محمد عبد الحكم
السؤال ظل هاجساً يقلق مضاجع أهل الجزيرة والسودان أجمع، بعد بحث غير مضني، اتضح لي بجلاء أن (أحد أسباب) غرق المناقل كان بفعل فاعل، ربما كان هذا الفاعل جاهلاً بخطورة وفداحة ما فعل، لكنه ضالع في الجريمة.
في الثاني من شهر يونيو الماضي أعلن العاملين في الخزانات والسدود اضراباً عن العمل، ودفعوا بمطالبات مشروعة تتعلق بتحسين المرتبات، و مدخولهم المالي أسوة بالعاملين في الكهرباء، بل وأبدوا شكوك مغلظة بأن مرتباتهم يتم التلاعب فيها ويتحصلون أقل من المخصص لهم في الكشوفات الرسمية.
تزامن الإضراب مع مواقيت الفتح التدريجي لبوابة ترعة المناقل، التي يفترض أن تبدأ في منتصف يونيو لتصل إلى مستواها الطبيعي بالقياسات المضبوطة لدى إدارة الري بمشروع الجزيرة، في الخامس والعشرين من ذات الشهر..
ماذا حدث؟
استخدمت السلطات القوة الجبرية في مواجهة العاملين في خزان سنار، واستلمت الخزان، و طردت الكادر المضرب (كانوا يزاولون عملهم بأخلاق واحترافية بتبادل ادوار و لجنة طوارئ لضبط المناسيب بصورة علمية).
طردوهم بالقوة، واستلمت قوات أمنية مشتركة الخزان، و استبدلت المضربين بآخرين لا خبرة لهم في كيفية التشغيل الفني للخزان، وفتح الكادر الجديد في ذات يوم استخدام القوة الجبرية بوابة ترعة المناقل بشكل كامل، وهو إجراء خاطئ فنيا، لأن التدرج في فتح البوابات ضروري حتى لا تندفع المياه بكثافة وتستغل النز في جسد الترعة و الجحور التي صنعتها الفئران في جسد الحواجز الترابية للترعة، وتنفلت من مسارها لتخرج من مجرى الترعة، وهو بالضبط ما حدث.
إذ تزامن الدفع الكلي للمياه مع إنهاك (دبة الكنار) بسيول أتت من جبال موية (في سنار) فانكسرت (دبة الكنار) في المناطق الهشة.
وغرقت قرى وأحياء لم تصلها مياه ترعة المشروع منذ تأسيسه.
الانكى والأمر أن محاولات العاملين الجدد لغلق بوابة ترعة المناقل فشلت تماما في أيام الغرق الاولى لأنهم من غير ذوي الخبرة، يعتقدون أن الإغلاق والفتح كهربائي فقط، وهو غير صحيح، فلابد من الغوص داخل المياه لحل (التيلة) ونفض (البنز) وهو ما يعلمه عاملين طردتهم إدارة خزان سنار بالقوة، واستبدلتهم بعناصر تنقصها الخبرة، و اكتملت اركان الجريمة بمنع وكيل وزارة الري العاملين المضربين لمزاولة عملهم بعد إيقافهم الإضراب بمسؤولية وطنية عالية من أجل الاشراف على الخزانات في فصل الخريف.
إنها جريمة مكتملة الأركان، تسببت بزوال قرى كاملة من الوجود، وشردت آلاف الأسر التي كانت منازلها ملاذا آمنا، و أضحت اليوم ركاماً يسبح في بحر الضياع.
والخطورة تكمن ايضا في مواصلة الاستهتار بأرواح وممتلكات الناس… إن استمر الوضع على ما هو عليه، فالغرق سيطال مناطق جديدة في المشروع.
اننا نحمل وزارة الري و إدارة خزان سنار المسؤولية كاملة ونطالب بتحقيق شفاف، ربما يثبت خطأ معلوماتنا، ويبرئ ساحتهم، أو يثبت حقيقة الإهمال و إغراق المناقل، ما يستوجب إجراءات قانونية رادعة .
