ترميم الآثار عمل معقد ودقيق للغاية.. الأمر يشبه أن تعمل فى محطة للطاقة النووية، فلا مجال للخطأ أو التقصير أو التعامل غير المنضبط مع ما يتم ترميمه من قطع أثرية، لأن قيمة القطعة لا تكمن فقط فيها كتحفة فنية، بل كتراث إنسانى وتاريخى مرتبط بوجدان الشعب وتاريخ الدولة المصرية.

وفى مركز صيانة وترميم الآثار بالمتحف القومى للحضارة المصرية، نبصر بأعيننا هذه الدقة والانضباط والعمل الدءوب للإخصائيين الأثريين الذين يعملون على ترميم العديد من القطع الأثرية التى يرجع تاريخها إلى آلاف السنين. فى جولة «الدستور» داخل المركز الذى تصل مساحته إلى ٣٥٠٠ متر مربع، نتعرف على مراحل عمليات الترميم والصيانة التى تتم للقطع.

رئيس الأنوكسيا:الوحدة هى الثالثة على العالم لقتل الحشرات

تضم معامل الترميم والصيانة بالمركز، معامل أخرى فرعية ومتخصصة، تشمل وحدة استقبال الآثار والنقل والتغليف والإسعافات الأولية ومعامل ترميم الأحجار الضخمة والأغراض المتعددة، ومعمل ترميم اللوحات الزيتية والأيقونات ومعمل ترميم المومياوات.

كما تضم معمل ترميم الآثار العضوية، الذى يضم داخله معمل ترميم النسيج والسلاسل، ومعمل ترميم المخطوطات والبردى، ومعمل ترميم الآثار الخشبية، كما يضم معمل ترميم الآثار غير العضوية، ويشمل معمل ترميم الآثار السيلكتية، ومعمل ترميم الآثار المعدنية ومعمل ترميم الآثار الحجرية الصغيرة، وحدة التنظيف.

وفى بداية رحلة القطعة داخل المركز، تدخل إلى منطقة استقبال الآثار، سواء كانت آتية من مخزن المتحف أو محولة من أحد المتاحف الأخرى، ثم تدخل غرفة التغليف وفض التغليف للتعرف عليها وفحصها وكتابة تقرير بحالتها المقبلة بها، ثم تدخل بعد ذلك إلى وحدة الأنوكسيا.

تكشف الدكتورة هيام بيومى، رئيس وحدة الأنوكسيا، عن أن وحدتها هى الثالثة على مستوى العالم، حيث تقع الأولى فى فرنسا، والثانية فى أبوظبى، وتختص بعلاج التلف البيولوجى للقطعة الأثرية، خصوصًا التى تسببت بها الحشرات، وبالذات الآثار العضوية، لتدخل القطعة بعد ذلك إلى غرفة التعقيم التى تتسع للعديد من القطع، وتظل القطع داخلها لمدة تتراوح بين ٢١ يومًا و٣٠ يومًا لقتل أى حشرات موجودة فيها.

وقالت إن هذه الطريقة هى الأحدث على مستوى العالم فى القضاء على الحشرات داخل الأثر، لافتة إلى أنه قديمًا كان يتم استخدام المواد الكيمائية فى العملية، لكنها كانت تؤثر على القطع، مضيفة أن ما يتم داخل الوحدة آمن تمامًا على القطعة الأثرية.

إخصائيو ترميم: تنظيف ميكانيكى.. ومعامل عضوية للمنسوجات

تحدث شعبان ثابت، إخصائى الترميم بالمركز، عن آلية عمل وحدة الإسعافات الأولية، قائلًا إنها تشبه غرف المستشفيات، وتُستخدم لإجراء الإسعافات للقطعة قبل تحويلها إلى المعمل المختص بها من بين المعامل المركزية.

وذكر أن القطع قد تضم منسوجات أو معادن أو فخارًا أو أخشابًا أو لوحات أو أحجارًا صغيرة أو مومياوات، وتكون إما آتية من المخازن أو من المتاحف الأخرى، لافتًا إلى أنه فى البداية يتم إجراء تنظيف ميكانيكى للقطعة ثم يتم إجراء تنظيف كيميائى لها ويتم تجميع القطعة فى حالة وجود أى كسور بها قبل تحويلها إلى المعمل المختص لاستكمال مهمته. 

وأما محمد عبدالشافى، مدير عام المركز، فأوضح لنا أن المكان يتعامل مع كل القطع الأثرية من كل الأزمنة، بداية من عصر ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث.

وقال: «ستجد داخل المتحف قطعًا أثرية للفنانين من العصر الحديث كمحمود مختار، ومحمد مندور وغيرهما، وهذا ما يميز متحف الحضارة عن أى متحف آخر، كل متحف يروى حكاية حقبة محددة، أما متحف الحضارة يروى تاريخ الحضارة المصرية وصولًا إلى العصر الحديث». 

وأضاف: «بعد الانتهاء من ترميم القطع الأثرية داخل معمل الإسعافات الأولية، يتم تحويلها لمعامل الترميم المركزية»، متابعًا: «لدينا معامل عضوية لترميم المنسوجات والمخطوطات والأخشاب، ومعامل غير عضوية لترميم المعادن والفخار والأحجار الصغيرة».

وفى داخل معمل ترميم المنسوجات، التقينا محمد عفت، إخصائى ترميم بمعمل النسيج والسلاسل بالمركز، وقال: «نستقبل قطعة المنسوجات بعد خروجها من الأنوكسيا ويتم فحصها لنتعرف على طبيعة الألياف المستخدمة فيها ونوع الألياف عن طريق الأجهزة الحديثة وباستخدام الميكروسكوب حتى نتمكن من الوصول إلى أفضل طريقة لمعالجة القطعة دون ترك أى آثار سلبية عليها».

وتابع: «بعد ذلك تتم إزالة الأتربة والتنظيف الميكانيكى على حسب نوع قطعة المنسوجات، خاصة أن القطع التى نتعامل معها من آلاف السنين، وهناك بعض المنسوجات ذات الخيوط المذهبة أو الفضية نتعامل معها؛ لتخرج بنفس اللون الذى كانت عليه، وبنفس المواد المستخدمة فى صناعتها لعدم الإضرار بها».

وانتقلنا لمعمل ترميم المخطوطات، ليستقبلنا الدكتور سعيد زيدان، إخصائى ترميم مخطوطات البردى بالمركز، وقال: «يتم ترميم الكتب من العصور المختلفة والمجهولة الهوية، والمجهولة المؤلف».

وأضاف: «دائمًا ما تكون الصفحات متفرقة، ويتم توثيق الكتاب وإدراجه فى العصر الزمنى الذى صدر فيه ومعرفة مؤلف الكتاب»، متابعًا: «أول خطوة فى شغلى بحاول أعرف الكتاب يتبع أى عصر زمنى، وده مهم جدًا بالنسبة لى عشان أعرف الحبر اللى استخدم تركيبته إيه، والمادة المصنع بها ورق الكتاب، ومعرفة المواد اللاصقة أو طراز التجليد المستخدم فى هذا العصر، لرصد المشاكل التى ستواجهنى فى عملية التوثيق وإيجاد الحلول لها».

وتابع: «بعد التعرف على تاريخ الكتاب نبدأ بأخذ نص منه للبحث عنه بشبكة الإنترنت أو بالمرجعيات فى المكتبات»، لافتًا إلى أنه خلال التعامل مع المخطوطات الورقية، يتم ترميم الجلد والورق و«البارشمنت» أيضًا.

شروق سليمان: توثيق هندسى للأخشاب.. ويحيى حسين: دورنا ترميم الفخار والسيراميك

تجولنا فى معمل الأخشاب، والتقينا شروق سليمان، إخصائى الترميم بالمعمل، قائلة إنه يتم ترميم القطع الخشبية بعد أن تصل إليهم من وحدة الأنوكسيا، خاصة أن الأخشاب أداة عضوية تتأثر وتتعرض للإصابة بصفة عامة.

وتابعت: «يتم إجراء الترميم وعملية التوثيق للقطعة الخشبية، سواء كان توثيقًا هندسيًا لأخذ أبعاد القطعة الكاملة، أو توثيقًا فوتوغرافيًا؛ لتتم معرفة تفاصيل القطعة قبل مراحل العلاج المختلفة».

وذكرت أنه فى مرحلة العلاج، يتم رصد كل مظاهر التلف فى القطعة، سواء كانت هناك شروخ أو أجزاء مفقودة، ثم يتم البدء فى مرحلة الترميم بالتنظيف الميكانيكى للقطعة لإزالة الأتربة أو أى مواد ملتصقة بها.

وفى معمل ترميم المعادن، التقينا يحيى حسين، رئيس معمل ترميم الزجاج والمعادن، وهو يتبع معمل الآثار غير العضوية، ويختص بترميم الفخار والسيراميك والزجاج والمعادن.

وقال: «القطعة تأتى إلينا، سواء كانت فى حالة جيدة أو سيئة، مع العلم أن الظروف البيئية التى كانت موجودة فيها، سواء فى الدفن أو طريقة عرضها فى المتاحف أو المخازن الأثرية تؤثر على القطع».