بعد 4 أعوام على انطلاق ثورة ديسمبر السودانية، ما زالت ملامح الألم والحزن تكسو وجه ذلك الثائر الذي تعرض للإصابة في “يوم الغدر” كما يسميه الثوار، وهو يوم فض إعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، ذلك التاريخ الذي بات لا يفارق ذاكرة السودانيين لبشاعة ما شهده من أحداث.
الخرطوم: التغيير: فتح الرحمن حمودة
“مؤتمن” وهو إسم مستعار لشاب جامعي عشريني، فقد قدرته على الحركة الجسدية نتيجة تعرضه للإصابة صبيحة يوم فض إعتصام القيادة العامة للجيش، يروي رحلة معاناته في العلاج لـ «التغيير».
وصل آلاف السودانيين، ظهيرة 6 أبريل 2019، إلى المقار الرئيسية للجيش في العاصمة الخرطوم.
وكان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، تتويجاً لاحتجاجات امتدت لأشهر للمطالبة بتنحي الرئيس المخلوع عمر البشير، قبل أن يتحول إلى اعتصام سلمي امتد لنحو شهرين.
لكن قوات ترتدي الزي العسكري فضت بالقوة المميتة إعتصام القيادة العامة، في 3 يونيو 2019 ما أدى إلى سقوط مئات من الضحايا بين قتيل وجريح ومفقود.
كان الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، تتويجاً لاحتجاجات امتدت لأشهر للمطالبة بتنحي الرئيس المخلوع عمر البشير
في ذلك اليوم أصيب “مؤتمن” برصاصة في السلسلة الفقرية عندما حاول مع رفاقه الذين أرتقت أرواحهم إخراج الثوار من محيط القيادة العامة لحظة إطلاق العسكر للرصاص.
في البدء واجه صعوبات عديدة كان لها تأثيرها النفسي عليه، وأخرى اجتماعية جعلته منعزلا عن الجميع، ذلك إلى جانب كوابيس فض الإعتصام التي لم تفارق منامه.
باتت أسرته منذ إصابته لا تحصل على أي دخل يعينهم على توفير مستلزمات بيتهم خصوصا، انه كان قد رافقه للعلاج شقيقه الأكبر الذي يعول الأسرة منذ وفاة والده قبل 12 عاماً، فبعد سفرهم تدهور الوضع الاقتصادي لأسرته.
بداية المعاناة
قال “مؤتمن” لـ «التغيير»: “بعد أن فقدت الحركة بسبب الشلل النصفي الذي تعرضت له، كانت الصدمة الكبرى هي عجزي عن الحركة تماما، إلى جانب كوابيس جثث فض الإعتصام التي تراودني في المنام فأصبحت منعزلا عن الناس”.
أعوام مضت وما زال الشاب العشرين يحاول تلقي العلاج، إلا أنه أصبح يشعر بالإحباط واليأس خاصة بعد رحلة علاج كان قد بدأت خارج البلاد واستمرت لنحو عام دون جدوى بسبب إهمال الجهات المختصة.
روى”مؤتمن” أنه كان قد سافر في ديسمبر الماضي، إلى دولة أوكرانيا رفقة 3 مصابين لتلقي العلاج هناك، وأكد على أن الرحلة تمت دون تنسيق مسبق وأنهم تفاجاوا بهبوط الطائرة التي نقلتهم في مطار عسكري بأوكرانيا.
مكث “مؤتمن” ورفاقه أكثر من 10 ساعات “جلوسا على البلاط” في انتظار إتمام إجراءات دخولهم البلاد.
بعد الوصول إلى أوكرانيا أجريت له عملية زرع شريحة داخل جسده ومن ثم أجريت له عملية زراعة خلايا جزعية خارج المشفى.
مكث “مؤتمن” ورفاقه أكثر من 10 ساعات “جلوسا على البلاط” في انتظار إتمام إجراءات الدخول إلى أوكرانيا
وعن تفاصيل عن العملية يقول “مؤتمن”: “بعد أسبوعين أجروا لي عملية خلايا جزعية في البيت دون تعقيم، وعانيت من الألم وجاءتني مضاعفة بسبب الشريحة التي كانت في النخاع”، ويشير إلى أن ذلك كان قبل مغادرتهم إلى الهند بعد شهرين ونصف.
خيبة أمل
تفاجأ “مؤتمن” فور وصوله الهند من حديث الطبيب الذي ذكره له أن الشريحة منتهية الصلاحية منذ العام 2013، وأنها لم تعد لها فائدة، ليتم أقناعهم بعمل شريحة جديدة.
لتأتي بعد ذلك – على حد قوله – الوعود الكاذبة بأنه سيتحسن بعد 3 أشهر، ويذكر أنه بمضي 7 أشهر لم يكن هنالك تحسن يذكر، الأمر الذي أزعجه كثيرا.
ظلت المعاناة الصحية ترافق “مؤتمن” في الهند، بجانب مشكلة التواصل باللغة الإنجليزية، وفي هذا الصدد يقول: “لم يكن لدينا مترجم وإذا تحدثت تجد المعاكسة في إجراءات كثيرة.
كل ذلك بجانب مصاريف الإعاشة التي قال أنها تصل في بعض الاحيان لنحو 300 دولار شهرياً، وأحياناً يحصل 500 دولار لتغطية مصروفات شهرين.
على الرغم من عودته للبلاد إلا أن” مؤتمن” ما زال يعاني من إصابته التي باتت تسبب له العديد من المشاكل الصحية منها صعوبة الإخراج.
ويضيف: “ما زال هنالك جهاز في جسمي ليس له فايدة ويسبب لي ألما حادا، ومشكلات في البول الذي بات يرجع إلى الكلى من المثانة مباشرة”.
وختم “مؤتمن” حديثه لـ «التغيير» بقوله: “رغم كل هذه المعاناة ما زلتُ على مبادئي ثورتنا إلى أن تتم محاسبة جميع القتلة وتحقيق مدنية الدولة”.
