المونتيرة هبة عثمان: حبي للسينما دفعني إلى دراسة المونتاج للتعرف على تفاصيل العالم الساحر عن قرب (حوار)

داخل غرفة مظلمة، وبصحبة جهاز ضخم به عدد من الأقراص الدوارة، كل واحدة منهم يحمل عنصر هام من حوار، صوت، وأحيانًا موسيقى، يقوم المحرر باستلامهم جميعًا، الصورة أمامه والصوت بين أيديه، يمزج الصورة بالصوت، ويزين الحركة بالموسيقى، وبعد ساعات طويلة من العمل الشاق والممتع، يخرج إلينا الفيلم الذي نشاهده في دور السينما، إنها آلة "المفيولا"، ومن المفيولا إلى الأجهزة الحديثة رحلة طويلة من الإبداع بطلها هو المونتير السينمائي.

"المونتير هو آخر راوي لقصة الفيلم".. تقول هبة عثمان، مونتيرة، في حوارها لـ"الدستور"، إنها تؤمن دائمًا أن السينارست هو أول مونتير للفيلم، والمونتير هو الراوي الأخير للقصة بأكملها، وأن كليهما يكمل بعضه البعض، لذلك لابد أن يكون المونتير مولع بالسينما من البداية، ومطلع بشكل كبير على كتب الدراما، ومشاهد لها أيضًا، حتى يحدث التحول من شخص قادر على استخدام جهاز به عدد من التفاصيل المعروفة، إلى فنان يشارك في خروج قصة جديدة للنور، وإلى نص الحوار..

المفيولا

في البداية.. أخبرينا أيهما سبق الآخر إلى قلبك.. حب المونتاج أم السينما؟

كان أبي يأخذنا لمشاهدة فيلم في السينما في كل يوم خميس، وكان هذا هو اليوم الأهم على الإطلاق، كنت أتابع باهتمام بالغ الأحداث، واتصديت الأخطاء وأنا غير مدركة أنني أقوم بفعل جيد، فلم أكن أكتفي بالمشاهدة فقط، وكان يخيل إلي أن الدخان المنبعث من سجائر المتفرجين –فقد كان تدخين السجائر جائز في السينمات وقتها- والمستقر أعلى الشاشة، هو من يخرج إلينا هذه الصورة، فأنا من البداية وأنا مولعة بالسينما، والتواجد داخل غرفة مظلمة كغرفة السينما شيء أعتدت عليه، بل ومحبب إلى قلبي.

 

إذًا لماذا اختارتي العمل في مجال المونتاج تحديدًا؟

في ثمانينيات القرن الماضي، وأثناء عرض فوازير شريهان، كنت دائمًا أتسائل وأنا طفلة وقتها، كيف لها أن ترتدي هذه الملابس وفجأة تبدلها، والإجابة على هذا السؤال كانت بوابتي للدخول إلى عالم المونتاج.

 

وماذا عن موقف الأهل من دخولك إلى معهد السينما ودراسة المونتاج؟

شجعوني جدًا.. وفخورين بذلك، بل على العكس أكثر ما يزعجهم هو عدم معرفة الناس بطبيعة عملي مما يدفعهم إلى السؤال التقليدي "هي بتشتغل في السينما أمال مش بتطلع في التلفزيون ليه؟".

 

إذًا هل يعتبر عدم ظهوركم في الإعلام والعمل خلف الكواليس أمر مزعج بشكل عام؟

على العكس تمامًا، أنا ممتنة جدًا لكوننا نعمل في السينما من خلف الكواليس، يهمني أن أكون معروفة في محيطي، ويهمني أن يعرف العالم ما هو المونتاج، لكن شخصي، فأنا أفضل أن أتجول بأريحية من غير أن يتصيد أحد أخطائي وحركتي، إنه الأمر الذي أشفق على النجوم فيه، فهذا أمر ليس سهلًا على الإطلاق.

هبة عثمان مع محررة الدستور

 

هل عاصرتي "المفيولا".. وما الفرق بينها وبين أجهزة المونتاج الحديثة؟

لم يحالفني الحظ بالبقاء معاها طويلًا ولذلك لا يمكني تزعم الدفاع عنها، فقط مشروع تخرجي أجريته عليها، ولكني في النهاية أنا فخورة بأن لدي هذه الخبرة، وبالطبع التطور شيء رائع، ربما يؤخذ عليه قدرة الكثيرين على استخدام الأجهزة الحديثة ومن ثم وجود أعداد كبيرة لا تعرف عن السينما إلا كيفيفة استخدام "الزراير"، أما وقت المفيولا فكان الأمر محكم أكثر، وكان مجزي ماديًا أكثر من الآن طبعًا.

المفيولا

ماهو تقييمك للفترة التي حدث فيها التحول من استخدام المفيولا إلى الأجهزة الحديثة؟

إنها فترة صعبة للغاية، ليس فقط في محاولة هذا الجهاز الحديث، وإنما في إقناع الأساتذة الكبار بضرورة التحول من استخدام المفيولا إلى الأجهزة الحديثة، وأنا اعتبر أن جيل الوسط بما فيه من أساتذة كبار أمثال منى ربيع، هم من حملو لواء هذه المرحلة عن طريق إقناع الجيل الأكبر بضرورة التخلي عن الطريقة القديمة، والتعاون مع الجيل الأصغر لتجاوز هذه المرحلة، قبل دخول الشركات التي استخدمت الأجهزة إلى السوق.

 

هل هناك فرق عام في تفاصيل المونتاج الذي يقدمه الرجل ويختلف عن المرأة؟

الجميع متمكن من أدواته، والرجال من أبناء المهنة لديهم مهارات كبيرة في فن المونتاج، لكني أرى أن المرأة دائمًا ما يكون لها الذوق الخاص، واللمسة الساحرة، التي تميزها دائمًا، وتجعل لها خصوصية خاصة تجعلها الأفضل على الساحة، هذا من وجهة نظري.

 

ومن منهن تحديدًا تعجبك طريقتها في المونتاج؟

نادية شكري، أنا من مدرسة المونتيرة نادية شكري، أحب طريقتها في المونتاج، على الرغم أني أحب رشيدة عبدالسلام كثيرًا، وكذلك منى ربيع فقد تتلمذت على أيديها ومع الكثيرين من أبناء جيلها رجال ونساء، ولكني أفضل اللون الذي تقدمه شكري، واعتبر نفسي واحدة من أبناء مدرستها في المونتاج.

نادية شكري

في رأيك.. إلى أي مدى يجب أن تصل علاقة المخرج بالمونتير؟

"المونتير هو أول واحد المخرج بيقلع قدامه هدومه".. كانت هذه هي مقولة الأستاذ يسري نصر الله، تقول هبة، وتدلل من خلالها على الخصوصية الشديدة التي تكون في العلاقة بين المونتير والمخرج، إنه أول شخص يشاهد العمل بشكل كامل، هو أيضًا أول من يطمئن المخرج بأن العمل جيد، أو يلقي في قلبه الرعب، كما أن المخرج يقوم بتصوير الفيلم بحد أقصى شهر أو شهر ونصف الشهر، ويبقى مع المونتير مدة أطول قد تصل إلى شهرين ونصف الشهر، لذلك يجب أن يكون هناك نوع من أنواع الصداقة، حتى لا تتحول الخلافات من مجرد نقاش لمصلحة الفيلم إلى خناقة.

 

إذًا ماذا عن علاقتك بالمخرجين الذين قدمتي أعمال معهم؟

جميع أصدقائي، بداية من هالة لطفي، مخرجة الخروج للنهار، أول أعمالي، وحتى أمير رمسيس، مخرج، حظر تجول، بالإضافة إلى أمجد أبو العلا، مخرج فيلم ستموت في العشرين، وأنا اتمنى أن يكون لي المخرجين الذين أعمل معهم باستمرار، كما كانت المونتيرة الكبيرة رشيدة عبدالسلام، فأنا أسعد كثيرًا عندما استمع إلى علاقتها مع المخرجين الذي قامت بالعمل معهم، وتحديدًا يوسف شاهين.

رشيدة عبدالسلام

وماذا عن علاقتك بالأعمال التي قمتي بدور المونتير فيها؟

علاقتي بالعمل الفني تبدأ من اللحظات الأولى للتصوير، ويمكن من قبلها، ففي فيلم "ستموت في العشرين" مثلًا، السيناريو كان بصحبتي منذ المسودة الثالثة، في عام 2016، حتى قمت بمونتاج للفيلم وهو في المسودة الحادية عشر في أوائل عام 2019، فهذا الفيلم تحديدًا استطيع أن أسرد الحوار الخاص به من فرط اهتمامي به ومعرفتي الشديدة بالتفاصيل.

 

إلى أي مدى يمكن أن يتدخل المونتير في تفاصيل سرد قصة الفيلم؟

رأينا في النهاية استشاري والمخرج يمكن أن يأخذه في عين الاعتبار أ لا، في مشهد الزار الخاص بفيلم ستموت في العشرين، لم يتمكن المخرج من الحصول على جوانب كثيرة من التصوير نظرًا لصعوبة المشهد نفسيًا على جميع العاملين به، حتى أن البطلة وقعت مغشي عليها في آخر المشهد فعلًا، هي وممثلة أخرى.

اقترحت على المخرج، استخدام تقنية القفز بالتقطيع في المشهد، وأخذت لقطة واسعة وبعدها لقطة أقصر قليلًا حتى وصلنا إلى لحظة وقوع البطلة، فقمت بتقطيع اللقطة عدت مرات كي أساعدها في الإنهيار، ليضم المشهد أكثر من 40 قطع، وبعد أن شاهد أبو العلا المقطع أعجبه وتم اعتماده.

وماذا عن فيلمك "خارج الخدمة" صاحب جائزة جمعية الفيلم؟

هذا الفيلم كان تحدي، مع كل من اعتقد في قرارة نفسه أنني لن استطيع القيام بمونتاج إلا الأفلام صاحب الرتم الهادئ، ولكني أثبت من خلاله أن المونتير الجيد يستطيع القيام بمونتاج أي فيلم مهما كان توجهه، وإن كنت أفضل دائمًا العمل في الأفلام الروائية، رغم حبي الشديد للدراما ولكني لا أفضل العمل إلا من خلال الأفلام الروائية.

 

في القصة ذاتها من يمكن أن نقول عنه بطلها "الصورة، الحركة، الحوار"؟

يوسف شاهين وشادي عبدالسلام، مخرجين كبار، وهما من المدرسة التي تفضل الاهتمام بالصورة في أحيان كثيرة، ولكني أفضل الاسكربت الذي يضم حوار ناضج، يجذب انتباه المشاهد طوال الوقت، أما العوامل الأخرى فتكون عوامل مساعدة، ولا ينبغي لها أن تاخذ المشهد على حساب الحوار، من أجل الحفاظ على إيقاع الفيلم.

 

هل توجد علاقة بين الممثل والمونتير أم يظل التعامل مع المخرج فقط؟

الممثل هو  أداتي الأولى، استطيع من خلال نظرات عينيه أن أعرف متى يمكن أن أقطع المشهد، ومتى يجب أن استمر، فنحن وإن كنا لا نلتقي وجهًا لوجه، فعلامات وجهه هي من تحركني وتصنع قراراتي.

 

وأخيرًا.. هل لا يزال تعلم السينما حكرًا على أبناء المعهد؟

بعد انتشار التكنولوجيا، أصبح في استطاعة الجميع الوصول إلى منصات التعلم المختلفة، وكذلك القدرة على صنع أفلام من خلال الموبايل، والقيام بعمل مونتاج لها أيضًا، صحيح أن هذه الأعمال لن تكون صالحة للمشاهدة في السينما مثلًا، لكنها في النهاية تفتح الباب أمام الشباب الموهوب فعلًا إلى الدخول نحو سوق العمل، واكتشاف مواهبه التي ربما لم يتمكن من اكتشافها لولا وجود التكنولوجيا.

تاريخ الخبر: 2021-12-31 23:27:44
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 68%

آخر الأخبار حول العالم

سلطات الجزائر تمنع منتخب الجمباز من المشاركة ببطولة مقامة في المغرب

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:10:09
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 54%

“البلوكاج” يؤجل انتخاب اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:09:15
مستوى الصحة: 72% الأهمية: 83%

اتحاد العاصمة ينحسب من مباراة إياب كأس الكونفدرالية أمام نهضة بركان

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:10:06
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 70%

ماذا قال مدرب اتحاد العاصمة الجزائري عن مواجهة نهضة بركان؟

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:09:12
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 84%

اسطيفي: موهبة بناني تستحق الإهتمام وليس إرهابها واضطهادها

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:10:04
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

الاستقلال يؤجل الحسم في لائحة أعضاء لجنته التنفيذية

المصدر: تيل كيل عربي - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 21:10:10
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية