يعود ما يُعرف بـ"الوضع الراهن لترتيب الأماكن المقدسة" في مدينة القدس الشرقية، إلى العهد العثماني، وفي الوقت الذي يتمسك فيه الفلسطينيون ودائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس التابعة للأردن، بالترتيب العثماني الخاص بالوضع الراهن، يبدو أن لإسرائيل تعريفها الخاص به.

أقرّ السلطان العثماني عبد المجيد الأول عام 1852، ما بات يُعرَف منذ ذلك الحين بـ"الوضع الراهن لترتيب الأماكن المقدسة"، وما يُعرف بالإنجليزية بـ"ستاتس كو".

وبالنسبة إلى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، فإن الوضع الراهن هو الوضع الذي ساد منذ إقراره في العهد العثماني، واستمر خلال فترة الانتداب البريطاني لفلسطين (1920-1947) ثم في العهد الأردني، وحتى ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية عام 1967.

وينصّ هذا الوضع إجمالاً على أن المسجد الأقصى مكان مقدس للمسلمين فقط، وتحت إدارتهم.

ويقول الفلسطينيون إن إسرائيل تخطّط وتسعى لإنهاء الوضع الراهن، وتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود، زمانياً بحيث تُخصَّص أوقات لليهود لدخول المسجد، ومكانياً من خلال اقتطاع أجزاء منه وتخصيصها لليهود.

ومنذ قرار الحكومة الإسرائيلية عام 2003 فتح المسجد الأقصى أُحادياً، أمام اقتحامات متطرفين يهود للمسجد، فإن دائرة الأوقاف الإسلامية دأبت على الشكوى من انتهاكات إسرائيل للوضع الراهن بالمسجد.

ويزداد تنديد دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد الأقصى، مع كثافة اقتحامات المتطرفين، بخاصة خلال الأعياد اليهودية، تحت حماية الشرطة الإسرائيلية.

من جانبه يقول الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس وخطيب المسجد الأقصى، إن على نية السلطات الإسرائيلية "إجراء تغييرات على الوضع الراهن في المسجد الأقصى المبارك" عديداً من الأدلّة.

وتابع: "من هذه الأدلة الاقتحامات المتوالية للأقصى، وتزايد أعداد المقتحمين بحراسة مشددة من السلطات الإسرائيلية، إضافة إلى إعلان الجماعات اليهودية استصدار قرار قضائي بأداء ما سمَّته الصلاة الصامتة في أثناء الاقتحامات، إذ يريدون أن يشرعنوا تصرفاتهم بقرار قضائي، في وقت تغضّ فيه الشرطة الطرف عن هذه الانتهاكات"، وفق حديثه لوكالة الأناضول.

وأكمل الشيخ صبري: "الأدلة والانتهاكات الإسرائيلية عديدة وكثيرة، بما فيها تقييد عمليات الترميم التي تنفّذها دائرة الأوقاف، وإبعاد المصلين والحراس ورجال الدين عن المسجد الأقصى لفترات طويلة".

وبرزت تنديدات دائرة الأوقاف الإسلامية خلال الأسبوع الماضي بعد تعمُّد الشرطة الإسرائيلية إخلاء باحات المسجد الأقصى من المصلّين المسلمين، توطئة لاقتحام مئات المتطرفين ساحات المسجد.

ولكنّ الحكومة الإسرائيلية سعت لمحاولة إقناع الدول العربية والإسلامية والدولية، بأنها تحترم "الوضع الراهن" في المسجد.

غير أن الحكومة الإسرائيلية تجد صعوبات في إقناع الدول، وكذلك وسائل الإعلام، بأنه لم يطرأ تغيير حقاً على الوضع الراهن في المسجد، وهو ما وجد تعبيراً له في لقاء وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مع الصحافة الأجنبية الأحد.

وأكد لابيد في حديثه أن "السياسة واضحة، ولا تغيير على الوضع الراهن، ربما هناك يهود متطرفون يخرقون القواعد".

غير أن وزير الشتات نحمان شاي قال لهيئة البثّ العامة الإسرائيلية السبت، إن الوضع الراهن في المسجد الأقصى آخذ في التدهور مع وصول مزيد من اليهود إلى الموقع المقدَّس، وحذّر من "عواقب وخيمة" لهذا الأمر.

وقال: "كثير من اليهود يصعدون إلى الحرم القدسي، ومنهم من يتوقف في الطريق ويصلي، وهذا ممنوع".

وأضاف شاي: "هناك تصعيد وتدهور، أيضاً مع الوضع الراهن، لقد فتحوا الحرم وتركوا مزيداً من اليهود يذهبون إلى هناك".

كانت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس اعتبرت سماح الشرطة الإسرائيلية لمتطرفين بالصلاة في أثناء اقتحاماتهم للمسجد الأقصى، انتهاكاً للوضع الراهن.

ووجد لابيد صعوبة في تبرير استخدام الشرطة الإسرائيلية طائرة مسيَّرة لإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع على مصلّين بالمسجد الأقصى الجمعة، في خطوة غير مسبوقة.

وقال لابيد: "تستخدم الشرطة في أنحاء العالم الغاز المسيل للدموع حينما تقع اضطرابات، وقد لا يكون الحلّ الأمثل، ولكن اعتقدنا أنه أفضل من إدخال قوات الشرطة".

استناداً إلى دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس فإن الوضع الراهن للأماكن المقدسة أقرَّه السلطان العثماني عبد المجيد الأول.

وآنذاك أصدر السلطان مرسوماً ينصّ على "تجميد مطالبات الطوائف الدينية بحيازة للأماكن المقدسة في القدس وبيت لحم، وحظر أي تشييد أو تغيير في الوضع القائم".

ويشمل الترتيب عدة مواقع دينية إسلامية ومسيحية في القدس وبيت لحم، جنوبي الضفة الغربية.

وبعد احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، أعلنت إسرائيل بقاء الوضع على ما هو عليه في المسجد الأقصى حيث تتولى دائرة الأوقاف الإسلامية إدارة شؤون المسجد.

لكنّ إسرائيل استولت بالقوة على حائط البراق، أحد جدران المسجد الأقصى، وأطلقت عليه اسم "حائط المبكى"، وصادرت مفاتيح باب المغاربة للمسجد الأقصى، ودمّرت حي المغاربة الذي يقع أمام جدار البراق، وأنشأت ساحة صلاة كبيرة للمصلّين اليهود، وهو ما يعدّه الفلسطينيون انتهاكاً للوضع الراهن.

وفي عام 2003 قررت الحكومة الإسرائيلية فتح المسجد الأقصى، أُحادياً أمام اقتحامات المتطرفين في انتهاك واضح للوضع الراهن.

TRT عربي - وكالات