ازدواجية المعايير
ازدواجية المعايير
لم تعد بيانات البرلمان الأوروبي تحمل جديدا تجاه مصر, فمنذ القبض علي أيمن نور وإدانته بتزوير توكيلات حزب النور وحبسه اعتبروه ناشطا سياسيا وأنه لا يجوز الحكم عليه لأنه كان مرشحا لرئاسة الجمهورية وكأن صك المرور للتجاوز والقفز فوق القوانين هو أن ترشح نفسك لمنصب مرموق حتي لو لم تنل حظا.. وتوالت بيانات البرلمان منذ سقوط حكم الإخوان ما بين الشجب والإعراب عن القلق إلي إدانة بعض القرارات التي اتخذتها الدولة المصرية.. وكأننا كنا في بحبوحة من العيش والديمقراطية تسمح بأن نفتح المجال علي مصراعيه لنعيد إنتاج الفوضي التي أعقبت أحداث يناير مرة أخري والتي جلبت في طياتها الهدم أكثر من البناء.. صحيح أننا تخلصنا من حكم شاب وهرم وتوقف عن الخلق والإبداع سنوات أدت إلي تخلينا عن الركب.. ولكننا في المقابل دمرنا الاقتصاد والسياحة وبعض البنية الأساسية ودفعنا الثمن مرتين مرة في البناء ومرة أخري في إعادة البناء ولا أتجاوز إذا قلت إن بعضا مما فقدناه لم يتعاف حتي الآن.. ليطل علينا مجددا البرلمان ذاته ويخلط بعضا من الحقائق بكثير من الأكاذيب وهو ما يتلقاه من بعض المنظمات المسيسة والتي اعتادت علي قلب الحقائق وأخذ حجرا من الحقيقة لتبني عليه أهراما من الأكاذيب فمنذ متي تحكم مصر علي الأطفال بالإعدام وهناك قانون طفل يحجم القضاء حتي في قضايا القتل التي تهز الرأي العام فلا يستطيع القاضي إلا أن يصدر الحد الأقصي وهو خمسة عشر عاما طالما أن المتهم لم يبلغ الثامنة عشرة.. وكيف يدعون أن مصر تعيش حالة طوارئ وقد صدر رسميا مرسوم من رئاسة الجمهورية بإلغاء حالة الطوارئ فور إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أكتوبر من العام الماضي.. وهل يستطيع البرلمان الأوروبي تقديم اسم واحد تم القبض عليه بموجب قانون الطوارئ خلال هذا العام.. أما عن مطالبة البرلمان بإخلاء سبيل شخص معين فهذا شيء عجاب فهل منحه الجنسية الإنجليزية يعطيه الحق في ذلك.. وإذا سلمنا بهذا أليس من الغبن إطلاق سراحه وترك أقرانه ممن لا يحملون تلك الجنسية أو غيرها في السجون؟ وهل هذا من مبادئ حقوق الإنسان.. نحن لا نتمني السجن لأحد ولكن عندما نطلب الحرية فمن المنطق أن نطلبها للجميع مش خيار وفاقوس كالمثل المصري القديم.. وهل يجوز للبرلمان المصري أن يطالب بالإفراج عن أسانج المحبوس في السجون الإنجليزية وهو صحفي وناشط سياسي ولم يؤذ أحدا ولكنه كشف بعص الحقائق من تسريبات ويكليكس لصالح الرأي العام.. علما بأنه لم يحرض علي قتل الضباط ولا التنكيل بأسر وأمهات الضباط بفرضية أنهم جبارون وقساة القلوب.. وهل من يضبط الأمن ويحافظ علي وطن تم تشريح أشلائه للقاصي والداني مفترض فيه أن يكون يجيد الطبطبة ويغض الطرف عن المحرضين والمجرمين؟.. نحن نحترم قيم وعادات وتقاليد أوروبا وقوانينهم وعليهم في المقابل أن يكونوا معنا بالمثل.. فلا معتقداتهم تناسبنا ولا العكس مطلوب.. والمفهوم الشامل لحقوق الإنسان لا يتسع فقط للحرية والديمقراطية ولكن يجب أن يكون من يستخدمها علي وعي كامل بهذه الأدوات والا سوف تتحول إلا سلاح يقتل به بطريقة مشروعة فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة.. والحرية مسئولية.. وقبل هذا وذاك لابد أن يكون المواطن قد استمتع بكامل حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقسط وافر من التعليم وتأمين صحي شامل ومستوي معيشة كريم كما يعيش المواطن في تلك البلدان.. وحينها فقط يكون المواطن سيد قراره ومن النضج والكفاية بحيث يستطيع اتخاذ قراره بشفافية عالية.. أما وضع العر بة أمام الحصان سوف يقلب الموازين رأسا علي عقب.. وأخيرا أن الدولة المصرية الآن وقد استعادت قوتها وأمنها لا يضيرها أن تحتفظ بسجين أو سجناء ولا يؤثر عليها إطلاق سراحهم ولكن بنفس المعايير التي تنطبق علي الجميع فهناك أكثر من 1200 شخص تم إطلاق سراحهم بموجب العفو الرئاسي بعد إعادة تشكيل لجنة العفو.. فلا ضير من النظر فيمن تبقي دون أن يستقوي أحد علي الدولة المصرية بحكومات أو برلمانات العالم.. فمصر هي المحراب لكل العاشقين والملاذ لكل الخائفين واللاجئين دون استثناء بلا مخيمات ولا احتجاز علي تخوم الحدود.. واسألوا من يموتون متجمدين علي حدودكم طالبين اللجوء ولقمة العيش بعد أن شردتهم من بلادهم ديمقراطياتكم المزعومة.. وقد نسيتم أو تناسيتم كل مبادئ حقوق الإنسان كما أنتم تكيلون بمكيالين فاعتداء روسيا علي أوكرانيا غير مشروع ومستهجن وهذا حق.. ولكن ماذا عن اعتداء إسرائيل علي فلسطين واحتلال أرضها منذ سبعين عاما أليس هذا نفس الظرف ونفس المعيار.. لماذا في أوروبا تقفون إلي جانب الضحية وفي بلاد العرب تقفون إلي جانب الجلاد؟