حرية الإعلام والصحافة: المعركة تفرض نفسها


وحذر مما ينتظر الاعلام العمومي والخاص على حد سواء من مخاطر الانتاكسة والجر الى مربع الخضوع.
تحذير اطلقته النقابة منذ فترة واختارت ان تنبه الى مغبة ان يقع توظيف الاعلام العمومي وخاصة السمعي البصري لصالح اجندات سياسية او لمؤسسات كخطوة اولى في مسار الانتكاسة التي تنتهى باخضاع الاعلام العمومي اولا ليكون «بوق دعاية» للنظام السياسي والحكومات عوضا ان يلعب دوره وان يكون في خدمة التونسيين بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم.

لكن هذه الطلقات التحذيرية لم تجد من يصغى اليها في البلاد، قبل الخامس والعشرين من جويلية او بعده، فكل من اسمكوا بالسلطة وان اختلفت انتمائاتهم ومشاريعهم السياسية التقوا في نقطة وحيدة وهي محاولات ترويض الاعلام العمومي ليكون «اعلاما السلطة» ولسان حالها ولسان دفاعها ومروج دعايتها.
لا يختلف ممن امسك بمقاليد الحكم عن أصحابهم في هذه النقطة، والامر ذاته بعد 25 جويلية وتحديد بعد التعديلات التي اجرتها الرئاسة على راس المؤسسات الاعلامية العمومية، بتعيين متصرفيين وقتيين لإدارتها فإذ بهم يوظفون المؤسسات الإعلامية سواء الاذاعة التونسية او التلفزة الوطنية لتكون لسان دفاع

الرئيس عن مشروعه السياسي.
توجه اتبعته ادارة التلفزة التونسية بالاساس لتجعل من مؤسسة عمومية جهاز دعائيا لسياسات السلطة التنفيذية لتنسف مسار اصلاحي لازال في بدايته للانتقال من اعلام حكومي يخدم اجندة من هو في السلطة الى اعلام عمومي في خدمة التونسيين ويعبر عن اختلافهم وتنوعهم.
خيار وتوجهات تهدد بنسف ما تبقى من مكاسب الانتقال الديمقراطي والثورة في تونس، تحت ذريعة التدابير الاستثنائية والارادة الشعبية التي تتجسد في شخص واحد بات خطابه هو الخبر والحقيقة المؤكدة بما يتعارض مع اسس العمل الصحفي واخلاقياته التي تفترض ان تكون وسائل الاعلام العمومية في خدمة الجماهير وليس الأنظمة التي تبحث توظف الاعلام الجماهيري كالتلفزة والإذاعة لفرض هيمنتها وهيمنة سرديتها على الوقائع والمعطيات، لخلق «حقائق السلطة» وبهذا تقتل النقاش العام الذي يقوم على التنوع والاختلاف وليس التماهي والتجانس في المواقف والأراء.
واقع تعيشه تونس وهي في امس الحاجة الى فضاءات للنقاش العام بهدف الوصول الى توافق مشترك لكيفية الخروج من مجمل الازمات التي نعيشها كمجتمع وتعيشها اجهزة الدولة التي تتضمن كل التقارير الدولية اشارات صريحة الى انها «مهددة بالانهيار».

انهيار لا مفر منه الا بان تفتح الفضاءات العمومية للنقاش والاختلاف والحوار، وليس بالتضيق عليها وغلقها لصالح رأي طرف دون اخر مهما كانت شعبية هذا الراي ووجاهته، وهنا يبرز دور الاعلام بشقيه الخاص والعمومي، ولو كان الدور مناطا بشكل اساسي على الشق العمومي من الاعلام، وهنا ليس المجال لاستعراض اسباب لعب الاعلام العمومي لهذا الدور ولا المحاججة عليه فطوال السنوات العشرة الفارط لم تكن هناك فكرة يدافع عنها الصحفييون والاعلاميين غير ارساء اعلام عمومي في خدمة الجماهير ويعبر عنهم.

هذا الدفاع مرده ادراك الى ان الصحافة والاعلام تقومان بالاساس على «الخدمة العمومية» اي على توفير خدمة للقراء والمستمعين والمشاهدين وهي خدمة الاخبار والتفسير والشرح، وخدمة التثقيف التي لا تستقيم دون توفير مختلف الاراء والمواقف بشأن قضية او حدث. اضافة الى خدمة الترفيه.
خدمات تستوجب حد من احترام خصوصية العمل الاعلامي والصحفي وليس اصطفافا خلف تيار سياسي او سلطة، وهذا الامر كان محل دفاع ونقاشات حادة بين الصحفيين ومن هم في السلطة طوال السنوات العشرة الفارطة. وارتفاع حدة الاصوات اليوم ليس الا تحذيرا بان الوجهة التي نقصدها ليس عودة الى ما قبل 2011، وقتل الصحافة والفضاء العام وبولسته، بل الى ما هو اشد خطرا واقسى وقعا.

فمنذ 25 جويلية وملامح الانتكاسة عن مكاسب طفيفة حققت للصحافة والاعلام بارزة للعيان، سواء باعتماد سياسة التكتم واخفاء المعلومة، او مقاطعة وسائل الاعلام ورفض مخاطبة التونسيين عبرها او الاجابة عن الاسئلة التي تطرح، او عبر تسميات وتعينات يراد من خلالها اخضاعا فجا وصريحا لكل الفضاء العام لسردية وحيدة، باسم الشعب.

كل هذا يقودنا الى اعلام «بافلوفي» دعائي يقدم خدمته للحاكم وليس للشعب.

تاريخ الخبر: 2022-03-12 12:18:47
المصدر: جريدة المغرب - تونس
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية