عزيزى القارئ “، اليوم خصصت هذا المقال عن لحن من ألحان أسبوع الآلام،هذا الأسبوع الفريد في طقوسه وألحانه وقراءاته والذي ننتظره من العام إلى العام. اللحن هو مقدمة وختام الطرح. وقد يتساءل البعض: الكنيسة كمدرسة روحية، هل يوجد بها طرح وجمع كما هو متعارف عليه في المدارس التعليمية؟ والإجابة: بالطبع لا . لأن كلمة طرح هنا، ليست مصطلح رياضي.ففي اللغة العربية يقولون :طَرَحَ طرح : أي طرح عليه مسألة، أي عرضها عليه، والأطروحة هي قضية علمية يُراد إثباتها. هذا في اللغةِ العربيةِ. أما في المصطلح الكنسي فـكلمة طرح تعني تفسير، والطروحات هي شرح أو تفسير يقالبالتبادل بين فرقتين باللحن، ولهذا يقسم إلى أربعة أرباع. ويوجد لحن طويل بديع لمقدمة الطرح يقال في شهر كيهك وفي الصوم الكبير. ودائماً يأتي الطرح بعد الهوس أو الثيؤطوكية أو بعد قراءة فصل من الإنجيل، وفي بعض الأحيان النادرة يأتي بعد الإبصالية.

لكن ماذا عن طروحات أسبوع الآلام؟ الكنيسة في أسبوع الآلام في سواعي البصخات بعد قراءة الانجيل، تقرأ علينا الطرح الذي هو ملخص لفصل الانجيل. لكن أيضاً أحياناً يأتي الطرح لكي يكون شرحا مبسطاً لفصل من فصول العهد القديم التي تُقرأ في ساعة البصخة. مثل ما نجده في الساعتين الاولي والتاسعة من يوم الاثنين، والساعة الاولي من يوم الثلاثاء، والساعة السادسة من ليلة خميس العهد، والسواعي الثالثة والسادسة والتاسعة من يوم خميس العهد، والساعة الثالثة من يوم الجمعة العظيمة.

وكان في الماضي تُقال كل كلمات الطرح باللغة القبطية جملة جملة باللحن، حتى يستطيع الشعب أن يتأمله ويعيش كلماته ويستوعبها، لكن عندما ضعفت اللغة القبطية عند غالبية الشعب، إكتفت الكنيسة بأن يُقراً الطرح باللغة العربية قراءة عادية جدا، وأصبح اللحن يُفرد للمقدمة وللختام فقط.

ولكي نفهم التركيبة الخاصة بمقدمة الطرح وختامه في البصخات الصباحية والمسائية يجب أن نعرف أن للطرح ثلاثة أجزاء رئيسية:

1- مقدمة الطرح.
2- الطرح.
3- ختام الطرح.

1- مقدمة الطرح هي عبارة عن ربعين، الربع الأول ثابت لا يتغير ويقال في البصخات الصباحية والبصخات المسائية كما هو.
وكلماته سهلة : “خين إفران إنتي إترياس .. إن أوموسوس.. إفيوت نيم إبشيري.. نيم بي إبنفما إثؤواب” والتي تعني

“بإسم الثالوث .. المساوي.. الآب والإبن.. والروح القدس”.

وهذا طبيعي أن نبدأ باسم الثالوث سواء في البصخات الصباحية أو المسائية.

أما الربع الثاني من مقدمة الطرح، فهو الذي يتغير: ففي البصخة الصباحية نرتل باللحن:

“بي أو أويني إنطا إفمي” “أيها النور الحقيقي الذي يُضيء لكل إنسان آتٍ الى العالم”. وهو أمر طبيعي لاننا في صلاة باكر كل يوم طوال العام، دائما نقول “أيها النور الحقيقي الذي يضئء لكل إنسان آتٍ الى العالم”.

أما في البصخة المسائية، نتذكر التي ولدت لنا النور الحقيقي السيدة العذراءالحمامة الحسنة، لذا نرتل باللحن:

“شيرى ني ماريا”. وكأننا نتذكرها عندما كانت واقفة وقت المساء عند الصليب باكية قائلة: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري الى صلبوتك.

2- الطرح : بعد ذلك يُقرأ الطرح قراءة عادية باللغة العربية، وبعد الإنتهاء من قراءته، يقال ختام الطرح باللحن.

3- ختام الطرح، وهو أيضاً ربعين لكن ثابتين في الصباح والمساء، إذ نقول “بخريستوس بنسوتير” باللحن، ومعناه “المسيح مخلصنا” وكأننا في الختام لن نتذكر إلا المسيح مخلصنا الذي جاء وتألم عنا لكي بآلامه يخلصنا، فنمجده ونرفع إسمه لإنه صنع معنا رحمةً كعظيم رحمته.

عزيزي القارئ، إن لحن مقدمة الطرح ولحن ختام الطرح له طبيعة خاصة، فهو بسيط، متكرر، ومن ميزان ثنائي، ومن طبقة منخفضة، لأن الشعب جالساًليسمع تفسير الإنجيل، فليس هناك نغمات حادة في الطبقات العالية، ولا هناك قفزات موسيقية كالتي نجدها في ألحان كثيرة أخرى، ولا توجد مساحات نغمية كبيرة تستدعي تدريبات لنتمكن من أدائها.. فهو لحن غاية في البساطة يجعلك حقاً تجلس تتأمل كلمات الإنجيل وتعيشها، وتفهم كيف أن المسيح مخلصنا جاء وتألم عنا، لكي بآلامه يخلصنا، ويكون هذا اللحن البسيط لحن الطرح، هو ابسط أسلوب لنمجده ونرفع إسمه لإنه صنع معنا رحمة كعظيم رحمته.

وللعلم أنه من حكمة الكنيسة أنها صاغت الألحان والمردات التي يرنمها الشعب وهو جالس، أن تكون بسيطة، مثل مقدمة وختام الطرح الذي نحن بصدده، ومثل هلليلويا مرد المزمور باللحن الإدريبي، فدائما ما يكون اللحن منخفض النغمات، بطئ في سرعته. ويمكن ملاحظة عكس ذلك في لحن مثل “آمين طون ثاناتون”، بموتك يارب نبشر، إذ تجد لحنه يصدح في الطبقات العالية ويكونسرعته نشيطة تصل إلى نحو 100 نبضة في الدقيقة، فهذا اللحن نرتله ليس فقط ونحن واقفون، بل ونحن رافعون ايدينا بتضرع إلى فوق، لدرجة أن أرجلنا تكاد أن تترك الأرض وتحلق في السماء لان الكنيسة وضعتنا في جو روحي معين يخلق داخلنا الإستعداد التام لأن نبشر بموت المسيح ونعترف بقيامتة المقدسة وصعوده الى السموات، ويتحقق هذا من خلال لحن قوي عالي سريع نشيط يحقق هذا الطابع الروحاني.

أما في مرد الطرح، فالأمر يختلف، فالطابع حزين، والقراءات عميقة تحتاج إلىتركيز و تأني، وتحتاج منا إلى أن نربط نبوات العهد القديم بأناجيل العهد الجديد، ولذلك كان لابد لتحقيق هذا الجو الروحاني كأن يكون اللحن بطيء جدا سرعته تقدر بنحو 75 نبضة في الدقيقة، ومن خلال طبقه صوتية منخفضة ونغمات سُلمية ليس بها قفزات موسيقية، تتماشى مع الجو الحزين الذي تتوشح فيه الكنيسة بالشارات السوداء، علماً بأن كنيستنا لاتعرف الحزن الدامس، لكن في عمق حزننا لآلام ربنا يسوع، نحن نفرح ونتهلل لعظم محبته بالخلاص الذيصنعه من أجلنا، فنحن لا نحزن كالباقين الذين لا رجاء لهم.

عزيزي القارئ، كم أتمنى أن أكون نجحت في أن ألقي الضوء على هذا اللحن الجميل والعميق والمعزي والفياض بالمشاعر، وإلى أن نلتقي ومقال جديد نغوص به في لحن قديم، أتركك وبركة هذا اللحن وبركة آلام مخلصنا الصالح تفرح قلبك وتنزع منه كل حزن. آمين

رابط اللحن: