يمر اليوم 211 عاماً على ذكرى مذبحة القلعة والمعروفة أيضاً باسم مذبحة المماليك، التي نفذها والي مصر محمد علي باشا وتخلص فيها من بقايا المماليك يوم 1 مارس/آذار 1811، ليتمكن من الانفراد بالسلطة على مصر والتأسيس لسنوات حكم طويلة تخلو من النزاعات الداخلية التي قد تزعزع حكمه في المستقبل.

فعندما أراد محمد علي الانفراد بحكم مصر واجهته مشكلة المماليك الذين كانوا الحكام الأصليين لمصر قبل أن يفتحها العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول وضمها إلى مظلة الحكم العثماني عام 1511، فبعد فشل محاولات الصلح التى أجراها محمد علي خوفاً من الانقلاب عليه ومساعدة الإنجليز ضده، قرر التخلص منهم.

اقرأ أيضاً: عين جالوت.. عندما حوّل قطز مجرى الهزائم الإسلامية لانتصار تاريخي على المغول

ولهذا، وجد محمد علي في الدعوة، التي وجهها الباب العالي لإرسال حملة للقضاء على حركة الوهابيين في الجزيرة العربية، الفرصة الذهبية لدعوة بقايا المماليك في مصر إلى القلعة بحجة التشاور معهم، وهناك أغلق خلفهم أبواب القلعة وأمر جنوده بإطلاق النار عليهم. وتعتبر الواقعة، التي مكنته فعلياً من فرض كامل سيطرته على مصر، بمثابة أفظع المجازر التي شهدها تاريخ مصر.

محمد علي باشا

هو محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا قوللي الألباني، الوالي العثماني على مصر، ومؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 و1848.

أما عن قصة وصوله إلى مصر، فبدأت بعد أن قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين، إذ كان نائب رئيس الكتيبة الألبانية التي كان يرأسها ابن حاكم قولة الذي لم تكد تصل كتيبته ميناء أبو قير في مصر في عام 1801، حتى قرر أن يعود إلى بلده فأصبح هو قائد الكتيبة.

اقرأ أيضاً: موقعة "ستمبالا".. عندما انتصر الأسطول المصري على اليوناني

وفي بداية فترة حكمه خاض محمد علي حرباً داخلية ضد المماليك والإنجليز، وما إن خضعت مصر له حتى خاض حروباً بالوكالة عن الدولة العثمانية ضد الوهابيين وضد المتمردين اليونانيين في المورة.

وعقب خروجه من الحرب اليونانية خالي الوفاض، قرر محمد علي التوسع باتجاه بلاد الشام، واستمر يتحرك شمالاً حتى ضمّ حلب وأضنة والإسكندرون وصولاً إلى مدينة قونية في قلب الأناضول أواخر عام 1832.

وبعد الوساطة الأوروبية والتهديدات بغزو مصر، وافق محمد علي باشا على الانسحاب من الأناضول مقابل منحه مصر وبلاد الشام وكريت، وتعيين ابنه إبراهيم والياً على جدّة.

المماليك

المماليك هم رقيق محاربون، استقدمهم الفاطميون ومن ثم الأيوبيون من وسط آسيا والقوقاز وجعلوهم حراساً لهم وقادةً لجيوش المسلمين في الفترة ما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر.

واهتم الأيوبيون اهتماماً كبيراً بالمماليك وبنوا منهم جيشاً قوياً. وبعد وفاة الصالح أيوب، آل الأمر إلى المماليك، وهيمنوا على مقاليد الحكم، وتزوجت شجر الدر أرملة الصالح أيوب بالأتابك عز الدين أيبك، فتولى أيبك عرش السلطنة المملوكية.

اقرأ أيضاً: معركة مرج دابق.. عندما انتصر العثمانيون على المماليك في حلب بسوريا

فيما تعتبر معركة عين جالوت إحدى أهم المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي بشكل عام والمملوكي بشكل خاص، فتمكن السلطان المملوكي سيف الدين قطز من التصدي للمغول وهزيمتهم عام 1260 بعد أن غزُوُا العالم الإسلامي واستباحوا عاصمة الخلافة العباسية بغداد وقتلوا الخليفة المستعصم بالله.

ولم تكن فترة حكم المماليك لمصر فترة حكم تقليدية تنتقل فيها السلطة من الأب إلى الابن أو الأخ، وإنما كان كبار أمراء المماليك يختارون أحدهم ويجلسونه على العرش.

فيما شكلت معركة مرج دابق عام 1516 نقطة تحول مهمة للغاية في مسيرة الدولة العثمانية، إذ أسهمت بشكل فعلي في القضاء على دولة المماليك وضم مصر إلى أراضي الدولة العثمانية، فضلاً عن نقل عاصمة الخلافة الإسلامية إلى إسطنبول، عاصمة الدولة العثمانية آنذاك.

"أتغدى بهم قبل أن يتعشوا بي"

في أعقاب الأوامر التي قدمت لوالي مصر محمد علي من سلطان الباب العالي بإسطنبول، والتي طلبت منه تجهيز جيش والخروج لمحاربة الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية بعد تحولها من كونها حركة دينية إلى سياسية تهدد سيطرة العثمانيين على الحجاز، قلق والي مصر من خلو مصر من قواته العسكرية التي توفر له الحماية، وبالتالي استغلال المماليك هذه الفرصة والانقلاب على حكمه.

لذلك، قرر محمد علي انتهاز الفرصة والقضاء على بقايا المماليك الذي كانوا يسببون له قلقاً دائماً، وطبق حرفياً المثل القائل "اتغدى بهم قبل أن يتعشوا بي"، فجهز حفلاً ضخماً احتفالاً بتولي ابنه أحمد طوسون باشا قيادة الجيش المتوجه إلى الحجاز، ودعا إليه رجال الدولة وأعيانها وزعماء المماليك الذين لبوا الدعوة اعتقاداً منهم أنها بادرة حسن نية من محمد علي، وحضر منهم حوالي 470 مملوكاً.

وما أن تقلد الأمير طوسون خلعة القيادة، حتى سار الجميع خلف موكبه، فيما استُدرِج المماليك إلى باب العزب، حيث أغلقت الأبواب وبدأ جنود محمد علي بإمطارهم بوابل من الرصاص حتى امتلأ فناء القلعة بالجثث، ومن نجا منهم من الرصاص، ذُبِح على أيدي الجنود. ولم ينج منهم سوى مملوك واحد يدعى "أمين بك" تمكن من الهرب إلى الشام. وبعدما ذاع الخبر، انتشرت الفوضى في البلاد لمدة ثلاثة أيام، قُتل خلالها نحو ألف من المماليك ونُهب خمسمائة بيت.

TRT عربي