ألمانيا تفتح أبواب مناجمها بحثا عن الاكتفاء الذاتي | صحيفة الاقتصادية


ظل منجم كافرستيج الواقع على أطراف الغابة السوداء خاملا لمدة 27 عاما، وتم التخلي عن احتياطاته المعدنية الغنية، وأقفلت بواباته وغمرت أنفاقه بمياه الفيضانات.
الآن هذه البوابات على وشك أن يعاد فتحها، حيث تسعى ألمانيا لتقليل اعتمادها على المعادن المهمة المستوردة عبر استخراج مزيد منها بنفسها.
قال سيمون بودنشتاينر، الرئيس التنفيذي لدويتشه فلوسبات، شركة ألمانية ناشئة تخطط إلى إعادة تنشيط المنجم، "إذا كنا نريد حقا حدوث ثورة في مجال النقل والموارد اللازمة لذلك، فلا توجد طريقة غير هذا المشروع. ونحن مستعدون للانطلاق".
يقع منجم كافرستيج فوق ما يعتقد أنه أكبر مخزون من الفلورسبار في أوروبا، وهو عنصر حاسم في صنع السيارات الكهربائية. حيث تتطلب كل بطارية في سيارة فولكس فاجن أي دي.4، وهي أول سيارة دفع رباعي كهربائية للشركة، نحو عشرة كيلوجرامات كجم من هذا المعدن.
تستورد ألمانيا حاليا كميات كبيرة منه من المكسيك. لذلك يتمثل الحلم في تحقيق قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي، ليس فقط في الفلورسبار - الذي كثيرا ما يلقب "بأخ الليثيوم الصغير" - لكن أيضا في السلع الأخرى التي يحتاج إليها البلد من أجل التحول الأخضر.
قالت فرانزيسكا برانتنر، وزيرة الدولة في وزارة الاقتصاد، التي تقود جهود برلين لجعل سلاسل التوريد الخاصة بها أكثر مرونة، "ينبغي أن نستخدم الإمكانات التي لدينا وأن نثبت أن التعدين الأخضر والمستدام أمر ممكن. تاريخيا، كانت ألمانيا دائما بلدا ينتج المواد الخام".
منذ جائحة كوفيد- 19، تسارع الحكومات الغربية لحماية اقتصاداتها من الاضطرابات في التجارة، عبر كل شيء من "الاستعانة بالأصدقاء" - نقل سلاسل التوريد إلى دول موثوقة - إلى الانفصال التام عن الصين.
أدت المخاوف من نشوب نزاع بين الشرق والغرب على تايوان إلى تكثيف رغبة الولايات المتحدة وأوروبا في تقليل اعتمادهما على الصين للحصول على مجموعة من المواد المهمة. حيث يعتمد الاتحاد الأوروبي، مثلا، على الصين في 72 في المائة من معادنها الأرضية النادرة، مكون أساس لأجهزة الحاسوب، والهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية، وفقا لوكالة المواد الخام الألمانية ديرا.
يقول قادة الأعمال، الذين تضرروا بسبب الاضطرابات الناجمة عن تعليق روسيا صادرات الغاز إلى أوروبا بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، إنه يتوجب على ألمانيا التحرك سريعا لتجنب الوقوع في الفخ نفسه مع الصين.
قال ماتياس واتشتر من بي دي آي، جماعة الضغط التجارية الرئيسة في ألمانيا، "إننا نعتمد بالفعل على الصين في معادن معينة أكثر مما كنا نعتمد على روسيا من أجل الغاز. وهذا يمثل خطرا كبيرا".
تظهر البيانات التي جمعتها وكالة ديرا مدى اعتماد ألمانيا وأوروبا على مجموعة صغيرة من الموردين. في 2021، استورد الاتحاد الأوروبي 96 في المائة من الفلورسبار من تركيا، و98 في المائة من أكسيد النيكل من روسيا و83 في المائة من الجاليوم والجرمانيوم من الصين.
كما أن سوق الفلورسبار متركزة بشكل كبير، إذ يصدره عدد قليل فقط من الدول، ويغطي الإنتاج المحلي في أوروبا ثلث احتياطياتها فقط من المعدن فقط، وفقا لبودنشتاينر. قال، "ارتفعت الأسعار بشكل مطرد على مدى الأعوام الـ20 الماضية مع خفض الصين صادراتها، ونضوب المناجم الحالية وفتح عدد قليل من المناجم الجديدة".
تمثلت استجابة ألمانيا في إصلاح استراتيجيتها الخاصة بالمواد الخام، بهدف تعزيز دور الدولة في تأمين الإمدادات الحيوية. لعبت برانتنر دورا أساسيا في صياغة الاستراتيجية، التي نشرت نسخة أولية منها في كانون الثاني (يناير).
تقول الورقة البحثية إن الإمدادات غير الكافية من المواد الحيوية مثل الليثيوم، والنحاس والأتربة النادرة يشكل "خطرا كبيرا" على تحقيق أهداف المناخ العالمية. وترى حلا محتملا في "صندوق المواد الخام" بين القطاعين العام والخاص لدعم مشاريع التعدين، والمعالجة وإعادة التدوير في ألمانيا والاتحاد الأوروبي عبر المنح، والقروض وضمانات الاستثمار.
كما أنها تطرح أفكارا لزيادة الاستثمار في مجال إعادة التدوير، وإنشاء مخزون حكومي من المواد الخام الاستراتيجية وإنشاء "شراكات أمن المعادن" مع الدول المصدرة مثل كندا وأستراليا، إضافة إلى توسيع الإنتاج المحلي.
يعيد الاتحاد الأوروبي أيضا تقييم نهجه. أنتج قانون المواد الخام المهمة الذي سيحدد حصصا للإنتاج المحلي للمعادن ويقلل من الحواجز التنظيمية للقائمين بالتعدين. يعد فلورسبار واحدا من 34 سلعة مدرجة على أنها مهمة.
يجسد إحياء منجم كافرستيج، الواقع في منطقة كثيفة الأشجار بالقرب من مدينة بفورتسهايم، وهي مركز للمجوهرات وصناعة الساعات في جنوب غرب ألمانيا، الاهتمام المتجدد باستغلال الثروة المعدنية للبلد.
بدأ تشغيل المنجم لأول مرة في 1935، في وقت كان الاستخدام الرئيس للفلورسبار في صناعة المعادن، إذ إنه يخفض درجة حرارة الانصهار في إنتاج الصلب والألمنيوم، وبالتالي يحسن من كفاءة الطاقة.
لكن في التسعينيات، وقعت الصناعة في أزمة. غمرت السوق موجة من الفلورسبار الصيني الذي أدى إلى انخفاض الأسعار إلى ما دون الدولار بما يعادل 100 يورو للطن. وقامت شركة باير، مالكة منجم كافرستيج آنذاك، بإغلاقه في 1996.
منذ ذلك الحين، ارتفعت الأسعار، حيث قفزت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 700 يورو للطن في صيف 2022 مع ارتفاع الطلب على المعدن - المستخدم في الوحدات الشمسية وبطاريات الليثيوم-أيون. "وقد انخفض منذ ذلك الحين إلى نحو 560 يورو للطن".
تشير توقعات شركة دويتشه فلوسبات إلى أن طلب الاتحاد الأوروبي على مركزات الفلورسبار يمكن أن يرتفع من 755 ألف طن سنويا في 2020 إلى 1.1 مليون طن بحلول نهاية العقد، إذا استخدمت شركات صناعة السيارات في الكتلة مركبات بطاريات من مصادر في أوروبا لتحقيق أهداف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
يمكن أن ينتج منجم كافرستيج، الذي يقال إنه يحتوي على نحو مليوني طن من الفلورسبار الخام، 100 ألف طن سنويا بعد 2029، ما يلبي 40 في المائة من الطلب الألماني و13 في المائة من الطلب الأوروبي، وفقا لبودنشتاينر.
يشار إلى أنه ليس مشروع التعدين الجديد الوحيد في ألمانيا. إذ تخطط شركة زينوالد ليثيوم المدرجة في لندن إلى استخراج رواسب ضخمة من الليثيوم على الحدود الألمانية-التشيكية في ولاية سكسونيا، بينما تهدف شركة فولكان إنرجي ريسورسيز إلى إنتاج الليثيوم من المياه الحرارية في أوبررينجرابين، بالقرب من كارلسروه في جنوب غرب ألمانيا.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن التركيز على استخلاص المواد الخام محدود جدا. قال صيامند البرازي، خبير في وكالة ديرا، "التعدين وحده لا يكفي. نحتاج إلى البدء في التفكير في سلاسل القيمة الكاملة مرة أخرى، وهذا يعني المعالجة إضافة إلى التعدين".
قال إنه نهج يدعم قانون خفض التضخم الأمريكي، الذي ينفق مليارات الدولارات في شكل إعانات على تكنولوجيات التحول الأخضر.
لكن ظروف العمل في ألمانيا - ولا سيما التكلفة العالية للكهرباء - بالكاد تساعد على الاستثمار على نطاق واسع. أضاف البرازي، "إذا لم نتمكن من تقديم أسعار طاقة تنافسية لمعالجة المعادن، كثيفة استهلاك الطاقة، فسيكون ذلك صعبا على أوروبا".
جادل واتشتر، من مجموعة بي دي آي، بأن بعض الضجيج حول حدوث طفرة محلية المحتملة في المواد الحيوية مبالغ فيه. وقال، "فكرة أن ألمانيا يمكن أن تصبح مكتفية ذاتيا هي فكرة غير واقعية. لكن بعض المواد الخام التي نحتاج إليها يمكن إنتاجها هنا بالفعل. وهذا يمنحنا ميزة كبيرة".

تاريخ الخبر: 2023-05-04 21:23:05
المصدر: صحيفة الإقتصادية - السعودية
التصنيف: إقتصاد
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 44%

آخر الأخبار حول العالم

صباح الخير يا مصر..

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-17 09:21:51
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

في سوق الأسهم .. أول الغيث قد يكون خسارة

المصدر: أرقام - الإمارات التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-17 09:24:30
مستوى الصحة: 37% الأهمية: 35%

مصر‏ ‏لن‏ ‏ولم‏ ‏تخضع‏ ‏للابتراز

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-17 09:21:49
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 58%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية