دني ديدرو

عودة للموسوعة

دني ديدرو

رسم لديدرو بريشة لوي-ميشيل فان لو, 1767

دِني ديدرو Denis Diderot (و.5 أكتوبر 1713 - 31 يوليو1784) فيلسوف ومحرر فرنسي. من قادة حركة التنوير. رئيس تحرير أول موسوعة حديثة، إنسايكلوپيدي.

الأدب الفرنسي
بالتصنيف
تاريخ الأدب الفرنسي

العصور الوسطى
القرن السادس عشر - القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر -القرن التاسع عشر
القرن العشرون - المعاصر

كتـّاب الفرنسية

قائمة زمنية
كتـّاب حسب تصنيفهم
روائيون - كتاب مسرحيات
شعراء - كتاب منطقات
كتاب السيرة القصيرة

بوابة فرنسا
بوابة الأدب
     

ديدرووالموسوعة 1713-1768

سنوات الضياع والكسل 1713-1748

ولد ديدروفيخمسة أكتوبر 1713 في لانجرز في شمبانيا، على مسافة 38 ميلاً من ديجون. وكأن أبوه ديدييه ديدرويشتغل بصنع الأدوات القاطعة وتخصص في خلق الآلات الجراحة وكانت الأسرة تشتغل بهذه الحرفة لمائتي سنة خلت. ولم يرث دنيس على أسلافه ثباتهم القانع على مهنتهم وعقيدتهم، ولكنه لم يكف يوماً عن إجلاله تقديره لأمانة أبيه بالبساطة وإقباله على أعمال البر والخير في هدوء. وينقل عنه دنيس قوله "أي بني، حتى العقل وسادة ممتازة وثيرة ولكني أجد إثارة وراحة أكثر حين أسند رأسي إلى وسادة الدين والقوانين"(1) وهنا في جملة واحدة تردد الصوتان اللذان سمعا في فرنسا القرن الثامن عشر. وكان له أخ اصبح كاهناً وخصماً لدوداً لدنيس. وأخت دخلت الدير.

نص رواية جاك المؤمن بالقدر انقر على الصورة للمطالعة

وكاد دنيس نفسه حتىقد يكون كاهناً، ذلك أنه منذ الثامنة حتى الخامسة عشرة من عمره ألتحق بمدرسة يسوعية في لانجرز وفي الثانية عشرة حلق شعر رأسه وارتدى غفارة سوداء (لباس الكاهن في الكنيسة) وعاش حياة الزهد والتقشف، وعقد العزم على حتىقد يكون يسوعياً. وفسر هوهذا فيما بعد، بأنه فيض من حماسته، وأنه كان قد أخطأ "الحافز الأول لحنين جنسي ينموبين جنبيه فخاله صوت الله"(2). وأبتهج الوالد ديدييه لهذا النداء الباطني الجديد لدى أبنه. ورافقه مغتبطاً إلى باريس (1729) ليلحق، بكلية (لويس الأكبر) اليسوعية هناك ومنها حصل في 1732 على درجة الأستاذية. ولكن كما وقع في حالات كثيرة كان اليسوعيون يفقدون راهباً مبتدئاً بشحذ ذهنه وصقله. وأكتشف دنيس حتى باريس تعبير عن مواخير أكثر منها كنائس. فخلع غفارته وتخلى عن ورعه وتقواه، وأنصرف إلى التدريب عند أحد المحامين. وسرعان ما نبذ القانون، وقضى عشرة سنين يتنقل من مهنة إلى مهنة. وعانى آلام الفقر في حجرة فوق السطح، ونفذ صبر والده فمنع عنه النفقة، ولكن والدته كانت تمده ببعض المعونة خفية. وأقترض دنيس بعض النقود، وكان أحياناً يسدد ما أقترض. ومنح دروساً خاصة في الرياضيات، ودبج العظات للقساوسة، وأشتغل محرراً عند بائع خط، وفي نفس الوقت تابع دراسته في الرياضيات واللاتينية واليونانية والإنجليزية، وألم الماماً جيداً بالإيطالية. وكان متمرداً على القانون ولكنه كان تواقاً شديد التوق إلى الفهم والحياة. لم يتفهم النظام والانضباط قط، ولكنه تقريباً تفهم جميع ما عدا ذلك.

وكان مفلساً خالي الوفاض،ولكنه ممتلئ حيوية وقوة، وسقط في شرك الغرام وأعتزم الزواج. وكانت أنطوانيت شامبيون تكبره بثلاث سنين وثمانية أشهر، ولكنها كانت سيدة. وعنفته على شبابه المفاجىء، ولكنه أكد لها حتى هذه مقدمة لحياة زوجية أمينة، وأنه سيكون رفيق حياتها المخلص الأمين إلى الأبد. "أن خطابات غرامي الأخيرة موجهة لك، ولتعاقبني السماء باعتباري أشر الناس وأشدهم خيانة وغدراً إذا سطرت كتاب غرام إلى أحد غيرك"(3). ونقضت أرق خطاباته هذا العهد. واستسلمت والدة أنطوانيت لدموع أبنتها ولفصاحة الخطيب ولسانه الذرب، ووافقت على الزواج شريطة الحصول على موافقة أبيه. وجمع ديدروما يكفي من المال لسداد نفقات العربة إلى لانجرز على بعد 180 ميلاً.

ووصل إلى لانجرز، وهناك تأثر والده بتجارب طبع وصلت إلى أبنه لترجمته لتاريخ اليونان عن الإنجليزية. وعرض الوالد حتى يقدم العون لأبنه في أي عمل. وكان على دنيس حتى يختار، ولا بد حتى يقع اختياره على شيء ما. فأعرب الشاب عن تلهفه على الزواج فعنفه أبوه بقسوة على أنه شاب عاق كسول سيء التدبير. ورد الابن رداً وقحاً، وأقسم حتى يتزوج سواء وافق أبوه أم لم يوافق، ودون أي عون مادي منه. وسجنه أبوه في دير محلي، وهرب دنيس وسار على قدميه تسعين ميلاً إلى تروي حتى أستقل عربة هناك. وعاد أدراجه إلى باريس.

ولكن مدام شامبيون كانت مصممة على ألا تتزوج أبنتها من رجل منفصل عن أبويه محروم من الميراث وكان ديدرويقيم في حجرة حقيرة لا يكاد يملك من حطام الدنيا شيئاً، وأنتابه سقم شديد فلما فهمت أنطوانيت بذلك أسرعت إليه مصطحبة أمها معها قسراً، وهناك انهارت معارضة الأم. وسهرت مدام شامبيون وأبنتها على العناية بالفيلسوف المريض، وفيستة نوفمبر 1743 تزوجت "نانيت من نينو" (كما كان يسمي الواحد منهما الآخر) في منتصف الليل في كنيسة صغيرة أثرت بمثل هذه الزيجات السرية. وأبتهج الزوجان بانجاب طفلة بعد تسعة أشهر، ولكنها لم تعمر لأكثر من ستة أسابيع. وولد لهما ثلاث أطفال آخرين جاوز واحد منهم سن الطفولة. وأثبتت أنطوانيت أنها زوجة مخلصة ولكن رفيقة غير ملائمة عاجزة عن متابعة تحليقات أوشطحات زوجها الفكرية، غير راضية في شيء من المزاح، عن دخله الضئيل من الترجمة. وعاد إلى مقاهي الفساد يعيش على قهوة ويلعب الشطرنج. وفي 1746 كان قد أتخذ له عشيقة هي مدام بويسييه، ومن اجلها خط "الأفكار الفلسفية" "الحلي الزائفة" و"رسائل إلى العميان".

وكان منذ وقت طويل قد أستسلم لفتنة الفلسفة التي تجتذبنا دائماً، لأنها لا تجيب أبداً عن الأسئلة التي لا نكف مطلقاً عن إلقائها. ومثل بعض المفكرين الأحرار في هذا القرن، تأثر من هذه الناحية تأثراً عميقاً بقراءة مونتاني وبيل، ووجد في جميع صفحة تقريباً في "الموضوع" وفي "القاموس" فكرة رائعة تلفت النظر. وأجتذبه كثرة مراجع مونتاني وإشاراته إلى الروائع الوثنية إلى الاستزادة من دراسة الفلاسفة اليونان والرومان وبخاصة ديموقريطس، وأبنيقوز ولوكريتس. وكان هونفسه "الفيلسوف الساخر" في عصره، فيلسوفاً مادياً يتدفق حيوية ونشاطاً- ولم تتيسر له نفقات زيارة إنجلترا مثل فولتير ومونتسكيو، ولكنه تفهم حتى يقرأ الإنجليزية في سهولة ويسر. ولوليستمتع بالشعراء والمسرحيين الإنجليز. ولسوف نراه يتجاوز مع عواطف طومسون ويدافع، مثل ليللوعن مأساة حياة الطبقة الوسطى. وتأثر بدعوة فرانسيس بيكون إلى قهر الطبيعة وطريق البحث الفهمي المنظم، وأنتقل إلى تمجيد التجربة أداة عظيمة للعقل. وأستمع في سني تكوينه وتشكيله هذه، ومرة أخرى عند إعداد الموسوعة -إلى محاضرات في البيولوجيا والفسيولوجيا والطب. وشهد طيلة سنوات ثلاثة مؤتمرات رويل في الكيمياء ودوّن ملاحظات في 1258 ورقة من البتر الكبير. ودرس التشريح والفيزياء، وتسار مع رياضيات زمانه، وتابع الأبحاث من بيكون إلى هوبز ولوك والربوبيين الإنجليز. وفي 1745 ترجم كتاباً شافتسبري "بحث في الفضيلة والجدارة" وأضاف تأملات من عنده، وأستمر طوال التقلبات يؤمن بأن الخير والحقيقة والجميل كلها مؤتلفة تقريباً، وأن قانوناً أخلاقياً مؤسساً على العقل، لا على الدين، يفيد النظام الاجتماعي بدرجة كافية.

وأصدر في 1746، مدفوعاً بكل هذه الحوافز وبخياله الواسع الخصيب، كتابه "أفكار فلسفية" دون حتى يذكر أسم المؤلف. وكان متطرفاً إلى حد يمكن معه حتى ينسب إلى لامتري، بلغياً إلى حد يمكن معه حتى ينسب إلى فولتير. وربما كان لكليهما بعض الفضل فيه. وبدأ بدفاع عن "الانفعالات" وهنا حاول الفكر الجريء، متفقاً في ذلك مع صديقه روسو، حتى يبرهن على أنه لا ضير من "أن تقول الفلسفة حدثة في صالح خصوم العقل، مذ كانت الانفعالات وحدها هي التي ترتفع بالنفس إلى الأمور العظيمة، ولن يبلغ شيء ذروة السموفي الأخلاق أوالأعمال بدون الانفعالات، فقد ترجع الفنون القهقرى إلى طفولتها، وتتقلص الفضيلة إلى أتفه الأعمال بدونها(4). ولكن الانفعالات بدون نظام تكون مدمرة. ويجدر حتىقد يكون هناك بعض التنسيق بينها، ولا بد من إيجاد طريقة ليكبح الواحد جماح الآخر. ومن هنا نحتاج إلى العقل، وينبغي حتىقد يكون أعظم هاد ومرشد لنا، وهنا كانت محاولة مبكرة في عصر التنوير للتوفيق بين العقل والوجدان، بين فولتير وروسو.

وكان ديدرو، مثل فولتير، في أولى مراحل تطوره ونموه، ربوبياً. حتى شواهد تصميم العالم وتكوينه ترغم على الإيمان برب ذكي بارع. ويمكن حتى يفسر الممضى الآلي المادة والحركة، ولكنه لا يستطيع تفسير الحياة والفكر. حتى ملحد المستقبل تحدى الملحدين حتى يفسروا عجائب حياة الحشرات التي كشفت عنها حديثاً أبحاث ربومير وبونيه:

هل رأيتم في تفكير أي إنسان وأعماله، ذكاءاً ونظاماً وحكمة واتساقاً أكثر من هجريب الحشرة،يا ترى؟ أليست بصمات الإله واضحة في عين البعوضة الصغيرة وضوح موهبة التفكير في أعمال نيوتن العظيم؟... فكروا فقط في أني لم أبرز لكم إلا جناح الفراشة وعين البعوضة. على حين كان يمكن حتى أسحقكم بثقل الكون(5).

ومهما يكن من أمر فأن ديدرونبذ في ازدراء الإله الذي اتى به الكتاب المقدس حيث بدا له هذا الرب جباراً قاسياً غاية الجبروت والقسوة، واتهم الكنيسة التي نشرت هذا المفهوم بأنها منبع الجهل والتعصب والاضطهاد. وهل ثمة شيء أشد حمقاً وسخفاً من حتى يجعل إلهاً يموت على الصليب ليهدئ من غضب الله على رجل وامرأة ماتا منذ أربعة آلاف سنة. ثم -كما يقول بعض رجال اللاهوت "إذا لعنت وعذبت ألف نفس لقاء خلاص نفس واحدة، أليس الشيطان هوالرابح في هذه القضية، دون حتى يسلم الرب أبنه إلى الموت،يا ترى؟ ولم يعترف ديدروبأي وحي إلهي سوى الطبيعة نفسها. وناشد قراءه حتى يرتفعوا إلى مفهوم حديث بالكون الذي كشف عنه الفهم. وطالب "بتكبير الإله وتحريره"(6).

وأمر برلمان باريس بإحراق الكتاب بفهم المدعي العام بتهمة "تقديمه إلى الأذهان القلقة المضطربة الجريئة أشد الأفكار سخفاً وأجراماً، والتي من شأنها إفساد الطبيعة البشرية، وبوضعه جميع الأديان في مستوى واحد تقريباً، في ارتياب مصطنع، حتى ينتهي إلى عدم الاعتراف بها جميعاً(7) ولما كان إحراق الكتاب الصغير (7 يوليو1746) بمثابة إعلان عنه، فوجد له عدداً غير متسقط من القراء، وترجم إلى الألمانية والإيطالية، ولما تهامس الناس بأن ديدروهومؤلفه، أرتفع إلى مرتبة تداني فولتير. وتسلم من الناشر 50 جنيهاً مضىاً. أعطاها لعشيقته التي كانت في حاجة إلى ملابس جديدة.

ولما تزايدت مطالب مدام دي بويسيبه، ألف ديدروكتاباً آخر (1747) سمع به كاهن الأبرشية، فتقدم بالراتى إلى الشرطة لتحمي المسيحية من هجوم ثانٍ. ففاجأ رجال الشرطة المؤلف في داره وصادروا مخطوطة الكتاب، أوكما يروي بعضهم، قنعوا بوعد منه بعدم نشره. وعلى أية حال لم يظهر كتاب "نزهة الشكاك" حتى 1830 ولم يزد هذا الكتاب في شهرة المؤلف ولكن فيه تنفيس عن مشاعره. لجأ إلى حيلة الفيلسوف الأثيرة لديه في المراوغة، إلا وهي الحوار، فهيأ لربوبي وقائل بوحدة الوجود (الله والطبيعة شيء واحد، الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية) وملحد، بأن يشرحوا وجهات نظرهم في الألوهية. ويكرر الربوبي في حماسة الحجة المأخوذة من تصميم الكون، ولم يكن ديدرومقتنعاً بعد بأن تكيف الوسائل مع الغايات في الكائنات هوتكييف رائع ممتاز يمكن تفسيره بعملية عمياء من تطور اتفاقي اتى مصادفة. أما الملحد فيصر على حتى المادة والحركة والفيزياء والكيمياء تفسير للكون أفضل من إله لا يعمل إلا حتى يؤجل معضلة الأصل أوالمنشأ. أما القائل بوحدة الوجود، وكانت له الحدثة الأخيرة والقول الفصل، فيعتقد حتى الذهن والمادة أبديان معاً، وأنهما يؤلفان الكون، وأن هذه الوحدة الكونية هي الله. وربما كان ديدرويقرأ سبينوزا.

وكان عام 1748 مثيراً ومجهداً. وكانت أنطوانيت قد وضعت طفلا وكانت مدام دي بويسييه تطالب بتعويض عن الزنى والفجور، ومن المحتمل حتى ديدرو، رغبة في الحصول على المال بسرعة، خط آنذاك سيرة فاجرة "الحلى الزائفة" وبناء على ما أوردته أبنته (مدام دي فامديل مستقبلا في كتابها: مذكرات من تاريخ حياة وأعمال ديدرو)- ولا ينبغي الأخذ بما اتى به قبل التأكد من صحته -فأن ديدروذكر لعشيقته حتى كتابة سيرة مسألة سهلة نسبياً، ولكنها تحدته في ذلك فراهن على تأليف سيرة ناجحة في أسبوعين، وواضح أنه كان يقلد كربيون Crebillon الأصغر في "الأريكة" 1740 حيث أخذت أريكة تتذكر من حديث عدد العاشقين الذين كانت تئن تحتهم. وتخيل ديدروخاتماً سحرياً عند أحد السلاطين إذا وجهه إلى الحلي الزائفة عند المرأة، وجعلها وعشيقها يعترفان بكل ما قاسى الأثنان وعانيا من الغرام. ووجه الخاتم السحري إلى ثلاثين سيدة، وما كاد يفتر عنصر التشويق والامتاع في المجلدين كليهما. وخلط المؤلف البذاءة بشيء من الملاحظات المثيرة عن الموسيقى والأدب والمسرح-وأضاف حلماً رأى فيه السلطان طفلا يسمى "التجربة" أخذ ينموويكبر ويقوى حتى دمر معبداً قديماً أسمه "الفريضة" وحقق الكتاب غرضه على الرغم من إقحام الفلسفة فيه، حيث أمكن حتى يدر مالاً، ودفع الناشر لورنت دوراندا لديدرومبلغ 1200 جنيه في المخطوطة وعلى الرغم من حتى الكتاب لم يكن يباع إلا خلسة فقد عاد بربح وفير. وخرجت ست طبعات بالفرنسية في 1748 وظهرت عشر طبعات في فرنسا بين عامي 1920-1960 والواقع حتى هذا أوسع خط ديدروانتشاراً وأكثر عدد طبعات(8).

وبدل ديدرومن طبعه وحالته النفسية حين خط رسائل فهمية. وقدر أحسن التقدير كتابه :مذكرات في موضوعات مختلفة في الرياضيات" (1748) الذي ضم أبحاثه فهمية أصيلة في الصوت والجهد ومقاومة الهواء، "وتصميماً لأرغن جديد" يمكن حتى يعزف عليه أي إنسان. وأثنت "مجلة الرجل المهذب" "وصحيفة الفهماء" على بعض الموضوعات، بل إذا صحيفة اليسوعيين "دي تريفو" امتدحتها، ودعت إلى مزيد من مثل هذه الأبحاث من رجل بارع قدير مثل مسيوديدروالذي نلاحظ حتى أسلوبه رشيق واضح غير متكلف بقدر ما مبدع(9). وظل ديدروطوال حياته ينطلق بشكل غير متواصل إلى العلوم الطبيعية. ولكن ازداد ميله إلى مسائل فهم النفس والفلسفة. وكادقد يكون في جميع مجال تقريباً أكثر المفكرين أصالة في زمانه.


الأعمى والأصم والأبكم 1749-1751

لفت نظر ديدروبوجه خاص مسألة كان قد أثارها وليم مولينكس الأيرلندي 1692: هل يستطيع إنسان ولد أعمى كان قد تفهم التمييز بين مكعب وجسم كروي باللمس. حتى يفرق في الحال إذا عاد إليه بصره، بين هذين الجسمين، أوهل يقتضي الأمر قبل هذا التفريق بعض الخبرة في العلاقات بين الأشكال ملموسة ونفس الأشكال مرئية،يا ترى؟ واتى الجواب الثاني من مولينكس وصديقه لوك. وفي 1728 قام وليم شولدن بتجربة ناجحة على صبي في الرابعة عشرة من عمره، كان ضريراً عند الولادة، وكان لزاما حتى يتدرب الصبي قبل حتى يتمكن من التمييز بين الأشكال بالنظر وحده. ولاحظ ديدروأيضاً بعناية مثيرة حياة نيقولا سوندرسن الذي فقد بصره في عامه الأول، ولم يسترده قط، ولكنه ابتدع لنفسه كتابة رياضية خاصة على طريقة بريل، ومن ثم أكتسب قدرة إلى درجة عين معها أستاذاً للرياضيات في كمبردج.

وفي أوائل 1749 نادى ريومور مجموعة مختارة من الناس ليشاهدوا ماذا يحدث عند إزالة الضمادات عن عيني امرأة أجريت لها عملية لعلاجها من عمى خلقي. وأستاء ديدرووجرحت كبرياءه لأنه لم يدع هووالفلاسفة الآخرون إلى هذه المناسبة. وباستهتاره المعهود نطق إذا ريومور كان قد رتب حتى تحمل الضمادات أمام "بعض عيون لا قيمة ولا شأن لها(10)" وطبقا لما روته ابنة ديدروأساءت هذه العبارة إلى مدام دييري دي سانت مور التي كانت تفتخر بعينيها والتي كانت العشيقة الحالية لمدير المخطة الحالي، أوكبير مراقبي المطبوعات الكونت دارجنسون (مارك ببير، الأخ الأصغر للمركيز رينيه لويس).

وفيتسعة يونيونشر دوراند كتاب ديدرو"رسالة عن العميان لخدمة المبصرين" وكانت على شكل رسالة موجهة إلى مدام بويسبيه. وبدأت بوصف زيارة قام بها ديدرووبعض الأصدقاء لزارع كروم أعمى. وأذهلهم روح النظام عند الرجل المكفوف البصر إلى حد الذي تعتمد عليه فيه زوجته بالليل في إعادة جميع شيء إلى مكانه بعد فساد النظام أثناء النهار. وكانت حواسه الباقية أحد وأقوى من حواس الناس العاديين "وهناك بالنسبة له فروق بسيطة لا تكاد تذكر من نعومة الأجسام، وهي فروق لا تقل دقة عن الفروق بين أصداء الأصوات، ولا خوف من حتى يحسب خطأ حتى سيدة أخرى هي زوجته، إلا إذا كان في المبادلة كسباً له(11) ولم يكن يدرك كيف من الممكن أن يعهد الإنسان الوجه دون حتى يلمسه. وانحصرت روح الجمال عنده في الأمور الملموسة وفي رخامة الصوت والمنفعة ولا يجد عاراً في العرى لأنه يجد حتى في الثياب حماية من الجولا اخفاء الجسم عن أعين الآخرين. وأعتبر السرقة جريمة كبرى لأنه يقف حيالها عاجزاً لا حول له ولا قوة.

وخلص ديدروإلى حتى أفكارنا عن الصواب والخطأ ليست مستمدة من الله، بل من خبرتنا الحسية. بل وحتى فكرتنا عن الله يجب تعليمها، وهي أيضاً مثل فكرتنا عن الأخلاق، نسبية متنوعة. ووجود الله مشكوك فيه لأن البرهان من أصل الوجود فقد كثيراً من قوته. حقاً هناك شواهد وبراهين على التصميم والهجريب في كثير من الكائنات والأعضاء مثلما هوفي الذبابة والعين، ولكن ليس ثمة شواهد على التصميم في الكون باعتباره كلا، لأن بعض الأجزاء عوائق - إذا لم تكن أعداء فتاكة- لأجزاء أخرى، وكل هجريب تقريباً محكوم عليه حتى يلتهمه هجريب عضوي آخر وتبدوالعين مثالاً رائعاً لتطابق الوسائل مع الغايات، ولكن فيها عيوب وشوائب جسيمة (كما يوضح هلمهولتز هذا تفصيلا فيما بعد) وثمة عفوية أوتلقائية خلاقة في الطبيعة، ولكنها نصف عمياء. وتؤدي إلى كثير من الخلل والاضطراب والتبديد والضياع. ورغم ديدروأنه أقتبس من كتاب "حياة دكتور نيقولا سوندرسون وخلقه لمؤلفه وليم أنشليف (وواضح أنه لم يوجد قط)، فأجرى على لسان الأستاذ الأعمى قوله "لماذا تحدثني عن هذا المشهد الجميل الذي لم يصنع من أجلي قط؟... إذا أردت مني حتى أومن بالله فينبغي حتى تجعلني ألمسه(12) وفي سيرة الحياة الوهمية هذه رفض سوندرسن الإيمان بالله وعزا نظام الكون إلى انتقاء طبيعي للأعضاء والهجريبات العضوية عن طريق بقاء الأصلح.

كل هجريبات معيبة ناسيرة من المادة اختفت. ولم يبق منها إلا ما انطوى هجريبه على تعارض غير ذي أهمية، والتي يمكن حتى تستمر وتبقى بوسائلها ولكن النتاجات الضخمة الغريبة تظهر من حين إلى حين... ما العالم،يا ترى؟ إنه مركب خاضع لثورات تشير جميع منها إلى نزعة ملحة إلى التدمير، تسلسل سريع للكائنات يعقب بعضها بعضاَ. ويدفع بعضها بعضاً ثم تختفي(13) ويختتم ديدروبممضى اللا أدرية: "واحسرتاه يا سيدتي، إننا إذ نضع الفهم الإنسانية في ميزان مونتاني فلن نبعد عن شعاره، لما نكتسب الفهم،يا ترى؟ إننا لا نعهد شيئاً عن طبيعة المادة، وعن طبيعة الذهن والفكر، لا نعهد إلا أقل من ذلك. بل لا نعهد شيئاً إطلاقاً(14).

وجملة القول إذا رسالة العميان من أعظم وأروع ما خط في عصر الاستنارة في فرنسا. إنه كتاب جميل ساحر من حيث السرد والقصص، كما أنه يتميز بدقة الملاحظة والتبصر البارع العطوف بوصفه بحثاً في فهم النفس، كما يتميز بخيال مثير بوصفه بحثاً في الفلسفة، وهومرهق قرب انتهاء صفحاته الستين ولكنه يضم بعض ما يجافي الحشمة مما لا يكاد يليق برسالة مفروض إنها موجهة إلى سيدة، ولكن من الممكن كانت مدام دي بويسييه متعودة على خلط ديدروبين بذاءة السوقة وسعة الإطلاع والفهم. وضم البحث، لحسن الحظ، اقتراحاً مفصلاً لما عهد فيما بعد باسم طريقة لويس بريل(15).

وأوفد فولتير الذي كان آنذاك في باريس (1749) إلى ديدرووتقريظاً حماسياً للبحث، نطق فيه: "قرأت في سرور بالغ كتابك الذي يذكر الشيء الكثير ويوحي بشيء أكثر. وكنت منذ أمد أقدرك أعظم التقدير، بقدر ما أحتقر أولئك الأغبياء الذين ينقصون من قدر ما لا يفهمون...

ولكني أعترف لك أني لست من رأى سندرسن الذي ينكر وجود إله، لأنه ولد أعمى. وربما كنت مخطئاً، ولكن لوأني في مكانه لاعترفت بوجود كائن أعظم بارع وهبني إضافات كثيرة تكمل البصر. أود من جميع قلبي حتى أتحدث إليك. وليس يهمني حتى تعتقد أنك واحد من مخلوقاته، أوأنك جزء دقيق التنظيم من مادة أبدية ضرورية. وقبل مغادرتي لونفيل أرجوحتى تشرفني بتناول عشاء فلسفي معي، في داري بصحبة بعض الحكماء.

ورد عليه ديدروفي 11 يونية:

سيدي الأستاذ العزيز: إذا اللحظة التي تسلمت فيها خطابك من أسعد لحظات الحياة... إذا رأى سوندرسن ليس رأيي ولا هورأيك... إنا أومن بالله، ولكني أنسجم كثيراً مع الملحدين، ومن المهم جداً ألا نخلط بين الشوكران (نبات يستخرج منه شراب سام) والبقدونس. ولكن ليس يهمني مطلقاً حتى تؤمن بالله أولاً تؤمن به. ونطق مونتاني إذا العالم كرة تخلى عنها الإله للفلاسفة ليهيموا على وجوههم مطوفين حولها...(16).

وقبل ظهور أية نتيجة لهذه المراسلات قبض على ديدرو. ذلك حتى الحكومة ثار غضبها لنقد صلح إكس لاشابل المذل علناً. وأودعت السجن نفرا من النقاد، ورأت حتى الوقت قد حان لكبح جماح ديدرووإيقافه عند حده ولسنا ندري إذا كان الإلحاد في رسالة العميان هوالذي أثار احتجاج رجال الدين، أوحتى مدام دبري دي سانت مور وقد ساءتها إشارة ديدروإلى العيون التي لا قيمة لها قد حفزت عشيقها (كبير مراقبي المطبوعات) إلى اتخاذ إجراء. وعلى أية حال فإن الكونت دارجنسون أوفد أمراً مختوماً (23 يوليو1749) إلى ماركيز دي شاتيليه محافظ قلعة فنسان "استقبلوا في القلعة المدعوديدرو، وأودعوه في السجن لحين صدور أوامر أخرى مني"(71) وفي الصباح الباكر في اليوم التالي طرق رجال الشرطة باب ديدرو، وفتشوا مسكنه ووجدوا نسختين أوثلاثا غير مجلدة من رسالة العميان، وعدة صناديق مملوءة بمادة الموسوعة الشهيرة التي كان يعدها ديدرو، وحملوها إلى القلعة (في ضواحي باريس) حيث وضع وحيداً في زنزانة في القلعة الكئيبة، وسمح له بالاحتفاظ بكتاب كان في جيبه عند اعتنطقه "الفردوس المفقود" وتهيأ له فسحة من الوقت لقراءته بعناية. وخط عليه حواشي وتعليقات بغير الكيفية التقليدية. واستخدم صفحاته الخالية في تدوين بعض الأفكار وموضوعات أقل ورعاً وتديناً، وتوصل إلى خلق الحبر من كشط الأردواز من الجدران وطحنه وخلطه بالنبيذ، واستخدم عودا من الخلال قلماً. وفي نفس الوقت هرعت زوجته التي عاشت مكتئبة مع طفلها البالغ من العمر ثلاث سنوات إلى رئيس الشرطة برييه، وتوسلت إليه حتى يطلق سراح زوجها، وأنكرت فهمها بكتاباته "وكل ما أعهده حتى كتاباته شبيهة بسلوكه. أنه يعتز بالشرف أكثر ألف مرة مما يعتز بالحياة، وإن مؤلفاته لتعكس الفضائل التي يتمسك بها"(18). وإذا كانت أنطوانيت لا تفهم شيئاً عن مدام بوبسييه، فإن الشرطة كانت تفهم، وكان أشد فعالية وتأثيراً من ذلك الالتماس الذي تقدم به الرجال الذين عهدوا إلى ديدرووتحرير الموسوعة، حيث أكدوا لكونت دارجنسون حتى المشروع لا يمكن حتى يخطوخطوة بدون السجين. وفي 31 يوليواستدعى برييه ديدرووحقق معه وأنكر ديدروأنه مؤلف "رسالة العميان" وكتاب "الأفكار" وكتاب "الحلى الزائفة" وأدرك رئيس الشرطة أنه يكذب، وأعاده إلى السجن.

وفي شهر أغسطس، خطت مدام دي شاتيليه- قبل وفاتها بشهر واحد والمفروض حتى هذا بإيعاز من فولتير، من لونفيل إلى قريبها محافظ فنسان، ترجوه على الأقل حتى يخفف من الشدة التي يعامل بها ديدرو. وحواليعشرة أغسطس عرض بربيه حتى يسمح للسجين بالتمتع بالحرية والتيسيرات في قاعة السجن الكبرى مع الترخيص له باستقبال الزائري وتلقي الخط، إذا قدم اعترافاً صادقاً. وفي 13 أغسطس وجه الفيلسوف المعاقب إلى بربيه الوثيقة الآتية:-

أعترف لك بأن الخط الثلاثة حتى هي إلا نزوات غواية أملاها ذهن تملص مني، ولكني أستطيع... حتى أعد تحت حدثة الشرف (وأنا عملا رجل شريف) بأنها ستكون الأخيرة... وستكون الوحيدة... أما بالنسبة لهؤلاء الذين اشهجروا في نشر الخط وطبعها، فلن أخفي عنكم شيئاً يتعلق بهم، وسأفضي إليك بأسماء الناشرين والطابعين(19).

وفي 20 أغسطس أطلق سراحه من الزنزانة. ووضعوه في غرفة مريحة، وسمح له باستقبال الزائرين والتنزه في حدائق القلعة، وفي يوم 21 سقط تعهداً بألا يغادر المبنى أومنطقته دون ترخيص رسمي. واتىت إليه زوجته لتواسيه وتؤنبه وتلومه، وبعث من حديث حبه القديم لها. وزاره دالمبير ورسوومدام دي بوبسييه واتى إليه ملتزموا الموسوعة ببعض المخطوطات وأستأنف عمله في تحريرها. ومنذ فهم حتى أخاه أبلغ أباه بنبأ اعتنطقه فأنه خط إلى الوالد "السكاكيني" المتألم، وأدعى حتى اعتنطقه كان بناء على مكيدة إحدى السيدات، وطلب منه معونة مالية. وفي ثلاثة سبتمبر أوفد الوالد رداً يكشف عن الجانب الإنساني في الصراع بين الدين والفلاسفة:

يا بني: تسلمت خطابيك اللذين بعثت بهما إلي مؤخراً، تنبئني بخبر اعتنطقك وسببه، ولم أتمالك نفسي من القول بأنه لا بد بالتأكيد حتى هناك أسباباً أخرى غير التي ذكرتها في أحد الخطابين... وحيث أنه لا يحدث شيء إلا بإذن الله، فإني لست أدري أيهما أفضل لتقويم خلقك: إخلاء سبيلك أوإطالة مدة بقائك في السجن لمدة شهور لتفكر جيداً وملياً في نفسك. ولا تنس حتى الله إذا كان قد أنعم عليك بالمواهب، فإنه منحك إياها لا لتستخدمها في العمل على أضعاف مبادئ عقيدتنا المقدسة، لقد قدمت دليلاً كافياً على حبي لك. هيأت لك فرصة التفهم على أمل حتى تفيد منه أعظم فائدة، لا حتى تورثني أشد الهم والغم والكمد حين فهمت بما لحق بك من خزي وعار... سامحني يا بني. ولسوف أصفح عنك. أنا أفهم أنه ليس ثمة إنسان بمنجاة عن الافتراء وتشويه السمعة، وأنهم قد ينسبون إليك أعمالاً لم تشهجر فيها... ولنقد يكون لك اعتبار أوقيمة في نظري إلا إذا صدقتني القول دون لبس أومواربة، بأنك كما أبلغوني من باريس بأنك تزوجت وأن لك طفلين. فأن كان الزواج شرعياً وأن الأمر قد انتهى فأنا راضٍ، وآمل ألا تضن على شقيقتك بالشعور بالفرح لتنشئتهما، وعلي بالسعادة لرؤيتهما أمام عيني... إنك تسألني مالا. ماذا! إذا رجلا مثلك يعمل في مشروعات ضخمة... هل يمكن حتىقد يكون في حاجة إلى مال،يا ترى؟ ولقد قضيت شهراً في مكان لا تكلفك الإقامة فيه شيئاً؟... تذكر أمك المسكينة... إنها في تأنيبها لك، كم من مرة نطقت إنك أعمى... قدم لي الدليل على عكس ذلك. ومرة أخرى ، وقبل جميع شيء، كن صادقاً ومخلصاً في الوفاء بوعودك... ستجد مرفقاً بهذا حوالة بمائة وخمسين جنيهاً... تنفقها كما تريد... وإني لأنتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تخفف فيه من آلامي وهمومي حين أفهم بنبأ إطلاق سراحك... وسأقدم الشكر لله حالما أفهم ذلك

مع الحب الذي أكنه لك...

(والدك الحبيب ديدرو)(20)

ولسنا ندري ماذا كان رد دنيس. وربما عثر مشقة في مجاراة هذه الرسالة في نبلها. وفي ثلاثة نوفمبر 1749 أفرج عنه بعد قضاء ثلاثة شهور ونصف شهر في السجن. وقصد داره سعيداً مبتهجاً بالعودة إلى زوجته وصغاره، ونسي مدام دي بويسييه لفترة من الوقت؛ ولكن في 30 يونية 1750 توفي ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، إثر حمى شديدة، وأنجب طفلا ثالثاً بعد ذلك مباشرة. ولكنه أوذى أذى بالغاً عند تعميده، حيث أسقطه أحد الخدم على الأرض في الكنيسة، وما لبث حتى فارق الحياة قبل انقضاء عام واحد على مولده، إلى غير ذلك ولد له ثلاثة ومات ثلاثتهم (وعاد ديدروإلى أمسياته في مقهى بروكوب. وحوالي 1750 قدمه روسوإلى فردريك مليخيور جريم،وهناك بدأ ثالوث من الصداقة كان له بعض الأهمية في عالم الأدب. وتلك هي السنة التي غادر فيها فولتير فرنسا إلى برلين وخط فيها روسوالذي نال به الجائزة عن (المدنية سقم) وأصدر ديدرونشرة تمهيدية عن الموسوعة:

وبينما كان ديدرويعمل في المجلد الأول من مشروع الموسوعة أستطرد إلى تحقيق في فهم النفس نشر نتائجه (1751) في "رسالة عن الصم والبكم لخدمة أولئك الذين يسمعون ويتحدثون". ولم يكن ديدروقد نسي قلعة فنسان بعد، ومن ثم تجنب الهرطقة، وتسلم من الرقيب (مالشرب الطيب الرحيم آنذاك) "إذناً ضمنياً" بنشر الكتاب في فرنسا دون ذكر اسمه، ودون خوف من المحاكمة أوالمقاضاة. واقترح ديدروحتى يوجه أسئلة إلى أحد الصم والبكم، ويلاحظ الإيماءات التي يجيب بها الأصم الأبكم على هذه الأسئلة، وبذلك يلقي الضوء على منشأ اللغة عن طريق الإشارات والإيماءات. حتى الممثل القدير (وكان ديدروآنذاك منشغلا بوضع كتابه "تناقض الممثل" ينقل أحياناً عن طريق إيماءة أوتعبير بالوجه فكرة أوإحساس بشكل أعظم تأثيراً منه عن طريق الألفاظ. ومن الجائز حتى الألفاظ الأولى (في اللغة) كانت تعبير عن إيماءات صوتية أومعبرة توضح فكرة في الذهن، وليس للفظة التي يختارها الشاعر دلالة أومعنى عقلي فحسب، ولكن لها كذلك مفهوماً رمزياً متضمناً وفارقاً دقيقاً لا يكاد يذكر، ولها تضمينات بصرية (قارن مثلا بين يرى ويتفرس أويحدق النظر أونغمات توافقية في الصوت، قارن بين يقول ويتذمر، Say, murmur ومن ثم فأن الشعر الحقيقي تتعذر ترجمته).

والحديث- كما هومعهود في ديدرومضطرب يعوزه الترتيب والنظام ولكنه زاخر بالجوانب الموحية. "قد تكون فكرتي حتى أحلل الإنسان إذا جاز التعبير، وأدرس ماذا يستمد من جميع حاسة من حواسه". (بنى كوندياك مؤخراً في 1754، رسالته عن الأحاسيس حول هذه الفكرة) أوقارن مرة أخرى بين الشعر والرسم، حتى الشاعر يستطيع حتى يسرد الأحداث على حين يبرز الرسام لحظة واحدة، وصورته تعبير عن إشارة تحاول حتى تعبر في وقت واحد عن الماضي والحاضر والمستقبل. وهنا كانت بذرة في كتاب ليسنج "لاوكون" (1766).

ولكن في هذه الأثناء كان المجلد الأول من الموسوعة معداً للنشر.


تاريخ كتاب 1746-1765

نطق الناقد الكاثوليكي برونتيير "إن الموسوعة أعظم عمل في عصرها، والهدف الذي كان يصبوإليه جميع شيء سبقها، ومصدر جميع شيء اتى بعدها، ومن ثم فإنها المركز الحقيقي لأي تاريخ للأفكار في القرن الثامن عشر"(21). ونطق ديدروإذا محاولة إخراج موسوعة إنما تنسب فقط إلى قرن فلسفي(22). إذا عمل بيكون وديكارت وهوبز ولوك وباركلي وسبينوزا وبيل وليبيتز في الفلسفة، والنهوض بالعلوم على أيدي كوبرنيكس وفيساليوس وكبلر وجاليليووهويجنز ونيوتن، وارتياد الأرض بفضل الملاحين والبعثات التبشيرية والسياح، وإعادة الكشف عن الماضي على أيدي الباحثين والمؤرخين، جميع هذه الفهم المتراكمة انتظرت لتنسق في موسوعة تكون في متناول الجميع وخدمتهم.

وبدأ في أول الأمر حتى "موسوعة تشامبرز" أو"القاموس العالمي للفنون والعلوم" (1728) قد يسد هذه الحاجة. وفي 1743 أقترح ناشر في باريس هوأندريه فرنسوا لي بريتون ترجمته إلى الفرنسية مع تعديلات وإضافات تفي بحاجة فرنسا. ونما المشروع ليظهر في عشر مجلدات وللقاءة النفقات أشرك لي بريتون معه في هذه المهمة ثلاثة ناشرين آخرين هم برياسون ودافيد ودوران. واستخدموا الأب دي جوا دي مالف محرراً. وحصلوا على إذن ملكي بالطبع، وأصدروا في 1745 نشرة مؤقتة. ورأى الناشرين أورأى المحرر دي جوا دي مالف الاستعانة بديدروودالمبير. وفي 1747 انسحب دي جوا دي مالف. وفي 16 أكتوبر عين الناشرون ديدرورئيساً للتحرير لقاء راتب قدره 144 جنيهاً في الشهر. وطلبوا إلى دالمبير حتىقد يكون مسئولا عن منطقات الرياضيات.

وحدثا تقدم العمل ازداد ديدروسخطاً على نص تشامبرز ويمكن حتى تقدر هذا السخط والاستياء إذا عهدنا حتى ديدروخصص للتشريح 56 عموداً على حين أفرد له تشامبرز عموداً واحداً، وللزراعة 14 عموداً، على حين أوردها تشامبرز في ستة وثلاثين سطراً. وأخيراً أوصى بتنحية قاموس تشامبرز جانباً وإعداد موسوعة جديدة تماماً، (وربما أقترح مالف هذا فوراً). ووافق الناشرون واستحث ديدرو(ولم يكن قد اتضح بعد أنه المؤلف الزنديق لرسالة العميان) المستشار الجاد المتدين دي أجسوحتى يضم الترخيص الملكي المشروع الموسع (أبريل 1748).

ولكن كيف من الممكن أن كان يمكن تمويل المشروع،يا ترى؟ قدر لي بريتون أنه قد يكلف مليون جنيه. والواقع أنه تكلف مليوناً وأربعمائة ألف-حتى ولوكان من المشكوك فيه كثيراً حتىقد يكون عدد المشهجرين كافياً إلى حد يدفعون معه بالموسوعة إلى المطبعة. وكان ديدرووقد أعد بالعمل كثيراً من الموضوعات وحصل على عدد آخر منها من أجل المجلدات الأولى حين أوقف اعتنطقه في فنسان سير العمل. وعندما أطلق سراحه تفرغ تفرغاً كاملاً للمضي في المشروع. وفي نوفمبر 1750 أخرج الناشرون ثمانية آلاف نسخة من نشرة تمهيدية دبجها يراع ديدرو. (وفي 1950 أعادت الحكومة الفرنسية طبع هذه النشرة تذكاراً وطنياً لهذا الحادث). وأعربت هذه النشرة إذا فريقاً من الأدباء والخبراء والمتخصصين أتجه رأيهم إلى جمع المادة الموجودة في العلوم والفنون في صعيد واحد مرتبة ترتيباً أبجدياً، مزودة بمراجع قد يسهل على الفهماء والباحثين والطلاب استخدامها. ونطقت النشرة إذا لفظة الموسوعة أودائرة المعارف تدل على العلاقات المتبادلة بين العلوم وهي تعني حرفياً التثقيف أوالتعليم مجموعاً في صعيد واحد. ونطق ديدروإذا الفهم لم تنم على أوسع نطاق فحسب ولكن الحاجة إلى نشرها مهمة كذلك، حيث لا جدوى منها إلا إذا أفاد منها الجميع. واتى في النشرة حتى هذا كله يفترض أن تضمه ثمانية مجلدات للنصوص ومجلدات للوحات والرسوم، وحدد الاشتراك بمائتين وثمانين جنيهاً للمجموعة تدفع على تسعة أقساط. ويجب تسديد المبلغ كله على مدى عامين. وتبدولنا الآن هذه النشرة وكأنها أحد الإعلانات بأن عصر الفهم قد بدأ. وأن عقيدة جديدة قد ظهرت لخلاص الجنس البشري.

وكانت الاستجابة للنشرة مشجعة، وبخاصة لدى الطبقة الوسطى العليا. وتبين بعد وفاة مدام جيوفرين أنها وزوجها أسهما في نفقات الموسوعة بمبلغ 500 ألف جنيه(23).

وبهذه الموسوعة في فرنسا وقاموس جونسون في إنجلترا (1755) أعرب الأدب الأوربي استقلاله عن الأرستقراطيين والإهداءات الذليلة، واتجه إلى الجمهور العريض الذي عرض هذا الأدب حتىقد يكون عينه التي تبصر وصوته الذي يعبر. وكانت الموسوعة أشهر تجربة لتبسيط الفهم ونشرها(24).

وظهر المجلد الأول في 28 يونيه 1751 محتوياً على 914 صفحة من البتر الكبيرة من ذات النهرين. وكانت صورة الصفحة الأولى من رسم شارل كوشان، وكانت رمزاً صادقاً للقرن الثامن عشر، فقد أبرزت البشرية تتلمس طريقها إلى الفهم تمثلها امرأة جميلة في ثوب رقيق شفاف. وكان العنوان مثيراً: الموسوعة أوقاموس موضوع بعد دراسة وترولمختلف العلوم والفنون والمواد ألفه فريق من رجال الأدب رتبه وحرره ديدرووتعهد قسم الرياضيات فيه دالمبير، ونشر بتصديق من الملك وترخيص منه وأهدى المجلد من باب الحكمة إلى السيد الكونت دارجنسون وزير الحربية. ولم يكن موسوعة بالمعنى الحالي عندنا، فإنها لم تر حتى تضم سير حياة أوتأريخاً. ولكن الغريب في الأمر أنها تضمنت بعض سير الحياة تحت عنوان محل الميلاد للشخص. ومن جهة أخرى كانت بشكل جزئي قاموساً عرض لتعريف بعض المصطلحات وإيراد المترادفات وبعض قواعد الأجرومية.

وأبرز ما في المجلد الأول وأجدره بالذكر هو"منطق تمهيدي" وسقط الاختيار على دالمبير لكتابته لأنه كان معروفاً بأنه من رجال الفهم المرموقين وبأنه كذلك من البارعين الأفذاذ في النثر الفرنسي، وعلى الرغم من هذه المزايا كان دالمبير يحيا حياة رواقية بائسة فقيرة في باريس. وحين وصف فولتير المشهد الرائع من لي دليس أجاب دالمبير: "أنت تخط إلى من مخدعك حيث تشرف على عشرة فراسخ من البحيرات وأنا أرد عليك من جحري الذي لا يشهد إلا رقعة من السماء لا تتجاوز ثلاث أذرع"(25). وكان لا أدرياً، ولكنه لم ينضم إلى نقد علني للكنيسة. وفي -منطقة التمهيدي حاول حتى يفحص حجج معارضي الكنيسة:

"إن طبيعة الإنسان سر لا يمكن سبر أغواره إذا استنار الإنسان بالعقل وحده. ويمكن حتى نقول مثل هذا عن وجودنا في الحاضر والمستقبل، وعن جوهر "الكائن" الذي ندين له بهذا الوجود، وعن نوع العبادة التي يتطلبها منا. ومن ثم فإننا أحوج ما نكون إلى ديانة منزلة تهدينا سواء السبيل في مختلف الموضوعات"(26).

وأعتذر لفولتير عن هذه الاحترامات: "أن مثل هذه العبارات هي أسلوب توثيقي، وما هي إلا طريق وصول أوجواز مرور إلى الحقائق التي ننشد تدعيمها... حتى الزمن سيفهم الناس كيف من الممكن أن يميزون بين ما فكرنا فيه وما قلناه(27).

ونهج الموضوع التمهيدي نهج اقتراح لفرانسيس بيكون، فصنفت المعارف وفق الموهبة العقلية التي تنتج عنها: فوضع التاريخ تحت بند "الذاكرة" والعلوم في باب "الفلسفة" واللاهوت تحت بند "العقل" والأدب والفن في باب "الخيال" وكان ديدروودالمبير فخورين جميع الفخر بهذا التقسيم وجعلا منه ورقة مطوية وضعاها بعد الموضوع أوخريطة للفهم أثارت أشد الإعجاب. وكان أقوى أثر في الموسوعة بعد أثر بيكون هوأثر لوك. "أننا مدينون للأحاسيس بكل أفكارنا". هذا هوما اتى في الموضوع. ومن هذا البيان راود الأمل المحررين على مدى المجلدات الثمانية حتى يستنتجوا فلسفة كاملة ديناً طبيعياً يهبط بالإله إلى مجرد دفعة ابتدائية أولى وإن يستنتجوا فهم نفس طبيعياً يجعل الذهن وظيفة من وظائف الجسم، ومبادئ أخلاق طبيعية تحدد الفضيلة على أساس واجبات الإنسان نحوالإنسان لا نحوالله- وتضمن "الموضوع التمهيدي" هذا البرنامج في حرص وحذر.

ومن هذه المبادئ الأولى أنتقل دالمبير إلى استعراض تاريخ الفهم والفلسفة وأمتدح الأقدمين، وأستنكر العصور الوسطى وأنتقص من قدرها، وهلل لعصر النهضة وأبتهج به:

لن نكون منصفين إذا لم نعترف بفضل إيطاليا علينا، فمنها تلقينا العلوم التي أنتجت فيما بعد ثماراً وفيرة في جميع أوربا. ونحن مدينون لها فوق جميع شيء بالفنون الجميلة والذوق الذي زودتنا منه بعدد كبير من نماذج لا تبارى أوتتعذر محاكاتها(28).

واتى أبطال الفكر الحديث ليتوجوا بأكاليل الغار:

يجدر حتى يوضع على رأس قائمة الشخصيات اللامعة مستشاراً إنجلترا الخالد فرانسيس بيكون الذي تستحق أعماله بحق حتى ندرسها حتى أكثر من حتى نمتدحها. أننا حين نتأمل وندرس آراء ونظرات هذا الرجل العظيم الحكيمة الواسعة الأفق، والموضوعات الكثيرة التي أستعرضها في ذهنه، وجرأة أسلوبه التي جمعت في جميع موضوع بين أروع الصور والانطباعات الذهنية وبين أعظم الدقة والأحكام. فإننا نميل إلى اعتباره أعظم الفلاسفة وأفصحهم وأضمهم وأوسعهم بحثاً(29).

وأنتقل دالمبير ليبرز كيف من الممكن أن حتى عبقرية ديكارت العميقة الخصبة في الرياضيات قد عوقها في الفلسفة الاضطهاد الديني:

إن ديكارت على الأقل تجاسر فبين للأذهان اليقظة كيف من الممكن أن تتحرر من نير السكولاسية والرأي والسيطرة- وصفوة القول من التحيز والتحامل والوحشية. وبهذه الثورة التي نجني نحن ثمارها اليوم أدى ديكارت للفلسفة خدمة قد تكون أجل وأشق مما تدين به لخلفائه البارزين المشهورين. وقد نعتبره زعيم عصابة تعاهدت، وكان لها من الشجاعة ما قادت به ثورة ضد سلطة استبدادية. وأرسى بفضل تصميمه الأكيد المشجع الملهم أساس حكومة أعدل وأفضل ما كان يمكن حتى يعيش ليراها قائمة، وإذ انتهى به التفكير إلى إيضاح جميع شيء فإنه على الأقل بدأ بالشك في جميع شيء. إذا الأسلحة التي يجب استخدامها لمحاربته ليست على الرغم من ذلك أسلحته لأننا نصوبها إليه.

وبعد حتى تحدث دالمبير عن نيوتن ولوك وليبنتز ختم حديثه بالإعراب عن إيمانه بالنتائج الطيبة للفهم التي تزكووتنمووتنتشر: "إن قرننا ليعتقد بأنه قد خط عليه إذا يغير القوانين في جميع المجالات(30). ونشجع دالمبير بحرارة هذا الأمل فجعل من منطقه التمهيدي هذا تحفة من روائع النثر الفرنسي في القرن الثامن عشر. وشارك بيفون ومونتسكيوفي الثناء على مقدمة الموسوعة في لغتنا فلسفة ومنطقاً وإشراقاً وأحكاماً ودقة(31).

ولم يكن المجلد الأول ضد الدين بشكل سافر. وكانت الموضوعات عن العقيدة والطقوس المسيحية تقليدية تقريباً. وأبرزت عدة منطقات بعض الصعوبات، ولكنها أختتمت كلها عادة باحترام مهيب للكنيسة. وكثيراً ما وجدت هرطقات مغلفة وهجمات عارضة على الخرافة والتعصب، ولكنها مستترة في منطقات واضح أنها كانت تعالج موضوعات بريئة مثل "حمل سكيزيا" أوالنسر. من ذلك حتى ما خط عن حمل سكيزيا توسعوا فيه حتى صار بحثاً عن شواهد هجرت الإيمان بالمعجزات في حالة يرثى لها. كما حتى مادة "النسر" بعد مناقشة سذاجة الناس وسرعة تصديقهم انتهت بتهكم صريح:

"سعيد هذا الشعب الذي تطالبه ديانته ألا يؤمن إلا بالأمور الحقيقية المقدسة السامية الرفيعة الشأن، وألا يقتدى إلا بصالح الأعمال. ومثل هذه الديانة هي ديانتنا وهي التي فيها لا يتبع الفيلسوف إلا عقله حتى يصل إلى مذبحنا(32) وفي شيء من المكر والدهاء كانوا يهاجمون الخرافات والأساطير هنا وهناك. وانبثقت روح من الإنسانية العقلانية.

وعلى الرغم من جميع شيء أستقبل اليسوعيون هذا المجلد استقبالاً ودياً. وأعترض جويوم فرنسوا برتييه المحرر العالم المثقف لصحيفة تريفوفي رقة وأدب على توكيد الموضوع التمهيدي على الفلاسفة المهرطقين، وأشار إلى بعض الأخطاء والانتحالات، وطالب بتشديد الرقابة على المجلدات التي ستصدر فيما بعد، ولكنه أثنى على الموسوعة مشروعاً عظيماً ضخماً جداً يمكن لمحرريه بحق بعد إنجازه حتى يطبقوا على أنفسهم قول هوراس "لقد أقمت نصباً أبقى من النحاس".

ثم أضاف برتييه "ليس هناك من هوأكثر منا ميلا إلى تبين الخفايا الدقيقة في الموسوعة ولسوف نعرضها برفق في مقتطفاتنا القادمة(33).

وثمة كاهن آخر لم يكن مترفقاً متساهلاً إلى مثل هذا الحد، وهوجان فرنسوا بوير أسقف ميربوا سابقاً الذي شكا المحررين إلى الملك بأنهم خدعوا الرقباء، فأوفده الملك لويس إلى مالشرب الذي كان قد أصبح كبير مراقبي المطبوعات، فوعد مالشرب بفحص المجلدات التالية بشكل أدق، ولكنه أثناء توليه مناصب حكومية أستخدم جميع نفوذه لحماية الفلاسفة. وكان من حسن حظ الثائرين حتى هذا المسيحي جويودي مالشرب الذي كان قد أصبح متشككاً حين قرأ كتابات بيل والذي كان قد ألف كتاب "حرية الصحافة" هوالذي كان رقيب المطبوعات من 1750-1763 وهي أحرج فترة في حياة فولتير وديدرووهلفشيوس وروسو. وخط مالشرب "في القرن كان يستطيع فيه جميع مواطن حتى يتحدث إلى الأمة عن طريق الكتاب فإن هؤلاء الذين أوتوا المقدرة على تعليم الناس وتثقيفهم أوموهبة التأثير فيهم-وفي إيجاز رجال الأدب- وسط شعب مشتت يقومون بالدور الذي كان يقوم به خطباء رومه وأثينا في شعب ملتف حولهم". وشجع مالشرب الحركة الفكرية بمنح "تراخيص ضمنية" للمطبوعات التي لا يمكن حتى تحصل في ظل النظام القائم على ترخيص ملكي أوتنال استحسان السلطات. ذلك أنه كان من رأيه حتى الإنسان الذي لم يقرأ إلا الخط التي صدرت بموافقة صريحة من الحكومة...قد يكون متخلفاً عن معاصريه بنحوقرن من الزمان تقريباً(35).

وانتهت هذه الفترة السعيدة في حياة الموسوعة بحادث من أغرب الحوادث في تاريخ عصر الاستنارة، ذلك أنه في 18 نوفمبر 1751 تقدم جان مارتن دي براد للحصول على درجة جامعية من السوربون، وعرض على رجال اللاهوت رسالة ظاهرها البراءة والخلومن أية شائبة "من ذا الذي نفخ الله في وجهه روح الحياة"،يا ترى؟ وبينما النعاس يغلب على أعضاء هيئة الامتحان عرض الراهب الشاب في لغة لاتينية ممتازة تضاربات زمنية في الكتاب المقدس، وهبط بمعجزات المسيح إلى مستوى معجزات أسكولابيوس، وإستبدل بالوحي لاهوتاً طبيعياً متحرراً. وقبلت جامعة السوربون الرسالة ومنحت دي براد الدرجة. وأتهم الجانسنيون الذين كانوا يسيطرون على برلمان باريس الجامعة، وراحت الشائعات بأن لديدروبداً في الرسالة، وسحبت الجامعة الدرجة وأمرت بإلقاء القبض على الراهب. وهرب دي براد إلى بروسيا حيث آواه فولتير حتى خلف لامتري قارئاً لفردريك الأكبر.

وصعق الأمناء الحراس على الديانة التقليدية إذا رأوا حتى دي براد هذا نفسه كان قد خط منطقة "اليقين" في المجلد الثاني من الموسوعة الذي صدر في يناير 1752. وكان في هذه الموضوعة أيضاً لمحات من ديدرو، وتعالت الصيحات ضد الموسوعة حتى حتى برتييه الذي أطرى هذا المجلد لما فيه من إسهامات كثيرة في الفهم، وجه اللوم إلى المحررين على بترة ذكر فيها حتى معظم الناس ينظرون إلى الأدب بعين الإجلال والإكبار مثلما ينظرون إلى الدين "أي إلى شيء لا يستطيعون حتى يعهدوه أويمارسوه أويحبوه".

ونطق اليسوعيون حتى مثل هذا الكلام يجب لفت نظر المؤلفين والمحررين إليه حتى لا يعودوا يثبتون شيئاً من هذا القبيل في الموسوعة مستقبلاً(36). وفي 31 يناير أتهم كريستوف دي بومونت مطران باريس الموسوعة بأنها هجوم ماكر على العقيدة الدينية. وفيسبعة فبراير صدر قرار من مجلس الدولة يحظر بيع الموسوعة أونشرها. وفي نفس اليوم خط مركيز دارجنستون في صحيفته "صدر في هذا الصباح قرار من المجلس لم يكن متسقطاً يقضي بمنع تداول الموسوعة أونشرها بسبب مزاعم مروعة: منها الكفر بالله والتمرد على سلطة الملك. وفساد الأخلاق... وقيل في هذا الصدد حتى مؤلفي الموسوعة ينبغي إعدامهم في أقرب وقت(37).

ولم تصل الأمور إلى هذا الحد من السوء، فلم يعتقل ديدرو، ولكن الحكومة صادرت جميع المادة التي كان قد جمعها، وخط فولتير من بوتسدام يستحث ديدروعلى نقل المشروع إلى برلين حيث يمكن النهوض به تحت حماية فردريك، ولكن ديدرووقف عاجزاً بدون المادة التي صودرت. أما لي بريتون فكان يأمل حتى تعدل الحكومة من قرار الحظر بعد سكون العاصفة، وأيد مالشرب ومركيز دارجنسون ومدام دي بمبادور النداء الذي تقدم به لي بريتون إلى المجلس. وفي ربيع عام 1752 وافق المجلس على نشر المجلدات الأخرى "بترخيص ضمني" وأشارت دي بمبادور على دالمبير وديدروباستئناف العمل "مع تحفظ ضروري فيما يتعلق بما يمس الدين والسلطة الحاكمة"(38). ورغبة في تهدئة خواطر رجال الدين وافق مالشرب على حتى يراجع المجلدات التالية ثلاثة من رجال اللاهوت يختارهم الأسقف السابق بوير.

وصدر المجلدان الثالث والرابع فيما بين عامي 1753-1756، بعد خضوعهما لرقابة صارمة. وزاد الغضب من انتشار الموسوعة، كما أصبحت رمز الأفكار الحرة، وزاد عد المشهجرين إلى 3100 في المجلد الثالث، و4200 في المجلد الرابع.

وأجتاز دالمبير المحنة وقد اهتزت أعصابه بعض الشيء ومن ثم فإنه ضماناً لسلامته الشخصية اشترط ألاقد يكون مسئولاً بعد الآن إلا عن منطقات الرياضيات، ومهما يكن من أمر فإن ديدروظل يناضل الرقابة. وفي 12 أكتوبر 1752 نشر ظاهرياً في برلين وباسم دي براد "مواصلة الدفاع عن الراهب دي براد"، وتحدث فيه غاضباً، مشيراً إلى حتى أحد الأساقفة شجب مؤخراً رسالة السوربون: "لست أفهم شيئاً أكثر مجافاة للياقة وأشد خطراً على الدين من هذه الخطب الغامضة التي تهاجم العقل والتي يلقيها بعض رجال اللاهوت. وقد يقول المرء لدى سماعها حتى الناس لا يستطيعون الدخول في المسيحية إلا كما يدخل قطيع من الحيوان إلى حظيرة، وأن على المرء حتى يتخلى عن الإدراك السليم وحصافة الرأي ليعتنق ديننا أويستمسك به. وأكرر القول بأن إقرار هذه المبادئ معناه الهبوط بالإنسان إلى مستوى الحيوان، ووضع الزيف والحقيقة على قدم المساواة"(39).

وتابع في المجلد الثالث هجماته غير المباشرة على المسيحية، وغلفه بالجهر بالإيمان بالعقيدة القويمة. وأبرزت منطقته "التوقيت الزمني المقدس" مرة أخرى تناقضات التوراة. وألقت ظلالاً من الشك في نصوص الأسفار المقدسة. وأكدت منطقته عن "الكلدانيين" على إنجازاتهم في الفلك، ولكنها رثت لخضوعهم للكهنة "أنه لمما يزري بالعقل ولا يشرفه تقييده في الأغلال كما عمل الكلدانيون. ولد الإنسان ليفكر لنفسه" وعددت منطقته عن "الفوضى" الاعتراضات على فكرة الخلق وأسهبت -زعماً أنها تدحض وتفند- القول في حجج أبدية المادة. واشتملت على بعض النقاط الخلافية التي تثير الجدل منطقاته الممتازة في التجارة والمنافسة وأسلوب التأليف والهجريب (منطقة حول الرسم) "والكوميديين" أي الممثلين، وأوضح ديدروأنه لم يكن رساماً ولا خبيراً باللوحات والرسوم ولكنه أضطر إلى الكتابة في الموضوع لأن "الهاوي المتبجح" الذي عهد إليه بالكتابة عن أسلوب التأليف في الرسم، كان قد قدم موضوعاً تافهاً غير جدير بالنشر. وعبرت منطقة ديدروعن بعض أفكار أبهجت فيما بعد "صالوناته" فكانت منطقته عن "الممثلين" استمرار لحملة فولتير دفاعاً عن حقوقهم المدنية.

وحظي المجلد الثالث بثناء كبير خفف منه نقد اليسوعين وليلى فرينون في مجلة "السنة الأدبية" وحمل المشهجرون الجدد من قيمة العمل ومكانته: وبدأ ديكلوس ينهض بقسط من الجهد في إخراج المجلد الرابع، وفولتير وترجويشاركان في المجلد الخامس. وفي أثناء السنوات الأربع الأولى من المشروع كان فولتير مشغولاً أومتورطاً في ألمانيا -أما الآن في عام 1755 فقد أستقر به المقام في جنيف وأوفد منها الموضوعات عن "الأناقة" "و"الفصاحة" و"الذكاء" وكلها تفيض أناقة وفصاحة وذكاء وخط ديدرونفسه للمجلد السادس منطقاً تحت عنوان "الموسوعة" عده بعض الفهماء والباحثين أحسن ما خط في المجموعة كلها. وكانت بالعمل من أطول الموضوعات حيث بلغ عدد حدثاتها 34 ألف حدثة، تحدث فيه عن الصعوبات التي قابلت العمل لا من حيث القوى التي كانت تهدف إلى هدم المشروع فحسب بل كذلك من حيث ضآلة الاعتمادات المالية غير الكافية لدفع أجور المؤلفين ونفقات الطبع، والعلل الطبيعية التي انتابت الكتاب حيث أقعدهم السقم أوضيق الوقت. وأقر العيوب الكثيرة التي أصابت المجلدات الخمسة الأولى التي كانت قد أخرجت في عجلة وخوف، ووعد بالعمل على ملاقاتها، وفي شيء من الانفعال خط قانون الإيمان الخاص به: إذا الغاية القصوى من أية موسوعة هوجمع الفهم المتناثرة هنا وهناك على الأرض، وشرحها للمعاصرين ونقلها إلى الأعقاب، والغرض من ذلك هوألا تكون جهود القرون الماضية غير ذات نفع للأجيال القادمة وأنقد يكون خلفاؤها وقد أصبحوا أكثر ثقافة وأغزر فهماً، في نفس الوقت أسعد وأكثر تمسكاً بالفضيلة، وألا نفارق الحياة دون حتى نحظى بثناء الجنس البشري وتقديره.

ورأى ديدروفي الموسوعة لطمة للأعقاب، ووثق أنهم سيدافعون عنه ويبرئونه، وتصور ثورة عارمة عطلت مؤقتاً تقدم العلوم وعمل فنون الصناعة، وغمرت من حديث بالظلام جزءاً من العالم. وراوده أكبر الأمل في "اتراف مثل هذا الجيل بفضل أولئك الرجال الذين أوجسوخيفة من هذا الخراب وتسقطوه فجمعوا شتات الفهم التي تراكمت عبر القرون وحفظوها في حرز أمين" ونطق "إن الأعقاب بالنسبة للفيلسوف هي بمثابة الدار الآخرة بالنسبة لرجل الدين(40).

وخلق المجلد السابع الذي ظهر في خريف 1757 أزمة أخرى أسوأ مما سبقها. وذلك حتى كسنى وترجوخطاً أبحاثاً مستفيضة مشهورة في شرح سياسة عدم التدخل الحكومي في الشئون الاقتصادية، (ممضى الفيزيوقراطيين في حرية التجارة والصناعة -ظهر في فرنسا في القرن الثامن عشر) كما حتى لويس دي جوكور، الذي كثيراً ما أسهم الآن في الكتابة في الموسوعة، خط منطقة موجزة مهينة تحت عنوان "فرنسا" بلغت حدثاتها تسعمائة حدثة ولم ترومعظمها شيئاً من تاريخ فرنسا، بل عددت شوائبها وأخطائها: الافراط الخطير في عدم المساواة في توزيع الثروة، فقر الفلاحين، وتضخم باريس وتناقص السكان في الأنطقيم. وفي منطق عن "الحكومة" خط جوكور "أن الخير جميع الخير للشعب في حريته... وبدون الحرية تنتفى السعادة في الدول" وفي هذا المجلد خط فولتير منطقة عن الفسوق والزنى، وتفاخر بأنها فهمية، ولكن منطقة "المقاومة" -على الأقل الموضوعة التي أثارت أشد مقاومة- هي المقاتلة عن جنيف التي التقيا بها في محيطها السويسري. ونسي دالمبير ما أخذ به نفسه من حيطة وحذر وتصميمه على الاقتصار على الرياضيات وأثار على نفسه سخط جنيف وباريس كلتيهما حين صور رجال الدين الكلفنيين بأنهم يرفضون ألوهية المسيح.

ورأى جريم على الغدر حتى هذه الموضوعة زلة فظيعة تعوزها اللباقة، ونطق إنها تسبب اهتياجاً وبلبلة. وأستنكر أحد اليسوعيين المجلد في عظة ألقاها أمام الملك في فرساي. وخط دالمبير إلى فولتير يقول "إنهم يجزمون بأني أمتدح قساوسة جنيف في أسلوب يضر بالكنيسة الكاثوليكية"(41). وفيخمسة يناير 1757 بذلت محاولة لقتل الملك. فكان رد الملك عليها أنه أحيا قانوناً قديماً يعاقب بالإعدام مؤلفي وناشري وبائعي الخط التي تهاجم الديانة أوتزعج الدولة، وزج بعدد من الكتاب في السجن، ولم يعدم أحد ولكن دالمبير المرهف الحس تولاه الفزع بشكل واضح، وبتر علاقته بالموسوعة نفوراً من الهياج والصخب (1 يناير 1758). وفقد بعض الوقت قدرته على رؤية الأمور في أوضاعها السليمة، واتهم مدام بمبادور بمحاباة "أعداء الفلاسفة" وتأييدهم، وطلب إلى ماليرب حتى يكبح جماح زعيمهم فريرون. وألح عليه فولتير في عدم الاستنطقة، فأجاب دالمبير في 20 يناير "أنت لا تدرك الوضع الذي نحن عليه، وصورة غضب السلطات علينا... أنا أشك في مواصلة ديدروالعمل بدوني... فإذا عمل هذا فإنه يمهد السبيل لسلسلة من المحاكمات والبلايا لمدة عشر سنوات"(43) وكان رعبه قد ازداد في السبعة أوالثمانية أيام التالية "إذا كان الأعداء ينشرون مثل هذه الأمور اليوم بإذن صريح من قبل هذه المراجع المسئولة، فلن يقف الأمر عند هذا الحد، بل إذا هذا يعني إثارة الهياج ضد المجلد السابع، وإلقاءنا في أتون المحرقة بالنسبة للمجلد الثامن"(43) وأذعن فولتير لرأي دالمبير، ونصح ديدروبالتخلي عن الموسوعة، حيث أنه إذا أستمر العمل فيها بأية حال، فستكون خاضعة لرقابة تقضي على قيمة العمل باعتباره أداة للحد من سيطرة الكنيسة على الأذهان في فرنسا(44) وأبى ترجوومارمونتيل وديكلوس وموريللي حتى يخطوا أية منطقات أخرى، وفترت همة ديدرونفسه لفترة من الزمن، وخط يقول "لا يكاد يمر يوم إلا وتحدثني نفسي بالذهاب إلى مسقط رأسي في شمبانيا لأعيش منزوياً في هدوء"(45) ولكنه لن يلقي سلاحه ولن يستسلم. وفي فبراير 1758 خط إلى فولتير "أن التخلي عن العمل معناه حتى ننقض العهد ونتكص على أعقابنا ونعمل ما يريده منا هؤلاء الأوغاد الذين يضطهدوننا. آه لوفهمت كم ابتهجوا وفرحوا عندما فهموا باعتزال دالمبير العمل، وكم من مناورات قاموا بها للحيلولة دون رجوعه إليه!

وفي اجتماع أساقفة فرنسا 1758 قدموا إلى الملك منحة اختبارية كبيرة بشكل غير عادي، وتقدموا إليه براتى إلغاء "الترخيص الضمني" الذي يجيز نشر الموسوعة في فرنسا. وفي 1768 شرع أبراهام دي شوميكس في إصدار سلسلة من النشرات تحت عنوان "أحكام شرعية ضد الموسوعة" وأثار نشر كتاب هلفشيوس "أسس الروح" (27 يوليو1758) مزيداً من الاحتجاجات، وتورطت الموسوعة في هذه العاصفة حيث انتشرت الشائعات القوية بأن ديدروتربطه بهلفشيوس علاقات وثيقة. وزاد الطين بلة حتى روسوالذي كان يخط للموسوعة منطقات في الموسيقى، رفض حتى يسهم في التحرير الآن. وروجت رسالته إلى دالمبير عن العروض المسرحية نبأ انشقاقه على الفلاسفة. وبدأ حتى معسكر الموسوعيين قد تمزق. وفي 23 يناير 1759 حذر وكيل الملك أمير دي فليري برلمان باريس من حتى هناك مشروعاً أعد وجماعة تكونت لنشر الممضى المادي، والقضاء على الدين ونشر روح الاستقلال، والعمل على إفساد الأخلاق(46) وأخيراً فيثمانية مارس، صدر من مجلس الدولة أمر بتحريم الموسوعة تحريماً تاماً، فلا يطبع أي مجلد جديد، ويمنع بيع أوتداول المجلدات الموجودة. وأوضح القرار حتى الفوائد التي تجنى من هذا العمل من حيث تقدم الفنون والعلوم لا يمكن بحال من الأحوال حتى تعوض عن الأضرار البالغة المتعذر إصلاحها التي تنشأ بالنسبة للعقيدة الدينية والأخلاق(47).

ولم يتهدد هذا المرسوم سلامة أشخاص الفلاسفة فحسب، بل تهدد كذلك قدرة الناشرين على الوفاء بديونهم. وكان كثير من المشهجرين قد دفعوا قيمة اشتراكهم في المجلدات التالية، فكيف يتيسر رد ما دفع مقدماً،يا ترى؟ فمعظم هذه الأموال أنفق على المجلدات السبعة الأولى، وعلى الإعداد لإخراج المجلد الثامن الذي كان معداً للتوزيع حيث صدر المرسوم الملكي. وحرض ديدروالناشرين على ألا يستسلموا، لعل هذا المرسوم يجري أيضاً تعديله أوالعدول عنه في الوقت المناسب، وإلا طبعت المجلدات الباقية في الخارج.

وبناء على طلب الناشرين لزم ديدروداره وواصل العمل في المجلد التاسع. وفي الوقت نفسه بذل مالشرب وآخرون غيره أقصى الجهد في تسكين غضب الحكومة.

وهنا-في صيف 1759 ظهرت في باريس نشرة سرية غفل الاسم، تحت عنوان "مذكرة إلى فرانسوا شوميكس" وهي بترة مملة عنيفة في موقف واحد، تهاجم في أقذع الإهانة والسباب، لا الحكومة والبرلمان واليسوعيين والجانسنيين وحدهم، بل هاجمت المسيح وأمه كذلك. ونطق ديدرو"إن العمل منسوب إلينا بما يشبه الإجماع"(48). وقصد إلى مالشرب وإلى مدير الشرطة وإلى المحامي العام للبرلمان وأقسم أنه لا علاقة له بتفجير الإلحاد في الشوارع على هذا النحو، وصدقه أصدقاؤه، ولكنهم نصحوه بمغادرة باريس فأبى الهروب، محتجاً فإن في الهروب اعترافاً بالذنب. وحذره مالشرب من حتى الشرطة ستهاجم منزله وتصادر أوراقه، ومن ثم ينبغي إخفاؤها. فتساءل الثائر الحائر المنزعج "ولكن أين أخفيها؟" وكيف يتسنى له في ساعات قلائل حتى يوفق إلى مكان يخفي فيه جميع هذه المادة التي جمعها،يا ترى؟ فنطق مالشرب "أوفدها إلي أنا، لن يأتي أحد ليفتش عنها هنا"(49). وفي الوقت نفسه عثر رجال الشرطة على طابعي النشرة المخزية، وانتهوا إلى حتى ديدرولم يكن له صلة بها، لم يصدر أمر بمصادرة أوراقه، وتنفس الصعداء ولكنه أشرف على الإصابة بانهيار عصبي، وصحبه صديقه الغني دي هولباخ لتمضية عطلة في بعض الأماكن القريبة من باريس. وخط ديدرو"حملت معي إلى جميع مكان قصدناه خطى مضطربة متعثرة ونفساً مكتئبة"(50).

وعاد ديدروإلى باريس، وسقط مع الناشرين عقداً جديداً لإعداد تسعة مجلدات إضافية من الموسوعة لقاء مبلغ 25 ألف جنيه. وعرض دالمبير حتى يستأنف مسئوليته عن منطقات الرياضيات، ووجه ديدروإليه اللوم على تخليه عن العمل في وقت المحنة حين حمل عليه العدو، ولكنه قبل إسهامه في الموسوعة، وكذلك انضم إليهم فولتير. وكان ديدرويأمل حتى يكمل المجلد السابع عشر والأخير في 1760. ولكنه في سبتمبر 1761. خط يقول "انتهت المراجعة المزعجة، حيث قضيت فيها خمسة وعشرين يوماً متصلة بمعدل عشر ساعات في اليوم"(51) وظل لعشرة أيام أخر حبيساً في داره لمراجعة اللوحات والرسوم. وتم طبع المجلدات من الثامن إلى السابع عشر في تعاقب سريع في باريس، ولكنها موسومة بعلامة تشعر بأنها نشرت في نيوشاتل، وتغاضى سارتين مدير عام الشرطة الجديد عن هذه الخدعة أوالتضليل(52) ومهد الطريق لهذا طرد اليسوعيين من باريس 1762 وفي سبتمبر 1762 عرضت كثرين قيصرة روسيا استكمال الموسوعة تحت حماية الحكومة في سان پطرسبورگ، واتى مثل هذا العرض من فردريك الأكبر عن طريق فولتير. وربما استحثت هذه الاقتراحات الرجال الرسميين في فرنسا على إجازة الطبع في باريس. وظهر المجلد الأخير من النصوص في 1765، وأضيف أحد عشر مجلداً للوحات والرسوم فيما بين عامي 1765و1772 وصدر ملحق من خمسة مجلدات، مجلدان لفهرس الموسوعة فيما بين عامي 1776-1780 وطلب إلى ديدروتحريرها ولكنه كان منهوكاً مرهقاً فرفض، فإن أبرز مشروع نشر في هذا القرن استنزف قواه، ولكنه خلد ذكره بالقدر الذي تسمح به تقلبات المدنية.


الموسوعة، إنسيكلوپدي

إن جميع محتويات الموسوعة تقريباً نسختها الثورة الفكرية التي ساعدت على إذكاء نارها، ولكنها تسترعي انتباهنا لمجرد أنها أحداث في تاريخ الأفكار، وأسلحة أستخدمها الفلاسفة في صراعهم مع المسيحية الوحيدة التي عهدوها، وقل إذا كان الهجوم مباشراً كما رأينا وكانت منطقتا "المسيح والمسيحية" وكلتاهما بقلم ديدرو، قويمتين تقليديتين في جوهرهما. وأمتدح الموضوعة الثانية أحد الرهبان الإيطاليين. وخط نفر من الكهنة منطقات للموسوعة، ومن ذلك حتى الراهب يفون خط منطقة بعنوان "الملحدون" ولم تؤيد الموسوعة الإلحاد بل الربوبية. ومهما يكن من أمر فإن المراجع المفترضة كانت في بعض الأحيان مضللة، ملحقة بمنطقة تقليدية رشيدة. وكثيراً ما أشارت إلى منطقات أخرى تثير الشكوك. من ذلك حتى الموضوعة المثالية عن "الله" أشارت إلى منطقة "البرهان" التي أوردت قواعد للبرهنة فيها تشويه للمعجزات والأساطير. وفي بعض الأحيان شرحت أقل العناصر اعتدالاً ومعقولية في العقيدة المسيحية في قبول ظاهر، ولكن بكيفية تستدعي الارتياب والجدل. ورفضت المبادئ الصينية أوالإسلامية المماثلة للنظريات المسيحية باعتبارها غير عقلانية. وارتفعت الصيحات بأن منطقة "الكهنة" غير ودية، ويحتمل حتى دي هولباخ هوالذي دبجها، لأن الفلاسفة كانوا يمقتون رجال الدين بوصفهم أعداء الفكر الحر ومشجعين على الاضطهاد وزعم المؤلف أنه إنما كان يخط عن رجال الدين الوثنيين: "إن الخرافة ضاعفت من مراسم وطقوس الشيع المتنوعة، ومن هنا شكل القائمون عليها طائفة مستقلة، وأعتقد الناس حتى هؤلاء الأشخاص مخلصون للمعبود جميع الإخلاص. ومن هنا كان للكهنة نصيب في إجلال الناس لله. وبدت المناصب العادية التي يشغلونها أدنى مستوى منهم، وأعتقد العامة أنهم مرغمون على حتى يقدموا لهؤلاء الكهنة ما يعولهم... وكأنهم ودائع ينفذون وصية الله، ووسطاء بين الآلهة والناس.

وعمد الكهنة، لكي يثبتوا سلطانهم ويؤكدوا سيطرتهم، إلى تصوير الآلهة بأنهم قساة حقودون محبون للانتقام لا يستشعرون الرحمة. وأدخلوا لمراسم والطقوس والشعائر والأسرار التي يمكن حتى تبعث فظاعتها في نفوس الناس الاكتئاب الرهيب الملائم جميع الملائمة لدنيا التعصب. ثم تدفق الدم البشري الغزير فوق المذابح. وظن الناس، وقد ملأهم الخوف بالجبن وأعمتهم الخرافة، أنه لنقد يكون أي ثمن يدفعونه غالياً في سبيل الحظوة برضا الأرباب. وأسلمت الأمهات أطفالهن الصغار دون حتى يذرفن دمعة واحدة، إلى النيران الملتهبة، وسقط آلاف الضحايا تحت سكين القربان المقدس... وكان من الميسور على الرجال الذين كانوا موضع الإجلال والاحترام إلى هذا الحد، حتى يبقوا طويلاً داخل حدود الخضوع الضروري للنظام الاجتماعي. فإن الكهنة الذين أسكرتهم السلطة كثيراً ما نازعوا الملوك حقوقهم. وأمسك التعصب والخرافة بالسيف مسلطاً على رؤوس الملوك واهتزت العروش حين رغب الملوك في كبح جماح أومعاقبة الرجال المقدسين الذين كانت مصالحهم متشابكة مع مصالح الآلهة... كان الحد من سلطانهم يعني تقويض أركان الديانة"(54).

وبصفة عامة اتخذت الحرب ضد العقيدة القديمة شكل الثناء على المعتقدات الجديدة في العلوم والفلسفة ومناهجهما. وكان الفلاسفة يحلمون بإحلال العلوم محل الدين والفلاسفة محل الكهنة على الأقل بين الطبقات المتفهمة، وحظيت العلوم بتفسيرات وشروح مسهبة، مثال ذلك حتى ستة وخمسين عموداً خصصت "للتشريح"، وتحت بند "الجيولوجيا" خطت منطقات مطولة عن المياه المعدنية والمعادن والطبقات وأنهار الجليد والاحافير والمناجم والزلازل والبراكين والأحجار الكريمة. وكان لزاماً حتى توضع الفلسفة في النظرة الجديدة إليها على أساس من العلوم تماماً. وينبغي ألا تبنى "نظماً" ويجب حتى تتجنب الميتافيزيقا ويجب ألا تتحدث بلغة الأساقفة عن منشأ العالم ومصيره، وشنت منطقة "المدرسة" هجوماً مباشراً على الفلاسفة السكولاسيين (المدرسيين) على اعتبار أنهم تخلوا عن البحث عن الفهم، واستسلموا للاهوت. وضيعوا أنفسهم، وهم آمنون في المنطق الواهي مثل خيوط العنكبوت، وسط غيوم الميتافيزيقا.

ودبج ديدروسلسلة من الموضوعات الممتازة في تاريخ الفلسفة، استندت كثيراً على كتاب جوهان جاكوب بروكر "تاريخ النقد الفلسفي" (1742-1744) ولكنها كشفت عن درس أصيل في الفكر الفرنسي، وشرحت الموضوعات التي خطت عن مدرسة إلياوأبيقور الممضى المادي. وأفرطت بعض الموضوعات في إطراء برونووهوبز. وباتت الفلسفة عند ديدروديانة. "والعقل للفيلسوف هوبمثابة البركة والنعمة الإلهية للمسيح"(55). وصاح "فلنسارع لنجعل الفلسفة شعبيه"(56). وفي منطقة "الموسوعة" خط كما يخط الرسل أوالحواريون "اليوم حين تتقدم الفلسفة إلى الأمام بخطى جبارة، وتخضع لسلطانها جميع الأمور التي تهمها، وحينقد يكون صوتها عالياً مدوياً، وتشرع في طرح نير السلطة والتنطقيد وتتمسك بقوانين العقل... "وهنا كانت العقيدة الجريئة الجديدة مع ثقة فتية شابة قليلاً ما توجد ثانية. وربما كان يفكر في حاميته الإمبراطورية في روسيا، وأضاف مثل أفلاطون" وحدوا بين حاكم (كاترين الثانية) وبين فيلسوف من هذا الطراز (ديدرو) ومن ثم تجدون ملكاً بلغ درجة الكمال(57).

وإذا حل مثل هذا الفيلسوف محل كاهن اعتراف مرشد وموجه للملك، فلا بد حتى ينصحه أول ما ينصح بإطلاق الحرية، وبخاصة حرية الكلام والصحافة "إن أحداً لم يتلق من الطبيعة حق التحكم في الآخرين"(58) وفي هذا تعريض شديد بحقوق الملك الإلهية أما بالنسبة للثورة: "إن السلطة التي يتم الاستيلاء عليها عن طريق العنف ليست إلا اغتصاباً، لا تدوم إلا بقدر تفوق قوة من سيطر على قوة من أذعنوا له. فإذا توافر لهؤلاء الآخرين قسط كبير من القوة وتخلصوا من نير من تسلط عليهم من قبل فإنهم يعملون بحكم الحق والعدل مثل ما عمل هذا الذي كان قد تحكم فيهم وفرض عليهم سلطانه من قبل. إذا نفس القانون الذي فرض السيادة هوالذي يحطمها ويبطلها، وهوقانون الأقوى،... ومن ثم فإن السلطة الحقيقية الشرعية لها بالضرورة حدود وقيود... إذا الأمير (الملك) يتلقى من رعاياه السيادة التي يمارسها عليهم. وهذه السيادة محدودة بقوانين الطبيعة وقوانين الدولة... إذا الدولة لا تتبع الأمير، بل إذا الأمير هوالذي يتبع الدولة وينتسب إليها(59).

ولم تكن الموسوعة اشتراكية ولا ديمقراطية، بل إنها قبلت الملكية، ونبذت نظرية المساواة التي شرحها روسوبقوة 1755. ودافعت منطقة جوكور "المساواة الطبيعية" عن المساواة أمام القانون، ولكنها استطردت تقول "إني استوعب تمام الإدراك ضرورة تباين الأحوال والدرجات والمقامات والطبقات والامتيازات والتبعية التي يجب حتى تسود في جميع الحكومات"(60) وأعتبر ديدروآنذاك حتى الملكية الخاصة أساس لا غنى عنه للمدنية(61) على حتى منطقة "الإنسان" على أية حال كانت لها وقفة مع الشيوعية: "إن الربح الصافي للمجتمع إذا وزع توزيعاً عادلاً بالتساوي قد يحدث مفضلاً على كسب أكبر إذا لم يوزع على قدم المساواة، ومن ثم تكون نتيجته تقسيم الشعب إلى طبقات" وعند التحدث عن الملاجئ قيل "قد يحدث السعي إلى منع الفقر والبؤس ذا قيمة أكبر من مضاعفة الملاجئ لإيواء البؤساء"(62).

إن الملك الفيلسوف قد يفحص من وقت لآخر شئون الإقطاع ويلغي الامتيازات الإقطاعية التي لم تعد تتكافأ مع خدمات السادة الإقطاعيين للفلاحين أوالدولة(63). وقد يجد بديلاً إنسانياً للعمل الإجباري، أي نظام السخرة، ويحرم تجارة الرقيق، ويضع حداً، حدثا أتسع سلطانه، للحروب بين الأسرات المتنافسة والصراعات التي يمليها الجشع، ويسعى إلى تطهير المحاكم من الفساد، ويوقف بيع الوظائف، ويخفف من وطأة قانون العقوبات وعلى الأقل يضع حداً للتعذيب القضائي. وعليه، بدلاً من العمل على استدامة الخرافة وانتشارها، حتى يبذل أقصى جهوده في حتى يدفع إلى الأمام هذا العصر المضىي الذي يمكن حتى يتحالف فيه فن الحكم وسياسة الدولة مع الفهم في حرب متصلة ضد الجهل والسقم والفقر.

وكانت الأفكار الاقتصادية في الموسوعة في جملتها هي أفكار الطبقة الوسطى التي ينتمي إليها معظم الفلاسفة. وهي على الأغلب آراء الفيزيوقراطيين التي سيطرت بزعامة كنى وميرابوالأب على النظرية الاقتصادية في فرنسا في أواسط القرن الثامن عشر. فقد ساد الاعتقاد بأن حرية العمل والمشروعات -ومن ثم التجارة الحرة والمنافسة الحرة- أمر حيوي بالنسبة للأحرار من الناس، ولذلك كانت النقابات وهي عوائق لهذه كلها، غير مرغوب فيها ولا يتقبلها أحد. وقدر لهذه الأفكار حتى تبرز على مسرح التاريخ في وزارة ترجو1774 ونبهت الموسوعة الأذهان إلى التكنولوجيا الصناعية وأولتها عناية متحمسة، وهي التكنولوجيا التي بدأت تغير وجه الاقتصاد في إنجلترا وفرنسا. وأعتقد ديدروحتى الفنون الميكانيكية يجب إكبارها والحمل من شأنها باعتبارها تطبيقاً للعلوم، والتطبيق بالتأكيد ذوقيمة كبيرة مثل النظرية تماماً. "ما هذا الحمق في قدراتنا وتقديراتنا! إننا نخص الناس على حتى يشغلوا أنفسهم بما يفيد وينفع، ثم نحتقر الرجال النافعين"(64). وكان يأمل في حتى تكون الموسوعة مستونادىً جامعاً مانعاً للتكنولوجيا حتى إذا سقطت بالفنون الميكانيكية كارثة دمرتها أمكن بناء هذه الفنون من حديث بفضل مجموعة باقية من مجلدات الموسوعة. وخط هونفسه منطقات مطولة بذل فيها جهداً كبيراً عن الصلب والزراعة والإبر والبرونز وآلة النقب والقمصان والجوارب والأحذية والخبز. وأعجب بعبقرية المخترعين وبمهارة الحرفيين. وقصد بنفسه أوأوفد مساعديه إلى المزارع والحوانيت والمصانع لدراسة العمليات والمنتجات الجديدة، وأشرف على حفر الرسوم والنقوش التي قارب عددها ألفاً والتي جعلت من مجلدات اللوحات الأحد عشر إحدى العجائب من نوعها في ذلك العصر. وكانت الحكومة فخورة بأن يضم هذه المجلدات الأحد عشر الإذن الملكي بطبعها ونشرها. وقد ضمت خمساً وخمسين لوحة عن صناعة النسيج وإحدى عشرة لوحة عن سك العملة وعشراً عن الصناعات الحربية، وخمساً عن البارود، وثلاثاً عن صناعة الدبابيس. وكانت هذه اللوحات الثلاث الأخيرة مصدراً لمنطقة آدم سميث الشهيرة عن توزيع العمل إلى "18 عملية متميزة" في إنتاج الدبوس(65). نطق ديدرو: "من أجل الحصول على هذه المعلومات كنا نقصد إلى أقدر الحرفيين في باريس وفي سائر أنحاء المملكة، وحرصنا على حتى نوجه إليهم الأسئلة ونخط ما يملون علينا. ونحصل منهم على المصطلحات المستخدمة في حرفهم. وفي لقاءات طويلة كثيرة مع مجموعة واحدة من العمال كنا نستكمل ما قد يحدث الآخرون قد شرحوه بشكل ناقص أوغامض أوأحياناً غير دقيق. وأوفدنا إلى الحوانيت حفارين ورسامين رسموا الآلات والأدوات دون حتى يحذفوا شيئاً يمكن حتى يجعلها واضحة تمام الوضوح أمام الأعين"(66).

وفي 1773، عندما طلب سلطان هجريا إلى بارون دي توت حتى يصنع المدافع لحصون الدردنيل أستخدم البارون منطقة "المدافع" في الموسوعة مرشداً دائماً يسترشد بما اتى فيها(67).

وبعد حتى فرغ ديدرومن إعداد النص كاملاً، أصيب بنكسة زلزلت كيانه وحطمت روحه، ذلك أنه وهويراجع إحدى الموضوعات أكتشف أجزاء كثيرة من أوراق التجارب التي كان قد صححها وأعتمدها حذفت أوسقطت عند الطبع. وأظهرت مراجعة بعض الموضوعات الأخرى حتى حذفاً مماثلاً جرى في المجلدات من التاسع عشر، وجرى الحذف والتعديل عادة في أجزاء من الممكن أثارت مرة أخرى رجال الدين أوالبرلمان. وجرى الحذف دون اعتبار للمنطق أوالسياق في الجزء الباقي من الموضوعة. وأعترف لي بريتون بأنه عمد إلى هذه العملية الجراحية (الحذف) لينقذ الموسوعة مما قد تتعرض له من محن، وينقذ نفسه من الإفلاس. وروى جريم نتيجة هذا العمل "لقد جن جنون ديدروعند اكتشاف هذا التصرف، ولن يغيب عن ذاكرتي مطلقاً هذا الذي وقع له وظل لعدة سنين يصرخ في وجه لي بريتون "لقد كنت تخدعني بشكل مخز ودنئ... وضيعت جهود عشرين من أفاضل الرجال، الذين خصصوا جميع وقتهم وقدراتهم ومواهبهم ونشاطهم حباً في الحق وجرياً وراء الحقيقة، يحدوهم مجرد الأمل في وصول آرائهم إلى جمهور الناس، ولا يريدون منها إلا أيسر الجزاء بثمن غال... ولسوف يذكرونك منذ الآن رجلاً أقترف جريمة الخيانة، وتصرف تصرفاً وقحاً كريهاً، مما لا يقارن به أي شيء وقع في هذا العالم"(68). ولم يغفر ديدرولبريتون هذه الزلة قط".

إننا لوألقينا نظرة فاحصة إلى هذا العمل، سواء من حيث تاريخه أومحتوياته: لأدركنا أنه المشروع البارز الرائع في عصر الاستنارة في فرنسا، ومنذ كان ديدروفيه رئيساً لا غنى عنه، كانت مكانته تجئ بعد فولتير وروسوفي الصورة العامة الكاملة للحياة الفكرية في فرنسا في القرن الثامن عشر. وكانت مثابرته على تحرير الموسوعة عملية متشعبة الأطراف مضنية. إنه أثبت المراجع المتعارضة وصحح الأخطاء وقرأ تجارب الطبع، وطاف بأراتى باريس يبحث عن الكتاب ويستحثهم. ودبج بقلمه مئات الموضوعات في حالة عدم العثور على الكتاب أوعجزهم عن الكتابة. وكان المرجع الأخير إذا قصر الآخرون، ومن ثم نجده يخط في الفلسفة والفن والمسيحية، والأصلة العاصرة (نوع من الحيات الضخمة الماحقة) والجمال وأوراق اللعب ومصانع الجعة والخبز المقدس. وسبقت منطقته عن "التعصب أوعدم التسامح" رسالة فولتير في نفس الموضوع، وربما أوحت ببعض الأفكار الواردة فيها. وزخر الكثير من منطقاته بالأخطاء، وكان بعضها عدائياً غير منصف بشكل مشوش، مثال ذلك منطقته عن اليسوعيين، ولكنه كان في عجلة من الأمر، على حذر يستعد للنضال، كما كانوا يطاردونه، وكان يحارب بكل سلاح في متناول يده.

أما وقد خفت حدة المعركة، ففي مقدورنا حتى نتبين مواطن الضعف في الموسوعة. ففيها ألف خطأ في إيراد الحقائق، وفيها تكرارات طائشة غير مدروسة وحذف فاضح، وكان فيها انتحالات جوهرية، كما أوضح الباحثون اليسوعيون "وكانت بعض الموضوعات" لوحة من المسروقات أوالاقتباسات(69). وفي ثلاثة أعداد من صحيفة تريفوأورد برتييه، استناد إلى مراجع دقيقة ومقتبسات متطابقة أكثر من مائة من الانتحالات في المجلد الأول وكان معظم هذه المسروقات مختصراً غير ذي أهمية، ولكن بعضها امتد إلى ثلاثة أوأربعة أعمدة منقولة بالحرف الواحد.

وكان في الموسوعة شوائب فكرية خطيرة. ومن ذلك أنه كان لدى المؤلفين فكرة بالغة السذاجة عن الطبيعة البشرية، وتقدير متفائل إلى حد بعيد لأمانة العقل وإدراك غامض غاية الغموض لضعف هذا العقل وهشاشته أوسهولة إنقياده، ونظرة عامة متفائلة أكثر مما ينبغي إلى كيفية استخدام الناس للفهم التي يزودهم بها الفهم. إذا الفلاسفة بصفة عامة وديدروبصفة خاصة، كانت تعوزهم الحاسة التاريخية. إنهم قليلاً ما توقفوا ليبحثوا كيف من الممكن أن نشأت ونهضت تلك المعتقدات التي حاربوها، وأية حاجات بشرية، لا ابتداعات كهنوتية أنتجتها وهيأت لها الدوام. وعميت أبصارهم تماماً عن إسهام الديانة الضخم في النظام الاجتماعي وفي الأخلاق وفي الموسيقى والفنون، وفي تخفيف الفقر والشقاء. إذا تحاملهم على الدين شديداً إلى حد أنهم لا يستطيعون مطلقاً إنادىء النزاهة أوعدم التحيز الذي ينبغي حتى نعتبره الآن عنصراً أساسياً في الموسوعة الجيدة. وعلى الرغم من حتى بعض اليسوعيين مثل برتييه، كانوا في الغالب منصفين في نقدهم للموسوعة، فإن معظم نقادنا كانوا متحيزين مثل الفلاسفة.

وأحس ديدروإحساساً قوياً بالأخطاء الحقيقية العملية في الموسوعة فخط في 1755: إذا الطبعة الأولى من الموسوعة لا يمكن إلا حتى تكون جمعاً وتصنيفاً مشوهين ناقصين(70)، وتسقط حتى تحل محلها وشيكاً طبعة أخرى مصححة. وحتى مع هذا شق هذا الإنتاج الضخم طريقه إلى الأوساط الفكرية في القارة. وأعيد طبع المجلدات الثمانية والعشرين ثلاث مرات في سويسرا، ومرتين في إيطاليا، ومرة في ألمانيا، ومرة في روسيا، وعادت الطبعات المنتحلة إلى فرنسا لتنشر تأثير الأفكار المهربة. وبلغ عدد الطبعات ثلاثاً وأربعين طبعة على مدى خمسة وعشرين عاماً -وهورقم قياسي لمثل هذه المجموعة الغالية الثمن. وكان أفراد الأسرة يجتمعون في المساء ليقرءوا الموسوعة وتألفت مجموعات متلهفة على دراستها. وأشار توماس جفرسون على جيمس ماديون بشرائها.

والآن وقد ظهر إنجيل العقل ضد الأساطير، وإنجيل الفهم ضد العقيدة والتعاليم الدينية، وإنجيل التقدم عن طريق التعليم ضد التأمل أوالتفكير القديم في الموت، فكأنما هبت كلها على أوربا مثل ريح محملة بلقاح جديد، تبدد جميع التنطقيد وتنير الفكر وتوقظه، وتدعوآخر الأمر إلى الثورة. إذا الموسوعة كانت ثورة قبل "الثورة الفرنسية"

أعماله الأخرى

تمثال لدني ديدروفي باريس

صحبته

من الكتاب والفلاسفة

  • ملكيور جريم
  • جان جاك روسو
  • جان دالمبير
  • فولتير
  • كوندياك

من الفنانين

  • إتيان موريس فالكونيه
  • شارل فن لو

عائلته

  • زوجته، أن-توانت شامبيون
  • ابنته، ماري-أنجليك
  • أبوه، ديدييه
  • أخوه، ديدييه-بيير

علاقاته خارج الزواج

  • صوفي ڤولان
  • مادلين دي پويسيو
  • مدام دي مو

العالم السياسي

  • جاليتزين
  • كاثرين الثانية من روسيا

آخرون

گالياني، دولباك،

انظر أيضاً

  • إسهامات للنظرية الليبرالية
  • دائرة معارف
  • إنسيكلوبيديون
  • ليبرالية
  • جامعة باريس 7: دني ديدرو
  • لا دينية

خط

  • Essai sur le mérite et la vertu, written by Shaftesbury French translation and annotation by Diderot (1745)
  • Pensées philosophiques, essay (1746)
  • La promenade du sceptique (1747)
  • Les bijoux indiscrets, novel (1748)
  • Lettre sur les aveugles à l'usage de ceux qui voient (1749)
  • L'Encyclopédie, (1750-1765)
  • Lettre sur les sourds et muets (1751)
  • Pensées sur l'interprétation de la nature, essai (1751)
  • Le fils naturel (1757)
  • Entretiens sur le Fils naturel (1757)
  • Discours sur la poesie dramatique (1758)
  • Salons, critique d'art (1759-1781)
  • La Religieuse, Roman (1760)
  • Le neveu de Rameau, dialogue (1761?)
  • Lettre sur le commerce de la librairie (1763)
  • Mystification ou l’histoire des portraits (1768)
  • Entretien entre D'Alembert et Diderot (1769)
  • Le rêve de D'Alembert, dialogue (1769)
  • Suite de l'entretien entre D'Alembert et Diderot (1769)
  • Paradoxe sur le comédien (1769?)
  • Apologie de l'abbé Galiani (1770)
  • Principes philosophiques sur la matière et le mouvement, essai (1770)
  • Entretien d'un père avec ses enfants (1771)
  • Jacques le fataliste et son maître, novel (1771-1778)
  • Supplément au voyage de Bougainville (1772)
  • Histoire philosophique et politique des deux Indes, in collaboration with Raynal (1772-1781)
  • Voyage en Hollande (1773)
  • Éléments de physiologie (1773-1774)
  • Réfutation d'Helvétius (1774)
  • Observations sur le Nakaz (1774)
  • Essai sur les règnes de Claude et de Néron (1778)
  • Lettre apologétique de l'abbé Raynal à Monsieur Grimm (1781)
  • Aux insurgents d'Amérique (1782)
  • Salons

المراجع

  • ول ديورانت: سيرة الحضارة
  • Furbank, P. N. Diderot: A Critical Biography. New York: A. A. Knopf, 1992. ISBN 0-679-41421-5.
  • Havens, George R. The Age of Ideas. New York: Holt, 1955. ISBN 0-89197-651-5.
  • Simon, Julia. Mass Enlightenment. Albany: State University of New York Press, 1995. ISBN 0-7914-2638-6.
  • Hoyt, Nellie and Cassirer, Thomas.Encyclopedia, Selections:Diderot, D'Alembert, and a Society of Men of Letters. New York: Bobbs-Merrill Company, Inc, 1965. LCCN 65-26535. ISBN 0-672-60479-5

هامش


وصلات خارجية

  • إيلاف: ديــدروأول من قدّم دائرة معارف!
  • أعمال من Denis Diderot في مشروع گوتنبرگ
  • Diderot's listing at the Bibliotheque Nationale de France (in French)
  • The Project Gutenberg eBook of Diderot by John Morley
  • Short biography
  • Denis Diderot Bibliography
  • Le Neveu de Rameau - Diderot et Goethe


تاريخ النشر: 2020-06-09 13:41:10
التصنيفات: دني ديدرو, مواليد 1713, وفيات 1784, موسوعيون, فلاسفة التنوير, فلاسفة القرن 18, فلاسفة ملحدون, كتاب روحانيون فرنسيون, كتاب الشهوانية, نقاد فن فرنسيون, ملحدون فرنسيون, كتاب مقالات فرنسيون, نقاد أدبيون فرنسيون, فلاسفة فرنسيون, خريجو ليسيه لوي-لو-گران, أشخاص من شامپين-أردان, Deaths from emphysema, فرنسيون, روائيون فرنسيون, موسوعيون فرنسيون

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الافتاء: الجمعة أول أيام شهر جمادى الأولى لعام 1444 هجريا

المصدر: صوت الأمة - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:20:19
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 64%

وزيرة خارجية بوركينافاسو في فاس تطلب دعم المغرب لبلادها

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:30
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 80%

الاستثمار في البشر وقفزة نحو المستقبل في ثاني أيام قمة «فينجر برنت»

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 53%

في غياب تونس والجزائر..رؤساء جيوش “5 زائد 5 ” يجتمعون في المغرب

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:40
مستوى الصحة: 67% الأهمية: 71%

مختار جمعة: إيرادات الأوقاف بلغت 2 مليار جنيه في العام المالي 2021-2022

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:28
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 66%

الرئيس الجيبوتي يستقبل بنسعيد حاملا رسالة من الملك

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:20:09
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 66%

تعليم القاهرة تعلن جدول امتحانات شهر نوفمبر لطلاب صفوف النقل | صور

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:29
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

بنسعيد يحمل رسالة من الملك محمد السادس إلى رئيس جيبوتي

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:38
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 70%

بوريطة يجدد التأكيد على موقف المغرب الواضح والداعم للشرعية في اليمن

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:20:08
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

السفير المصري يبحث مجالات التعاون أمنيًا مع وزير الداخلية الصربي

المصدر: بوابة أخبار اليوم - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:26
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 51%

الجمعة المقبل أول أيام شهر جمادى الأولى لعام 1444 - أخبار مصر

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:20:09
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 59%

اليابان تصعق ألمانيا بهدفين متأخرين

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2022-11-23 18:19:34
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 84%

تحميل تطبيق المنصة العربية