الدائرة السياسية للعدل والإحسان تصدر تقريرها السياسي السنوي عن "حالة المغرب"


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه

جماعة العدل والإحسان

الدائرة السياسية

التقرير السياسي 

الصادر عن الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان

      محاور التقرير:

1.    تقديم

2.   استفحال تغول السلطوية

3.     السياسة الخارجية: أزمات متعددة

4.     الوضع الاقتصادي: تحكم فوقي وفساد بنيوي
5.     الوضع الاجتماعي: تأزم مزمن للأوضاع وتنامي مستمر للاحتجاجات

6.     النساء المغربيات معاناة من عمق الاختلالات

7.     الشباب: واقع مأزوم ومستقبل غامض

8.     إجراءات الطوارئ تكريس للانتهاكات

9.     فتح المساجد آخر ما تفكر فيه السلطة السياسية

10. الإعلام: قمع الرأي المعارض ودعم التفاهة

11. على سبيل الختم
 

 

  تقديم:

          يصدر هذا التقرير السياسي للدائرة السياسية لجماعة العدل والاحسان هذه السنة في خضم مناخ دولي ووطني بالغ التعقيد. فقد تميزت هذه المرحلة بالأساس بحدث جلل شغل سكان الأرض قاطبة هو جائحة كورونا التي كانت لها انعكاسات خطيرة على مستويات مختلفة من حياة الناس، رحم الله من توفي جراءها. وبذلت كل الحكومات في العالم جهودا لاحتواء الوباء والحد من تداعياته على شعوبها من خلال إجراءات طارئة ومعقدة، لكن أسلوب التدبير اختلف حسب طبيعة الأنظمة السياسية بين ديموقراطية وأخرى استبدادية، فهذه الأخيرة سعت بالأساس لاستغلال ظروف الجائحة لزيادة تركيز سلطتها وقمع المعارضين لسياساتها كما فاحت رائحة الفساد المعهودة في عدد من الصفقات التي أجرتها خلال تلك الفترة. وظهر هذا الاختيار من خلال سلسة من الإجراءات والسياسات في مجالات متعددة اقتصادية وسياسية واجتماعية.

     كما شهدت هذه الفترة تفاعلا كبيرا للقضية الفلسطينية برز من خلاله صمود الشعب الفلسطيني في وجه الهمجية الصهيونية ورعاتها والمطبعين معها، وبلغت تلك الوحشية مدى غير مسبوق بالاعتداء على المسجد الأقصى المبارك والمعتكفين فيه وتنظيم اقتحامات الصهاينة لحرمته في رمضان ثم أيضا باغتيال إحدى أيقونات النضال الفلسطيني الصحفية شيرين أبو عاقلة والاعتداء على مشيعي جنازتها، بصورة أثارت اشمئزاز وإدانة الأحرار عبر العالم، هذا بالإضافة إلى مسلسل الانتهاكات الصهيونية المتصاعدة والضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والمعاهدات الدولية والقيم الإنسانية الخيّرة. وعرفت هذه السنة أيضا اندلاع حرب كبيرة في شرق أوروبا بين روسيا وأوكرانيا ما تزال تداعياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية تتفاعل وتهدد بتضخم الأزمات، خاصة الاقتصادية منها، في العالم بأسره.

     يغطي هذا التقرير السياسي المرحلة من شهر أكتوبر 2019 إلى شهر ماي 2022، وهو يعرض مجموعة من المعطيات الكاشفة في عدد من المجالات العامة للمغرب مركزا بالأساس على أبرز القضايا التي تفاعلت داخلها. وقد اتخذت الدولة عدة إجراءات ورسمت سياسات للتعاطي مع الأزمات المعقدة التي يصطلي بنارها الشعب المغربي في كل مناحي حياته إلا أنها ظلت قاصرة عن إخراج البلد من معضلاته رغم الدعاية والتضخيم الذي يباشره الإعلام الرسمي، وهو ما تؤكده أرقام محلية ودولية استمرت في رسم صورة قاتمة عن أوضاعه العامة، الأمر الذي يمتحن جدية الدولة وصدقها في إصلاح أحوال الشعب والعمل على توفير ظروف لائقة لعيشه واستفادته من خيرات بلاده والتمتع بحرياته وكرامته.

1.   استفحال تغول السلطوية:

          أكدت الجائحة ما ظلت جماعة العدل والإحسان تكرره حول الطابع المخزني والمركزي للنظام، وعرت حقيقة ديمقراطيته المزعومة بعدما أزالت عنها كل المساحيق، كما كشفت أن النواة الصلبة للنظام ليست هي المؤسسات المنتخبة التي توارت إلى الوراء وإنما مؤسسات السلطة بمختلف أنواعها التي يحتكر تعيينها الملك. خلال هذه الفترة الحرجة توارت عن الأنظار مجالس الجماعات الترابية المنتخبة لفائدة ممثلي السلطة (الولاة والعمال والباشوات والقياد)، وبقيت الحكومة برئيسها مجرد واجهة لتدبير الجائحة من قبل وزارة الداخلية والمديريات التابعة لها شكليا. وبَيَّن هذا الحدث كذلك أن البرلمان مجرد مؤسسة صورية لم يستطع إلى يومنا هذا تقديم مبادرة تشريعية بشأن حالة الطوارئ رغم التغيرات الكثيرة التي عرفتها الوضعية الوبائية.

كان العنوان الأبرز لهذه المرحلة هو العودة القوية للسلطوية في أسوأ تجلياتها، من انتهاك صارخ للحقوق والحريات، وتنكيل ممنهج بالمعارضين، واستفراد متعمد بالسلطة. وهو ما فضح حقيقة دستور طالما تم التسويق لإيجابياته ولكن سرعان ما انكشفت ثغراته وظهرت بياضاته، ليظهر للمغاربة من خلال واقعهم الملموس أنه مجرد وثيقة تشرعن للاستبداد وتعمل على ضمان ديمومته. فقد تأكد الجميع من أن المؤسسة الملكية في المغرب تحتكر جل السلطات، وتتحكم في من يمارس البعض الآخر، وتعطي الأفضلية في الأداء للمؤسسات المعينة على المنتخبة. فالدستور الممنوح منحها كل وسائل ذلك بدءا من التحكم في السياسات العامة للدولة ومرورا بالتعيين في المناصب السامية في المؤسسات ذات الصبغة الاستراتيجية، ومرورا بمؤسسات حكامة، لا تحمل من اسمها غير الاسم، صارت في خدمة الفساد والاستبداد، وانتهاء بالتحكم في مخرجات نموذج تنموي يرهن مستقبل البلاد. واستفحل الأمر أكثر بعد انتخابات 2021 التي جاءت بحكومة “شبكة مصالح” مقنعة بطابع حزبي للتغطية على هذا المنطق التسلطي في تدبير شؤون البلاد والتي لا دور لها غير تنفيذ التعليمات الصادرة من الجهات العليا، فهي مجرد مؤسسة صورية للتسويق الخارجي ولتحميلها المسؤولية في حالات الفشل.

          لقد أشرفت الدولة في سنة 2021 على تنظيم مسلسل انتخابي جرى في سياق خاص، تمثل على الخصوص في سن قانون الطوارئ الصحية الذي حد من الحركية الاجتماعية والمدنية، ونتجت عنه حالة ركود عامة، مما عزز وضعية الاحتقان الاجتماعي. وتم تأطير العملية الانتخابية بإطار عام سياسي وقانوني وتنظيمي، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه إطار تحكمي من أجل إعداد حقل سياسي رسمي على المقاس. فمن جهة كان هناك ضبط قانوني قبلي من خلال تغييرات لا مثيل لها في التجارب الدولية المقارنة؛ خاصة ما يتعلق بالقاسم الانتخابي على أساس المسجلين. ومن جهة أخرى تحركت آلة المخزن بكل ثقلها، وعلى مختلف المستويات، وبعودة أكبر إلى الأساليب الفاسدة لتحقيق نتيجة انتخابية محددة. فقد عرفت انتخابات 8 شتنبر استعمالا واسعا وخطيرا للمال، وقد تم تسجيل بعض المشاهد المخزية لذلك بالصوت والصورة. كما شهدت الانتخابات عمليات حشد ونقل للناخبين إلى مراكز الاقتراع، ودعمت السلطة مرشحين معينين على حساب مرشحين آخرين، وأشارت قرائن كثيرة إلى منع العديد من المرشحين من التوصل بمحاضر التصويت، مع العلم أنها تشكل الوسيلة الأساسية والحاسمة في مراقبة وتحصين العملية الانتخابية، وفي أحيان أخرى تم التوصل بالمحاضر بشكل متأخر ومشبوه. لتكون النتيجة مرة أخرى انتخابات موسومة بالسمات السابقة نفسها، وبشكل مزيد، كما أكد ذلك عدد من المتتبعين من داخل المغرب وخارجه. وهو وضع يؤكد أن الانتخابات كما تجري ببلدنا لا علاقة لها بالنزاهة والحياد والتداول على السلطة، بل تجري للحصول على شرعية ديمقراطية وهمية، وإضفاء طابع ديمقراطي صوري على نظام سياسي غير ديمقراطي. كما تجري لإدماج نخب وتدجينها وتوظيفها في تجديد السلطوية، ومعاقبة نخب أخرى وإبعادها بعد أن استنفدت الغرض المرسوم لها.

          وقد أفرزت انتخابات 2021 فسيفساء جديدة بُذِلت جهود متنوعة لإخراجها بشكل يقطع مع ما تبقى من حراك 2011، وساعدت في ذلك عوامل متعددة منها خنوع بعض الفاعلين الحزبيين. انتهت ولاية حكومة وبدأت ولاية حكومة جديدة يسوق على أنها نابعة من إرادة الشعب ولكن يضرب طوق من الصمت والتدليس على برنامج عملها الذي صيغ امتثالا لتوجيهات وتوصيات “نموذج تنموي” كان ثمرة عمل إداري محض لم يعرض على الشعب رغم أنه يعكس الاختيارات الكبرى والمؤسسة للدولة خلال المرحلة القادمة، وها نحن اليوم أمام حكومة عاجزة تتفرج على معاناة المغاربة وتتركهم فريسة للوبيات المصالح والفساد بما يؤكد أن برنامجها الحقيقي هو القضاء على ما تبقى من كرامة عند المغاربة.    

ورغم التحولات الجذرية التي يعرفها العالم، ورغم التحديات الداخلية والخارجية التي ترافق هذه التحولات، تبقى الحكومة وفية لطابع الاستمرارية الذي قاد البلاد نحو ما يشبه الإفلاس في كل المجالات لأنها محكومة بالخضوع لتوصيات المؤسسات الدولية. فقد عمقت فترة الجائحة تبعية المغرب للمؤسسات والدول الأجنبية لأن حكام المغرب لا تهمهم سيادة البلد واستقلال قراراته بقدر ما تهمهم مصالحهم واستمرار حكمهم، وهو ما يهدد البلاد بسكتة قلبية كشفت الجائحة شقها الاجتماعي والحقوقي وفضحت الانتخابات شقها السياسي وستفضح شقها الاقتصادي تداعيات الحرب الدائرة في أوكرانيا والجفاف الذي أضر بالسنة الفلاحية.

          ومن موقع المسؤولية الوطنية، فإننا لا نفتأ نؤكد على لزوم ترابط ممارسة السلطة بالخضوع للمحاسبة الشعبية، ولزوم الاختيار الشعبي لكل من يتحمل مسؤولية سياسية، ولزوم تعاقد مجتمعي جديد تكون فيه الكلمة العليا للشعب صاحب السيادة، سواء في مرحلة التأسيس أو التدبير أو الحساب. وبدون هذا ستبقى المؤسسات الحاكمة فاقدة للشرعية والمشروعية الديمقراطية والشعبية.

 

2.    السياسة الخارجية: أزمات متعددة

          في محاولة مكشوفة لتصفية القضية الفلسطينية، هُرِعت العديد من الأنظمة العربية نحو التطبيع الكامل للعلاقات مع الكيان الصهيوني من خلال التوقيع على اتفاقيات “السلام المزعوم”؛ وهكذا ففي 2020 وقعت دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين مع الكيان الصهيوني اتفاقا تحت مسمى “اتفاق ابراهام” برعاية أمريكية. تلاه بعد ذلك، توقيع دولة السودان اتفاقا مماثلا. وقد انضم المغرب إلى قائمة الأنظمة العربية والإسلامية المطبعة في أواخر السنة نفسها، حيث وقع النظام اتفاقا تم بموجبه توسيع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني مقابل اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء في صفقة تعتبر ابتزازا رخيصا لمشاعر المغاربة ووطنيتهم، ونوعا من المقايضة بين قضيتين الأصل فيهما التلازم والترابط خاصة من نظام يدعي الحرص على المصالح الوطنية الفلسطينية والالتزام بالقرارات الدولية والمقررات العربية، وتترأس قيادته لجنة القدس.

          وبموجب هذا الاتفاق قرر “المغرب الرسمي” بمؤسساته الرئيسة والتابعة الخروج بعلاقته السرية مع الكيان الصهيوني إلى العلن بشكل مفضوح. ومنذ ذلك الحين عرفت هذه العلاقات التطبيعية وتيرة متسارعة وانتشارا سرطانيا في مجالات متعددة وعلى واجهات مختلفة، حيث فتح الباب على مصراعيه لتوقيع اتفاقات وتبادل زيارات وتنظيم لقاءات ومنتديات في قطاعات متنوعة، كالاقتصاد والأمن والدفاع والدبلوماسية والتربية والتعليم والثقافة والفن والرياضة والزراعة والصناعة والتقنيات والتكنولوجيا والتعاون القضائي والسياحي ومجال الطيران وتبادل الرحلات الجوية المباشرة. بل امتد إلى المجال العسكري، مما أخرج المغرب من دائرة التطبيع إلى دائرة الحماية الصهيونية، وأدخله في أحلاف عسكرية متناقضة مع ثوابت المغاربة ومصالحهم الحقيقية.

          وقد عبر الشعب المغربي بمختلف أطيافه وهيئاته المستقلة عن معارضته لهذا المسار التطبيعي والتي تجسدت في تنظيم العديد من الفعاليات الاحتجاجية والتنديدية من مسيرات ووقفات ونداءات وبلاغات وتأسيس إطارات جديدة موحدة لمناهضة التطبيع ومقاومة الاختراق. وقد كان تأسيس الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع بمشاركة قوى حية في هذا البلد، خطوة مهمة في التصدي الشعبي لسياسة التطبيع، وكانت فعالياتها الوطنية، التي عمت المغرب وخرجت فيها ما يقرب من 60 مدينة في اليوم الوطني للاحتجاج، مُعبرة ودالّة عن رفض الشارع المغربي لهذا المسار الخطير.

          لكن رغم هذ الرفض الشعبي الواسع أصرّ النظام المغربي على تمرير مشروع الهيمنة الصهيونية بالمنطقة في تحد خطير للمصالح الاستراتيجية لوطنه وشعبه وتهديد لنسيجه الاجتماعي وثرواته وأمنه. كما استمرت السلطة في الرفع من وتيرة التضييق على حرية الرأي والاحتجاج، حيث قابلت الفعاليات الرافضة للتطبيع في كثير من المناسبات بالمنع والقمع والاعتقالات. وكان أبرزها المنع الفاضح لملتقى القدس الذي كان مزمعا تنظيمه بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة في مقابل فتح الباب على مصراعيه لتنظيم أنشطة تطبيعية في العديد من جامعات المغرب ومؤسساته التربوية، تعبيرا عن تسارع مسلسل الهرولة المخزنية للارتماء في أحضان الكيان الصهيوني، والذي كانت آخر محطاته البارزة “قمة” النقب التي عقدت في ضريح بن غوريون، مؤسس عصابات التطهير العرقي الصهيونية، في إشارة إلى تزوير تاريخي رهيب يتنكر لدماء الشهداء الفلسطينيين ولأرواح الجنود المغاربة المستشهدين على أرض فلسطين والجولان.

          في مقابل التهافت الرسمي العربي غير المسبوق نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني لا زال الشعب الفلسطيني، في كل فلسطين من غزة إلى الضفة إلى القدس، يسطر ملاحم العزة والكرامة ويرسم ملامح النصر القادم. وقد اعتبرت معركة سيف القدس التي اندلعت في 7 مايو 2021 نتيجة السياسات المقيتة والاعتداءات المتكررة للاحتلال من اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، والاعتداء على المقدسيين وأهالي حي الشيخ جراح ومحاولة تهجيرهم من بيوتهم؛ بوصلة أنارت الطريق نحو التحرر المنشود. ورغم المعركة التي امتدت 11 يوما وأسفرت عن استشهاد 232 فلسطينيي، ضمنهم أكثر من مئة من الأطفال والنساء، وجرح ما يناهز 1900 جريح فضلا عن نزوح قرابة 7500 مواطن فلسكيني من بيته وتدمير اكثر من 1447 وحدة سكنية، إلا أن هذه الجولة من الصراع فضحت الفشل الذريع الذي مني به الاحتلال وعجزه عن تحقيق أهدافه الأساسية.

      شهدت هذه الفترة تخبطا ملحوظا في السياسة الخارجية للمغرب؛ فلأول مرة وبعد مرور تسع وعشرين سنة حدث تخلخل في اتفاق وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة بوليساريو. كما عرفت هذه الفترة توترات كبيرة مع الجارة الجزائر حيث وصلت إلى مستوى قطع العلاقات الدبلوماسية؛ تلا ذلك اتخاذ إجراءات فاقمت من الأزمة مثل إغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، وتوقيف شركة سوناطراك العلاقة التجارية مع المغرب وعدم تجديد عقد الغاز معه. ومن المؤكد أن هذا الوضع المتأزم هو ضد مصلحة الشعبين المغربي والجزائري وشعوب المغرب الكبير. إلى جانب ذلك، عرفت العلاقات المغربية التونسية بعض التوتر وذلك بمناسبة امتناع تونس عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد عمل بعثة “المينورسو” لمدة سنة إضافية خلال سنة 2021، فضلا عن ضعف تأثير الدبلوماسية المغربية في الملف الليبي.

          أما في ما يرتبط بالعلاقات مع الدول الأوربية فقد شهدت هذه الفترة العديد من الأزمات خاصة مع ألمانيا؛ حيث أعلن المغرب تعليق كل أشكال الاتصال أو التعاون مع السفارة الألمانية في الرباط ومع كل المؤسسات الألمانية التابعة لها، أعقب ذلك استدعاء الرباط لسفيرتها في برلين من أجل التشاور. وقد أرجع المغرب سبب هذا التوتر إلى الموقف السلبي لألمانيا من الصحراء وأيضا نتيجة إقصاء المغرب وعدم استدعائه للحضور في مؤتمر برلين الخاص بليبيا. يضاف إلى ما سبق تفاقم الأزمة مع إسبانيا التي دامت زهاء السنتين وشهدت أحداثا حادة، جعلت المغرب يهدد بورقة إلغاء التعاون الأمني بين المغرب وإسبانيا في مجال مكافحة الهجرة، وبدأ هذا القرار بالسماح لأكثر من 7000 شخص، أغلبهم قُصّر، بالدخول إلى مدينة سبتة المحتلة، في ظل غياب شبه تام للحرس الحدودي الإسباني؛ وقد سعت إسبانيا إلى إقحام الاتحاد الأوروبي في أزمتها مع المغرب من خلال إصدار قرار من البرلمان الأوروبي يرفض استخدام المغرب لمراقبة الحدود والهجرة كورقة ضغط سياسي ضد إسبانيا مما فاقم من الأزمة بين الطرفين. إلا أن هذا الملف شهد انفراجا، مؤخرا، بعد القرار الذي اتخذته الحكومة الإسبانية بالتعبير عن دعم مسار الحكم الذاتي في قضية الصحراء، رغم أن هذا الموقف ما يزال مثار جدل في الأوساط السياسية الاسبانية.

