بعد مقتله في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 1993، اكتشف العالم وجود حديقة الحيوانات الخاصة  في مزرعته المسماة "هاسيندا نابوليس" في مقاطعة أنتيوكيا بشمال غرب . اكتشاف من بين عدة اكتشافات، غريبة أحيانا وخارجة عن المألوف أحيانا أخرى. وضمت هذه الحديقة نحو 200 حيوان، بينها حيوانات نادرة: زرافات، حمير وحشية، نمور، حيوانات الكنغر، النحام الوردي… وأربعة من حيوان فرس النهر الضخم.

"مستعمرة أفراس نهر"

مع سقوط الإمبراطور الشهير والاستحواذ على أملاكه، باعت السلطات هذه "الكتيبة من الحيوانات المتوحشة والفريدة" إلى حدائق حيوانات في كولومبيا باستثناء حيوانات فرس النهر، التي لم تعثر السلطات على حلول فعالة بشأنها لضخامتها وثقلها، وصعوبة تنقلها أو نقلها نحو أماكن أخرى... لتشكل هذه الحيوانات مع مرور الوقت وبفعل التزاوج بينها "مستعمرة أفراس نهر" حقيقية بحسب السلطات الكولومبية.

أفراس النهر هذه، كانت من أبرز الحيوانات التي كونت حديقة حيوانه الغريبة، وكانت ذكرا واحدا وثلاث إناث، جلبها من أفريقيا بشكل غير قانوني. ومع أواخر الثمانينيات، تكاثروا بشكل عشوائي في أحد روافد نهر ماجدالينا. تقدر الحكومة الكولومبية اليوم عدد أفراس النهر المتكاثرة منذ حقبة إسكوبار بين 130 و160 حيوانا. 

وهو ما يعتبر تحديا بيئيا كبيرا للسلطات الكولومبية التي تعتبرها "حيوانات غازية". لأن انتشارها العشوائي أدخل اضطرابا على النظام البيئي المحلي كما أنها تشكل تهديدا لسلامة السكان وأهالي المنطقة.

وكأن "شبح بابلو" أراد الانتقام بطريقته الخاصة والغريبة من السلطات التي أزهقت حياته بعد مطاردة حبست الأنفاس.

كارثة بيئية تهدد المنطقة ونهر ماجدالينا

هذه الحيوانات وجدت في هذه المنطقة الحارة والرطبة ملاذا ملائما لها خصوصا لغياب حيوانات مفترسة أخرى قد تهدد سلامتها وهو ما ساهم في تكاثرها حتى أنها أصبحت اليوم تشكل أكبر تجمع لأفراس النهر حول العالم خارج أفريقيا. وتتوقع إحدى الدراسات المحلية أن يقفز عدد هذه الحيوانات بحلول عام 2034 إلى نحو 1400 فرس نهر، وهو ما قد يشكل كارثة بيئية بحسب السلطات. خاصة أن هذه الحيوانات تفترس يوميا نحو 40 كيلوغراما من العشب وتسمم فضلاتها نهر ماجدالينا. كما أنها تقضي على كل الحيوانات التي تعترضها وكثيرا ما تهاجم الأهالي والصيادين وهو ما جعل السلطات الكولومبية تصنفها كحيوانات غازية. وسجل اعتداءان استهدفا شخصين من سكان المنطقة في 2021 تسبب فيهما أفراس نهر.

محاولات فاشلة للسيطرة على تكاثرها 

السلطات الكولومبية قررت التحرك للسيطرة على هذه الحيوانات المتوحشة ومنع تكاثرها بالتعاون مع الولايات المتحدة. وحاولت على ما يبدو بدون جدوى تطبيق برنامج تعقيم للسيطرة على تكاثرها من خلال رشقها بسهام تحمل لقاحا أمريكيا يسمى "غونا كون" لمنع الحمل. إلا أن نتيجته كانت سطحية وغير فعالة. وطرحت خيارات أخرى كصيد وقتل هذه الحيوانات لحماية النظام البيئي المحلي والسكان. غير أن محاميا كولومبيا اسمه دومينغو غوماز مالدونادو يدافع عن حقوق الحيوانات، رفع دعوى استئناف أمام القضاء في2021 طالب فيها بعدم إعدام هذه الحيوانات واعتبار أفراس النهر "كائنات واعية" لا يمكن قتلها. 

وتعمل منظمة كورنار الإقليمية البيئة على تنفيذ برنامج تعقيم لأفراس النهر هذه. وإلى اليوم، تمكنت من تعقيم حوالي خمسين منها لمنع تكاثرها.

ترحيل أفراس النهر خارج البلاد    

في آخر المطاف عثرت السلطات الكولومبية على حل آخر بخصوص هذه الحيوانات "الثقيلة" ماديا ومعنويا، وقررت ترحيلها إلى الهند والمكسيك بحلول شهر يوليو/تموز المقبل. عملية مكلفة للغاية حيث من المتوقع أن تصل كلفة نقل هذه الحيوانات بالطائرة إلى حوالي 3.5 مليون دولار.  

قرار أعلنته حكومة أنتيوكيا المحلية يوم الأربعاء 29 مارس/ آذار 2023 حين كشفت عن اتفاقية مع عدة أجهزة ومنظمات، من بينها المعهد الزراعي الكولومبي وسلاح الجو الكولومبي ومحمية أوستوك في المكسيك، للتخلص من سبعين فرس نهر من أفراس بابلو إسكوبار. عشرة منها ستستقر بمحمية أوستوك المكسيكية، وستون ستستقبلهم حدائق حيوانات في الهند. مدة تنفيذ هذه المهمة حددت بستة أشهر، وتتمثل في دفع هذه الحيوانات بدون تنويمها أو تخديرها إلى صناديق حديدية خاصة لتسهيل نقلها جوا بعد ذلك إلى أماكن إيوائها الجديدة. 

أنيبال غافيريا، حاكم منطقة أنتيوكيا صرح الأربعاء الماضي خلال ندوة صحفية بأن كل ما يحتاجونه الآن هو استخراج وثيقة أشبه "بجواز السفر" لهذه الحيوانات، ويمكن إصداره بعد الحصول على ترخيص من صندوق "سيتاس" المعني بتنفيذ معاهدة التجارة العالمية لأصناف الحيوان والنبات البري المهدد بالانقراض. لتتخلص ربما كولومبيا مجددا من إرث ثقيل لرجل أثقل كاهلها لعقود.

عماد بنسعيّد