كشف مصابون في ثورة ديسمبر السودانية، عن فصول من المعاناة التي يكابدونها لأجل الحصول على العلاج الذي يناسب حالات الشلل والبتر التي تعرضوا لها جراء الإصابات خلال الحراك الثوري.
التغيير- الخرطوم: الفاضل إبراهيم
بحسب المكتب الطبي لمصابي ثورة ديسمبر في السودان «مكتب داخلي ميداني للثوار»، فإن عدد المصابين الذين بترت أطرافهم «رجل ويد» يبلغ «49» ثائراً، بجانب عشرات المصابين الذين فقدوا أعينهم كما أصيب الكثيرون بالشلل.
«التغيير» واصلت التوثيق لبعض قصص المصابين ومعاناتهم من أفواههم مباشرة، حيث تحدثوا عن تجربتهم مع الإصابة.
قصة مدثر مختار
مدثر موسى مختار- أحد مصابي ثورة ديسمبر، تحوّلت حياته رأسا على عقب جراء إصابته برصاصة في السلسلة الفقرية خلال أحداث «8 رمضان» بالقيادة العامة للجيش في العام 2019م، وما أدى لإصابته بشلل نصفي جعله يتحرك عبر «كرسي عجلة».
قبل سرد قصته، رد مدثر بكلمات واثقة، على سؤال لـ«التغيير»، حول ما إذا كان نادماً على المشاركة في الحراك الثوري ما أدى لإصابته بالشلل، وقال: «عندما أصبت كنت في الصف الثامن أساس، ورغم مضي هذه السنوات وأنا مصاب بالشلل لست نادماً، ولو عاد بي الزمن مرة أخرى سأشارك ضد العسكر في الاحتجاجات حتى نحقق مطالبنا بالقصاص من قتلة المتظاهرين والذين تسببوا في الأذى والوصول للدولة المدنية».
وروى مدثر قصته بالقول: «يوم 8 رمضان وأنا في القيادة العامة أصابتني رصاصة في الفقرة الثامنة دخلت على إثرها في غيبوبة لمدة 18 يوماً»، حيث قضى ثلاثة أشهر في مستشفى الفيصل.
بعد ذلك لم تحدث استجابة في الإصابة فسافر مدثر خارج السودان عن طريق اللجنة الفنية لمصابي الثورة إلى أوكرانيا.
وفي أوكرانيا كان من المفترض أن يقوم بتركيب شريحة. يقول مدثر: «الشريحة كانت غير صالحة.. أنا كنت رافض أصلا إجراء العملية لكن الطبيب المرافق قال لي إذا لم تجر العملية سترجع للسودان».
وأضاف: «وبالفعل تمت العملية وأخبروني أنني وبفضل الشريحة سأتمكن من استعادة الإحساس خلال 3 أشهر ولكن لم يحدث ذلك حتى بعد 6 أشهر».
وأوضح أنه بعدها تقرر سفره إلى الهند أيضاً بواسطة اللجنة الفنية للمصابين بغرض العلاج الطبيعي رغم أنه لم يصل لمرحلة العلاج الطبيعي.
شريحة
وواصل مدثر حديثه لـ«التغيير» قائلاً: «هنالك طلبوا إجراء عملية أخرى- تركيب شريحة- لاستعادة التحكم في البول والجسم ومن بعدها العلاج الطبيعي».
وأضاف: «بالفعل تم تركيب شريحة أخرى أمريكية ولكن أيضا لم يحدث أي تحسن». وتابع: «مكثت بالهند وأوكرانيا عاماً كاملاً وعند العودة طلبت إخراج الشريحة لأنني لم أشعر بتحسن إلا أن اللجنة الفنية رفضت وأنا الآن في الانتظار».
طلقة كلاشنكوف
طلقة كلاشنكوف أصابت معتصم صديق في فخذه مع بدايات الحراك الثوري في العام 2018م بولاية القضارف- شرقي السودان وحولت حياته إلى معاناة مستمرة.
خضع معتصم- الذي روى لـ«التغيير» معاناته- لعملية جراحية بمستشفى القضارف لاستخراج الرصاصة من ساقه لكن الرجل تورّمت بسبب «رايش» آخر اصاب الساق مما دفع الأطباء لإجراء عملية أخرى، ولاحقاً تحرك «الرايش» في الساق ذاتها من الأمام للخلف مما اضطر الطاقم الطبي إلى فتح الساق من الخلف.
رجل معتصم أصابتها تشوهات جراء الإصابة والعمليات.
خطأ طبي
أثناء محاولة الأطباء معرفة مكان إصابة «الرايش» ارتكبوا خطأ طبياً- بحسب معتصم الذي أوضح أنهم قاموا بقطع شريان واتلاف العصب.
بعدها سافر معتصم من مدينة القضارف إلى الجزيرة طلباً للعلاج بعد أن ساءت حالته الصحية، وهنالك اكتشف الأطباء وجود قطع في العصب حيث أجرى عملية من جيبه الخاص بمبلغ «650» ألف جنيه لخياطة العصب، لكن الألم استمر.
استمرار الألم دفع معتصم إلى التفكير في السفر للخرطوم بعد أن تعرف على «مصطفى» المسؤول الطبي لمصابي ثورة ديسمبر لكنه لم يكن يمتلك حتي ثمن التذكرة إلى الخرطوم، حيث رفضت السلطات بالولاية مساعدته واضطر إلى الركوب في شاحنة مع الماشية حتى يصل إلى العاصمة.
وبالفعل أجرى عملية في مستشفى فضيل وتم تركيب جهاز لمساعدتة على المشي.
المشكلة التي يعاني منها معتصم حالياً هي بسبب الخطأ الطبي الذي ارتكبه الأطباء في القضارف وتسبّب في اتلاف العصب الأمر الذي يتطلّب إجراء عملية خارج السودان- حسب ما قال لـ«التغيير».
قنبلة صوتية
تتشابه قصة خالد بابكر خوجلي مع قصص الكثيرين، حيث بترت يده من الكف نتيجة انفجار قنبلة صوتية بمنطقة شرق النيل- الجريف خلال بدايات الثورة في موكب 19 يناير 2019م.
وأوضح خالد لـ«التغيير»، أنه تعالج على نفقته الخاصة في مستشفيات الكويتي والمنيرة وبحري.
خالد يتطلع لعمل طرف «يد صناعية» لكنه لم يجد تجاوباً ورداً من قبل اللجنة الفنية للمصابين التي سلّمها أوراقه منذ فترة.
يقول خالد: «أنا رب أسرة وانتظر العلاج لأمارس عملي وإعالة أسرتي».
وطالب خالد بحل اللجنة الفنية للمصابين لأنها لم توفِ بالتزاماتها في علاج المصابين واستبدالها بلجنة أخرى- حسب تعبيره.
إحصائيات بتر وشلل
وكشف مسؤول المكتب الطبي لمصابي ثورة ديسمبر مصطفى أحمد خليل في إفاداته لـ«التغيير»، عن وجود «18» حالة بتر ساق بجانب «34» حالة شلل و«28» حالة فقدان للعيون بالإضافة لـ«31» حالة بتر لكف اليد.
ووجه مصطفى انتقادات حادة للجنة الفنية للمصابين، مؤكداً أن معظم الذين سافروا للعلاج بالخارج لم يكتمل علاجهم بل على العكس تفاقمت مشاكلهم الصحية خاصةً مرضى العظام والنخاع الشوكي.
وأوضح أن كل مرضى ومصابي النخاع الشوكي الذين ركبت لهم «شرائح» سبّبت لهم مشاكل لأن الشرائح قديمة منذ العام 2013م وحالياً يطالب المصابون بإخراجها.
اتهامات
واتهم مصطفى اللجنة الفنية بممارسة ضغط وتهديد للمرضى المصابين الذين يتعالجون بالخارج وإجبارهم على استخدام العلاج الفاشل.
وطالب بإقالة اللجنة الفنية للمصابين فوراً ومحاسبتها وتكملة العلاج مع جمعية ذات اختصاص بقيادة القمسيون الطبي والإدارات المتخصصة، ونوّه في الوقت ذاته بالصندوق القومي للتأمين الصحي لمساهمته وتكفله بحالات العلاج بالداخل- حسب قوله.
اللجنة الفنية ترد
اللجنة الفنية للمصابين أوضحت لـ«التغيير»، أنها جهة طوعية، وأن السفر للخارج يتم عبر القمسيون الطبي، كما أن مراحل العلاج تتم بواسطة الأطباء.
وأكدت اللجنة أنها استطاعت تسفير عدد كبير من الثوار للهند «12 دفعة»، بجانب تركيا وأوكرانيا «5 مستشفيات» وروسيا ومصر والأردن حيث تكفلت بالعلاج ونفقات المرافق بنسبة «100%».
وأوضحت اللجنة أن بعض الذين سافروا إلى الخارج لديهم مشاكل معقّدة وانهم يفعلون ما في وسعهم للعلاج ولديهم خط ساخن للشكاوى.
السودان: رغم الآلام والمعاناة.. مصابو ثورة ديسمبر يتمسكون بمدنية الدولة ومحاسبة القتلة
