شاتيليه لومونت، وكان في الثلاثين من العمر. وأنجبت له ثلاثة أطفال. ولكن فيما بعد هذا لم يكن للواحد مبهماً يرى الآخر إلا لماماً، حيث كان هوعادة مشغولاً مع فرقته، أما هي فبقيت قريبة من الحاشية وقامرت بمبالغ طائلة، وجربت الحب. فلما هجرها عشيقها الأول تناولت سماً، وأنقذوها على كره منها بواسطة عقار مقيء، واحتملت في رباطة جأش جربتها من قبل، هجران عشيق ثان هوالدوق دي ريشيليو، لأن جميع فرنسا عهدت سيرة تقلبه بين النساء.

والتقى فولتير بالمركيزة على مائدة العشاء فلم ينزعج، بل سرته قدرتها على التحدث في الرياضيات والفلك والشعر اللاتيني. ولم تكن مفاتنها طاغية لا سبيل إلى مقاومة إغرائها، ولكن سيدات أخريات أسرفن، في وصفها. انصت إلى مدام دي فان وهي تقول: (امرأة ضخمة متحفظة لا أوراك لها، صدرها هزيل؛... ذات ذراعين ضخمين ورجلين كبيرين، وقدمين ضخمتين، ورأس صغير جداً، وقسمات حادة، وأنف محدد وعينية صغيرتين خضراوين تميلان إلى الزرقة. سمراء البشرة أسنانها رديئة(9)" واتفقت معها المركيزة دي كريكي فنطقت "إنها عملاقة-ماردة، ذات قوة جبارة، وكانت فضلاً عن ذلك آية في القبح والبشاعة، وكان جلدها في لون مبشرة جوزة الطيب الداكنة، إنها تشبه في جملتها جندياً طويل القامة قبيح الصورة. ومع ذلك تحدث فولتير عن جمالها(10)". حتى سانت لامبرت الوسيم احبها سراً عندما كانت في الثانية والأربعين. وليس لنا حتى نثق في رأي السيدات بعضهن في البعض الآخر. وقد تبين من صورها الشخصية حتى اميلي كانت طويلة القامة مسترجلة، ذات جبهة مديدة ونظرة متعجرفة، ولم تكن قسمات وجهها غير جذابة، وقد نشعر بشيء من الاطمئنان إذا فهمنا حتى (لها صدراً شهوانياً ولكنه راسخ(11)).

ويمكن حتى تكون أميلي قد كان فيها ما يكفي من الرجل ليكمل المرأة في فولتير. ومهما يكن من أمر فإنها لجأت إلى جميع الحيل والوسائل الأنثوية لتصلح ما أفسد الدهر من جمالها-مستحضرات التجميل والعطور والمجوهرات والحلي والمخرمات. وسخر فولتير من ولعها بالتزين. ولكنه أحب بتحمسها للعلوم والفلسفة. فهنا سيدة استطاعت حتى في غمرة الصخب والضوضاء في باريس وفرساي حتى تنسحب من مائدة القمار، لتدرس نيوتن ولوك، إنها لم تقرأ نيوتن فحسب بل أنها استوعبته كذلك زهي التي ترجمت قوانين نيوتن إلى الفرنسية، ووجد فولتير أنه من اللائق حتى يتخذ من نفس المرأة رفيقة دراسة وعشيقة في وقت معاً. وفي 1734 اعتبر بنفسه بالعمل الرجل الذي ترتضيه عشيقاً لها: (يا إلهي! أية لذة ومتعة أجدها بين ذراعيك كم أنا سعيد بالإعجاب بالمرأة التي أحبها(12)!


بريطانيا - رسائل الإنگليز

في عامي 1733 و1734 نشر فولتير بعد عناء شديد أول إسهامه في عصر الاستنارة، وكان تعبير عن 24 رسالة موجهة من إنجلترا إلى تييريووترجمت إلى الإنجليزية وصدرت في لندن (1733) رسائل متعلقة بالأمة الإنجليزية. ولكن كان في طبع الأصول في فرنسا مغامرة بحرية المؤلف وصاحب المطبعة كليهما. وخفف فولتير من بعض الأجزاء، وحاول حتى يحصل على أذن من الحكومة بطبع البقية، فرفضوا منحه الترخيص، وهنا لجأ ثانية إلى نشرها سراً في روان. وحذر الناشر جور من تسرب أية نسخة للتداول لبعض الوقت على الأقل، ولكن في أوائل 1734، وصلت عدة نسخ إلى باريس تحت عنوان "رسائل فلسفية". وحصل أحد القراصنة الناشرين على نسخة، وأصدر منها طبعة كبيرة العدد دون على فولتير. وفي نفس الوقت كان فولتير ومدام دي شاتيليه قد قصدا إلى قصر مونتحي بالقرب من أوتون على مسافة 190 ميلاً من باريس ليحضرا حفل زفاف ريشيليو.

وبدأ الكتاب بأربع رسائل عن جماعة الكويكرز الإنجليزية، وأوضح فولتير حتى هؤلاء الكويكرز ليس لهم تنظيم كنسي ولا قساوسة ولا أسرار ولا قرابين مقدسة، مع ذلك مارسوا الشعائر المسيحية في إخلاص وإيمان أكثر من أي مسيحيين عهدهم. ووصف أوتخيل زيارة قام بها لواحد منهم ونطق: "سألت واحداً منهم: سيدي العزيز، هل عمدوك،يا ترى؟ فأجاب "لا لم أعمد لا أنا ولا أخوتي". وصحت في وجهه: عجباً كيف من الممكن أنقد يكون هذا إذن أنتم لستم مسيحيين! فأجاب في صوت هادئ خفيض يا بني، لا تقسم، نحن مسيحيون" "ونحن نحاول حتى نكون مسيحيين صالحين، ولكننا لا نرى حتى المسيحية مجرد ماء بارد مع قليل من الملح على الرأس وعارضته. (يا إلهي! لا تتحدث بهذا الضلال! هل نسيت حتى يوحنا عمد المسيح؟) فرد قائلاً: يا صاحبي، لا تقسم بعد ذلك، إذا يوحنا عمد المسيح ولكن المسيح لم يعمد أحداً... ونحن أتباع المسيح لا أتباع يوحنا فقلت له: (وا حسرتاه أيها المسكين جزاؤك الحريق في بلاد محاكم التفتيش وسألني (هل أجروا لك عملية ختان؟). فأجبته (لم يكن لي شرف الختان).

فنطق: (حسناً، أنت مسيحي دون ختان، وأنا مسيحي دون تعميد) ونطق الكويكرز إذا التعميد مثل الختان من العادات السابقة على المسيحية وقد أبطلها إنجيل السيد المسيح الجديد. ثم استطرد فولتير يتحدث عن الحرب )لن نمضى أبداً إلى الحرب، لا لأننا نخشى الموت، بل لأننا لسنا ذئاباً ولا نموراً، ولا كلاباً نحن رجال مسيحيون. حتى إلهنا الذي أمرنا نحب أعداءنا يقينا لا يريد منا حتى نعبر البحر لنقتل أخوة لنا، لمجرد حتى السفاحين الذين يرتدون ثياباً في لون الدم وقبعات عالية ترتفع إلى قدمين يجندون المواطنين بينما يحدثون جلبة باثنتين من العصي ممدتين على جسم حمار. وبعد النصر تتألق لندن كلها في الأضواء وتلتهب سماؤها بالألعاب النارية وطلقات المدافع، على حين نرثي في صمت للمذبحة التي أدت إلى مثل هذا الابتهاج العام(13).

لقد أوذيت فرنسا أيما إيذاء، وكادت حتى تدمر نفسها لمحاولتها فرض عقيدة واحدة على جميع الفرنسيين. وأسهب فولتير في وصف التسامح بالنسبة للخلافات الدينية في إنجلترا. "هذه بلد الطوائف. والرجل الإنجليزي، باعتباره حراً يسلك إلى السماء الطريق الذي يختاره.(14) ووازن فولتير بين أخلاق رجال الدين الإنجليز وأقرانهم الفرنسيين. وهنأ الإنجليز بأنهم ليس لديهم رهبان. إذا الإنجليز ليحمدون الله ويشكرونه على أنهم بروتستانت حين يفهمون حتى الشبان الفرنسيين المعروفين بفسقهم وفجورهم يرقون إلى مناصب الأساقفة والمطارنة بعمل الدسائس، ويؤلفون الأغاني الرقيقة ويقيمون ولائم العشاء الباذخة جميع يوم تقريباً، ويطلقون على أنفسهم أنهم خلفاء الرسل.(15) وفي الرسالة الثامنة لف فولتير الخنجر إلى صدر الحكومة في فرنسا: "إن الأمة الإنجليزية وحدها هي التي عهدت كيف من الممكن أن تحدد سلطة الملوك بوقوفها في وجههم... وأخيراً أقامت هذه الحكومة الرشيدة، وفيها يتمتع الملك بكل القوة والسلطة في حتى يعمل الخير، على حين تغل يداه عن الإتيان بأي شر أوسوء. (وهنا يردد فولتير تعبير مشهورة مأثورة عن رواية فنليون "تليماك". إذا إقرار الحرية في إنجلترا تطلب ثمناً غالياً ولا ريب، فقد أغرق صنم الحكم الاستبدادي المطلق في بحر من الدماء، ولكن الإنجليز لا يرون أنهم اشتروا القوانين العادلة الصالحة بثمن باهظ، فهناك أمم أخرى مرت بمحن وأوقات عصيبة لا تقل عما عاناه الإنجليز، ولكن الدماء التي أريقت دفاعاً عن قضية الحرية لم تكن إلا تثبيتاً لعبوديتها(21).

إن حق التحقيق في قانونية حبس التهم في إنجلترا يحرم السجن دون قضية محددة، ويتطلب محاكمة علنية، بواسطة المحلفين، أما في فرنسا فهناك "الأوامر السرية المختومة". وقبل مونتسكيوبأربعة عشر عاماً، رأى فولتير "فصل السلطات في الحكومة الإنجليزية وامتدحه وبالغ فيه، كما رأى تنسيق العمل بين الملك ومجلس اللوردات ومجلس العموم. وأشار فولتير إلى أنه لا يمكن فرض ضرائب إلا بموافقة البرلمان" "وأنه لا يعفي أحد من ضرائب معينة... لأنه نبيل أوكاهن."(17)وفي إنجلترا يشتغل صغار أبناء النبلاء بالتجارة وبمختلف المهن، أما في فرنسا فإن التاجر غالباً ما يسمعهم يتحدثون عن مهنته في ازدراء واحتقار، حتى يبلغ به الحمق إلى حد الشعور بالخزي والعار من الاشتغال بالتجارة. ولست أدري أيهما أنفع للدولة-نبيل نتأنق يعهد بالضبط متى يصحوالملك من نومه أويأوى إلى فراشه، ويستشعر العظمة حين يقوم بدور العبد الرقيق... أورجل أعمال (مثل فوكنر مضيف فولتير في لندن، يثري وطنه ويصدر الأوامر من مخطه إلى سورات والقاهرة، ويسهم في إسعاد العالم بأسره(18) وأخيراً في بترة تضمنت برنامجاً لفرنسا مضى فولتير إلى: حتى الدستور الإنجليزي بلغ قمة التفوق وكان من نتيجة ذلك حتى جميع الناس استعادوا حقوقهم الطبيعية، على حين أنهم محرمون منها في سائر الملكيات تقريباً. وهذه الحقوق هي الحرية الكاملة في أشخاصهم وفي ممتلكاتهم: حرية الصحافة حق المحاكمة بناء على نص صريح في القانون، وحق جميع إنسان في اعتناق العقيدة التي يرتضيها دون إزعاج.(19)

ولا بد حتى فولتير عهد حتى فريقاً من الناس فقط هم الذين تمتعوا بهذه الحقوق الطبيعية "وأن الحرية الشخصية لم تتحر من خطر الرقابة الصحفية، وأنه كانت هناك حدود وقيود على حرية الكلام في الدين وفي السياسة، وأن المنشقين والكاثوليك كانوا مستبعدين من الوظائف العامة. وأنه كان من الميسورة في إنجلترا رشوة القضاة ليتجاهلوا القانون. إذا فولتير لم يدون وصفاً نزيهاً لواقع إنجلترا, أنه كان يستخدم إنجلترا سوطاً يحرك به الثورة في فرنسا ضد ظلم الدولة أوالكنيسة. حتى كون جميع هذه الحقوق تقريباً أصبحت الآن قضية مسلماً بها في البلدان المتحضرة يضفي على ما أنجزه القرن الثامن عشر روعة وجلالاً.

ولا يقل عن هذا أهمية في أثره على الفكر الحديث امتداح فولتير لبيكون ولوك ونيوتن. إنه نطق عن بيكون الذي اتهموه وجرحوه ما حكم به بولنجيزوك على مالبرو"إنه رجل بلغ من العظمة حداً لا أستطيع معه حتى أتذكر هل كان له أخطاء أم لا"(20)ثم أردف يقول" إذا هذا الرجل العظيم بيكون هوأبوالفلسفة التجريبية لا من أجل التجارب التي قام بها، بل بما وجه من نداءات قوية للنهوض بالبحث الفهمي. وتلك هي الفكرة التي حدت بديدروودالمبرت إلى القول بأن بيكون هوأول من أوحى إليهم بدائر المعارف التي وضعوها.

وخصص فولتير لجون لوك جميع الفصل الثالث عشر تقريباً. إنه لم يجد فيه مجرد فهم العقل بدلاً من أسطورة النفس، بل عثر فلسفة كامنة كاملة حتى أنه بإرجاعه جميع الفهم إلى الشعور، حول الفكر الأوربي عن الإلهام الإلهي إلى الخبرة الإنسانية، باعتبارها المصدر الوحيد للحقيقة وأساسها. ورحب برأي لوك في أنه يمكن تصور إذا المادة يمكن تمكينها من التفكير وغصت بهذه العبارة بالذات حلوق رجال الرقابة الفرنسية، وكان لها أثراً كبير في الحكم على الكتاب وإدانته. ويبدوأنهم تنبئوا فيها بمادية لامتري وديدرو. ورفض فولتير حتى يسلم نفسه إلى المادية، ولكنه عدل تعبير ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" إلى "أنا جسم وأنا أفكر ولا شيء غير هذا".

وأشارت الرسالة الرابعة عشرة على الفرنسيين حتى يتخلصوا من ديكارت وينصرفوا إلى دراسة نيوتن. إذا حكم الرأي العام في إنجلترا على هذين المفكرين هوإذا أولهما كان حالماً والثاني حكيماً. وقدر فولتير أعظم تقدير إضافات ديكارت إلى الهندسة، ولكنه لم يستسغ الدوامات الكونية عند ديكارت. إنه أقر بأن ثمة شيئاً وهمياً غامضاً، أوعلى الأقل مخدراً في منطقات نيوتن عن الكرونولوجيا القديمة (تقسيم الزمن إلى فترات وتعيين تاريخ الأحداث) وسفر الرؤيا، وأوحى فولتير بشكل لطيف بأن نيوتن خط هذه الموضوعات ليعزي البشرية عن تفوقه البالغ عليها(21) إنه عثر حتى نيوتن ما زال عويصاً يصعب فهمه، ولكن اجتماع الرجال البارزين في الحكومة وفي ميدان العلوم لتشييع جنازته هجر في نفسه أثراً عقد معه العزم على دراسة قوانين نيوتن، وعلى حتىقد يكون رسول نيوتن إلى فرنسا، وهنا أيضاً غرس فولتير بذور دائرة المعارف وعصر التنوير.

وأخيراً صدم فولتير الفكر الديني في فرنسا بنقد لاذع وجهه إلى آراء بسكال. إنه لم يقصد تضمين هذا في رسائله، فليس لهذا علاقة بإنجلترا، ولكنه كان قد أوفده من إنجلترا إلى تيير 1728، فألحقه الناشر اللص بالرسائل باسم رقم 25، وكانت النتيجة حتى الجانسنيين-الذين قدسوا بسكال إلى حد العبادة، وسيطروا على برلمان باريس-، فاقوا الآن اليسوعيين (الذين لم يحبوا بسكال قط) في استنكار فولتير وشجبه وكان فولتير غير قابل أساساً للاتفاق مع بسكال حيث كان في هذه الفترة (اللهم إلا في رواياته) عقلانياً متشدداً لم يكن قد عثر بعد مجالاً للوجدان في فلسفته. وكان لا يزال شاباً ممتلئاً حيوية ونشاطاً ينعم بالحياة وسط محنه البطولية، ومن ثم عارض التشاؤم الجزع الكئيب عند بسكال "ولسوف أتجاسر فأقوم بدور الجنس البشري ضد هذا المبغض للشر المهيب"(22)ورفض "رهان" بسكال (أي أنه من الأحكم حتى نراهن على وجود الله لا العكس) باعتباره عملاً صبيانياً يجافي الحشمة والوقار... إذا اهتمامي بالاعتقاد بشيء ليس برهاناً على حتى هذا الشيء موجود"(23)ولم يعرض بسكال الرهان (على أنه برهان) وسلم بأنه ليس في مقدورنا حتى نفسر الكون أونعهد قدر الإنسان، ولكنه أرتاب في أننا نستطيع من هذا الجهل حتى نستنتج صدق قانون الإيمان المسيحي الذي اتى به الرسل. كما أنه لم يحس في هذا العصر المرح المفعم بالحيوية بأي تعاطف مع تطلع بسكال إلى الراحة والدعة، حيث نادى بأن الإنسان "خلق ليعمل... فعدم العمل وعدم الوجود سيان بالنسبة للإنسان(24)".

وليست "ملاحظات على أفكار بسكال" أفضل ما كان يمكن حتى تجود به قريحة فولتير. أنه لم يكن قد أعدها للنشر، ولم يكن لديه الفرصة لمراجعتها وتنقيحها. وقضت الأحداث اللاحقة-مثل زلازل لشبونة-على نضارة تفاؤله الفتي. وعلى الرغم من هذا الملحق غير المدروس وغير الجدير بالاعتبار، فإن "الرسائل الفلسفية" كانت أحد المعالم البارزة في الأدب الفرنسي والفكر الفرنسي. فهنا لأول مرة ظهرت الجمل الموجزة الدقيقة والوضوح المبين والذكاء المرح والتهكم اللاذع، وأصبح جميع هذا منذ الآن طابعاً أدبياً مميزاً يتجاوز ويتجاهل الحرص على إنكار اسم المؤلف. إذا هذا الكتاب، وكتاب الرسائل الفارسية حددا أسلوب النثر الفرنسي من عهد الوصاية إلى عصر الثورة. وفوق هذا فإنها أحكمت حلقة من أقوى الحلقات في الربط بين المفكرين الفرنسيين والإنجليز، وهي كما قدر بكل "أهم حقيقة إلى حد بعيد في تاريخ القرن الثامن عشر"(25)إنها كانت بمثابة إعلان حرب ومخطط شن حملة. ونطق روسوعن هذه الرسائل إنها قامت بدور كبير في إيقاظ عقله. ولا بد حتى آلافاً من شباب فرنسا دانوا لها بمثل هذا الفضل. ونطق عنها لافاييت أنها صيرته جمهورياً وهوفي التاسعة من عمره. ورأى هين "إنه لم يكن لزاماً على رقيب المطبوعات حتى يصادر هذا الكتاب حيث كان لا بد من قراءته بغير هذا الإجراء"(26).

وأحست الكنيسة والدولة والملك والبرلمان أنهم لم يعودوا يطيقون صبراً على مثل هذه الجراح الكثيرة في صمت، فأوفد صاحب المطبعة إلى سجن الباستيل، وصدر أمر سري مختوم بالقبض على فولتير أينما وجد. وفي 11 مايوظهر أحد رجال الشرطة يحمل أمراً بالقبض عليه. ولكن من المحتمل حتى موبرتوي ودار جنتال كانا قد حذرا فولتير فغادر فرنسا قبل ذلك بخمس ة أيام. وبناء على أمر البرلمان فيعشرة يونيه أحرق جميع ما عثر من نسخ الكتاب بيد مأمور التطبيق العام في فناء قصر العدل باعتباره عملاً شائناً ينافي الدين والخلاق القومية ويتعارض مع احترام الواجب للسلطات العامة. وقبل فهم المركيزة دي شاتيليه بوصول فولتير سالماً إلى اللورين خطت إلى صديق لها: "أنا لا أطيق صبراً على مجرد فهمي بأنه في السجن وهوفي مثل هذه الصحة والعافية وقوة الخيال. وأنا لا أحبذ ذلك مطلقاً". وأجمعت هذه السيدة والدوقة دي بشيليووغيرهما من السيدات ذوات المكانة الرفيعة أمرهن على العمل معاً للحصول على عفوعنه. ووافق حامل الأختام على إلغاء أمر القبض إذا أنكر فولتير تأليفه للكتاب. لكن تلك كانت خدعة لأنه كان على فهم اليقين حتى فولتير هوالمؤلف. وكان حامل الأختام هذا أحد موظفي الحكومة الذين لطفوا من حدة الرقابة من آخر بالأعضاء عما في الكتاب من مآخذ. ووافق فولتير فوراً على إنكار أنه المؤلف. وهذه كذبة بيضاء من الممكن الصفح عنها بسهولة. فضلاً عن حتى الكتاب الذي برئ من تأليفه وزع دون موافقته. وخط فولتير إلى الدوقة دي ايجوبون:

يقولون إنه يجب حتى أتراجع... بكل سرور.. سأعرب حتى بسكال على حق دائماً وأن القساوسة مهذبون وديعون منزهون عن الغرض "وإن الرهبان ليسوا متغطرسين ولا منصرفون إلى تدبير الدسائس، ولا حقراء وأن محاكم التفتيش المقدسة هي فوز الإنسانية والتسامح(27).