          خلاصة القول، أن الدبلوماسية المغربية في هذه الفترة عانت من أزمات متعددة وذلك راجع بالأساس إلى احتكار المؤسسة الملكية تدبير ملف السياسة الخارجية دون إشراك فاعلين آخرين، أضف إلى ذلك غياب استراتيجية واضحة في التعامل مع كثير من الملفات الدولية.

 

3.    الوضع الاقتصادي: تحكم فوقي وفساد بنيوي

          إن الحديث عن التوجيهات الفوقية والفوارق الاجتماعية والترابية بالمغرب هو أمر بنيوي يتجدد كلما أطلت أزمة أو فشلت سياسات وبرامج اقتصادية-اجتماعية صممت خارج تحكم المؤسسات المنتخبة ونفذت من طرف هذه الأخيرة دونما تقييم حقيقي وربط المسئولية بالمحاسبة.

          ومن السمات الكبرى التي طبعت المرحلة التي يغطيها هذا التقرير في المجال الاقتصادي، عالميا، تأجج حرب المصالح بين الدول العظمى خاصة بين القوى التقليدية والدول الصاعدة ومنها الصين وروسيا. ومع بداية دوران العجلة الاقتصادية دوليا ومحليا بعد أزمة “كوفيد”، طفى على السطح حديث عن استعادة التوازنات الماكرو اقتصادية ومعه ضرورة إعادة التفكير في بعض أدوار وتدخلات الدولة.

          أما وضعية اقتصاد المغرب خلال هذه الفترة فقد تميزت باستمرار انفراد المؤسسة الملكية بأخذ أبرز المبادرات ونخص بالذكر منها، ملف الحماية الاجتماعية، وإنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، وإنشاء الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع مردودية المؤسسات والمقاولات العمومية، وتحديد وقت صدور تقرير النموذج التنموي الجديد والذي على أساسه تم توجيه كل برامج الأحزاب خلال الانتخابات التشريعية والمحلية وكذا البرنامج الحكومي الذي افتقد لأهم مقومات التفكير والتنظير الاستراتيجي.

          وقد كان لافتا خلال السنتين الأخيرتين التخبط الرسمي في اتخاذ بعض القرارات، من قبيل إغلاق الحدود لمدد طويلة، عكس الإجراءات التي اتخذتها جل دول العالم. وهذا الأمر كان له تأثير جلي على الاقتصاد المغربي خاصة قطاع السياحة، حيث لم يتجاوز صافي مداخيل السفر الدولي 23,6 مليار درهم سنة 2021 في حين تجاوز 67 مليار درهم سنة 2019. وقد ألجأ هذا القرار الدولة لصرف إعانات لأرباب النقل الجوي والبحري صيف سنة 2021 لتمكين أكبر عدد من المغاربة المقيمين بالمهجر من الدخول لأرض الوطن، بعدما تم تعليق كل الرحلات من وإلى إسبانيا.

          أما على مستوى بعض المؤشرات الاقتصادية، فقد تم تحقيق معدل نمو بلغ 7,2% بفضل سنة فلاحية جيدة (103 مليون قنطار)، وبسبب معدل النمو السالب المسجل سنة 2020 (-6,3%). كما سجلت تحويلات المغاربة القاطنين بالمهجر ارتفاعا قياسيا بلغ حوالي 100 مليار درهم. لكن هذه المنجزات الإيجابية لم تستطع إخفاء الجزء المغمور من جبل الجليد، حيث هشاشة الاقتصاد المغربي المتمثلة في:

●    ازدياد معدلات البطالة حيث بلغ المعدل الوطني 12,3%، وهو رقم يخفي ارتفاع البطالة الحضرية وبطالة حاملي الشهادات من خلال اعتماد معدلات دنيا للبطالة القروية.

●    تفاقم المديونية العمومية التي بلغت حسب المصادر الرسمية ما بين 93% و95% من الناتج الداخلي الخام، وحيث تم إغراق كبرى المؤسسات العمومية بالديون الخارجية.

●    ارتفاع معدل التضخم حيث ناهز 1,7%، وهو مرشح لبلوغ 4,7% متم 2022 حسب اجتماع مجلس بنك المغرب لمارس 2022.

●    تفاقم حدة الفوارق الاجتماعية والترابية التي يحاول الاقتصاد غير المهيكل التقليص من حدتها، حيث تقدر أحدث الدراسات المتوفرة لسنة 2020 مساهمته بحوالي 35% في الناتج الداخلي الخام.

●    تدهور عجز الميزانية الذي بلغ 6,5% سنة 2021، رغم عمليات الخصخصة وكراء أصول المستشفيات العمومية والاستدانة الداخلية والخارجية.

          ومما يزيد من حدة هشاشة بنية الاقتصاد الوطني ارتهانه لتقلبات السوق الدولية وارتباطه البنيوي بالاقتصاد الدولي. ويجدر بنا في هذا الصدد الوقوف على سياسة التجارة الخارجية للمغرب. فبعد أزيد من عقدين على دخول اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي حيز التنفيذ، وعلى أكثر من عقد من انطلاق المخططات القطاعية الكبرى (المهن العالمية، المغرب الأخضر، المخطط الصناعي…)، ما يزال عجز الميزان التجاري بنيويا، حيث بلغ حوالي 200 مليار درهم، مسجلا بذلك ارتفاعا بحوالي 25% مقارنة مع سنة 2020، ومعدل تغطية الصادرات للواردات متدنيا (62,1% سنة 2021). وهو ما يدعو إلى ضرورة مراجعة هذه الاتفاقيات التجارية بما يخدم مصالح البلد قبل كل شيء. ينضاف لكل ما سلف تسارع التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني في مجالات من قبيل الفلاحة وتدبير المياه والقطاع السياحي.

          وبالرجوع للتصنيفات الدولية للمغرب، نجد أن وضعيته تتأرجح بين السكون في المراتب المتأخرة أو التراجع إلى ما هو أبشع منها، وهذا ما تؤكده المؤشرات الآتية:

●    في مؤشر التنمية البشرية يحتل المرتبة 121 من أصل 189 بلد حسب آخر تقرير للأمم المتحدة سنة 2020.

●    في المؤشر العالمي للابتكار لسنة 2021 يحتل المرتبة 77 من أصل 132 بلد.

●    في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2021 يحتل المرتبة 87 من أصل 172 بلد بعدما كان في المرتبة 80 سنة 2019.

●    على مستوى مؤسسات التنقيط الدولية، لم يتغير تنقيط المغرب حيث حافظ سنة 2021 على نفس العلامات السالبة أو المتوسطة.

          إن إسهاب الخطاب الرسمي في الحديث عن السيادة الغذائية وتطوير علامة “صنع بالمغرب”، لم يترجم لحد الآن إلى رؤى وسياسات وبرامج تعضد هذا الخطاب. وقد ينطبق الأمر نفسه على خطاب “دولة الحماية الاجتماعية”، والتي لم تظهر منها إلا ترسانة قانونية تفتقد للشمولية وضبط آليات التمويل.

          وفي المجمل، يمكن اعتبار أن المرحلة تعج بالتناقضات من الناحية الكمية، وسنة إقرار فعلي بفشل تجارب أزيد من ستين سنة من اللهث المضني وراء سراب التنمية. وهو ما أقره التقرير العام للنموذج التنموي الصادر في أبريل من سنة 2021 والذي فتح الباب بدوره على مصراعيه لإعادة التجريب في أفق مغرب 2035 وتكريس الأسباب الرئيسة للفشل من خلال فرض ميثاق وطني للتنمية ووضع آلية تتبعه تحت وصاية الملك كما خلص إلى ذلك التقرير. وتظل المعضلات البنيوية لاقتصاد المغرب عالقة إلى أجل غير مسمى، إذ بدون معالجتها بالشجاعة المطلوبة، يستمر اقتصاد المغرب ضحية لعمليات جراحية جزئية ومتتالية تنهكه ولا تجرؤ على الاقتراب من صلب عِلّته المهددة له بالسكتة القلبية. وتتحدد هذه العلة المزمنة أساسا في زواج السلطة بالثروة، وما يتفرخ عنها من تفاقم الفوارق الاجتماعية؛ واستفحال اقتصاد الريع، وتفشي الرشوة والامتيازات غير المستحقة وحالات تنازع المصالح، والغلاء الفاحش للأسعار الذي طال المحروقات وكثيرا من المواد الأساسية مما يعمق تدهور القدرة الشرائية للمواطن.

          ومن الملفات التي طفت على السطح مع عجز تساقط الأمطار إشكالية ندرة الماء بالمغرب، فقد أظهرت دراسات سابقة للمعهد الدولي للموارد أن المغرب يدخل في خانة الدول التي ستشكو العجز الحاد من المياه، أي عجز يزيد عن 80% من الحاجيات، في أفق 2040. أما بخصوص سنة 2022 فيمكن اعتبارها أفقر السنوات خلال العقدين الأخيرين بمعدل تساقطات وطني لم يتجاوز 76 ملم إلى حدود شهر مارس مما اضطر الدولة لاعتماد برنامج استعجالي لمكافحة أثار الجفاف بغلاف مالي مقدر ب 10 مليار درهم موزع بين دعم الأعلاف والتأمين وإعادة هيكلة البنى التحتية. لكن، ومن خلال تجارب سابقة، يطرح سؤال حول آليات الإنفاق وموقع الفلاح الصغير من الدعم. بالإضافة لهذا البرنامج أعطت وزارة الداخلية الصلاحيات للعمال والولاة لاتخاذ كل الإجراءات لخفض استهلاك الماء خاصة خلال الفترة الصيفية.

          غير أن المتتبع يسهل عليه رصد غياب استراتيجية مائية واضحة لدى الدولة المغربية تتصدى بعمق للتهديدات المتنامية نتيجة ندرة الماء والمخاطر المترتبة عنه حاضرا ومستقبلا. بل يسجل تناقض صارخ في تعاطيها مع المشكل. فأجهزتها لا زالت تغض الطرف عن بعض الزراعات المستهلكة بكثافة للماء مثل البطيخ الأحمر الذي استنزفت زراعته الفرشة المائية في مناطق تشكو الخصاص الحاد من هذه المادة الحيوية، فضلا عن الاستغلال غير العقلاني للموارد المائية في ملاعب الغولف والنشاط الفلاحي والصناعي وغيره. فهل تدرك الدولة حجم التهديدات المتصاعدة جراء تدبيرها السيء لمجال خطير يقتضي تغييرا جذريا في المقاربات وتنوعا في أساليب المعالجة والتدبير؟

 

4.    الوضع الاجتماعي: تأزم مزمن للأوضاع وتنامي مستمر للاحتجاجات

          كما سبق ذكره، شكلت جائحة كورونا العنوان الأبرز لسنتي 2020 و2021، فإجراءات الطوارئ والحظر الصحي كانت لها انعكاسات سلبية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، حيث حدث انهيار غير مسبوق لمناصب الشغل في جل القطاعات الحيوية. فاعتمادا على أرقام المندوبية السامية للتخطيط أدت الجائحة لفقدان ما يعادل %20 من اليد العاملة في المقاولات المنظمة. وإلى منتصف شهر أبريل 2020 صرحت 132 ألف مقاولة، من أصل 216 ألف، بتوقف نشاطها بشكل مؤقت أو دائم. وحسب بيانات المندوبية نفسها حول البطالة والتشغيل انضاف أكثر من نصف مليون معطل جديد إلى فاقدي الشغل خلال هذه الفترة، ليتعدى معدل البطالة 12%، وهو مستوى لم يعرفه المغرب منذ 19 عاما.

          غير أن المتتبع للشأن الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب يقف على حقيقة جوهرية مفادها أن أزمة البطالة بالمغرب هيكلية وبنيوية مزمنة وليست ظرفية ارتبطت بالجائحة فقط. فرغم أن الدولة حاولت التخفيف من آثار هذه الأزمة الاجتماعية المستجدة من خلال توزيع مساعدات مالية (2000 درهم للمنخرطين بنظام الضمان الاجتماعي المتوقفين عن العمل)، إلا أن هذا الإجراء لم يحقق الهدف المرجو منه اجتماعيا أمام تغول الأسعار وغياب العدالة التوزيعية الحقيقية. وقد أبدى مجلس المنافسة الرسمي، ضمن تقريره السنوي الصادر برسم سنة 2020، تحفظه إزاء المساعدات المالية التي منحتها الدولة للمقاولات والأسر في عز أزمة فيروس كورونا.

          وبالرغم من التأسيس الرسمي للحماية الاجتماعية عبر مجموعة من النصوص التشريعية، إلا أن الواقع الاجتماعي يكشف ضعف ومحدودية هذه الحماية. فالدولة لم تعمل على وضع سياسات جدية وحقيقية تهدف إلى تقليص الفقر والهشاشة من خلال دعم سوق العمل، وتقليص تعرض الأفراد للمخاطر، وتعزيز قدراتهم على حماية أنفسهم، وفتح الآفاق للارتقاء الاجتماعي أمامهم. وبناء عليه تظل الدولة الاجتماعية مجرد سراب وشعارات جوفاء لم تتوفر الشروط الواقعية لتحققها واستفادة المغاربة منها.

          وإذا كان ثلث الموظفين المدنيين يتقاضون أجرة شهرية صافية تقل عن 6000 درهم، حسب تقرير الموارد البشرية المرفق بمشروع قانون المالية برسم سنة 2021، فإن 8,54% منهم تتراوح أجورهم بين 3000 و4000 درهم، بينما 34,06% تساوي أو تقل لديهم عن 6000 درهم، دون الحديث عن أجراء القطاع الخاص الذين تقل أجورهم بكثير عن نظرائهم بقطاعات الوظيفة العمومية. فالدولة لم توفر لحدود الساعة الحماية اللازمة للأجراء بالقطاع الخاص، ولم تحمهم من جشع واستغلال الباطرونا غير المواطنة. فشغيلة القطاع الخاص في معظمها لا تتقاضى الحد الأدنى للأجور المعلن رغم هزالته كما أن حوالي 70 % مـنهم لا يتوفرون على الحـد الأدنـى للأجـور ولا يستفيدون من التعويضات المستحقة ولا من العطل المؤدى عنها، وجل التصاريح المدلى بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي غير حقيقية وغير سليمة، ويكفي أن نعلم أن قرابة 59% من النشيطين لا يتوفرون على عقود عمل. وهذا ما يجعل المغرب مفتقدا للعدالة في نظام الأجور لكونها لا تتلاءم مع الغلاء المتنامي في المعيشة مما يضعف القدرة الشرائية لعموم المواطنين. أضف إلى ذلك أن القوانين، في الغالب، لا تحمي العمال من الطرد التعسفي، ولا تؤمن لهم تعويضا مناسبا على فقدان الشغل فضلا عن الاختلالات التي تصاحب تنزيلها، كما أن هيئة تفتيش الشغل بالمغرب ضعيفة جدا عددا وعدة وصلاحيات إضافة إلى شبه الفساد التي تثار في معالجة العديد من الملفات.

          ورغم أن الكثير من موظفي القطاعات الاجتماعية، وفي مقدمتهم الأطر الصحية وعمال وموظفو الجماعات وخصوصا قطاع النظافة وكذا نساء ورجال التعليم، كان لهم دور وطني بارز ساعد في تجاوز تبعات أزمة كورونا والتخفيف من آثارها، إلا أن تضحياتهم لم تحظ بتقدير حقيقي من قبل الدولة، بل قوبلت بالنكران حيث تم تجميد وضعيات وترقيات الآلاف منهم، بل وقررت الحكومة عدم إحداث مناصب مالية جديدة خلال سنة 2021.

          ونتيجة لما صار يتسم به الوضع الوطني من انسداد للأفق الاجتماعي، تصاعدت وتيرة الحراك والاحتجاج بجل القطاعات الوظيفية، فخرجت للشارع الكثير من الفئات المتضررة للمطالبة بحقوقها العادلة والمشروعة. وقد تعددت وتنوعت محطات هذا الحراك خلال سنة 2021، حيث كان أبرزها الاحتجاجات التعليمية التي قادها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وحملة الشهادات وأساتذة ما يسمى بالزنزانة 10 وغيرهم. وقد جابهت الدولة هذه الاحتجاجات كعادتها بمقاربة أمنية صرفة استعملت فيها شتى صنوف القمع بلغت حد إقحام عناصر غير أمنية في بعض تدخلاتها، منها ما وثقته وسائل الإعلام في حينه. بل لجأت الدولة في محاولة منها لاحتواء قوة الاحتجاج التعليمي إلى فتح ملفات قضائية لأكثر من 45 أستاذا، والنطق بأحكام جائرة في حقهم، في خرق سافر لكل المواثيق والقوانين. وهذا ما يؤكد بالملموس أن الدولة عاجزة عن حلحلة المشاكل الاجتماعية الجوهرية للبلد، وتلجأ للقمع للتغطية على هذا العجز. وهو ما يذكرنا أيضا بتدبير ملفات الأساتذة المتدربين المرسبين والأطر المعفية تعسفيا، فضلا عن الإقصاء المنهجي من مباريات التوظيف بأسباب بعيدة جدا عن الكفاءة والاستحقاق والمساواة في المواطنة ومرتبطة أساسا بالانتماءات السياسية للمواطنين.

          يضاف إلى الحراك التعليمي حراك آخر لافت للنظر، يخص موظفي قطاع الجماعات الترابية الذين عانوا كل أشكال التهميش والهجوم المنهجي على المكتسبات وهضم الحقوق، في غياب نظام أساسي خاص بالوظيفة الترابية يتسم بالعدالة والإنصاف، ويعمل على فك الارتباط بين ما هو سياسي وما هو إداري، ويضمن نظام تعويضات معقولة ويقطع مع استبداد السلطة والمزاجية، وينهي كل أشكال المحسوبية والزبونية، ويحفز على المردودية، ويفتح آفاق الترقي وتسريعها لجميع الفئات. لذلك خاضت الشغيلة الجماعية خلال هذه الفترة عدة إضرابات، ووقفات ومسيرات خرج فيها حاملو الشهادات بقطاع الجماعات الترابية للمطالبة بتسوية وضعياتهم الإدارية والمالية، بناء على الشهادات العليا المحصل عليها إسوة بإخوانهم بباقي القطاعات الأخرى، فنالوا أيضا نصيبهم من التعنيف والتنكيل.

          كما شهد القطاع الصحي بدوره احتجاجات متنامية خلال تلك الفترة، نتيجة الإهمال وهضم حقوق فئات عريضة لا زالت تترقب إنصافها وتسوية وضعياتها. بالإضافة للضغط المتزايد على أطر وموظفي القطاع بعد جائحة كورونا خاصة، شهدت هذه المرحلة ارتفاعا في الطلب على الرعاية الصحية والعلاج، مقابل محدودية العرض الصحي، الذي يعرف نقصا حادا في الموارد البشرية وبنيات الاستقبال وكل الخدمات العادية منها والنوعية كالإنعاش. وقد جاءت الدولة بقانون “الوظيفة الصحية”، حيث صدر بتاريخ 26 يوليو2021 تعديل للنظام العام للوظيفة العمومية يخرج بموجبه مهنيو الصحة من نطاق النظام الأساسي للوظيفة العمومية، لكن ما يزال مضمون هذا التعديل غامضا وهو ما دفع النقابات الصحية للتعبير عن قلقها من المشروع، خاصة أمام الطريقة الاستفرادية التي يدبر بها هذا الملف. من جانب آخر، استمرت حالة التوتر بين الصيادلة والوزارة الوصية، واتهمت هذه الفئة الوزيرَ بإهمال قطاع الصيدلة والتقصير فيما يخص الأمن الدوائي للمغاربة. وتجلّى ذلك في الانقطاع المتكرر لبعض الأدوية، وهو ما برز بشكل كبير خلال موجتي كوفيد 19 “دلتا” و”أوميكرون”، حيث تكررت الأخطاء نفسها التي رُصِدت في بداية الجائحة.

          وبسبب التدبير الرسمي السيء لقطاع الصحة تظل التغطية الصحية بالمغرب ضعيفة جدا، شكلا ومضمونا. فعوض أن تتحمل الدولة مسؤوليتها في العمل على تحقيق الإنصاف في مجال الاستفادة من الخدمات الطبية، كما نصت عليه مدونة التغطية الصحية، تلجأ كعادتها إلى الرضوخ للوبيات الفساد وتجري تعديلات تخدم بالدرجة الأولى أهداف من احترفوا الاغتناء على حساب معاناة وآلام المرضى. فالدولة ملزمة أن تعمل على تعبئة كل الوسائل لتيسير أسباب استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، وأن تكون الخدمات موزعة توزيعا كافيا على سائر التراب الوطني بما يحقق العدالة المجالية. ويقتضي تحقيق هذه الغاية النهوض الشامل بالقطاع الصحي، وتأهيله وتزويده بالإمكانيات اللازمة، حتى لا يكرر مشروع “الحماية الاجتماعية” الجديد المشاكل التي عرفها نظام “راميد”، والذي كان وما يزال يشكو من ضعف البنيات والإمكانيات وقلة الموارد البشرية وتدني جودة الخدمات على المستويين الكمي والنوعي.

          إن المتتبع للوضع الاجتماعي في المغرب يسجل بدون أدنى ريب أن الدولة ما تزال تصر على تكريس التبعية، والتمادي في رهن البلاد لإملاءات صندوق النقد الدولي وباقي اللوبيات المالية العالمية المستكبرة، وبالتالي الإمعان في نهج سياسات جائرة ولا شعبية، تضرب في العمق كل التوازنات وتتنصل من كل واجباتها مما يكرس الهشاشة ويرفع منسوب السخط العام لدى معظم الفئات الاجتماعية. وقد ظهر هذا التوجه واضحا في العرض الحكومي الأخير الذي يمكن وصفه بالهزيل جدا وغير المستجيب للحد الأدنى من المطالب الاجتماعية المشروعة لفئات واسعة من الشعب المغربي. وبناء عليه فالرهانات المستقبلية كبيرة جدا، والظرفية الحالية تفرض على الدولة مراجعة كل اختياراتها الاقتصادية والاجتماعية السابقة، وأن تأخذ العبرة من تصاعد حدة الأزمة. فالحاجة ماسة، إذن، لتغيير شامل وجذري، يفسح المجال لإصلاحات اقتصادية واجتماعية تتكفل ببناء اقتصاد وطني تضامني ومنتج يقوي القدرات الاقتصادية للبلاد ويكون في خدمة الحاجيات الأساسية لأغلب المغاربة.

 

5.    النساء المغربيات معاناة من عمق الاختلالات:

لقد ظلت قضايا النساء المغربيات قضايا حارقة تكشف عن عمق الاختلالات في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية وسواها. وقد تحدثت بذلك العديد من التقارير الرسمية وغير الرسمية في أرقام كان بعضها صادما ومحبطا. وضعية لم تزدها جائحة كوفيد 19 إلا تأزما، حيث وجدت النساء أنفسهن في مواجهة مباشرة مع مخلفات الجائحة التي أسهمت في توسيع دوائر الفقر والهشاشة في صفوفهن، خاصة مع غياب خطة محكمة من أجل التصدي لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. وباستدعاء لغة الأرقام، فإن نسبة النساء العاملات في القطاع غير المهيكل تشكل 61,8% من مجموع النساء العاملات، إضافة إلى تزايد عدد الأسر الفقيرة التي تعيلها النساء في الوسط الحضري، زد على ذلك نسبة الأمية المرتفعة والتي تصل إلى 61% في المجال القروي و34.5% في المجال الحضري، أما نسبة “النساء غير النشيطات” فقد وصلت إلى حدود 79.3%، كما أن 37,5% من النساء العاملات في الوسط الحضري لا يتوفرن على عقود عمل، في مقابل 91,3% بالنسبة لمثيلاتهن في الوسط القروي مما يجعلهن عرضة للطرد التعسفي في أي لحظة، في غياب حماية قانونية نتيجة قصور النص القانوني أو تعطيله وأحيانا غيابه. وهو ما تسبب في فقدان العديد من النساء لموارد دخلهن خاصة في القطاع غير المهيكل بسبب الطوارئ الصحية، وتزايدت المعاناة المادية لغالبية الأسر المغربية نتيجة عمليات التسريح الواسعة والاقتطاعات المهمة وأحيانا تجميد الأجور، وما خلفه ذلك من إضرار بالاحتياجات الأساسية والالتزامات الأسرية. وضع اضطرت معه العديد من النساء إلى مواصلة العمل في الوحدات الصناعية والفلاحية رغم غياب شروط ومعايير السلامة والوقاية حتى تحولت بعض الوحدات إلى بؤر موبوءة (حادثة معمل طنجة، معامل التصبير بآسفي، حادثة مصنع سيكوم بمكناس وحقول الفراولة بالقنيطرة وضواحيها…..)، ناهيك عن شروط نقل العاملات للضيعات الزراعية، مما تسبب في حوادث سير أودت بحياة العديد منهن في غياب تام لسؤال السلامة الجسدية والوقاية من انتشار الوباء.

وفي هذا السياق لا يمكننا أن ننسى ما مرت به العاملات الزراعيات بالديار الإسبانية، حيث وجدن أنفسهن بعد انتهاء عقود عملهن، عالقات ومحاصرات في أماكن مخصصة لسكنهن تفتقد لشروط العيش الكريم، ليزداد الوضع سوءا مع طول مدة إغلاق الحدود بين البلدين وغياب تدخل الدولة لتسوية وضعيتهن، مما جعلهن عرضة لسوء المعاملة والاستغلال الاقتصادي والتحرش الجنسي… وحتى بعد قرار فتح الحدود الجوية وضعت لذلك شروط تعجيزية لم تراع وضعية هؤلاء العاملات.

واستمر الحال على ما هو عليه مع الرفع العملي للإجراءات الاحترازية في الأشهر الأخيرة، والذي علقت عليه شرائح واسعة من النساء آمالهن في التخفيف من حدة الأزمة، بل ازدادت المعاناة مع موجة الغلاء الفاحش الذي أنهك جيوب ذوات الدخل القار، فما بالك بصاحبات الدخل المحدود ومن لا دخل لهن؟

إن وضعية الهشاشة الاقتصادية التي تعاني منها غالبية النساء المغربيات أصبحت تطال حتى ذوات الشواهد العليا، جراء تفاقم شبح البطالة الذي أجهز على كل أمل في تحقيق الحد الأدنى من شروط العيش الكريم، بله الارتقاء الاجتماعي، الأمر الذي يسهم في تعميق الفوارق الاجتماعية ويجهز على فرص الانعتاق بعد سنوات كد وتعب. 

أعطاب وغيرها كثير تجعل من الكرامة والعدالة الاجتماعية مطلبا معلقا إلى أجل غير مسمى، خاصة في غياب سياسات عمومية قادرة على تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتمكين النساء في مختلف المجالات، في تناقض صريح مع ما تدعيه بعض الوثائق المرجعية الرسمية التي تزعم بأنها مؤطرة باختيارات استراتيجية، آخرها النموذج التنموي الجديد، الذي أبخس المرأة ما تستحقه أوضاعها من اهتمام، وذلك من خلال تخصيص حيز ضيق جدا لمناقشة قضاياها الملحة، مضيفا إلى هذا التقصير عطبا لا يقل عن سابقه خطورة، وذلك بتركيزه على مظاهر البلاء ( العنف/ الأمية/ التهميش…) دون أصله، المتمثل في معضلتي الفساد والاستبداد.

وفي هذه الفترة أيضا سجل ارتفاع لافت لنسب العنف ضد النساء بمختلف تجلياته وأساليبه، حيث طفت على السطح أرقام وأحداث فضحت العنف الممارس سواء في الفضاءات الخاصة في إطار العلاقات الزوجية والعائلية، أو في الفضاءات العامة وأماكن العمل، بل وأماكن الدراسة، وهو ما يجهز على حق النساء في فضاءات آمنة تحفظ كرامتهن، ولا يخضعن فيها لأي نوع من أنواع الاضطهاد أو الابتزاز كيفما كان نوعه أو مصدره.

واقع مرير لم يثن النساء عن تصدر عدد من النضالات الشعبية في مواجهة زحف الدولة المفضوح على الحقوق والحريات، مستغلة حالة الطوارئ الصحية. فكانت النساء حاضرات في قلب الديناميات النضالية للدفاع عن مطالبهن المشروعة، رغم سياسات القمع والتنكيل التي تجيب بها الدولة عن كل فعل احتجاجي، حتى بلغ الأمر حد الاعتقال والمحاكمة، وما ملف الأستاذات اللواتي فرض عليهن التعاقد عنا ببعيد.

إن تحقيق وضعية مجتمعية منصفة للنساء تفرض حمايتهن من الاستغلال البشع سواء في الفضاءات العامة أو الخاصة، وإنصافهن من جميع التصورات التي تصر على تحقيرهن وتهميش أدوارهن داخل الأسرة والمجتمع، من خلال بناء قيم مجتمعية جديدة تشكل قوة دافعة لتعزيز مكانة النساء، وهذا لن يكون إلا من خلال تعزيز مكانة الإنسان وتسليحه بعناصر القوة الأخلاقية والقيمية والمعرفية والسياسية والاقتصادية الضرورية لتحقيق هذا التحول.

 

6.    الشباب: واقع مأزوم ومستقبل غامض

تؤكد معطيات مختلف التقارير الرسمية وغير الرسمية، المحلية منها والدولية؛ أن الواقع الشبابي بالمغرب مترد في الكثير من المجالات. فحسب مؤشرات جد دالة، وصـل عـدد الشـباب غير المتمدرسين وغير الخاضعين للتكوين والعاطلين قرابة 4.3 مليـون شـاب، تتـراوح أعمارهـم بيـن 15 و34 عامـا حسب تقرير النموذج التنموي الجديد الصادر في أبريل 2021، ووفق التقرير نفسه فإن مؤشـرات أداء المدرسـة والجامعة المغربيـتين تظــل جــد متدنيــة.

ولئن كانت تداعيات جائحة “كورونا” الاقتصادية والاجتماعية قد مسّت مختلف الشرائح الاجتماعية ببلدنا، فإن الشباب المغربي كان له الحظ الأوفر من آثارها، حيث ارتفعت البطالة وزادت حدتها في ظل عجز وفشل السياسات المتعاقبة في التخفيف من هذه المعضلة التي تنهش الجسم الشبابي. فبناء على دراسة للمندوبية السامية للتخطيط فإن معدل البطالة وصل سنة 2021، وسط فئة عامة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما، إلى 30.8% وشكل حاملو الشهادات منهم 20.4%.

          كما أن الأرقام الرسمية تقول إن 75% من الشباب المغربي لا يتوفرون على أية تغطية صحية، وأن 82% منهم لا يمارسون أي نشاط ترفيهي أو رياضي أو ثقافي، في حين تستمر الدولة في غلق العشرات من الفضاءات من دور الشباب ومراكز التخييم ودور الثقافة أو تأميمها حسب المزاج والسياسة الرسمية.

ويشير تقرير أصدره المرصد الوطني للتنمية البشرية في شهر يناير 2021 إلى أن الهشاشة الاجتماعية تمثل أكبر تهديد يحدق بالتنمية البشرية بالمغرب، باعتبارها تطال واحدا من أصل ثلاثة شبان نشيطين عاملين، وخلص إلى أن هذه الهشاشة تهم 32.3% من السكان النشيطين العاملين، وهي ناجمة بنسبة 88.5% عن الهشاشة في الشغل. كما أشار التقرير ذاته إلى أن سبعة شبان من أصل عشرة في المغرب تستهويهم الهجرة، وهي النسبة الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن الرغبة بالهجرة عند 73.5% من هؤلاء الشبان تجد تفسيرها في ضرورة البحث عن كسب العيش.

ولم يكن تدبير المدرسة والجامعة في ظل جائحة كورونا ليشذ عن هذا الوضع، والذي يتواصل معه تغييب الإشراك الحقيقي للمتدخلين في الشأن التربوي في صناعة القرار، ما أدى إلى قرارات ارتجالية في قطاع بالغ الأهمية والحساسية تضرب في العمق مبدأ تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب المغربي، عبر نهج ما سمي “التعليم عن بعد”. هذا الاختيار الذي كشفت الإحصائيات الرسمية نفسُها عن فشله لعدم استجابته للمعايير المطلوبة، في غياب بنية تحتية ومناهج تربوية ملائمة، وإمكانات بشرية مؤهلة. وعمق هذا الفشل التفاوتُ الصارخ بين فئات المجتمع، الذي حال دون أن يتمكن تلاميذ كُثر من الاستفادة من حقهم في التعليم.

كل ذلك أنتج وضعا شبابيا غارقا في اليأس والتهميش والتفقير والتجهيل، لم يترك للشباب المغربي الكثير من الخيارات من أجل العيش الكريم في وطنه، وهو ما يفسر تواصل المشاهد المؤسفة – التي أضحى العالم يتابعها عبر المباشر- للعديد من الشباب الذين يواصلون الهجرة نحو أوروبا في قوارب غير مؤهلة، دون أن يكترثوا باحتمالات الموت المحقق وسط مياه البحر الجارفة.

أما بخصوص المجال الرياضي، فرغم المؤهلات والقدرات الرياضية التي يتميز بها الشباب المغربي، فإن ذلك لا توازيه سياسة رياضية تحتضن الكفاءات الشبابية المغربية المهدرة وتستثمر إبداعاتها في المجالات المتعددة، حيث تسجل عدة ملاحظات على التدبير الرسمي لهذا المجال، نذكر منها:

–       ضعف البنية التحتية لمؤسسات دور الشباب والملاعب الرياضية وعدم جاهزيتها.

–       تفاوت مجالي في خريطة المؤسسات الرياضية والأنشطة الرياضية وضعف تعميمها على مختلف الفئات العمریة، مما يضرب مبدأ تكافؤ الفرص.

–       غياب المغرب عن منصات التتويج في رياضات كانت لوقت قريب حكرا على المغاربة، مثال ألعاب القوى (مع تسجيل حالات استثنائية معزولة).  

–       غياب التأطير التربوي للجماهير الرياضية مما نتج عنه تنامي ظاهرة العنف بمختلف أشكاله المادية واللفظية في الفضاء الریاضي، وبروز لافت للتعصب وإثارة النعرات المناطقية، مقابل تراجع الروح الریاضیة والأخلاقية لمشجعي بعض الفرق الرياضية، مما يطرح عدة تساؤلات عن خلفيات ودوافع هذه الظاهرة.

–       إعادة الدمج بين وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة، مما يجعل تدبير الوزير للقطاع يخضع لمنطق التفويض، بما يعنيه من تهميش قطاع على حساب آخر.

–       ارتفاع نسبة الهجرة السرية للشباب المشارك في التظاهرات الرياضية خارج أرض الوطن وما يحمله من رسائل ودلالات مؤسفة.

 

7.      إجراءات الطوارئ تكريس للانتهاكات:

          اتخذت الدولة المغربية منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية بتاريخ 19مارس 2020 مجموعة من الإجراءات والتدابير والقرارات الطارئة والاستثنائية بهدف الحد من انتشار فيروس كورونا، وبالرغم من المسوغات والظروف التي تسمح بسن هذه الإجراءات والتدابير الاستثنائية، بهدف حماية الصحة العامة للمغاربة، فإنه من الملاحظ أن الدولة استغلت ظروف الوباء لتكريس مزيد من السلطوية من خلال مقاربة طغى عليها الهاجس الأمني والرغبة في التحكم في الوضع، مما أفضى إلى انتهاكات واسعة للحقوق والحريات، ذهب ضحيتها العديد من المعتقلين السياسيين وصحفيين ونشطاء في مختلف المجالات. وشكلت هذه القوانين والإجراءات غطاء لمزيد من كتم الأصوات الحرة، وقمع التنظيمات المعارضة والتضييق عليها ومنعها من حقها في التنظيم والتجمع والتعبير، ولقد استمرت الدولة المغربية مدة سنتين من الوباء في نهج هذه المقاربة، مما جعل المشهد الحقوقي المغربي يتسم بمجموعة من العناوين البارزة.

          وخلال مرحلة الطوارئ سنت السلطات جملة قوانين وتشريعات تطلق يد السلطة في التجريم والعقاب، ومن ذلك ما نص عليه المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الذي خَوَّل للولاة والعمال اختصاصات واسعة خلال حالة الطوارئ الصحية قابلة للتأويل، تم استغلالها بشكل بشع لتكريس السلطوية، وانتهاك الحق في الكرامة والسلامة النفسية والجسدية، من خلال عدد من الانتهاكات والتدخلات العنيفة لرجال السلطة وأعوانهم أثناء تطبيق التدابير الاحترازية المتعلقة بوباء كورونا، كالضرب والشتم والإهانة ومصادرة الممتلكات أو تخريبها … وقد استمرت السلطات في توظيف سياق الوباء لتمرير وسن قوانين وتشريعات لترسيم الدولة الأمنية (التطبيع، تقنين الحشيش، فرنسة التعليم، إجبارية جواز التلقيح، تكريس التعاقد، القاسم الانتخابي …).

