الدار/ افتتاحية
الحرص الشديد الذي يظهره رئيس الحكومة عزيز أخنوش في متابعة ملف الحملة الوطنية للتلقيح وضرورة استكمالها وتلقّي كافة فئات المواطنين للجرعات التعزيزية جزء من الوعي الشديد للحكومة ولأجهزة الدولة بأن المغرب لم يعد أمامه مجال للعودة إلى الوراء وتحمّل القيود وترف إغلاق الحدود. هذا الإلحاح والإصرار الذي يظهره عزيز أخنوش وهو يخاطب كافة الفرقاء سواء من النقابات أو الباطرونا أو الأحزاب السياسية أو عموم المواطنين رسالة سياسية في حد ذاتها تؤكد أن الموضوع غاية في الأهمية بالنسبة لحاضر ومستقبل المغرب. لقد تم اتخاذ قرار فتح الحدود الذي بدأ تنفيذه قبل ثلاثة أيام وقد تابعنا الدينامية التي خلقها هذا القرار في المطارات وما يرتبط بها من نقل وإيواء وغيرها من القطاعات السياحية على الخصوص منذ اليوم الأول.
ولأن الحكومة تعلم جيدا أهمية عودة الأنشطة الاقتصادية كلها إلى سابق عهدها ورفع كل الإجراءات والقيود المفروضة فإنها تصر على مسألة استكمال الحملة الوطنية للتلقيح لبلوغ المناعة الجماعية المأمولة عند سقف تلقيح 80 في المائة من المواطنين. لقد وصلت بلادنا إلى عتبة تلقيح 65 في المائة من المواطنين، وقد أظهرت الموجة الأخيرة التي ضربت بلادنا بسبب متحور أوميكرون أننا لا نزال في حاجة إلى المزيد من الجرعات التعزيزية للمواطنين حتى تنتهي هذه المعاناة التي نرصدها مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات وبالتالي الاضطرار للعودة إلى الإغلاق مجددا.
ومن هنا فإن الحديث عن اتخاذ إجراءات لتحفيز الموظفين والعمال على التلقيح حتى يتمكنوا من أداء عملهم ووظيفتهم في ظروف آمنة أمر طبيعي جدا بالنظر إلى أنه تأكد أن إنعاش الاقتصاد والحياة التجارية وتحسين الدخل رهين ببيئة صحية سليمة وآمنة، وهذه البيئة الآمنة لا يمكن أن تتحقق فقط بالاكتفاء بالإجراءات الحاجزية بل لا بد من أخذ اللقاح. وهنا نتساءل بعد أن حصل أكثر من 23 مليون مواطن مغربي على اللقاح ما الذي ينتظره الآخرون الذين لا يزالون مترددين في الحصول على جرعة واحدة على الأقل؟
في البرتغال بلغت نسبة التلقيح 90 في المائة من المواطنين، ولا أحد يسمع اليوم عن توقف الحياة هناك أو موت العشرات من المواطنين بسبب الجرعات، وفي إسبانيا بلغت نسبة التلقيح أكثر من 80 في المائة، وكلنا نتابع كيف تم اتخاذ قرار بفتح كل الأنشطة وما يعيشه الاقتصاد الإسباني حاليا من انتعاش، إضافة إلى اتخاذ قرار بإنهاء إجبارية استخدام الكمامة في الهواء الطلق. في ألمانيا وفرنسا تجاوزت نسبة التلقيح أكثر من 70 في المائة من المواطنين وقد تم التخلص تقريبا من كل القيود، لكننا لا نرى مما يحدث في أوربا إلا بضعة المئات من المحتجين الذين يعارضون اللقاحات أصلا من الناحية المبدئية ولا يستفيدون من أي لقاح مهما كان نوعه. هل يعارض المترددون عن أخذ جرعة لقاح فيروس كورونا في المغرب إعطاء لقاح شلل الأطفال أو الكزاز أو السعال الديكي لأبنائهم وبناتهم؟
هناك إذن حاجة إلى وعي جديد يواكب الجهود التي تبذلها الحكومة والدولة من أجل إنهاء شبح الجائحة والحسم تماما مع هذه الصفحة السوداء من تاريخنا وتاريخ الإنسانية. ولهذا فإن عموم المواطنين أضحوا مدعوين أكثر من أي وقت مضى للإقبال على حملة التلقيح والمساهمة في المجهود الوطني للتصدي للجائحة عبر بلوغ الغاية الأساسية المتمثلة في تحقيق المناعة الجماعية. ولعلّ المدخل الأساسي لهذه التعبئة المطلوبة هو تجاوز الخطابات التضليلية التي لا تزال للأسف تضغط على وعي المواطن على الرغم من تراجعها تماما حتى في البلدان الغربية التي نشأت فيها. يجب أن يتذكر المواطن المغربي أن فرنسا وألمانيا التي تشهد بين الفينة والأخرى مسيرات ووقفات احتجاجية ضد جواز التلقيح هي نفسها البلدان التي تجاوزت فيها نسب التلقيح أكثر من ثلاثة أرباع السكان.