والغي أمر القبض على شرط حتى يبقى فولتير بعيداً عن باريس. فتنقل من قصر إلى قصر قرب حدود المدينة ورحب النبلاء الذين لم يتمسكوا كثيراً بأهداف الدين، كما لم يميلوا مطلقاً إلى الحكومة الملكية المركزية المستبدة وتلقى الدعوة بالإقامة في بلاط هولشتين مع معاش قدرة عشرة آلاف فرنك سنوياً ولكنه رفض(28)وفي يوليه أوى إلى قصر مدام دي شاتيليه في سيري في شمبانيا. وهناك وهوالضيف الذي يتحمل نفقات عشيقته وزوجها بدأ أسعد سني حياته.


قرية سيري

In the frontispiece to their translation of Newton, Émilie du Châtelet appears as Voltaire's muse, reflecting Newton's heavenly insights down to Voltaire.

سيري الآن قرية عدد سكانها 250 شخصاً في مقاطعة المارن الأعلى في شمال شرقي فرنسا على بعد بضعة أميال من اللورين، وصفتها مدام دنيس ابنة أخي فولتير 1738 بأنها منعزلة موحشة على بعد أربعة فراسخ من العمران في منطقة لا يرى المرء فيها شيئاً غير الجبال والأراضي غير المنغرسة وربما أحبها فولتير لأنها بقعة هادئة حيث يستطيع حتى يتفرغ فيها لدراسة العلوم وكتابة التاريخ والفلسفة، وتنساه الحكومة الفرنسية, أما إذا لاحقته فإنه يستطيع الانطلاق منها هرباً إلى اللورين في ظرف ساعة واحدة.

وكان القصر طللاً متهدماً من مخلفات القرن الثالث عشر. قلما أقام فيه آل شاتيليه ولم يكن يصلح للسكنى منذ أمد بعيد، ولم يهتم المركيز بإصلاحه، أولم يكن لديه المال لهذا الغرض، فأقرضه فولتير 40 ألف فرنك بفائدة قدرها 5% للقيام بالإصلاحات اللازمة ولم يطالب المركيز قط بسداد هذا القرض. وأعدت بعض غرف شغلها فولتير، وأمر ببناء جناح جديد، وأشرف على ترميم بقية القصر. وفي نوفمبر وصلت المركيزة ومعها مائتا حقيبة من الأمتعة، وعدلت من إصلاحات فولتير بما يتناسب مع ذوقها الخاص، وأقامت هناك-وهي التي كانت قضت معظم سني شبابها بين الحاشية الملكية أوقريباً منها-منصرفة إلى الدراسة مع زوجها وعشيقها في وقف معاً. وأقام المركيز اللطيف نعها ومع فولتير بين الحين والحين حتى 1740، محتفظاً لنفسه في لباقة بشقة خاصة به وبمواعيد خاصة لتناول الطعام وحده. وبعد ذلك قضى معظم وقته مع كتيبته. وكانت دهشة فرنسا وإعجابها بكياسة الزوج أقل منها بإخلاص العشيقين.

وفي ديسمبر عادت مدام شاتليه إلى باريس وزارت الدوقة رويشيليوفي معتقلها، وأقنعت الحكومة بإلغاء الأمر بإقصاء فولتير عن العاصمة في 2 مارس 1735 فقصد إلى باريس وأقام فيها عدة أسابيع مع خليلته، ولكن ماضيه لاحقه، فإن أجزاء من شعره الفاجر كان يتناقله الناس. ولم يتمالك هونفسه قراءة بعض بتره القوية على أصدقائه. كما نشر أحد الناشرين اللصوص "رسالة إلى أورانيا"، وكان فولتير قد خطها قبل ذلك بخمس عشر سنة، وقد هاجم فيهس المسيحية، فأنكر أنه مؤلفها بطبيعة الحال ولكنها كانت تحمل بصمات أسلوبه وفكره. ولم يصدق إنكاره أنه المؤلف، فهرب ثانية إلى اللورين، ومنها في حيطة وحذر إلى سيري. وتلقى من الحكومة تأكيدات عن طريق غير مباشرة بأنه إذا ظل هناك دون حتى يرتكب أية مخالفة أخرى فلن يعكر صفوه أحد. ولحقت به مدام دي شاتيليه مع ابنتها وابنها ومفهمهما، وكان طفلها الثالث قد مات. وهنا أخيراً بدأ شهر عسل فلسفي.

وكان لكل من الفيلسوفين مجموعة غرف خاصة به على جانبي القصر. وكانت شقة فولتير تتكون من حجرة انتظار ومخط ومخطة وحجرة نوم وكسيت وجدران بنسيج من المخمل الأحمر المنقوش، وازدانت باللوحات التي اقتنى منها فولتير مجموعة ثمينة منها لوحة من رسم تيشيان وعدة لوحات من رسم تنيير، كما كان هناك تماثيل فينوس وكيوبييد وهركيوليز، ولوحة كبيرة لصديقها الجديد الأمير فردريك ولي عهد بروسيا. وعلى حد تعبير مدام جرافيني، كانت النظافة التامة في هذه الحجرات إلى حد "يمكن معه تقبيل الأرض"(30)أما جناح المركيزة فكان مختلفاً عن هذا ذوقاً: اللون أصفر الفاتح واللون الأزرق الباهت مع لوحات من رسم فيرونيز وواتو، وصورة السقف وأرضيته من الرخام، ومائة من الصناديق والزجاجات الصغيرة والخواتم والمجوهرات وأدوات الزينة متناثرة هنا وهناك في حجرة ملابسها الصغيرة. وبين مجموعتي الغرف كانت هناك قاعة كبيرة أعدت لتكون معملاً للفيزياء والكيمياء، فيها مضخات هواء ومقاييس حرارة وأفران وبوتقات ومنظار مقرب (تلسكوب) ومجهر ([ميكروسكوب]) ومنشورات وبوصلات وموازين. وكان هناك عدة غرف للزائري، لم تكن مؤثثة تأثيثاً جيداً. وعلى الرغم من القماش المنقوش على الجدران كانت رياح الغابات تتسلل إلى القصر من خلال الشقوق والنوافذ والأبواب. وكان لزاماً لتدفئة هذا القصر إلى حد مقبول وجود 36 مدفأة تستهلك في اليوم الواحد ستة كوردات من الخشب (الكورد=28 قدماً مكعباً من الخشب). ويمكن حتى نتخيل عدد الخدم اللازمين له، أضف إلى ذلك مسرحاً لأن فولتير كان يحب حتى يمثل وبخاصة في رواياته هوأنه ليؤكد لنا حتى المركيزة كانت ممثلة بارعة، وكان الضيوف والمفهم والخدم يحيطون بشخصيات الرواية، ويغنوا بالأوبرا، أحياناً لأن المركيزة (كما يؤكد فولتير مرة أخرى) كان صوتها ملائكياً. كما كان هناك عروض لمسرح العرائس وعروض بالفانوس السحري، قرنها فولتير بتعليقات أغرقت الحاضرين في الضحك.

ولكن اللهوكان طارئاً أما العمل فكان نظاماً يومياً. وكان العاشقان عادة، يعملان منفصلين جميع في نطاقه، ولوأنهما تعاونا أحياناً في العمل، وقلما كان الواحد منهما يرى الآخر في أثناء النهار إلا في وجبة الطعام الرئيسية عند الظهر تقريباً. وكان المركيز يهجر المائدة قبل حتى يبدأ الحديث. وغالباً ما أنسل فولتير أيضاً إلى مخطه تاركاً الآخرين يتسامرون. وكان له هناك أدوات مائدته الخاصة به لأنه يتناول طعامه وحده أحياناً. وإنا لنرى قلبه بحق محدثاً ممتعاً ممتلئاً بالحيوية، ويمكن حتىقد يكون محط الأنظار ومبعث الحياة في أي اجتماع يشهده، ولكنه كان يكره الحديث التافه. وكان يقول "هذا الوقت الذي نقضيه في الحديث يزعجني كثيراً ويجدر بنا ألا نضيع دقيقة واحدة، إذا أكثر ما نضيع هوالوقت(31)وكان يخرج أحياناً لصيد الغزال حباً في الرياضة.

وجدير بنا حتى لا نصور الرفيقين الفيلسوفين على انهما ملاكان، فيمكن حتى تكون السيدة الجافة مستبدة بل قاسية بخيلة بعض الشيء عنيفة مقترة مع خدمها وكانت تحتج إذا نقدهم فولتير أجراً أكبر، ولم يكن بها استحياء من شيء في جسمها، فلم تكن تأبه كثيراً لخلع ملابسها جميعاً أمام سكرتيرهما لونجشامب، أوتكليفه بصب الماء الساخن عليها وهي في الحمام. وكانت تطلع خفية على الرسائل التي يخطها ضيوفها أوترد إليهم، وليس لدينا مرشد على هذا إلا شهادة سيدة أخرى أما فولتير فكان له مئات الأخطاء التي ستكتشف في الوقت المناسب. كان شاعراً مزهواً وكان سريع الغضب والتجهم كأنه طفل، وكثيراً ما هاجم عشيقته وتشاجر معها، وما كان هذا الشجار على أية حال إلا سحب صيف تؤكد سادة أيامهما، وسرعان ما كان فولتير يعود إلى هدوئه وابتسامته وابتهاجه. وما كان يمل الحديث عن سعادته وعن حبه لرفيقته بطريقته الهادئة. ونظم لها مائة قصيدة حب قصيرة جميع منها تصوير بارع في فن محكم. وكانت إحدى هذه الدرر الأدبية مع خاتم من حجر كريم نقشت عليه صورته: "بنقش يبرز هذه القسمات ليقع عليها بصرك. أنظري إليها لتقري عيناً بها. أما صورتك فهي منقوشة في أعماق قلبي بيد صناع أكثر حذقاً وبراعة.(34)".

أما هي فنطقت لا أطيق فراقه لمدة ساعتين دون حتى يمزقني الألم.

ومن بين العشيقين الفيلسوفين كانت هي أكثر انصرافاً إلى الفهم وانكباباً عليه منه. ونفذت قانون سيادة المرأة غير المسطور في إخفاء مخطوطة كتاب فولتير "قرن لويس الرابع عشر" الذي لم يكمل بعد، ووجهته بشدة إلى دراسة العلوم بوصفها الدراسة الحقة لرجل العصر الحديث. ووصفتها مدام دي جرانيني، وكانت ضيفاً عليها في 1738، بأنها أكثر مثابرة على أبحاثها الفهمية من فولتير، حيث كانت تقضي معظم النهار وجزءاً كبيراً من الليل في مخطها. وفي بعض الحيان حتى الساعة الخامسة أوالسابعة صباحاً.(36)وكان موبرتوي يأتي من حين إلى سيري ليتابع دروسه لها في الرياضيات والفيزياء. وربما كانت هذه الزيارات بالإضافة إلى إعجاب المركيزة السافر بسعة فهم موبرتوي، هي التي أثارت الغيرة في قلب فولتير الشديد الحساسية، فأدت إلى الملاكمة والشجار بينهما في برلين.

وهل كانت دي شاتيليه عالمة باحثة حقاً، أم أنها اتخذت من الفهم سبيلاً للأناقة ومجاراة مقتضيات العصر. ورأت مدام دي ديفان وبعض سيدات أخريات حتى دراستها وأبحاثها كانت مجرد مظهر كاذب، وزعمت المركيزة دي كريكي :أن الجبر والهندسة اقتربا بها من حافة الجنون، على حين حتى تحذلقها وكلفها الشديد بموضوع دراستها جعلاها لا تحتمل. والواقع حتى ذهنها تشوش بكل ما تفهمته أوعهدته(37)ولكن انصت إلى مدام دي جرافيني وهي تصف لنا جلسة في سيري.

"في هذا الصباح قرأت علينا ربة البيت عملية هندسية لمؤلف إنجليزي حالم... وكان الكتاب باللغة اللاتينية؛ وقرأته علينا بالفرنسية، وترددت لحظة عند جميع عبارة، وكأني بها تتفهم العمليات الهندسية، ولكن لا، إنها ترجمت بسهولة المصطلحات الهندسية والأرقام والألفاظ الغريبة، ولم تتوقف في شيء. ألا يثير هذا الدهشة حقاً؟(38).

وأكد فولتير لتييريوحتى مدام دي شاتيليه كانت تعهد الإنجليزية جيداً، وأنها عهدت جميع المؤلفات شيشرون الفلسفية، وكانت مولعة جداً بالرياضيات والميتافيزيقا(39). وذات مرة بزت العالم الفيزيائي وعضوالأكاديمية دي ميران في مناقشة عن الطاقة الحركية(40)وقرأت شيشرون وفرجيل في الأصل اللاتيني وأريستووتاسوبالإيطالية، ونيوتن بالإنجليزية، وعندما زار الجاروتي سيري تحدثت معه بالإيطالية. وخطت ولكن لم تنشر كتاباً من ستة مجلدات عن دراسة "سفر التكوين"، مبنية على أعمال الربوبيين الإنجليز عرضت فيه للمتناقضات والأمور البعيدة الاحتمال والأعمال غير الأخلاقية والأفعال الظالمة في الكتاب المقدس. وكانت رسالتها عن السعادة بحثاً أصيلاً عن أسس السعادة، حيث رأت حتى هذه الأسس هي الصحة والحب والفضيلة والانغماس الذاتي العقلاني، ثم طلب الفهم والفهم. وترجمت قوانين نيوتن من اللاتينية إلى الفرنسية، وأشرف على طبعها كليرو، ونشرت بعد وفاتها بست سنوات (1756). وألقت عرضاً موجزاً لنظام العالم نشر في 1759 وأعرب فولتير من الممكن من قبيل الشهامة والود، أنه يفوق كتابه "مبادئ فلسفة نيوتن" (1738)(41)وعندما أعربت أكاديمية العلوم (1738) عن جائزة لأحسن درس عن طبيعة النار وانتشارها، ودخل فولتير المسابقة خطت هي سراً البحث وقدمته دون ذكر اسمها، وخطته في الليل لتخفيه عن فولتير (حيث أتى في بحثي عارضت جميع آرائه تقريباً(42)) ولم يفز أي منهما بالجائزة التي حصل أويلر. ولكن الأكاديمية طبعت منطقيهما، وامتدح جميع منهما منطق الآخر في نشوة الحب العقلي. ومن أجل موضوعه هو، قام بعدة تجارب بعضها في معمله وبعضها في مسبك في شومون المجاورة(43)ودرس فولتير التلكس وكان قاب قوسين أوأدنى من اكتشاف الأوكسجين(44). ونراه في مايو1737 يخط إلى الراهب موسينوفي باريس يطلب إليه كيميائياً للحضور إلى سيري لقاء مائة جنيه سنوياً مع الإقامة الكاملة. ولكن كان على هذا الكيميائي أيضاً حتى يتلوالقداس في أيام الآحاد والعطلات في كنيسة القصر(45). أته من جانبيه آمن الآن بالفهم وحده. وخط في 1741 ينبغي حتى نعتقد في صحة ما تكشف عنه لنا عيوننا وما تكشف عنه الرياضيات. أما فيما عدا هذا فيجدر حتى نكتفي بالقول بأننا لا نعهد(46). فالفلسفة كانت تعني عنده آنذاك خلاصة الفهم:

وبهذا المعنى استخدم فولتير الإصلاح في مؤلفه "مبادئ فلسفة نيوتن أملا في الترخيص الملكي بنشره، ولكنه لم يجب إلى طلبه، وظهرت منه طبعة في أمستردام (1738) دون موافقته. وصدرت طبعته هوهناك في عام 1741، وكانت تعبير عن مجلد ضخم يضم 440 صفحة، نموذجاً رائعاً لما يسميه الفرنسيون "دون تعمد الانتقاض من قدره" تبسيطاً، أي محاولة فهم العويص الصعب منه إلى أكبر حد ممكن. وأضاف المشرف على الطبع عنواناً فرعياً وضع ليكون في متناول الجميع. وغير الراهب ديفتنون هذا العنوان الفرعي في نقد غير ودي إلى "عويص على جميع الناس" وعلى النقيض من ذلك امتدح الجميع الكتاب بل حتى اليسوعيين تقبلوه بقبول حسن في صحيفة تريفو(47). وهنا طردت الجاذبية الكونية التي كشفها نيوتن دوامات ديكارت من أذهان الفرنسيين. وضم كتاب فولتير عرضاً لبصريات نيوتن، وتحقق من التجارب في معمله الخاص، وحاول إجراء تجارب أخرى من عندياته، وحاد عن طريقه قليلاً، ليؤكد اتساق فلسفة نيوتن مع الإيمان بالله. وفي نفس الوقت أكد شمولية القانون في العالم المادي.

وعلى الرغم من جميع هذه الجهود لم يكن فولتير روح رجل الفهم ولا تحديداته وقيل أنه أخفق في حتىقد يكون رجل فهم. وينبغي بنا حتى نرجح القول بأنه كان شخصاً ثرياً متعدد الجوانب إلى حد لا يستطيع معه حتى ينصرف إلى الفهم جميع الانصراف بصفة نهائية. أنه استخدم الفهم وسيلة لتحرير العقل، حتى إذا تم له ما أراد انصرف إلى الشعر والمسرحية والفلسفة بأوسع معانيها، والإنهماكات الإنسانية في الشئون الأساسية في عصره "يجب حتى نهيئ الطريق في حياتنا لكل أساليب الفهم والوجدان ونفتح أمامها الأبواب لتنفذ إلى نفوسنا، فإذا لم تتبدد هذه شذر مذر فإن هناك مكاناً فسحاً لكل شيء(48)" إلى غير ذلك خط في ذاك الوقت (1734) درس في الإنسان ردد فيه إلى حد كبير آراء بوب في نفس الموضوع، حتى إلى درجة إجازة فكرة غير فولتيرية "كل شيء صواب(49)". ونظم في هذه السنوات معظم غادة أورليان (جان دارك). وربما كان هذا انتجاعاً لبعض الراحة من عناء نيوتن. وشرح فلسفته في رسالة في الميتافيزيقا، وقد رأى من الحكمة حتى يحجم عن نشرها. وكانت رسالة فذة مثل سائر إنتاجه، وبدأها بأن تخيل نفسه زائراً وافداً من كوكب المشتري إلى كوكب المريخ، ومن ثم رأى أنه لا يتسقط منه حتى يوفق بين آرائه وبين ما اتى به الكتاب المقدس. وحط رجاله بين كفار جنوب أفريقية. وينتهي إلى حتى الإنسان حيوان أسود الجلد شعره شبيه بالصوف، ثم ينتقل إلى الهند ليجد أناساً صفر اللون ذوي شعر سبط غير مجعد، فيستنتج حتى الإنسان جنس يتألف من عدة أنواع متميزة لا تنحدر كلها من أصل أوسلف واحد(50)ويحكم من مظاهر النظام في العالم ومن الهجريب الهادف ذي المعنى في أعضاء الحيوان بأن هناك رباً ذكياً يصمم أويركب صور الجميع. ولا يرى دليلاً على وجود نفس خالدة غير فانية في الإنسان، ولكنه يشعر بأن إرادته حرة. وقبل هيوم وآدم سميث يزمن طويل نرى فولتير يستمد روح الأخلاق من التعاطف بين الناس بعضهم مع بعض، وقبل هلفشيوس وبنتام بزمن طويل أيضاً نرى فولتير يحدد الفضيلة والرذيلة بما هومفيد وغير ضار بالمجتمع(51)وسنعود إلى هذه الرسالة فيما بعد.

وكم اختلفت هذه الرسالة عن الشعر المرح الذي نظمه فولتير في تاريخ جان دارك وأنا إذا فتحنا الملحمة الساخرة اليوم فلا بد لنا حتى يقفز إلى ذاكرتنا حتى الكلام الفرنسي والأدب الفرنسي كانا أكثر تحرراً آنذاك منهما في النصف الأول من القرن العشرين. ولقد رأينا نموذجاً في الرسائل الفارسية للحاكم مونتسكيو، بل حتى ديدروكان أكثر حرية لا في الجواهر المنظومة فحسب، بل في جاك المؤمن بالقضاء والقدر كذلك. فإذا قورنت جان دارك بهذين الكتابين كما نشرها أخيراً فولتير 1756، لوجدناها معتدلة بشكل محمود. ومن المحتمل حتى الأصل الذي جرى تداوله سراً كان أقرب إلى أسلوب رابليه، ودافع كوندرسيه الوقور الرزين عن القصيدة وروى حتى مالشرب وهوأحد كبار موظفي الحكومة الفرنسية حفظها عن ظهر قلب(52)، ووجد في القسم الحادي والعشرين من القصيدة بعد درس مجهد، بعض أبيات معتدلة في فسقها وشهوانيتها يمكن التجاوز عنها مثل الصور الشبيهة بها عند آريوستو، وقد عوض عنها ببتر كثيرة تقدم وصفاً رائعاً وسرداً بارعاً، وكان فولتير مثل كثير من الفرنسيين في زمانه يرى في جان دارك بنتاً فلاحة بريئة ساذجة، وربما كانت ابنة غير شرعية استسلمت للخرافات واعتادت سماع (الأصوات)، وارتاب في حتى فرنسا كان لا بد حتى تنقذ من الغزوالإنجليزي حتى ولولم تولد هي قط. وفيما عدا هذا ومع التسامح في بعض الأخطاء التاريخية، فإنه روى السيرة بأمانة مع تمليحها ببعض النادىبة ومال الملك برأسه نحوجان الباسلة التي لا تهاب شيئاً، ونطق في صوت مهيب يرهبه الجميع إلا هي وحدها، أنصتي إلى ياجان، إذا كنت عذراء حقاً فأقسمي اليمين، فأجابت: مولاي العظيم، أصدر أوامرك الآن إلى الأطباء الحكماء الخبيرين بأسرار النساء ونظاراتهم على أنوفهم، ورجال الدين والصيادلة وكبيرات المسقمات الخبيرات ليجتمعوا على الفور للفصل في الأمر، فليدققوا النظر ويروا ومن هذا الجواب الحكيم عهد شارل أنها ملهمة تلقت وحياً، وأنها تتمتع بنعمة العذرية المقدسة المباركة، ثم نطق الملك حسناً يا ابنة السماء، ما دامت تعهدين جميع شيء فأبلغيني ماذا وقع بيني وبين زوجتي في الفراش في الليلة الماضية،يا ترى؟ أتوسل إليك تحدثي بصراحة، فنطقت جان لا لم يحدث شيء، فدهش الملك وركع وصاح بصوت عال: أنها معجزة، ثم رسم علامة الصليب وانحنى احتراماً وإجلالاً(53).

وقرأ فولتير على ضيوفه مبتراً أومبترين من جان دارك رغبة في تسليتهم، وليبعث الدفء في أمسيات الشتاء الباردة. وكانت مدام دي شاتيليه تحتفظ بالمخطوطة الضخمة في حرز أمين، وسمح فولتير في استخفاف وإهمال بتداول بعض الأجزاء بين أصدقائه ونسخ بعضها وتناقلها المجتمع غير المهذب على نطاق أوسع مما كان من الحكمة حتىقد يكون. وكان الخوف من حتى تقاضيه الحكومة الفرنسية-لا بسبب فحش القصيدة بل بسبب الهاتى اللاذع في بعض أجزائها للرهبان واليسوعيين والأساقفة والبابوات ومحاكم التفتيش-من بواعث القلق والهموم التي أقضت مضجعه وعكرت عليه صفة حياته.

وكان فولتير أكثر جدية ووقاراً في الزير Alzler "التي بدئ بعرضها بشكل يدعوإلى المساعدة والابتهاج على المسح الفرنسي في 27 يناير 1736. وحققت التاريخ المسرحي بارتداء الثياب التي كانت سائدة في الزمان والمكان المحددين لأحداث الرواية-الغزوالأسباني لدولة بيرووسلبها ونهبها. ويتوسل الفاريت الحاكم الأسباني للبلد المغلوب على أمره إلى المنتصرين حتى يضعوا حداً لقسوتهم فيقول "نحن سوط العذاب الذي نصب على هذه الدنيا الجديدة، نحن عابثون جشعون ظالمون... نحن المتبربرون وحنا هنا أنا المتوحشون السذج البسطاء، ولوأنهم عنيفون بطبيعتهم، فانهم شجعان بواسل مثلنا، ولكنهم يفوقوننا في الميل إلى الخير وطيبة النفس(54). وصفقت باريس لهذه الرواية لمدة عشرين ليلة متوالية ودفعت 53.640 جنيهاً، وتنازل فولتير عن نصيبه من ولج الرواية للممثلين.

وفيثمانية أغسطس 1736 تلقى فولتير أول رسالة من فردريك ملك بروسيا، ومن هنا بدأت مراسلات مشهورة وصداقة فاجعة. وفي نفس العام نشر قصيدة "الرجل الدنيوي" وكأنما كانت رداً مسبقاً على رسالة روسو"بحث في الفنون والعلوم" (1751) حتى فولتير ضاق ذرعاً بالحالمين الواهمين الذين يضفون المثالية على الإنسان البدائي غير المتمدن الودود الصاعد "أويحبذون الرجوع إلى الطبيعة" هرباً من الانفعال وتوتر الأعصاب والنفاق والخداع في الحياة الحديثة. إنه هونفسه كان مستريحاً وسط ما يعاني من بلايا ومحن، ورأى أنه كان عليه لزاماً عليه حتى يقول حدثة طيبة في المدنية إنصافاً لها. إنه لم يجد أية فضيلة أوميزة في الفقر، أوأي انسجام بين الجراثيم والحب وربما كان البدائيون شيوعيين، وهذا فقط لأنهم لمقد يكونوا يملكون شيئاً. وإذا إتسموا بالاعتدال والقصد والرزانة فما ذاك إلا لأنهم لم يكن لديهم خمور "وأنا من جانبي أحمد للطبيعة الحكيمة أنها من أجل سعادتي أنجبتني في هذا العصر الذي يحط من قدره نقادنا الذين تعروهم الكآبة والانقباض. إذا هذا الزمن الدنس ملائم جميع الملائمة لحياتي فأنا أحب الترف والبدخ بل الحياة الناعمة وكل الملذات والفنون على اختلاف أنواعها، والنظافة والذوق والزينة والزخرفة وبدا له جميع هذا مفضلاً لديه بشكل واضح على جنات عدن "أبي العزيز آدم، اعترف أنك ومدام حواء كانت لكما أظفار طويلة سوداء بما فيها من أقذار، وان شعره كما كان أشعث أغبر إلى حد ما.... وعبثاً حاول الفهماء حتى يعينوا مكان جنة عدن... إذا جنة الأرض هي التي أعيش فيها أنا الآن.

ولم ترق في أعين رجال الدين الصورة التي رسمها فولتير لآدم وحواء، وأصروا على حتى سفر التكوين تاريخ سليم، ولم يقروا فولتير على ما اتى به عن أظافر آدم وشعر حواء، وتعالت الأصوات مطالبة بالقبض على شيطان سيري الكافر. وحذره الأصدقاء مرة ثانية، فاعتزم الرحيل. وفي 21 ديسمبر 1736 غادر سيري واميلي، قاصداً بروكسل متنكراً في زي التاجر ريفول. وسخر المعجبون به هناك من تنكره ومثلوا مسرحية آلزير تكريماً له. وحذر جان بابتست أهل بروكسل من حتى فولتير اتى إليهم ليبشر بالإلحاد، فانتقل إلى ليدن حيث احتشدت الجماهير لرؤيته، ثم إلى أمستردام حيث أشرف على طبع كتابه عن نيوتن، وساور المركيزة آنذاك الخوف من أنه لن يعود إليها مطلقاً، فخطت إلى دار جنتال: "منذ أسبوعين فقط كنت أتعذب لعدم رؤيته لمدة ساعتين اثنتين، وكنت أخط إليه من غرفتي إلى غرفته، ومضى الآن أسبوعان لا أعهد أين هوولا أعهد ماذا يعمل... أنا في حالة يرثى لها(55)وأخيراً عاد (مارس 1737) وهويقسم انه لولا حبه لها لما أقام في فرنسا التي تلاحقه وتطارده على هذا النحو.

وفي مايو1739 عاد العشيقان إلى بروكسل حيث استخدم فولتير جميع مواهبه القانونية وغيرها في قضية تتعلق بممتلكات المركيزة. ثم قصد هووزوجها إلى باريس حيث قدم فولتير روايتي محمد وميروب إلى مسرح الكوميدي فرانسيز، وحيث رأت السيد شاتيليه في المطبعة مجلداتها الثلاثة عن "قوانين الفيزياء" وفي هذه الدروس "تهربت من فولتير ونيوتن كليهما مؤثرة عناصر الوجود الأولية في فلسفة ليبنتز. وفي سبتمبر عادوا إلى سيري، ثم قصدوا بعدها إلى بروكسل لإقامة طويلة، ومنها في سبتمبر 1740 أسرع فولتير إلى كليف Cleves لأول لقاء له مع فردريك، وكان قد أصبح ملكاً، ورفض حتى يدعوأميلي معه. وفي نوفمبر بتر مسافة 150 ميلاً مرهقة قاصداً برلين ليقوم بمهمة دبلوماسية للكاردينال فليري، وسنعود إلى تفصيل هذه المهمة فيما بعد. ومضىت أميلي في نفس الوقت إلى فونتنبلوحيث بذلت جهداً كبيراً في الحصول على إذن لفولتير بالإقامة في باريس، حتى سيري أصبحت عبثاً لا يطاق. وفي 23 نوفمبر خطت إلى دار جنتال: لقد لقيت جزاء سنمار على جميع ما عملت في فونتنبلو، لقد ذللت جميع العقبات، وحصلت لفولتير على حق العودة إلى بلده دون قيد أوشرط، ووفقت بينه وبين الوزارة، ومهدت الطريق لقبوله في الأكاديمية، وصفوة القول أني في ثلاثة أسابيع أستطعت حتى أعيد إليه جميع ما فقده في ستة أعوام. فهل تفهم كيف من الممكن أن كافاني على مثل هذا الإخلاص والغيرة،يا ترى؟ أنه أبلغني في رسالة جافة أنه قصد إلى برلين، وهويفهم فهم اليقين أنه يحطم قلبي ويعذبني عذاباً لا يوصف... لقد انتاباني الحمى... وآمل حتى أفارق الحياة وشيكاً... وهل تصدق حتى الفكرة التي تستبد بعقلي حين أحس بأن الحزن سيقتلني، هي فكرة الأسى العميق الذي ينتاب فولتير لموتى؟... أني لا أطيق حتى أفكر في حتى ذكراي يفترض أن تسبب له يوماً الشقاء والألم، ويجدر بكل اللذين أحبوه حتى يكفوا عن لومه.

وانتزع فولتير نفسه من جوالنفاق الملكي ليلحق بعشيقته، وفي طريق عودته بعث إلى فردريك برسالة يوضح فيها وجهة نظره في الموضوع:

" إني أهجر ملكاً عظيماً يكرم ويشجع فناً أحب به إلى حد التأليه، لألحق بسيدة لا تقرأ إلا ميتافيزيقا وولف المسيحي (شارح ليبنتز). أني أنتزع نفسي من أعظم حاشية إمتاعاً وإيناساً في أوربا من أجل قضية قانونية. أني لم أهجر حاشيتك الفاتنة الجديرة بالحب لأتنهد وأتأوه مثل أحمق معتوه بين يدي امرأة، ولكن هذه المرأة يا مولاي هجرت من أجلي جميع شيء، مما يتخلى سائر النساء عن أصدقائهن من أجله. أنني أسير فضلها في جميع شيء حتى الحب غالباً ماقد يكون سخيفاً مضحكاً، ولكن الصداقة الخالصة والود الصافي لهما حقوق يرتبط المرء أكثر مما يرتبط بأوامر الملك(56).

والتقى ثانية بأميلي في بروكسل التي أصبحت بلدهما الثاني بسبب طول الإجراءات في قضيتها. وفي مايو1741 شهدا العرض الأول لرواية محمد في ليل، ولقيا ترحيباً حماسياً. وعادا إلى بروكسل مزهوين مبتهجين، ولكن عكر صفوهما شعور بأن جذوة الغرام قد بدأت تنطفئ. وكان حبها لا يزال قوياً. ولوحتى جوهر هذا الحب كان الرغبة في السيطرة والتسلط. ولكن شعلة الحب عند فولتير بدأت تتحول إلى قلمه. وفي يولية 1741 اعتذر لها عن غيرته التي أخذت تذوي وتذبل: "إذا وددت حتى أستمر على الحب عمليك حتى تعيدي إلى مسافات من زمان الحبيبين، أعيدي إلى إذا كان في مقدورك، فجر الحياة، وهي في غسق المساء، نحن نموت مرتين، وأنا الحظ هذا جيداً. إنه موت لا يطاق حتى نتوقف عن الحب ونحن جديران به، أما توقف الحياة نفسها فهوأمر تافه لا قيمة له".

وفي أغسطس 1742 قصدا إلى باريس ليشهدا العرض الأول لرواية "محمد" في المسرح الفرنسي. وكان فولتير قد سعى للحصول على إذن رسمي من الكاردينال فلبري بتمثيلها، فأجابه إلى طلبه. وكان هذا العرض الأول (19 أغسطس) الحدث الأدبي لذاك العام، وشهده كثير من الحكام ورجال الدين والشعراء بالإضافة إلى الجمهور الذي اكتظ به المكان. وبدا حتى الجميع راضون على المسرحية باستثناء نفر من رجال الدين الذين زعموا حتى الرواية ليست إلا "هجوماً عنيفاً على المسيحية" وانضم فريرون وديفونتين وغيرهم إلى هذه الشكوى. وعلى الرغم من حتى الكاردينال أحس بأن هؤلاء النقاد يسيئون إلى قضيتهم، فإنه بعث إلى فولتير برسالة سرية ينصحه فيها بسحب الرواية، وتم هذا بعد العرض الرابع من إقبال شديد على الرواية. وعاد فولتير وأميلي أدراجهما إلى بروكسل، وقد استبد بهما الغضب لخيبة أملهما.

وهل كانت رواية "محمد" هجوماً على المسيحية،يا ترى؟ ليس الأمر إلى هذا الحد. أنها كانت تهاجم التعصب العمى والتزمت ولكنها صورت الرسول في صورة غير ودية من الممكن أثلجت صدور المسيحيين الأبرياء من التاريخ ومن سوء النية فيه. أنه صور الرسول مخانادىً تعمد حتى يفهم دينه الجديد إلى عقول قوم سذج ويستغل أيمانهم في استثارة هممهم في القتال، ويغزومكة، بإصدار أمره إلى نصيره المتعصب سعيد بقتل الشيخ زبير الذي يقاوم هذا الغزووعندما يتردد سعيد يؤنبه محمد في عبارات بدت لبعض المستمعين وكأنها تعريض برجال الدين المسيحيين، فهويقول: "وأنت أيضاً تتردد،يا ترى؟ أيها الشباب الجريء، إنه لما يتنافى مع الدين حتى تتردد. إذا الذين يستخدمون عقولهم لا يميلون إلى الإيمان. بمحمد، إذا عليك حتى تمتثل. إذا إرادة الله تقضي بذلك. ألا تفهمون حتى إبراهيم الخليل ولد هنا وأن جثمانه الطاهر يرقد هنا، وهوالذي امتثل لصوت الله وأخمد صيحات الطبيعة بين جنبيه، وتخلى عن ولده العزيز!! حتى الله العلي القدير نفسه هوالذي يطلب إليكم حتى تضحوا، ويهيب بكم حتى تنفروا إلى القتال، ومن ذا الذي يتجرأ فيتردد في تطبيق أمر الله إذا نادىكم إلى القتال،يا ترى؟ فاضربوا إذن فوق الأعناق. حتى دم الشيخ زبير يخولكم النعيم المقيم في الدار الآخرة(58).

ويقتل سعيد الشيخ العجوز الذي يتبين وهويلفظ أنفاسه الخيرة حتى القاتل ابنه. وهذا بطبيعة الحال هجوم من فولتير على استخدام الدين ذريعة لسفك الدماء وإشعال نار الحرب. وهذا ما قصد إليه فولتير. وفي رسالة إلى فردريك ضرب أمثلة لجرائم ارتكبت بإسم الدين، منها اغتال وليم أورانج وهنري الثالث وهنري الرابع ملكي فرنسا. ولكنه أنكر حتى المسرحية هجوم على الدين. بل أنها دعوة إلى استمساك المسيحيين بمبادئ المسيحية الحقة.

وفي سبتمبر 1742 واساه الكردينال فليري بإفاده إلى فردريك ليحاول توجيه سياسته إلى الصداقة مع فرنسا. وقصد فولتير مزهواً بدبلوماسيته لزيارة الملك في آخن. وتبين الملك أهدافه ومراميه، فرد على حديثه السياسي شعراً، وأعاد فولتير إلى باريس مع عشيقته أميلي والمسرحية. وفي 20 فبراير 1743 أخرجت على الكوميدي فرانسيز أعظم رواياته ميروب حيث لاقت نجاحاً أخرس ألسنة أعدائه بعض الوقت.

وكانت عدة مسرحيات قد خطت بالعمل في نفس الموضوع، منها مسرحية يوريبيدس التي لم يبق منها إلا شذرات قليلة وفي خطاب تمهيدي أقر فولتير بالفضل والعهدان لمركيز فرانشسكوسبيون دي مافي (وهومن فيرونا) الذي كان قد أخرج ميروب في 1713. وكانت هذه المسرحيات تتميز بتحول الاهتمام فيها إلى حب الوالدين لا إلى الحب الجنسي ويروون حتى معظم الحاضرين سالت دموعهم في المشهد الأخير. ولأول مرة في تاريخ المسرح الفرنسي تعالت الأصوات تنادي بظهور المؤلف على خشبة المسرح، وقيل أنه وافق وبذلك أوجد سابقة أسف لها لسنج أشد الأسف. وطبقاً لبعض المصادر الأخرى ينطق حتى فولتير رفض الظهور على المسرح على الرغم من حث الدوقتين اللتين جلس في مقصورتهما، وكل ما عمله أنه نهض واقفاً في مكانه لحظة رداً على التحية(59)، وحكم فردريك بأن هذه المأساة من احسن ما خط من مسرحيات(60). ومضى جيبون إلى ان الفصل الأخير يضارع أي فصل في مسرحيات راسين(61).

وقلل من قيمة نجاح "ميروب" إخفاق فولتير في الفوز بمقعد في الأكاديمية الفرنسية. إنه سعى له سعياً متواصلاً إلى حد أنه أعرب نفسه كاثوليكياً حقاً ومؤلف أبحاث أقرتها الكنيسة(62). وأيده لويس الخامس عشر في بداية المر ولكن وقف في طريقه وزيره الجديد مورياس الذي احتج بأنه لا يليق حتى تشغل نفس شريرة دنسة المقعد الذي خلا بوفاة الكاردينال فلبري. وشغل المقعد أسقف ميربوا. واستحث فردريك فولتير حتى يهجر البلد الذي لا يلقي فيه عباقرته سوى هذا القدر الضئيل من التكريم، ويحضر ليقيم معه في بوتسدام. فاعترضت مدام شاتيليه وأشارت عليه الحكومة الفرنسية بقبول الدعوى لبعض الوقت والقيام بعملية التجسس في برلين. وهفت نفسه إلى الاشتغال بالسياسة، فقبل الدعوى وقام ثانية بالرحلة المرهقة راكباً عبر فرنسا وبلجيكا وألمانيا، وقضى في هذه المغامرة ستة أسابيع (30 أغسطس-12 أكتوبر 1743) ومرة أخرى سخر فردريك من سياسته وأمتدح شعره، وعاد فولتير إلى أميلي في بروكسل. وفي أبريل 1744 استأنفا مقامهما في سبري محاولين بعث غرامهما الميت إلى الحياة من جديد.


سانسوسي

Die Tafelrunde by Adolph von Menzel. Guests of Frederick the Great, in Marble Hall at Sanssouci, include members of the Prussian Academy of Sciences and Voltaire (seated, third from left).

4- رجل البلاط 1745-1758

بلغ فولتير آنذاك سن الخمسين. وكان لوقت غير قصير يحتضر في جميع عام مرة. وخط إلى تييريوفي 1735 "من المؤكد أنه ليس أمامي إلا سنوات قليلة أعيشها(65). وكان قد بلغ آنذاك الحادية والأربعين، وكان أمامه ثلاث وأربعين سنة أخرى، فكيف تسنى له هذا،يا ترى؟ عندما انتابته علة خطيرة في شالون في أعالي المارن (1748)، ووصف له أحد الأطباء بعض الأدوية، نطق فولتير، كما يروي سكرتيره، إنه لن يتبع شيئاً من هذه التعليمات، لأنه يعهد كيف من الممكن أن يعالج نفسه في أيام الصحة والسقم على حد سواء، وسيظل طبيب نفسه كما كان دائماً. وفي مثل هذه الأوقات كان فولتير يصوم لبعض الوقت، ثم يأكل قليلاً من الحساء الرقيق والخبز المحمص والشاي الخفيف والشعير والماء. ويستطرد سكرتيره لونجشامب فيقول: "تلك هي الكيفية التي عالج بها فولتير نفسه فبرئ من سقمه الذي من الممكن أدى به إلى نتائج خطيرة لوأنه أسلم نفسه إلى أطباء شالون. كان مبدؤه حتى صحتنا تتوقف علينا نحن، وركائزها الثلاث هي القصد في الطعام والشراب وضبط النفس والاعتدال في جميع شيء، والتمرينات الرياضية البسيطة، ففي جميع الأمراض التي لا تكون نتيجة لأحداث خطيرة أوتكون خلل أساسي في أعضاء الجسم الداخلية، يكفي حتى تساعد الطبيعة التي تسعى جاهدة في شفائنا، وأن نلتزم في الغذاء بنظام دقيق لفترة طويلة إلى حد ما، فنتغذى على السوائل المناسبة والأغذية الخفيفة الأخرى. ورأيته دائماً يلتزم بهذه القاعدة طيلة وجودي معه(66).

وكان بارعاً مثل رجال المصارف في إدارة أمواله واستثمارها. وكان مستورداً وشاعراً ومقاولاً ومحرراً مسرحياً ورأسمالياً وفيلسوفاً ومقرضاً للنقود وصاحب معاش ووارثاً. وساعده صديقه دار جنسون على جمع ثروة من تموين الجيش(67)، وكان قد ورث جزءاً من ثروة أبيه وهجر له موت أخيه أرمان (1745) ولج بقية أملاك أبيه. وأقرض الدوق ريشيليوودوق دي فلبار والأمير دي جيز وغيرهم مبالغ كبيرة، ووجد عناء كبيراً في استرداد الديون، ولكنه عوض عنها بالأرباح(68). وفي 1735 كان ريشيليومديناً له بمبلغ 46.417 من الجنيهات دفع عنه الدوق أرباحاً سنوية قدرها 4000(69)جنيه "وفي حالة مسيودي بريزي غير الموثوق به كان فولتير يطلب فائدة قدرها 10%، واستثمر فولتير أكثر أمواله في سندات مدينة باريس التي تدر ربحا حقيقياً قدره 5% أو6%، وكثيراً ما منح تعليماته إلى وكيله للإلحاح على مدينيه بالسداد: "أنه من الضروري يا صديقي حتى تطالب مرة ومرتين وتلح وتراقب وتلح في الطلب-ولكن لا تعذب المدينين من أجل إيرادي السنوي ومتأخراتي(70) وفي 1979 قدر سكرتير فولتير حتى دخله السنوي بلغ 80 ألف جنيه(71). ولم يكن فولتير ينبش الأرض بحثاً عن المال، ولم يكن بخيلاً مقتراً، وكثيراً ما منح الأموال وقدم سائر المساعدات لشباب الطلبة ومد يد المعونة قولاً أوعملاً إلى فوفينارج ومارمونتل ولا هارب. وقد رأيناه يتنازل عن العائدات رواياته للممثلين، وعند ما ضاع عليه أربعون ألف جنيه بسبب إفلاس ملتزم عام كان قد أقرضه المبلغ قابل الأمر في هدوء، ولم يثر أويغضب. وذكر العبارات التي تفهمها في صغره "أعطانا الله، وأخذ الله فليتقدس اسم الله".

ولوحتى فولتير أوتي مالاً أقل ليستغله ويعنى به، وكان أكثر بدانة أواكتنز لحماً أكثر فوق عظامه، فلربما كان أقل حساسية وعصبية وأقل نزقاً وانفعالاً. وكان كريماً حذراً حريصاً على مشاعر الناس وحقوقهم. وكان عادة مرحاً ودوداً طلق المحيا مفعماً بالحيوية والنشاط، وكان أهلاً للصداقة الحميمة الوثيقة. وما أسرع ما كان يغتفر أية إساءة لا تجرح كبرياءه، ولكنه لم يكن يحتمل في صبر أي نقد أوعمل عدائي (وكان يقول أني أحسد الحيوانات على شيئين، جهلها مما قد ينتابها من مصائب بما ينطق عنها(72)) وأثار ذكاؤه الحاد حفيظة كثير من الأعداء، فحمل عليه فريرون وبيرون وديفونتين وهاجموا أراءه في عنف أشد من عنف رجال الدين في مهاجمته. ولسوف نسمع منهم شيئاً فشيئاً. ورد عليهم فولتير الضربات بمثلها على الرغم من نصح مدام شاتيليه له بالتزام الصمت، ووجه إليهم أقذع السباب والشتائم، وجند أصدقاءه لشن الحملات عليهم. وكم وجدت المركيزة مشقة في منعه من الذهاب إلى باريس ليعنف ديفونتين أويتحداه، بل أنه فكر في مناشدة الرقابة حتى يحظر نشر ما يخطه ألد أعدائه. لقد كان في فولتير جميع شوائب مناقبة ومزيد من الشوائب.

ووجد فولتير في رامو(الموسيقار) شخصاً نزقاً مزهواً سريع الغضب مثله. وكان تعاونهما في العمل امتحاناً قاسياً لكل منهما. ولكن أخيراً اكتمل نص الأوبرا والموسيقى وقام الممثلون والموسيقيين بعمل تجربة للرواية. وفي 23 فبراير 1735 عُرضت "أميرة نافار"-ولقيت ما كان مقدراً لها من نجاح. وبعد ذلك بشهر خصصت لفولتير حجرة في فرساي تقارب ما وصفه في رسائله الخاصة بأنها "أقذر حجرة في فرساي" وتبوأت مركيزة شاتيليه من حديث في الحاشية مكانها الذي كانت قد ضحت به من أجل فولتير. وحصلت آنذاك على الامتياز المذهل وهوالجلوس في حضرة الملكة. وكان في صعود نجم مدام دي بمبادور تدعيم لمركز فولتير فقد تعهد عليها حين كانت مدام دتوال، وزارها في دارها، وخط في مديحها شعراً تافهاً، وبناء على إلحاح منها عينه الملك (أول أبريل) مؤرخ الملك براتب قدره ألفي جنيه في العام.

وسرعان ما اقتضت الظروف حتى يثبت جدارته ووجوده، ذلك أنه في 11 مايو1745 هزم الفرنسيون الإنجليز في فونتنوي فطلب دار جنسون قصيدة غنائية تخلد هذا الفوز. ونظم فولتير 350 بيتاً من الشعر في ثلاثة أيام طبعت خمس طبعات على مدى أسبوعين. وأحب الملك فولتير لفترة وجيزة، وأصبح فولتير شاعر حرب. وزيادة في تخليد ذكرى النصر كلف فولتير وراموبإعداد أوبرا المهرجان. وأبرزت أوبرا "معبد المجد العظيم" أي تراجان-أي لويس الخامس عشر-عائداً من المعركة ظافراً منتصراً، وخصص لفولتير في تلك الأمسية مكان على مائدة الملك، وأكلا معاً طعاماً شهياً، ولكن فولتير سأل ريشيليوفي لهفة: هل تراجان راض،يا ترى؟ ولكن الملك سمعه مصادفة ورأى أنه وقح جرئ بعض الشيء فلم ينبس إليه ببنت شفه.

وثمل فولتير بمزيج من الشهرة والانتساب إلى الحاشية الملكية، فبدأ حملة جديدة للانضمام إلى مجمع الخالدين (الأكاديمية الفرنسية) ولم يأل أي مجهود في تحقيق مأربه. وفي 17 أغسطس 1745 أوفد نسخة من رواية "محمد" إلى البابا بندكت الرابع عشر، يسأله حتى يهديها إليه. وفي 19 سبتمبر رد البابا اللطيف: سعدت الليلة الماضية بروايتك "محمد" التي قرأتها بشغف وسرور عظيم. وإني لأقدر مواهبك أكبر تقدير ، وهذا أمر يعترف به الجميع... وأني لأكبر جميع الإكبار نبلك وإخلاصك... وإني هنا أمنحك بركتي الرسولية(73)".

واغتبط فولتير بهذا الوسام أيما اغتباط حتى أنه خط إلى البابا تقديراً حاراً ختمه بقوله: بكل إجلال وتقدير واحترام أقبل قدميك المقدستين(74)وأعرب إلى باريس تمسكه بالممضى الكاثوليكي وإعجابه باليسوعيين، وأطنب في مدائحه لمدام بمبادور والملك. وتوسلت بمبادور إلى الملك وقبل الملك راتىها. وأخيراً فيتسعة مايو1746 وافقت الأكاديمية على الانضمام أمير الشعراء في هذا العصر والكتاب المسرحيين فيه إليها. وزيادة في تكريمه وتدعيم مركزه عين في 22 ديسمبر موظفاً في الحاشية الملكية مخصصاً للقيام على شئون الملك.

وربما تسنى له في أيام النجاح والعيش الرغيد هذه حتى يخط رواية "بابوك أوالدنيا كما هي" وبابوك رجل من سكيزيا (إقليم قديم في جنوب شرقي أوربا وجنوب غربي آسيا) يجول ليرى الدنيا، وبخاصة كيف من الممكن أن تسير المور في فارس (أي فرنسا) وأصابه الذهول والفزع لما رأى من الحروب والفساد السياسي وشراء الوظائف وجباية الضرائب وثراء رجال الدين. ولكن ترحب به سيدة (مدام دي بمبادور) استماله جمالها وثقافتها وكياستها إلى "المدينة" ويرى بابوك هنا وهناك بعض مظاهر الكرم ونماذج للأمانة. ثم يزور رئيس الوزراء (تذكير بالكاردينال فليري) ويجده يعمل جاهداً لإنقاذ فارس من الفوضى والهزائم، ويخلص إلى حتى الأمور تسير سيراً حسناً بقدر ما تسمح به الظروف الراهنة للطبيعة البشرية للتعليم، وأن الدنيا بوضعها الحاضر لا تستحق التدمير بعد، وأن الإصلاح خير من الثورة، أما بالنسبة لشخصه هوعلى أية حال فإنه سيقلد الحكماء الحقيقيين الذين سيعيشون بينهم وبين أنفسهم في عزلة وهدوء(75). فهل شعر بالوحشة والشوق إلى سيري عملاً،يا ترى؟

إنه على أية حال لم يكن لائقاً ليعمل في البلاط. فإنه بكيفية تعوزها اللباقة إلى حد لا يصدق احتفل بفوز الفرنسيين في برجن آوب زوم بقصيدة صور فيها الملك لويس الخامس عشر طائراً من ميدان المعركة إلى أحضان بمبادور، وعهد إليهما معاً بمهمة الاحتفاظ بالفتوحات واستبد الغضب بالملكة وبأبنائها، وأستنكر نصف أفراد البلاط وقاحة الشاعر، وفي الوقت عينه كانت دي شاتيليه قد انغمست في لعب الميسر، وفي ليلة واحدة خسرت 84 ألف فرنك، وأنذرها فولتير بالإنجليزية وهوواقف إلى جوارها بأنها تغش في اللعب. وفهم بعض اللاعبين ذلك واحتجوا وترامت أنباء هذه الصراحة المخزية إلى أفراد الحاشية، فلم تهجر للشاعر صديقاً في فرساي أوفونتنبلو، وهرب فولتير وأميلي إلى سكو(1747) ليقيما لدى الدوقة دي مين التي ما زالت على قيد الحياة، وهناك بقي لمدة شهرين في جناح منفرد (منعزل) بعيد عن أنظار الناس، وهناك حاول حتى ينسى ورطته ومحنته بالانصراف إلى كتابة بعض القصص الرومانسية المرحة التي ساعدت على ان تجعل منه أعظم المؤلفين شعبية في الأدب الفرنسي. وواضح أنه قرأها ذات يوم على الضيوف المقربين الذين تألفت منهم حاشية الدوقة الخاصة. ومن هنا كان إيجاز هذه القصص وما فيها من هاتى مرح وسخرية لطيفة.

وأطول هذه القصص التي خطت فيما بين عامي 1746، 1750 هي "زاديج أوسر القدر" وزاديج شاب بابلي لطيف غني تلقى أحسن تعليم، عاقل قدر ما يمكن حتىقد يكون الإنسان عاقلاً واسع الإطلاع على علوم قدامى الكلديين، فهم أصول ومبادئ الفلسفة الطبيعية، وعهد من الميتافيزيقا ما يمكن حتى يعهد في أي عصر، أي القليل منها أولا شيء على الإطلاق(76). وكان على وشك حتى يتزوج من سمينا الجميلة حين هاجمه بعض قطاع الطرق، وأصابوه بجرح تحول إلى خراج في عينه اليسرى، واستدعى هرمز الطبيب المشهور من ممفيس وفحص الجرح، ثم أعرب حتى زاديج لا بد حتى يفقد عينه، ولوأنه في العين اليمنى لأمكن علاجه بسهولة، ولكن الجروح في العين اليسرى غير قابلة للشفاء. وأعربت سمينا أنها تنفر نفوراً لا سبيل إلى مقاومته من الرجال ذوي العين الواحدة، ومن ثم هجرت زاديج وتزوجت من غريمه. وفي ظرف يومين التأم الجرح من تلقاء نفسه وشفيت العين تماماً، ويؤلف الطبيب هرمز كتاباً يثبت فيه حتى هذا محال، ويدخل زاديج السرور على قلب الملك موابدار بنصائحه الغالية، وعلى قلب الملكة آستارت بنظراته الحانية فتقع في شراك غرامه، ويهرب زاديج إلى مدينة نائية. وفي الطريق يرى رجلاً يضرب امرأة، ويستجيب في شجاعة لصرخاتها طلباً للمساعدة، فيتدخل بينهما ويهاجمه الرجل بعنف ولكنه يرد به قتيلاً. وتسبه المرأة بألفاظ جارحة لأنه اغتال عشيقها. ويمضي زاديج في طريقه ويؤخذ ويباع بيع الرقيق. عندئذ تصور زاديج "الناس كما هم في حقيقة أمرهم...... حشرات يفتك بعضها ببعض من أجل قطرة من طين".


وقص "ممنون الفيلسوف" حكاية رجل اعتنق يوماً الفكرة الجنونية بأنه متعقل جميع التعقل ولكنه عثر نفسه قاصراً قصوراً بائساً عاجزاً يقابل مئات الكوارث، فيقرر حتى الأرض مستشفى كبير للأمراض العقلية تقوم الكواكب الأخرى بترحيل المجانين فيها إليه(77).

أما رحلات سكارمنتادوفهي تطوف بشاب من كريت من بلد إلى بلد حيث يكتشف له في جميع يوم مشاهد جديدة من التعصب أوالخداع أوالقسوة أوالجهل. ففي فرنسا تجتاح الحروب الدينية المقاطعات، وفي إنجلترا تحرق الملكة ماري خمسمائة من البروتستانت، وفي أسبانيا ينشق الشعب في لذة رائحة المهرطقين الذين ألقي بهم في النار، وفي هجريا ينجوسكارمتادومن الختان بأعجوبة، وفي فارس يتورط في الصراع بين طائفتي السنة والشيعة من المسلمين، وفي الصين يتهمه اليسوعيون بأنه شخصية بارزة من طائفة الدومنيكان، وأخيراً يعود إلى كريت "ومذ رأيت الآن جميع ما نادر أوخير أوجميل على الأرض، فقد وطدت العزم على ألا أرى في المستقبل شيئاً غير بلدي، وتزوجت وسرعان ما أدخلني الشك في خيانة زوجتي، ولكني على الرغم من هذا الشك وجدت حتى هذه هي لأسعد ظروف الحياة(78).

وتوسع ميكروميجاس في أفكار النسبية التي استخدمها سويفت في رحلات جلليفر. والسيد ميكروميجاس رجل يصلح للإقامة في نجم الشعري اليمانية، وطوله 120 ألف قدم وعرض صدره خمسون ألفاً، وطول أنفه 6.333 قدماً. عندما بلغ 670 عاماً من العمر مضى ليستزيد من التعليم.

وبينما هويحوم في الفضاء هبط على كوكب الزحل فسخر من الأقزام هناك، حيث بلغ طول الناس هناك ستة آلاف قد أم نحوها، وتعجب كيف من الممكن أن يتسنى لسكان زحل المعدمين هؤلاء الذين ليس لهم إلا 72 حاسة فقط حتى يعهدوا الحقيقة وسأل أحد السكان إلى أي حد من العمر تعيشون،يا ترى؟ فصاح ساكن زحل واحسرتاه! قليل جداً منا يعيشون لأكثر من 500 دورة حول الشمس (وهي بحسابنا نحن تصل إلى نحو15 ألف سنة) إلى غير ذلك ترى أننا بشكل ما نموت في اللحظة التي نولد فيها.... وما أقل ما نتفهمه حين ينزل بنا الموت قبل حتى نستفيد من خبرتنا(79). ويدعوساكن الشعري اليمانية ساكن زحل إلى مصاحبته لزيارة كواكب أخرى، فتتعثر أقدامهما على كوكب الأرض، وتبتل قدما ساكن الشعري، ويكاد ساكن زحل يغرق وهما يسيران فوق البحر المتوسط. فلما وصلا إلى البر رأيا حشوداً من الأهالي صغار الأجسام يتمركزون هنا وهناك في اهتياج شديد، وعندما يتضح لساكن الشعري اليمانية حتى مائة ألف من سكان الأرض هؤلاء يلبسون القبعات وعدداً مساوياً يضعون العمائم، يقتلون ويطيح بعضهم برؤوس بعض في صراع (الحروب الصليبية) حول ركام من التراب (فلسطين) لا يكاد يعلوعلى عقبيه يصيح ساخطاً. مستاءً: أيها الكفار الأوغاد... قلبي يحدثني حتى أتقدم خطوتين أوثلاثاً لأسحق تحت قدمي وكر السفاحين الحمقى بأسره(80).

وكل هذا كان عاماً ساراً بهيجاً، وكان يمكن حتى يمر دون حتى يحرك أحد ساكناً. ولكن فولتير في 1748 عكر صفوباريس بنشرة صغيرة "صوت الحكماء وصوت الشعب" هاجم فيها كنيسة فرنسا في نقطة حساسة، تلك هي "أملاك الكنيسة في فرنسا"، حيث ينموالعقل ويتطور يوماً بعد يوم، فإن العقل يفهمنا أنه يجدر بالكنيسة حتى تسهم في نفقات الأمة بنسبة مواردها، وأن الهيئة التي نصبت نفسها لتلقين مبادئ العدالة يجدر بها حتى تبدأ بنفسها لتكون قدوة للعدالة ونموذجاً لها ورغم حتى الأديار تضيع أقوات الشعب وموارد الأرض في خمول عقيم، واتهم "الخرافة" بقتل الحكام وإراقة بحور من الدماء في الاضطهادات والحروب، وذكر الملوك بأن أحداً من الفلاسفة لن تمتد يده على مليكه، وإذا اتحد الملوك مع العقل وجردوا أنفسهم من الخرافة فكمقد يكون الناس أسعد وأهنأ بالاً. وقل حتى أثارت رسالة موجزة مثل هذه العاصفة الهواتى. ونشرت خمس عشرة رسالة مضادة للرد على رسالة "صوت الحكماء وصوت الشعب" التي لم يذكر اسم مؤلفها.

وأثناء إقامة فولتير في فصل الشتاء في سكوسددت مدام دي شاتيليه ديون القمار، وهدأت من روع الرابحين، وخففت من استيائهم لما نعتهم به فولتير، وأعادته إلى باريس حيث أشرف على نشر قصصه الصغيرة، ووجد من الحكمة على الرغم من المشقة والتعب حتى يلبي دعوة ستانسلاس لزكزنسكي لزيارة بلاطه في لونفيل-على بعد نحو18 ميلاً من نانسي عاصمة اللورين. وبعد رحلة مرهقة وصل الحبيبان إلى لونفيل (1748) ولكن بعد أسبوعين وصل كتاب من دارجنتال ينبئ به فولتير بأن ممثلي الكوميدي فرانسيز على استعداد لتجربة روايته سمير اميس، وإنهم في حاجة إليه لمعاونتهم في تفسير أبياتها. وكانت هذه الرواية تعني الشيء الكثير لديه، وكانت بمبادور من طيبة نفسها الآثمة قد أعادت إلى المسرح كربيون (الأب) الفقير المعدم وهيأت له سبيل النجاح. وكان ماريفوقد نجا سر فاعتبر مسرحيات الشيخ الهرم أعلى مرتبة من مسرحيات فولتير. وكان الشاعر النحيل الجسم قد اعتزم حتى يثبت تفوقه بكتابة روايات في نفس الموضوعات التي كان كربيون قد طرقها. ومن ثم أسرع فولتير إلى باريس تاركاً أميلي في حرية مهلكة في لونيفل. وفي 29 أغسطس 1748 عرضت سميراميس لأول مرة عرضاً ناجحاً. وبعد العرض الثاني أسرع متنكراً إلى مقهى بركوب واستمع إلى تعليقات من شهدوا المسرحية. وكانت ثمة تعليقات امتدحت الرواية وأطرتها، تقبلها فولتير على أنها من حقه، وثمة آراء أخرى انتقصت من قدرها وهاجمتها. وقد آلمته هذه أيما إيلام، حيث كان عليه حتى يحتملها صامتاً، ولكنه استفاد مما وجه إلى المسرحية من نقد، فنقحتها واستمر عرضها طويلاً، وهي تعد الآن من أحسن مسرحياته.

وأسرع ثانية في جوسبتمبر العاصف عبر فرنسا إلى لونفيل، وكاد يموت في الطريق عند شالون، ولما استحثه فردريك الأكبر على المضي إلى بوتسدام اعتذر بأن السقم أفقده نصف سمعه وعدة أسنان من أسنانه، إلى حد أنه لنقد يكون إلا مجرد هيكل في برلين. فأجاب "تعال بلا أسنان وبلا أذنين، إذا لم يكن بد من الحضور على هذه الصورة، ما دام حتى هذا الشيء الذي بتعذر تعريفه، والذي تقدر من التفكير، والذي يوحي بكل ما جميل، سيحضر معك"(82)ولكن فولتير آثر المقام مع أميلي.


موت الحبيبة

أحب الملك الصالح ستانسلاس الأدب، وكان قد قرأ فولتير وأصابته عدوى عصر الإستنارة، وفي 1749 كان الملك بصدد نشر بيانه "الفيلسوف المسيحي" الذي كانت ابنته ملكة فرنسا قد قرأته في استياء حزين. وحذرته من حتى آراءه يشتم منها أنها نابعة من آراء فولتير إلى حد كبير. ولكن الشيخ الهرم استساغ آراء فولتير كما أحب بذكائه. وكما أنه كان له أيضاً محظية (هي المركيزة دي بوفلرز) فأنه لم يجد تناقضاً في حتى يتخذ من الشاعر محظياً له في بلاطه. كما عين، فوق ذلك، زوج أميلي المتحرر الواسع الأفق كبير مديري قصره براتب قدره ألفا كراون سنوياً.

وكان ثمة موظف آخر في بلاط ستانسلاس، هوالمركيز جان فرانسوا دي سانت لامبرت، قائد الحرس. وكانت مدام دي شاتيليه قد التقت به لأول مرة في 1747، وكان هوفي الحادية والثلاثين وهي "في الحادية والأربعين. وكانت تلك سن خطيرة لامرأة لم يعد عشيقها إلا مجرد صديق حميم. وفي ربيع 1748 بدأت تخط للضابط الوسيم رسائل غرام تكاد تتسم بحماسة البنات الصغيرات وخلاعتهن: "تعال إلي بمجرد حتى ترتدي ملابسك" سأطير إليك بعد حتى أتناول العشاء. "واستجاب سانت لامبرت مغازلاً متودداً. وذات مرة في أكتوبر فاجأهما فولتير في خلوة مظلمة يتبادلان أحاديث الحب والهيام. إذا أعظم الفلاسفة هووحده الذي يتقبل هذه العملة النكراء، الخيانة، في هدوء وتسامح. ولم يثر فولتير لهذا الوضع على الفور، وأنبهما في شيء من الهذر والمزاج، ولكنه أوى إلى غرفته حين عرض سانت لامبرت تسوية الأمر معه-أي يقتله عند الفجر. وقصدت أميلي إلى فولتير في الثانية صباحاً، وأكدت له حبها الخالد، ولكنها ذكرته في رفق "بأنك لزمن طويل شكوت... من قواك حتى تنهار... فهل يسيء إليك حتى يحل أحد أصدقائك محلك؟" وعانقته ولاطفته ودللته بأسماء الدلال التي كانت تناديه بها، فخفت سورة غضبه ونطق "آه أنت على حق دائماً يا سيدتي. ولكن طالما كان لزاماً حتى تجري المور على هذا النحوفلا أقل من ألا تجري تحت سمعي وبصري" وفي الليلة التالية قصد سانت لامبرت إلى فولتير واعتذر له على تحديه. وعانقه فولتير ونطق له "أي بني، لقد نسيت جميع شيء. إني أنا المخطئ، أنت في زهرة عمر الشباب والحب والمتعة، فاستمتع بهذه اللحظات، فأنها قصيرة. إذا هذا العاجز المريض مثلي لا يصلح لهذه الملذات" وفي الليلة التالية تناول ثلاثتهم العشاء معاً(83).

واستمر هذا الثلاثي "حتى ديسمبر حين اعتزمت السيدة دي شاتيليه الذهاب إلى سيري لتدبير شؤونها المالية. وصحبها فولتير، وجدد فردريك دعوته. وكان فولتير يميل الآن إلى تلبيتها. ولكن المركيزة فور وصولها إلى سيري أسرت إليه بأنها حامل، وأنها في مثل هذا السن وكانت آنذاك في الثالثة والأربعين، لا تتسقط حتى تعيش بعد الولادة. وخط فولتير إلى الملك فردريك ألا ينتظر قدومه. كما طلب إلى سانت لامبرت حتى يحضر إلى سيري. وهناك اتفق العشاق الثلاثة على خطة لتأمين شرعية الطفل. واستحثت السيدة زوجها على القدوم إلى سيري للتعجيل بإنجاز بعض المهام. ولم ينزعج الزوج لوجود عاشقين آخرين إلى جانب زوجته يكملان شخصه، بل سعد جميع السعادة حين استقبلوه بالترحيب وأكرموا وفادته. وازدانت المركيزة بأبهى زينة وأزهى حلة، ولاطفته أعظم ملاطفة، وشرب وثمل حتى كان ما كان (مما لست أذكره) وبعد بضعة أسابيع أبلغته أنها قد ظهرت عليها أعراض الحمل. واحتضنها في زهووفرح. وأعرب عن الحادث السعيد المرتقب إلى جميع الناس، وتقدم إليه الجميع بالتهنئة. ولكن فولتير وسانت لامبرت اتفقا على "أن يعد الطفل من بين أعمال مدام شاتيليه المتنوعة"(84)وعاد المركيز (الزوج) وسانت لامبرت إلى عملهما.

وفي فبراير 1749 عادت أميلي وفولتير إلى باريس وانصرفت هي إلى ترجمة قوانين نيوتن بمعاونة كليرو. وثمة رسالتان إلى سانت لامبرت (18، 20 مايو) تكشفان عن شخصيتها: "كلا: إنه ليس في مقدوري حتى أعبر عن تقديسي وحبي لك حب عبادة. لا تلمني على نيوتن، ويكفيني عذابي بسببه. وما ضحيت قط بشيء قدر تضحيتي للعقل ببقائي هنا لإنجازه.. أنا أستيقظ في التاسعة، وأحياناً في الثامنة صباحاً. وأتناول القهوة، واستأنف العمل في الرابعة، وأتوقف عنه في العاشرة... وأتجاذب أطراف الحديث مع فولتير حتى منصف الليل وهويتناول معي العشاء. وفي منتصف الليل أعود إلى العمل في نيوتن واستمر حتى الخامسة صباحاً. إني أنجز هذا الكتاب من اجل العقل والشرف ولكني أحبك أنت وحدك"(85). وفيعشرة يونيه جدد فردريك بسرعة دعوة فولتير إلى الحضور إلى بوتسدام ظناً من الملك حتى سانت لامبرت قد أعفى فولتير من أية مسئوليات أخرى يلتزم بها تجاه دي شاتيليه، فأجاب فولتير "حتى فردريك الأكبر نفسه لا يستطيع حتى يحول بيني وبين القيام بالواجب لا يمكن حتى يحلني منه أي شيء... لن أتخلى عن سيدة قد تعاجلها المنية في سبتمبر. والأرجح حتى عملية الوضع ستكون خطيرة جداً عليها، ولكن إذا خطت لها النجاة، فإني أعدك يا مولاي حتى أحضر في أكتوبر وأقدم ولائي لجلالتكم(86)".

وفي يوليه صحبها إلى لونفيل لتكون تحت رعاية طبية خاصة. إذا خوف الموت أزعجها جميع الإزعاج-يختطفها الموت في الوقت الذي وجدت فيه الحب من جديد، وفي الوقت الذي كانت فيه سني دراستها وبحثها على وشك حتى تتوج بنشر كتابها. وفيعشرة سبتمبر أنجبت طفلة. وفي اليوم العاشر من سبتمبر فارقت الحياة بعد حتى عانت كثيراً. واستبد الحزن والأسى بفولتير فزلت قدمه وهويغادر غرفتها وسقط على الأرض، وظل فاقد الوعي فترة من الوقت. وساعده سانت لامبرت على الأفاقة من غشيته. ونطق فولتير عندئذ: "آه يا صديقي أنت الذي قتلتها... يا إلهي! ما الذي أغراك بأن تصل بها إلى هذه الحالة؟!" وبعد ذلك بثلاثة أيام طلب فولتير من لونجشامب الخاتم الذي خلعوه من يد السيدة المتوفاة. وكانت صورته منقوشة عليه يوماً ما وجده السكرتير في يد لامبرت، وتعجب فولتير قائلاً: "هكذا النساء. لقد خلعت صورة ريشيليومن هذا الخاتم، ثم اتى سانت لامبرت فطردني... هذا هونظام الطبيعة.. إنسان ينتزع مكان آخر.

إلى غير ذلك تسير الأمور في هذه الدنيا(87)". ووريت مدام دي شاتيليه التراب في لونفيل في أروع مظاهر المهابة والجلال في بلاط ستانسلاس، وسرعان ما تبعتها طفلتها.

وعاد المركيز وفولتير إلى سيري ومن هناك رد على بعض رسائل التعزية التي تلقاها من باريس: "أنتم عزائي، يا ملائكة الرحمة أنتم تجعلونني أحب بقية أيامي التعسة. إنني أعترف لكم حتى البيت الذي أظلها على الرغم مما يثير في نفسي من أشجان، ليس كريهاً عندي... أنا لا أهرب من أي شيء يحدثني عنها ويذكرني بها. إني أحب سيري... والأماكن التي زانتها عزيزة على أنا لم أفقد سيدة ، بل فقدت نصف نفسي. فقدت نفساً خلقت لها نفسي، فقدت صديقة عشرين عاماً، عهدتها في طفولتها. إذا أكثر الآباء عطفاً وحناناً لا يحب ابنته الوحيدة إلا كما أحببت أنا هذه السيدة. وبودي حتى أجد في جميع مكان ما يذكرني بها. وأحب حتى أتحدث مع زوجها ومع ابنها(88).

ومع ذلك استوعب فولتير أنه سيذبل ويذوي إذا بقى مترملاً سيري الموحشة المنعزلة. وأوفد خطه وأجهزته الفهمية ومجموعته الفنية إلى باريس، وسافر في أثرها في 25 سبتمبر 1749. وفي 12 أكتوبر استقر به المقام في العاصمة، في قصر واسع الأراتى في شارع ترافرسبير.

مدام دنيس

كان من اليسير على فولتير حتى يقنع ابنة أخته بالحضور لتكون ربة البيت حيث كانت لفترة من الوقت خليلته. ولدت ماري لويز مجنوMignot (1712) وهي ابنة كاترين أخت فولتير. وعندما توفيت كاترين (1726) تكفل فولتير برعاية أولادها. وفي 1737، عندما بلغت ماري السادسة والعشرين، دفع لها خالها صداقاً محترماً حيث تزوجت من الكابتن نقولا شارل دنيس، وكان موظفاً صغيراً في الحكومة.

وتوفي الزوج بعد ست سنوات من زقابل، وفي نفس الوقت الذي انتقل فيه فولتير والمركيزة دي شاتيليه إلى باريس. والتمست الأرملة بعض السلوى والعزاء بين ذراعي فولتير، ووجد هوبعض الحرارة والدفء بين ذراعيها. وواضح حتى حب الخال سرعان ما تحول إلى شيء غير مشروع. وفي رسالة مؤرخة في 23 مارس 1745 خاطب فولتير ابنة أخته بقوله "محبوبتي، عزيزتي"(89) وقد تكون هذه العبارة حب برئ ولكن في ديسمبر، أي قبل عامين من لقاء المركيزة بسانت لامبرت خط فولتير إلى الأرملة الطروب رسالة يجدر اقتباسها حرفياً حتى يمكن تصديقها: "أقبلك ألف قبلة. روحي تقبل روحك، إذا قلبي مفتون بك. أقبل جميع شيء فيك"(90).

وحذفت مدام دنيس بعض الألفاظ تواضعاً وخجلاً، ولكن المفروض أنها أجابت برسالة غرامية، لأن فولتير خط لها من فرساي في 27 ديسمبر 1745: "عزيزتي، تقولين إذا كتابي إليك بعث السرور والنشوة حتى في حواسك كلها. وأنا مثلك تماماً. فلم أكد أقرأ العبارات الممتعة التي اتىت في كتابك حتى التهبت مشاعري من الأعماق. وأوليت كتابك جميع الإجلال الذي أحب حتى أوليه لشخصك كله، سأحبك حتى الممات"(92). وفي ثلاث رسائل بعث بها إليها في 1746 "إني أقبلك ألف قبلة"(93). بودي حتى أعيش عند قدميك وأموت بين ذراعيك..(94)"متىقد يكون في مقدوري حتى أعيش إلى جوارك وينساني العالم بأسره؟"(95) وفي 27 يوليه 1748 خط يقول: "سأحضر إلى باريس من أجلك أنت إذا سمحت ظروفي سيئة. وسألقي بنفسي عند قدميك. وأقبل جميع مفاتنك. وفي نفس الوقت أطبع ألف قبلة على جميع موضع في جسمك الذي غمرني بفيض من اللذة والبهجة"(97).

في عمر الرجال، مثلما هوفي عمر النساء، فترة خطيرة، وهي عندهم أطول، ويرتكبون فيها حماقات لا تصدق. وكان فولتير ألمع شخصية في القرن الذي عاش فيه، ولكن لا يجدر بنا حتى نعده من بين الفضلاء الحكماء، فكثيراً ما اقترف هذه السخافات والعمال الطائشة وتردى في هذه التصرفات المتطرفة ونوبات الغضب الصبيانية، مما سر أعداءه وأزعج أصدقاءه. إنه وضع نفسه تحت رحمة ابنة أخته التي كان واضحاً أنها مغرمة به، ولكنها أحبت نقوده حباً متزايداً. إننا نجدها تستغل سيطرتها عليه لتزيد من ثروتها، حتى يوم وفاته. إنها لم تكن امرأة رديئة بمقاييس العصر. ولكنها من الممكن جاوزت حدود عمرها باتخاذها سلسلة من العشاق-باكولار دارنو، مارمونتيل، مركيز دي اكسيمين-لتستكمل رعاية خالها.(98)ووصفها مارمونتيل مادحاً في 1747 "إن هذه السيدة مقبولة بكل ما فيها من قبح. إذا شخصيتها البسيطة غير المتكلفة تشربت مسحة من شخصية خالها. وكان فيها كثير من ذوقه ومن مرحه وأدبه الجم، ومن هنا كان السعي إلى الاجتماع بها والتودد إليها"(99).

وفي يوم وفاة مدام شاتيليه خط فولتير إلى ابنة أخته: "ابنتي العزيزة، فقدت اليوم صديقة عشرين عاماً. ولوقت غير قصير-كما تعهدين. لم أكن أنظر إلى مدام دي شاتيليه على أنها امرأة (هكذا). أنا واثق أنك ستشاطرينني الحزن الشديد عليها. إنه من المؤسف حقاً حتى أراها تفارق الحياة في مثل هذه الظروف ولمثل هذا السبب، وأنا لا أتخلى عن المركيزة دي شاتيليه في هذه المحنة المتبادلة.... سأحضر من سيري إلى باريس لأحتضنك بين ذراعي، والتمس فيك عزائي وأملي الوحيد في الحياة(100).

وطوال الشهور الثمانية التي قضاها في العاصمة، تلقى فولتير من فردريك الأكبر رسائل كثيرة يستحثه فيها على الحضور، وكان هويميل إلى قبول الدعوة. وعرض عليه فردريك حتى يشغل وظيفة كبيرة في البلاط، مع دار خاصة بالمجان براتب قدره 5000 تالر في العام.(101) ولكن فولتير الذي كان من رجال مثلما كان فيلسوفاً، طلب إلى ملك بروسيا حتى يقرضه بعض المال لتسديد نفقات الرحلة. ووافق الملك في تانيب ماكر، حيث شبه الشاعر بهوراس الذي رأى من الحكمة حتى يمزج النافع بالمقبول(102). وطلب إلى فولتير الأذن بالرحيل من ملك فرنسا، ووافق لويس على الفور، قائلاً لخلصائه المقربين: "هذا سيزيد من جنون رجل مجنون في بلاط بروسيا وسيخفف من جنون رجل في فرساي(103). وفيعشرة يونية 1750 غادر فولتير باريس إلى برلين.

ألمانيا 1750-1754

لقد رضى حتى هوعن استقباله. فقد اصطنع فريدريش الأكبر العادات الغالية في الترحيب به. خط فولتير لريشليويقول "تناول يدي ليقبلها، وقبلت أنا يده، وقلت إنني عبده"(93). وأفرد له مسكن أنيق في قصر سانسوسي، فوق الجناح الملكي مباشرة. ووضعت خيول الملكة ومركباته، وحوذيوه، ومطبخه، تحت تصرفه. وأحاط به أكثر من عشرة خدم يغالون في العناية به، وخطب وده عشرات الأمراء، والأميرات، والنبلاء، والملكة ذاتها. وقد عينه الملك كبيراً لأمنائه براتب قدره عشرون ألف فرنك في السنة، ولكن أبرز واجباته كان تسليم الفرنسية في شعر فردريك وكلامه. ولم يتقدمه في حفلات العشاء غير الملك. ومضى زائر ألماني إلى "أن مطارحاتها أطرف ألف مرة من أي كتاب"(94).

وقد نطق فولتير بعد ذلك مستحضراً هذه الأحاديث "لم يحظ مكان آخر في الدنيا بحرية أكبر في الحديث عن خرافات الإنسان"(95).

وقد انتشى طرباً بهذا كله. فخط إلى دارجنتال (سبتمبر 1750) يقول:

إنني أجد مرفأ ألجأ إليه بعد ثلاثين عاماً من العواصف. أجد حماية ملك، وحديث فيلسوف، وخلالا لطيفة لإنسان محبوب، كلها مجتمعة في رجل ظل ستة عشر عاماً يتوق إلى تعزيتي عن عثرات حظي وتأميني من أعدائي... هنا أطمئن إلى مصير هادئ إلى النهاية. وإذا جاز للإنسان حتى يطمئن إلى أي شئ، فهوخلق ملك بروسيا(96).

وخط إلى مدام دنيس يطلب إليها حتى تحضر وتعيش معه في فردوسه. على أنها بحكمة آثرت باريس والعشاق الأصغر، فحذرته من إطالة المكث في بلين. ونطقت في خطابها إذا صحبة السلطان لا يؤمن جانبها، فهويغير رأيه ويبدل محاسيبه، وعلى المرء حتىقد يكون على حذر دائماً من حتى يعارض مزاجه أوإرادته، وسيجد فولتير نفسه إذا عاجلا أوآجلا خادماً وسجيناً أكثر منه صديقاً(97).

وأوفد الفيلسوف الأحمق الخطاب إلى فردريك فخط له هذا الرد (23 أغسطس) وهوكاره حتى يفقد الغنيمة التي ترغب الظفر بها:

قرأت الخطاب الذي خطه ابن أختك من باريس. وإني لأقدر لها الود الذي تكنه لك. ولوكنت مكان مدام دنيس لفكرت كما تفكر، أما وأنا ما أنا، فإني أفكر بطريقة أخرى. وإنه ليحزنني حتى أكون سبباً في تعاسة عدو، فكيف إذن أبغي بلية رجل أقدره، وأحبه، يضحي من أجلي ببلده وكل ما عزيز على الإنسانية، لا يا عزيزي فولتير، لوأنني تبينت حتى انتنطق إلى هنا سيحلق بك أقل أذى لكنت أول من يثنيك عنه. وإني لأوثر سعادتك على سروري المفرط بتملكك. ولكنك فيلسوف، وكذلك أنا، فأي شئ إذن أكثر طبيعية، وبساطة، وتمشياً مع نظام الأمور، من حتى يمنح فلاسفة خلقوا ليعيشوا معاً، تربطهم دراسات واحدة، وميول واحدة، وكيفية تفكير مشابهة، يمنح بعضهم بعضاً هذا الإشباع لرغباتهم؟... إنني موقن بأنك ستكون سعيداً جداً هنا، وأنك ستعد أباً للأدب ولأصحاب الذوق، وأنك واجد في جميع التعزيات التي يمكن حتى يتسقطها رجل له كفايتك من رجل يقدره. مساء الخير(98).

ولم يقتضي تدمير هذا الفردوس من أكبر الفيلسوفين سناً أكثر من أربعة أشهر. لقد كان فولتير مليونيرا، ولكنه، لم يطق حتى يفوت عليه فرصة قد تضخم ثروته. ذلك حتى بنك سكسونيا كان قد أصدر أوراقاً سميت "شهادات إيراد"، هبطت إلى نصف قيمتها الأصلية. وقد اشترط فردريك في معاهدة درسدن دفع ثمن الأوراق التي اشتراها البروسيون، عند استحقاقها بقيمتها الاسمية مضىاً، واقتنى بعض البروسيين الخبثاء بعض هذه الأوراق بثمن بخس في هولندا ثم صرفوا ثمنها كاملا في بروسيا. وفي مايو1748 حظر فردريك هذا الاستيراد إنصافاً لسكسونيا. وفي 23 نوفمبر 1748 استدعى فولتير في بوتسدام مصرفياً يهودياً يدعى أبراهام هيرشي. وفي رواية هيرش حتى فولتير طلب إليه حتى يمضى إلى درسدن ويبتاع له بمبلغ 18,430 أيكوسا أوراقاً بثمن خمسة وثلاثين في المائة من قيمتها الاسمية. وزعم هيرش أنه نبه فولتير إلى حتى هذه الأوراق المالية لا يمكن جلبها قانوناً إلى بروسيا، وأن فولتير وعده بأن يحميه، وأعطاه خطابات تحويل على باريس وليبزج. وضماناً لهذه المبالغ أودع هيرش لدى فولتير ماسات من قبل بمبلغ 18,430 أيكوسا. ولكن فولتير ندم على هذه الاتفاقات بعد رحيل عميله، وقرر هيرش بعد وصوله إلى درسدن ألا يمضي في تطبيق العملية. وأوقف فولتير الدفع على خطابات التحويل، وعاد المصرفي إلى برلين. ويقول هيرش إذا فولتير حاول حتى يرشوه ليسكت، بشراء ماسات قيمتها ثلاثة آلاف أيكوس. وتنازعا على تقدير القيمة وأمسك فولتير برقية هيرش وصرعه(99)؛ فلما لم يتلق ترضية أكثر من هذا جعل السلطات تقبض عليه، وعرض النزاع على المحكمة علناً (30 ديسمبر). وفضح هيرش خطة فولتير لشراء الأوراق السكسنية، فأنكرها فولتير زاعماً أنه أوفد هيرش إلى درسدن لشراء فراء، ولكن أحداً لم يصدقه.

فلما سمع فردريك بهذه الورطة بعث برسالة غاضبة من بوتسدام إلى فولتير في برلين (24 فبراير 1751): لقد سرني حتى أستقبلك في بيتي؛ وقدرت عبقريتك، ومواهبك، وفهمك، وكان لي ما يبرر اعتقادي بأن رجلا في مثل سنك أعياه النضال مع الكتاب والتعرض للعاطفة يجئ إلى هذا المكان ليحتمي به احتماءه بمرفأ آمن.

ولكنك حين وصلت انتزعت مني بصورة غريبة بعض الشيء أمراً بألا أكلف فريرون بكتابة الأنباء من باريس، وكان من الضعف... ما جعلني أمنحك سؤلك، مع أنه ليس من حقك حتى تقرر أي الأشخاص يجب حتى أستخدم. وقد شعرت بأن باكولار دارنو(شاعر فرنسي في بلاط فردريك) أساء إليك، والرجل الكريم السمح كان يعفوعنه، أما المنتقم فيطارد أولئك الذين يطيب له حتى يبغضهم... ومع حتى دارنولم يسئ إلي بشئ، فإني طردته بسببك... ثم كانت لك مع يهودي خصومة هي أقذر الخصومات في الدنيا، وقد أثارت فضيحة رهيبة في طول المدينة وعرضها. ومسألة شهادات الإيراد تلك معروفة جيدا في سكسونيا حتى لقد شكوا لي شكاوي مرة.

وإنني من جهتي كنت محافظاً على الهدوء والسلام في بيتي حتى وصلت؛ وإني أنذرت بأنك إذا كنت مولعاً بالدس والتآمر فقد أخطأت اختيار من يعينك عليه. فإني أحب الناس المسالمين الهادئين الذين لا يشيعون في سلوكهم انفعالات الدراما المأساوية. فإن اعتزمت العيش عيشة الفلاسفة، فسيسرني حتى ألقاك، أما إذا أسلمت نفسك لكل سورات غضبك وانفعالك ودخلت في مشاجرات مع جميع الناس، فإنك لن تحسن إلي بمجيئك هنا، وخير لك حتى تبق في برلين.

وحكمت المحكمة لصالح فولتير. وأوفد إلى الملك اعتذارات ذليلة وعفا عنه فردريك، ولكنه نصحه بأن "يكف عن الشجار، سواء مع العهد القديم أوالجديد"(100). وبعدها أنزل فولتير بيتاً ريفياً لطيفاً يسمى "بيت المركيز" ويقع قرب سانسوسي. وأوفد له الملك تأكيدات باحترامه المجدد، ولكن حماقة فولتير لم تمضى به إلى حد الثقة بها. وبعث له الملك الشاعر قصائد يطلب إليه تهذيب فرنسيتها، وأضنى فولتير نفسه فيها كثيراً وأغضب محررها بإدخال تغيرات حادة عليها.

ونظم فولتير الآن قصيدته المسماة "في القانون الطبيعي"، وقد حاولت حتى تجد الله في الطبيعة، مقتدية في ذلك بطريقة الكسندر بوب على الأخص. وأهم من هذه القصيدة مضموناً قصيدة "عصر لويس الرابع عشر" التي أكملها وصقلها خلال تلك الأشهر ثم نشرها في برلين (1751). وكان حريصاً على الفراغ من طبعها قبل حتى يضطر لسبب ما إلى الرحيل عن ألمانيا لأنها لن تكون بمأمن من الرقابة على المطبوعات إلا في رعاية فردريك. خط إلى ريشليوفي 31 أغسطس" تفهم جيداً أنه ليس هناك (في باريس) رقيب صغير واحد للخط لا يعتبر تشويه عملي أومصادرته حسنة أوواجباً"(101). وحظر بيع الكتاب في فرنسا، وأصدر تجار الخط في هولندا وإنجلترا طبعات مسروقة لم ينقذوا عليها شيئاً؛ فإذا عهدنا هذا فهمنا حبه للمال فهماً أفضل. لقد كان عليه حتى يحارب "تجار الخط الأوغاد"(102) لا رجال الدين والحكومات فحسب.

و"عصر لويس الرابع عشر" أكثر أعمال فولتير وأمانة في الإعداد فقد خطط له في 1732، وبدأت في 1734، ونحاه جانباً في 1738، ثم عاد إليه في 1750. وقد قرأ له مائتي مجلد، وتلالا من المذكرات غير المنشورة، واستشار عشرات الناس ممن بقوا على قيد الحياة بعد العصر العظيم، ودروس الأوراق الأصلية التي خطها أبطال العصر أمثال لوفوا وكولبير، وحصل من الدوق دنواي على مخطوطات التي خلفها لويس الرابع عشر، ووجد وثائق هامة لم تستخدم إلى ذلك الحين في دار محفوظات اللوفر(103). ووازن بين الأدلة المتضاربة بحكمة وعناية، وحقق مرتبة عالية من الدقة. لقد حاول مع مادم دشاتليه حتىقد يكون عالماً ففشل، والآن اتجه إلى كتابة التاريخ وكان نجاحه في ذلك ثورة.

وقد أعرب قبل ذلك بزمن طويل عن هدفه في خطاب تاريخه 18 يناير 1739:" حتى هدفي الأهم ليس التاريخ السياسي والحربي، بل تاريخ الآداب والفنون، تاريخ التجارة، تاريخ الحضارة - وبعبارة موجزة، تاريخ العقل الإنساني. "وأعرب عنه إعراباً أفضل حتى من هذا خطاب خطه لتييريوفي 1736. يقول:

حين طلبت حكايات ونوادر عن عصر لويس الرابع عشر لم أكن أقصد الملك ذاته بقدر ما أقصد الآداب والفنون التي ازدهرت في عهده. وإني لأوثر تفاصيل عن راسين وبوالو، وكينوولولى، وموليير، ولوبرون، وبوسويه، وبوسان، وديكارت، وغيرهم، لاعن معركة ستنكركي. لم يبق من أولئك الذين قادوا الجيوش والأساطيل إلا اسمهم، ولا ثمر بجنيه النوع الإنساني من مائة معركة كسبت، أما الرجال العظماء الذين ذكرتهم فقد جهزوا مباهج صافية باقية لأجيال لم تولد. فقناة تربط بين بحرين، أولوحة بريشة بوسان، أومأساة رائعة، أوحقيقة يماط عنها اللثام، هذه كلها أشياء أثمن ألف مرة من جميع حوليات البلاط، وكل قصص الحرب. وأنت تفهم حتى العظماء من الرجال هم الأوائل في نظري، أما "الأبطال" فهم الأواخر. والعظماء عندي هم جميع الذين بزوا غيرهم في النافع المبهج. أما الذين يخرجون الأقطار فليسوا أكثر من أبطال(104).

وربما حمل فولتير الأبطال العسكريين من مكانهم في المؤخرة إذا أنقذت فوزاتهم الحضارة من الهمجية؛ ولكن كان من الطبيعي حتى يجد الفيلسوف الذي لم يعهد سلاحاً غير الألفاظ متعة في حمل اضرابه إلى مكان مرموق، ومسماه خير بيان لنظريته لأنه لم يزل بعد قرنين من الزمان أبرز الأسماء في ذكرنا لعصره. وكانت نيته في الأصل حتى يخصص الكتاب برمته التاريخ الثقافي. ثم أشارت عليه مدام دشاتليه بكتابة "تاريخ عام" للأمم؛ وعليه فقد ألف فصولا في السياسة، والحرب، والبلاط، ليجعل المجلد تتمة متجانسة لكتاب أكبر عنوانه "منطق في التاريخ العام" كان يتخلف تحت قلمه. ولعل هذا هوالسبب في حتى التاريخ الثقافي غير مندمج في بقية المجلد، فالنصف الأول من الكتاب مخصص للتاريخ السياسي والحربي، ثم تأتى أقسام عن العادات "خصائص ونوادر"، والحكومة، والتجارة، والعلوم، والأدب، والفن، والدين.

وتطلع المحرر المطارد خلفه في إعجاب إلى العهد كان الملك فيه يكرم الشعراء (إذا لم يحيدوا عن الجادة)؛ وربما كان تشديده على دعم لويس الرابع عشر للآداب والفنون هجوماً جانبياً على عدم اكتراث لويس الخامس عشر بمثل هذه الرعاية. أما وقد برزت الآن عظمة العصر الماضي في هذه الذكرى المموهة "وأغفل ذكر استبداده وغارات خياليه على البيوت، فإن فولتير راح يضفي شيئاً من الكمال على الملك الشمس ويطرب لفوزات القواد الفرنسيين - وإن وسم بالعار تدمير البلاتينات. ولكن النقد يخفي رأسه أمام هذه المحاولة الحديثة الأولى لكتابه التاريخ المتكامل. وقد استوعب المعاصرون الفطنون حتى هذه بداية جديدة- فهي التاريخ يترجم للحضارة، التاريخ الذي حوله الفن والنظرة السليمة أدباً وفلسفة. فما انقضى عام على نشره حتى خط إيرل تشسترفيلد لولده يقول:

لقد أوفد من فولتير إلى برلين كتابه "تاريخ عصر لويس الرابع عشر" وقد اتىني في أوانه، ذلك حتى اللورد بولتبروك فهمني مؤخراً كيف من الممكن أن ينبغي حتى يقرأ التاريخ. وها هوذا فولتير يريني كيف من الممكن أن حتى يخط... إنه تاريخ الفهم الإنساني، بقلم عبقري لينتفع به الأذكياء من الناس... وقد تحرر مؤلفه من الأهواء الدينية والفلسفية والسياسية والقومية أكثر من أي مؤرخ صادفته إطلاقاً، ومن ثم فهويروي هذه الأمور كلها بصدق ونزاهة على قدر ما تسمح له بعض الاعتبارات التي لا مفر دائماً من مراعاتها(105).

وكان فولتير خلال جهوده الأدبية برما بوضعه القلق في بلاط فردريك. ذلك حتى لامتري، الرجل المادي النزعة المرح الطبع الذي كان كثيراً ما يقرأ للملك، نقل في أغسطس 1751 إلى فولتير ملاحظة أبداها مضيفهما: "سأحتاج إليه (أي فولتير) سنة أخرى على الأكثر (مهذباً لفرنسية الملك)؛ إذا الناس يعتصرون البرتنطقة ثم يلقون قشرتها"(106). ويتشكك البعض في صحة نسبة هذه الملاحظة إلى فردريك، إذ لم يكن في طبعه حتى يفضي بسره لأحد على هذا النحو، ولم يكن محالاً على لامتري حتى يتمنى إقصاء فولتير عن حظوته. خط فولتير إلى مدام دنيس في 2 سبتمبر يقول "بذلت قصارى جهدي لكيلا أصدق لامتري، ولكني ما زلت حائراً." ثم خط إليها في 29 أكتوبر يقول "مازلت أحلم بقشرة البرتنطقة تلك... وما أشبهني بذلك الرجل الذي كان يسقط من برج فلما عثر نفسه مرتاحاً في الهواء نطق لا بأس بهذا الوضع لودام"(107).

وكان في ألمانيا رجل آخر شارك في المهزلة. ونطق فردريك إنه لا بد من زوال واحد من رجلين فرنسيين في بلاط واحد(108) ذلك حتى موبرتوي عميد أكاديمية برلين، كان لا يتقدم عليه مقاماً بين ضيوف الملك في سانسوسي غير فولتير؛ وكان كلا الرجلين ضيفاً بهذا الجوار؛ ولعل فولتير لم ينس حتى مدام دشاتليه كانت يوماً ما مغرمة بموبرتوي. وفي أبريل 1751 أقام فولتير وليمة نادى إليها موبرتوي فلبى الدعوة. ونطق له فولتير إذا كتابك "عن السعادة" أمتعني كثيراً، باستثناء بضعة غوامض سنناقشها معاً ذات مساء." وعبس موبرتوي ونطق "غوامض"،يا ترى؟ قد يحدث هناك غوامض بالنسبة لك يا سيدي." ووضع فولتير يده على كتف العالم ونطق "سيدي العميد، إنني أقدرك، فأنت رجل شجاع، ترغب الحرب. فلتخوضها إذن، ولكن دعنا الآن نأكل شواء الملك"(109). وخط إلى دارجنتال (4 مايو) يقول "لم يؤت موبرتوي من آداب السلوك ما يفتن كثيراً. إنه يقيس أبعادي بربعيته في خشونة؛ ويقولون حتى معلوماته يخالطها الحسد... إنه رجل فيه بعض الفظاظة، وليس اجتماعياً جداً." ثم خط إلى ابنة أخته دنيس في 24 يوليويقول"لقد أشاع موبرتوى بدهاء أنني وجدت "أعمال" الملك رديئة جداً، وأنني قلت لبعضهم وأنا أتسلم بعض أشعار الملك (ألا يتعب إرسال غسيله القذر إلى لأغسله"؟(110) وليس من المؤكد حتى موبرتوي حمل هذه الشائعة إلى فردريك، ولكن فولتير ظنه مؤكداً، فعقد النية على الحرب.

وكان من إسهامات موبرتوي في الفهم "مبدأ الحركة الدنيا"_ أي حتى جميع التماثيل في عالم الحركة تنجز بأقل قوة تكفي لأحداث النتيجة. وقد تعثر صموئيل كوينيج، الذي دان لموبرتوي بعضويته في أكاديمية برلين، على وثيقة قيل إنها نسخة من خطاب غير منشور خطه ليبنتز، وسبق فيه إلى وضع هذا المبدأ. وخط كوينيج منطقا عن هذا الكشف، ولكنه عرضه على موبرتوي قبل حتى ينشره، وأبدى استعداده للعدول عن النشر إذا اعترض عليه العميد. غير حتى موبرتوي وافق على نشره، من الممكن بعد حتى اطلع عليه على عجل. وطبع منطق كوينيج في عدد مارس 1751 من مجلة "أكتا إيروديتورم" التي تصدر في ليبزج، فأثار نشره ضجة. وطلب موبرتوي إلى كوينيج حتى يقدم خطاب ليبنتز إلى الأكاديمية، ورد كوينيج بأنه لم ير غير نسخة منه بين أوراق صديقه هنتسسي الذي شنق في 1749، وأنه نقل نسخة عن هذه النسخة، وهومرسلها الآن إلى موبرتوي، ولكن هذاعاد فطالب بالأصل. واعترف كوينيج بأن الأصل لا يمكن العثور عليه الآن لأن أوراق هنتسي تبددت بعد موته. وعرض موبرتوي الأمر على الأكاديمية (7 أكتوبر 1751)، فأوفد سكرتيرها إلى كوينيج أمراً نهائياً أصل الخطاب، فلم يستطع. وعليه ففي 13 أبريل 1752 حكمت الأكاديمية بأن خطاب ليبنتز المزعوم مزيف. ولم يحضر موبرتوي هذه الجلسة لأنه شكا نزفاً سببته إصابة بالسل(111). وأوفد كوينيج استنطقته من الأكاديمية، وأصدر "نداء إلى الشعب" (سبتمبر 1752).

وكان كوينيج قد أنفق مرة عامين في سيريه ضيفاً على فولتير ومدام دشاتليه. وقرر حتى ييضرب ضربة دفاعاً عن صديقه القديم ضد عدوه الحالي. ففي عدد 18 سبتمبر من مجلة "المخطة العقلانية" ظهر منطق بعنوان "رد عضوفي أكاديمية برلين على عضوفي أكاديمية باريس" دافع من حديث عن كوينيج وخلص إلى أن:

"السيد موبرتوي مذنب أمام الدوائر الفهمية الأوربية لا بالانتحال والخطأ فحسب، بل باستغلال منصبه لمصادرة النقاش الحر، واضطهاد رجل شريف... وقد احتج عدة أعضاء من أكاديمتنا على هذا الإجراء الفاضح، ولولا خشيتهم من إغضاب الملك لهجروا الأكاديمية"(112). وكان الموضوع غفلا من الإمضاء، ولكن فردريك عهد لمسة فولتير الغادرة. وبدلا حتى يقذفه بصاعقة ملكية، خط رداً وصف فيه الرد المذكور بأنه "خبيث، جبان، دنئ" ووسم محرره بأنه "دجال لا يستحي"، "ولص قبيح" و"ملفق للطعون الغبية"(113). وكان هذا الرد أيضاً غفلا من التوقيع، ولكن صفحة الغلاف تحمل الأسلحة البروسية ومعها النسر، والصولجان، والتاج. وأحس فولتير حتى كبرياءه قد جرحت، ولم يكن في طاقته قط حتى يهجر لعدوالحدثة الأخيرة، ولعله وطن النفس على حتى يختصم الملك. وخط لمدام دينس (18 أكتوبر 1752) يقول "لست أملك صولجاناً، ولكني أملك قلماً." ثم استغل غاية الاستغلال نشر موبرتوي مؤخراً (درسدن، 1752) لسلسلة من "الرسائل" اقترح فيها حفر ثقب في الكرة الأرضية، إلى مركزها إذا أمكن، لدراسة هجريبها، ونسف هرم من أهرام مصر للكشف عن أسرار هدفها وتصميمها، وبناء مدينة لا يتحدث الناس فيها غير اللاتينية حتى يقضي الطلاب فيها عاماً أوعامين ويتفهموا تلك اللغة كما تفهموا القومية، وألا ينقد الطبيب أجره إلا بعد شفاء المريض، وأن جرعة كافية من الأفيون قد تمكن متعاطيها من التنبؤ بالمستقبل، وأن العناية السليمة بالجسم قد تتيح لنا إطالة العمر إلى ما لا نهاية(114). وانقض فولتير على هذه الرسائل انقضاضه على فريسة سهلة، مغفلا بعناية أي فقرة فيها إدراك سليم أوأي لمحات من الفكاهة ثم قذف بالباقي في مرح على قرون نادىبته الذكية. إلى غير ذلك خط في نوفمبر 1752 "خطاب الدكتور أكاكيا، طبيب البابا المقيم." وكامة Diatribe (ومعناها الآن هاتى) كانت تعنى يومها خطاباً، أما akakia فحدثة يونانية معناها "غرارة أوغفلة". وقد بدأ الطبيب المزعوم في براءة ظاهرة بتشككه في حتىقد يكون رجل عظيم كعميد أكاديمية برلين مؤلفاً لكتاب بهذا السخف. وعلى أي حال "ليس في عصرنا هذا ما أشيع وأعم من حتى يزيف مؤلفون صغار جهل على العالم، تحت أسماء مشهورة، خطاً غير جديرة بالمؤلفين المزعومين. فلا بد حتى هذه الرسائل هي من هذا الضرب من التزييف، لأنه مجال حتىقد يكون العميد العلامة قد خط هذا الهراء. وخص الدكتور أكاكيا بالاحتجاج على ذلك الاقتراح بعدم نقد الطبيب أجره إلا بعد شفاء المريض- وهواقتراح من الممكن كان يمس وتراً متعاطفاً في صدر فولتير الموجع، ولكن "أينكر الموكل على محاميه أتعابه التي يستحقها لأنه خسر قضيته،يا ترى؟ إذا الطبيب يعد مريضه بأن يعينه لا بأن يشفه. وهويبذل ما في وسعه وينقد أجره على هذا الأساس"، وكيفقد يكون شعور عضوالأكاديمية إذا اقتطع قدر معين من الدوقاتيات من راتبه السنوي نظير جميع غلطة ارتكبها، أوجميع قول سخيف فاه به، خلال العام،يا ترى؟ وراح الطبيب يفصل ما اعتبره فولتير أغلاطاً أوسخافات في أعمال موبرتوي(115).

ولم يكن هجاؤه هذا بالبراعة التي يخالها الناس عموماً، فكثير منه معاد وبعض ما فيه من نبش عن الأخطاء تافه غير كريم؛ ونحن نخفي حقدنا في أيامنا هذه بأدب أكثر. ولكن فولتير سر بتمثيليته هذه سروراً لم يستطع معه حتى يقاوم بهجة رؤيتها مطبوعة. فأوفد مخطوطة منها إلى ناشر في لاهاي، وأرى الملك في الوقت نفسه مخطوطة أخرى. واستمتع فردريك بقراءة الهاتى(أوهكذا قيل) وكان بينه وبين نفسه يوافق على حتى موبرتوي فيه أحياناً غرور لا يطاق، ولكنه نهى فولتير عن نشره، وواضح أنه عثر في لنشر مساساً بكرامة أكاديمية برلين وسمعتها. وسمح له فولتير بأن يحتفظ بالمخطوطة، ولكن الهاتى نشر رغم ذلك في هولندا. وسرعان ما انبثت ثلاثون ألف نسخة منه في أراتى باريس، وبروكسل، ولاهاي، وبرلين. ووصلت نسخة منها ليد فردريك، فأعرب عن غضبه بعبارات جعلت فولتير يفر إلى مسكن خاص في العاصمة. وفي 24 ديسمبر 1752 رأى من نافذته جلاد الدولة الرسمي يحرق كتابه على الملأ. وفي أول يناير 1753 رد لفردريك مفتاحه المضىي بوصفه أميناً للقصر، وصليب الاستحقاق الذي خلعه عليه.

وكان الآن مريضاً حقاً، تلهب الحمرة جبينه، وترهق الدوزنتاريا أمعاءه، وتبرى الحمى جسده. فلزم فراشه في 2 فبراير ولم يبرحه طوال أسبوعين، وبدا عليه كما نطق زائر عاده في سقمه "كل مظهر الهيكل العظمى"(116). ورق له قلب فردريك، فأوفد طبيبه الخاص ليرعى الشاعر. فلما تحسنت صحته خط إلى الملك يستأذنه في زيارة بلومبيير، فلعل مياهها تشفى حمرته. وأمر فردريك سكرتيره بأن يرد عليه (16 مايو) "بأن في استطاعته حتى يهجر هذه الخدمة حين يشاء، وأنه لا حاجة به للاعتذار بمياه بلومبيير، ولكن عليه حتى يتكرم قبل رحيله بأن يرد إلى ... مجلد القصائد الذي عهدت به إليه"(117). وفي الثامن عشر من الشهر نادى الملك فولتير للعودة إلى مسكنه القديم في سانسوسي. وأتى فولتير، ومكث ثمانية أيام، وبدا أنه أصلح ما بينه وبين الملك- ولكنه احتفظ بقصائد الملك. وفي 26 مارس ودع فردريك، وتظاهر كلاهما بأن الفراق إلى حين. ونطق الملك "اعتن بصحتك قبل جميع شئ، ولا تنس أنني أنتظر عودتك بعد استشفائك بالمياه... رحلة طيبة!"(118) ولم يلتقيا بعدها قط.

إلى غير ذلك انتهت هذه الصداقة التاريخية، ولكن العداوات السخيفة استمرت. فقد انطلق فولتير مع سكرتيره ومتاعه يتأرجح في مركبته إلى الأمان في ليبزج السكسونية. هناك تلكأ ثلاثة أسابيع بحجة ضعف صحته، وأضاف مزيداً إلى "الخطاب". وفيستة أبريل تلقى رسالة من موبرتوي يقول فيها:

تقول الجرائد إنك تخلفت في ليبزج لسقمك، ولكن معلوماتي الخاصة تؤكد لي أنك لا تمكث هناك إلا لطبع مزيد من القذف في.. إنني لم أسئ إليك قط، وما خطت ضدك ولا قلت شيئاً قط. لقد كنت على الدوام أراه أمراً لا يليق بي حتى أراد على السفاهات التي رحت تذيعها عني... ولكن إذا صح حتى في نيتك العودة إلى مهاجمتي في مسائل شخصية،... فإنني أنذرك بأن في من العافية ما يمكنني من العثور عليك أنى كنت، وأصب جام غضبي وانتقامي عليك(119).

ورغم ذلك طبع فولتير "الخطاب" المنقح، وطبع معه رسالة موبوتوي. وأصبح الكتيب، الذي تضخم الآن حتى بلغ خمسين صفحة، حديث القصور والبلاطات في ألمانيا وفرنسا. وخطت فلهلمينا من بايرويت إلى فردريك (24 أبريل 1753) تعترف بأنها لم تملك نفسها من الضحك على الخطاب. أما موبرتوي فلم ينقذ تهديده، كذلك لم يمت غيظاً وكمداً كما افترض البعض؛ فلقد عمر ست سنوات بعد الدكتور أكاكيا، ومات بالسل في بازل عام 1759.

وفي 19 أبريل رحل فولتير إلى جوتا، ونزل فندقاً عاماً بها، ولكن سرعان ما أقنعه دوق ودوقة ساكس-جوتا بالنزول ضيفاً عليهما قصرهما. ولما كان بلاطهما الصغير يهتم بالثقافة، فقد جمعت الدوقة الأعيان والأدباء، وقرأ لهم فولتير شيئاً من أعماله، حتى من قصيدة "لا بوسيل المرحة". ثم مضى إلى فرنكفورت -أم على -مين، وهناك أدركته إلهة الانتقام.

ذلك حتى فردريك حين تبين حتى فولتير يواصل الحرب التي شنها على موبرتوي، خامرته الظنون في حتى الشاعر المستهتر قد يذيع على الناس القصائد التي خطها الملك، والتي لم تزل نسخة منها-طبعت سراً- في حوزة فولتير وهي قصائد في بعضها خروج عن اللياقة، وبعضها يتهكم بالمسيحية، وبعضها يتحدث عن الأحياء من الملوك حديثاً فيه من النادىية أكثر مما فيه من الاحترام، فمن شأنها حتى تنفر منه قوى نافعة. وعليه فقد أوفد إلى فربتاج، المقيم البروسي في فرانكفورت، يأمره بحبس فولتير حتى يسلم "ذلك الهيكل العظمى، الشيطاني" قصائد الملك وشتى الأوسمة التي خلعها عليه إبان "شهر العسل". وكانت فرانكفورت "مدينة حرة"، ولكنها تعتمد على رضى فردريك اعتماداً لم تجرؤ معه على التدخل في هذه الأوامر؛ أضف إلى ذلك حتى فولتير كان من الناحية الرسمية لا يزال في خدمة ملك بروسيا وفي إجازة ممنوحة منه. ومن ثم قصد فربتاج في أول يونيوفندق الأسد المضىي الذي وصل إليه فولتير البارحة، وطلب إليه في أدب حتى يسلمه الأوسمة والقصائد. وسمح فولتير للمقيم بأن يفتش متاعه ويأخذ الأوسمة الملكية، أما قصائد الملك فنطق إنها على الأرجح في صندوق أوفده إلى همبورج. وأمر فربتاج بوضعه تحت الحراسة حتى يعاد الصندوق من همبورج. وفيتسعة يونيوتعزى الفيلسوف المغيظ بوصول مدام دنيس، التي أعانته على التنفس عن غيظه. وقد راعها هزاله "كنت على يقين من حتى هذا الرجل (فردريك) قاتلك! "وفي 18 يونيووصل الصندوق، وعثر فيه على المجلد المحتوى على القصائد، وسلم للمقيم، ولكن في يوم ذاته وصل توجيه حديث من بوتسدام يأمر فربتاج بالاحتفاظ "بالوضع الراهن" لحين وصول أوامر أخرى. فحاول فولتير الهروب بعد حتى عيل صبره، وفي 20 يونيوهجر حقائبه مع ابنة أخته وفر هووسكرتيره خلسة من فرانكفورت.

ولكن فربتاج لحق بهما قبل حتى يجتازا الحدود الإدارية للمدينة، وعاد بهما إليهما وأودعهما سجينين في فندق العنزة، لأن "صاحب فندق الأسد أبى حتى يستبقي فولتير أطول مما بقي عنده بسبب شحه الذي لا يصدق"(120) (في رواية فربتاج). واستولى آسروفولتير على نقوده كلها، وعلى ساعته، وبعض جواهره التي يتحلى بها، وصندوق نشوقه-الذي رد إليه سريعاً بناء على توسله لأنه نطق إنه لا غنى لحياته عنه. وفي 21 يونيووصل خطاب من فردريك يأمر بالإفراج عن فولتير، ولكن فربتاج رأى حتى الأمانة في أداء الواجب تقتضيه حتى ينبئ الملك بمحاولة فولتير الهروب، فهل يطلق سراحه رغم ذلك،يا ترى؟ وفيخمسة يونيووافق فردريك على الإفراج عنه، وأطلق سراحه بعد اعتنطقه خمسة وثلاثين يوماً. وفيسبعة يونيوغادر فرانكفورت إلى مينز، وعادت مدام دنيس إلى باريس، بأمل الحصول على إذن لفولتير بدخول فرنسا.

وكان نبأ اعتنطقه قد ذاع، فاحتفل به القوم وأشادوا به حيثما مضى، لأن فردريك لم يحبه أحد غير أخته فلهلمينا، أما فولتير فهورغم شيطنته كلها كان أعظم الأحياء من الشعراء، والمسرحيين، والمؤرخين. وبعد حتى قضى ثلاثة أسابيع في مينز رحل في بطانة كبطانات الأمراء إلى مانهايم وستراسبورج (15 أغسطس إلى 2 أكتوبر) حيث أمتع روحه بفكرة وجوده على أرض فرنسية. ثم مضى إلى كولمار (2 أكتوبر) حيث زارته فلهلمينا في طريقها إلى مونبليه وطيبت خاطره "بالأنعامات" واسترد من عافيته ما أوحى إليه ببعض رسائل ظريفة لمدام دنيس التي كانت تشكوورماً في فخذيها:

بالله يا طفلتي العزيزة ما الذي ترغب ساقاك وساقاي حتى تقول،يا ترى؟ لوأنها كانت معاً لما شكت سقماً... إذا فخذيك لم يخلقا للألم. فهذان الفخذان اللذان سيقبلان بعد قليل يلقيان الآن معاملة مخزية(121).

وخط في لهجة أكثر تواضعاً إلى مدام بمبادور يتوسل بنفوذها على لويس الخامس عشر ليسمح له بالعودة إلى باريس. ولكن ناشراً لصاً في لاهاي كان قد نشر طبعة مشوهة سماها "موجز التاريخ العام" اختصر منها كتاب "منطق التاريخ العام" أو"منطق في العزف" الذي لم يتمه فولتير، وقد احتوى نقداً جارحاً للمسيحية. وبيع الموجز بسرعة في باريس، نطق لويس الخامس عشر لبومبادور "لست أريد حتى يأتي فولتير إلى باريس"(122) وطالب اليسوعيون في كولمار بطرده من تلك المدينة، فحاول حتى يسترضى أعداءه الكنسيين بتناوله القربان في عيد القيامة. وكانت النتيجة الوحيدة لهذا العمل حتى انضم أصدقاؤه لليسوعيين في رميه بالنفاق. وكان تعقيب مونتسكيو"انظروا إلى فولتير الذي لا يعهد أين يضع رأسه" ثم أضاف "أن النفس الصالحة أغلى ثمناً من النفس الجميلة"(123).

وفكر الفيلسوف المشرد، بعد حتى سدت في وجهه المسالك، في الرحيل عن أوربا والإقامة في فيلادلفيا. وكان معجباً بروح بن وجهود فرانكلن الذي وحد مؤخراً بين البرق والكهرباء "لولا حتى البحر يسبب لي دواراً لا يطاق لقضيت بقية عمري بين كويكريي بنسلفانيا"(124). وفيثمانية يونيو1754 غادر كولمار ووجد ملجأ في دير سنون البندكتي بالورين. هناك فهم حتى دوم أوجستن كالميه رئيس للدير، وأن بمخطة الدير اثنا عشر ألف مجلد؛ ووجد فولتير السلام وسط الرهبان ثلاثة أسابيع. وفي 2 يوليورحل إلى بلومبيير، وشرب من مياهها في خاتمة المطاف. ولحقت به مدام دنيس هناك. وظلت منذ ذلك الحين سيدة (Mistrest خليلة) بيته على الأقل. واستأنف تجواله، وعاد إلى كولمار، ولم يجد فيها راحته، فانطلق إلى ديجون ومكث فيها ليلة، ثم إلى ليون التي أقام فيها شهراً (11 نوفمبر إلىعشرة ديسمبر). ونزل أسبوعاً ضيفاً على صديقه ومدينه القديم لدوق ريشليو، ثم انتقل إلى فندق الباليه رويال، من الممكن خوفاً من حتى يؤذى سمعته. ومضى إلى أكاديمية ليون وتلقى جميع ما خلعته عليه من تكريم. وأخرجت بعض تمثيلياته على المسرح المحلي، وحمل تصفيق الاستحسان معنوياته. وفكر في الإقامة في ليون، ولكن رئيس الأساقفة تنسان اعترض، فرحل فولتير عنها. وأيقن أنه قد يقبض عليه في أية لحظة لومكث في فرنسا.

وعليه ففي ختام عام 1754، أومطلع عام 1755، عبر جبال الجورا وألقى عصا التسيار في سويسرا.

جنيڤ وفيرني

وفاته

قبر فولتير في Pantheon

كتابات

التاريخ

سير تاريخية

  • تاريخ شارل ال12، ملك السويد (جزءين 1731)

الشعر

قبر مفتوح في 1899

النثر

Frontispiece and first page of chapter one of an early English translation by T. Smollett et al. of Voltaire's "Candide" , printed by J. Newbery, 1762

الرسائل

في عامي 1733 و1734 نشر فولتير بعد عناء شديد أول إسهامه في عصر الاستنارة، وكان تعبير عن 24 رسالة موجهة من إنجلترا إلى تييريووترجمت إلى الإنجليزية وصدرت في لندن (1733) رسائل متعلقة بالأمة الإنجليزية. ولكن كان في طبع الأصول في فرنسا مغامرة بحرية المؤلف وصاحب المطبعة كليهما. وخفف فولتير من بعض الأجزاء، وحاول حتى يحصل على أذن من الحكومة بطبع البقية، فرفضوا منحه الترخيص، وهنا لجأ ثانية إلى نشرها سراً في روان. وحذر الناشر جور من تسرب أية نسخة للتداول لبعض الوقت على الأقل، ولكن في أوائل 1734، وصلت عدة نسخ إلى باريس تحت عنوان "رسائل فلسفية". وحصل أحد القراصنة الناشرين على نسخة، وأصدر منها طبعة كبيرة العدد دون على فولتير. وفي نفس الوقت كان فولتير ومدام دي شاتيليه قد قصدا إلى قصر مونتحي بالقرب من أوتون على مسافة 190 ميلاً من باريس ليحضرا حفل زفاف ريشيليو. وبدأ الكتاب بأربع رسائل عن جماعة الكويكرز الإنجليزية، وأوضح فولتير حتى هؤلاء الكويكرز ليس لهم تنظيم كنسي ولا قساوسة ولا أسرار ولا قرابين مقدسة، مع ذلك مارسوا الشعائر المسيحية في إخلاص وإيمان أكثر من أي مسيحيين عهدهم. ووصف أوتخيل زيارة قام بها لواحد منهم ونطق: "سألت واحداً منهم: سيدي العزيز، هل عمدوك،يا ترى؟ فأجاب "لا لم أعمد لا أنا ولا أخوتي". وصحت في وجهه: عجباً كيف من الممكن أنقد يكون هذا إذن أنتم لستم مسيحيين! فأجاب في صوت هادئ خفيض يا بني، لا تقسم، نحن مسيحيون" "ونحن نحاول حتى نكون مسيحيين صالحين، ولكننا لا نرى حتى المسيحية مجرد ماء بارد مع قليل من الملح على الرأس وعارضته. (يا إلهي! لا تتحدث بهذا الضلال! هل نسيت حتى يوحنا عمد المسيح؟) فرد قائلاً: يا صاحبي، لا تقسم بعد ذلك، إذا يوحنا عمد المسيح ولكن المسيح لم يعمد أحداً... ونحن أتباع المسيح لا أتباع يوحنا فقلت له: (وا حسرتاه أيها المسكين جزاؤك الحريق في بلاد محاكم التفتيش وسألني (هل أجروا لك عملية ختان؟). فأجبته (لم يكن لي شرف الختان).

فنطق: (حسناً، أنت مسيحي دون ختان، وأنا مسيحي دون تعميد) ونطق الكويكرز إذا التعميد مثل الختان من العادات السابقة على المسيحية وقد أبطلها إنجيل السيد المسيح الجديد. ثم استطرد فولتير يتحدث عن الحرب )لن نمضى أبداً إلى الحرب، لا لأننا نخشى الموت، بل لأننا لسنا ذئاباً ولا نموراً، ولا كلاباً نحن رجال مسيحيون. حتى إلهنا الذي أمرنا نحب أعداءنا يقينا لا يريد منا حتى نعبر البحر لنقتل أخوة لنا، لمجرد حتى السفاحين الذين يرتدون ثياباً في لون الدم وقبعات عالية ترتفع إلى قدمين يجندون المواطنين بينما يحدثون جلبة باثنتين من العصي ممدتين على جسم حمار. وبعد النصر تتألق لندن كلها في الأضواء وتلتهب سماؤها بالألعاب النارية وطلقات المدافع، على حين نرثي في صمت للمذبحة التي أدت إلى مثل هذا الابتهاج العام(13).

لقد أوذيت فرنسا أيما إيذاء، وكادت حتى تدمر نفسها لمحاولتها فرض عقيدة واحدة على جميع الفرنسيين. وأسهب فولتير في وصف التسامح بالنسبة للخلافات الدينية في إنجلترا. "هذه بلد الطوائف. والرجل الإنجليزي، باعتباره حراً يسلك إلى السماء الطريق الذي يختاره.(14) ووازن فولتير بين أخلاق رجال الدين الإنجليز وأقرانهم الفرنسيين. وهنأ الإنجليز بأنهم ليس لديهم رهبان. إذا الإنجليز ليحمدون الله ويشكرونه على أنهم بروتستانت حين يفهمون حتى الشبان الفرنسيين المعروفين بفسقهم وفجورهم يرقون إلى مناصب الأساقفة والمطارنة بعمل الدسائس، ويؤلفون الأغاني الرقيقة ويقيمون ولائم العشاء الباذخة جميع يوم تقريباً، ويطلقون على أنفسهم أنهم خلفاء الرسل.(15) وفي الرسالة الثامنة لف فولتير الخنجر إلى صدر الحكومة في فرنسا: "إن الأمة الإنجليزية وحدها هي التي عهدت كيف من الممكن أن تحدد سلطة الملوك بوقوفها في وجههم... وأخيراً أقامت هذه الحكومة الرشيدة، وفيها يتمتع الملك بكل القوة والسلطة في حتى يعمل الخير، على حين تغل يداه عن الإتيان بأي شر أوسوء. (وهنا يردد فولتير تعبير مشهورة مأثورة عن رواية فنليون "تليماك". إذا إقرار الحرية في إنجلترا تطلب ثمناً غالياً ولا ريب، فقد أغرق صنم الحكم الاستبدادي المطلق في بحر من الدماء، ولكن الإنجليز لا يرون أنهم اشتروا القوانين العادلة الصالحة بثمن باهظ، فهناك أمم أخرى مرت بمحن وأوقات عصيبة لا تقل عما عاناه الإنجليز، ولكن الدماء التي أريقت دفاعاً عن قضية الحرية لم تكن إلا تثبيتاً لعبوديتها(21).

إن حق التحقيق في قانونية حبس التهم في إنجلترا يحرم السجن دون قضية محددة، ويتطلب محاكمة علنية، بواسطة المحلفين، أما في فرنسا فهناك "الأوامر السرية المختومة". وقبل مونتسكيوبأربعة عشر عاماً، رأى فولتير "فصل السلطات في الحكومة الإنجليزية وامتدحه وبالغ فيه، كما رأى تنسيق العمل بين الملك ومجلس اللوردات ومجلس العموم. وأشار فولتير إلى أنه لا يمكن فرض ضرائب إلا بموافقة البرلمان" "وأنه لا يعفي أحد من ضرائب معينة... لأنه نبيل أوكاهن."(17)وفي إنجلترا يشتغل صغار أبناء النبلاء بالتجارة وبمختلف المهن، أما في فرنسا فإن التاجر غالباً ما يسمعهم يتحدثون عن مهنته في ازدراء واحتقار، حتى يبلغ به الحمق إلى حد الشعور بالخزي والعار من الاشتغال بالتجارة. ولست أدري أيهما أنفع للدولة-نبيل نتأنق يعهد بالضبط متى يصحوالملك من نومه أويأوى إلى فراشه، ويستشعر العظمة حين يقوم بدور العبد الرقيق... أورجل أعمال (مثل فوكنر مضيف فولتير في لندن، يثري وطنه ويصدر الأوامر من مخطه إلى سورات والقاهرة، ويسهم في إسعاد العالم بأسره(18) وأخيراً في بترة تضمنت برنامجاً لفرنسا مضى فولتير إلى: حتى الدستور الإنجليزي بلغ قمة التفوق وكان من نتيجة ذلك حتى جميع الناس استعادوا حقوقهم الطبيعية، على حين أنهم محرمون منها في سائر الملكيات تقريباً. وهذه الحقوق هي الحرية الكاملة في أشخاصهم وفي ممتلكاتهم: حرية الصحافة حق المحاكمة بناء على نص صريح في القانون، وحق جميع إنسان في اعتناق العقيدة التي يرتضيها دون إزعاج.(19)

ولا بد حتى فولتير عهد حتى فريقاً من الناس فقط هم الذين تمتعوا بهذه الحقوق الطبيعية "وأن الحرية الشخصية لم تتحر من خطر الرقابة الصحفية، وأنه كانت هناك حدود وقيود على حرية الكلام في الدين وفي السياسة، وأن المنشقين والكاثوليك كانوا مستبعدين من الوظائف العامة. وأنه كان من الميسورة في إنجلترا رشوة القضاة ليتجاهلوا القانون. إذا فولتير لم يدون وصفاً نزيهاً لواقع إنجلترا, أنه كان يستخدم إنجلترا سوطاً يحرك به الثورة في فرنسا ضد ظلم الدولة أوالكنيسة. حتى كون جميع هذه الحقوق تقريباً أصبحت الآن قضية مسلماً بها في البلدان المتحضرة يضفي على ما أنجزه القرن الثامن عشر روعة وجلالاً.

ولا يقل عن هذا أهمية في أثره على الفكر الحديث امتداح فولتير لبيكون ولوك ونيوتن. إنه نطق عن بيكون الذي اتهموه وجرحوه ما حكم به بولنجيزوك على مالبرو"إنه رجل بلغ من العظمة حداً لا أستطيع معه حتى أتذكر هل كان له أخطاء أم لا"(20)ثم أردف يقول" إذا هذا الرجل العظيم بيكون هوأبوالفلسفة التجريبية لا من أجل التجارب التي قام بها، بل بما وجه من نداءات قوية للنهوض بالبحث الفهمي. وتلك هي الفكرة التي حدت بديدروودالمبرت إلى القول بأن بيكون هوأول من أوحى إليهم بدائر المعارف التي وضعوها.

وخصص فولتير لجون لوك جميع الفصل الثالث عشر تقريباً. إنه لم يجد فيه مجرد فهم العقل بدلاً من أسطورة النفس، بل عثر فلسفة كامنة كاملة حتى أنه بإرجاعه جميع الفهم إلى الشعور، حول الفكر الأوربي عن الإلهام الإلهي إلى الخبرة الإنسانية، باعتبارها المصدر الوحيد للحقيقة وأساسها. ورحب برأي لوك في أنه يمكن تصور إذا المادة يمكن تمكينها من التفكير وغصت بهذه العبارة بالذات حلوق رجال الرقابة الفرنسية، وكان لها أثراً كبير في الحكم على الكتاب وإدانته. ويبدوأنهم تنبئوا فيها بمادية لامتري وديدرو. ورفض فولتير حتى يسلم نفسه إلى المادية، ولكنه عدل تعبير ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود" إلى "أنا جسم وأنا أفكر ولا شيء غير هذا".

وأشارت الرسالة الرابعة عشرة على الفرنسيين حتى يتخلصوا من ديكارت وينصرفوا إلى دراسة نيوتن. إذا حكم الرأي العام في إنجلترا على هذين المفكرين هوإذا أولهما كان حالماً والثاني حكيماً. وقدر فولتير أعظم تقدير إضافات ديكارت إلى الهندسة، ولكنه لم يستسغ الدوامات الكونية عند ديكارت. إنه أقر بأن ثمة شيئاً وهمياً غامضاً، أوعلى الأقل مخدراً في منطقات نيوتن عن الكرونولوجيا القديمة (تقسيم الزمن إلى فترات وتعيين تاريخ الأحداث) وسفر الرؤيا، وأوحى فولتير بشكل لطيف بأن نيوتن خط هذه الموضوعات ليعزي البشرية عن تفوقه البالغ عليها(21) إنه عثر حتى نيوتن ما زال عويصاً يصعب فهمه، ولكن اجتماع الرجال البارزين في الحكومة وفي ميدان العلوم لتشييع جنازته هجر في نفسه أثراً عقد معه العزم على دراسة قوانين نيوتن، وعلى حتىقد يكون رسول نيوتن إلى فرنسا، وهنا أيضاً غرس فولتير بذور دائرة المعارف وعصر التنوير.

وأخيراً صدم فولتير الفكر الديني في فرنسا بنقد لاذع وجهه إلى آراء بسكال. إنه لم يقصد تضمين هذا في رسائله، فليس لهذا علاقة بإنجلترا، ولكنه كان قد أوفده من إنجلترا إلى تيير 1728، فألحقه الناشر اللص بالرسائل باسم رقم 25، وكانت النتيجة حتى الجانسنيين-الذين قدسوا بسكال إلى حد العبادة، وسيطروا على برلمان باريس-، فاقوا الآن اليسوعيين (الذين لم يحبوا بسكال قط) في استنكار فولتير وشجبه وكان فولتير غير قابل أساساً للاتفاق مع بسكال حيث كان في هذه الفترة (اللهم إلا في رواياته) عقلانياً متشدداً لم يكن قد عثر بعد مجالاً للوجدان في فلسفته. وكان لا يزال شاباً ممتلئاً حيوية ونشاطاً ينعم بالحياة وسط محنه البطولية، ومن ثم عارض التشاؤم الجزع الكئيب عند بسكال "ولسوف أتجاسر فأقوم بدور الجنس البشري ضد هذا المبغض للشر المهيب"(22)ورفض "رهان" بسكال (أي أنه من الأحكم حتى نراهن على وجود الله لا العكس) باعتباره عملاً صبيانياً يجافي الحشمة والوقار... إذا اهتمامي بالاعتقاد بشيء ليس برهاناً على حتى هذا الشيء موجود"(23)ولم يعرض بسكال الرهان (على أنه برهان) وسلم بأنه ليس في مقدورنا حتى نفسر الكون أونعهد قدر الإنسان، ولكنه أرتاب في أننا نستطيع من هذا الجهل حتى نستنتج صدق قانون الإيمان المسيحي الذي اتى به الرسل. كما أنه لم يحس في هذا العصر المرح المفعم بالحيوية بأي تعاطف مع تطلع بسكال إلى الراحة والدعة، حيث نادى بأن الإنسان "خلق ليعمل... فعدم العمل وعدم الوجود سيان بالنسبة للإنسان(24)".

وليست "ملاحظات على أفكار بسكال" أفضل ما كان يمكن حتى تجود به قريحة فولتير. أنه لم يكن قد أعدها للنشر، ولم يكن لديه الفرصة لمراجعتها وتنقيحها. وقضت الأحداث اللاحقة-مثل زلازل لشبونة-على نضارة تفاؤله الفتي. وعلى الرغم من هذا الملحق غير المدروس وغير الجدير بالاعتبار، فإن "الرسائل الفلسفية" كانت أحد المعالم البارزة في الأدب الفرنسي والفكر الفرنسي. فهنا لأول مرة ظهرت الجمل الموجزة الدقيقة والوضوح المبين والذكاء المرح والتهكم اللاذع، وأصبح جميع هذا منذ الآن طابعاً أدبياً مميزاً يتجاوز ويتجاهل الحرص على إنكار اسم المؤلف. إذا هذا الكتاب، وكتاب الرسائل الفارسية حددا أسلوب النثر الفرنسي من عهد الوصاية إلى عصر الثورة. وفوق هذا فإنها أحكمت حلقة من أقوى الحلقات في الربط بين المفكرين الفرنسيين والإنجليز، وهي كما قدر بكل "أهم حقيقة إلى حد بعيد في تاريخ القرن الثامن عشر"(25)إنها كانت بمثابة إعلان حرب ومخطط شن حملة. ونطق روسوعن هذه الرسائل إنها قامت بدور كبير في إيقاظ عقله. ولا بد حتى آلافاً من شباب فرنسا دانوا لها بمثل هذا الفضل. ونطق عنها لافاييت أنها صيرته جمهورياً وهوفي التاسعة من عمره. ورأى هين "إنه لم يكن لزاماً على رقيب المطبوعات حتى يصادر هذا الكتاب حيث كان لا بد من قراءته بغير هذا الإجراء"(26).

وأحست الكنيسة والدولة والملك والبرلمان أنهم لم يعودوا يطيقون صبراً على مثل هذه الجراح الكثيرة في صمت، فأوفد صاحب المطبعة إلى سجن الباستيل، وصدر أمر سري مختوم بالقبض على فولتير أينما وجد. وفي 11 مايوظهر أحد رجال الشرطة يحمل أمراً بالقبض عليه. ولكن من المحتمل حتى موبرتوي ودار جنتال كانا قد حذرا فولتير فغادر فرنسا قبل ذلك بخمس ة أيام. وبناء على أمر البرلمان فيعشرة يونيه أحرق جميع ما عثر من نسخ الكتاب بيد مأمور التطبيق العام في فناء قصر العدل باعتباره عملاً شائناً ينافي الدين والخلاق القومية ويتعارض مع احترام الواجب للسلطات العامة. وقبل فهم المركيزة دي شاتيليه بوصول فولتير سالماً إلى اللورين خطت إلى صديق لها: "أنا لا أطيق صبراً على مجرد فهمي بأنه في السجن وهوفي مثل هذه الصحة والعافية وقوة الخيال. وأنا لا أحبذ ذلك مطلقاً". وأجمعت هذه السيدة والدوقة دي بشيليووغيرهما من السيدات ذوات المكانة الرفيعة أمرهن على العمل معاً للحصول على عفوعنه. ووافق حامل الأختام على إلغاء أمر القبض إذا أنكر فولتير تأليفه للكتاب. لكن تلك كانت خدعة لأنه كان على فهم اليقين حتى فولتير هوالمؤلف. وكان حامل الأختام هذا أحد موظفي الحكومة الذين لطفوا من حدة الرقابة من آخر بالأعضاء عما في الكتاب من مآخذ. ووافق فولتير فوراً على إنكار أنه المؤلف. وهذه كذبة بيضاء من الممكن الصفح عنها بسهولة. فضلاً عن حتى الكتاب الذي برئ من تأليفه وزع دون موافقته. وخط فولتير إلى الدوقة دي ايجوبون:

يقولون إنه يجب حتى أتراجع... بكل سرور.. سأعرب حتى بسكال على حق دائماً وأن القساوسة مهذبون وديعون منزهون عن الغرض "وإن الرهبان ليسوا متغطرسين ولا منصرفون إلى تدبير الدسائس، ولا حقراء وأن محاكم التفتيش المقدسة هي فوز الإنسانية والتسامح(27).

والغي أمر القبض على شرط حتى يبقى فولتير بعيداً عن باريس. فتنقل من قصر إلى قصر قرب حدود المدينة ورحب النبلاء الذين لم يتمسكوا كثيراً بأهداف الدين، كما لم يميلوا مطلقاً إلى الحكومة الملكية المركزية المستبدة وتلقى الدعوة بالإقامة في بلاط هولشتين مع معاش قدرة عشرة آلاف فرنك سنوياً ولكنه رفض(28)وفي يوليه أوى إلى قصر مدام دي شاتيليه في سيري في شمبانيا. وهناك وهوالضيف الذي يتحمل نفقات عشيقته وزوجها بدأ أسعد سني حياته.


مسرحيات

  • مسرحية إريفيل (1732)
  • مسرحية محمد (1741)
  • مسرحية ميروب (1741)
  • مسرحية نانين
  • مسرحية زئير (1732)

الفلسفة

  • القاموس الفلسفي
التفاؤل، مترجمة للعربية. لقراءة الملف، اضغط على الصورة.
صادق، ترجمها للعربية طه حسين. لقراءة الملف، اضغط على الصورة.

الدين

Voltaire at 70. Engraving from 1843 edition of his Philosophical Dictionary.

موقفه تجاه اليهود

الماسونية

عهده

تمثال نصفي لڤولتير، هودون.

أعماله

الأعمال الرئيسية

  • Lettres philosophiques sur les Anglais (1733), revised as Letters on the English (حوالي 1778)
  • Le Mondain (1736)
  • Sept Discours en Vers sur l'Homme (1738)
  • صادق (1747)
  • Micromégas (1752)
  • كانديد (1759)
  • Treatise on Tolerance (1763)
  • Ce qui plaît aux dames (1764)
  • Dictionnaire philosophique (1764)
  • L'Ingénu (1767)
  • La Princesse de Babylone (1768)

مسرحيات

Voltaire wrote between fifty and sixty plays, including a few unfinished ones. Among them are these:

  • Œdipe (1718)
  • Zaïre (1732)
  • Eriphile (1732)
  • Irène
  • Socrates
  • Mahomet
  • Mérope
  • Nanine
  • The Orphan of China (1755)

تاريخية

  • History of Charles XII, King of Sweden (1731)
  • The Age of Louis XIV (1751)
  • The Age of Louis XV (1746–1752)
  • Annals of the Empire - Charlemagne, A.D. 742 - Henry VII 1313, Vol. I (1754)
  • Annals of the Empire - Louis of Bavaria, 1315 to Ferdinand II 1631 Vol. II (1754)
  • ' Essay on the Manners of Nations (or 'Universal History') (1756)
  • History of the Russian Empire Under Peter the Great (Vol. I 1759; Vol. II 1763)

خط زمني

نطقب:Voltaire timeline

انظر أيضا

  • ليبرالية كلاسيكية
  • اسهامات في النظرية الليبرالية
  • List of Freemasons
  • List of coupled cousins
  • Mononymous persons

الهوامش

  1. ^ This is a translation of a famous Chinese play Orphan of Zhao about the revenge of the orphan of the clan of Zhao on his enemies who killed almost every member of his clan. This play was based on an actual historical event in the Spring-Autumn period of Chinese history. Voltaire's version was translated by Arthur Murphy as The Orphan of China in 1759.

قراءات إضافية

  • App, Urs. The Birth of Orientalism. Philadelphia: University of Pennsylvania Press, 2010 (hardcover, ISBN 978-0-8122-4261-4); contains a 60-page chapter (pp. 15-76) on Voltaire as a pioneer of Indomania and his use of fake Indian texts in anti-Christian propaganda.
  • Besterman, Theodore, Voltaire, (1969).
  • Brumfitt, J. H. Voltaire: Historian (1958) online edition
  • Davidson, Ian, Voltaire. A Life, London, Profile Books, 2010. ISBN 978184668261
  • Durant, Will, The Story of Civilization. Vol. IX: The Age of Voltaire. New York: Simon and Schuster, 1965.
  • Gay, Peter, Voltaire's Politics, The Poet as Realist, Yale University, 1988.
  • Hadidi, Djavâd, Voltaire et l'Islam, Publications Orientalistes de France, 1974.
  • Knapp, Betina L. Voltaire Revisited (2000) 228pp
  • Mason, Haydn, Voltaire, A Biography
  • Muller, Jerry Z., 2002. The Mind and the Market: Capitalism in Western Thought. Anchor Books.
  • Pearson, Roger, 2005. Voltaire Almighty: a life in pursuit of freedom. Bloomsbury. ISBN 9781582346304. 447pp
  • Quinones, Ricardo J. Erasmus and Voltaire: Why They Still Matter (University of Toronto Press; 2010) 240 pages; Draws parallels between the two thinkers as voices of moderation with relevance today.
  • Schwarzbach, Bertram Eugene, Voltaire's Old Testament Criticism, Librairie Droz, Geneva, 1971.
  • Torrey, Norman L., The Spirit of Voltaire, Columbia University Press, 1938.
  • Vernon, Thomas S. (1989). "Chapter V: Voltaire", Great Infidels. M & M Pr. ISBN 0943099056. 
  • Wade, Ira O. (1967). Studies on Voltaire. New York: Russell & Russell. 
  • Wright, Charles Henry Conrad, A History of French Literature, Oxford University Press, 1912.
  • "The Cambridge Companion to Voltaire", ed by Nicholas Cronk, 2009.

بالفرنسية

  • Pomeau, René La Religion de Voltaire, Librairie Nizet, Paris, 1974.
  • Valérie Crugten-André, La vie de Voltaire [1]

مراجع أولية

  • Morley, J., The Works of Voltaire, A Contemporary Version, (21 vol 1901), online edition

وصلات خارجية

  • , ARTFL Project, University of Chicago
  • , adlitteram.free.fr
  • , Voltaire: Édition Electronique[]
  • , visitvoltaire.com
  • , School of Mathematics and Statistics, University of St Andrews, Scotland
  • Hewett, Caspar J. M. (August 2006). "The Great Debate: Life of Voltaire". Retrieved 2008-11-02.
  • The Société Voltaire
  • A complete bibliography
  • An analysis of Voltaire's texts (in the "textes" topic) (بالفرنسية)
  • Complete french ebooks of Voltaire (بالفرنسية)
  • Biography and quotes of Voltaire
  • Full Ebooks of Voltaire in French on the website "La philosophie"
  • Institut et Musée Voltaire, Geneva, Switzerland
  • Internet Encyclopaedia of Philosophy on Voltaire
  • Monsieur de Voltaire Correspondence in French
  • The Life of Voltaire Essay by Caspar J M Hewett
  • VisitVoltaire.com site with images
  • Voltaire Foundation, Oxford, United Kingdom
  • Voltaire on theعشرة French Franc banknote.
  • Voltaire's Candide and Leibniz
  • Voltaire's works: works: text, concordances and frequency list
  • Voltaire's writings from Philosophical Dictionary. Selected and Translated by H.I. Woolf, 1924
  • Worldly and Personal Influences on Voltaire’s Writing
  • أعمال من ڤولتير في مشروع گوتنبرگ
  • Free eBooks by Voltaire at Manybooks [English and French]
  • Works by or about ڤولتير in libraries (WorldCat catalog)
  • Works by Voltaire in free audio format from LibriVox
  • Voltaire's works and chronology
  • About Voltaire in "Lucidcafé"
  • Online Library of Liberty - The Works of Voltaire (1901). Some volumes, including mostly the unabridged Philosophical Dictionary, translated by William F. Fleming
مناصب ثقافية
سبقه
جان بوشيه
مقعد 33
الأكاديمية الفرنسية

1746–1778
تبعه
Jean-François Ducis
تاريخ النشر: 2020-06-07 17:23:46
التصنيفات: All articles with dead external links, Articles with dead external links from April 2010, Articles with invalid date parameter in template, مواليد 1694, وفيات 1778, أشخاص من پاريس, ڤولتير, Deist thinkers, فلاسفة معاصرون مبكرون, فلاسفة فرنسيون, فلاسفة التنوير, فلسفة الجنسانية, كتاب دراما ومسرحيات فرنسيون, مؤرخون فرنسيون, شعراء فرنسيون, متاب مقالات فرنسيون, French satirists, French science fiction writers, كتاب فانتازيا فرنسيون, أعضاء الأكاديمية الفرنسية, ملكيون فرنسيون, خريجو ليسيه لوي-له-گران, مدفونون في الپانثيون, كتاب يوميات, Philosophes, فرنسيو القرن 18, فرنسيو القرن 17, People of the Regency of Philippe d'Orléans, أشخاص من النظام القديم, عصر التنوير, كتاب يوميات فرنسيون, Les Neuf Sœurs, Recipients of the Pour le Mérite (civil class), ناشطون فرنسيون ضد عقوبة الاعدام, أعضاء الأكاديمية الملكية البروسية للعلوم, روائيون فرنسيون, Articles containing non-English-language text

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

أسعار النفط ترتفع مع تراجع مخاوف انخفاض الطلب 

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:45:07
مستوى الصحة: 30% الأهمية: 36%

«الناقلون» في ورطة - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:22
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 69%

اقتصادي / سوق الأسهم الأمريكية يغلق مرتفعاً

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:42:51
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 52%

غلق كلى وتحويلات مرورية بغرب سوميد اتجاه محور 26 يوليو

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:43:05
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 55%

روسيا تواصل حشدها للهجوم على أوكرانيا.. ماذا يحدث؟

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:45:58
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 56%

يدك ملقوفة ؟! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:26
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 63%

غلق مطلع الدائرى من ميدان المنيب لمدة 21 يوما

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:43:27
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

عام / المركز الوطني للأرصاد : أمطار و ضباب على منطقة جازان

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:42:53
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

حذاء ذهبي مطعّم باللؤلؤ والريش - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:34
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 63%

فلاش باك - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:31
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

تقاسيم أنثوية لـ «كورسيه» عروس 21 - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:35
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 69%

«الهلال الأحمر» يدشن برنامج «الترحيل الطبي»

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:38:12
مستوى الصحة: 79% الأهمية: 79%

انطلاق تمرين الخطة الوطنية لمواجهة الكوارث البحرية

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:38:14
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 70%

عام / ارتفاع ملحوظ في عدد الإصابات بمتحوّر "أوميكرون" في ألمانيا

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:42:56
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 51%

ثغرات ومآزق المادة 77 - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:39:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 58%

المؤشرات الأمريكية ترتفع لليوم الثالث على التوالي 

المصدر: صحيفة اليوم - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:45:13
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 35%

محمد بن يحيى.. أستاذ الرواية الشعبية

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:38:17
مستوى الصحة: 71% الأهمية: 82%

"الصحة": تسجيل 883 إصابة جديدة بفيروس كورونا و10 وفيات

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:43:04
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 69%

وصول وفد طبي مصري إلى قطاع غزة (فيديو)

المصدر: الرئيس نيوز - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:43:24
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 56%

التحالف: أمام الحوثيين ساعة لإخراج الأسلحة من ملعب صنعاء.. عاجل

المصدر: اليوم - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:45:52
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 58%

«الحياة الفطرية» تطلق 15 وعلاً جبلياً في السودة

المصدر: جريدة الرياض - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:38:09
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 83%

عام / البحرين تسجل 181 إصابة جديدة بكوفيد 19

المصدر: وكالة الأنباء السعودية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2021-12-23 23:42:59
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 63%

تحميل تطبيق المنصة العربية