          واستمرت السلطات، أيضا، في استغلال ذريعة الطوارئ الصحية لرفع حدة القمع المسلط على المعارضين والمحتجين بكل فئاتهم وعلى اختلاف مطالبهم (رفض إجبارية جواز التلقيح، احتجاجات الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، احتجاجات الأسعار، احتجاجات المعطلين، والأراضي السلالية، والماء والكهرباء…)  والملاحظ أن الأجهزة الأمنية تدخلت باستعمال مفرط للقوة بدون تناسب لتفريق العديد من الاحتجاجات وقمعها بالعنف مما خلف إصابات وعاهات عديدة في حالات كثيرة، وقد وثقت العديد من التقارير الحقوقية الصادرة عن مجموعة من المنظمات الوطنية والدولية هذه الخروقات والانتهاكات التي تميزت بالتضييق على حرية التجمع وحرية التنظيم وحرية الاحتجاج السلمي مؤكدة أن الدولة المغربية وظفت حالة الطوارئ الصحية ذريعة لخنق هذه الحريات. ومن جهة أخرى انتهجت الدولة أسلوب التشهير بالمعارضين والأصوات الحرة، في إطار التضييق على المزعجين المناهضين للسلطوية، وذلك عبر استغلال وسائل إعلام تابعة للسلطة أضحت متخصصة في التشهير بالأفراد وانتهاك خصوصياتهم وخصوصيات العائلات، بما فيها المعلومات الخاصة

كما حافظت السلطات المغربية على نهجها في  الاعتقال التعسفي للعديد من المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفي مقدمتهم معتقلو حراك الريف والصحافيون سليمان الريسوني وعمر الراضي وتوفيق بوعشرين، وبالرغم من مطالب الحركة الحقوقية بالإفراج عن معتقلي الريف وجرادة، إلا أن الدولة استمرت في نهج المقاربة نفسها، والنتيجة إضافة معتقلين سياسيين جدد  إلى لائحة الاعتقال السياسي ببلادنا، منهم الإمام سعيد أبو علين الذي اعتقلته السلطات على خلفية مطالبته بتسوية وضعيته ووضعية العديد من القيمين الدينين الذين يعانون من أوضاع اجتماعية مزرية، كما اعتقلت السلطات الناشط نور الدين العواج أحد أبرز وجوه الفعل الميداني بمدينة الدار البيضاء،  كما شملت اللائحة الناشطة فاطمة الزهراء ولد بلعيد، والحقوقي إدريس السدراوي، والناشط أحمد زاهير والمدونة سعيدة العلمي….

          ومن جهة أخرى واصلت الدولة استهداف كثير من المعارضين والنشطاء بمحاكمات سياسية تفتقد لأدنى شروط المحاكمة العادلة بسبب مواقف هؤلاء المعارضين أو بسبب آرائهم ومن الأمثلة على ذلك محاكمة كل من الحقوقي المعطي منجب والنقيب محمد زيان وعدد من المدونين والنشطاء من خلال متابعات ومحاكمات ماراثونية على خلفية ملفات فارغة تنطوي على محاكمة الرأي وحرية التعبير عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

          وتظل القضايا الحقوقية التي تهم جماعة العدل والإحسان مفتوحة، فبالإضافة إلى الحصار  والتضييق ومصادرة حقوقها في التنظيم والتعبير، والتضييق على أعضائها في أرزاقهم ووظائفهم، نسجل تمادي السلطات في إغلاق بيوت بعض أعضائها وعددها 14 بيتا مشمعا  تم إغلاقها بقرارات إدارية تعسفية غير قانونية، وعلى رأس هذه البيوت بيت الأستاذ محمد عبادي بمدينة وجدة الذي تم تشميعه منذ سنة 2006، أي ما يقارب 16 سنة من الإعلاق التعسفي مع ما تتعرض له هذه البيوت من سرقة وتخريب ومنع أصحابها من الدخول إليها، في هذا السياق نسجل منع السلطات المغربية لقافلة حقوقية وطنية نظمتها اللجنة الوطنية للتضامن مع البيوت المشمعة لكل من مدينة القنيطرة ومدينة طنجة، من أجل المطالبة بفتح هذه البيوت مع تحميل السلطات المغربية كامل المسؤولية عن الوضعية التي آلت إليها خاصة في ظل ما تتعرض له من اعتداءات متكررة.

          ومن جهة أخرى نسجل استمرار التضييق على الجماعة في مجالات متعددة، لعل أبرزها محاكمة العديد من النشطاء والمدونين الذي يعبرون عن آراءهم بشكل سلمي ومسؤول، حيث تتابع السلطات الشاب ياسر عبادي، نجل الأمين العام للجماعة، في محاكمات ماراثونية على خلفية تدوينه في الفيسبوك. وفي السياق نفسه حاكمت السلطات المغربية المدون حفيظ زرزان في محاكمة تفتقد لأدنى شروط المحاكمة العادلة على خلفية تدوينة على حائطه، وهذه عينة من المحاكمات والمضايقات المتواترة في أكثر من مجال.

          وطال التضييق المجال الطلابي والجامعي، إذ نسجل تجدد هجوم السلطة على فصيل طلبة العدل والإحسان وأنشطته ونشطائه، فخلال هذه المرحلة تم طرد أربعة أعضاء من فصيل طلبة العدل والإحسان وحرمانهم من حقهم في الدراسة بجامعة ابن زهر بمدينة أكادير على خلفية نشاطهم النقابي والثقافي داخل الجامعة، كما منعت السلطات الملتقى الوطني للقدس بجامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة بصورة فجة حيث تم إغلاق  الجامعة في سابقة من نوعها، مع توقيف الدراسة لثلاثة أيام بدون مبرر، وعسكرة محيط الكليات ومنع الطلبة من الاقتراب منها وقمعهم ثم اعتقالهم في سيارات الشرطة لساعات طويلة. كما قامت نفس الجهة بمنع نشاط طلابي لفصيل طلبة العدل والاحسان بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط، ويؤكد تواتر هذه الأحداث وترابطها أن الأمر يتعلق بسياسة قمعية ممنهجة ضد أنشطة طلبة العدل والإحسان داخل الحرم الجامعي.

 

8.      فتح المساجد آخر ما تفكر فيه السلطة السياسية:

          تميزت الفترة التي يشغلها التقرير بالإجراءات الاحترازية التي فرضها وباء كورونا، ومنها تعطيل عدد من الشعائر الدينية كمنع الصلاة في المساجد، ومنع صلاة التراويح وصلوات أعياد الفطر والأضحى في الساحات العامة. وإذا كانت هذه القرارات مفهومة في سياق الضبابية التي لفّت الظهور السريع والانتشار المفاجئ للوباء دون سابق خبرة أو استعداد لمواجهته، فإن استمرار هذا المنع لفترة طويلة، في الوقت الذي فتحت فيه كل المرافق العمومية والخاصة بما فيها الملاعب والأسواق والمقاهي وقاعات الحفلات وغيرها مما يعرف ازدحاما مضاعفا على ما هو عليه الحال في المساجد، طرح أكثر من سؤال عن الخلفية التي حكمت استمرار الغلق الشامل، قبل أن تقوم الوزارة المعنية بفتح 5000 مسجد من أصل 51 ألف مسجد، فيما ظلت 90% من المساجد مغلقة حتى تلك الموجودة في البوادي والمداشر حيث نسب المصابين بالوباء منعدمة، وأعداد المترددين على المساجد قليلة. وقد فتحت تلك المساجد بشكل تدريجي وجد بطيء بعد أن طالب عشرات الدعاة والشخصيات العلمية والمدنية بالمغرب، السلطات بإعادة فتحها. لكن أماكن الوضوء ظلت مغلقة ومنع الناس من قراءة القرآن في المصاحف إلى وقت قريب. وهذا ما يفضح استقالة الوزارة المعنية من مهمتها في تأمين الشروط المادية والمعنوية لتمكين المغاربة من أداء شعائرهم في ظل ظروف استثنائية، رغم ما تتوفر عليه من إمكانيات مساعدة من مداخيل للأوقاف والأحباس. 

          كما استفحل ضعف التأطير الديني والشرعي الذي بلغ أدنى مستوياته، في الوقت الذي كان الناس في حاجة أكبر إلى أجوبة عن أسئلة شرعية تعبدية وأخرى إيمانية روحية تواكب الجائحة وتداعياتها النفسية والاقتصادية والاجتماعية والشعائرية. إذ لم يصدر عن المجلس العلمي التي أوكل إليها هذا الأمر إلا فتوى لتبرير قرار منع الصلاة في المساجد، فيما امتلأت القنوات الرسمية بالبرامج والمشاهد التي تضرب الدين والهوية في عمقها. وقد كان لتوقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني أثر إضافي على هذا المسار الذي امتد ليشمل مناحي تعليمية وثقافية عديدة كانت تمتح من روح الدين الإسلامي بصفاء ووضوح فصارت تقتات على مفاهيم وخلفيات غريبة عن عمقه وماهيته لطمس حقيقة الكيان المحتل وتمييع مبادئ الحق والعدل والإيمان كما حددها الإسلام في مصادره التشريعية.

          وقد لقي التدبير الرسمي استهجانا وشجبا من طرف المواطنين، لأنه مخالف لما وقع في العديد من دول العالم، بما فيها الدول الأوروبية التي خصت المسلمين بتسهيلات استثنائية حتى في فترات الحجر الصحي ليتسنى لهم أداء الصلوات في المساجد. كل ذلك يطرح السؤال حول احتكار السلطة السياسية بالمغرب لتدبير الشأن الديني وتأميم المساجد واستغلال المنابر الدينية للدعاية السياسية مقابل العجز عن اتخاذ التدابير اللازمة والعاجلة لضمان الحق في ممارسة الشعائر الدينية، إذ إن جعل المساجد آخر الأفضية العمومية التي فتحت بعدما خف وطأ الجائحة يدل على أن تأمين الشعائر الدينية هو آخر ما تفكر فيه السلطة المعنية.

 

9.    الإعلام: قمع الرأي المعارض ودعم التفاهة

          وبدون شك، تعد سنة 2021 استمرارا في المنحى المنحَدِر نفسه لما عرفته سنة 2020 على مستوى وضع الصحافة بالمغرب، على مختلف المستويات. فلا زال احتكار الإعلام العمومي وتسييجه ليخدم الرأي الواحد هو الحال السائد، وما زال المعارضون والمخالفون لتوجهات النظام محرومين من حقهم في الإعلام وفي التواصل مع الشعب، ولذلك تستمر معاناة الإعلام العمومي في انفضاض الجمهور عنه، وازدراء عموم المغاربة لتوجهاته القائمة في أغلبها على التحنيط والاجترار والأحادية والسطحية، مع تسجيل قدر كبير من الجرأة على هوية الأمة وقيمها والتطاول على ثوابتها.

          كما أن استمرار المحاكمات والمتابعات القضائية في حق الصحفيين والمدونين حمل رسالة واضحة للجسم الإعلامي المغربي مفادها أن الخرس هو المطلوب. كما أن تصاعد ظاهرة عرقلة عمل الصحفيين والاعتداء عليهم أثناء أداء مهامهم، صارت عنوانا بارزا لأغلب التدخلات السلطوية في شوارع البلد، مما يخيم بظلاله على ظروف عمل الصحفيين. يضاف إلى ذلك الوضعية الصعبة التي تعيشها أغلب المقاولات الصحفية نتيجة ظروف الجائحة وإجراءات التضييق التي رافقت الاحترازات الصحية، فالوضعية المادية المزرية لكثير من الصحفيين تعدّ اعتداء آخر يطال حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وهو تشويش آخر يطال أداءهم المهني ويحدّ من مردوديتهم وفاعليتهم.

          وفي المقابل نسجل في السياق ذاته استمرار سياسة الدعم والتبني التي ترعاها السلطة إزاء مواقع ومنصات بعينها، مما يجعلها منابر لا تتحرّج في دوس أعراف مهنة الصحافة وأخلاقياتها، بل تنخرط بفجاجة وشناعة في التهجم على كل الأصوات الحرة، في هجومات تشهير منسقة. وإن المتتبع ليعجب من تكرار نفس صياغة المقالات التشهيرية وزاوية “النظر” التي تنطلق منها، مما يؤكد أن مُخرجها واحد وإن تعدد مروجها وتغيرت العناوين والتخصصات. وعرفت هذه المرحلة، كذلك، واحدة من أبرز الخطوات التي تؤكد التوجه الرسمي للتضييق على حرية التعبير، تمثلت في طرح مشروع قانون 20.22 الذي استهدف بشكل مباشر حرية التعبير وسعى لتكميم الأفواه، وقد قوبل برفض شعبي واسع اضطر السلطات إلى سحبه وتأجيل النظر فيه.

          وتجدر الإشارة في الأخير، إلى قضية “بيكاسوس” التي عرفت تطورات خطيرة، وبيّنت لمن كانت لديه أدنى ذرة من شك حرص مؤسسات الدولة على إحصاء أنفاس المغاربة والمعارضين منهم على وجه الخصوص. ولا يمكن أن نغفل التنبيه أيضا إلى فضيحة “الذباب الإلكتروني”، الذي صار من الأدوات الرئيسة في التعامل مع الأصوات المخالفة للسياسات الرسمية، خاصة في ظل استمرار شكوى الناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي من الهجوم على حساباتهم ومحاولة التأثير على أصحابها بالتحقير والتسفيه عبر “إنزالات” التعاليق والتبليغات.

          وبدون شكّ يبقى هذا الاختيار الرسمي للدولة المشجّع الأساس على تنامي ظاهرة الإعلام المتهافت والمنحط، الذي تنحصر وظيفته في تحريف النقاش العمومي، وتهريب الاهتمام الشعبي صوب التفاهة والابتذال، مع التشويش الدائم على القضايا الوطنية ذات الأولوية، والانخراط في بعض الرعونات الإعلامية التي تمارس التحريض وتنفخ في النعرات. وقد كانت هذه التوجهات من بين المرتكزات التي اعتمدتها بعض المنظمات الدولية، وفي طليعتها تقارير منظمة مراسلون بلا حدود، في تصنيف المغرب ضمن رتب متدنية في سلم حرية التعبير والصحافة، وهو ما انحدر به ليصنّف ضمن البلدان ذات “الوضعية الصعبة” في المجال.

 

          على سبيل الختم:

          ونحن نختتم هذا التقرير السياسي، نجدد التأكيد على أن المشهد السياسي المغربي طيلة السنوات الثلاث الأخيرة طبعته ثلاثية مركزية نجملها في العناوين الآتية:

●    زيادة التمكين للاستبداد وترسيخ الفساد. وهي الحالة التي سادت طيلة ما سمي بالعهد الجديد وإن تخفّى وراء عناوين تمويهية برّاقة. وقد ازدادت هذه الصورة بروزا وانكشافا منذ بداية أزمة كورونا واستغلال الجائحة لترسيخ المزيد من السلطوية.

●    زيادة التضييق على حرية الرأي والتعبير. وهو الملمح الذي سوّد السجل الحقوقي، الأسود أصلا، للسلطة المغربية داخليا وخارجيا، وما سجن الصحفيين والمدونين والناشطين الحقوقيين والإعلاميين إلا واحدا من أبرز ملامح التضييق.

●    زيادة الهرولة نحو التطبيع والتمكين للكيان الصهيوني. وهو التدحرج المريع نحو الهاوية، الذي انفضح مع القرار الرسمي لإعلان التطبيع مع كيان الاحتلال في دجنبر 2020، ليأخذ المنحى والوتيرة بعد ذلك إيقاعا سريعا ومحاولةً لنقل السقطة من حدودها السياسية إلى تعميم يشمل مجالات الاقتصاد والاجتماع والمعرفة والرياضة…

          غير أن اللافت أن هذه المعضلات الثلاث، هي في حقيقتها نقائص ثلاث؛ فهي نقص في الديمقراطية والحكامة، ونقص في الحقوق والحريات، ونقص في المبادئ والقيم. 

          نعم، قد نسجل، كغيرنا، بعضا من الإيجابيات هنا وهناك، خاصة ما يرتبط منها ببعض البنى التحتية، وتحسين بعض أوجه الخدمات في بعض القطاعات أو الإدارات، وصياغة بعض القوانين الجزئية .. غير أن حجم تلك المنجزات، ووتيرة تفعيلها وما راج من شبهات فساد في العديد من صفقاتها وتركيزها في مجالات ثانوية الفائدة بالنسبة للمواطن وغيابها عن قطاعات استراتيجية مهمة مثل الصحة والتعليم، واقتصارها على قطاعات دون أخرى أو مناطق جغرافية دون غيرها، فضلا عن كونها تندرج في سياق الأعطاب التنموية الكبرى والنسق السياسي المغلق، يجعلها دون أثر كبير على حياة معظم المواطنين ودون الفعالية المرجوة لمعالجة الأعطاب البنيوية التي يعاني منها الواقع المغربي.

          أمام هذا الواقع المؤلم الذي رصد التقرير أهم جوانبه، والذي يزداد رسوخا بسبب سياسات يأبى أصحابها إلا المضي معرضين عن منبهات الخطر التي صارت تدوّي بقوة في الآونة الأخيرة، لا يمكننا إلا أن نزداد اقتناعا بما نطرحه منذ سنوات على المشهد العام بفاعليه المختلفين. فلا مدخل حقيقيا إلى حل أزمة المغرب المستفحلة إلا بالبحث عن أسس جديدة وركائز متينة لانطلاقة مغايرة وإقلاع جاد، والمنطلق هو الحوار الحر والصادق الذي يجمع أبناء الوطن على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم، حوار يستدعي إلى طاولة المتحاورين كل القضايا، ويقترح دون قيود ما يراه لمصلحة الوطن والدولة والشعب، حوار يتنفس روح المشترك بين الجميع ويعمل على تعبئة الشعب وتأطيره لينخرط في مسيرة تحريره.

          إنها الطريق الوحيدة التي يمكنها أن تنهي المزيد من الكلفة السياسية والزمنية البالغة التي يضيعها الاستبداد على وطن يستحق ما هو أفضل ممّا يتردى فيه، وإنها السبيل الآمنة التي تقينا المسارات الغامضة والمتاهات الملتبسة التي يمكن أن تتولد عن اختناق اجتماعي وسياسي يبدع التسلط في إحكام قبضته على الجميع.

          فحين تنحرف الدولة عن علة وجودها وتستقيل من أداء وظائفها أو تؤديها بطريقة سيئة أو غير ملائمة فإن المجتمع بقواه الحية مطالب، من موقع المسؤولية، بالعمل عل إحداث تغيير يأخذ أبعادا يحددها حجم العطب في الدولة، وهذا ما ترسخ في التجربة البشرية لأن السكوت عن هذه الأوضاع أو القبول بها يؤدي دائما إل مزيد من الانهيار الذي قد يطال مواقع القوة الحيوية في المجتمع بل قد يستهدف وجوده الكلي. وإلى هذا المعنى العام يشير حديث السفينة المشهور، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- مرفوعًا: «مَثَلُ القَائِم في حُدُود الله والوَاقِعِ فيها كمَثَل قَوم اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَة فصارَ بعضُهم أَعلاهَا وبعضُهم أسفَلَها، وكان الذين في أسفَلِها إِذَا اسْتَقَوا مِنَ الماءِ مَرُّوا على من فَوقهِم، فَقَالُوا: لَو أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَم نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُم وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيدِيهِم نَجَوا وَنَجَوا جَمِيعا» رواه البخاري.

والحمد لله رب العالمين.

تاريخ الخبر: 2022-07-18 15:20:20
المصدر: الجماعة.نت - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 52%

آخر الأخبار حول العالم

زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرد في هذه المناطق اليوم السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 15:26:09
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 50%

زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بالبرد في هذه المناطق اليوم السبت

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-11 15:26:05
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية